علي الكاش
3. هل هناك حقا حضارة فارسية قبل الإسلام؟
العراق كما هو معروف هو مهد العلوم والمعارف والحضارات، بل العراق بلا جدال هو قبلة العالم الثقافية، وتأتيه طلبة العلم والمعرفة من شتى أنحاء العالم، لتنهل من المعارف التي تركها السلف. فهل ما كان في بلاد فارس من علوم ومعارف يوازيها؟ وهل كان طلاب العلم يرتادون بلاد فارس للدراسة؟
الجواب: كلا بالطبع!
إن بعض الحضارات التأريخية لا يعني إنها حضارات علوم وفنون وآداب ومعارف ونهضة علمية، فالحضارة الرومانية مثلا هي حضارة حربية وليست مدنية أساسها الحروب والاحتلال والتوسع. وهذا ما يقال أيضا عن الحضارة الفارسية التي سبقت الإسلام ويتشدق بها الفرس باطلا وزيفا، فلا توجد حضارة فارسية حقيقية في أي من العلوم والمعارف باستثناء الجانب الحربي والتوسع والاستيطان وبعض العمران وتنظيم الدواوين. وحتى العمران فهو محدد الأفق. لاحظ في العراق لا يوجد من معالم العمران الفارسي غير إيوان كسرى. في حين كان المعمار الكبير في العراق حيث الجنائن المعلقة ومعالم نينوى ومنارتها الحدباء وبابل وأور، ووصل العمران أعظمه في زمن الخلافة العباسية من خلال تخطيط مدن بغداد وسامراء وقصور الخلفاء المميزة، التي جسدها الشعراء في أشعارهم. قال علي بن الجهم في قصر الجعفري الذي بناه المتوكل ويقارنه بهندسة الروم والفرس:
وما زلت أسمع أنّ الملوك تبني على قـدر أقدارها
وأعلم أنّ عــقول الرجال يقضى عليهـــــا بآثارها
فلما رأينا الإمــــــــــــام رأينا الخلافـــة في دارها
بدائع لـــــــم ترها فارس ولا الروم في طول أعمارها
وللروم ما شيّد الأولون وللفرس آثار أحرارهـــــا
وكنا نحسّ لــها نخـــــــوة فطامنت نخوة جبّارها
وأنشأت تحتج للمسلمــــين على ملحديها وكفّارها
صحون تسافر فيها العيون إذا ما تجلّت لأبصارها
وقبة ملك كأنّ النجـــــــوم تفضي إليها بأسرارهــا
تخرّ الوفــــــــود لها سجّدا سجود النصارى لكبّارها
لها شرفات كأنّ الربيـــــع كساها الرياض بأنوارها
وأروقة شطرها للرخــــام وللتبر أكرم أشطارهــا
إذا رمقت تستبين العــيون منها منابت أشفارهــــا
لو أنّ سليمان أدّت لــــــه شياطينه بعض أخبارها
لأيقنّ أنّ بني هاشـــــــــم يقدّمها فضل أخطارهــا
فلا زالت الأرض معمورة بعمرك تأخير أعمارها (كتاب البلدان للهمداني/369).
كما قال الحسين بن الضحاك في سرمرى من شعر طويل:
سكنّ إلى خير مسكونة تقسمها راغب من أمم
مباركة شاد بنيانها بخير المواطن خير الأمم
كأنّ بها نشر كافوره لبرد ثراها وطيب النسم
وقوله: