رضاع الكبير‎

يقول الله سبحانه تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) وصف للدين بالكمال والتمام …
ويقول الله عز وجل ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين
لمن أراد أن يتم الرضاعة ) تحديد لإتمام الرضاعة بالحولين …
وبعد تمام الرضاعة لا رضاعة …
والرضاعة عرفاً هي للرضيع الذي لا يستطيع هضم أي مواد غذائية ولأنها هي مصدر غذائه لاستمراره على قيد الحياة … وعليها يتوقف نشوز عظمه ونبات لحمه من حليب الأم الذي يساهم في تكوينه ..
والحديث يقول ( إنما الرضاعة من المجاعة ) بمعنى أن الرضاعة
ـ المُحَرِّمة ـ هي ماتسد مجاعة الرضيع في مدة الحولين وعليه يجب
أن يكون الرضاع المحرم هو ما أنبت اللحم وأنشز العظم وذلك هو
إرضاع الصغير دون الكبير .. فرضاعة الكبير لاتنشز عظماً ولا تنبت لحماً
والرضاع إن حدث في الحولين فهو يحرم الزواج ولكنه لا يبيح الخلوة بل يحرمها ..
أما الذين يدّعون زوراً بأن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كانت إذا أرادت أن تدخل أحد عليها طلبت من إحدى قريباتها أن ترضعه ؟..
فهذا إفك وافتراء … والله تعالى يقول في محكم كتابه الكريم
( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ) فزوجات الرسول عليه السلام هن أمهات المؤمنين بنص الكتاب ومع ذلك
قال الله تعالى بحقهن ( وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ) من وراء ساتر مانع حاجب رغم أنهن أمهاتهم ..
وبناءً على ذلك كان رضاع الكبير غير مؤثر ولا يثبت التحريم وإنما
الرضاع المعتبر في التحريم هو ماكان في الحولين للحديث
( لا يحرم من الرضاعة إلّا مافتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام)
وثدي الأم البشرية لا يفرز الحليب إلا في حالة وجود الرضيع بسبب الحالة البيولوجية للأم الناتجة عن الولادة .. وذلك لتغذية الرضيع لعدم تمكنه من تناول الأطعمة والمواد الغذائية الأخرى
وبعد الولادة وتحت التأثير الهرموني تفرز الأثداء الحليب لتغذية الرضيع وإرواء عطشه ويؤمّن له كل احتياجاته من البروتينات والسكريات والمعادن .. ومع مرور الوقت يتغير الحليب ويصبح سميكاً ودسماً ليسكت جوع الطفل .. وبذلك تكون عملية ادرار الحليب عملية بيولوجية مستمرة لا مجال للإرادة فيها .. وتكوّن الحليب يبدأ مع الحمل من خلال التغييرات التي تظهر على الأثداء .. وعندما يحين موعد الولادة فإن الأنسجة التي تحيط بالثدي تتضاعف في الحجم على خلاف في الوقت بين سيدة وأخرى ..
وبعد ولادة الطفل وخروج المشيمة تبدأ بيولوجيا مستويات هرموني
الاستروجين والبروجستين بالهبوط لكي تفسح المجال لإفراز هرمون الحليب البرولاكتين من الغدة النخامية في الدماغ ويرسل البرولاكتين اشارات إلى الجسم لإنتاج كميات كبيرة من الحليب لتغذية الطفل ..
وأيضاً لإحساس الأم بالأمومة تجاه مولودها …
كان ذلك الاسهاب البسيط ضرورياً لبيان أن عملية الرضاعة وادرار الحليب ليس أمراً شخصياً يخضع للإرادة الذاتية ولا يمكن التحكم به ..
أما مايتداوله البعض من حديث أم سلمة رضي الله عنها بأن سهلة بنت سهيل جاءت للنبي عليه السلام وقالت : يارسول الله إني لأرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم ؟… فقال لها الرسول عليه السلام : أرضعيه
فقالت له : إنه ذو لحية ؟.. فقال لها : أرضعيه يذهب مافي وجه أبي حذيفة ..
فقد أصبح بمثابة المسبحة التي لاتفارق أصابع رواد المقاهي للتسلية بها وكسر الروتين بطقطقة حباتها من الكريستال أو بزر الزيتون …
وأصبح الشغل الشاغل لكتاب المقالات وللمهتمين بشؤون الأمة وقضايا الشباب والشيوخ والبطالة والاحتباس الحراري ومشاكل وأمن المجتمع ومسألة السلم العالمي ثم لحق بهم المصلحين والمجددين
والدعاة .. وأصبح مادة خصبة للحوار في البرنامج الثقافية والاجتماعية والحوارية والسياسية وربما نراه قريبا في فوازير رمضان
وأعرض فيما يلي بعض النماذج لمن تصدى لمناقشة هذا الموضوع
والأدلة التي اعتمد عليها …
الدكتور محمد راتب النابلسي ..
يعلل صحة رضاع الكبير بقوله ( هذه الحادثة وأمثالها امتحان لكثير من المسلمين ….. وحديث إرضاع الكبير صحيح لم يمار أحد في صحته فهو في البخاري وغيره من دواوين السنة والذي صدّ الناس عن قبوله أمرين اثنين أولهما : أن الكبير الذي ـ سيرضع ـ ليس شاباً من شباب اليوم أصحاب الشعور الطويلة والملابس الضيقة الذين لا يعرفون أين إتجاه القبلة ؟… .. ولو عرف أحد ان الذي شُرِع الحكم من أجله نشأفي طاعة الله ….. أما الأمر الثاني : فهو أن هذا الحكم الإستثنائي هو البديل عن ضياع شاب لا أهل له ….. وبقي أن أتساءل هل عقولنا وأعرافنا تجعلنا أحكم وأغير من الله ورسوله فنرد نصاً صحيحاً ….. وإيراد بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الحديث لا وجه له لأنهن بشر من البشر ولا يُردّ برأيهن حديث النبي ….
ولم لا نذكر موقف عائشة وعملها بالحديث وهي أفقههن )
وبدوري أسأل الدكتور النابلسي أيضاً :
1 ـ هل الحكم الشرعي هو امتحان للمسلمين أم فرض عليهم لالتزامه ؟
2 ـ اعتمد على صحة الحديث لوجوده في البخاري .. ولكن الدكتور هنا
لم يقم بتأصيل هذه المسأله ولم يستطع أن يثبت صحة الحديث الا بسبب وروده في صحيح البخاري ؟… وأنا أسأله : هل أنت اعتمدت في نقل الحديث من مطبوع البخاري الذي في الأسواق بطباعته الفاخرة وورقه المصقول وغلافه الملوّن الجذاب ؟ أم أنك تأكدت من وجوده في مخطوط البخاري ؟….
3 ـ هل هناك فر ق في حالة الرضاعة بين شاب شعره طويل وملابسه ضيقة وخصر بنطاله عند ركبتيه وبين شاب ذقنه لعند بطنه وطول مسواكه مترين ؟… وهل للشكل الخارجي علاقة بالغريزة ؟…..
4 ـ اذا كانت عقولنا وعواطفنا وأعرافنا غير مؤهله لرد حديث صحيح فكيف تبرر موقفك واستنكارك تجاه موقف زوجات الرسول عليه السلام من هذا الحديث واللواتي عشن مع الرسول عليه السلام في كل جزئيات حياته
5 ـ ماهو الدليل الذي اعتمدت عليه باستثناء السيدة عائشة رضي الله عنها لتروج لمايتهمونها به أعداء الدين ؟…
أما الدكتور عزت عطية رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر فيقول :
( إن إرضاع الكبير يكون خمس رضعات وهو يبيح الخلوة ولايحرم الزواج ويطالب بتوثيق هذه الرضاعة بعقد يكتب فيه أن فلانه أرضعت فلان )
وقد علل فتواه هذه بقوله ( للمرأة العاملة أن تقوم بإرضاع زميلها في العمل منعاً للخلوة المحرمة إذا كان وجودهما في غرفة مغلقة لا يفتح بابها إلّا بواسطة أحدهما ) ؟….
بقي علينا أن نسأل الدكتور عطية عن ماهية طبيعة العمل الذي يستوجب أن تخلو به المرأة مع زميلها في غرفة محكمة الإغلاق بل لايمكن فتحها إلا من الداخل ؟…. وهل يوجد هناك فرق بين إن كان زميلها في العمل شعره طويل وبنطلونه عند ركبته .. أم أن بنطلونه لعند رقبته وحليق الشعر ؟……
وأما الدكتور علي جمعة فيقول على فضائية ـ سي بي سي ـ
( إن حديث إرضاع الكبير في البخاري هو حديث صحيح وإنه من الممكن أن تشرب المرأة هرمونات معينة تساعدها على انزال اللبن من ثديها وتضعه في فنجان ويشربه الشاب زاعماً بأن الله عز وجل إنما شرع رضاع الكبير لأنه يترتب عليه أحكام شرعية معينة ترتبط بالعلاقات الإنسانية بين البشر )
وأتساءل بحرقة هنا كون الدكتور علي جمعة هو مفتي مصر وأقول
هل العلاقات الإنسانية لاتكون الا في الغرفة المغلقة والتي لا تفتح الا من الداخل ؟….. وهل من الممكن أن تشرب المرأة عسل الزلوع  بدلا من أن تشرب هرمونات معينة ؟….
لقد كان الشيخ الألباني أحوط في هذا الموضوع وأقرب إلى تحقيق المعنى المقصود من الرضاعة التي لاتتفق مع ما ذهب اليه الدكتور على جمعة بوضع الحليب في الفنجان لأن ذلك يصنف في خانة شرب الحليب ولا يدخل في باب الرضاعة … فكان اقتراح الالباني هو أن تضع المرأة قطعة قماش على ثديها لعدم جواز كشفه على الغريب وتثقب فقط مكان خروج الحليب لكي يتحقق معنى الرضاعة ؟….
لا رضاعة للكبير ولا تأثير لرضاع الكبير لمخالفته لنصوص في القرآن والسنة …. وللمنطق والعقل والعلم والعرف …. وللأسف لم يحاول علماء المسلمين المعاصرين التحري والتدقيق والتمحيص في أمور كثيرة لاتتوافق ومقاصد الشريعة بعدما طابت لهم الاقامة و الاستراحة في واحة المتلقي … ولم يحاول أي منهم أن يتساءل من أين ستأتي المرأة الموظفة وغير الموظفة بالحليب لترضع به زميلها في العمل ؟
وخاصة ان الدكتور علي جمعة لم يبين لنا ماهية ذلك الهرمون المعين الذي يساعد المرأة على ادرار الحليب بعد شربه ؟….
هذا هو حال المسلمين اليوم الذين اختارهم الله سبحانه وتعالى
لإبلاغ رسالته للعالمين

About محمد برازي

الدكتور محمد برازي باحث في العلوم الاسلامية والقانونية من دمشق ، مجاز من كلية الشريعة بجامعة دمشق ، دكتوراة في عقد الصيانة وتكييفه الفقهي والقانوني ، مقيم في ستوكهولم .
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.