معركة الحديقة

معركة الحديقة

جهاد علاونة

العقلاء من أصحاب مسيلمة كانوا على يقين تام بأنه لا يوجد نبيٌ صادق هذا طبعا على حسب اعتقاد أغلبيتهم ولكن أخذتهم الحمية والقرابة والفزعة لنصرة نبيهم مسيلمة وقالوا جملة ذهبت مثلاً إلى اليوم ألا وهي:( كذابُ ربيعة أحب إلينا من صادق مُضر) أي إذا كان مسيلمة كاذبا ومحمدا صادقا فإنه ليس أحب إلينا بالإتباع من مسيلمة على اعتبار أن مُسيلمة من ربيعة ومحمد من مُضرْ,وبلغ جيش مسيلمة 100 ألف مقاتل وفي رواية 40 ألف مقاتل وجيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد 13 ألف مقاتل ,أقام مسيلمة مخيمه العسكري في منطقة(جبيدة) على بُعد 25 ميل شمال غربي اليمامة ,انطلق خالد من منطقة البطاح,كانت المعركة في البداية بين قبيلة مسيلمة وبين المسلمين,ولكن الإسلام لوحده والإيمان لوحده لم يستطيعا أن ينصرا المسلمين فتحولت المعركة في النهاية بين العشائر والقبائل وكل مقاتل قاتل عن عشيرته وقبيلته.

تذكر خالد ما قاله محمد(ص)عن مسيلمة بن الحارث أنه يأتيه شيطانه فإذا جاءه أزبد,(نهار الرجال) ارتد و(مجاعة) ارتد وأثناء المعركة خرج مجاعة ومعه 40 رجلا للاستطلاع,أُسر مجاعة هو وجماعته وقتلوا جميعا ما عدى (مجاعة بن مرارة) أخذه خالد أسيرا كورقة يلعب بها للضغط على مسيلمة لعلمه بأن مسيلمة داهية من دهاة العرب وأكثرهم ذكاء وعبقرية,,كان وادي حنيفة يفصل بين الجيشين,(نهار الرجال) قاد مسيرة جيش مسيلمة, بدأ المسلمون يحمسون بعضهم بقراءة سورة القتال وهي سورة (الأنفال),وجيش مسيلمة نادوا بالصوت العالي أن دافعوا عن أحسابكم, قسّمَ خالد جيشه حسب الكتائب وليس حسب القبائل واعتمد على الإيمان لوحدة وليس على العشائر والقبائل والأحساب والأنساب,كان مسيلمة ذكيا وداهية, صغير القامة متقارب العينين خشمه مُسطح الشكل.

وحشي الحبشي كان بجيش خالد ومعاوية بن سفيان وزيد بن الخطاب وعبد الله بن أبي بكر والبراء بن مالك,وكان من حفظة القرآن ألف رجل مسلم يحفظون القرآن غيبا على حسب الروايات ولم يبقى في المدينة رجلا من حفظة القرآن إلا وخرج لملاقاة مسيلمة,وكان خالد بن الوليد يقاتل بسيفين ويقال بأنه لم يقاتل أحد بسيفين إلا خالد والزبير بن العوام وكان يحرك فرسه برجليه ,بدت المعركة في البداية لجيش مسيلمة واخترق مسيلمة صفوف المسلمين وارتفعت معنويات مسيلمة مرتين مرةً حين انتصرت جيوش الردة على جيش (عكرمة بن أبي جهل) وهذه المرة على خالد بن الوليد الذي اعتمد على الإيمان وعلى القرآن وعلى الله وحده لا شريك له بأن ينصره وينصر سيفه المسلول على أمة الشرك والكفر والرِدة, ولكن نتيجة هذا التقسيم وهذا الإيمان كانت بحق نتائجه سلبية جدا على المسلمين فلام أفراد الجيش وقادته بعضهم بعضَ وقال الفلاحون عن البدو بأنهم لا يحسنون القتال وقال البدو عن الفلاحين مثلما قالوا عنهم وتعالت الأصوات واتهم كل فريق الفريق الآخر بالتقصير وبالمسئولية عن الهزيمة فأعاد خالد بن الوليد سيف الله المسلول ترتيب الجيش من جديد حيث كان يعتمد على الكتائب وعلى الإيمان لوحدة وعلى سورة الأنفال وعاد ورتب الجيش إلى قبائل تحت نفس القيادة,وكان خالد بمقدمة الجيش وهجم خالد أولا,وهنا الإسلام لم ينصر المسلمين وإنما القبائل والنخوة والفزعة والحمية هم الذين انتصروا من بعد ما غُلبوا حين أسلموا أمرهم إلى الإيمان لوحده,وقتل زيدُ بن الخطاب نهار الرجال, وسقط 7000 رجل من جيش مسيلمة في الوادي و1200 من المسلمين,ومن حفظة القرآن 500 رجل ولهذا السبب جُمع القرآن في عهد أبي بكر بمشورة من عمر,أدرك خالد بأن نهاية المعركة لا تتم إلا بمقتل مسيلمة فتقدم خالد ونادى أنا خالد بن الوليد فخرج إليه الفارس الأول والثاني والثالث فقتلهم حتى نادى على مسيلمة فخرج إليه مسيلمة وقرر خالد أن يغدر به عن طريق المفاوضات,وأثناء الكلام معه أزبد مسيلمة من فمه فهجم عليه خالد فهرب مسيلمة وانسحب جيش مسيلمة وأثناء انسحابه قُتل منهم ما يقرب من 7000 رجل, ومسيلمة حماه حراسه من خالد ولجأ مسيلمة إلى (الحديقة),وتحولت المعركة إلى حصار للحديقة,ولم يفتح الباب إلا رجل قال عنه محمد قبل ذلك (رب أشعث أغبرَ لو أقسمَ على الله لأبره) وهو البراء بن مالك رفعوه إلى الأعلى فسقط عن السور وفتح الباب بيديه بعد أن أصيب بثمانين جرح في كافة أنحاء جسده ولم يمت,وقُتل في معركة الحديقة 7000 وبلغ عدد القتلى من جيش مسيلمة 21 ألف قتيل من أصل 40 ألف جندي ويقال من أصل 100ألف جندي مقاتل,وبالمثل نادى مسيلمة بجيشه بأن قاتلوا عن أحسابكم وأنسابكم يا عرب أي أن تكون المعركة قبلية,مجاعة أصبح بعد مقتل مسيلمة سيدا لقومه,وفاوض خالد بن الوليد على الاستسلام وعلى أن يستسلم نصف جيش مسيلمة من بني حنيفة,وأخذ خالد الذهب والدروع والسيوف,أما الخليفة أبو بكر فقد أرسل رسالة لخالد يقول فيها لا تقبل لهم صلحا واقتلهم جميعا,ولكن خالد كان قد وقع الصلح.

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

المُلقن والممثلون في مسرح السياسة المصرية

المُلقن والممثلون في مسرح السياسة المصرية

صلاح الدين محسن

الذي اوعز وصرح للدكتور مرسي . بان يؤسس له حزبا دينيا هو : جهاز أمن العسكر – لا القانون ولا الدستور –

والذي أشار للفريق شفيق . بأن يرشح نفسه لانتخابات الرئاسة المصرية هو : جهاز أمن العسكر .

والذي شجع السلفيين . علي ان يؤسسوا لهم حزبا دينيا , رئيسه لواء شرطة , هو : جهاز أمن العسكر

والذي اصدر حكما بالبراءة علي من اعتدوا علي الأقلية الدينية وقتلوا ونهبوا وأحرقوا ممتلكاتهم . هو : جهاز امن العسكر – ليس القضاء غير المستقل . التابع

والذي اصدر أحكاما علي مبارك واولاده ووزير داخليته ومساعديه , أغضبت كل قطاعات الشعب . هو : جهاز امن العسكر – فالقضاء غير مستقل ومحروم من الاستقلال , والحائل هو : جهاز امن العسكر – .

والذي يعلم و يعطل محاكمة الفريق شفيق عما هو مرفوع ضده من الدعاوي القانونية والقضائية . هو : جهاز أمن العسكر .

والذي يعلم سلفا – ويتغاضي -. ان الدكتور مرسي – مرشح الاخوان لرئاسة مصر – يحمل هو واولاده الجنسية الامريكية , هو : جهاز امن العسكر .

والذي يكره الاخوان المسلمين ويخشاهم , ولكنه يحتاج اليهم كعصا يخيف بهم الآخرين , ويتوكأ عليهم عند الأزمات والثوررات الشعبية . هوز : جهاز امن العسكر .

والذي وعد الشعب – عقب الثورة – بتسليم السلطة لحكم مدني , ولكنه لا يرغب في تنفيذ وعده . هو : جهاز امن العسكر

والذي تغاضي عن التجاوات والمخالفات الانتخابية – في الانتخابات السابقة , والتي سبقتها – ولم يحقق في بلاغات التزوير والبلطجة . هو : جهاز أمن العسكر .

والذي سيحدد – وحدد مقدما – من سيكون رئيسا لمصر في انتخابات الاعادة , ليست اصوات الناخبين , وانما هو نفسه : جهاز امن العسكر .
لأن كل شيء لا يزال كما هو منذ قيام الثورة 25 يناير 2011 . النظام العسكري بنفس آلياته . ومخططات جهاز امنه , وبنفس اصراره علي التشبث بالسلطة وعدم مغادرة الحكم ..

والذي لا يعلم – او يعلم – انه يقود وطنه لمزيد من الخراب , ويسير به نحو حرب اهلية , بسبب اصراره علي التشبث بالسلطة . أو الانتقام من الشعب بتسليم بلاده لاهل الكهف . ليعيدوا الوطن لهمجية العصور الوسطي .. الذي يفعل ذلك هو النظام العسكري , ممثلا في : جهاز أمن العسكر – المتنكر في اسم : جهاز الامن الوطني .

ان قامت حرب أهلية , أحرقت مصر , وشردت شعبها , فسيكون المسؤول الأول والاخير عن تلك الجريمة , هو : جهاز أمن العسكر .

ان بقيت بقية من ضمير , وبقية من أخلاق . لدي جهاز امن العسكر . فيمكنه اعادة طيور الظلام , للاوكار التي اخرجهم منها , وارجاع الغيلان – تجار الدين الارهابيين – للكهوف التي فتحها لهم . وعمل انتخابات شاملة لاختيار – رؤساء مجالس المدن و ومحافظي المحافظات , ونواب البرلمان , حتي رئاسة الجمهورية . هلي الا يتقدم للترشيح . سوي المدنيين . لا العسكريين ولا تجار الدين . ولا فلول النظام الساقط . بل المدنيون السياسيون .
هكذا تكون مصر قد انتقلت لنظام الحكم المدني , وهكذا تبدأ عهدا جديدا . نحو النهوض والتقدم .

ولكي لا نعلق كل الآمال , علي العسكر وجهاز أمن العسكر .. لذا فالقانون الدولي هو الحل :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=303557
***************

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

كاريكاتور رئيس الحكومة السورية

كاريكاتور رئيس الحكومة السورية

Posted in ربيع سوريا, كاريكاتور | Leave a comment

كاريكاتور باربرا وولترز مع شهرزاد الجعفري

كاريكاتور باربرا وولترز مع شهرزاد الجعفري

طلال عبدالله الخوري 6\6\2012

Posted in ربيع سوريا, كاريكاتور | Leave a comment

يوميات صحفي … سائق تاكسي 7

يوميات صحفي … سائق تاكسي 7

محمد الرديني

انا المسكين

دخلت الى السيارة وهي تبكي، عدلت جلستها والتفت الي قائلة وهي تبكي:
” ارجوك خذني الى البيت.
” واين هو البيت.
” انه ليس بعيدا من هنا
” حسنا
(فترة صمت)
سالت انا:
” هل لي ان اسألك لماذا تبكين؟
اجابت:
” هل تصدق … تعرفت عليه قبل ستة اسابيع ونام معي اكثر من ثلاث مرات ومايزال لحد الان لا يعرف اسمي !.

 

 

هذا العصفور لااحبه

اوصلت ذات يوم  احد الزبائن الى بيته بصعوبة، كان الوقت قد تعدى منتصف الليل وصاحبنا وصل الى حالة فريدة في السكر فهو لايعرف اين يقع بيته ولايريد ان يكف عن الهذيان والطلب مني ان اوقف السيارة بين الحين والاخر ليفرغ ما جوفه لانه يدري ان تفريغ الجوف داخل السيارة يكلفه مبلغا يصل الى ربع راتبه الاسبوعي ( لااقل من 70 دولارا نيوزيلنديا اي 35 دولارا امركيا).
ظللت ادور بالسيارة على غير هدى وفي كل ثانية كنت اسأله اذا كنا في الطريق الصحيح، وكان يجيب بايماءة لايفهم منها شيئا . كانت الشوارع خالية وكنت اتمنى ان اجد سيارة شرطة تخلصني من هذا الزبون (الخلصان).
وفي لحظة صفاء مرت على ذهنه ذكر لي عنوان بيته كاملا، ومن حسن الحظ لم نكن بعيدين عنه.
بعد دقائق اوقفت السيارة امام بيته وطلبت منه قراءة العداد ودفع الاجرة . نظر بصعوبة الى المبلغ الذي سجله العداد، صفر متعجبا وتمتم بكلمات احتجاج فهمت منها باني – كعادتي مع بعض السكارى- ساظل اناور معه لفترة من الزمن حتى يقتنع بدفع الاجرة او مغادرة السيارة بسلام.
تنبه الي  ورمقني بنظرة حولاء قال بعدها بادب غير معهود في شخص في مثل حالته:
” اني آسف ايها الاخ  فليس لدي نقودا تكفي ولهذا فسوف اهديك كلبي العزيز.
لم يدع لي فرصة للاحتجاج، فتابع قائلا:
انه كلب جميل لايتجاوزعمره اربع سنوات ، ساريك ايضا ملفه الصحي وملف آخر لعاداته وطباعه وانواع الماكولات التي يرغبها ، انه صديق لكل الناس غير مؤذ، ارجوك ان تقبل هذا العرض  ان هذا الكلب يساوي ثروة.
لم يكن امامي سوى ان اكون ودودا ازاء هذا العرض الغريب .. غريب لاني اعرف ان الكلب والقطة هما عضوان اساسيان في العائلة عند هؤلاء الناس، انه نادرا مايعقدون صداقات مع البشر وربما لايزور الجار جاره وربما لايعرف حتى شكله ولكنه على استعداد للتضحية بكل مايملك اذا كان الامر يتعلق بكلبه او قطته. وهو قد يهمل موعدا مهما اذا كان يتعارض وقته مع وقت نزهة الكلب اليومية .
وليس غريبا ان تجد في الصحف اعلانات يومية عن مكافأة لمن يعثر على كلب او قطة فقدت طريقها نحو البيت. وليس من الغريب ايضا ان نجد ان عدد العيادات الطبية الخاصة بعلاج الكلاب والقطط اكثر من العيادات التي تعالج البشر.
اعتذرت من صاحبنا عن قبول هذا العرض واعطيته رقم هاتفي ليتصل بي اذا اراد ان يدفع المبلغ الذي بذمته في اي وقت يشاء .
في طريق العودة الى البيت تذكرت ولدي ذو الحادية عشرة وعصفوره الملون.
لم يكن ولدي يرغب في تربية كلب او قطة ولكنه كان مولعا بالعصافيرالملونة، وفي يوم من الايام حل عصفور جميل ضيفا صاخبا علينا.
لانه عصفور كنت احترمه ، ولانه ايضا يشكل جزءا من هوايات ولدي الذي لم يكمل الثانية عشرة من عمره بعد، ولكن هذا الاحترام لم يستمر طويلا وذلك الحب له انقلب الى كراهية… كراهية لانظير لها لهذا الكائن الذي لايتعدى حجمه كف اليد، كرهته وكرهت الزمن الاغبر الذي جمعني معه.
سأقول لكم بالتفصيل ماذا حدث ولماذا كرهت هذا العصفور:
انه كائن من هذا الزمن دجنوا جيناته ليكره الحرية. غافلت ولدي ذات يوم لاطلق سراح العصفور بعد ان مكث عندنا اكثر من شهرين ووجدت ان الوقت قد حان لينعم بحريته ، اما ولدي فيمكن ان اقنعه بحجة مقبولة وهدية مناسبة.
فتحت باب القفص وانتظرت من العصفور ان يثب الى الخارج وينطلق نحو الفضاء بعيدا الى حيث حريته ولكنه بدلا من ان يفرد جناحيه ويستعد للطيران رايته يخرج من القفص، يحط على الارض يتجول في صالون البيت حيث استقر بعد ان تجول متمهلا على احدى الطاولات الصغيرة.
فتحت باب البيت الخارجي منتظرا خروجه لكنه لم يأبه لذلك ، امسكته من رأسه وقدته نحو باب البيت المفتوح ، وضعته عند عتبة الباب منتظرا ان يرى النور والفضاء ليفرد جناحيه ويطير باسرع مايمكن ولكنه لم يأبه ايضا لذلك، مسكته مرة اخرى ووضعته على حشيش الحديقة وراهنت انه سيطير فرحا نشوانا حالما يشعر بندى الارض في عروق قدميه ولكن مراهنتي فشلت فشلا ذريعا ، فقد رأيته يقف متأملا حواليه باديا عدم الاهتمام او هكذا خيل الي.
تركته في الحديقة على امل ان يعيد النظر في العرض الذي قدمته اليه وقفلت راجعا الى صالون البيت وكانت المفاجأة حين رأيته يسبقني الى صالون البيت وبسرعة غير مسبوقة منه ثم رأيته يمشي راكضا نحو قفصه وقفز الى داخله بكل حماس .
صفنت طويلا قبل ان اسأل نفسي لماذا لايحب هذا العصفور ان يذهب الى مكانه الطبيعي . لقد علمونا في المدرسة ان العصافير من اكثر الكائنات الحيوانية حبا للحرية، وليس من العدل ان نحجز عصفورا  في قفص حتى ولو كان من باب التسلية … لقد ضربوا في حبه للحرية الامثال وسردوا القصص حول ذلك ولعل معظم طلاب المدارس الذين عاصرتهم يتذكرون معلم مادة( الاجتماعيات) وهو  يعيد قصة ذلك العصفور الذي فضل الموت داخل قفصه على ان يعيش محروما من حريته، اذ اضرب عن الطعام حتى مات. واتذكر ان هذا المعلم كان يؤكد على ان العصافير لاتبيض مادامت داخل القفص حتى لايتعرض جيلها المقبل للمهانة التي تتعرض هي اليها الان ، وبمعنى اخر لاتريد لابنائها العيش داخل السجن الذي سموه تأدبا بالقفص وهم الذين يفترض ان يعيشوا بين سماء لانهاية لها وارض لاحدود لخضرتها.
هل هو جيل جديد من العصافير لم يعد يؤمن بكل تلك المبادىء … هل هو جيل جديد لايريد ان يسمع عن الحرية والنضال والكفاح المسلح و” البروليتاريا الرثة” والبرجوازية الكبيرة ، ام انه لايريد ان يسمع عن هؤلاء الشعراء الذين جعلوا من العصافير رمزا حيا لنضالهم المسلح وغير المسلح ، هل هو جيل جديد لا يعرف ان كاتبا عظيما مثل همنغواي قال ذات مرة : لقد شعرت بالحرية فقط حين حط عصفور على كتفي عن طريق الخطأ ذات يوم .
هل باتت هذه العصافير تخاف هي الاخرى من  النظام الشمولي وعصا شرطي العالم التي تضرب كل من يحاول ان يتجرأ وينتقل من العالم الثالث الى اي عالم يريد؟ ام ان الامر غير ذلك؟.
هل اجد لديكم جوابا..؟.
نسيت ان اقول لكم ان هذا العصفور ظل اخرسا منذ ان شرعت بكتابة هذه السطور.. انه عصفور لااحبه.

