شاهد مقابلة مع وزير العدل اللبناني السابق أشرف ريفي حول استقالة سعد الحريري

دعا وزير العدل اللبناني السابق أشرف ريفي الرئيس اللبناني ميشال عون الى الوقوف على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين.
جاءت تصريحات خلال مقابلة مع بي بي سي اتهم فيها حزب الله بتنفيذ أجندة إيرانية في لبنان على حد وصفه.

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

قراءة في حديث.. ( هرقل عظيم الروم مع أبي سفيان حرب )

أستهلال :
كان ولا زال أغلب الموروث الأسلامي خارج حدود العقل والمنطق ، حاله حال الكثير من النصوص والسنن والأحاديث ، التي غاب عنها أيضا العقل والمنطق ، والأن نحن مع قصة خارج نطاق الواقع الطبيعي الذي يمليه الحدث والظرف والحال ، وقد صدقها الجمع العام من المسلمين ، وهو دليل على أن الموروث الأسلامي جعل من الجمع مدمن على تجهيل العقل وتحييد الأدراك ، وبنفس الوقت فاقدا للوعي حين قراءته للنصوص !! ، والمشكلة الأكبر لماذا يصدقها ” البعض ” الأن !! .

النص :
يخبرنا كتاب ” المعجم الكبير ” / لأبو القاسم سليمان بن أحمد المعروف ( الطبراني ) عن حديث هرقل ملك الروم مع أبي سفيان بن حرب ، وكما يلي (( حدثنا هارون بن كامل السراج المصري ، ثنا عبد الله بن صالح ، ثنا الليث ، حدثني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله [ ص: 234 ] بن عتبة ، أن عبد الله بن عباس ، أخبره ، أن أبا سفيان بن حرب بن أمية أخبره : ” أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش ، وكانوا تجارا بالشام في المدة التي هادن فيها الرسول – أبا سفيان وكفار قريش ، فأتوه بإيليا ، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم ، ثم دعا ترجمانه ، فقال : قل لهم أيهم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ فقال أبو سفيان : أنا أقربهم به نسبا ، فقال : ادن مني ، وقربوا أصحابه فجعلوهم عند ظهره ، ثم قال لترجمانه : قل لهم : إني سائل هذا عن هذا الرجل ، فإن كذبني فكذبوه ، قال أبو سفيان : فوالله لولا الحياء أن يأثروا علي الكذب لكذبته ، ثم قال : أول شيء سألني عنه أن قال : كيف نسبه فيكم ؟ قلت : هو فينا ذو نسب . قال : فهل قال هذا القول منكم أحد قبله ؟ قلت : لا . قال : فهل كان من آبائه ملك ؟ فقلت : لا . قال : فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟ قلت : بل ضعفاؤهم )) .. الى نهاية الحديث الذي يملأ الكتب والمصادر … والذي يثير الأنتباه والأستغراب والعجب ، هو ما ختم به ” هرقل عظيم الروم ” حديثه مع أبو سفيان حرب ، فقد جاء في موقع أسلام ويب (( .. فإن كان ما تقول حقا يوشك أن يملك موضع قدمي هاتين ، وهو نبي ، وقد كنت أعلم أنه خارج ، ولكن لم أكن أظن أنه منكم ، ولو أعلم أني أخلص إليه لالتمست لقيه ولو كنت عنده لغسلت قدميه . )) !!! .

القراءة : 1. العرب أمة تعتبر الماضي ملهمها العقلي ، وهي بهذا تهمل الحاضر الذي يعتبر المحرك الرئيسي للمستقبل ، وبنفس الوقت يعتبر تفعيل هذا الحاضر ، دافعا ومؤشرا للتقدم والنمو والتطور في مختلف الميادين ، ولهذا قال خالد الذكر د.علي الوردي ( أن العرب أمة تعيش في الماضي ، ولا تحسن التعامل مع الزمن الذي تعيشه ، وهذا سبباً في تخلفها ) ، أذن نحن أمة أقتصرت على ماضيها ، فألغت كل حراك الحاضر وغيبت أفق المستقبل ودوره في البناء الحضاري . 2. النظرة الأولية من حديث هرقل مع أبي سفيان حرب ، يتبين لنا ، أنه هو حديث منقول عن أكثر من ثمان أشخاص ، وهذا ما يسمى بحديث ( العنعنة ) ، وهو يكون عادة غير دقيقا وذلك لكثرة رواته ، والحديث وقع حين كان أبي سفيان كافرا ، عابدا للصنم ، أي قبل أن يسلم ، والحال يقول ، ليس من المنطق أن يمدح أبي سفيان شخصا / الرسول ، عاداهم و كفر بألهتهم ونكر دينهم ، حتى وأن كان قوم أبي سفيان عبادا للأصنام . 3 . أن المنطق يقول / خاصة ومن المؤكد ، أن الحديث نقل بعد أسلام أبي سفيان ، وأن أبي سفيان بين الطرف الأيجابي للرسول ، وليس العكس ، وهذا مناف للحقيقة ، خاصة أذا عرفنا وجود ماض دموي بين الرسول وهند بنت عتبة زوجة أبي سفيان ( التي قتل أبيها وأخيها وعمها في معركة بدر الكبرى ، التي قادها الرسول محمد ) ، خلاصة أنه ليس من المنطق أن يمدح أبي سفيان الرسول وقد حدث ما حدث بينهما ، وقد جاء في الموقع التالي :
www.islamguiden.com/kvinnor/index1289.htm
، مايلي ( فلما قُتِل حمزة بن عبد المطلب في معركة أحد ، مَثَّلت به وشقت بطنه واستخرجت كبده فلاكتها ، فلم تطق إسَاغتها ، فبلغ ذلك النبي فقال : ” لو أساغتها لم تمسها النار ” وفي بعض الروايات انكار ذلك وأنها ما أكلت كبد حمزة ولم يكن وحشي غلاما لها ، بل كان غلاماً لجبير بن مطعم وهو الذي حرضة علي قتل حمزة كما هو ثابت في صحيح البخاري، والثابت ان جسد حمزة قد مُثل به . والقول بأنها مثلت بحمزة بن عبد المطلب ، شأنه شأن ما اعتاده نساء الجاهلية من المثلة ، وقد كان منها في جاهليتها .. ) ، أتوجد عداوة وثأر أكثر مما حصل ! .
4 . كما أنه حتى أن معاوية بن أبي سفيان عندما أسلم كتم أسلامه عن أهله ، فقد جاء في كتاب .. ” الأذكياء لمؤلفه إبن الجوزي ” ما يلي ( أسلم هو / أي معاوية ، وأبوه وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس يوم الفتح‏ .‏ وقد رُوي عن معاوية أنه قال ‏:‏ أسلمت يوم عمرة القضاء ولكني كتمت إسلامي من أبي إلى يوم الفتح ) ، وهذا يؤكد موقفا عدائيا بين الرسول وعائلة أبي سفيان ، وهو الذي يرجح عدم دقة القصة مع هرقل الروم ، أن لم تكن أكثر تفاصيلها مختلقة ، لأنها بالنتيجة تصب في مصلحة عائلة أبي سفيان .. الذي يعتبرون من دهاة العرب ، فقد جاء في موقع
www.huffpostarabi.com/2016/05/22/story_n_10094944.html
التالي ، وهو قول منسوب لمعاوية بن أبي سفيان ( .. عُرفت شخصية زياد ابن أبيه بالذكاء وسرعة البديهة ، فكان واحداً من دهاة العرب الأربعة في التاريخ ، إلى جانب معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ، ولمعاوية مقولة شهيرة يقول فيها : أنا للأناة ، وعمرو للبديهة ، وزياد للصغار والكبار ، والمغيرة للأمر العظيم ) لأجله أنه هكذا أختلاق وتغيير ليس بجديد على أل سفيان .
5 . أما المقطع الأخير لحديث هرقل لأبي سفيان ، حول ألتماسه غسل قدمي الرسول (( .. فإن كان ما تقول حقا يوشك أن يملك موضع قدمي هاتين ، وهو نبي ، وقد كنت أعلم أنه خارج ، ولكن لم أكن أظن أنه منكم ، ولو أعلم أني أخلص إليه لالتمست لقيه ولو كنت عنده لغسلت قدميه . )) !!! ، فالمقطع يستحق التوقف عنده ، لأنه ليس من العقل والمنطق لملك دولة عظمى ، أن يلتمس غسل قدمي الرسول ، وأذا صدق عامة مسلمي تلك الحقبة القصة ، فعالم اليوم لا يمكن أن يعقل بأرهاصات أبي سفيان من أختلاقات قصصية ! وأعتقد أن الأخير ، قد قرأ ما جاء بالأنجيل حول قول النبي يوحنا المعمدان بخصوص المسيح ” بأن يوحنا ليس أهلا أن يحل سيور حذاء المسيح ” ، فقد جاء في موقع سانت تكلا ، ما يلي (( .. وفي تلك الأيام أقبل يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية ويقول ” توبوا فقد اقترب ملكوت السموات” (مت 3: 1 و2) ، فكان يخرج إليه أهل أورشليم وكل اليهود وجميع بقعة الأردن فيعتمدون منه في الأردن معترفين بخطاياهم (مت 3: 5 – 6) ، وإذ كان الشعب ينتظر والجميع يفكرون في قلوبهم عن يوحنا لعله هو المسيح أجابهم يوحنا قائلا : ” أنا أعمدكم بماء ولكن يأتي من هو أقوي مني الذي لست أهلا أن أحل سيور حذائه هو سيعمدكم بالروح القدس ونار ” )) ، أرى هناك هالة من القداسة أراد سفيان بن حرب أن يهيلها على الرسول ، تشبيها بمقولة يوحنا المعمدان بحق المسيح ، من أجل أطماع سياسية وسلطوية لقبيلة بني أمية ، والمستقبل العائلي لهذه العائلة في الحكم أكبر دليل على هذا !! .
6. قد أختصت قبيلة – بني أمية / أبي سفيان حرب والأمويين عامة ، بتزوير النصوص الأسلامية من أيات واحاديث و.. ، وأرى أن أختلاق الموضوع الذي نحن بصدده ليس هو الأول ، بل هو أحد النماذج المختلقة من قبل بني أمية وكبيرها أبي سفيان حرب ، فقد جاء في الموقع التالي بعضا من هذه الشواهد ، وقد أخترت بعضا منها :
www.almaaref.org/books/contentsimages/books/almaaref –
ونقلت بتصرف ( .. وقد استغل معاوية هؤلاء الأشخاص في سبيل إيجاد تبرير ديني لسلطان بني أمية ، أو على الأقل لكبح الجماهير عن الثورة برادع داخلي هو الدين نفسه ، يعمل مع الروادع الخارجية : التجويع ، والإرهاب ، والإنشقاق القبلي ، هذا بالإضافة إلى مهمة أساسية أخرى ألقاها معاوية على عاتق هؤلاء الأشخاص وهي اختلاق ” الأحاديث ” ونسبتها إلى النبي ) ، وقد عمد معاوية أيضا على تمجيد الامويين ، وقد جاء بهذا الخصوص ما يلي ( فمن ذلك يرجع إلى تمجيد بني أمية وعلى الأخص عثمان ومعاوية ويجعلهم في مرتبة القديسين ، كهذا الذي رواه أبو هريرة عن الرسول ” إن الله ائتمن على وحيه ثلاثاً : أنا ، وجبرائيل ، ومعاوية “. ) ، ومن تزوير الأحاديث أنقل التالي ( .. وإن النبي ناول معاوية سهماً فقال له : ” خذ هذا حتى تلقاني في الجنة “. والحديث التالي / حول العلم ، ” أنا مدينة العلم ، وعلي بابها ، ومعاوية حلقتها “. وحديث ” تلقون من بعدي اختلافاً وفتنة ، فقال له قائل من الناس : فمن لنا يا رسول الله ؟ قال : عليكم بالأمين وأصحابه ، يشير بذلك إلى عثمان “. ) .. تأسيسا لما ذكر ، أرى أن حديث عظيم الروم هرقل وسفيان ، يندرج تحت هذا المنحى والنهج من الأختلاق !! .

كلمة :
تزوير الموروث الأسلامي هو فعل أرتكبه أصحاب الشأن / من رواة الحديث والكتبة والعلماء وشيوخ الدين والفقهاء وغيرهم ، في الحقب الأولى للرسالة المحمدية ، وبدوافع من قبل الخلفاء والأمراء ، لأغراض سلطوية ، منها تثبيت الحكم والخلافة .. أما واقع حالنا الأن : فنحن ، نعيش حياة مادتها وتفاصيلها هلامية ، ووجدنا على أرض وفي مجتمع وفي ظرف وفي زمن وفي حال وفي مجتمع وبيئة ، هو الأسوأ عقائديا ومذهبيا ، تجهل فيه تفريق الحقيقة عن الباطل ، فالماضي دموي ، معقد ومركب ، والحاضر مخطوف دينيا وعقائديا ، رمادي النهج ، ظلامي الخطاب ، أما المستقبل فمجهول !! .

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية | Leave a comment

نظرة في استغلال العوائد النفطية

هناك أوجه متعددة لإستغلال العوائد النفطية في البلدان ذوات الإقتصاد الريعي ومن بينها العراق. على أن الفساد المتلازم مع استغلال ثروات شعبنا العراقي يظهر ساطعاً سطوع الشمس في بلد غير ديمقراطي ويسوده الفساد كالعراق الآن. ولكن لنترك المحنة هذة جانباً، والتي يعاني منها بلدنا الحبيب بهذا الوقت، ونقول بأنها محنة عابرة سيعالجها الشعب العراقي الأبي بلا أدنى شك طال الزمان أم قصر، وإن غداً لناظره قريب!
إن واحداً من سيناريوهات إستغلال ثروات العراق النفطية هو أن يقام بخصخصة هذه الصناعة في البلاد. وهذا الأمر، كما يبدو لأول وهلة، عملي جداً.  إذ من المعقول أن يقام بخصخصة عمليات التصفية والخزن والنقل والتوزيع وبيع المشتقات النفطية، وحتى خصخصة العديد من الصناعات المتعلقة بالعمليات العليا في استخراج النفط الخام مثل أنشطة الحفر ومختلف الأنشطة النفطية الخدمية المتخصصة. فهذه العمليات تدرّ عائداً سنوياً معقولاً على الأستثمارات المالية التي يتطلبها إنجاز تلك العمليات. وقد يزداد هذا العائد هنا أو ينقص هناك، ولكنه يبقى عائداً عادياً شأنه شأن الإستثمارات الأخرى المماثلة.
ولكن الأمر سيتغير بشدة حينما ننتقل الى ملكية النفط الخام المستخرج، إذ هنا يكمن الريع، وهو الأعلى بين نفوط العالم نتيجة لكلفة الإستخراج الواطئة في العراق. فمن يملك الريع؟ إنه الشعب العراقي بهذه الحالة ولا يجوز، إذن، خصخصة النفط الخام العراقي وهو الحاضنة الطبيعية للريع. فإن كانت الخصخصة تجوز مع العديد من الصناعات النفطية المذكورة كما بينا أعلاه فإنها لا تجوز هنا لكونها عملية تنتهي بسلب الشعب ملكيته وتسليمها للغير دون ثمن. أضف الى ذلك أن نتائج سلبية يمكن أن تنشأ نتيجة لهذه العملية. فبغض النظر عن الإخلال بمفهوم سيادة الدولة الناتج عن التخلي عن ملكية مورد طبيبعي كالنفط، وهذه ثقافة سائدة بالشرق الأوسط، فإن الخصخصة ستؤدي الى نفاذ النفط بأسرع مما لو بقيت الملكية بيد الحكومة. ذلك أن شركة مستثمرة مالكة للنفط العراقي سيكون في مصلحتها استنفاذ هذا النفط بأسرع مما لو بقي بيد الدولة لأن عائد القطاع الخاص، مُحتسب من قبل الشركة المستثمرة هنا، هو أخفض عادة من العائد المجتمعي محتسب من قبل الدولة. هذا ناهيك عن التضارب المحتمل بين توجهات مثل هذه الشركة وتوجهات منظمة أوبك، والعراق عضو بالأخيرة زيادة عن كونه أحد مؤسسيها.
 وحتى لو فرضنا جدلاً بأن الخصخصة تمت رغم الأذى المالي االهائل الذي سيلحق بالشعب العراقي نتيجة للضروف السياسية الغير مؤاتية والمحيطة بالعراق في هذا الوقت، فإن أسئلة مهمة أخرى تطرح نفسها ومن بينها: ماذا سيمكن للعراق أن يفعل أمام التدفقات الهائلة من الأموال التي ستأتي مدراراً نتيجة هذه الخصخصة؟ وهل ستتوفر عند المسؤولين العراقيين بوقتنا هذا النزاهة الوافية والكافية للتصرف بهكذا أموال، ناهيك عن الكفاءات المطلوبة للتعامل مع أموال عظيمة  ستنزل على العراق فجاءة؟ وهل لدينا بعراق الوقت الحاضر ديمقراطية حقة يمكن بظلها التصرف بحكمة من أجل حماية مصالح ليس هذا الجيل فحسب وإنما الأجيال العراقية القادمة؟ وماذا عن قدرات العراق الإستيعابية للأستثمارات من أجل إعادة البناء وهي بطبيعتها ستبقى محدودة مهما تطورت، وبالتالي كيف التعامل مع الفوائض المالية التي ستتولد حتماً؟
إن ما ورد في الفقرات الثلات أعلاه إنما هي محاولة للتعامل مع سيناريو خصخصة النفط العراقي وتبعاتها، وقد عالجنا أسباب عدم إمكانية حدوثها على وفق ما حدث وما زال يحدث في الولايات المتحدة، وكذلك ما حدث ببعض الدول الأخرى في العالم من بينها النرويج. ولكن لا ينتهي النظر في مسألة استغلال العوائد النفطية بالإقتصار على إمكانية الخصخصة من عدمها إذ أن هناك أموراَ أخرى يتعين في حالة العراق عرضها هنا والتمعن بها باقتضاب. ذلك أن الإقرار بعدم إمكانية خصخصة النفط الخام لا يمس الموارد النفطية السنوية، فهي في صعود مستمر نتيجة للزيادة المستمرة في الإنتاج، وهي أيضاً تتذبذب صعوداً ونزولاً تبعاً لتذبذب الأسعار. لذلك يتعين معالجة العديد من القضايا التي أهملها النظام الحالي. ومن بين تلك الآمور ضرورة تأسيس صندوق لإيداع الفوائض النفطية كما الأمر مع دول الخليج النفطية ومن بينها السعودية والكويت والإمارات وقطر. على أن مثل هذا المشروع ليس كافياً لوحده في معالجة مشاكل العراق المالية. فهو، وإن كان من الضروري والمتوجب في الماضي على الحكومة العراقية الشروع بتأسيسه واستغلاله منذ حدوث الفوائض النفطية الهائلة لديها خلال فترة السنوات 2011 – 2014، إلا أن هذا المشروع لم يتحقق والدلائل تشير إلى أن تلك الفوائض قد اختفت “بقدرة قادر” مع شديد الأسف. وبناءً على تلك التجربة المؤسفة يتبين أن هكذا مشروع ليس مرهما شافياً لوحده في معالجة احتياجات دولة نامية كالعراق خصوصاً بظل حكومة فاسدة تتمكن من فعل ما تريد.
يبدو أن السيناريو المتبع الآن في الإنتفاع من العوائد النفطية هو استغلالها بصورة رئيسية لتمويل ميزانية الحكومة السنوية. فهل هناك سيناريو آخر يمكن اتباعه؟ إن من بين السيناريوهات الممكن النظر بها ومناقشة إمكانية تطبيقها ببلد كالعراق واحد يتضمن توزيع العوائد النفطية السنوية على أفراد الشعب بدلاً من ذهابها لخزينة الدولة ثم فرض الضرائب على الدخل الناتج من تلك العملية لتمويل ميزانية الحكومة. ولكن رغم أن هكذا إجراء سيكون له الأثر الفوري بزيادة دخل الفرد العراقي، ولكنه سيقود الى نتائج سلبية في عدة نواحي من بينها: إن مثل هذا الدخل لكل فرد، أو مجموعة أفراد ممثلين لكل عائلة، سيولد تضخماً بالأسعار حتماً إذا ما توجه الصرف بصورة رئيسية نحو الإستهلاك على حساب الإستثمار. إن هذا ما سيحدث بالعراق على الأرجح نظراً لعدم ترسّخ ثقافة وطنية – إستثمارية في البلاد. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن حقيقة الأنتاج داخل العراق لمواجهة الطلب المحلي بأشكاله المختلفة متدنية جداً على مستوى القطاع الخاص وكذلك العام. ولهذا سيزداد زخم الأستيراد وستطول مدته تبعاً لمدى استجابة المسؤولين في الدولة لتوجيه الأقتصاد العراقي نحو الإستثمار المحلي سداً للطلب المتزايد باستمرار، ثم التوجه نحو تصدير ما يفيض من الإنتاج. وبالتخطيط المحكم ستتطور لدى العراق تدريجياً قاعدة إنتاجية أساسها القطاع الخاص، وكذلك تطوراقتصاد ضريبي ما سيقلل بمر الزمن من اعتماد الحكومة على الريع النفطي المستحكِم بالإقتصاد العراقي في الوقت الحاضر. على أننا يجب أن نستدرك هنا ونقول بأن القطاع الخاص، رغم اهتمامه بجودة المنتجات وتقليل كلفة الإنتاج حرصاً على النجاح في المنافسة، لكنه لن يستثمر إلا في المجالات التي سيحقق بها أرباح. وهو بذلك سوف لن يستثمر بمجالات النفع العام كالبنية التحتية والصحة والتعليم وما شاكل ذلك من أمور، إذ تبقى تلك المسؤولية برقبة الحكومة. لهذا ستكون عملية توزيع العوائد النفطية على أفراد الشعب غير كفوءة اقتصادياً ما لم تقم الحكومة بحجز كافة المصاريف الضرورية لتنفيذ الأنشطة ذات النفع العام  قبل القيام بتوزيع أي من العوائد النفطية. وبهذا نستنتج أن سيناريو توزيع العوائد النفطية على الشعب غير واقعي في حالة العراق.
قد تكون هناك سيناريوهات أُخر قابلة للتطبيق في مجالات الأستخدام الأكفأ لعوائد العراق النفطية. على أن المهم في هذه القضية هو أن السيناوريوهات هذه ليست مانعة لبعضها البعض. ذلك أن أي مجموعة منها يمكن تبنيها من قبل الحكومة وبما ينسجم مع توجهاتها وسياساتها التي تتغير بين فترة وأخرى تبعاً لما تستوجبه مصالح الشعب، كما هو مفروض. كما نتوقع نحن، بصفتنا ذوي مسؤولية وطنية تجاه عراقنا الحبيب، أن يتم حصر إستخدام العوائد النفطية لإعادة بناء البنية التحتية بالدرجة الأولى، وكذلك من أجل الصحة والتعليم والحفاظ على بيئة نظيفة. وبموازاة ذلك سيكون من المفضل إستحداث صندقون متواضع لخزن العوائد النفطية الفائضة عن الحاجة، وذلك من أجل تأمين توازن الأقتصاد العام، وكذلك القيام بتوزيع سنوي لجزء معقول من عوائد النفط على الشعب مباشرة، مع الإحتفاض بما يتبقى للأجيال العراقية القادمة.
ختاماً، يتوجب على العراق أن يغذ السير دون كلل أو ملل من أجل تحقيق ديمقراطية كاملة غير منقوصة. كذلك يتحتم تطوير مجتمع مدني نابض بالحياة وبمعية نظام رصين من الكوابح والتوازنات، ويأتي في مقدمة ذلك كله صحافة حرة. إن كل ما ورد في هذا الختام المقتضب سيكون الضامن الأفضل ضد فساد الحكومة وسوء إدارة ثروات البلاد. 

الأربعاء في 18/10/2017  

Posted in فكر حر | Leave a comment

رضاع الكبير‎

يقول الله سبحانه تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) وصف للدين بالكمال والتمام …
ويقول الله عز وجل ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين
لمن أراد أن يتم الرضاعة ) تحديد لإتمام الرضاعة بالحولين …
وبعد تمام الرضاعة لا رضاعة …
والرضاعة عرفاً هي للرضيع الذي لا يستطيع هضم أي مواد غذائية ولأنها هي مصدر غذائه لاستمراره على قيد الحياة … وعليها يتوقف نشوز عظمه ونبات لحمه من حليب الأم الذي يساهم في تكوينه ..
والحديث يقول ( إنما الرضاعة من المجاعة ) بمعنى أن الرضاعة
ـ المُحَرِّمة ـ هي ماتسد مجاعة الرضيع في مدة الحولين وعليه يجب
أن يكون الرضاع المحرم هو ما أنبت اللحم وأنشز العظم وذلك هو
إرضاع الصغير دون الكبير .. فرضاعة الكبير لاتنشز عظماً ولا تنبت لحماً
والرضاع إن حدث في الحولين فهو يحرم الزواج ولكنه لا يبيح الخلوة بل يحرمها ..
أما الذين يدّعون زوراً بأن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كانت إذا أرادت أن تدخل أحد عليها طلبت من إحدى قريباتها أن ترضعه ؟..
فهذا إفك وافتراء … والله تعالى يقول في محكم كتابه الكريم
( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ) فزوجات الرسول عليه السلام هن أمهات المؤمنين بنص الكتاب ومع ذلك
قال الله تعالى بحقهن ( وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ) من وراء ساتر مانع حاجب رغم أنهن أمهاتهم ..
وبناءً على ذلك كان رضاع الكبير غير مؤثر ولا يثبت التحريم وإنما
الرضاع المعتبر في التحريم هو ماكان في الحولين للحديث
( لا يحرم من الرضاعة إلّا مافتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام)
وثدي الأم البشرية لا يفرز الحليب إلا في حالة وجود الرضيع بسبب الحالة البيولوجية للأم الناتجة عن الولادة .. وذلك لتغذية الرضيع لعدم تمكنه من تناول الأطعمة والمواد الغذائية الأخرى
وبعد الولادة وتحت التأثير الهرموني تفرز الأثداء الحليب لتغذية الرضيع وإرواء عطشه ويؤمّن له كل احتياجاته من البروتينات والسكريات والمعادن .. ومع مرور الوقت يتغير الحليب ويصبح سميكاً ودسماً ليسكت جوع الطفل .. وبذلك تكون عملية ادرار الحليب عملية بيولوجية مستمرة لا مجال للإرادة فيها .. وتكوّن الحليب يبدأ مع الحمل من خلال التغييرات التي تظهر على الأثداء .. وعندما يحين موعد الولادة فإن الأنسجة التي تحيط بالثدي تتضاعف في الحجم على خلاف في الوقت بين سيدة وأخرى ..
وبعد ولادة الطفل وخروج المشيمة تبدأ بيولوجيا مستويات هرموني
الاستروجين والبروجستين بالهبوط لكي تفسح المجال لإفراز هرمون الحليب البرولاكتين من الغدة النخامية في الدماغ ويرسل البرولاكتين اشارات إلى الجسم لإنتاج كميات كبيرة من الحليب لتغذية الطفل ..
وأيضاً لإحساس الأم بالأمومة تجاه مولودها …
كان ذلك الاسهاب البسيط ضرورياً لبيان أن عملية الرضاعة وادرار الحليب ليس أمراً شخصياً يخضع للإرادة الذاتية ولا يمكن التحكم به ..
أما مايتداوله البعض من حديث أم سلمة رضي الله عنها بأن سهلة بنت سهيل جاءت للنبي عليه السلام وقالت : يارسول الله إني لأرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم ؟… فقال لها الرسول عليه السلام : أرضعيه
فقالت له : إنه ذو لحية ؟.. فقال لها : أرضعيه يذهب مافي وجه أبي حذيفة ..
فقد أصبح بمثابة المسبحة التي لاتفارق أصابع رواد المقاهي للتسلية بها وكسر الروتين بطقطقة حباتها من الكريستال أو بزر الزيتون …
وأصبح الشغل الشاغل لكتاب المقالات وللمهتمين بشؤون الأمة وقضايا الشباب والشيوخ والبطالة والاحتباس الحراري ومشاكل وأمن المجتمع ومسألة السلم العالمي ثم لحق بهم المصلحين والمجددين
والدعاة .. وأصبح مادة خصبة للحوار في البرنامج الثقافية والاجتماعية والحوارية والسياسية وربما نراه قريبا في فوازير رمضان
وأعرض فيما يلي بعض النماذج لمن تصدى لمناقشة هذا الموضوع
والأدلة التي اعتمد عليها …
الدكتور محمد راتب النابلسي ..
يعلل صحة رضاع الكبير بقوله ( هذه الحادثة وأمثالها امتحان لكثير من المسلمين ….. وحديث إرضاع الكبير صحيح لم يمار أحد في صحته فهو في البخاري وغيره من دواوين السنة والذي صدّ الناس عن قبوله أمرين اثنين أولهما : أن الكبير الذي ـ سيرضع ـ ليس شاباً من شباب اليوم أصحاب الشعور الطويلة والملابس الضيقة الذين لا يعرفون أين إتجاه القبلة ؟… .. ولو عرف أحد ان الذي شُرِع الحكم من أجله نشأفي طاعة الله ….. أما الأمر الثاني : فهو أن هذا الحكم الإستثنائي هو البديل عن ضياع شاب لا أهل له ….. وبقي أن أتساءل هل عقولنا وأعرافنا تجعلنا أحكم وأغير من الله ورسوله فنرد نصاً صحيحاً ….. وإيراد بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الحديث لا وجه له لأنهن بشر من البشر ولا يُردّ برأيهن حديث النبي ….
ولم لا نذكر موقف عائشة وعملها بالحديث وهي أفقههن )
وبدوري أسأل الدكتور النابلسي أيضاً :
1 ـ هل الحكم الشرعي هو امتحان للمسلمين أم فرض عليهم لالتزامه ؟
2 ـ اعتمد على صحة الحديث لوجوده في البخاري .. ولكن الدكتور هنا
لم يقم بتأصيل هذه المسأله ولم يستطع أن يثبت صحة الحديث الا بسبب وروده في صحيح البخاري ؟… وأنا أسأله : هل أنت اعتمدت في نقل الحديث من مطبوع البخاري الذي في الأسواق بطباعته الفاخرة وورقه المصقول وغلافه الملوّن الجذاب ؟ أم أنك تأكدت من وجوده في مخطوط البخاري ؟….
3 ـ هل هناك فر ق في حالة الرضاعة بين شاب شعره طويل وملابسه ضيقة وخصر بنطاله عند ركبتيه وبين شاب ذقنه لعند بطنه وطول مسواكه مترين ؟… وهل للشكل الخارجي علاقة بالغريزة ؟…..
4 ـ اذا كانت عقولنا وعواطفنا وأعرافنا غير مؤهله لرد حديث صحيح فكيف تبرر موقفك واستنكارك تجاه موقف زوجات الرسول عليه السلام من هذا الحديث واللواتي عشن مع الرسول عليه السلام في كل جزئيات حياته
5 ـ ماهو الدليل الذي اعتمدت عليه باستثناء السيدة عائشة رضي الله عنها لتروج لمايتهمونها به أعداء الدين ؟…
أما الدكتور عزت عطية رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر فيقول :
( إن إرضاع الكبير يكون خمس رضعات وهو يبيح الخلوة ولايحرم الزواج ويطالب بتوثيق هذه الرضاعة بعقد يكتب فيه أن فلانه أرضعت فلان )
وقد علل فتواه هذه بقوله ( للمرأة العاملة أن تقوم بإرضاع زميلها في العمل منعاً للخلوة المحرمة إذا كان وجودهما في غرفة مغلقة لا يفتح بابها إلّا بواسطة أحدهما ) ؟….
بقي علينا أن نسأل الدكتور عطية عن ماهية طبيعة العمل الذي يستوجب أن تخلو به المرأة مع زميلها في غرفة محكمة الإغلاق بل لايمكن فتحها إلا من الداخل ؟…. وهل يوجد هناك فرق بين إن كان زميلها في العمل شعره طويل وبنطلونه عند ركبته .. أم أن بنطلونه لعند رقبته وحليق الشعر ؟……
وأما الدكتور علي جمعة فيقول على فضائية ـ سي بي سي ـ
( إن حديث إرضاع الكبير في البخاري هو حديث صحيح وإنه من الممكن أن تشرب المرأة هرمونات معينة تساعدها على انزال اللبن من ثديها وتضعه في فنجان ويشربه الشاب زاعماً بأن الله عز وجل إنما شرع رضاع الكبير لأنه يترتب عليه أحكام شرعية معينة ترتبط بالعلاقات الإنسانية بين البشر )
وأتساءل بحرقة هنا كون الدكتور علي جمعة هو مفتي مصر وأقول
هل العلاقات الإنسانية لاتكون الا في الغرفة المغلقة والتي لا تفتح الا من الداخل ؟….. وهل من الممكن أن تشرب المرأة عسل الزلوع  بدلا من أن تشرب هرمونات معينة ؟….
لقد كان الشيخ الألباني أحوط في هذا الموضوع وأقرب إلى تحقيق المعنى المقصود من الرضاعة التي لاتتفق مع ما ذهب اليه الدكتور على جمعة بوضع الحليب في الفنجان لأن ذلك يصنف في خانة شرب الحليب ولا يدخل في باب الرضاعة … فكان اقتراح الالباني هو أن تضع المرأة قطعة قماش على ثديها لعدم جواز كشفه على الغريب وتثقب فقط مكان خروج الحليب لكي يتحقق معنى الرضاعة ؟….
لا رضاعة للكبير ولا تأثير لرضاع الكبير لمخالفته لنصوص في القرآن والسنة …. وللمنطق والعقل والعلم والعرف …. وللأسف لم يحاول علماء المسلمين المعاصرين التحري والتدقيق والتمحيص في أمور كثيرة لاتتوافق ومقاصد الشريعة بعدما طابت لهم الاقامة و الاستراحة في واحة المتلقي … ولم يحاول أي منهم أن يتساءل من أين ستأتي المرأة الموظفة وغير الموظفة بالحليب لترضع به زميلها في العمل ؟
وخاصة ان الدكتور علي جمعة لم يبين لنا ماهية ذلك الهرمون المعين الذي يساعد المرأة على ادرار الحليب بعد شربه ؟….
هذا هو حال المسلمين اليوم الذين اختارهم الله سبحانه وتعالى
لإبلاغ رسالته للعالمين

Posted in فكر حر | Leave a comment

محاولة لإعادة اكتشاف الكعبة التاريخية وتفكيك الرواية التراثية

«للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل,وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا , ولكن ورود هذين الإسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي , فضلا عن إثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة إسماعيل إلى مكة» طه حسين

في بداية هذه الورقة، أودّ أن أنوه إلى أنه لا يملك أحد أن يحجر على رأي أو يصادر فكرة لأنها تخالف قناعاته التي تربى عليها ونبت في تربتها وترعرع تحت ظلالها، وأن تطور البشرية يعود الفضل فيه إلى قسط وافر من التمرد على المعهود من تلك القناعات الراسخة والمسلمات المتمكنة، وأن أشد الحقائق إزعاجا للعقل هي أشدها نفعا للإنسان، وأكثر الأفكار جدة وابتكارا هي أكبر حافز لإعادة اكتشاف الذات، فهذه دعوة لحوار مفتوح مع العقل والمنطق، مع التاريخ والتراث، واختبار لتلك القناعات عندما توضع على محك المنطق والحجة، ولعله من نافلة القول أن أذكر بأن هذه الورقة لا تنكر وجود حرم مقدس للمسلمين، ولكنها تطرح سؤالا جديدا، سؤال المكان والجغرافيا.

في سنة 683 بعد أن بلغ الصراع بين ابن الزبير والأمويين أشده على إثر رفض هذا الأخير الاعتراف بشرعية خلافة يزيد لوالده، اجتاحت جحافل جيش يزيد ابن معاوية مدينة الرسول حيث كان يتمترس ابن الزبير وأنصاره، وكما هو معروف في التاريخ التراثي؛ فإن المدينة وضعت على حد السيف لثلاثة أيام، وبعد تسعة أشهر من الواقعة، وضعت نساء المدينة المغتصبات؛ أزيد من ألف مولود سفاحا. رغم ذلك لم يكن ابن الزبير من بين القتلى، فالرجل بدل أن ينتظر في المدينة ويواجه قوات يزيد، ركب الصحراء إلى بقعة أشد سحرا وجاذبية للقداسة، إلى «بيت الله».

المؤرخون المسلمون الذين أتوا بعد 100 عام من هذه الحادثة، تناولوا من باب البديهيات والمسلمات أن ذلك المكان المقدس الذي قصد إليه ابن الزبير بعد المذبحة اليزيدية؛ هو مدينة مكة، لكن بالعودة إلى الأرشيف التاريخي والمادي والأدبي لتلك الحقبة نجد أن أحدا من المعاصرين لها لم يشر إلى أن بيت الله يوجد في مكة، تلك المدينة المعروفة طوبوغرافيا اليوم في المملكة السعودية، بل إن مكة نفسها لم يرد لها ذكر في مؤلفات المؤرخين ولا في سجلات التجارة الإقليمية والعالمية ولا الخرائط الطوبوغرافية لذلك العهد، ولا حتى العهود السابقة لبعثة محمد(ص).

فرغم أن التاريخ الإسلامي يبرزها كمدينة تجارية هامة في الشرق الأوسط، تلتقي فيه القوافل القادمة من الشرق والغرب، الشمال والجنوب، ويصوّرها المؤرخون الإسلاميون، كأنها دبي الشرق الأوسط في ذلك الزمن-لم يتحدث عنها أي من المؤلفين الرومان والمسيحيين والهنود والفرس وغيرهم،  وقد عبرت المؤرخة الراسخة باتريشيا كرونا عن دهشتها عندما راجعت جميع الوثائق التاريخية والمادية لتلك الحقبة وما قبلها، أي منذ القرن الأول الميلادي إلى السابع، فلم تعثر على مستند واحد ورد فيه ذكر اسم مكة، هذا أمر مجمع عليه بين المؤرخين اليوم دون استثناء.

ودونت كرونا ملاحظات هامة في كتابها«التجارة المكية وظهور الإسلام»«
meccan trade and the rise of islam»،
تشير فيه إلى أن السفن القادمة من الهند وهي محملة بالتوابل والبهارات وغيرها من السلع، كانت بعد إغلاق ممر بحر العرب والخليج العربي بسبب الحرب بين الساسانيين والبيزنطيين، تمر عبر خليج عدن  فمضيق باب المندب في اليمن ثم البحر الأحمر، متجهة إلى البتراء المدينة النبطية العربية التي كانت ملتقى القوافل الحقيقي بين شمال إفريقيا وغرب آسيا والدولة البيزنطية لمئات السنين، وليس من المنطقي أن تقوم تلك السفن بتفريغ حمولتها في البر اليمني؛ لتسلك عبر الجمال والدواب طرقا برية قاحلة إلى مكة داخل الصحراء، حيث لا وجود لأي نشاط تجاري، ثم تكمل طريقها صاعدة إلى الشمال، وتترك طريق البحر الذي يعتبر مسارا آمنا وسريعا نحو خليج العقبة، وتقول المؤرخة إن مكة أرض جدباء والأرض الجدباء لم تكن قط محلا تجتمع فيه القوافل وتريح فيه ركابها، خصوصا إذا كان بالقرب منها مواقع خصبة وخضراء مشهورة مثل الطائف.

وأشارت كرونا إلى أن المدة التي يقتضيها التنقل بمقدار طُنّ من البضائع برا لمسافة 50 ميلا، هي نفس المدة التي يقتضيها المقدار ذاته الذي يمكن التنقل به بحرا لمسافة 1200 ميل بحرا، الذي هو طول المسافة بين باب المندب وخليج العقبة عبر البحر الأحمر، الأمر الذي يجعل التكلفة باهضة من خلال البر مقارنة بالبحر، إضافة إلى تكاليف تأمين القافلة من قطاع الطرق وتوفير الزاد للجمال والركاب، وأماكن لإقامة الخدم، لذلك كان البحر أكثر أمانا وأقل كلفة من البر، فكل ما تحتاجه السفينة هو شراع خفاق و دفقة من الرياح وسواعد للتجديف.

فلماذا سوف تتجشم القوافل مشقة الذهاب الى قرية نائمة في أحضان الصحراء، ليس فيها من وسائل الراحة ولا أساسيات الحياة إلا بئر لا تكفي كل تلك القوافل التي تتوارد عليها يوميا؟، كما أن الوثائق التجارية والسجلات التاريخية  كانت تؤكد أن الأثيوبيين هم الذين كانوا يديرون حركة الملاحة التجارية في البحر الأحمر، ويسيطرون على المضيق والممرات البحرية، وكانوا على دراية متقدمة بصناعة السفن وطرق وتقنيات الإبحار ونقل البضائع والمبادلات التجارية.

كرونا التي تتقن 15 لغة من اللغات القديمة كالسوريانية والساسانية والعربية، اتجهت في رحلة بحثها عن المكان التاريخي الذي انطلقت منه الرسالة المحمدية ونزل فيه الوحي إلى بغداد، حيث نظرت في الوثائق التي بقيت من عهد الساسنيين الفرس عندما كانوا يذهبون إلى يثرِب للتنقيب عن الفضة حيث بنوا هناك عدة مناجم، لقد تحدثت الوثائق عن يثرِب وخيبر والطائف، لكن لم يرد ذكر مكة في أي منها رغم أنها في نفس الإقليم.
لقد راجعت وثائق بروكوبياس
Procopius
أحد مؤرخي الإمبراطورية البيزنطية الرسميين في القرن السادس، وغيره من مؤرخي الدولة البيزنطية الذين سافروا واستكشفوا الجزيرة العربية، ولم يشر أحد منهم إلى مدينة اسمها مكة.

كان علينا أن ننتظر حتى سنة 740م أي بعد 120 سنة من ظهور الإسلام حيث ظهر أول ذكر لمكة في مؤلف بالسوريانية لرجل دين مسيحي مجهول، باسم
apocalypse of pseudo-methodius،
المخطوط الذي اكتشف عام 1932، وهو وثيقة أصلية يؤرخ صاحبها لفترة الفتح العربي التي عايشها، وينظر فيها لفكرة نهاية العالم من وجهة نظر مسيحية، في أعقاب تفكك الدولة البيزنطية وسقوط أعظم حواضرها بأيدي العرب.

فهل يتصور أحد أنه بعد 500عام من الآن، عندما يريد أحد الباحثين دراسة اقتصاد كبرى العواصم الاقتصادية في الشرق الأوسط؛ أن لا يجد في الأرشيف الذي يؤرخ لهذه الحقبة، أي ذكر لمدينة دبي باعتبارها قطبا تجاريا مزدهرا في الخليج العربي والشرق الأوسط؟.ورغم أن فقهاء الإسلام ومؤرخيه يعتبرون مكة البقعة الأقدم والأقدس في الأرض، وأن إبراهيم وإسماعيل، قبل 900 عام من الميلاد، أسسا أول بيت وضع للناس في مكة، فإننا لا نجد ذكرا لهذه المدينة في أي من المصادر التاريخية خارج التراث الإسلامي، على الإطلاق.

فهل من الجائز أن يجتمع كل أولئك المؤرخون من مختلف الأمم واللغات والأديان، جيلا بعد جيل؛ على تجاهل ذكر مكان شهد بناء أول بيت وضع للناس في الأرض، وكانت له كل تلك العظمة والقداسة والرواج التجاري؟، هل هي مؤامرة تاريخية على الإسلام؟، وهل المؤامرات تجوز على الخرائط و الوثائق التاريخية والأدبية التي دونت قبل حتى أن يولد رسول الإسلام؟.

في المقابل، ورد ذكر »الحرم المقدس» بوصف جغرافي عام على لسان جون بار بينكاي
John bar Penkaye
وهو مؤرخ  نسطوري عاش في أواخر القرن السابع في فترة حكم عبد الملك بن مروان، في مؤلفه المعروف «كْتَبَا دريش مللّي» أو مختصر تاريخ العالم، في الجزء الذي تحدث فيه عن الفتح العربي، حيث وصف المكان الذي لجأ إليه ابن زبير في أثناء حروبه مع بني أمية  الآتية:« لقد ذهب إلى مكان ما في الجنوب، حيث حرمهم المقدس، وعاش هناك«، فَلَو كانت مكة معروفة في ذلك الوقت، والنَّاس يحجون إليها بالآلاف، فلا يعقل أن يصفها المؤرخ الذي فصل القول في حوادث تلك الحقبة بهذا الشكل المبهم.

لكن لدينا بعض القرائن والإشارات التاريخية والأركيولوجية ذات الدلالة التي يمكن من خلالها استشفاف المكان الأصلي ل«الحرم المقدس» عند العرب، قبل أن تستقر الرواية الإسلامية الشائعة لهذا المكان بعد وفاة الرسول بقرنين من الزمن. يعقوب الرهوي يعطينا بعض الملامح، المؤرخ والكاتب السرياني المشهور، المولود في عين دابا قرب حلب عام 640م، دون في بعض كتبه أن المهاجرين في العراق، عندما كانوا يسجدون في الصلاة، كانوا يتجهون نحو الغرب، بينما أولئك الذين يسكنون في الاسكندرية كانوا يتجهون نحو الشرق.

بل إن بعض الروايات في التراث الإسلامي قد أشارت إلى أن رامي السهم الذي حدد اتجاه القبلة عند بناء مسجد الكوفة على يد سعد بن أبي وقاص، لم يقع سهمه باتجاه الجنوب من المسجد باتجاه مكة، ولكن إلى مكان ما في جهة الغرب.

فرغم أن أحدا من المعاصرين لتلك الحقبة لم يكشف لنا صراحة وتعيينا عن المكان الذي لجأ إليه ابن الزبير، فإن ثقل القرائن التاريخية يعين مكانا إلى شمال الحجاز، منتصف الطريق بين الكوفة والإسكندرية.

وهذه المنطقة بالذات هي التي كان محمد (ص) على اتصال ومعرفة بها حسب المؤشرات الضمنية في لغة القرآن، فقد أشارت المعطيات من نصوص  القرآن، إلى المشركين الذين كانوا يجاورون محمدا (ص) في مكة ويجادلونه في دلائل النبوة والمفاهيم الدينية – أنهم على علم عميق ومتقدم بالتراث الإنجيلي والتوراتي، وطفحت نصوص القرآن بمواد جدلية في الثيولوجيا المسيحية التي كانت مثار جدل في المجتمعات المسيحية واليهودية، إذا عندما نريد أن نبحث عن “مكة” الحقيقية التي عاش فيها النبي محمد وعاشر فيها مجتمعا كتابيا غاصا بالموحدين
monotheists
، لن نجدها في عالم وثني كما تصوره لنا كتب التراث؛ عالم من الأصنام وعبادة الأوثان، بل في منطقة عرفت حضورا حيويا للمسيحيين واليهود كما يصورها القرآن الكريم.

ثم إن الشخصيات التي يصفها القرآن هي شخصيات زراعية تمتهن الفلاحة، كما أن المشهد البيئي نفسه في القرآن، يرسم تضاريس أرض زراعية وليست صحراوية على الإطلاق، فلا وجود للزراعة في مكة، فهي واد غير ذي زرع، ورغم ذلك يصف القرآن أعداء محمد أنهم  يربون المواشي و يزرعون أشجار الزيتون ودوالي العنب…الجغرافيا القرآنية تصف لنا موقعا خصبا مثمرا، تتراقص فيه حقول الكروم والتين والزيتون، وتسرح على بساطه الأخضر المراعي والأبقار، وتجري خلاله الجداول والسواقي، وهذا المشهد الأخضر الغني بالماء والثمار والفواكه والأنعام؛ نجده في شمال الجزيرة العربية، في فلسطين وسوريا التاريخية وما جاورهما من المدائن والقرى، وليس في الحجاز ونجد، حيث النباتات الصحراوية من عوسج ونخل ومُرّار، وحيوانات صحراوية من ضب وبنات آوى و وعول برية.

لنتناول هذا المقطع من حديث في صحيح البخاري كتاب التمني 6804 وهو بيت شعري كان ينشده الصحابي بلال بن رباح في مكة قال:
ألا ليت شعـري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل
وهل أرِدن يومـاً مياه مجنـة وهل يبدو لي شامة وطفيل

يصف بلال مكة، واديا معشوشبا تملأه الخضرة ونباتات الأذخر وأزهار الجليل وتحيط به عيون الماء الجارية، والإذخر أو
Cymbopogon
هو نبات معمر غليظ الأصل، يصل ارتفاعه إلى مترين، كثير الفروع دقيق الورق، وبالإطلاع على قاعدة البيانات الأوروبية المتوسطية للنباتات التي توضح خريطة انتشار الأذخر، يتبين أنه ينتشر في بلاد الشام إلى شمال إفريقيا، ولا ينبت في الحجاز أو نجد، مثله مثل نبات أو أزهار الجليل
Hylotelephium
، فهي أزهار لا يمكن بحال أن توجد في مناخ صحراوي، أما شامة وطفيل فهما عينان ينبع منهما الماء.

في حديث آخر للبخاري من كتاب الجهاد والسير 56:251 يصف الحديث رجلا (الصحابي خباب بن الأرت) أسيرا لدى قريش في مكة يتناول حبات العنب، في منطقة لا يبلغ فيها معدل التساقطات المطرية 10 مليمترات سنويا، فكيف تكون أرضا خصبة بالأشجار والحقول الخضراء وتقوى على احتمال كثافة سكانية تعج بالقبائل والبطون والعبيد والخدم، إضافة إلى كونها قطبا تجاريا تتوافد عليها الطوائف والأجناس المختلفة، و ألوف القوافل من الجهات الأربعة، مع ما يصف به القرآن أهل مكة من الجندية والقدرة على الحشد للقتال جيشا عظيما مجهزا بالعتاد والسلاح.

أضف إلى هذا أن علماء الأركيولوجيا المسلمين في جامعة الحسين بن طلال في الأردن لم يجدوا في مكة أي آثار أو حفريات، في مدينة ضاربة في القدم يفترض أن تكون عاجة بالآثار، لكن أقدم أثر توصلوا إليه لا يتجاوز القرن الثامن الهجري، رغم أن الكعبة حسب التراث الإسلامي يعود بناءها إلى قرون طويلة قبل ظهور الاسلام، وهذا ما صرحوا به أولئك الأركيولوجيون للمؤرخ دان جيبسون كما ورد في كتابه الجغرافيا القرآنية، ممتنعين عن ذكر أسمائهم لأسباب لا تخفى، في حين يعلم كل من اهتم بتاريخ الجزيرة العربية أن المدينة النبطية العربية البتراء كانت قبلة للحجاج لقرون طويلة، ومعروفة في التاريخ بأن لها حرما يحرم القتل فيه، ورغم أن الجزيرة العربية عرفت العديد من الكعبات والبيوت المقدسة من نجران إلى شمال الجزيرة العربية، ظلت البتراء أهم تلك المراكز الدينية على امتداد القرون.

في القرآن ما يرشدنا إلى تلك المنطقة التي تتمتع بالأوصاف التي جاءت في القرآن، عندما تحدث عن قصة لوط، ومدينة سدوم في الأردن، قال في سورة الصافات التي يصفها المفسرون بأنها سورة مكية : «وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ 133إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ 134 إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ 135 ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ 136 وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ 137 وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ 138».

فإذا كان المشركون الذين وجه إليهم القرآن خطابه، يمرون على مدينة لوط التي بينها وبين مكة 1000 كيلومتر، مرتين، في الصباح وفِي المساء، فإنه من غير المعقول أن يكون محمد (ص) والمشركون يقيمون على بعد 1000 كيلومتر عن سدوم(المسافة بين مكة وسدوم في الأردن)، بل يفرض المنطق أنهم يعيشون في مكان قريب جدا يجعلهم يمرون على تلك الأطلال صباحا وهم ذاهبون لأعمالهم ومساء وهم عائدون، وإلا فألف كيلومتر ليست بنزهة يسيرة حتى يستطيع المرء أن يمر مرورا على قرية بالغداة والْعَشِي، تفصلها عن قريته مئات الكيلومترات.

بعض الباحثين يرى أن المكان الذي تجتمع فيه صفات المجتمع الذي نشأ فيه محمد ويصف القرآن مظاهره الجغرافية والبيئية والمعرفية، هو البتراء في الأردن حيث توصلت الأبحاث الأركيولوجية إلى أن البتراء كانت تتوفر على نظام ري متطور، ومشاتل الكروم والعنب وأشجار الزيتون وبساتين خاصة وعامة، وأراض ذات تربة خصبة صالحة للزراعة دلت التحليلات التي أجريت على عينات منها أنها وقبل 100 عام فقط كانت فيها أشجار الصنوبر والفستق وغيرهما.

يقوم حرم ذي الشرى أو
dushara،
في البتراء اليوم، كموقع أثري لا زال قائما بأحجاره المتهدمة قبلة للسياح، هذا الحرم ذكره ابن هشام في سيرته في قصة إسلام عمرو بن الطفيل الأزدي، يقول عمرو داعيا زوجته إلى الإسلام : “فاذهبي إلى حِنا ذي الشَّرى – قال ابن هشام ويقال حمى ذي الشرى – فتطهري منه، قال وكان ذو الشرى صنما لدوس ، وكان الحمى حمى حموه له ، وبه وَشَل من ماء يهبط من جبل قال فقالت بأبي أنت وأمي ، أتخشى على الصبية من ذي الشرى شيئا ؛ قال قلت لا ، أنا ضامن لذلك ، فذهبت فاغتسلت ، ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام ، فأسلمت”. فكيف يكون ذو الشرى في مكة وهو في البتراء، وكيف يهبط نبع من الماء من جبل في مكة؟ وهل هناك معبد لذي الشرى في السعودية؟

وبالعودة إلى اتجاه القبلة الذي أشرنا إليه آنفا، فإن لفيفا من الأركيولوجيين قاموا باستقصاء مدهش لمجموعة من المساجد الأولى في الإسلام، وبالنظر إلى اتجاه القبلة الأول الذي تبنته تلك المساجد؛ كانت النتيجة مذهلة ومحيرة في آن واحد.

لقد وردت في القرآن نصوص تأمر محمدا (ص) بتغيير اتجاه القبلة في الصلاة، لكن لم يحدد القرآن مكان تلك القبلة ولا السنة التي تعين فيها ذلك التغيير، وأطلقت التعبيرات منكرة مبهمة عامة: “ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها”، “لنولينك قبلة ترضاها”، “فول وجهك شطر المسجد الحرام”…وحسب الرواية الإسلامية التقليدية حدث ذلك في عام 624م، هذا يعني بالضرورة أن أي مسجد بني بعد عام 624م، فإن قبلته سوف تكون باتجاه مكة، لكن المفاجأة التي لم يكن يتوقعها أحد، كشفت عنها الأبحاث الأركيولوجية على المواقع الأثرية للمساجد القديمة، التي وجدت على سبيل المثال أن القبلة الأولى لمسجد غوانجزهو الأعظم في الصين الذي بني عام 630، أي أربع سنوات بعد تحويل اتجاه القبلة، كانت اتجاه القبلة فيه نحو البتراء، مسجد الحميمة في جنوبي الأردن، اتجاه القبلة نحو البتراء، مسجد بعلبك الأعظم في لبنان قبلته تشير إلى البتراء، مسجد صنعاء الأعظم الذي بني عام 705م، اتجاه قبلته نحو البتراء، المسجد الأقصى الذي بني عام 709م، نحو البتراء، اتجاه القبلة في الجامع الأموي في دمشق الذي بني عام 709  أيضا يشير نحو البتراء، مسجد الأنجار في بيروت 714، ومسجد عمر في سوريا 720 كلاهما قبلته نحو البتراء.

في عام 727 م، أخيرا في باكستان، مسجد بانبهور يتجه في القبلة إلى مكة، أي بعد 103 أعوام من نزول الآية التي تأمر المسلمين بتغيير اتجاه القبلة من القدس إلى مكة، ورغم ذلك فإن مسجد الشرقي في سوريا الذي بني عاما بعد ذلك، كانت اتجاه القبلة تشير إلى البتراء كما تشير إلى ذلك الأبحاث الأنتروبولوجية على الموقع الأثري للمسجد، مسجد قلعة الرباط في تونس الذي بني عام 770م، هو أيضا تتجه قبلته نحو البتراء، بل تمتد الفترة الزمنية إلى القرن التاسع عندما بني جامع القيروان عام 817، هذا الأخير اتجاه القبلة لم يكن يشير لا إلى البتراء ولا إلى مكة.

والخلاصة، هي أن جميع المساجد التي بنيت بعد وفاة محمد (ص) وحتى بداية القرن الثامن، كانت تتجه بالقبلة إلى البتراء لا إلى مكة، وأن المساجد ظلت مدة مختلفة في اتجاهات القبلة على امتداد رقعة الإسلام ما بين 700م و822م ، ولم تتوحد حول القبلة المكية كليا وبشكل نهائي إلا بعد مضي 200  عام من تاريخ تغيير القبلة، فهل كانت البتراء هي القبلة التي كان يصلي إليها محمد (ص)؟ هل كانت الكعبة الأصلية في البتراء وليس في مكة؟.

قديما، كان هذا العمل يتطلب جهودا مضنية للوصول إلى المواقع الأثرية، والتنقيب في آلاف الكتب والمخطوطات والخرائط القديمة للعثور على تلك المساجد والأبنية الأولى في الإسلام، اليوم يوفر موقع
archnet.org
إمكانية العثور على أي بناء من الأبنية الأثرية لمختلف الحضارات القديمة وأنواع العمارات، إسلامية رومانية قوطية… ويمكن من خلاله جمع تلك المواقع بطريقة كرونولوجية وتحديد الموقع الجغرافي بدقة، ثم ما على الباحث إلا نقل العنوان إلى جوجل ايرث ليعطيه صورة حية، دقيقة وواضحة من الفضاء، تمكنه من رصد اتجاهات القبلة في المساجد المختلفة، ويمكن الاطلاع على الصور الفضائية لتلك المساجد في موقع
indipress.ca.

هناك اعتقاد قوي تعضده القرائن والأدلة الأركيولوجية، ويدعمه التطور العلمي الكبير الذي تشهده مناهج البحث التاريخية مسلحة بالتكنولوجيا الحديثة، يشير إلى أن هناك خطأ تاريخيا وقع فيه المؤرخون المسلمون الذين جاءوا بعد أزيد من 150  عاما من وفاة الرسول عليه السلام، وهناك فترة غامضة في التاريخ الإسلامي تعتبر لغزا معقدا يحتاج إلى تفكيك مضني، يجعل ما تقود إليه الأبحاث الأنتروبولوجية و حجج الأركيولوجيا والوثائق التاريخية وسجلات التجارة القديمة؛ يتصادم مع مدونات التراث تصادما صارخا، وتتضارب فيها الأخبار في السيرة وكتب التاريخ و الحديث بين الوصف والموصوف.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن العلم إذا ما توصل إلى المكان الأصلي الذي شهد مهبط الوحي وبعثة الرسول وكان ذلك على خلاف ما قررته الأدبيات الإسلامية، فإن ذلك لا يتعارض مع العقيدة الإسلامية في حد ذاتها، ولا مع صدق النبوة، لأن الأمر لا يعدو أن يكون خطأ جغرافيا في تحديد الموقع، وتصحيحا للمكان الذي يتوجب على المسلمين الحج إليه، واستقباله في الصلاة، والحق أحق بالاتباع، ولغرابة المفارقة ودلالتها أيضا، نجد أن غياب اسم مكة في كتب التاريخ قبل الإسلام، يقابله غياب اسم البتراء في كتب التراث والتاريخ الإسلامي .

فإذا كانت البتراء هي المكان الذي نزل فيه الوحي والبقعة التي كانت فيها الكعبة أول الأمر، والقبلة التي كان يتوجه إليها المسلمون الأوائل في الصلاة، فلماذا تحولت إلى مكة؟، ما هي الأحداث التاريخية والدوافع الموضوعية التي جعلت المسلمين يتحولون عنها إلى مكان بعيد في الصحراء في المملكة العربية السعودية؟ مكان ليس له ذكر في التواريخ والخرائط القديمة للشرق الأوسط والأدبيات القديمة لدول حوض البحر الأبيض المتوسط؟ كيف حدث ذلك على مرأى من الناس؟ ما هي المدة التي تطلبها تحويل القبلة ليستقر الأمر في النفوس؟ لا بد أن حدثا جللا وقع أدى إلى ذلك التحول العظيم في التاريخ؟

لقد دقق دان غيبسون -المؤرخ الكندي الذي قضى عمره في دراسة تاريخ الجزيرة العربية في كتابه الجغرافيا القرآنية- في الفترة التي تحول فيها اتجاه القبلة من البتراء إلى مكة، فوجد نفسه وجها لوجه مع فترة الحرب الأهلية الثانية ، تلك الحرب بين عبد الله بن الزبير في البتراء -بعد أن ترك المدينة- والأمويين في دمشق، حرب من أجل السلطة حرب من أجل النفوذ حرب من أجل الإمامة العظمى.

نحن الآن في العام 680م، مات معاوية، وخلفه ابنه يزيد في الحكم، كان يزيد فتى ماجنا خليعا، مغرقا في الملذات الحسية، كان يربي قردا ويقيم على معاقرة الخمر ومعاشرة النساء، و اختار مثل سلفه دمشق لتكون عاصمة الخلافة، أما ابن الزبير فقد كان رجلا عقائديا متطرفا يريد أن يقيم حكمه على أساس ديني يستند إلى استخلاف إلاهي في الأرض، وكانت تمثل له المدينة المقدسة بقعة مهمة يمكن من خلالها أن يسمع صوته في أرجاء الشام ومصر والعراق والجزيرة العربية، يمكن أن نصف الصراع في ذلك الوقت بالصراع بين تيارين؛ أحدهما دنيوي/علماني يروم توريث الحكم وإقامة مملكة لا تلتزم بأحكام الدين كثيرا، أو بعبارة تراثية “ملكا عضودا”، و الآخر دوغمائي عقائدي متشبث بإقامة خلافة تخضع لأحكام السماء، أو بعبارة تراثية أيضا؛ “خلافة على منهاج النبوة”.

في عام 683م استغل ابن الزبير عدم رضا الناس عن ممارسات الأمويين في دمشق خصوصا بعد مذبحة الحسين بن علي وأهل بيته في كربلاء(680)م، ثم وفاة يزيد بعد أن قضى ثلاث سنوات في الحكم، وتولي ابنه معاوية بن يزيد الحكم وهو ابن 13 ربيعا، فأعلن ابن الزبير نفسه خليفة للمؤمنين، لتشتعل الحرب الأهلية الثانية.

تحرك جيش الأمويون من دمشق لقمع تمرد ابن الزبير، ثم فر هذا الأخير من المدينة إلى البتراء تاركا خلفه القوات الأموية تنهب الأموال وتغتصب النساء بقيادة مسلم بن عقبة، ثم تعقبه هذا الأخير بعد 3 أيام إلى البتراء، حاصر الأمويون ابن الزبير في البتراء أربعة وستين يوما تمكنوا خلالها من قصف البيت الحرام بالمنجنيق، واحترقت ثياب الكعبة، ووانصدعت بعض أركانها، لكن المعبد الذي كان مصنوعا من أعواد الخشب ظل قائما.

اضطر المحاصرون إلى فك حصارهم والعودة إلى دمشق بعد أن بلغهم نعي يزيد بن معاوية الذي توفي في أثناء الحصار. في تلك الأثناء ثارت البصرة على والي الأمويين عليها عبيد الله بن زياد قاتل الحسين بن علي، واضطر إلى الفرار إلى دمشق في جنح الظلام، وظهر في الناس من يدعو إلى مبايعة ابن الزبير، فتمددت سلطته لتشمل العراق وإيران، وتمكن من استعادة المدينة المنورة حيث ولى عليها أخاه عبيدة بن الزبير،في هذه الفترة انشغل بنو أمية في الشام بالصراعات الداخلية بين أفراد العائلة، أدت إلى اغتيال معاوية بن يزيد ذو 13 ربيعا بعد مبايعته 40 يوما، ثم اغتيال خليفته مروان بن الحكم على يد زوجته أم معاوية؛ زوجة يزيد السابقة.

ولقصة قتل مروان حكاية لابأس من ذكرها هنا لأنها تحمل دلالات الحياة الخلقية للمجتمع الإسلامي في ذلك العصر الذي يعتبره الناس  اليوم نموذجا للمجتمع الاسلامي الفاضل والجيل المثالي من السلف الصالح، فعندما مات معاوية بن يزيد كانت الخلافة سوف تأوُّل إلى أخيه خالد بن يزيد، لكن مروان الذي كان متشوفا للحكم تزوج أم خالد زوجة يزيد السابقة حتى يصغر خالد في أعين الناس، فلا يطلب هذا الأخير الخلافة، ويحكي الطبري أن خالدا دخل “يَوْمًا عَلَى مَرْوَان وعنده جماعة كثيرة، وَهُوَ يمشي بين الصفين، فَقَالَ: وَاللَّهِ [إنه] لأحمق، تعال يا بن الرطبة الإسْت(المؤخرة)- يقصر بِهِ ليسقطه من أعين أهل الشام- فرجع إِلَى أمه فأخبرها، فَقَالَتْ لَهُ أمه: لا يعرفن ذَلِكَ مِنْكَ، واسكت فإني أكفيكه، فدخل عَلَيْهَا مَرْوَان، فَقَالَ لها:

-هل قَالَ لك خَالِد فِيّ شَيْئًا؟

فَقَالَتْ:

– وخالد يقول فيك شَيْئًا! خَالِد أشد لك إعظاما من أن يقول فيك شَيْئًا…

فصدقها، ثُمَّ مكثت أياما، ثُمَّ إن مَرْوَان نام عندها، فغطته بالوسادة حَتَّى قتلته”.

بعد أن تولى عبد الملك بن مروان عام 686م الحكم في دمشق، كانت رقعة الإسلام تتناهبها الفرق والأحزاب والثورات من أطرافها، سيطر الأمويون على بلاد الشام ومصر وشمال الجزيرة العربية وأطراف من العراق، وحكم ابن الزبير مدينة البتراء حيث بيت الله والمدينة المنورة والكوفة والبصرة إلى خراسان، لكن العراق لم يخلص لأي منهما، ظهرت فرقة التوابين التي طالبت بدم الحسين وتنادت لأول مرة بثاراته على يد سليمان بن صرد، وخاضت معركة طاحنة مع الأمويين في موقعة عين الوردة في العراق، وقاتلت الأزارقة والخوارج قوات ابن الزبير، إضافة إلى ظهور المختار الذي ادعى النبوة وكان له كرسي مقدس يخرج به في حروبه.

أما الجيوش المرابطة في الثغور فلم تكن مشغولة إلا بالفتح وحده، تقف اليوم لتمضي غدا، و تعمل على إقرار النظام في ما أكلته من أراضي الإمبراطوريتين المتهدمتين البيزنطية والساسانية، ورغم الصراعات الداخلية في الدولة الإسلامية الفتية بين مختلف مكوناتها؛ فقد كانت الرغبة في اكتساح العالم وبناء امبراطورية شاسعة لا تغيب عنها الشمس، رغبة مشتركة بين كل تلك العناصر المتصارعة على الخلافة، فإن الأمويين كانوا يخوضون حروبهم ضد دولة جاستينيان الرومانية المتراجعة في لبنان وآسيا الصغرى وأذربيجان وأرمينيا، كما ظل ابن الزبير يوفد بعوثه وولاته إلى خراسان والأهواز، وكانت فلول الخوراج والأزارقة المنهزمة في معاركها ضد ابن الزبير وبني أمية تتجه إلى الثغور للمشاركة في الغزو وتثبيت السلطان الجديد على أنقاض السلطان القديم، كانت تلك الأحزاب والطوائف والأهواء تتوحد لحمتها وتجتمع كلمتها كلما ابتعدت عن جغرافية الصراع الإسلامي- الإسلامي، واتجهت نحو المواقع التي يكون فيها القتال واضحا بين العرب وغير العرب.

في تلك المرحلة التي انشغل فيها بنو أمية باسترجاع ما ضاع منهم من الأراضي العراقية على إثر موت يزيد وسقوط بيعته فيها، بعد أن ثار أهالي الكوفة والبصرة على عمال وولاة الأمويين، وفرار والي البصرة عبيد الله بن زياد منها، وثورة الطوائف الشيعية والخارجية إضافة إلى تمدد الزبيريين في المدن العراقية-كان ابن الزبير في البتراء قد هدم الكعبة تماما وسواها بالأرض، ففي سنة 683م كما يذكر ذلك الطبري في تاريخه في أحداث سنة 64  للهجرة، “هدم ابن الزُّبَيْر البيت حَتَّى سواه بالأرض(…) وجعل الركن(الحجر) الأسود عنده فِي تابوت فِي سرقة من حرير، وجعل مَا كَانَ من حلي البيت وما وجد فِيهِ من ثياب أو طيب عِنْدَ الحجبة فِي خزانة البيت، حَتَّى أعادها لما أعاد بناءه”.

في هذه اللحظة بالذات، كان ابن الزبير قد اختار بقعة استراتيجية بعيدة عن طَوْل الأمويين في دمشق الذين يبعدون عن البتراء زهاء 435 ميلا، فقد كان يدرك ألا محالة سوف يعودون إليه، فكان لابد له من مكان أكثر حصانة من البتراء وأبعد مسافة أيضا، وبما أن دعوته كانت دعوة دينية عقائدية فقد كان يتوجب عليه ألا يفقد ميزة سيطرته على الحرم التي جعلت صوته يسمِّع بعيدا، ومكنته من منافسة بني أمية على الحكم، لكنه مع ذلك لا يستطيع أن يأخذ معه الكعبة إلى الوجهة التي اختارها، كما أنه لا يمكنه أن يتركها إلى بني أمية فيفقد أهم دعامة جعلت الناس يلتفون حوله وهذا ما جعله يهدمها.

لكنه كان يملك شيئا مقدسا ساحرا وثمينا، يمكنه أن يضفي الشرعية والقداسة على أي بيت يبنيه إذا ما كانت جزءا من بنائه وركنا في أساسه، لقد كان يملك الحجر الأسود؛ قطعة من الجنة في الأرض، و الذي من دونه لا يكون البيت الحرام بيتا حراما بالفعل، لأن الحجر هو الشيء المادي الوحيد الذي تبقى من عبق القداسة بعد تسوية الكعبة بالأرض، ومحو كل أثر لها، وفي كتب الحديث والفقه والتاريخ ما يشير إلى عظمة هذا الحجر ومكانته، يقول عبد الله بن العباس: “ليس في الأرض شيء من الجنة إلا الركن الأسود والمقام، فإنها جوهرتان من جوهر الجنة، ولولا من مسهما من أهل الشرك ما مسهما ذو عاهة إلا شفاه الله”، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص:” الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة طمس الله نورهما ولولا ذلك لأضاء ما بين المشرق والمغرب”… و قد أشار صاحب الموسوعة البيزنطية سودا ليكسيكون
Suda lexicon
إلى مركزية هذا الحجر في العالم المتوسطي القديم، لكنه ذكر  أن مكان ذلك الحجر في البتراء.

لم يكن بناء كعبة أخرى أمرا عسيرا أو منكرا، لأن أخبار قصف الأمويين للكعبة بالمنجنيق حتى مالت عيدانها و تصدعت جدرانها الخشبية كان قد بلغ أهل العراق وغيره وانتشر بين الناس، وكانت الخوراج تعير به جنود بني أمية عند القتال، كما أن كون الكعبة هيكلا من الخشب والعيدان بلا أساس ولا حجر، يسر على ابن الزبير طمسه وتسويته بالأرض، لكنه عندما بنى الكعبة في مكة قرر بناءها هذه المرة بالحجر وحفر أساساتها حتى تصمد أمام أي محاولة لحرقها أو هدمها، قال الطبري راويا عن ابن الزبير في أحداث عام 65ه/684م:”  إِنَّ أُمِّي أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ حدثتني ان رسول الله ص قَالَ لِعَائِشَةَ: [لَوْلا حَدَاثَةُ عَهْدِ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ رَدَدْتُ الْكَعْبَةَ عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ، فَأَزِيدُ فِي الْكَعْبَةِ مِنَ الْحَجَرِ فَأَمَرَ بِهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَحُفِرَ،]”، وقال في موضع آخر: “وحفر أساسه وأدخل الحجر فِيهِ”.

في عام 689م كان ابن الزبير قد بدأ في إفراغ البتراء من الأهالي وتهجيرهم مع الجيش نحو المدينة المقدسة الجديدة، هذه الهجرة الجماعية من البتراء إلى مكة اختفت من كتب التاريخ وطالتها يد الرقيب في زمن العباسيين الذين كان يهمهم أن يختفي كل أثر أدبي وتاريخي يدل على البتراء لأسباب سوف نأتي إليها، ومن الغريب والملفت في آن؛ أن الطبري الذي كان يعقد أكثر من فصلين من عشرات الصفحات لكل سنة من السنوات في تاريخه، جاء إلى سنة 70ه/689م، ولم يذكر عنها من أحداث سوى خبرين من سطرين أحدهما عن مصالحة عبد الملك لملك الرومان، والآخر عن قدوم مصعب بن الزبير إلى أخيه.

لكن هذا الخبر القصير أو جذاذة خبر بالأحرى، تحمل في طياتها دلالات على تلك الهجرة الجماعية من البتراء إلى مكة، يقول الطبري: “وفيها شخص- فيما ذكر مُحَمَّد بن عمر-مصعب بن الزبير إلى “مكة”(البتراء) فقدمها بأموال عظيمة، فقسمها في قومه وغيرهم، وقدم بدواب كثيرة وظهر وأثقال.” لم يأت مصعب بالجنود ولا بالسلاح رغم أنه الأمر المنطقي في حالة بلدة تترقب الحصار في أي لحظة من جيش عبد الملك، لكنه في المقابل أتى بدواب كثيرة وظهر (أي ما تحمل عليه الأمتعة) وأثقال (وهي المؤن التي يتزود بها للسفر الطويل)، إنها الدواب والرِّكَاب والمطايا التي استخدمت في تلك الهجرة الجماعية إلى مكة، والتي من دونها تتقطع بالأهالي والجموع سبل بلوغ مقصدهم، لأن المسافة بين البتراء ومكة لا تقل عن 1000  ميل.

خلال تلك السنوات من 683م  إلى 692م، كان هناك حجان أحدهما إلى البتراء والآخر إلى مكة، كان ابن الزبير هو من يحج بالناس في البتراء، لكنه بعد انتقاله إلى مكة أصبح ولاة بني أمية يحجون بالناس في البتراء، وإن كان حجهم منقوصا لأن ابن الزبير كان قد هدم الكعبة وحمل معه الحجر الأسود، ولذلك نجد الطبري يورد أخبارا متعددة عن حجين في سنة واحدة حج الأمويين إلى البتراء وحج أنصار ابن الزبير إلى مكة خصوصا أهل العراق، ويذكر أن بعض ولاة بني أمية كان يحجون بالناس لكنهم لا يطوفون بالبيت، كما أن فقدان الحجر الأسود يجعل إعادة بناء كعبة في البتراء أمرا شبه مستحيل، لأن الحجر الأسود كان مع ابن الزبير وقد أدخله في بناء كعبته الجديدة في مكة كما سبق الإشارة إلى ذلك.

ففي الوقت الذي يذكر فيه الطبري أخبار حصار مكة الأخير(دام زهاء 8 أشهر) الذي سوف يشهد نهاية عبد الله بن الزبير على يد الحجاج عام 692م، فإنه يورد خبرا ظاهره التناقض إذا قرأنا التاريخ حسب الرواية التقليدية، لكنه يتكامل مع الرأي الذي يؤكد تغيير الحرم من البتراء إلى الكعبة، ففي نفس العام (691م) الذي يحج بالناس ابن الزبير وهو محاصر في مكة، يحج بالناس الحجاج بن يوسف في البتراء “وحج الحجاج بالناس في هذه السنة، وابن الزبير محصور (في مكة)” (الطبري أحداث عام 72ه)، لكن الطبري يخبرنا بأن الحجاج لم يطف بالكعبة رغم حجه بالناس، وما ذلك إلا لأنها لم يعد لها وجود بعد أن سواها ابن الزبير بالأرض ، في حين يمتنع أحد سفراء عبد الملك هو طارق بن عمرو إلى ابن الزبير وأهل مكة عن الحج وأداء المناسك، بل و يخالف القواعد العامة التي يتحلى بها من دخل المسجد الحرام مثل التخلي عن السلاح، كما أنه لم يطف بالبيت ولم يصل إليه.

في حين يورد الطبري خبرا عن بجير بن عبدالله المسلي يخاطب فيه ابن الزبير ويستشفعه في العفو عنه وعن أصحابه في الكوفة؛ بكونه يتبع نفس القبلة التي يستقبلها ابن الزبير: “يا بن الزبير، نحن أهل قبلتكم،(…)، فإن خالفنا إخواننا من أهل مصرنا فإما أن نكون أصبنا وأخطئوا، وإما أن نكون أخطأنا وأصابوا” الطبري أحداث عام67ه.، فَلَو كانت قبلة ابن الزبير هي قبلة المسلمين جميعهم، لما كان لهذه العبارة(أهل قبلتكم) من معنى.

لقد ظل هذا الإشكال مطروحا طيلة فترة حكم بني أمية التي بلغت ثمانين عاما، ورغم مقتل ابن الزبير واجتياح عبد الملك للعراق وقتله مصعبا شقيق عبد الله بن الزبير وواليه عليها، وسقوط الكوفة والبصرة وخراسان وفارس بيد الأمويين، فإن ذلك لم يثن الزبيريين و شيعة أهل البيت من أنصار محمد بن الحنفية وَعَبد الله بن عباس من التوجه في صلاتهم تلقاء البلدة التي اختارها ابن الزبير، والتي باتت تضم الهيكل الذي أدخل فيه الحجر الأسود، بدلا عن القبلة التي  يستقبلها أعدائهم و قاتلوا حفيد الرسول من بني أمية.

لقد كان الصراع بين الفرق الكبرى يكتسي أبعادا مختلفة سياسية ودينية وعرقية، و ما انفكت الساحة تشهد اقتتالا محموما ومتشابكا بين أربعة تيارات تتنازعها أهواء السياسة وأهواء الطائفية وأهواء القبلية أيضا، بنو أمية، والزبيريون، والخوارج، والشيعة، إضافة إلى أهالي البلاد المغلوبة مثل الفرس والترك والديلم الذين كانوا سادة في بلادهم قبل أن يجردهم الأمويون من حريتهم وأموالهم ويصيرونهم عبيدا وموالي، وتفرض عليهم الجزية والإتاوة، فكانوا عادة ما ينضمون إلى الثورات الشيعية والخارجية التي تعادي السلطة المركزية في دمشق، وكانوا أول من ناصر دعوة المختار بن أبي عبيد وإبراهيم الأشتر ثم دعوة آل العباس التي قضت على حكم بني أمية.

لقد استثب الحكم نوعا ما في الفترة التي حكم فيها عبد الملك بن مروان بعد أن انتصر على الزبيريين وهزم ثورات الخوارج وبايعه أهل الكوفة والبصرة، وكان أقوى حكام الدولة الأموية على الإطلاق، لكنه مع ذلك فشل في توحيد القبلة وظلت المساجد تبنى بعضها يستقبل مكة وبعضها يستقبل البتراء كما سبق وذكرنا، وظل الحجاج يختلفون إلى البقعتين كل حسب اجتهاده، وكان السؤال ملحا: هل البقعة الأولى أولى أم الثانية التي فيها الحجر الأسود؟، بل إن بعضهم اختار الحج إلى المدينتين معا في سنة واحدة حتى يدرأ الشك، كما حدث مع أبان بن عثمان عام 698م، يقول الطبري في أحداث سنة 76ه:” حج أبان بن عثمان وهو على المدينة بالناس حجتين سنة ست وسبعين”، بل إن هناك أعواما لم يسجل فيها أي ذكر للحج على الإطلاق في التراث الإسلامي، وهي السنوات بين 83ه و87ه.

و إن كان الخلاف حول القبلة تشوبه آثار الصراع السياسي، فإن الشرعية الدينية كانت الهاجس الأول للمختلفين والمجتهدين في ذلك،لأن بلاطا ومسجدا للأمويين بني عام 701ه في عمان الأردن، كانت قبلته نحو مكة، وهذا البناء هو من أوائل الأبنية التي حصرها الأركيولوجيون التي تتجه إلى القبلة الجديدة(مكة)، وهذا إن دلنا على شيء فهو يدل على الحيرة و التذبذب الذي طبع تلك المرحلة حتى بين الأمويون أنفسهم، الذين لم يتخذوا أي إجراءات عقابية أو زجرية للمختلفين على القبلة، وتركوا الأمر عشواء خاضعا لتقديرات الناس.

وكما أشرنا من قبل فإن مرحلة التذبذب والحيرة هاته لم تنته تماما إلا في القرن التاسع، حيث تمكن العباسيون الذين أطاحوا بحكم بني أمية من حسم الأمر تماما وتوحيد القبلة نحو الكعبة، ومحو أي أثر أدبي للبتراء في كتب التراث ونحله في المقابل إلى مكة، وقد ساعدهم على ذلك الزلزال التاريخي عام 712 الذي ضرب البتراء ودمر جل ملامحها، والزلزال الآخر الذي هز الأردن وسوريا عام 745م وجعل التركيز يتجه نحو مكة وفقدان أي أمل لدى الأمويين لإعادة الحجر الأسود إلى البتراء.

مع الأخذ في الاعتبار الدلالات الدينية والاجتماعية للظواهر الطبيعية العنيفة مثل الزلازل في مخيال العامة، الذي عادة ما يرتبط بسخط الله على المكان الذي يحدث فيه زلزال ما، إضافة إلى ما كان قد أذاعه ابن الزبير في الناس وهو يحفر أساسات الكعبة الجديدة في (مكة) أنه وجد في أرضيتها حَجَر إبراهيم الذي بنى به أساس البيت الحرام أول مرة، وقد نقل روايته الطبري في أحداث سنة 65ه: يَقُولُ: إِنَّ أُمِّي أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ حدثتني ان رسول الله ص قَالَ لِعَائِشَةَ: [لَوْلا حَدَاثَةُ عَهْدِ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ رَدَدْتُ الْكَعْبَةَ عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ، فَأَزِيدُ فِي الْكَعْبَةِ مِنَ الْحَجَرِ فَأَمَرَ بِهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَحُفِرَ،] فَوَجَدُوا قِلاعًا أَمْثَالَ الإِبِلِ، فَحَرَّكُوا مِنْهَا صَخْرَةً، فَبَرَقَتْ بَارِقَةٌ فَقَالَ: أَقِرُّوهَا عَلَى أَسَاسِهَا، فَبَنَاهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَجَعَلَ لَهَا بَابَيْنِ: يَدْخُلُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَخْرُجُ مِنَ الآخَرِ.”

ورغم ذلك فإن العصر العباسي شهد ميلاد حركة تصحيحية تعاملت بطريقتها مع هذا الخطأ التاريخي، ولكن بدل أن يكون التصحيح بسن القلم كان بذؤابة السيف، فقد نشأت في القرن العاشر فرقة القرامطة الذين اتخذوا من مدينة هجر في البحرين عاصمة لهم، و كانت الفرقة تنكر على المسلمين توجههم بالقبلة شطر مكة والحج إليها، وكان القرامطة يصلون نحو شمال الجزيرة جهة البتراء، وما انفكوا يعترضون سبيل الحجاج وينهبون قوافلهم ويقتلونهم ويسبون النساء لمنع المسلمين من الحج إلى مكة، ولقد عانى خلفاء بني العباس من ثوراتهم التي كانت تصل إلى شن حملات على حواضر الدولة مثل الكوفة والبصرة وبغداد ودمشق، بل إنهم تمكنوا في عام 929م من دخول مكة واستباحة الحرم واقتلاع الحجر الأسود وحمله إلى منطقة الأحساء التي كانوا يسيطرون عليها، ولم يتمكن العباسيون من استرداده إلا بعد مفاوضات دامت21 عاما.

يقول ابن الأثير في تاريخه: “حجّ بالناس في هذه السنة منصور الديلميُّ، وسار بهم من بغداد إلى مكّة، فسلموا في الطريق، فوافاهم أبو طاهر القرمطيُّ بمكّة يوم التروية، فنهب هو وأصحابه أموال الحجّاج، وقتلوهم حتّى في المسجد الحرام وفي البيت نفسه، وقلع الحجر الأسود ونفّذه إلى هَجَر، فخرج إليه ابن محلب، أمير مكّة، في جماعة من الأشراف، فسألوه في أموالهم، فلم يشفّعهم، فقاتلوه، فقتلهم أجمعين، وقلع باب البيت، وأصعد رجلاً ليقلع الميزاب فسقط فمات، وطرح القتلى في بئر زمزم ودفن الباقين في المسجد الحرام حيث قُتلوا بغير كفن، ولا غسل، ولا صُلّي على أحد منهم، وأخذ كسوة البيت فقسمها بين أصحابه، ونهب دور أهل مكّة”.

ولقد دفع العباسيون عام950  مبلغا كبيرا من المال لاسترداد الحجر الأسود، وظل الحج متوقفا طيلة 3 سنوات التي تلت سلب الحجر، وكانت أزمة حقيقية في الإسلام، قال القلقشندي في صبح الأعشى:” وتعطل الحج من العراق إلى أن ولي الخلافة القاهر في سنة عشرين وثلثمائة فحج بالناس أميره في تلك السنة”، وعندما استلموا الحجر كان مهشما ومفتتا.

لقد أشار المؤرخون إلى وقائع عديدة شهدت حرق آلاف الكتب والمخطوطات وساهمت في محو جزء كبير من ذاكرة الإسلام، بل إن إتلاف الكتب وإعدامها كان قد عرف بداية مبكرة مع حرق عمرو بن العاص لمكتبة الإسكندرية واستعمال الكتب في تدفئة حمامات المدينة لمدة ستة أشهر، و حرق سعد بن أبي وقاص التراث الأديي للفرس وإلقاء كتبهم في الماء والنار، وهو سلوك كان شائعا بين الأمم المتغلبة تجاه الأمم المغلوبة، وقد تحدث عن ذلك غير واحد من المؤرخين المسلمين مثل القفطي وابن خلدون في المقدمة والمقريزي في الخطط، إضافة إلى مصادرة خلفاء بني العباس أي انتاج أدبي يذكر الأجيال التي جاءت بعد أكثر من قرنين من تلك الحوادث بتلك الفترة، أو يتبنى خطابا مخالفا للرواية العباسية الرسمية.

وقد لاحقت السلطات العباسية كثيرا من الكتاب والمؤلفين الذين خرجوا عن طريقة كتاب بني العباس في التأليف وأعدمت كتبهم، بل وألبت عليهم كتاب ومثقفي وفقهاء العصر العباسي على امتداد القرون للنيل من سمعتهم ورميهم بالكفر والزندقة والتجديف، مثل ما حصل مع العالم المتكلم أبي الحسن ابن الراوندي في القرن التاسع الذي صلبه أحد حكام بني العباس ومُحي كل أثر لكتبه ومؤلفاته التي فاقت 100 مؤلف؛ لأنه تجرأ على أمور ما كان ينبغي له أن يتكلم بها، وهذا ما يفسر غياب الإنتاج الأدبي والتاريخي لفجر الإسلام وبداياته، رغم توفر وسائل الكتابة وتطور صناعة الورق وتوافر المؤلفين، ولم يحكيها لنا إلا جيل من الكتاب جاءوا بعد وفاة الرسول بزهاء قرنين.

فقد تأخر ظهور كتب السيرة النبوية والمدونات الحديثية والتاريخ الإسلامي حتى بداية القرن التاسع مع لفيف من كتاب ومفكري الدولة العباسية، فظهرت سيرة ابن هشام- التي اقتطعها ابن هشام من كتاب (سيرة رسول الله) لأستاذه ابن إسحاق، وحذف منها كل ما طلبت السلطات العباسية حذفه، كما اعترف بذلك هو نفسه في مقدمة السيرة، وبعدها ظهرت كتب الحديث والسنن والمسانيد، كالبخاري الذي جمع أكثر من 300 ألف حديث ولم يدون منها في صحيحه إلا2,602  دون المكرر، ثم كتب التفسير والتاريخ لمؤلفين مثل الطبري والواقدي و وياقوت… الذين كيفوا الروايات والأحداث بل و الجغرافيا أيضا مع ما يوافق إديولوجية العباسيين،وكان ذلك كله بعد مضي زهاء 200 عام من وفاة الرسول.

بل إن تلك الكتب التراثية نفسها تعرضت للتحرير والتعقب وحذف فصول بأكملها من الذين نسخوا أصولها بعدهم، ولازالت إلى اليوم مخطوطات ومؤلفات لا يمكن النفاذ إليها بسبب الحظر الذي تفرضه بعض الحكومات في الدول الإسلامية، لقد محيت أجزاء مهمة من ذاكرة الإسلام الأولى، ووقع المسلمون ضحية مؤامرة العباسيين الذين أتاح لهم ذلك الفراغ الأدبي والتاريخي من ناحية انعدام المؤلفات المعارضة لروايتهم، وتلك الفجوة الهائلة التي اتسعت لقرنين؛ أن يملؤوها بما وافقهم من روايات و مفاهيم وأفكار مهما كانت بعيدة عن الإسلام.

وما قصة البتراء إلا صورة من صور التحريف الذي طال التاريخ الإسلامي في جوانب كثيرة، و غدت تلك التحريفات -مع الزمن الذي نحتها في النفوس نحتا، والمحاريب التي صقلتها على امتداد القرون صقلا- مسلمات وبديهيات لا تقبل الجدال والرد، وأصبح الاقتراب منها أو محاولة النظر فيها وتقليبها؛ يعتبر عند كثير من المسلمين زيغا في العقيدة أو لوثة في العقل أو محاولة مغرضة للنيل من الإسلام، ومهما حاول المرء أن يبرأ نفسه من أي من تلك التهم؛ فإنه يجد نفسه في نهاية المطاف غرضا لسهام التخوين والتسفيه، وفِي أحيان كثيرة يلقى به خارج بيضة الدين مهدور الدم أو مسلوب الحرية، وفِي هذا يقول المعري :” وحق لمثلي أن لا يُسأل، فإن سئل تعين عليه ألا يجيب، فإن أجاب ففرض على السامع ألا يسمع منه، فإن خالف باستماعه ففريضة ألا يكتب ما يقول، فإن كتبه فواجب ألا ينظر فيه، فإن نظر فقد خبط خبط عشواء.”

طه لمخير   

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية | Leave a comment

رب اسرة سوري يقتل بتفجير قبل ان يحصل على الأمان في كندا بعد ان استثمر فيها ثروته

المرحوم الياس صبي، مع ابنه ماريو، ابنته جانين، ابنه ميشال وزوجته تيريز، توفي في تفجير في حلب العام الماضي.

حسب صحيفة “تورونتو ستار” الكندية, فإن رب اسرة سوري, قد جمع أموال عائلته والأرباح التي جناها من الأعمال التجارية في التجميل والعناية بالبشرة, والتي كان يديرها في سوريا، اسمه ” الياس صبي”, وتقدم بطلب للحصول على الإقامة في كيبيك بكندا في عام 2008, وذلك وفقا لبرنامج الهجرة عن طريق الاستثمار, حيث استثمر مبلغ 120 ألف دولار نقدا في اقتصاد المقاطعة, من خلال شركة ” دي جاردين ترست”، ثم حصل على قرضا للإيفاء بتسديد بقية الرصيد المطلوب في شروط الهجرة والبالغ 400 ألف دولار, مقابل إقامة دائمة. ثم بدأ الياس واسرته بالانتظار.
ومع دخول سوريا في حرب أهلية واسعة النطاق في عام 2011، يأس رجل الأعمال البالغ من العمر 62 عاما من لم شمله وأسرته والحصول على الأمان في كندا,  وتذوق المرارة من مسؤولي الهجرة الكنديين, وانتهى ذلك فى نوفمبر الماضي عندما قتل الياس صبي في تفجير, حيث ظل في منزله في حلب مع زوجته لحراسة ممتلكاته, بعد تهريب أطفاله من سوريا.
الآن, زوجته وابنائهم الثلاثة البالغون – حيث كل منهم لاجئ في شتى اصقاع الأرض بين فرنسا وألمانيا – يكافحون لاسترجاع استثماراته في كندا, بعد ان رفض المسؤولون في الهجرة طلب الأسرة للهجرة لكندا, وذلك لأن مقدم الطلب الرئيسي لم يعد على قيد الحياة.
“لو حصلنا على تأشيرة الهجرة, كما وعد والدي، لتمكنا جميعنا أن نعيش سوية  في كندا بأمان. لكن هذا كان مجرد حلم لا يمكن أن يتحقق الآن “، هذا ما قالته ابنته جانين، 26 عاما، والتي أرسلها والداها إلى لبنان في عام 2014، وهي الآن لاجئة في هايلبرون، بألمانيا.
“نطالب باسترداد مدخرات والدنا, لأننا وأمنا بحاجة إلى المال للعيش والبقاء على قيد الحياة بعد وفاة والدنا الذي كان يسندنا”.
وحسب برنامج الهجرة للمستثمرين في كيبيك, فإنه يطلب من مقدمي الطلبات إجراء استثمار مالي في المقاطعة. ويمكن للمتقدمين اختيار اما إيداع مبلغ 400،000 $ (الذي تم رفعه منذ ذلك الحين إلى 1.6 مليون دولار أمريكي), أو إيداع جزئي من الرصيد المطلوب مع الحصول على قرض معتمد في كيبيك.
وقد أنشأت الحكومة الكندية في العاصمة ” أوتاوا” برنامج الهجرة للمستثمرين, وذلك لجذب الاستثمارات الأجنبية مقابل إقامة دائمة في كندا. ويجب على مقدمي الطلبات استثمار المبلغ المطلوب في الشركات الكندية لمدة خمس سنوات.
وفي ظل الظروف العادية، يسترد المستثمرون, الذين لا يأخذون قرضا لتمويل استثماراتهم, كامل المبلغ بعد خمس سنوات. أما الذين يختارون الحصول على قرض، فلا يجوز لهم استرداد كامل مبلغ الإيداع، حيث يتم قطع اجرة الفائدة والرسوم الأخرى المستحقة.
ووفقا للعائلة، فقد وقع الياس صبي, اتفاقا مع شركة ” دي جاردين ترست” في نوفمبر 2008. وبدلا من دفع كامل مبلغ  ال400،000 دولار المنصوص عليه في العقد، فقد دفع 120،000 دولار فقط, ثم أخرج قرضا بقيمة 320،166 دولار من بنك ” دي جاردين ترست”.

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا | Leave a comment

كل بنت ممكن تكون بتعمل علاقات خارج نطاق الزواج تقرأ البوست ده ضروري

كل بنت ممكن تكون بتعمل علاقات خارج نطاق الزواج تقرأ البوست ده ضروري 
يا جماعه في كارثه بس اللي شاهد عليها زميلتي هي دكتوره و جالها حاله راجل عنده مرض السيلان و اخد العلاج و تمام خف و رجع المركز الطبي فحوصات ليه وللمدام و بيحاول يرشي زميلتي انو تقول لمرات ان عندها مرض ليه نفس علاج السيلان و تخلبها تاخده بالعافي لان اكيد اتعدت منه و هو جابه من الاشكال الشوارع اللي بينام معاهم و عاوز مراته متعرفش انو هو اللي نقلها العدوه و لما زميلتي رفضت قالها يبقي مش هعالجهاا و زنبها فرقبتك انتي ولما زميلتي قالتله طيب منتا كدا اكيد عديت كل اللي اتصلو بيك جنسيا قالها يولعو دول مالهومش ديه مع العلم ان بواب العماره اللي في المركز الطبي و اللي الراجل ساكن فنفس العماره بيقولها دا بيضحك علي بنات المدارس ويستدرجهم و هايص مع بنات اللي شغالين ف الكافيهات و بيحلف طلاق انو مظبط مرات صاحبه و بتطلعه الشقه دلوقتي اي العمل ان الناس دي كلها لازم تعرف علشان تلحق تتعالج و اولهم مراته و صاحبه و بنات المدرسه اللي ف اول الشارع و كل مناخد راي راجل او دكتور زميل يقولنا يولعو هتعملو مشاكل و مراته تستاهل انهاعارفه انو بيعط و قابله تكمل معاه ايه كلن زللها علي كدا تشرب بقي و راي الزميلات ان نخربها و نطلع لمراته و نقولها نقولها ب المره ان عط جوزك هيجيب اخرتك انتي اتلقي و كرامت عمرك و صحتك مينفعش يتفنو قصاد تفكير متخلف اسمه هيرجعلك بعد م النزوه تروح
ياريت اى بنت بتعمل علاقات غير شرعية تخلى بالها لأن المريض بالمرض ده مش بيبان عليه أعراض الأعياء الا بعد فترة
Copy
Hend Shagie

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

لقاء فيتنام لن ينهي أزمة سوريا

قد يكون هذا هو الفصل الأخير من الحرب السورية كما عرفناها في السنوات الست الماضية، لكنْ للأزمة السورية فصول لاحقة. وفي سبيل طي الحرب ناقشها الرئيسان الأميركي والروسي في فيتنام الذي يعتقد أنهما متفقان على فشل الحل العسكري، وأن «الحل سلمي». وكذلك التقى الرئيسان التركي مع الروسي من قبل، في حين تجهز إيران وإسرائيل استعداداتهما للمرحلة التالية.
والناتج الأخير للمفاوضات، التي يقودها الروس ومبعوث الأمم المتحدة، يريد فقط وقف الاقتتال المباشر بين الفرقاء داخل سوريا. وأخطر ما فيه، وفق ما يطرح بالاعتراف بفشل الحل العسكري، أنه سيقبل بتوزيع سوريا جغرافياً مؤقتاً بين القوى الأجنبية المختلفة، روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا، كل في مكانه. فكرة التقسيم المؤقت أن هذه القوى تتوقف عن القتال، وتستطيع لاحقاً أن تتفاوض على حل نهائي. لكن التموضع المقبول دولياً، وإن كان مؤقتاً، سيغذي الصراع الإقليمي، العراق وإسرائيل وتركيا. وجميعها تستعد لمرحلة ما بعد «وقف الحرب».
الخرائط الفضائية المنشورة، حديثاً، تبين كيف أن إيران تبني سلسلة من القواعد العسكرية الصغيرة تمتد من ضواحي جنوب دمشق إلى الجولان، عدا عن التجمعات العسكرية التي بناها حزب الله اللبناني في مواقعه الأخرى داخل سوريا. كلها تعبر عن ترتيبات المستقبل القريب من أجل فرض حقائق على الأرض رغماً عن الاتفاق الدولي المتوقع لاحقاً. الوجود العسكري الإيراني وحلفاؤه، بهذا الكم وهذا العمق، يؤسس واقعاً لا يمكن تجاهل خطره على عموم المنطقة أكثر من إسرائيل، التي تتمتع بقوة عسكرية تدميرية هائلة وحليف أميركي يتعهد الدفاع عنها.
إسرائيل، مثل بقية دول المنطقة استهانت في البداية بالتسلل الإيراني في سوريا. كانت تعتبر الحرب الأهلية تخدم مصالحها؛ مستنقع طائفي يتورط فيه «حزب الله» والقوى الإيرانية مع «داعش»، ولا بد أنهم جميعاً خسروا أعداداً كبيرة من قواتهم ومقاتليهم خلال السنوات الثلاث.
إنما حتى في حال نجح الاتفاق بين القوى الرئيسية على وقف القتال، لا بد أن نقلق من مؤشرات مرحلة جديدة من المواجهات الإقليمية داخل سوريا وخارجها.
فإسرائيل ترى «حزب الله» كتيبة إيرانية متقدمة، ضمن الصراع على النفوذ في الشرق الأوسط، الذي يغذيه اتفاق وقف القتال المنتظر بقبوله وجود الإيرانيين في سوريا. فالحرس الثوري يبني وجوداً طويل الزمن لقواته وميليشياته من المقاتلين الأجانب في مناطق سيطرته داخل سوريا، تصل إلى نحو خمسين كيلومتراً من حدود إسرائيل على الجولان. الصور تظهر كيف بنى الحرس الثوري سلسلة قواعد عسكرية لتكون مراكز دعم وتمويل، تمثل الطريق السريع الإيراني الممتد من داخل العراق إلى لبنان. ولهذا فإن التهديدات الإسرائيلية الجديدة، موجهة ضد حزب الله في لبنان وسوريا معاً. هدفها مواجهة هذا الواقع الجديد، إضافة إلى أن الحروب الإسرائيلية السابقة كانت تشن ضد حزب الله وفق حساب تراكم السلاح وتمدد التنظيم، تقريبا كل عشر سنين. وفي الشأن السوري يحذر رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو من الواقع الجديد بأنه «عندما يطرد داعش من مكان تحل محله إيران». طبعاً السبب جلي وهو أن النظام السوري نفسه لم يعد يملك قدرات عسكرية نتيجة هزائمه.
إسرائيل وتركيا والعراق، دول لها حدود مع سوريا مضطرة ومعنية مباشرة بتفاصيل الحل، ومن هي القوى التي ستسيطر على الأرض من الميليشيات المحلية والأجنبية. وكذلك الأردن مهدد بالزحف الإيراني باتجاه حدوده مع محافظة درعا، لولا التحذيرات الأميركية.
أما إيران فلا توجد لها حدود مع سوريا، مع هذا هي أكثر الدول تمدداً ونشاطاً عسكرياً. ولولا الغطاء الجوي الروسي لما استطاعت ميليشيات إيران التمدد، بل ما كانت لتنجو من الهزيمة.
هذا هو الواقع الذي لا أعرف كيف سيعالجه اتفاق إنهاء الحرب في سوريا، الذي ينهي فقط وجود الجماعات الإرهابية مثل «داعش» و«النصرة» و«أحرار الشام»، لكنه سيفشل في تخليص سوريا من الميليشيات الإقليمية الأخطر.
المصدر الشرق الاوسط

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | 1 Comment

شاهد موسى العمر: ‫بث مباشر .. معارك هيئة وزنكي| بوكمال| وتساؤلاتكم

شاهد موسى العمر: ‫بث مباشر .. معارك هيئة وزنكي| بوكمال| وتساؤلاتكم .. المنبر السوري مع موسي العمر

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

شاهد لماذا هم يخرجون العلماء ونحن نخرج الارهابيين

معتقلات تحفيظ القرآن

في هذين الفيديوين اسفلا, تشاهدون كيف تستقبل المعلمة في كوريا الجنوبية طلابها بكل الحب والتقدير, بينما في المقابل كيف يستقبل الأستاذ طلابه في البلاد الإسلامية .. حتما في كوريا سيتخرجون علماء ومفكرين وادباء ومهندسين وأطباء بينما في البلاد الإسلامية سيخرجون بغبغاوات وارهابيين. الصورة تغني عن 1000 كلمة

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment