العيد القومي الآشوري.. رأس السنة الأشورية (اكيتو).. من ميثولوجيا الآشورية.. استقصاء تأثيراتها على ثقافة الأقوام والشعوب والأمم الأخرى
فواد الكنجي
الأول من نيسان عيد الطبيعة.. والآلهة.. والإنسان؛ هكذا توصف (الميثولوجيا الآشورية) شهر (نيسان)، ففي (الأول من نيسان) من كل عام، يحتفل (الشعب الآشوري) في (بلاد الرافدين – بلاد ما بين النهرين – العراق الحالي)؛ في هذا اليوم وأينما وجدوا في كل بقاع العالم بعد تشتيتهم اثر موجات الهجرة الكبيرة نتيجة الاستهداف المنظم والقمع المستمر ولأسباب (دينية) و(قومية) منذ سقوط الإمبراطورية (الأشورية) في عام 612 قبل الميلاد والى يومنا هذا؛ من قتل.. وإقصاء.. وتهميش.. وتميز.. وتهجير قسري، بعيد (رأس السنة الآشورية) والذي يسمى بعيد (اكيتو) من خلال إقامة احتفالات ومهرجانات شعبية تتخللها فعاليات فنية وتراثية متنوعة من غناء والرقص وارتداء ملابس تراثية وتقديم أكلات شعبية وغيرها من التقاليد القومية المهيبة، وفي الأغلب تقام هذه (الاحتفالات) في الطبيعة بين أحضان الزهور والورود وألوانها الزاهية التي تتزين بها الطبيعة في هذا الموسم الربيعي؛ حيث العشب الأخضر الخلاب الذي يسر الناضر، والتي تعبر عن أريج وعبق وعمق الحضارة (الآشورية).
فالتاريخ (الأول من نيسان) ليس مجرد تأريخ؛ بل يعتبر أول فكرة يتبلور مفهومها الفلسفي في ذهن الإنسان (الآشوري) لتدفعه لاستقصاء دلالات مهمة لضبط تقويم لحياته اليومية؛ ليشكل هذا التاريخ بداية لكتابة أول التقويم السنوي؛ بكونه يعتبر بداية حقيقية لتكوين ذاكرة الإنسان التاريخية. ومن هنا بداء (الإنسان الآشوري) يدون كل الظواهر الطبيعية التي تؤثر بشكل مباشر على الحياة ونشاطه الزراعي والتي تحدث في بيئته؛ بل وكل الحوادث الاجتماعية؛ ومن هنا بدأت مرحلةَ انعطاف هامة في حياة المجتمع (الآشوري) في تلك المرحلة؛ بتأسيس ذاكرة للتاريخ يؤرخ ويدون فيه مشاهداته لوقائع تحدث في بيئته؛ واستنتج من خلال متابعة لكثير من الظواهر الطبيعية والفلكية بأنها تحدث وتتكرر في أزمنه محددة؛ واستطاع تحديدها، فجاء تحديد بداية السنة (الآشورية) مع تجدد الحياة في الطبيعة وبداية دورتها وخصوبتها في (شهر نيسان)؛ وقد حدد الأول منه تاريخ لتعاقب الفصول الأربعة وعودها الدورية؛ وهكذا نظم (الآشوريين) حياتهم بنظام خاص حددوا بداية (السنة الآشورية) لتكون منطلقا لبداية رحلة الحياة اليومية .
ولما كان (الآشوريون) من أوائل الأقوام الذين ابتكروا الحروف الأبجدية لكتابة ما يريدون تدوينه وتعليم اللغة لأبنائهم، فقد أتقنوا وتفننوا في فن الكتابة والتدوين؛ وتم لهم تدوين الكثير من المعلومات عن العلوم.. والفلك.. والحوادث.. والوقائع؛ التي كانت تحدث في أيامهم؛ فكانوا يدونوها على (رقم طينية) التي كانت بمثابة صفحات لذاكرة الأمة، ونجد بان ملوك (الآشوريين) اهتموا بهذه الكتابات والرقم الطينية، وفي أيام الملك (الآشوري) العظيم (آشور بانيبال 668– 627 قبل الميلاد) الذي لم يكن أعظم أباطرة العالم القديم فقط بل كان أكثرهم تحضرا ووعيا وثقافة، وقد ورد عالم (الآشوريات) البروفسور (ليو أوبنهايم) ما كتبه هذا الملك بأنه كان بليغا وشديد الوضوح؛ ففي إحدى الرقم الطينية كتب كما ذكره (آشور بانيبال) عن نفسه، ببلاغة ووضوح، حيث يقول:
– ((..احتفظت بكل المعارف الأولية بدءاً من السومريين، ودرست حكمة (نابو) واكتسبت فن الكتابة ومعرفة معظم الحكماء، وتعلمت رماية القوس والفروسية وقيادة العربات. وهكذا استطعت قراءة النصوص السومرية الغامضة والأكيدة المعقدة وبحثت في الكتابة المسمارية على الحجر من قبل الطوفان..)) .
المكتبة الآشورية.. أول مكتبة في التاريخ
ومن اجل إنشاء هذه المكتبة قاما الملك (اشور بانيبال) بإرسال كتاب بلاطه إلى جميع أنحاء (بلاد الرافدين) لجمع كل ما يعثرون عليه في القصور الملكية لملوك وحكام وادي الرافدين القدماء والمعاصرين له؛ من ألواحٍ طينية مكتوبة باللغتين (السومرية) و(الأكدية)، وأمرهم بأن يعيدوا كتابة ما تلف منها، وأن يترجموا النصوص (السومرية) إلى اللغة (الآشورية) التي كان يتكلم ويكتب بها (الآشوريون)، وحفظ فيها آلاف الألواح الطينية التي كانت تمثل تراث حضارات ما بين النهرين في جميع فروع المعرفة، وقاموا بفهرستها وتبويب موضوعاتها، ووضعها على رفوف متجانسة ، و قد أنشأة هذه المكتبة في (القرن السابع قبل الميلاد) بعد إن جمع فيها كل ما أتيح له جمعه من ألواحٍ طينية وقد ضمت هذه المكتبة أكثر من (ثلاثين ألف لوح طيني)؛ وهذه المكتبة كانت تتكون من قسمين:
الأول.. في (قصر سنحاريب – وهو جد آشور بانيبال) وتحتوي أغلب الألواح الطينية التي كانت جاهزة للحفظ.
أما القسم الثاني.. فكان في (قصر آشور) حيث أسس فيه مكتبة ثانية جمع فيها ألواحا مختلفة عن الأولى.
وكان الملك (آشور بانيبال) يراجع على الدوام كلا القصرين، وهذه المكتبة في عام 612 ق. م تقريبا تعرضت للتخريب أثناء هجوم تعرضت له الإمبراطورية (الآشورية) وسقوطها على يد التحالف المتكون من (البابليين.. والسكوثيين.. والميديين)؛ فأضرموا النار في قصر الملك ما أدى إلى تسخين ألواح الطين وانصهارها بشكل كبير؛ إلا أن هذا الحدث ساهم في بقاء بعض من بقايا هذه الألواح وتم الثور عليها اثر أعمال التنقيب التي استغرقت أكثر من (ستين) عاما من الحفر والعمل وأكثر من ستة أجيال من تتابع خبراء وعلماء الآثار في التنقيب والبحث عن الآثار (الآشورية)، ولهذا فان الألواح الطينية التي تم العثور عليها لم تكن موجودة في القصر؛ بل وجد معظمها متناثرا هنا وهناك ومهشمة، لان الألواح وجدت وهي ملقاة بين الأنقاض وتحت الركام؛ ولم يتمكن علماء الآثار من ترميم معظمها؛ وهنا يذكر بان معظم اكتشافات هذه المواقع في (نينوى) تمت من قبل العالم الآثار البريطاني ( اوستن هنري لايارد ) حيث تم نقل معظمها إلى (بريطانيا)؛ واليوم تعرض بعض من بقايا المكتبة في مدينة (لندن) ومتحف (لوفر – فرنسا )، وخلال سنوات التنقيب والبحث عن الآثار تم بما تمكنوا من العثور عليه من هذه الرقم والألواح الطينية والحجرية إعادة تركيبها وقراءتها بشكل حرفي مدروس في ارقي مركز البحوث والتنقيب في جامعات العالم . Continue reading