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

خمرة الأقلام

خمرة الأقلام

زهير دعيم

مهنة الأدب والقلم ، مهنة مقدّسة تُنير العقول، وتؤجّج الهمم، وتداعب المشاعر والأحاسيس وتهزّ أركان الظلم وتيجان الطغيان ، وتفتح العيون على الحقِّ والعدالة والمساواة والجمال ومحبّة الخالق.
مهنة شقّت طريقها عبر الدّموع والأوجاع والفقر ، فهي وعلى مرِّ العصور والأيام لم تُطعم خبزًا ، وإن أطعمت فهي لا تُشبع ولا تسمن.
هكذا عاش معظم الشّعراء والأدباء والفلاسفة في الخافقيْن، إلا قِلّة ذاقت البحبوحة بعد أن التجأت الى بلاط السّلطان ، فراحت تكيل المديح له جزافًا ، فنالت رضاه وفازت ببعض الذهب من هِميانه ، وحازت بالمقابل على سخط الشّعب وغضبه.
وإنّي لأذكر أنّ أحد الشعراء الكبار في لبنان ، وبعد ان نصبت له وزارة التعليم في وسط بيروت تمثالا فخمًا كلّف آلاف الدولارات ، كتب لصديق له قائلا  بسخرية : ” إنّني على استعداد يا صاحِ أن أقف يوميًا بلحمي وعظمي مكان التمثال على أن أنالَ نصف الدولارات الكثيرة التي كلَّفَ”.
قالها بهزلٍ ممزوج بجدٍّ ومرارة ؛ قالها وهو احوج  ما يكون لحفنة من الدولارات …
على أنّ شاعرنا اللبنانيّ هذا مغبوط بعض الشيء ، فهو على الأقلّ عاش ليرى تمثالا له وتكريمًا ، في حين أنّ غيره من الأدباء والشعراء والفلاسفة والفنّانين والرّسّامين ، يتركون هذه الدّنيا الفانية معدمين ، فقراء ، منسيين …يتركونها بعد أن أسعدوا الكثيرين بفنّهم وابداعاتهم وشِعرهم وما نحته ازميلهم وخطّته ريشتهم.
يتركونها معدمين …..وعندها نستيقظ فنروح نعترف بجميلهم ونثني على ابداعهم ونتباكى على أرواحهم ، ونطالب المسؤولين باطلاق اسمائهم على بعض المؤسسات التربوية تخليدًا لهم ، ونقيم الندوات بخورًا لذكراهم العطرة.
قد نقف عند وعودنا وقد لا نقف !!!
وقد يصدق المسؤول وقد يُسوِّف !! وفي كلا الحالتين الأمر محزن ، فأهل القلم والفنّ والإزميل والريشة بحاجة الى همسات المديح وصيحات الإعجاب في أثناء حياتهم،وبحاجة ايضًا الى كلمة : ” أحسنت” ، “عافاك” ” لا فُضَّ فوك ” وايضًا الى وسامٍ يُزيِّن صدره مثلما هو يُزيّن صدر الأمّة بأدبه وفنّه.
إنّه يرفع اسم الوطن عاليًا ، إنّه يكتب بدمه ، فهاك الشّاعر المُبدع الياس أبو شبكة يتغنّى قائلا :
اجرحِ القلبَ واسقِ شِعرَكَ منْه
فدمُ القلوب خمرةُ الأقلامِ
جريمة أن يموت اديب في قبو مظلم !!
جريمة ان يموت شاعر منسيًا على قارعة الأيام  والطريق!
جريمة ان يموت من سبّح الإله المحبّ متروكًا!!

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

الليالي الخمسة 7

الليالي الخمسة 7

محمد الرديني

ملحق الليلة الخامسة

اشبه بالحلم … اشبه باليقظة لايدري، ولكنه سمع صوتا يبدو انه سجل على آلة تسجيل. كان الصوت خشنا   يحاول جهد الامكان ان يضغط الحروف لكي ينطق بها بشكل صحيح.
قال الصوت وهو على وشك ان يضحك:
” بعد ان جربت جزءا من الخيار الاول دعنا نرى الخيار الثاني ماذا تريد بالضبط، هل انت قوي بما فيه الكفاية لكي توفر على الاخرين.. اقرأت التاريخ، اقرأه اذن بعناية، بكل عناية، لاتقرأ ذلك المكتوب تحت املاء السلطة ولا تلك الكتب الصفراء بل اقرأ تاريخ اولئك الذين عذبوا وذبحوا على مدى الالف سنة الماضية والذين سيذبحون في الالف سنة المقبلة دون ان يجدوا ملاذا .. ملايين الحمقى راحوا ضحية حمقهم، انهم حمقى بالفعل لا بل مغفلون لم يدركوا حقيقة بسيطة وهي انك تستطبع ان تثلم صخرة في جبل او صخرتين او ثلاثة او جزء مئه ولكنك لا تستطيع ان تهد الجبل كله وان حدث ذلك- وهذا مستحيل- فان مئات الجبال الاخرى سوف تنبت مثل الفقع في الصحراء.
يسكت الصوت المسجل قليلا ثم يعاود الفحيح:
” لعل تعتقد اننا متشائمون ولكن الواقع غيرذلك فمثل ما نضجت – كما تدعون –  افكاركم ونظرياتكم عبر السنين ، كذلك افكارنا ونظرياتنا، ولكن باتجاه مختلف. لقد عرفنا الطريق الصائبة، عرفنا ذلك لاننا توقفنا عن التنظير وجابهنا الحقائق كماهي، ولاننا الاقوى بحثنا عن الحقيقة في داخلنا وسألنا انفسنا اسئلة مرعبة واجبنا عليها قدر استطاعتنا بينما بحثتم عنها في خارجكم، خارج نفوسكم، اشتريتم افكارا كثيرة، قلدتم اساطير عديدة، سرقتم معظم حكايات الشعوب ولم تفلحوا حتى في الجواب على مبتغاكم. هناك خطأ مدمن ، خطأ معتق، ربما في تاريخكم او قيمكم او حتى في اخلاقكم.
هل تعتقدون ان هناك حقائق ثابتة على الارض اذا كان كذلك فهذه هي احدى خطاياكم الكبيرة. لم تتعلموا بعد كيف تصغوا. تمارسون لعبة الكلام وتجبرون الاخربن على الاصغاء ، تعتقدون انكم الوحيدون الانقى والاعفف في هذا العالم.
احس بلهاث قريب منه ربما كان كلبا ، نعم انه كلب، هاهو يشعر به وهو يلحس اصابع قدميه. كان الظلام ثقيلا جدا وكان من المستحيل ايضا ان يرى ماهو هذا الذي كان يلحس اصابعه.

 

استلقى على الاسمنت الرطب، دخلت برودة لزجة الى جسمه تسربت من رجليه الى الاعلى تماما كما تفعل الحية الرقطاء ، اختض قيلا، احتضن صدره بيديه ظل يرتجف زمنا لايعرف مداه.
وعاد الصوت يفح مرة اخرى:
” كما تعرف ان العالم اصبح صغيرا جدا بفعل القوة ولكنها ليست القوة التي كان يتغنى بها بروسبير او فرانكو او هتلر او غيرهم. انها قوة جديدة ليس لها شعار محدد بل انها تنطلق من مبدأ التعامل بالمنطق ونشر الحقيقة مستعينة بالتاريخ. والمنطق عندنا هو الاصغاء لما يقول العقل … العقل  المجرد غير المنحازالى احد نحن ياصديقي نؤمن بديمقراطية القوة، ةالقوة لاتعني اجبار الاخرين على الانحياز لنا، لا، بل حثهم على اتباع المنطق والصورة ايهما يكون فعالا اكثر. لقد رأيت نتفا مما نريد قوله او عرضه لك، وكنا نريدك ان تعرف ان زمن التعذيب الجسدي والاعتراف على الاخرين بما يصحبه من كذب سافر او بطولة زائفة قد ولى، اصبح اسلوبا محنطا لافائدة منه. اننا الان في عصر جديد، عصر يعتمد على مخاطبة العقل وتهديم كل الاخطاء المعشعشة فيه. اننا نريد  تحريره من كل الشعارات المعلبة والجاهزة واقناعه بتركها وراءه والبحث معنا على ثوابت المنطق الجديد الذي نسعى لترسيخه.
لم يستطع فلاح ان يغمض عينيه رغم الظلام الدامس حوله، انه لايرى شيئا ولكنه يحس بجسمه يرتعش, هل من الخوف او الغضب… الخوف من تلك الحية الرقطاء ام الغضب من هذا الصوت المسجل.
ماذا يريدون هؤلاء؟ هل هي نظرية جديدة في التعذيب او هذيان من رجل لايعرف ماذا يريد سوى المحافظة على سلطته؟ اي منطق واي حقيقة يتحدث عنها ولسان هذا الكلب يلحس اصابعه. انه يسمع نباحه الخافت ولابد ان لعابه سال حين لحس يده. لقد بدأ يزمجر وهو يعرف ان هذه الزمجرة لاتصدر الا من كلب ضخم ازبد البوز ذي لسان احمر قان يمتد خارج الفم وعينين بؤبهما ثابتين على مكان ما.
لايدري كم من الوقت مضى عليه وهو منبطح على الاسفلت البارد ولكن هذا الشخير المنتظم لم ينقطع بل هناك شخير آخر.. نعم هناك شخير منتظم آخر، انه بالتأكيد لكلب اكثر ضخامة من الكلب الاول . اصبح هناك كلبان وربما سيرمون اليه الحية الرقطاء من مكان ما . كل هذا والصوت المسجل يتحدث عن نظرية تضم منطقا وتاريخا جديدين. يبدو ان احدا مازال يعيش في زمن مختلف.
انبثقت الجدران الملساء عن موسيقا ناعمة دخلت جسده الرطب ، احالته الى كتلة واهنة … آه من تلك الموسيقا انها نفسها التي كان يسمعها منذ سنوات طويلة.. نفسها التي كان يهيم ويسبح فيها بالفضاء، يذهب بعيدا نحو تلك النجمات الست اللواتي كن يشكلن حزاما فضيا مع بعضهن وهو يتوسطهم قاعدا القرفصاء.
تحدثه النجمة الاولى:
” وجهك ينبىء عن حزن عميق هذه المرة.
تقول النجمة الثانية:
” يبدو كأنك ولدت مع الحزن.
يسمع صوت النجمة السادسة وهي اصغرهن تقول:
” تحتاج الى حضن دافىء.
يقول:
” لاادري ماهو الحزن ايتها النجمات. يقولون لي ان وجهك يقطر حزنا عميقا ولاادري لماذا، فانا لااعرف الحزن ولا الاسى . كنت طفلا طبيعيا ثم شابا احب الحياة بكل قوة. في كل صباح انظر الى وجهي بالمرآة لا ارى علامة حزن انه وجه حنطي اللون كما مدون في جواز السفر، لا علامات فارقة، العينان بنيتان، الخدان مترفان في الصباح فقط والحاجبان سوداوان وشعرهما مبعثر بين الاعلى والاسفل. لاادري ماهو سبب الحزن ربما لاني ضعيف الى الحد الذي  لا استطيع فيه تغيير ما اريد تغييره . كلا لا تفهموني بشكل معكوس فانا لا اريد تغيير العالم ولا قيادة الانقلابات الثورية . اني فقط اريد ان اقود حياتي ، ان اقول ما بداخلي عن الاشياء التي تدور حولي.
الحزن ايتها الناس هو اني مثالي، هذا على الاقل ما قالوه بعض الاصدقاء . انتظر من العالم ان يتغير من حولي دون ان افعل ما يجب فعله. لم اهضم اية تجربة مهما كانت بسيطة  في حياتي ، جعلتها تمر كانها لغيري. لهذا مازلت طفلا في داخلي… طفلا ساذجا لايعرف مايجب فعله في هذا العالم، هل ربما انا ملعون من السماء والارض ، لاادري، لماذا انا بالذات، هل احاول ان ابالغ في تصوير الاشياء من حولي، هل لذلك علاقة بالضحك. منذ ان فتحت سمعي على هذا العالم والكل يقول ان الضحك يجلب المصائب. اسمع ابي اذا ارتفعت ضحكاته مع اصدقائه يقول: اللهم اجعله خيرا، واذا صفر احدنا خصوصا في المساء فان الطامة الكبرى ستنزل عليه لان الصفير يوقظ الملائكة – كما تقول جدتي – ويجعلها تنزل الى الارض.
اسمع امي تقول لابي:
” افرد وجهك يارجل امام الاولاد.
يصرخ في وجهها:
” وهل تريدين مني ان اعلمهم الميوعة ، اريدهم عبوسين دائما حتى يخافهم الجميع.
سمع صرير المفتاح يدور في باب الغرفة وصوت بدا طبيعيا او حاول ان يكون كذلك.
” استعد.
فتح عينيه، نظر الى الجدران الملساء، بحث عن اثر الكلاب ، لم يجد سوى الجدران الملساء ومكبرات الصوت في اعلى السقف وبطانية شديدة السواد رميت في احدى زوايا الغرفة التي تشبه الى حد بعيد غرفة رجل لايهمه سوى الاستلقاء على ارضها والبحلقة في السقف طول اليوم.
ادخلوه الى غرفة الرجل الانيق الذي استقبله بضحكة مجلجلة.
جاءه صوت الرجل الانيق:
” هل انت مستعد للحديث؟
” ماذا تريدني ان اقول.
سمع ضحكات عديدة انطلقت في حزمات متفرقة ولكنها انشدت كلها في حزمة واحدة بعد ذلك لتدخل اذنيه وتعصر مخه لتحيله الى كتلة هلامية ملساء تماما مثل جدران الغرفة التي كان فيها قبل قليل.
نعم ، ليضحك ويترك العبوس ولكن اية ضحكة ستكون.

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

النكسة الحقيقيّة في عقولنا !

النكسة الحقيقيّة في عقولنا !

رعد الحافظ

في التأريخ عند العرب , صار هذا اليوم ذكرى النكسة !
نكسة العرب 5 يونيو ( حزيران ) 1967
هذا طبعاً غير يوم النكبة الذي يصادف قيام دولة إسرائيل .
فمن الذي نكسهم وأنكسهم ؟
وما هي جذور نكباتنا وإنتكاساتنا ووكساتنا وهزائمنا وخيباتنا  العديدة / على مرّ العصور ؟
ستقرأون ذلك في خطاب الغالبية .
ضغطتُ على كوكل العظيم بكلمة نكسة / فظهرت لي الأسطر التالية في البداية , فجئتُ بها كمثال يُسهّل فكرتي .
صاحب المقال ,كاتب لا أعرفهُ , إسمه محمد عبد الكريم مصطفى
فقط أورد كلماته ( كتبها بالأمس ) فهو نموذج للغالبية من كتابنا , يقول :
{ .. ونحن نستذكر نكسة حزيران المشؤومة التي أصابت دول المواجهة في عام 1967 م على يد مجموعة من العصابات الصهيونية المنظمة والمدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الاستعماري، وأدّت إلى خسارة ما تبقى من مساحة فلسطين التي كان سبق وأن احتلت تلك العصابات مساحة منها ما بين وعد بلفور في عام 1917} إنتهى
************
بإختصار / كوني أكتب هذهِ الكلمات على عجالة لألحق بموعدي مع طبيب الأسنان الذي سيعالج ( نكسة ) الجذر في أحد الاضراس .
أقول / السبب الرئيس لكل نكباتنا وإنتكاساتنا هي ثقافتنا وطريقة تفكيرنا
أصحاب الافكار الدوغمائية هم الغالبيّة بين الناس المتعلمين , ناهيك عن الجهل العام الذي يصل الى نَسب مرتفعة في بعض بلداننا .
اليقين المُطلق , بالحقيقة المُطلقة , بالأنبياء والزعماء المُطلقين , هي السبب .
بينما فولتير يقول / اليقين المُطلق حماقة تحتاج الجدل غالباً !
هؤلاء المدافعون عن الحقيقة المُطلقة لا ينتبهون الى أنّهُ حتى الأنبياء والزعماء العظام , قد غيّروا مواقفهم وآرائهم في مواقف مختلفة .
لذا ترى هؤلاء ( وخصوصاً أصحاب النفس الشريرة ) لا ينتهون من مناكفاتهم ومناكداتهم وتخوينهم لكلّ من يبحث عن مخرج من نكستنا .
أحد السفهاء يسوءه إتخاذنا لمعلم إسوة لنا في المحبة والسلام . يقلب ذلك الى عبادة الفرد الذي نرفضه . والأمر بعيد جداً لكل ذي بصيرة .
يخشون من الليبراليّة / بينما هي تعني الفكر الحُرّ , وقبول الآخر المُختلف والديمقراطية في كلّ شيء .
***********
نكسة حقيقية عاجلة !
إنتبهوا رجاءً الى النكسة التالية , جائني للتو بالخبر صديقي الإيراني إسماعيل , الذي لا يُجيد العربية , يلهث ويصرخ هل قرأتَ الخبر التالي من AFP
إنّهُ عن شابة ( طفلة ) 17 عام إسمها / إنتصار شريف عبدالله , من اُم درمان في السودان , سيقومون برجمها لسبب يتعلّق بحملها من دون زواج / باقي الخبر إبحثوا عنهُ بإنفسكم ستجدون مثالاً واضحاً لإنتكاساتنا
إسماعيل لا يتوقف عن الكلام فهو يُترجم لي من الفارسيّة الى السويدية لأكتب بالعربيّة . وفجأةً رفع عينيه على مشهد في قناة العربية لعشرات من جثث الأبرياء السوريين المذبوحين فصرخ من جديد
هؤلاء الباسيج هم الذين ذبحوهم , أنا أعرف طريقتهم !
أنا أعرف عقدته طبعاً ولن اُحاوره في عجالتي الآن .
كلّ نكسة وأنتم بخير  !

تحياتي لكم
رعد الحافظ
5 يونيو 2012

Posted in الأدب والفن, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

متى ينفجر ذلك الدمّل؟!!

متى ينفجر ذلك الدمّل؟!!

وفاء سلطان

,الإسلام كالدُمل لن يشفى العالم منه إلاّ بانفجاره.
………..
جسيكا مريضة نفسية قضت سنوات كثيرة في أحد المصحات العقلية. من ضمن ما كانت تعاني منه، تمّ تشخيص اصابتها باضطراب نفسي يدعى: الوسواس القسري القهري
Obsessive Compulsive Disorder

تستحوذ عقل المصاب به عادة بعض الأفكار أو التصرفات التي لا يستطيع أن يتخلص منها، كأن تسيطر عليه فكرة سحب سكين وقطع يده، أو غسل يده كلما لمس شيئا ما، أو أن يخرج من باب بيته وهو يمشي إلى الوراء، أو أن يغلق باب سيارته ثم يفتحه ثم يغلقه وهلما جرى.
لن أسهب في شرح ذلك الإضطراب، لكنني أودّ أن أشير إلى أنّ جسيكا كانت مهووسة بجمع المناشف وطيها وفق ترتيب معين. أعيت من خلال هوسها هذا القائمين على رعاية المصح النفسي، فلقد درجت على سرقة مناشف المرضى والعاملين في المصح وترتيبها في غرفتها وفق نسق معين.
جرّب الطبيب المشرف على علاجها جميع الطرق العلاجية التقليدية دون جدوى، فقرر أن يداويها “بالتي كانت هي الداء” على حد تعبير المثل العربي.
بدأ بإرسال عدة مناشف لها مع كل وجبة أكل، وكان يترك على عتبة غرفتها المزيد منها بين الحين والآخر.
بعد أن وصل عدد المناشف في غرفتها إلى ما يزيد عن ستمائة منشفة، تفاجئت الممرضة التي حملت لها وجبة الإفطار ذات صباح بالمريضة تدفشها إلى الوراء وتصرخ: اغربي عن وجهي أيتها الحمقاء وخذي مناشفك معك!
…………………
الوجود الأمريكي في العراق لم يشعل نار الإرهاب، لكنه أزاح الرماد عن جمرها. ليس الأمر جديدا لكنّه كان مؤجلا لقرون.
الحكام الدكتاتوريون في العالم الإسلامي، والحق يقال، لجموا العنف بالعنف لكنهم لم يعالجوه. وخير من أجاد تشخيص تلك الحالة الشاعر نزار قباني عندما قال في قصيدته “رسالة إلى حاكم عربي”:
أقتلكم كي لا تقتلوني…..
على مدى أربعة عشر قرنا من الزمن استحوذ العنف على دماغ المسلم حتى صار محفورا في شيفرته الوراثية. وصار من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، لجم النزعة إلى العنف بطرق صحيّة وسليمة.
قد لا يكون من الإنسانيّة بمكان أن أقول بأن الإنفجار هو السبيل الوحيد لحل المشكلة، لكنّها الحقيقة المرّة.
لا حلّ يلوح في الأفق إلاّ عبر حروب أهلية ستأتي على الأخضر واليابس وتزهق أرواحا كثيرة وبريئة.
لم تمتلىء بعد غرف المسلمين بالمناشف، ولا حلّ إلاّ بما كانت هي الداء!
سيصل الأمر بهم إلى أن يصرخوا ببعضهم البعض: كفاية….كفاية لقد أعيانا القتل والقتال وحان الوقت لنعيش بسلام.
ولكن متى سيصلون إلى تلك الحالة؟!! لا شكّ إن الطريق إليها سيمخر عباب بحر من الدماء!
ليس من باب الصدفة أن تصلني معظم رسائل التأييد من الجزائر والعراق، فلقد غصّت غرف البلدين بالمناشف ولم يعد هناك رغبة في سفك المزيد من الدماء. تقول الأخبار الواردة من الجزائر بأن عشرات الآلاف من الجزائريين يتركون الإسلام من حين لآخر. لا عجب! فعشر سنوات من تكديس المناشف ضيّقت على الناس حياتهم فصاحوا: خذوا إسلامكم وارحلوا، لقد أعيانا القتل والقتال!
………………………………..

القاموس اللغوي الإسلامي قاموس مملوء بالعنف والدعوة إلى القتل والقتال. تتطلب الطقوس الإسلامية من المسلمين تكرار تلك اللغة بطريقة اتوماتيكية آلية تلغي دور العقل وتجرّد الإنسان لاحقا من روحانياته.
في كل لغات العالم وأديان الأرض تعتبر الصلاة لحظة وصل بين الخالق والمخلوق. المخلوق يتكلم والخالق يصغي، واللغة المختارة من قبل المخلوق تُضفي على تلك اللحظة جمالها وروحانيتها.
لكنّ الأمر في الإسلام يختلف، فصلاة المسلم عبارة عن طقوس يكررها بطريقة تُبرمجه دون أن تسمح له باختيار لغة خاصة به.
يتبرمج الإتصال بين المسلم وربّه ويصبح مع الزمن آليّا يفقد عندها الإنسان الإحساس بسموه وروحانيته.
كيف يشعر المسلم بروحانيته وهو يكرر في صلاته قياما وقعودا لغة كتلك التي تقول:
غير المغضوب عليهم ولا الضالين…
من شر الوساس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس….
فصلي لربك وانحر إنّ شانئك هو الأبتر…
من شر ما خلق…
وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد…
إن الإنسان لفي خُسر…
ما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة…
وارسل عليهم طيرا ابابيل ترميهم بحجارة من سجيل…
وما إلى ذلك من لغة صحراويّة جافة مرعبة تسلب من النفس روحانيّتها ومن العقل قدرته على الإبداع.
………………….
كنت حديثة العهد في أمريكا. تلقيت دعوة من مدرسة ابنتي لحضور حفل تخرجها من مرحلة الحضانة وانتقالها إلى المرحلة الإبتدائية.
في حفل التخرج، ألقى محافظ المدينة كلمة قال في نهايتها: اسمحوا لي أن أبدأ الحفل بالصلاة.
بالصلاة؟!!
لم أشعر بالإرتياح للأمر وظننت بأنه سيفرض على الحضور دينه وطقوسه، فالصلاة في عرفنا وحسب مفاهيمنا لها عبارة عن طقوس مبرمجة لا يمتلك أحد الحق في أن يغيّرها، لأفاجئ به يقول:
يارب نشكرك على تلك الوجوه البريئة التي أرسلتها لنا، يارب نشكرك على هذا المكان الجميل ونشكرك لأنك سهّلت على عائلات أطفالنا الحضور رغم انشغالهم بأمور الحياة، كما ونشكرك يارب على تلك البيتزا التي سنتقاسمها معا، من فضلك يارب احم هؤلاء الأطفال وخذ بيدهم لأنهم صانعوّ المستقبل. ثم أنهي صلاته بشكره لنا جميعا.
من يومها للصلاة عندي مفهوم آخر غير الذي ورثته عن أبي.
………………………..
الروحانية، وليس الدين، هي لبّ العقيدة البوذية.
تسعى تلك العقيدة للسمو بالنفس فوق مستوى الأديان والتحليق بها روحانيّا حتى تتحد مع الكون المطلق وتصبح جزءا لا يتجرأ منه.
ثلاث صفات يجب أن يتحلى بها الإنسان كي يكون قادرا على أن يسمو بنفسه روحانيّا إلى ذلك المستوى. أولها الصدق
truthfulness
وثانيها الشفقة Compassion
وثالثها قبول الآخر Tolerance .

أين تلك الصفات من المسلم ومن الإسلام؟
إن من أكبر الأمور في الإسلام التي ساهمت في تجريد المسلم من روحانيته هي موقفه من الآخر. لا يستطيع إنسان أن يتوحّد مع خالقه طالما يحمل ذرة غلّ في نفسه ضد أخيه الإنسان.
عندما يعيش الإنسان في صراع مع غيره يخسر روحانيته.
تصوروا انسانا يقف في لحظة صفاء روحي أمام القوة العليا التي ينشد التوحد فيها، فيتضرع إليها متوسلا: ” فانصرنا على القوم الكافرين”؟!!
أيّ نصر ذاك الذي ينشده؟!!
إنّ أشرف المعارك تلك التي يخوضها الإنسان ضد نوازع الشر في نفسه وليس في نفس غيره. فلو أصلح كلّ انسان نفسه وآخى غيره لكانت البشريّة بألف خير.
………………
من الحوادث التي حفرها الزمن عميقا في ذاكرتي يوم كنت طفلة، ربّما في الخامسة من عمري، وكان جارنا ماجد يسكن الشقة المجاورة لشقتنا مع زوجته ورهط من أطفاله.
ماجد رجل شرير محبّ للأذى، كان مصدر خوف وإزعاج لكلّ من جاوره.
زرعت أمي مرّة شجيرة صغيرة في المسافة التي تفصل بيتنا عن الشارع الممتد أمامه. نما اهتمام أمي بشجيرتها مع نموّ أغصان تلك الشجيرة وأزهارها. طالما سمعتها تتحدث اليها بقولها: صباح الخير يا حبيبتي، سبحان من أبدعك!
ذات صباح غير مشرق سمعنا أمي تصرخ وتنظر من نافذة البيت إلى شجيرتها، ثم تركض إلى الخارج. أحاطت بيديها الشجيرة وراحت تولول: قاتله الله لقد قتلها!
تدلت أغصان الشجيرة بعد أن فارقها كلّ أثر للحياة، وأغمضت أزهارها بعد أن رحل عنها ربيع العمر.
جرفت أمي بكلتا يديها حفنة من التراب وراحت تشمه وتصيح: لقد صب الكاز على جذعها كي يطفئ به جذوة غلّه!
اجتمعت نساء الحي لتعزّي أمي وتؤكّد ظنونها، فلقد رأينه يفعل ذلك مساء البارحة بينما كنّا خارج البيت ولم يجرأ أحد على ردعه.
لا ينتابني أدنى شك بأن ماجد كان رجلا “مؤمنا” وكان يدعو ربّه في السرّ والعلانية “انصرنا على القوم الكافرين”، فنصره على شجيرة لا حول لها ولا قوة. ليته دعا ربّه كي ينصره على أنانيته وجبروته وكي يُطفئ نار الحقد في قلبه.
……….
يلتقط الواحد منّا محفظة عن الأرض تحوي نقودا وهوية صاحبها. تختلف ردّة فعل كلّ منّا بإختلاف مستوى سيطرته على نوازع الشر في نفسه.
يقرر أن يردّها عندما تكون نوازعه تحت سيطرته، ويقرر أن يحتفظ بها عندما يكون تحت سيطرة نوازعه. لكنه يتردّد بين أن يردّها وبين أن يحتفظ بها عندما لم يحسم الصراع بينه وبين نوازع الشرّ في نفسه بعد.
لو تضرّع المسلمون إلى ربهم كي ينصرهم على نوازع الشرّ فيهم وليس على “الكافرين” لما ابتلينا بحكّام شفطوا الدجاجة وبيضها والناقة وبعرها!
تقول المفكرة والكاتبة الأمريكية المعروفة
Louise L Fay :

What I gave out in the form of words would return to me as experience.
ما أقوله من كلمات أعيشه كتجارب.
إذا لغتنا هي التي تحدّد تجاربنا. واللغة التي حرّضتنا على قتال “الكافرين” لمدة أربعة عشر قرنا من الزمن قتلتنا عبر ذلك الزمن.
………….
نحتاج في تقييمنا لأي مجتمع إلى رؤيته عبر الميكروسكوب، إذ لا يكفي النظر إليه بالعين المجردة كي نلتقط سلبياته وإيجابياته.
عندما يقيّم المسلمون مجتمعات غيرهم تظنهم ملائكة هبطت من السماء وبأنهم من نسل افلاطون ويعيشون في مدينته الخالدة، بينما مجتمعاتهم الإسلاميّة متسرطنة حتى نقيّ عظمها.
قارئ من دُبي كتب لي يقول: من السهل على المرء أن يلتقط إمرأة داشرة من أيّ مكان في شوارع دُبي وعلى مرآى من عيون الشرطة، لكنهم قفلوا الموقع الذي تكتبين فيه، ولقد فشلت كلّ محاولاتي للحصول على مقالاتك، فهل لديك حلّ؟
لا عجب! فلقد حلّل لهم كتابهم أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء، لكنه حرّم عليهم أن يفتحوا عقولهم على أمور “إن تُبد لكم تسؤكم”!
فهل يسؤهم أكثر من كتابات تنشر غسيلهم؟!!
أي مجتمع ذاك الذي يعتمد تلك الآية دستورا له:
“ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردنا تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا، ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم”
أهكذا يحرّم البغاء؟!!
ولا تكرهوا… ، فماذا لو أحببن؟!!
ولماذا لم يقل “حرّموا” عوضا عن “لا تٌكرهوا”؟!!
إذا أردنا تحصّنا، فماذا إذا لم يردن؟!!
إن الله من بعد إكراهن غفور رحيم!!
لمن سيغفر، للرجل الذي أكرهها على البغاء أم للمرأة التي اُكرهت على البغاء؟!!
أتلك هي لغة التحريم؟!! أين البيان في كتاب قالوا عنه “مبين”؟!!
………………………………..
يتّهمني البعض بأنني لا أقرأ القرآن في سياقه التاريخي وأقتطع منه عبارات وجمل!
أي سياق تاريخي؟!! أليست كلّ عبارة هي وليدة اللحظة التي تقولها فيها؟!
أين الخلل في أن أقتطع عبارات وجمل؟!! أكدت الدراسات بأن الألفاظ لا تقل أهمية عن الجمل.
هل هناك فرق في المعنى بين أن تقول: لستُ اليوم مريضا وبين أن تقول: أشعرُ اليوم بأنني معافي؟ طبعا لا!
ولكن الفرق كبير بين الوقع الذي تتركه كل عبارة في نفس صاحبها.
فعندما تقول: لستُ اليوم مريضا، يسمع عقلك الباطن كلمة مريض ويصدقها وتكون النتيجة جهازا مناعيّا ضعيفا يؤدي إلى المرض. تٌدعى العلاقة بين اللاوعي والجهاز العصبي والجهاز المناعي
neuropsychoimmunology

بينما عندما يسمع عقلك الباطن كلمة معافى يصدقها أيضا وتكون النتيجة جهازا مناعيا أقوى وبالتالي صحة أفضل.
إذا بقدر ما يهمّنا معنى العبارة بقدر ما يهمّنا وقع ألفاظها على اللاوعي عندنا.
على لوحة كبيرة معلقة على مدخل شركة طيران Jet Blue في أحد المطارات الأمريكيّة كُتبت عبارة سحرت عقلي:
Don’t say good bye, say see you later
لا تقل وداعا، بل قل أراك غدا!
كلا العبارتين تعنيان الوداع، لكن الفرق بين وقع العبارة الأولى على النفس ووقع العبارة الثانية كبير جدا.
عندما تقول “وداعا” تصاب بحالة كآبة، وعندما تقول “آراك غدا” يدخل الفرح إلى قلبك، علما بأن معنى العبارتين يكاد يكون واحدا!
لنقرأ ما يقوله الشاعر في وصف عينيّ حبيبته وهي تبكي:
أمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت…..وردا وعضت على العناب بالبرد
هي تبكي….لكن الشاعر أفرحك بألفاظه وهو يصفها تبكي.
بينما يصف شاعر آخر عينيّ محبوبته عندما يغرق فيهما، بقوله:
عيناك بحر إذا ما جبت شطّهما…..صرخت يا هدب أنقذني من الغرق
صرخت…..أنقذني…..الغرق….ألفاظ تصيبك بالكآبة رغم جمال مدلولها.
لقد سقط الإنسان المسلم ضحية لغة سقيمة عقيمة، فجعلته سقيم العقل عقيم الفكر.
يتكرر الفعل “قتل ومشتقاته” أكثر من عشرين مرة في سورة البقرة، وتقول إحدى آياتها:
“ولا تقولوا لمن يُقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون”
لماذا لا يحيا الإنسان في سبيل الله بدلا من أن يُقتل؟!!
ألم يكن أفضل لو قدّست الآية حقّ الحياة بقولها:
“وقولوا لمن يحيا في سبيل الله بوركت حياتك فأنت من الخالدين”
لو جاءت الآية بهذا الشكل الآخير عوضا عن الشكل الذي وردت فيه هل كنا سمعنا أما فلسطينية تزغرد عندما يفجّر ابنها نفسه وتقول: لدي ولدان آخران وآمل أن يسلكا درب أخيهما؟!!!
لو جاءت الآية وفق ذلك الشكل الأخير هل فجر أحد نفسه في قرية في شمال العراق وقتل أكثر من خمسمائة مواطن كردي بدون أي احترام لحق الحياة؟!!
طبعا لا!
لقد تبرمج عقل المسلم على القتل، ولم يتبرمج على حبّ الحياة.
إن لغة تبارك القتل في سببيل الله هي لغة لا تنجب عقلا قادرا على أن يبدع في الحياة!
الزراعة إبداع، البناء إبداع، الرسم إبداع، الغناء إبداع، الكتابة إبداع، الحوار إبداع، التربية إبداع، كل مظهر من مظاهر الحياة إبداع، بل الحياة برمتها إبداع.
ولا إبداع مع لغة تمتهن القتل.
لذلك لم نجيد يوما الزراعة ولا البناء ولا الرسم ولا الغناء ولا الكتابة ولا الحوار ولا التربية ولا إيّ مظهر من مظاهر الحياة، لأن عقولنا الباطنة تبرمجت على قتل الحياة.
…………….
للعقل حيزان الوعي واللاوعي.
الوعي هو حالة اليقظة التي نعيش فيها ونحسّ من خلالها بما يجري حولنا. أمّا اللاوعي فهو القيادة التي تحركنا من وراء الكواليس بطريقة غير ملحوظة أو مرئيّة.
يستقبل الوعي المعلومات من الوسط المحيط بالعضوية عن طريق الحواس، فيرسلها إلى حيّز اللاوعي حيث يقوم بدراستها وتحليلها ويصل من خلال تلك الدراسة والتحليل إلى استنتاجات مهمة يعود ويرسلها إلى الوعي الذي يتخذ قراره بناء على تلك الإستنتاجات.
وعي (أحاسيس)  اللاوعي (استنتاجات)  وعي (قرار)
عندما نمرّ، على سبيل المثال، بتجربة صعبة يحسّ الوعي بالألم وينقل إحساسه به إلى اللاوعي. يقوم اللاوعي بتحليل الأمر ويصل من خلال ذلك التحليل إلى استنتاج، ثم يرسل استنتاجه إلى الوعي، فيقوم الوعي باتخاذ قرارا بناء على ذلك الإستنتاج.
اللاوعي يخزن إحساسه بالألم واستنتاجاته في حيّز الذاكرة. فعندما تتعرض العضوية لتجارب صعبة مماثلة لا يحتاج اللاوعي إلى القيام بالتحليل من جديد فيرسل استنتاجاته السابقة الصنع بطريقة اوتوماتكية آلية.
ولذلك تبقى السنوات الأولى من عمر الإنسان هي الأهم في حياته. إذا يتمّ خلالها معظم البرمجة، ويتحول اللاوعي في السنوات اللاحقة من العمر إلى محطة ترسل الاستنتاجات المسبقة الصنع بطريقة آلية ودون الحاجة للكثير من التحليل.
…………….
طفلة في الرابعة من عمرها، تجري معها مذيعة سعودية مقابلة تلفزيونية. تسألها خلال المقابلة: هل تحبين اليهود؟ تجيب الطفلة: لا. تسأل المذيعة: لماذا؟ تجيب الطفلة: لأنهم قردة وخنازير!
اللاوعي عند تلك الطفلة تبرمج ليربط بين اليهود من جهة والقردة والخنازير من جهة أخرى، ويحس من خلال هذا الربط بألم ما وبالتالي يصل من خلال ذلك الألم إلى استنتاج ما. هذه الطفلة وفي عمرها اللاحق لن تكون قادرة على اتخاذ قرارات خارج إطار تلك المعادلة. ومن هنا أرى محاولة بعض المسلمين وخصوصا في الغرب على ربط مواقفهم من اليهود بالقضية الفلسطينية نفاقا وكذبا لن يقودهم إلى نتيجة.
فالأزمة مع اليهود أزمة أثارها القرآن وبرمج عقول قرائه منذ أربعة عشر قرنا على تكريثها.
………………………..
عندما تتم برمجة اللاوعي، يتشكل حاجز لا مرئي يفصل بين اللاوعي والوعي، ويقوم بدفش كل الأفكار التي لا تنسجم مع برمجة اللاوعي ومنعها من دخوله.
فالإنسان الذي يتبرمج حيز اللاوعي عنده على ربط اليهود بالقردة والخنازير لن يقبل أية فكرة تناقض ذلك الربط، حتى ولو قادته تجاربه إلى إثبات العكس.
في أمريكا، يقص عليّ الكثيرون من المسلمين والعرب تجاربهم مع اليهود، ويؤكّدون دائما على أن اليهود مخلصون في العمل صادقون لا يخونون ولا يسرقون.
هذا ما أثبتته تجاربهم مع اليهود، لكن الحاجز الذي يفصل بين الوعي واللاوعي عندهم يمنعهم من تبني قناعة جديدة وتظل البرمجة التي نشأوا عليها تتحكم بواقفهم وقراراتهم.
ولا أعتقد بأن البرمجة حيال المسيحيين وأتباع الديانات الأخرى تختلف كثيرا، ولكن القضية الفلسطينية تطفو باليهود دوما على سطح الوعي.
عندما ألقوا القبض على الإرهابي الباكستاني خالد شيخ محمد قال لهم: بيدي اليمين المباركة قطعت رأس اليهودي الأمريكي دانيال بيرول.
هل قطعها لأنه على خلاف مع اليهود حول القضية الفلسطينيّة، أم لأنه مبرمج في وعيه وفي حيّز اللاوعي عنده على أن يربط بين اليهود من جهة والقردة والخنازير من جهة أخرى؟!! ألم يقل قرآنه:
“ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسيئن”
هذا ما يقوله كتاب المسلمين، أما اليهودي انشتاين فيقول:
God doesn’t play dice.
الله لا يلعب النرد، بمعنى إن الله ينظّم ذلك الكون وفق معادلات وقوانين غاية في الدقة. يخلق الإنسان جميلا لأنه يحب الجمال ومحال أن يمسخه قردا، فمعادلة خلق الإنسان تختلف عن معادلة خلق القرود!

هذا ما قاله المسلم خالد شيخ محمد وهذا ما قاله اليهودي أنشتاين، فأي إله ذاك الذي يمسخ أنشتاين قردا ويترك خالد شيخ محمد على شاكلة البشر؟!!
………………………….
لاحظت في الآونة الأخيرة ظاهرة جديدة. لقد امتلأ بريدي برسائل من قراء تستنكر “هجومي” على الإسلام ولكن بأدب لم يسبق لي أن لمسته لدى “المدافعين” عن الإسلام. والأغرب من ذلك إنكارهم للسنة والحديث وإدعاؤهم بأن الإسلام هو القرآن.
طبعا تُبشر تلك الظاهرة ببارقة أمل تلوح في الأفق، والأمل ليس في إصلاح الإسلام وإنما في إنهياره.
إنها الخطوة الأولى في طريق طويل وشاق، بل إنّها الخطوة الأسهل!
اللغة المهذبة التي سادت رسائلهم أشارت لي: بأنهم بدأوا يستيقظون. أمّا انكارهم للحديث والسنة فقد أشار لي: بأنهم بدأوا يعون.
عندما يهترئ الثوب يبدأ الفقير بترقيعه محاولا أن يمدّ بعمره.
إنها مرحلة لا بد من المرور فيها قبل أن يصرخ صاحب الثوب: صار الخزق أكبر من الخرق!
فإلى متى سيكابر هؤلاء بأن ماجاء في السنة والحديث محض افتراء، وكيف سيثبتون بأن القرآن ثوب لا خزق فيه؟!!
يقول القرآن نفسه: ” وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى”.
فلماذا لم يحفظ الله ما ينطق عن هوى نبيه من التزوير والإفتراء؟!!
لقد قال لي مفكر ومؤرخ أوسترالي:
I read Muhammad’s life. Oh my God, it’s traumatizing!
لقد قرأت حياة محمد. ياإلهي! إنّها تصيب المرء بالصدمة.
فهل، يا تُرى، لو قرأ القرآن سيفيق من الصدمة؟!!
إنّ الإسلام ثوب رث للغاية. بداية انهياره تكمن في إلغاء الحديث والسنة، لكن نهاية تلك النهاية ستكون عندما يكتشف هؤلاء القرآنيون بأن الخرق الذي في أيديهم لم يعد كافيا لرقع الخزق الذي في كتابهم.
*****************************************************

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي- الحلقة الثانية

تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي- الحلقة الثانية

رياض الحبيّب

تناولت في الحلقة الأولى من هذا البحث موضوع الفواصل بين الآيات القرآنية، نقلاً عن كتاب الشخصيّة المحمّدية- الذي ألّفه الأديب العراقي الراحل معروف الرصافي في مدينة الفلّوجة العراقية سنة 1933. حيث رآى ((إنّ قوام أسلوب القرآن مبنيّ على جمل تنتهي بفواصل والفاصلة نوعان؛ أمّا الأوّل فكلمة واحدة تنتهي بها الآية، ويكون الكلام في الآية مبنيّاً عليها وتكون هي ممتزجة به. وأمّا الثاني فجملة تجيء في آخر الآية فتفصلها عمّا بعدها فصلاً تامّاً في اللفظ والمعنى، أو فصلاً في اللفظ فقط وتبقى الآية مرتبطة في المعنى بما بعدها. وأردف: والظاهر أنّ المقصود من تقسيم الآيات إلى سور متعددة هو تسهيل قراءتها وحفظها على القرّاء والحُفّاظ ليس إلّا)) انتهى.

وقد تناول الرصافي في الصفحات التالية من هذا العرض موضوع الفروق ما بين الفواصل {بين الآيات} والقوافي {التي في الشعر العمودي المعروف قديماً بالتزام الوزن (أي التفعيلة) والقافية حتى يومنا هذا- أي حتى تغيّر مفهوم الشعر في العصر الحديث فتحرّر بعضه من الوزن والقافية معاً} فلا أظن أنّ قارئاً ناطقاً بالعربية يجهل الشعر الموزون والمُقفّى، كالشعر الذي كتبَ اٌمرؤ القيس والنابغة الذبياني والمعرّي والمتنبي ومعروف الرصافي. وللكاتب قصيدة عمودية- في الحوار المتمدن- يعارض بها قصيدة “البُردة” للشاعر كعْب بن زهير، عبر الرابط:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=167717

ويعلم الشعراء- خصوصاً- معنى الضرورة الشعريّة التي في القصيدة العموديّة، منها ما يتعلّق بقواعد اللغة ومنها ما يتعلّق بالقافية، لكنّي ألفت الإنتباه إلى أنّ الضرورة الشعريّة- أيّاً كان مقتضاها- تنآى بحالها عن الوقوع في غلطة ما من جهة اللغة (إملاءاً ونحواً) ومن جهة العروض (أي أوزان الشعر) ومن جهة القافية بما فيها من حرف الرّويّ- وهو الحرف الذي تبنى عليه القصيدة فتنسب إليه، إذ يُقال قصيدة رائيّة أو لاميّة أو ميميّة. فلا يجوز رفع منصوب ولا نصب مرفوع بحجّة الضرورة الشعريّة! علماً أن من أنواع الضرورة الشعريّة ما هو مقبول لا يؤاخذ الشاعر عليه ومنه ما هو قبيح ومبتذل(*) وسأضرب مثالاً على النوع المقبول؛
قال الشاعر الجاهلي أميّة بن أبي الصّلت مخففاً الهمزة- التي في البارئ- لكي يستقيم الوزن الشعري:
هو الله {باري} الخَلْق والخلق كلّهمْ… إماءٌ له طوعاً جميعاً وأعبُدُ

أنتقل بعد هذا التقديم الموجز إلى الصفحة المرقمة 561 من كتاب الرصافي مباشرة، متجاوزاً توضيح الرصافي للفروق ما بين الفواصل (القرآنية) والقوافي (الشعريّة) ففي هذه الصفحة يبدأ كلام الرصافي تحت عنوان مثير “مراعاة الفواصل” ورد فيه:
((إنّ أسلوب القرآن قد أطلقتْ فيه الفواصل من القيود التي كانوا يتقيّدون بها في الكلام، فاتسع بذلك فيه المجال لصوغ الكلام على مناحيَ شتى، ولكنّ إطلاق هذه القيود لم ينتج لها السلامة من كلّ عيب، ذلك أنّ محمّداً كان يراعي الفواصل كلّ المراعاة ويعتني بها كلّ الإعتناء، لأنها هي الطابع الذي يمتاز بها أسلوبه. والإنسان إذا عُنيَ بأمر فرُبّما شغلته العناية به عن مراعاة غيره من الأمور التي تلزم مراعاتها أيضاً، ولا يُنكَر أنّ عنايته بالفواصل قد جاءت بكثير من المحاسن، ولكنها مع ذلك لم تخل أحياناً ممّا يُعاب.

[تعليقي: أرى من الحكمة ترك التعليق على ما تقدّم “أنّ محمّداً كان يراعي الفواصل كلّ المراعاة ويعتني بها كلّ الإعتناء” للقارئة اللبيبة والقارئ اللبيب، علماً أنّ الرصافي لم يتكلّم عبثاً إنما جاء بحجج دامغة وهي بيت القصيد في هذه الحلقة من البحث]

وها نحن- والكلام للرصافي- نذكر لك بعض ما وقع في سبيل مراعاة الفواصل من التقديم والتأخير،
كقوله- في سورة سبأ: 40 (أهؤلاء إيّاكم كانوا يعبدون) والأصل فيه: أهؤلاء كانوا يعبدونكم، فقدّم المعمول على عامله!
وقوله- في سورة القمر: 41 (لقد جاء آل عمران النذر) فقدّم المفعول وأخّر الفاعل مراعاة للفاصلة!
وقوله- في سورة النجم: 25 (فلله الآخرة والأولى) فقدّم ما هو متأخر في الزمان، ولولا مراعاة الفاصلة لقدِّمتِ الأولى كما قدّمت في قوله الذي في سورة القصص: 70 (له الحمد في الأولى والآخرة)
وقوله في سورة طه: 70 (قالوا آمنا برب هارون وموسى) فقدّم الفاضل على الأفضل مراعاة للفاصلة، كما أخّر هرون في سورة الصافات: 114 مراعاة للفاصلة أيضاً إذ قال (ولقد مننا على موسى وهارون)
وقوله- في سورة طه: 67 (فأوجس في نفسه خيفة موسى) فقدّم الضمير [الهاء] على ما يفسّره مراعاة للفاصلة،
وقوله- في سورة الإسراء: 13 (ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا) فقدّم الصفة التي هي جملة على الصفة المُفردة مراعاة للفاصلة، والأصل فيه {كتاباً منشوراً يلقاه} ويجوز أن نعرب {منشوراً} حالاً من ضمير المفعول في {يلقاه} وحينئذ لا يكون في الآية تقديم وتأخير.

[تعليقي: إنّ التقديم والتأخير وارد كثيراً في كلام العرب- ولا سيّما الشعر الجاهلي- فهل يحتاج الله (العليم والخبير) إلى التقديم والتأخير؟ فما الجديد إذاً وما الإعجاز إمّا كان الخالق والمخلوق متشابهَين بطريقة التفكير؟ وبما أني من المهتمّين بالشعر الجاهلي فسأورد مثالين من أصحاب المعلّقات العشر؛
قال الحارث بن حلّزة اليَشْكري:
واٌعلَموا أَنَّنا وَإِيّاكُم في*** ما اٌشترَطْنا يَومَ اٌختلَفنا سَواءُ
فغاية القول في هذا البيت: واٌعلَموا أَنَّنا وَإِيّاكُم سَواء في ما اشترطنا… إلخ
وواضح أنّ {سواء} وقعتْ في محلّ رفع خبراً ل{أنّ} مؤخّراً

ولعلّ أكثر الأبيات ما استحق منّي الإنتباه في موضوع التأخير هو قول الأعشى:
يَكادُ يَصرَعُها لَوْلا تَشَدّدُهَا*** إذا تقومُ إلى جَاراتِهَا الكَسَلُ
وقد قام الأعشى بتأخير {الكسل} وهو اسم {يكاد}- إذ كاد: من أفعال المقارَبَة- على جملة الخبر الفعليّة {يَصرَعُها} التي تقدّمته مراعاة للقافية {التي تقابل الفاصلة قرآنيّاً} علماً أنّ الأمثلة التي في حوزتي كثيرة ولا يمكن إحصاؤها]

الحذف مراعاة للفاصلة
أورد الرصافي في الصفحة المرقمة 562 من كتابه المذكور أمثلة عدّة:
قوله في سورة القمر: 18 (فكيف كان عذابي ونذر) والأصل فيه {ونذري}
وفي سورة غافر: 5 (فكيف كان عقاب) والأصل فيه {عقابي}
فحذف ياء الإضافة مراعاة للفاصلة!

وقوله في سورة الرعد: 9 (عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال) وفي سورة غافر: 32 (إني أخاف عليكم يوم التناد) فحذف ياء المنقوص المعرّف وهي لا تحذف إلّا في المنكر في حالتين وهما الرفع والجرّ، ولكنّه حذفها مراعاة للفاصلة! وذلك جائز كما وقع منهم في القوافي المقيّدة.

وقوله في سورة الفجر: 3-4 (والشفع والوتر* والليل إذا يسر) فحذف الياء من فعل غير مجزوم مراعاة للفاصلة!

وقوله في سورة الضحى: 3 (ما ودّعك ربّك وما قلى) أي {وما قلاك} فحذفَ الضمير [الكاف] مراعاة للفاصلة!

وقوله في سورة طه: 7 (يعلم السرّ وأخفى) أي وأخفى منه فحذف متعلّق أفعَل التفضيل وما ذلك إلّا مراعاة للفاصلة!

زيادة ما هو غير لازم
قوله في سورة الأحزاب: 10 (وتظنون بالله الظنونا) وقوله فيها أيضاً- الآية 66 (وأطعنا الرسولا) وقوله فيها أيضاً – الآية 67 (فأضلونا السبيلا) فقد زاد الألف كألف الإطلاق التي تزاد في قوافي الشعر إطلاقاً للصوت- كقول المتنبي:
فمرّت غير نافرة عليهمْ*** تدوسُ بنا الجماجمَ والتريبا
ولو كانت هذه الفواصل نكرات لكان الوقف عليها بالألف، ولكنها معرفة فالألف فيها زائدة كألف الإطلاق في الشعْر.

صرف ما لا ينصرف
وهو من الضرورات الشعريّة الشائعة [التي أشرتُ إليها أعلى] كقوله في سورة الإنسان: 15-16 (كانت قواريراً* قواريراً من فضّة قدّروها تقديراً) وقد جاء في إحدى القراءات قواريرَ قواريرَ بلا تنوين في الإثنتين [أي وردتا ممنوعتين من الصّرف] وعلى هذه القراءة لا تكون قوارير الأولى فاصلة لعدم مشابهتها للفواصل التي قبلها وبعدها فلا تعَدّ آية، بل هي جزء من الآية التي تنتهي بقوله قدّروها تقديرا. [يستكمل الرصافي حديثه في الصفحة 563] وجاء في قراءة أخرى تنوين الأولى وعدم تنوين الثانية، فعلى هذه القراءة تكون قواريراً الأولى المنوّنة فاصلة، وإنما نُوِّنتْ وهي ممنوعة من الصّرْف مراعاة للفاصلة، فتعدّ حينئذ آية، وما بعدها آية أخرى. وهناك قراءة ثالثة هي تنوين الإثنتين، فتكون الأولى نونتْ للفاصلة والثانية نونت للإتباع. قال الزمخشري في الكشاف والسيوطي في الإتقان ج2 ص 100- في تفسير الآيتين 15-16 من سورة الإنسان: هذا التنوين بدل من ألف الإطلاق لأنّه فاصلة!

[تعليقي: ورُبّ سائل يسأل بهذه المناسبة: أيّ القراءات المذكورة مكتوب في اللوح المحفوظ؟ أفما يكون السؤال (أو التساؤل) من حقّ السّائل إمّا سأل السؤال المنطقي التالي: ألا يلبّي إختلافُ القراءات الشرطَ المذكور في سورة النساء: 82 (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا) وها هي ذي اختلافات- لا تُحصى- في محاور عدّة كاللغة والتاريخ والجغرافية والعلم- فما هي النتيجة التي تقتضي الإعتراف بها؟
ومن جهة أخرى: منْ يصدّق- بعد ما تقدّم من اختلافات- بأنّ الله أحْكمَ آياته؟ إذ قرأت في الآية الأولى من سورة هود (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكيم خبير) فأين الإحكام بعد اختلاف القراءات- والمصاحف أيضاً- وما الحكمة من وجود الإختلاف، بل أين ضاعتْ حكمة إله الإسلام وخبرته؟
وما هذا الغموض الذي اكتنف الحروف المقطّعة التي في مطالع بعض السّوَر القرآنية، مما جعل المفسّرين يختلفون منهم العلماء ومنهم الفقهاء، فما بالنا نحن الناس البسطاء؟
فلا أظنّ تالياً بأن الإله في حاجة إلى الغموض- أيّاً كان شكله ونوعه- لو كان إلهاً حقّاً؟]
وللحديث بقيّة
_______________________________________________________

(*) من الممكن مراجعة كتيّب “ميزان الذهب في صناعة شعر العرب” حول الضرورة الشعرية وعلم العروض وعلم القوافي
لمؤلفه السيّد أحمد الهاشمي، دار الكتب العلميّة في بيروت- لبنان

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment