الإنقلاب الأوّل لمحمد مرسي !

رعد الحافظ

لا الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك .

ولا سابقهِ الرئيس المقتول / محمد أنور السادات .

ولا حتى سابقهم الرئيس / جمال عبد الناصر صاحب مذبحة القضاء .

إستطاعوا يوماً مخالفة قرار المحكمة الدستورية المصرية العُليا هكذا نهاراً جهاراً , وبالفم المليان كما يقول أحبتنا المصريين .

ناهيك أنّهُ  لا داعي للحديث عن الحقبة الليبرالية التي سبقت حكم العسكر 1952 فقد كان القضاء في أفضل حالاتهِ أعقاب قانون إستقلال القضاء الصادر عام 1943 , في عهد حكومة مصطفى باشا النحاس … 1

فلماذا  لم يجرؤ أحداً على ذلك ؟

ألم يكن بإستطاعتهم فعل ما يشاؤون ؟

والمفروض أنّهم عسكر أجلاف طغاة ديكتاتوريين لا يلتزمون بالديمقراطيّة  , ولا يُقيمون لها وزناً .

الجواب ببساطة / لأنّ مصر دولة متحضرة وعمر شعبها وحضارتها تمتد لآلاف السنين . ولا يستطيع شخص مهما كانت قوة الجماعة التي تدعمهُ أن يتجاهل ذلك .

لكن الرئيس الأوّل للجمهورية الثانية , محمد مرسي فعل ذلك وبدمٍ بارد !

قال إيه ؟ عودة مجلس الشعب المنتخب وسحب قرار حلّهِ …. 2

أليس قرار حلّهِ الصادر عن المجلس العسكري , كان بناءً على حكم المحكمة الدستورية العليا , بعدم دستورية قانون الإنتخابات ؟

أليس في ذلك حنث باليمين الذي أقسمهُ  الرئيس مرسي , أمام قضاة تلك المحكمة على الإلتزام بالدستور وإحترام القضاء ؟

ومن يقف في الواقع , وراء هذا القرار ؟ هل للجماعة ومرشدهم دور ؟

أم الرسالة التي حملها  وليم بيرنز / مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية وهو مبعوث الرئيس أوباما ؟

تلك الرسالة التي تتحدث عن (( أهميّة أن نرى برلمان منتخب ديمقراطياً وعمليّة شاملة لوضع دستور جديد يضمن الحقوق العالمية للإنسان … ))

وفي الواقع / ما مدى تطابق المُعلن الظاهر من أقوال مُرسي مع  المضمر المستور؟

*************

تداعيات

هذا القرار قد يفجّر قنبلة تنسف حالة الهدوء الشعبي النسبي الذي ساد الشارع المصري أعقاب  فوز مُرسي وإعلان النتائج لمصلحتهِ .

رغم أنّ الغالبيّة المصرية تجرّعت كؤوس الزعاف لسببين

الأوّل / كي لا يعود حكم العسكر بشخص أحمد شفيق .

والثاني / للحفاظ على وحدة مصر وسلمها المدني والشعبي .

لأنّ مصر كانت وستبقى اُمّ الدنيا وأغلى على شعبها من أرواحهم .

الآن سينتظر الجميع قرار المجلس العسكري على قرار الرئيس الجديد .

وفي كلّ الأحوال فإنّ المتابع المُنصف للحالة المصرية يستطيع القول

أنّ ما فعلهُ مُرسي اليوم ليس مستغرباً  . وهذهِ ليست المرّة الأولى التي تفعلها الجماعة  بل هي عادة قديمة من صميم سلوكهم .

بالأمس كتبَ الكبير / علي سالم  , عن جملة مرسي التالية :

 ( أنساني الشيطان تحيّة أهل الفن والإبداع )

وتسائل / هل للشيطان ذلك السُلطان القوي عليكَ ؟

وماذا سيحدث لو تسلطن الشيطان على وزير التموين مثلاً ؟

أفلا يحّق لنا  اليوم , أن نُشكك بكل كلمة من كلمات الرئيس الجديد ؟

فلو تذكرنا طريقة وصول مرسي للرئاسة , سنجدها  بوضوح , إبتدأت  بحنث الجماعة وعدهم للشعب ,  بعدم الترشيح للرئاسة .

يعني الخلاصة / هو جاء نتيجة كذب ومراوغة وخداع الجماعة للشعب .

وقرار مرسي اليوم ناتج طبيعي لسلوك الجماعة .

فلا تسألونا كلّ يوم / لماذا أنتم ضدّ الجماعة ؟

سيكون جوابنا / ببساطة لأنّهم مخادعين لله وأنفسهم والناس أجمعين .
******

رابط 1

http://kade.maktoobblog.com

رابط 2

http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2012/07/120708_egypt_parliament_decision.shtml

 
تحياتي لكم

رعد الحافظ

8 يوليو 2012

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

نبيّك هو أنت.. لا تعش داخل جبّته! (4)

وفاء سلطان

العقائد، وكما أظهرت سابقا، تساعد الدماغ على معرفة مكامن الخطر الذي يهدد الحياة وبالتالي على تجنبها.
لكنّ دورها لا يقتصر على الحفاظ على الحياة، بل يتحكّم أيضا بنوعية تلك الحياة.
إن صُلحت العقائد تصلح الحياة، وإن فسدت تفسد الحياة. الحياة في تغيّر مستمر ولذلك تتطلب أن تخضع العقائد لمعدل التغيير نفسه.
قوة العقيدة تكمن في قدرتها على التدمير أو البناء. فإن كانت إيجابية وتماشت مع متطلبات الحياة ساهمت في بنائها، وإذا كانت سلبية وتعارضت مع متطلبات الحياة ساهمت في دمارها.
العقائد هي البوصلة التي تقودنا إما إلى النجاة وإما إلى الهلاك.
أضرب مثلا:
معظم الناس يؤمنون بأنّ الأدوية تشفي من الامراض، ولكن الدراسات التي تمت في حقل Psychoneuroimmunology (العلم الذي يدرس علاقة الجهاز المناعي عند الإنسان بالجهاز العصبي والنفسي) قد أكدت بأن النتائج ترتبط ارتباطا وثيقا بمدى ايمان المريض بفاعلية الدواء. فدور ذلك الإيمان لا يقل فعالية عن دور الدواء نفسه.
قام أحد علماء النفس بتجربة على 100 طالب طبّ. أعطى خمسين منهم كبسولات حمراء بعد أن أوهمهم بأنها تحوي منشطا، والخمسين الآخرين كبسولات زرقاء بعد أن أوهمهم بأنها تحوي منوّما. لكنه في حقيقة الامر وضع المنوم في الكبسولات الحمراء و المنشط في الكبسولات الزرقاء أي عكس ما أوهمهم به.
لقد نتج عن تلك التجربة بأن 50 % من الطلاب حصلوا على النتائج التي تتناسب مع اعتقادهم بما داخل الكبسولات. و50% حصلوا على نتائج تتناسب مع حقيقة التركيب الكيميائي للدواء الموجود فعلا داخل الكبسولات.
بمعنى آخر لعب الاعتقاد نفس الدور الذي لعبته الطبيعة الكيميائية للدواء.

يعلق الدكتور Henry Beecher من جامعة هارفارد على ذلك بقوله: فعالية الدواء لا تتعلق فقط بخصائصه الكيميائية، وانّما بمدى إيمان المريض بقدرة ذلك الدواء على شفائه.
……
أذكر اعتقادا كان سائدا في البيئة التي عشت فيها يزعم بأن تناول السمك مع اللبن يسبب تسمما معويا قد يؤدي الى الموت.
عادت أمي مرّة لتجد أخي يتناول كوبا من اللبن بعد أن تناول بعض السمك، فصرخت وراحت تولول.
خلال أقل من نصف ساعة تقيأ أخي كلّ ما تناوله، ونُقل على أثر ذلك الى أقرب مركز صحي.
لم أقرأ في أي كتاب طبيّ وجود علاقة بين تناول السمك واللبن.
إنّه الايحاء.. إنّه قوة الاعتقاد بوجودها!
ولكن يبقى السؤال كيف تشكل ذلك الإعتقاد؟!!
ما هي التجارب التي خاضها الناس مثلا في ذلك المجتمع كي يتوصلوا الى الخلاصة بأن تناول اللبن مع السمك يؤدي الى تسمم معوي؟
هل هناك تجارب حقيقية ساهمت في تشكيل ذلك الإعتقاد، أم إنه جاء من فراغ؟!
لا بد أنه، وفي سياق تاريخي ما، قد مرّ بعض الناس بتجارب مماثلة خرجوا منها بتلك الخلاصة: اللبن والسمك معا يشكلان عامل تسمم!
السمك في بلادنا يحفظ عادة بطرق غير صحيّة لا تكفي لحمايته من التلوث الجرثومي أو التغيرات الكيميائية التي تطرأ عليه مع الوقت.
هناك أنواع من السمك تحوي في أجسامها على مادة كيميائيّة تدعى هستاميد، واذا تُركت في درجة حرارة أعلى من الدرجة 15 درجة مئويّة تتحول تلك المادة الى مادة أخرى تدعى هستامين Histamine.
الهستامين هرمون يسبب، عند الإنسان الذي يتناول السمك الفاسد، ردود فعل تحسسية ينجم عنها صداع وخفقان قلب ومغص بطني.
واللبن عادة وجبة رئيسية قد تكاد تكون يوميّة في بلادنا.
ربّما تعرض بعض الناس الى تلك الحالة الناجمة عن سمك محفوظ بطريقة غير صحيّة، وباعتبارهم تناولوا اللبن صدفة خرجوا من تلك التجربة بخلاصة، أن تناول اللبن مع السمك يسبب تسمما غذائيا.
في تلك الحالة، الخلاصة تعممت وصارت اعتقادا راسخا!
…………………..
في إحدى المباريات في لوس أنجلوس اُصيب عدد من الجمهور واللاعبين بحالات إقياء حاد نُقلوا على أثرها إلى المستشفى.
وفي محاولة سريعة لتحديد السبب، أعلن الاطباء احتمال تلوّث زجاجات العصير التي اشتروها من نفس المصدر.
لم يكد الأطباء يعلنون عن ذلك الإحتمال حتى أخذ الناس الذين شربوا العصير يسقطون على الأرض الواحد تلو الآخر، واستمرت سيارات الإسعاف بنقلهم حتى المساء.
المهم لم يتطلب الأمر سوى بضع ساعات حتى تأكد الأطباء من خطأ احتمالهم، وبأن العصير لم يكن ملوثا. فور إعلانهم عن خطأهم قام المرضى من فراشهم وغادروا المشفى بدون أيّة حاجة للعلاج.
لقد أوحى الاطباء، من حيث لا يدرون، إلى كلّ من شرب من زجاجات العصير بأنهم مرضى فبدأوا يتقيأون.
……………………………..
الواقع الذي تعيشه هو المرآة التي تعكس جهازك العقائدي. لا شيء في ذلك الواقع يأتي من فراغ أو بطريقة منفصلة عن ذلك الجهاز. عقائدك هي البوصلة التي تقودك من يوم إلى يوم. قادتك إلى حيث أنت اليوم، وستقودك إلى المستقبل الذي تنتظره.
تتشكل العقائد بطريقة غير ملحوظة وتترك بصماتها على حياتنا بطريقة غير ملحوظة.
المحيط الذي نعيش فيه يلعب دورا في تشكيل عقائدنا، وبالتالي في الهيمنة على عقولنا.
اللغة المتداولة وسط ذلك المحيط هي الأداة التي نستخدمها للهيمنة على غيرنا، أو يستخدمها الغير للهيمنة على عقولنا.
ولذلك، وفي محاولة لتحسين وضعنا، يتطلب الأمر أن ننقي جهازنا العقائدي من شوائبه فنتبنى أفكاره الإيجابية البناءة ونطرح أفكاره السلبية الهدامة.
لا نستطيع أن نحقق ذلك إلا برفع مستوى الوعي عند الإنسان حتى يعي كل ما يدور حوله، فلا يسمح لافكار سلبية هدامة بدخول اللاوعي عنده ثم العمل من هناك على توجيهه بطريقة تقوده إلى حتفه.
تتسرب العقائد خلسة إلى اللاوعي، واللاوعي لا يستطيع أن يميّز بين الحقيقة والوهم فيصدق كل ما يتسرب إليه.
يقرأ المسلم قول نبيّه: ” جعل الله رزقي تحت ظلّ سيفي”، ولا يعي ما يقرأ، فيتسلل ذلك القول إلى اللاوعي عنده، ومع الزمن تتشكل لديه قناعة خفيّة بأن الرزق فريسة وعليه أن يكون قناصا!
نظرة بسيطة إلى المجتمعات الإسلامية تؤكد تلك القناعة، فالإسترزاق فيها اقتناص ولا قيمة للعمل الشريف. متى تبوأ المسلم منصبا يجعل من الفلس غايته. لا رحمة في قلبه على مجتمعه، ولا تتسع ساحة الرؤيا عنده إلاّ لتشمل مصالحه. يقتنص لقمته بحدّ سيفه، فهذا ما تسلل إلى اللاوعي عنده من جعبة نبيه!
لا توجد عبارة في ثقافات شعوب الأرض قاطبة قد هيمنت على العقل البشري كما هيمنت عبارة “صلّى الله عليه وسلم” على عقل المسلم.
كل ما يقرأه المسلم عن نبيّه تسبقه تلك العبارة، التي تسهّل مرور ما يقرأ وما يسمع إلى حيّز اللاوعي عنده دون أن تسمح للوعي بتصفيته أو تهذيبه.
يقرأ المسلم:
ـ كان “صلى الله عليه وسلم” يحكّ اربه بين فخذيّ عائشة وهي في السادسة من عمرها رفقة بعمرها الغضّ!
ـ اصطفى “صلى الله عليه وسلم” صفية من بين الأسيرات، ثمّ نام معها في نفس اليوم الذي قتل به زوجها وأبيها وأخيها…
ـ قال “صلى الله عليه وسلم”: من لم يغزو ولم يفكر بغزوة مات ميتة جاهلية…
ـ مرّ “صلى الله عليه وسلم” بأهل النار فوجد أكثرهم نساء….
ـ كبّر “صلى الله عليه وسلم” عندما رأى رأس أشرف بن كعب بين يديه….
ـ أمر “صلى الله عليه وسلم” بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف….
ـ نصح “صلى الله عليه وسلم” بشرب بول الإبل وقال إن في الحبة السوداء شفاء من كل الأمراض………وهلما جرى.
عندما يصلي الله على أحد لايحتاج ذلك “الأحد” إلى أن يمرّ عبر مصفاة وهو في طريقة إلى اللاوعي عند الإنسان!
عبارة “صلى الله عليه وسلم” هي جواز سفر يدخل بموجبه محمد، بشحمه ولحمه وإربه وقوله وفعله وسباياه وغنائمه وغزواته وسيفه، إلى حيّز اللاوعي عن الإنسان المسلم دون تدخل الوعي، ويبدأ من هناك التخريب!
الإنسان الذي تبرمج اللاوعي عنده على أن يقبل الغزو والغنائم والسبي وافتراس النساء وقتل المعارضين وقطع أرجلهم وأيديهم من خلاف، هو باختصار ليس آدميّا ولن ترقى عقائده به إلى مستوى البشر!
الواقع في العالم الإسلامي يؤكد صحة ذلك، ولا مخرج من تلك الأزمة إلا برفع مستوى الوعي عند المسلم كي يعي ما يقرأ ويسمع فيقوم بتصفيته قبل أن يسمح له بالتسلل إلى حيّز اللاوعي عنده.
منذ أن تعلمت القراءة في العربي وأنا أقرأ ما معناه: “علينا أن نرفع مستوى الوعي عند الناس كي نضمن مستقبلا أفضل”. لكن لم أقرأ في حياتي ماذا يعنون برفع مستوى الوعي، وكيف يتمّ ذلك!
لو استطعنا أن نرفع مستوى وعي القطيع إلى حدّ يعي عنده بأنه يتبع راعيه إلى مذبحه، سيرفض أن يطيع راعيه وسيرفض أن يتبعه إلى المذبح!
الناس في مجتمعاتنا تملك خاصة القطيع لأنها ليست في مستوى وعي أعلى من مستوى وعي القطيع.
………………..
قام أحد المدرسين في إحدى الجامعات الأمريكية بتجربة بسيطة يؤكد فيها كيف تهيمن اللغة على العقل البشري وبالتالي تلعب دورا في تحديد قدراته.
لجأ إلى طلابه واستخدمهم كعناصر لتجربته، فقسمهم دون علمهم إلى مجموعتين.
قال للمجموعة الأولى: “لديكم مشروع من يقوم به سأضيف له عشرة نقاط على العلامة النهائية. المشروع هو إجراء مقابلة مع ثلاثة شخصيات “يستحيل الوصول إليها” كبيل كلينتون أو بيل غييت أو جينفير لوبيس”.
وافق 6 طلاب من أصل 30 طالبا على القيام بالمشروع، لكنهم عادوا بعد المدة المحددة دون أن يحققوا أي هدف.
قال للمجموعة الثانية: “لديكم مشروع من يقوم به سأضيف له عشرة نقاط على العلامة النهائية. المشروع هو إجراء مقابلة مع ثلاث شخصيات ” يكاد يكون الوصول اليها مستحيلا”. وافق 17 طالب من أصل 30 على القيام بالمشروع وعاد عشرة منهم بعد أن أجروا المقابلة”
ما هو سبب الفرق بين النتائج التي حصلت عليها المجموعتين؟
لقد هيمن المدرس على عقول المجموعة الأولى بقوله “يستحيل الوصول اليها”، فبرمج اللاوعي عندهم على الخوف من الفشل، ولذلك لم يوافق سوى ستة طلاب على القيام بالمشروع، وعادوا دون يحققوا أي هدف.
كانت هيمنته في المرة الثانية أقل حدة، إذ قال لهم: “يكاد يكون الوصول اليها مستحيلا” ولذلك وافق 17 على القيام بالمشروع ونجح عشرة منهم في الوصول إلى الهدف.
وأنا على ثقة لو قال لمجموعة ثالثة ” من السهل أن تصلوا اليها لو حاولتم” لجاءت النتائج أفضل بكثير.
لاحظوا معي بأن مجرد تغيير معنى العبارة قليلا لعب دورا كبيرا في تغيير النتائج، ناهيك عن إعادة النظر كليّا في اللغة المستخدمة!
………………
هل بإمكان أحد فينا أن يتصور لو قال محمد نبيّ الإسلام: كتب الله لي رزقي “بحد فأسي” أو ” بريشة قلمي” أو “بعرق جبيني” ماذا ستكون النتائج؟
ربما لكانت البلاد الإسلامية من أكثر البلدان انتاجا للغذاء وتصديرا له.
ألم تلعب في الوقت نفسه عبارة المسيح: “وبعرق جبينك تأكل لقمتك” دورا خفيّا في قيام العلماء في أمريكا باستنباط عشرة ألاف نوع من الأقماح؟!!
عرق الجبين يروي الأرض ويزيدها غزارة، إما السيف فلا يخلف وراءه سوى القحط وسفك الدماء.
يتساءل الواحد منّا لماذا لا يملك المسلم قدرة على الإنتاج والإبداع؟ وعندما نجيب بأن السبب يكمن في الثقافة الإسلامية التي تعلم على النفاق والكذب والكسل واستغلال أية فرصة بالسرقة والنهب، عندما نقول ذلك نُتهم بالتهجم على الإسلام، ونُتهم أيضا بالحقد والكراهية.
لو يُدرك الإنسان المسلم كيف يُبرمج الحديث الذي يقول: جعل الله رزقي تحت ظلّ سيفي” أو الآية التي تقول: ” وكلوا مما غنمتم حلالا طيبا” عقل المسلم ويحدد بالتالي تصرفاته، لعدّ للعشرة قبل أن يتلو على طفله ذلك الحديث أو تلك الآية.
تتسلل تلك التعاليم خلسة إلى اللاوعي عند المسلم وتبرمجه على أن يفهم الحياة بأنها اقتناص فرص، وليست مسؤولية وعملا.
………….
في المطابخ الأمريكية يتمّ تركيب جهاز كهربائي موصول بالمجرور العام للمجلى حيث يتمّ ُغسل صحون الطعام.
يقوم أصحاب البيت بإلقاء كلّ فضلات الطعام في فتحة المجلى المتصلة بالمجرور، ثم يدار الجهاز فيطحن تلك الفضلات ويسهل مرورها إلى المجارير العامة.
يدعى ذلك الجها Disposal of food wastes أي المخلص، وهو شرط من شروط البناء هنا، إذ لا يوجد بيت أمريكي لا يحويه.
المهم، لجأ زوجان إلى الدكتور الأمريكي النفسي توماس هاريس ليطرحان عليه مشكلتهما. الزوجة تخاف من تشغيل ذلك الجهاز، وعندما قاما ببناء بيتهما الجديد رفضت رفضا قاطعا تركيبه في المطبخ.
بعد جلسات عديدة من التحليل النفسي والتنويم المغناطيسي استطاع الطبيب أن يكتشف القناعة الراقدة في اللاوعي عند تلك السيدة والتي تحذرها من استخدام ذلك الجهاز!
عام 1929 اُصيب الإقتصاد الأمريكي بحالة ركود قاتلة، عانى منها الشعب الأمريكي يومها كثيرا، وتدعى تلك الفترة The great depression. في ذلك الوقت كانت تلك السيدة طفلة في عامها العاشر، وكانت تعيش مع عائلتها في مزرعة للخنازير تشكل مصدر رزق العائلة. كانت مهمة الطفلة آنذاك أن تدور على بيوت الناس وتلتقط من براميل قمامتهم كل فضلات الطعام، كي يتم تقديمها علفا للخنازير في المزرعة فظروف العائلة المادية لا تسمح لهم بشراء علفا جاهزا.
كل صباح وقبل أن تغادر المنزل للقيام بمهمتها، كانت والدتها تمسكها من كتفيها وتقول: إياك أن تتركي أثرا للطعام في براميل القمامة، وإلا ستموت الخنازير من الجوع وسنموت جوعا بدورنا.
تسللت إلى اللاوعي عند تلك الطفلة قناعة تقول: بأن إلقاء فضلات الطعام سيؤدي بهم إلى الهلاك جوعا.
منذ ذلك الوقت وتلك القناعة تتحكم خلسة بسلوكها، لدرجة أرهبتها من ذلك الجهاز “الجنيّ” الذي يطحن الفضلات ويرميها بعيدا في المجارير العامة!
كم من الأحاديث والآيات التي لا تحمل أيّة قيمة أخلاقية تسللت خلسة إلى اللاوعي عند الإنسان المسلم ورقدت هناك كي تحركه وتتحكم بعواطفه وتصرفاته دون علمه.
بنفس الطريقة التي ظلت بها عبارة الوالدة ” إياك أن تتركي أثرا لفضلات الطعام في البراميل وإلا ستموت الخنازير جوعا وسنموت بدورنا” راقدة في اللاوعي عند طفلتها ولأكثر من ثلاثة عقود، وظلت تتحكم بتصرفاتها وحياتها دون علمها، بنفس الطريقة تتحكم تلك الأحاديث والآيات في تصرفات المسلم.
هل يستطيع مسلم في الأرض أن يُقنعني بأنه ليس مبرمجا على الحقد على غيره وبالتالي على معاداة ذلك الغير؟
كيف كنّا نقرأ، ونحن أطفال، الآية التي تقول:
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُون.
ثمّ نكبر لنخرج إلى الحياة بالغين قادرين على احترام المسيحيين واليهود والتعايش معهم بسلام؟
كيف نتعايش مع بشر بعد أن تبرمجنا على أن الله يقاتلهم لأنهم يؤفكون؟!!
لا أمل يُرجى في خلق بشر قادرة على العطاء والتعايش بسلام مادمنا نقرأ على أطفالنا تلك التعاليم التي تبرمجهم على الكراهية والحقد.
……………
عمّة زوجي سيدة متديّنة جدا، لكنها أميّة لا تجيد القراءة والكتابة. أقسمت لي مرّة أنّ زوجها، ولمدة ثلاث سنوات، ظل يضربها بـ “يد الهاون” على رأسها حتى تمكنت من حفظ سورة الفاتحة.
كانت تزورني بين الحين والآخر قادمة من مدينتها البعيدة حيث تُقيم مع زوجها وأولادها. لم تكن زيارتها في يوم من الأيام عبئا خفيفا. فهي لا تلتزم بأي نظام في بيتي، تفعل ما برأسها وعليّ أن أحني رأسي عملا بأصول الضيافة: “من داس على عتبتك داس على رقبتك”.
كم أتمنى الآن أن يعود الزمن إلى الوراء كي أدوس على رقبة من لا يحترم عتبتي!
المهم، كانت عمة زوجي تقضي معظم وقتها في بيتنا وهي تحني ظهرها وتهزّ رأسها إلى الأمام والخلف، تتقطق بسبحتها وتصلي على نبيها.
لم يكن ابني مازن حينها قد تجاوز عامه الثالث. ربطته بعمة زوجي علاقة متينة، كانت سببها قطع السكاكر التي كانت تدسها في فمه في غفلة عني.
ومتى ضاع مازن أركض إلى غرفتها لأجده يجلس بالقرب منها آملا بقطعة سكاكر أخرى.
دخلت تلك الغرفة مرّة لأجدها جالسة، كعادتها، وإلى جانبها مازن وقد أحنى ظهره حتى أخذ شكل ظهرها وراح يحرك إبهامه وسبابته وكأنه يحمل سُبحة ويتمتم بشفاهه.
صعقني المشهد فهرولت مسرعة إلى غرفة زوجي وعدت به كي يرى ما رأيت.
همس زوجي في اذني: وفاء احزمي بقجة عمّتي فلقد حان الوقت لتعود إلى بيتها!
……………..
أنا سعيدة اليوم لأنني لم أساهم في خلق انسان مبرمج على أن يكره أو يحقد أو أن يقيّم الناس بناء على عقائدهم الدينية.
لم أسمح لعمّة زوجتي بأن تسلل إلى اللاوعي عند ابني وهذا هو سرّ سعادتي!
عندما أفشل البريطانيون خطة ارهابية كان جنودها مجموعة من الأطباء المسلمين قرأت مقابلة مع والد أحد هؤلاء الأطباء، قال: لا أصدق تورط ابني في ذلك! لقد ربيته على أن يكون رجلا متسامحا، لقد علمته كيف يحترم الناس ويقبل الجميع!
تساءلت في سريّ: هل يعي ذلك المغفّل أين يكمن الخلل؟
هل كانت تلك الأم الأمريكية تعي في ذلك الوقت ما الذي ستفعله عبارتها في حياة طفلتها؟ طبعا لا!
وبالمقابل هل كان ذلك الوالد يعي ما الذي ستفعله تلك الآية في حياة ابنه؟ طبعا لا!
وهذا ما نقصده بقولنا: “رفع مستوى الوعي”!
أن يُدرك الناس طبيعة اللغة التي يستخدمونها للهيمنة على الغير، أو التي يستخدمها الغير للهيمنة عليهم.
أن نعي طبيعة “القيادة” التي ترقد في اللاوعي عندنا وتتحكم خلسة بسلوكنا. فنشن انقلابا على تلك القيادة عندما تفشل في قيادتنا إلى حيث نستطيع أن نكون منتجين ومبدعين!
……….
ملاحظة: سنشرح لاحقا كيف يتمّ رفع مستوى الوعي عند الإنسان.
*****************

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | 1 Comment

خرافة العصر الذهبي في صدر الإسلام 1…؟

كامل النجار

يردد الإسلاميون عبارات جوفاء محفوظة، تخلو من أي معني حقيقي. فكثيراً ما نسمعهم يقولون “لا تخلطوا بين الإسلام والمسلمين”، أو “لا تحسبوا أخطاء المسلمين على الإسلام”. ثم يزيدون الطين بلة بأن يحاولوا إرجاعنا إلى عصر الإسلام الذهبي، الذي لا يوجد إلا في مخيلتهم. فهل يمكن الفصل بين ما يفعله المسلمون وبين الإسلام؟

كل التجارب العلمية يُحكم عليها بنتائجها. فإذا كانت نتيجة التجربة لا تخلص إلى ما ادعاه أو زعمه صاحب النظرية العلمية، يُحكم على تلك النظرية بالفشل، ويُلقى بها في سلة المهملات، ويبحث الباحثون عن بديل لها. فالمسلمون، منذ بدء الإسلام وحتى يومنا هذا، توارثوا القرآن والأحاديث والسيرة النبوية. وكل هذه الموروثات هي الأساس الذي يتربى عليه المسلم منذ الصغر. فإذا كان الإسلام يوصي المسلم بألا يسرق، ويظل المسلم يسرق، فهناك خللٌ في أحد أطراف المعادلة. فإما أن يكون المسلم لا يتبع تعاليم دينه، أو أن دينه غير قابل للتطبيق. فلو كان الذي يسرق شخصٌ واحد أو مائة أو ألف، وبقية المسلمين لا يسرقون، فليس هناك من شك في أن العيب في القلة الذين يسرقون. ولكن إذا كان غالبية المسلمين يسرقون، في حين أن تعاليم الإسلام تنهاهم عن السرقة، فحتماً يكون الخلل في تعاليم الإسلام التي فشل المسلمون في تطبيقها على مدى ألف وأربعمائة عام. فالإله الذي أصدر هذه التعاليم، كان لا شك يعرف الحكمة التي تقول “إذا أردت أن تُطاع، فأمر بالمستطاع”. فأي تعاليم يعجز أتباع الأديان عن إتباعها، تكون تعاليم نظرية لا فائدة تُرجى منها، ووجودها مثل عدمه. وعليه، لا يمكن الفصل بين ما يفعله المسلمون، وبين تعاليم دينهم. فأي أفعال يقوم بها المسلمون، خاصة المتدينين منهم، لا بد أنّ لها سنداً في القرآن أو السنة، وإلا لما فعلوها.

تعاليم الأديان، التي هي من صنع الإنسان، الغرض منها شحذ همة المؤمن بها على فعل الخير والامتناع عن الأفعال المشينة. وتشترك كل الأديان في أبجديات السلوك القويم، مثل: لا تسرق، لا تقتل، لا تزني، لا تكذب، تصدق ببعض مالك للفقراء، وساعد الأيتام، وما إلى ذلك. فهل غيّرَ الإسلام في سلوكيات العرب على مدى الألف والأربعمائة عام الماضية، وهل كان المسلمون الأوائل أكثر إسلاماً من مسلمي اليوم؟ أي بمعنى آخر: هل كان في بدء الإسلام عصرٌ ذهبي، اختفى بالتدريج من حياة الأجيال اللاحقة؟ هذا السؤال طرحته عليّ السيدة الفضلى أم محمد، في تعليقها على آخر مقال لي عن المآذن، وسوف أحاول هنا الرد عليه.

فلنبدأ من الصفر، يوم دخل محمد المدينة وبايع الأنصار وكوّن جيشه العرمرم. فماذا فعل المسلمون الأوائل بتعاليم الإسلام، بل ماذا فعل نبي الإسلام نفسه بتلك التعاليم؟

لا تقتل: (من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً) (المائدة 32). وهذه الوصية وصية جميلة جداً، لا تختلف عن وصايا موسى في التوراة ويسوع في الإنجيل. ولكن هل اتبع محمد هذه الوصية، وهل اتبعها أصحابه ومن عاصرهم؟ محمد حتماً كان أول من سنّ سنة الاغتيالات السياسية في جزيرة العرب. العرب كانوا يقتلون من أجل الثأر، فجاء محمد وأدخل الاغتيالات السياسية عندما أمر أتباعة بقتل كعب بن الأشرق، وابن أبي الحقيق، والشاعرة عصماء، وابن أبي رافعة، وخالد بن سفيان بن نبيخ الهذالي وغيرهم. كل هؤلاء أغتيلوا خلسةً دون أي حق ولا فسادٍ في الأرض. كل ما فعلوه أنهم هجوا محمداً أو رفضوا أن يمجدوه، فاغتالهم محمد، وأصبح الاغتيال وسيلة معروفة في الإسلام، فاغتالوا عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، وهؤلاء كانوا خلفاءهم الراشدين.

واستمرأ المسلمون القتل باسم الإسلام (سار خالد بن الوليد إلى أمغيشيا – وقيل اسمها : منيشيا – فأصابوا فيها ما لم يصيبوا مثله لأن أهلها أعجلهم المسلمون أن ينقلوا أموالهم ، وأثاثهم ، وكراعهم وغير ذلك ، وأرسل إلى أبي بكر بالفتح . ومبلغ الغنائم ، والسبي ، وأخراب أمغيشيا، فلما بلغ ذلك أبا بكر قال : عجزت النساء أنْ يلدن مثل خالد (الكامل في التاريخ للمبرد، ج2، ص 242). وقتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة من أجل أن يتزوج أرملته، والذنب الوحيد الذي قُتل به مالك هو قوله إنه لن يدفع الزكالا إلى أبي بكر، وإنما سوف يصرفها على الفقراء من قبيلته، والإسلام لا يفرض على المسلم تسليم الزكاة إلى السلطة المركزية، بل يمكنه صرفها على أهل بيته. فأي فساد في الأرض أدى إلى قتل مالك؟

يقول ابن قيم الجوزية (وأمّا نبي الملحمة، فهو الذي بُعث بجهاد أعداء اللّه، فلم يجاهد نبي وأمته قطُّ ما جاهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأمّته، والملاحم الكبار التي وقعت وتقع بين أمته وبين الكفار لم يُعهد مثلُها قبله، فإن أمته يقتلون الكفار في أقطار الأرض على تعاقب الأعصار،وقد أوقعوا بهم من الملاحم ما لم تفعله أمّة سواهم) (زاد المعاد، ج1، ص 38). فهل كل هذه اأمم أفسدت في الأرض، أم قتلهم محمد وأصحابه دون حق ودون ي فسادٍ في الأرض، ويكون بذلك قد تنكر للآية التي أتى بها. فكل هذا القتل الذي قام ويقوم به المسلمون يرجع إلى تعاليم الإسلام، فلا يمكن أن نقول لا تلوموا الإسلام بأفعال المسلمين.

وعندما غزا يزيد بن المهلب طبرستان، صالحه واليها وسلمه المدينة ليدخلها صلحاً (ودخل يزيد المدينة فأخذ مما كان فيها من الأموال ، والكنوز ، والسبي ما لا يحصى ، وقتل أربعة عشر الف تركي) (الكامل في التاريخ للمبرد، ج4، ص 306). ومن قتل نفساً بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً.

فالقتل بدأ مع الإسلام واستمر حتى الآن فأصبح قتل أي مواطن في بلد عربية حدثاً لا يحفل به أحد، كما حدث في مدينة حماة السورية وفي المقابر الجماعية العراقية، وفي التفجيرات التي نراها الآن في باكستان والعراق والصومال وبلاد أوربا العديدة. فقتل النفس التي حرّم الله ظل من أسهل الأشياء عند المسلم لأن القرآن يقول له (واقتلوهم حيث ثقفتموهم واخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل) (البقرة 191). وعندما قتل المسلمون أغلب الكفار وأدخلوا ما تبقى منهم في اللإسلام بالسيف، بدؤوا بقتل بعضم البعض، فكانت معركة الجمل ومعركة صفين اللتين راح ضحيتهما عشرات الآلاف من المسلمين، من أجل تنازع السلطة بين معاوية وعلي بن أبي طالب. ثم قتلوا أبناء الصخابة المقربين من محمد، مثل محمد بن أبي بكر الذي قتلوه ثم وضعوه في جوف حمار وأشعلوا النار به. ثم قتلوا الحسين بن على وقطعوا رأسه وأرسلوها ليزيد. وتضاعف قتل المسلمين في الدولة العباسية ثم في الدولة العثمانية التي حكمت كل بلاد الشرق الأوسط، واستمر القتل إلى يومنا هذا. فلم يتغير أي شيء في الإسلام، فإن الإسلام بدأ دموياً وسوف يستمر دموياً (جُعل رزقي تحت رمحي).

لا تسرق: السرقة، في رأيي، هي أخس عمل يمكن أن يقوم به الإنسان، لأن السارق، وبثضل مجهود بسيط، يستولي على جهد وعرق الشخص الذي يتعرض للسرقة، دون أن يحفل السارق بمشاعر المسروق وبما يصيبه ويصيب أسرته جراء تلك السرقة. والسرقة طبعاً قديمة قدم الحيوان على هذه الأرض. فالضبع يتحين الفرص في الغابة، ثم يسرق الفريسة التي قتلها الأسد إذا انشغل عنها الأسد لحظة، أو يجتمع عدة ضباع ويهجمون على الأسد، فيفر ويترك فريسته التي تعب في صيدها، للضباع. وفي هذه الحالة تكون الضباع قد نهبت الأسد. فالسرقة والنهب يدخلان من نفس الباب.

فإذا بدأنا بالسرقة، فقد بدأت في الأيام الأوائل من تاريخ الإسلام. فهاهو أبو هريرة الذي أسلم عام سبع للهجرة، قد أوكله النبي على أموال الزكالا، فسرق منها (فقد ثبت في الصحيح عن النبي حديث أبي هريرة لما وكله النبي بحفظ زكاة الفطر فسرق منه الشيطان ليلة بعد ليلة وهو يمسكه فيتوب فيطلقه فيقول له النبي فعل أسيرك البارحة فيقول زعم أنه لا يعود فيقول إنه سيعود فلما كان في المرة الثالثة قال له دعني أعلمك ما ينفعك إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي) (شذرات الذهب للدمشقي، ج1، ص 64. وكذلك تفسير القرطبي، الآية 255 من البقرة). فمحمد لا بد أنه عرف أن أبا هريرة كان يسرق ويتهم الشيطان، فلم يعاقبه. ومن وقتها انتشرت السرقة في المسلمين الأوائل.

ففي أيام الخليفة عثمان، تشاجر عبد الله بن مسعود مع سعد بن وقاص (وسبب ذلك أنّ سعداً اقترض من عبد الله بن مسعود من بيت المال قرضاً فلما تقاضاه ابن مسعود لم يتيسر له قضاؤه فارتفع بينهما الكلام فقال له سعد : ما أراك إلا ستلقى شراً هل أنت إلا ابن مسعود عبدٌ من هذيل ؟ فقال : أجل والله إني لابن مسعود وإنك لابن حمينة ) (الكامل في التاريخ، ج2، ص 471).

أما حمزة بن عبد الله بن الزبير، فقد ولاه أبوه على البصرة، فأخذ قدراً كبيراً من مال البصرة عندما عزله أبوه، فلما بلغ أبوه الخبر، قال لحاه الله قد أردت أن أفاخر به بني أمية فنكص. (الكامل في التاريخ، ج4، ص 71). ولا عقاب من أمير المؤمنين على ابنه.

وحبر الأمة ابن عباس، سرق بيت مال البصرة وهرب إلى مكة، ولما طالبه ابن عمه الخليفة علي بن أبي طالب بالمال، حلف له لئن لم يكف عنه سوف يذهب بالمال إلى معاوية ليحاربه به. واشترى ابن عباس الجواري والخدم بأموال المسلمين.

أما يزيد بن المهلب الذي كان والياً على خرسان، سرق جميع الأموال، فسمع به عمر بن عبد العزيز (لا أجد في أمرك إلا حبسك فاتق الله وأدِّ ما قبلك فإنها حقوق المسلمين ولا يسعني تركها وحبسه بحصن حلب ، وبعث الجراح بن عبدالله الحكمي فسرحه إِلى خراسان أميراً عليها ، وأقبل مخلد بن يزيد من خراسان يعطي الناس ففرق أموالاً عظيمة ، ثم قدم على عمر فقال

له : يا أمير المؤمنين ان الله منع هذه الأمة بولايتك وقد ابتلينا بك فلا نكن نحن أشقى الناس بولايتك، علام تحبس هذا الشيخ ؟ أنا أتحمل ما عليه فصالحني على ما تسأل فقال عمر : لا إلا ان تحمل الجميع) (الكامل في التاريخ، ج4، ص 320).

وفي خلافة عمر بن الخطاب كانت السرقة منتشرة في المدينة وفي البصرة وفي الكوفة وغيرها، وقد بنى سعد قصرا بحيال محراب مسجد الكوفة اليوم فشيده وجعل فيه بيت المال وسكن ناحيته ثم إن بيت المال نُقب عليه نقبا وأُخذ من المال وكتب سعد بذلك إلى عمر ووصف له موضع الدار وبيوت المال من الصحن مما يلي ودعة الدار فكتب إليه عمر أن انقل المسجد حتى تضعه إلى جنب الدار واجعل الدار قبلته فإن للمسجد أهلا بالنهار وبالليل وفيهم حصن لما لهم) (تاريخ الطبري، ج2، ص 480). فعمر لم يقل لسعد ضع المصحف ببيت المال ليمنع السرقة، وإنما أمره بنقل بيت المال قبالة المسجد حتى يراقبه المصلون.

والسرقة كانت متفشية في المدينة في خلافة عمر بن الخطاب.(فيحدثنا أهل الذكر أن عمر بن الخطاب جاء الى عبد الرحمن بن عوف في وقتٍ متأخر من الليل، فقال له عبد الرحمن: ما جاء بك في هذه الساعة يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: رفقةٌ نزلت في ناحية السوق خشيت عليهم سُراق المدينة.) (تاريخ الطبري، ج2، ص 567). فالخليفة كان يعلم أن المدينة مليئة بالسارقين، رغم قطع الأيدي. وقد علّق عمر قطع الأيدي في عام الرمادة الذي استمر ست سنوات، لأن السرقة قد تفشت في جميع أرجاء المدينة.

ومع السرقة كان هناك النهب، الذي بدأه محمد بالإارة على قوافل قريش. ويزعم الإسلاميون أن محمداً كان يسترد أموال المسلمين الذين هاجروا من مكة وتركوا أموالهم للكفار. وهذا دفاع لا يمسك الماء. فمن الذي هاجر من مكة إلى المدينة غير العبيد والفقراء الذين آمنوا بمحمد من أمثال عبد الله بن مسعود وبلال بن رباح. الشخصان الوحيدان اللذان كان لهما أموال بمكة هما عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وربما أبو بكر كان لديه بعض المال. وقد أخذ هؤلاء أموالهم معهم بدليل أنهم تبرعوا بالكثير لتكوين جيش محمد وقد أعطاهم محمد صكوك الغفران وبشرهم بالجنة في مقابل سخائهم. بقية المهاجرين إلى المدينة كانوا فقراء، فخاواهم محمد مع الأنصار ليطعموهم ويسكوهم. فغزواتهم محمد على قوافل مكة لم تكن إلا نهباً أباحه لنفسه وللمسلمين، في حين أن القرآن يقول من يقطع الطريق وينهب، عقابه (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تُقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنفوا في الأرض) (المائدة 33). وقد نفذ محمد هذه العقوبة في الأعراب الذين سىقوا نياقه وقتلوا الراعي. فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمل عيونهم وتركهم في الشمس حتى ماتوا. لكنه أباح قطع الطريق لأصحابه فجمعوا الأموال الطائلة حتى أن طلحة بن عبيد الله الذي لم يكن يملك إلا حصاناً واحداً في المدينة، أصبح من أغنى الأغنياء (قال الواقدي: حدثني إسحاق بن يحيى، عن موسى بن طلحة، أن معاوية سأله: كم ترك أبو محمد من العين؟ قال: ترك ألف ألف ومائتي درهم، ومائتي ألف دينار، فقال: عاش سخياً حميداً، وقتل فقيداً.) (تاريخ الإسلام للذهبي، ج2، ص 173). وهذا يعني أنه ترك مليون درهم ومائتي ألف دينار. أما الزبير بن العوام فيقول عنه الذهبي: (وثبت في “الصحيح” أن الزبير خلف أملاكاً بنحو أربعين ألف ألف درهم وأكثر، وما ولي إمارة قط ولا خراجاً، بل كان يتجر ويأخذ عطاءه، وقيل: إنه كان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، فربما تصدق بخراجهم) (نفس المصدر ص 166). فهذا الرجل الذي لم يتول إمارة ، ولا جمع خراج، ترك أربعين مليون درهم وأكثر من ألف مملوك ولم يكن يملك شروى نقير عندما هاجر إلى المدينة.

وسوف نناقش في الحلقات القادمة تفشي الرشوة والمحسوبية وفساد القضاة والوزراء في صدر الإسلام وعصره الذهبي.

خرافة العصر الذهبي في صدر الإسلام2

خرافة العصر الذهبي في صدر الإسلام 3

 كامل النجار (مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | 1 Comment

الفكر الإسلامي بين الانتقائية والتحايل والسذاجة: محمد الغزالي نموذجا 3

عبد القادر أنيس

أواصل في هذه المقالة الثالثة قراءة كتاب محمد الغزالي (حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة).
لم أتمكن في المقالة السابقة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=202515
من إنهاء القراءة حول الحقوق القضائية المثالية الإسلامية كما رآها الشيخ من خلال الأمثلة والحكايات التي استقاها من الموروث السلفي الإسلامي. ولعله لم يقتنع بما سرده علينا من قصص وحكايات عن السلف الصالح وطريقتهم المثلى في فهم وتطبيق الشريعة الإسلامية، فها هو يستنجد بمفكر مسيحي في شخص فارس الخوري (سياسي ومفكر ووطني سوري)، والحق ما شهدت به الأعداء، كما يقول العرب.
ولكي يعطي لشهادة هذا المفكر المسيحي الحجة التي ينتظرها من من هذه الشهادة راح يكيل له التقريظ والمديح بغير حساب، وسواء استحق فارس الخوري ذلك أم لا فإن موقف الغزالي إزاءه سلوك نادر عند الإسلاميين عندما يتعلق الأمر بمفكر غير مسلم، أو حتى مسلم غير منتم إلى مذهبهم.
كتب الغزالي (ص 30): “ويسرنا أن نقرأ شهادة خالصة لوجه الحق كتبها الزعيم العربي المحقق العلامة فارس الخوري ينصف بها هذا الدين. ويصف بها عدالته في الداخل والخارج، ويقارن بين شرائعه والشرائع الأخرى فتظهر المقارنة ما امتاز به الإسلام من سماحة وبر”. ويضيف: “أننا نشعر بسعادة غامرة عندما نرى نصرانيا عربيا صافي النفس والفكر….”
نرجسية المثقف المسلم بادية للعيان هنا. وهي نرجسية نلمسها يوميا في مساجدنا وصحفنا وفضائياتنا عند هؤلاء المشرفين على تشكيل عقول الناس وهم يتحدثون عن شهادة الأعداء على ما حواه (كتابنا العظيم وسنة نبينا الكريم) من علوم باهرة كدليل على صدقهما وربانيتهما وعن دخول بعض الكفار في دين الإسلام وعن الجهود التي تبذل والأموال التي تصرف لنشر الإسلام بينما نشعر نحن بحزن عميق عندما نرى الأمية والفقر والمرض والبؤس والآفات الاجتماعية تفتك بمئات الملايين من المسلمين ولا ينتبه إليهم هؤلاء المشايخ ماداموا مضموني الولاء والتبعية.
اقتبس الشيخ الغزالي فقرات طويلة من كلام فارس الخوري التي ينتصر فيها للإسلام على اليهودية. مثل:
“وشريعة موسى تحتوي أظهر الأمثلة بين الشرائع الإلهية للشدة، فهي مبنية على القتل العام ومحو سكان البلاد المفتوحة… والبون شاسع بين شريعة موسى ومحمد عليهما السلام… فالأولى تأمر بالتقتيل بدون إنذار ولا عهد ولا صلح ولا دعوة لإيمان… والشريعة الثانية تأمر بدعوتهم إلى الإسلام، فإن قبلوا الدعوة عصموا دماءهم وأعراضهم وأموالهم… وإن أبوا فالجزية، وإن أبوا فالقتال، وهذه دعوة دينية قبل كل شيء”.
دعونا نفكك هذا الكلام المستفز لعقولنا والذي ينخدع به الكثير من المؤمنين. هل شريعة موسى وحدها أظهر للشدة وهل هي وحدها المبنية على القتل العام؟ هل يجهل الغزالي عشرات الآيات القرآنية التي شرعت للجهاد والغزو والسبي والاحتلال باسم الفتح وباسم أسلم تسلم؟ ثم ماذا نفهم من (وإن أبوا فالقتال؟) أليس من حق الشعوب المغزوة أن ترفض الغزو وتقاومه؟ فهل من حق المسلمين أن يفرضوا عليها هذه الخيارات التي أحلاها مرارة وشر وإذلال ومهانة؟ ثم ماذا نفهم من آيات مثل:
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} سورة البقرة: 216
وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} سورة البقر: 244
فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} سورة النساء: 74
الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} سورة النساء: 76
وهذا غيض من فيض من آيات الجهاد والقتال والنفير، أما الأحاديث النبوية حولها فهي أكثر. والمرويات الإسلامية التي تحدثنا عن الغزو والسبي واحتلال البلدان باسم الفتح كثيرة تواصلت طوال تاريخ الإسلام.
المدهش في فكر الغزالي أنه لم يلاحظ هذا التوافق بين النصوص الموسوية والمحمدية، مع أن المسلمين كانوا أكثر تطبيقا لنصوصهم مقارنة باليهود الذين لم يكن يعنيهم تهويد الناس.
وعندما يقول فارس الخوري ويفرح لقوله الشيخ الغزالي: (والشريعة الثانية تأمر بدعوتهم إلى الإسلام، فإن قبلوا الدعوة عصموا دماءهم وأعراضهم وأموالهم… وإن أبوا فالجزية، وإن أبوا فالقتال، وهذه دعوة دينية قبل كل شيء”). فهل يقبل عاقل اليوم وهو يتحدث عن حقوق الإنسان، هذا الكلام؟ أية دعوة دينية هذه التي تعطي الحق لمعتنقيها أن يخيروا الناس بين هذه الخيارات الوحشية ضد بشر آخرين لا ذنب لهم إلا أنهم يعتنقون أديانا مختلفة؟
ويقول فارس الخوري حسب اقتباس الغزالي: “قال موسى عليه السلام: كل ما كان تدوسه بطون أقدامكم يكون لكم من البرية إلى لبنان، من نهر الفرات إلى البحر الغربي يكون تخمكم”… وهذا أيضا خالفته بها الشريعة الإسلامية السمحاء فتركت الأرض لسكانها وفرضت عليها خراجا كما فرضت الجزية على السكان لتمويل المحاربين في الجيش مقابل إقرار الأمن وإقامة العدل وحماية البلاد.. وهذا عين ما تفعله كل سلطة عادلة حتى هذه الأيام..) !!!!!!!!
هل يصح مع هذا التحدث عن العدل وحماية البلاد وحوار الأديان والحضارات؟ ومن خوّل الغزاة العرب الحق في فرض حمايتهم على الناس؟ ثم ممن تحمى البلاد إذا كان حاميها حراميها؟ وهل قرأ كلاهما ما نُقل عن عمر بن الخطاب في إحدى خطبه: ألا بعون الله مع الإيمان بالله ورسوله، فأنتم مستخلفون في الأرض، قاهرون لأهلها، نصر الله دينكم، فلم تصبح أمة مخالفة لدينكم إلا أمتان، أمة مستعبدة للإسلام وأهله، يجزون لكم، يُستصفون معايشهم وكدائحهم ورشح جباهم، عليهم المؤونة ولكم المنفعة، وأمة تنتظر وقائع الله وسطواته في كل يوم وليلة، قد ملأ الله قلوبهم رعبا، فليس لهم معقل يلجؤون إليه، ولا مهرب يتقون به).
ومع ذلك فعمر عند الغزالي: (كان رافدا من روافد الرحمة العامة التي بعث بها نبي الرحمة) !!!
وينهي الغزالي اقتباسه من فارس الخوري بقوله: “إن هذا البحث صادق في جملته وتفصيله ولكنا نريد أن نبين آثاره في تفكير الغرب المعاصر وتشريعه، خصوصا وهو يعامل الآخرين. إن خلو النصرانية من الجانب التشريعي في الدماء والأموال وسائر المعاملات معروف، فهي عقيدة فقط. ورسالة عيسى في حقيقتها تصديق للتوراة وتكميل لها. ولا يزال النصارى يرون العهد القديم والجديد جزءين لشيء واحد هو الكتاب المقدس) وهو كلام فيه طعن من الخلف لحصافة وذكاء فارس الخوري، الذي كان قبل قليل أستاذا كبيرا وعلامة عربيا صافي الذهن والفكر، ثم تحول بقدرة قادر إلى شخص لا يفرق بين الديانة الموسوية الصحيحة والمحرفة ولا يعرف أن المسيحية تتبنى كتب العهد القديم والجديد معا.
ويخرج الشيخ باستنتاج: (والمشكلة التي لا حل لها أبدا هي أن العهد القديم الذي بين أيدي اليهود والذي يمثل شريعة موسى شيء واهن الصلة بالوحي… وهذا المنحى الزائغ ترك طابعه في سياسة أوربا وأمريكا… فالشعوب والحكومات هناك واقعة في دائرة النفوذ الأدبي والاقتصادي والسياسي لليهود… بيد أن مقدسات اليهود الفكرية والقانونية- وقد عرفنا قيمتها- هي التي تسيطر على الغرب وحضارته. الدار الآخرة لا اكتراث بها ولا التفات إليها.. الحلال والحرام –كما خطته السماء- لا تعويل عليه في تشريع أو نظام)
هكذا إذن هو الغرب في فكر الشيخ. هذا الغرب الذي أنتج الحداثة والعلمانية والديمقراطية، هذا الغرب الذي أنتج الثورة الصناعية الجبارة والثورة المعلوماتية المعجزة، وأنتج الدولة الحديثة على أنقاض الدولة الإقطاعية الثيوقراطية، دولة المواطنة والمساواة أمام القانون، ووضع حقوق الإنسان وحرر المرأة وأتاح للناس حريات التعبير والرأي والاعتقاد والصحافة والاجتماع والتنظيم الحزبي والنقابي، هذا الغرب الذي خاض أحراره نضالات مريرة من أجل الحرية السياسية والدينية والفكرية التي فاضت على العالم… لا يرى فيه شيخنا إلا المساوئ.
طبعا من حق الشيخ أن يكنّ لهذا الغرب كل هذا الجحود، لأنه يجهله، والناس أعداء ما جهلوا كما جاء في الأثر. ولا يقل جحود الشيخ على الغرب عن جحوده تجاه المفكرين العرب والمسلمين المتأثرين بفكر الغرب وهو يكتب: “والمستغرب أن يجيء نفر قاصر من سكان هذه البلاد فيرنو ببصره إلى شرائع الغرب يحسبها شيئا طائلا ويذهل عن كنوز الحق المبعثرة بين يديه عن يمين وشمال)!!!!
يتبع

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

بعض من حكايات جدتي عن ذلك الزمان الاغبر

محمد الرديني

قالت جدتي في قصة ما قبل النوم للبالغين فقط..
مر ذات يوم على ولايتنا رجال ملتحين اصحاب بشرة سوداء او بنية داكنة وبعضهم يمسك بيده حبات خرز طويلة وآلاخر وضع شيئا على رأسه حسبناها تقيهم من الشمس ولكن ظهر بعد ذلك ان لهم بها مآرب اخرى.
وكانت الشمس في تلك الايام ساطعة بل محرقة حتى انهم سألوا بعضنا عن سبب شدة الحرارة فقالوا لهم انه موسم الصيف ايها السادة فردوا ساخرين : الاتملكون مكيفات الهواء البارد ايها القوم فاجابوا: ليس لدينا كهرباء.. فردوا ايضا ساخرين ولكنكم تملكون المهفات والاشجار المضللة فقالوا لهم اذهبوا عنا فيبدو انكم جئتم مباشرة من وادي اهل الكهف رغم ان كلبكم لم يكن معكم.
في المساء كان القمر قد سمع الحوار كله فراح مسرعا الى الشمس ليسألها عن سر غضبها على هؤلاء القوم ولماذا تشويهم بالحرارة وما هم بكافرين.
فقالت الشمس : اسمع ياهذا انا مجرة صغيرة ولدي ثمانية كواكب فقط وهناك شموس اكبر مني تضم ملايين المجرات وكل مجرة تضم ملايين الكواكب وكلها ترفع شعار لاتغير الشمس من حرارتها حتى يغير الناس مافي قلوبهم.
فسال القمر عن هذا اللغز فردت الشمس:
-ان حرارتي تغطي الارض كلها واذا كانت ساخنة على هؤلاء القوم فلأنهم لايحسنون التصرف ويتصرفون مثل السواح في بلادهم.
الح القمر مجددا لكي يفهم فقد عصى عليه ماتريد الشمس قوله.
– صاحت الشمس: لو عندي حرارة أشد لالهبت بها رؤوس هؤلاء القوم اكثر.. الايملكون ما انعم الله به عليهم ليتقوا حر الصيف وبرد الشتاء.. لماذا يمشون حفاة على ارض ساخنة مترعة بالنعيم.. لماذا يضعون على رؤوسهم اغطية بلا لون ليتقوا بها حرارتي وقد خٌلقت لهم عقولا بها يستثمروا اموالهم ويسعدوا حالهم.
رد القمر: ولكنك تعرفين الحال فالرجال هنا قد اعيتهم وعثاء السفر وما لهم طاقة ليستعملوا عقولهم بعد ان سلبها منهم القوم الاعلون.
– غضبت الشمس مرة اخرى: وما ذنبي انا اذا كانوا يرون الباطل ويغضون الطرف عنه.. هل سمعت كم يملك هؤلاء الذين يعيشون في مركز الولاية؟
-لا .. لم اعد اسمع شيئا.
-يقال والعهدة على القائل وهو مقرّب من اولاد عم هؤلاء القوم ان ثروات القوم الخرافية وزعت على ما يسموهم القوى السياسية بالشكل الآتي:
– هنا صاح القمر:: ارجوك ، لا اريد ان اسمع فقد كفاني ما انا فيه اذ لم يعد الشعراء يتغنون بحسني وجمالي ولم يعد للحبيب حبيبة ولا للشاب وجه قمر مثل وجه محبوبته.
-كل هذا سيعود اذا عرفت.. اسمع اذن:
هناك فرق شاسع بين هؤلاء القوم ومسؤوليهم، وهؤلاء المسؤولين يملكون الان 700 مليار دولار مقسمة كالآتي:
رئيس مجلس البرطمان العراقي الذي تحرس بيته ثكنة عسكرية مجهزة باحدث الاسلحة يملك 24 مليار ان لم تزد قليلا.
-التحالف الكردستاني يملك الرقم الاعلى في عدد الاثرياء فثروات اعضائه تبلغ 300 مليار دولار وهناك خمسة مسؤولين كرد يملكون اكثر من ثلثي هذا المبلغ و10 آخرون يملكون الثلث المتبقي منه.
-ان 24 مسؤو لا من دولة القانون وهم اما نوابا او مسؤولين يملكون ثروة قدرت ب210 مليار دولار مقابل 25 مسؤولا في العراقية يملكون 180 مليار دولار.
واضافت الشمس عن مصدر له علم اليقين: ” ان قرابة 60% من المسؤولين العراقيين لم يطبقوا قانون كشف الذمم المالية لكل مسؤول قبل وبعد تسلمه اي منصب حكومي تشريعي او قضائي او تنفيذي”.
وهذه الثروات الضخمة للمسؤولين العراقيين الجدد هي من تقف بالضد من اقرار قانون الاحزاب الذي يضم في فقراته مواداً تطالب بوضوح تحديد جهة التمويل.
سكتت الشمس ولطم القمر على خده وقرر الكسوف ثم الخسوف ثم الاعتكاف.
فاصل غذائي من بطران:” بحسب خبراء قانونيين فإن هذا يعدُّ خرقاً وانتهاكاً للدستور لا يحاسب عليه المسؤول المتهرب فحسب، بل هيئة النزاهة وهيئة المساءلة والعدالة، لأن هذا الامر من اختصاص تلك الجهات وواجب عليهم تنفيذه.

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

تعلَّم-ي بحور الشعر (8) الرَّمَل

 رياض الحبيّب

خاص – موقع لينغا

اليوم هو الأحد الذي حافظت فيه أسپانيا بجدارة على لقب بطولة الأمم الأوروپية التي اٌختُتِمت قبل قليل في كييڤ- عاصمة أوكرانيا- فاحتفل الأسپان بنشوة الفوز، بينما بقِيَ الإيطاليون سُكارى الفوز الذي حققوه على الألمان في الدور نصف النهائي. عُزف قُبَيل بدء المباراة النشيدُ الوطني الإيطالي أوَّلًـا ثمّ تلاه الأسپاني. وكان اللاعبون الأحد عشر، من كلا الفريقين، يُنشِدون مع العزف ويحلمون بالعودة إلى بلادهم بكأس البطولة. ومع أنّ إيطاليا وأسپانيا دولتان أوروپيَّتان ومنضمَّتان إلى منطقة اليورو فلا وجود لنشيد مُوحَّد لمنطقة اليورو ولا نشيد موحَّد بين إيطاليا وأسپانيا، لأنّ النشيد الوطني تعبير خاصّ بالدولة؛ مِثل العَلَم الذي يرمز إلى الوطن ومثل الهويّة الشخصيّة التي يحملها المُواطن. فالرأي القائل أنّ نشيد فلسطين «موطني» للشاعر الفلسطيني ابراهيم طوقان هو (نشيد لكلِّ العرب) رأيٌ عاطفي بعيد عن الواقع؛ لأنّ العرب يعيشون في دول فصَلتْ بينها حدود جغرافية وسياسيّة، لكلِّ دولة منها عَلَمٌ خاصٌّ وسيادة على أرضها واستقلالية عن غيرها وخصوصيّات وظروف داخلية وخارجيّة قابلة للتغيّر مع الزمن وعلاقات إقليميّة ودوليّة… إلخ. فما سمِعْتُ يومًا بوجود دولة فيها أزمة شعراء وفنانين وآلات موسيقية حتى لبست ثوبًا غير ثوبها وقالت كلامًا مختلفًا عن واقعها وغريبًا على لسانها وعزفت لحنًا هو مِن حقِّ غيرها، إلّـا دولة مُفلِسة أدبيًّا وفـنِّـيًّا ينطبق على إفلاسها بيتٌ مِن بَحْر الرَّمَل، لم أعثر على اٌسم قائله
 
أتمنّى في الثُّرَيّا مَجْـلِسي * والتَّمنِّي رأسُ مالِ المُفلِسِ
 
وفي رأيي- أنا العراقيّ الأصل والمولد- في باب الخصوصيّة؛ لا يجوز أن يُنشِدَ العراقيّون نشيدًا وطنيًّا كلماتُهُ تعود لشاعر غير عراقي وموسيقاه لفنّان غير عراقي. فنشيد العراق اليوم ومنذ العام 2003 هو «موطني» للشاعر المذكور لحَّنه الفنان اللبنانيّ محمد فليفل. أمّا النشيد السابق فقصيدة «أرض الفراتين» للشاعر شفيق الكمالي (مسقط رأسه: البوكمال، سورية) لحَّنها الموسيقار اللبناني وليد غلميَّة. والأسبق هو نشيد مِصر الوطني «والله زمان يا سلاحي» طاقمُهُ مِصري؛ الشاعر: صلاح جاهين، المُلحِّن: كمال الطويل، الإداء: السيدة أمّ كلثوم ومجموعة مساعدة، جوقة أو كورس…- مع احترامي لكُلِّ شاعر-ة وفنّان-ة ولكلّ عَلَمٍ وهويَّة
 
أمّا سابق الثلاثة فالسَّلام الذي اعتُمِد في العهد الجمهوري؛ أي بعد ثورة الزعيم عبد الكريم قاسم في 14 تموز- يوليو 1958 إذ تمَّ إلغاء العَلَم والسَّلام الملكيَّين، بإقرار رَمزَين جديدَين. فاٌنظُر-ي ماذا فعل ابن العراق الفنّان السّرياني (أو الكلداني) لويس زنبقة يوم كان يُكمِل دراسته العالية في الأكاديمية الموسيقية النمساوية في ڤيينا؛ بدأ بتأليف لحن للسلام الجمهوري بعدما سَمِعَ بأخبار الثورة، عزفهُ بدعم من أوركسترا نمساوية، ثمّ اتصل بسفارة العراق في ڤيينا ليعرض المُدوَّنة الموسيقية (النوطة) والتسجيل الصوتي للسلام الذي أعَـدَّ للعراق الجديد، مُرفَقًا بكتاب إهداء للجمهورية ولزعيمها عبد الكريم قاسم. فقرّر الزعيم اعتماد مدوَّنة الفنان لويس زنبقة بمرسوم جمهوري. واستمرّ عزف السلام خمسة أعوام، لكنْ تمّ إلغاؤه سنة 1963 بعد حصول انقلاب على نظام الحكم فقُتِل الزعيم، لكنَّ ذكراه الطَّيِّبة بقِـيَت في مهجة كل عراقي مُنصِف. عِلمًا أنّ لويس زنبقة هو الإسم العراقي الوحيد في تاريخ النشيد الوطني العراقي الرَّسمي- حتى تاريخ إنجاز هذه المقالة في الخميس 5. تموز 2012
 
لذا أدعو الجهة الكريمة المسؤولة في العراق إلى اعتماد نشيد عراقي خالص؛ من قصيدة فصحى بتوقيع شاعر-ة عراقي-ة تُلقي بكلماتها أضواءً على تاريخ العراق وفُراتَيهِ (دجلة والفرات) مستثنيًة الرموز الدِّينيَّة، كي يبقى النشيد أطول فترة ممكنة. واعتماد لحْن عراقيّ جميل بعزف أوركسترا السيمفونية العراقية، مثلما عزف أجدادها يومًا بالقيثارة السَّومريَّة. ورفض أيَّة محاولة لتهجين الهويّة العراقيّة أي النشيد الوطني العراقي. أمّا ألوان العَلَم العراقي (الأبيض والأسود والأخضر والأحمر) فأراها متفقة مع بيت، من البسيط، ورد في قصيدة للشاعر صَفيِّ الدين الحِلِّيّ
 
بِيْضٌ صنائِعُـنا سُوْدٌ وقـائِعُـنا * خُضْرٌ مَرابعُـنا حُمْرٌ مَواضِينا
 
* * *
 
موطني- إبراهيم طوقان/ 1905 نابلس- 1941 م
 
مَوطِنِي
 فاعِلُنْ: المُتدارَك
 الجَـلالُ والجَـمالُ والسَّـنَاءُ والبَهَاءُ
 فاعِلاتُ- فاعِلاتُ- فاعِلاتُ- فاعِلاتُ: الرَّمَل
 في رُبَاكْ
 فاعِلانْ: ضَرْبٌ من الرَّمَل
 والحياةُ والنجاةُ والهناءُ والرجاءُ
 فاعِلاتُ- فاعِلاتُ- فاعِلاتُ- فاعِلاتُ: الرَّمَل
 في هَواكْ: فاعِلان
 هـلْ أراكْ: فاعِلان
 سـالِمًا مُـنَـعَّـما
 فاعِلاتُ- فاعِلُنْ: الرَّمَل
 وغانِمًا مُكرَّما
 مفاعِـلُنْ- مفاعِـلُنْ: مجزوء الرَّجَز… إلخ
 
كتبها الشاعر ابراهيم طوقان سنة 1934 م على طراز الشعر الحديث. وفي القصيدة مِن الرَّجَز- المجزوء- أيضًا: (ولن نكُون للعِدَى. وعَـيشَنَا المُنَكَّـدا. وواجبٌ مِن الوَفا…إلخ) فانتقال شاعر-ة جديد-ة بين أوزان متقاربة جائز في الشعر الحديث ولا سيّما القصيدة المتنوّعة بالقوافي، إذا ما أحسن-تْ في الإنتقال فـتقبّلتهُ الأذن الموسيقية؛ لأنّ الكَفَّ (فاعلاتُ، فاعلُ، فَعِلُ) في الرَّمَل لا يُستحسَن في القصيدة العموديّة إلّـا للتصريع، أمّا في الشعر الحديث فيجب الحذر! مثلما توخّاه ابراهيم طوقان في «موطني» فنجح لأنهُ وشقيقته الشاعرة فدوى طوقان قد أتقنا بحور الشعر قبل محاولاتهما الناجحة في التحديث. فحين يَصِلُ شاعرٌ جديد وشاعرة جديدة إلى مستوى ابراهيم طوقان وفدوى طوقان الشعري يحصلان على أعلى درجات الثناء والتقدير
 
ومَن يقرأ، مِن أهل المعرفة ببحور الشعر، قصيدة الجواهري العمودية (مرحبًا يا أيُّها الأرَقُ: فاعِلاتُنْ- فاعِلُنْ- فَعِلُنْ) المذكورة مثالًـا على بحر المديد، يجد الشاعِرَ ناظِمًا بين مقاطعها، المتنوِّعة بالقوافي أيضًا، قطعة من بحر الخفيف؛ إليك بدايتها
 
أنا عندي من الأسى جَبَلُ * يتمشّى معي وينتقلُ
 
أنَعِنْدِي- مِنَلْـأسا- جَبَلُو * يَتَمَشْشا- مَعِـيْوَيَنْ- تقِلُو
 
فَعِلاتُنْ- مَفاعِلُنْ- فَعِلُنْ * فَعِلاتُنْ- مَفاعِلُنْ- فَعِلُنْ= الخفيف
 
لاحظ-ي أنّ حرفًا واحدًا (ميم مَفاعِلُنْ) قد غـيَّر الوزن من المديد إلى الخفيف. مَن يُردِّد تفاعـيل كلِّ منهما على حِدة يشعر بوجود فرق في الموسيقى
 
* * *
 
أرض الفراتين- شفيق الكمالي/ البوكمال 1929- بغداد 1984 م
 
وطنٌ مَدَّ على الأفْقِ جَناحا * واٌرتدى مَجْدَ الحضاراتِ وِشاحا
 
هو مطلع القصيدة- من بَحْر الرَّمَل؛ إليك مقطعُها الأخير إذ نوَّعَ الشاعر بالقوافي مُحافِـظًا على وزن القصيدة حتّى النهاية
 
شعْبُنا الجبّارُ زهْوٌ واٌنطلاقُ
 وقلاعُ العِـزِّ يَـبْنيها الرِّفاقُ
 دُمتَ للعُـرْب مَلاذًا يا عِراقُ
 وشُمُوسًا تجعـلُ الليلَ صَباحا
 
رُبَّما قصَدَ الشاعر بقوله (دُمتَ للعُرْب مَلاذًا يا عِراقُ) أنّ العراق كان ملاذًا له ولغيره من العرب. أمّا إذا قصد أنّ العراق يدوم ملاذًا للعرب فقط (على خلاف الواقع) فلا بُدّ من وقـفة تأمّليّة طويلة- والله من وراء القصد؛ كيف يفهم العراقيّون من غير العرب حقيقة قصْدِ الشاعر؟ فأغلب الظّنّ أنّ العامّة لا عِلم لها بجنسيّة الشاعر الأصليّة- السُّوريَّة- بل ما أولتها اهتمامًا، لأنّ العراق احتضن الكثير من العرب وأنّ الكمالي انتقل إلى بغداد منذ الصغر واختار لقب الكمالي نسبة إلى بلدة مولده- البوكمال، لماذا يدوم العراق للعرب وحدهم دون غيرهم من الأقـلِّـيّات؟ ولماذا لا يدوم العراق للجنسيّات غير العراقيّة أيضًا؟ رحِم الله الشاعر، عِلمًا أني لم أسمَع عنه يومًا أنْ آذى أحدًا وإن احتلّ منصب وزير للشباب ثم وزير للإعلام، بل العكس؛ تعرَّض (هو وابنه) للسجن والاضطهاد لآرائه الشّخصيّة ومواقفه السياسيّة فكان شاعرًا والرسم من هواياته المفضّلة، حتى أسس دار نشر ومجلَّة فكريّة وتمّ اختياره نائبًا لرئيس اتحاد أدباء العراق (الجواهري- آنذاك) بعد إقصائه من عضويّة قيادة الحزب. لقد أحزنني موته المفاجئ. لذا وذاك قلت: دُمت يا عراقُ مَلاذًا لكلِّ إنسان يُحبّك ويبنيك ويخدمك ويحميك، من أيِّ جنس كان ومن أيِّ عِرْق ودِين. وأقول: كيف يكون شعورُ ملايين المغتربين، من العرب والمسلمين، إذا خرج شاعر بريطاني يومًا ليقول: (دُمتِ يا بريطانيا مَلاذًا للأوروبيِّين) وخرج آخر فرنسي ليقول: (دُمتِ يا فرنسا ملاذًا لمنطقة اليورو)؟ فالثقافة السائدة في أوروبا ابتداءً بالمدارس الإبتدائيّة هي: {عامِلِ الناسَ كما تُريدُ أن يُعامِلوك} فليتعلّمْ العرب والمسلمون هذه الثقافة- لا غيرها- لطفًا وكفى
 
* * *
 
ثامِنًـا: بَحْرُ الرَّمَل
 
إذا كان بَحْرُ الرَّجَز حِمارَ الشعراء فإني اعتبرت بَحْر الرَّمَل أتان الشاعرات- والأتان: الحِمارة. لثلاثة أسباب؛ لعلّ الأوّل: إنَّ أقـدَمَ نصٍّ شِعْريّ وَصَلني من الرَّمَل عائدٌ للشاعرة ليلى العفيفة. والثاني: كون العصر الذي نعيش فيه عصر حقوق الإنسان ومساواة المرأة مع الرَّجُل فليس من العدل تخصيص حمار للشاعر وأمّا الشاعرة فلا حمارة لها ولا ناقة. لعَلّ أعظم تقدير حَظِيَت به شاعرة يعود إلى النابغة الذبياني، بعدما أنشدَتْهُ الخنساء- مِن البسيط
 
وإنّ صَخْرًا لتأتمُّ الهُداةُ بهِ * كأنّهُ عَلَمٌ في رأسِهِ نارُ
 
فقال لها النابغة: والله لولا أنّ أبا بصير (أي الأعشى قيس) أنشدني آنِفًا (أي سَبَقكِ) لقلتُ أنكِ أشعَرُ الجنِّ والإنس! (راجع-ي أيضًا ويكيبيديا: الخنساء) والبيت المذكور من مَرثيّة رائعة قالتها في أخيها صخر، أوّلُها التالي
 
قـَذىً بعَينِكِ أَمْ بالعَينِ عُـوّارُ * أَم ذرَفتْ إِذ خَلَتْ مِن أَهلِها الدارُ
 كَأَنَّ عَينيْ لِذِكراهُ إِذا خَطَرَتْ * فيضٌ يَسيلُ عَلى الخَدَّينِ مِدرارُ
 تَبكي لِصَخْرَ هِيَ العَبْرى وقد وَلَهَتْ * ودونَهُ مِن جَديدِ التُرْبِ أستارُ
 
لكنّ الخيار يبقى مفتوحًا للشاعرات إذا ما أردن اختيار أتانٍ أخرى غير الرَّمَل؛ لا يزال أمامنا السريع والخفيف والمتقارب والمتدارك. وفي إمكانِهنّ اختيار ناقة أيضًا
 
أمّا الثالث فأترك تقديره للقارئ-ة بعد قراءة هذه الجولة المُمتعة، لكني رأيت الرَّمَل وجدانيًّا أكثر من غيره، كأنَّ فيه انتماءً إلى الجنس اللطيف. نُظِمَتْ عليه مُوشَّحات في العصر الأندلسي وتذوّقـتْهُ في القرن الماضي شاعرات كبيرات ومُطربات راقيات
 
– – –
 
وزن الرَّمَل
 
وزن الرَّمَل فَاعِـلاتُنْ ستّ مرّات يجوز فيها الخبْنُ فَعِـلاتُنْ ويُستحسَن؛ له عَرُوضان
 الأولى محذوفةٌ فاعِـلُنْ أضْرُبُها؛ صحيحٌ: فاعِلاتُنْ، مقصورٌ: فاعِلانْ، محذوفٌ: فاعِـلُنْ يجوز أيضًا خبن فاعِـلُنْ فتصير فَعِـلُنْ ويُستحسَن أيضًا
 
الثانية صحيحة مجزوءة فاعِـلاتُنْ (أي الخاصّة بمجزوء الرَّمَل) أضْرُبُها؛ صحيح: فاعِلاتُنْ، مُسَبَّغ: فاعِلاتانْ، محذوف: فاعلُنْ. والتسبيغ: زيادة حرف ساكن بعد نون فاعِلاتُنْ فتصير فاعِلـاتُنْنْ- تُنقَل إلى فاعِلـاتاْنْ
 
* * *
 
أوَّلًـا العروض فاعِلُنْ مع الضرب فَاعِلاتُنْ، أي
 فاعِلاتُنْ فاعِلاتُنْ فاعِـلُنْ * فاعِلاتُنْ فاعِلاتُنْ فاعِلاتُنْ
 
المُهلهِل بن ربيعة التغـلبي؛ ت 531 م
 
عَجِبَتْ أبناؤنا مِنْ فِعْـلِنا * إذ نبيعُ الخيلَ بالمِعْزى اللجابِ
 
عَجِبتْأبْ- ناؤنامِنْ- فِعْـلِنا * إذْنَبِيْعُلْ- خَيْلَبِلْمِعْ- زَلْلِجابِيْ
 
فَعِـلـاتُنْ- فاعِلاتُنْ- فاعِلُنْ * فاعِلاتُنْ- فاعِلاتُنْ- فاعِلاتُنْ
 
عَلِموا أنَّ لدينا عُقْـبَةً * غَيْرَ ما قالَ صُعَيْرُ بْنُ كِلابِ
 
إنَّما كانتْ بنا موصولةً * أكَلَ الناسُ بها أحْرى النِّهابِ
 
صُعَيْرُ بْنُ كِلاب: رجُل من النبلاء. بن= ابن؛ تُكتب “بن” إذا توسّطت إسمَي علم، كقولك: قرأت قصيدة لبشّار بن بُرد وسيرة الشاعر ابن الرومي
 
– – –
 
عَـبيد بن الأبرص؛ ت 554 م
 
تنويه؛ وردت في ويكيپـيديا روايتان عن يوم مقتل عَبيد بن الأبرص (سنة 598 م) كلاهُما بأمر من المنذر بن ماء السماء، أحد ملوك الحِيْرَة، الذي حَكَمَ في فترتين، قُتِلَ في الثانية سنة 554 فكيف قتل عَبيد بن الأبرص سنة 598 م؟
 
يا خليلَيَّ اٌربَعا واٌستخبِرا الْـمَنزِلَ الدّارسَ مِنْ أهلِ الحَلالِ؛ م= مُدوَّر
 
ياخليلَيْ- يَرْبَعاوَسْ- تَخْبِرَلْ * مَنزِلَدْدا- رِسَمِنْئَهْ- لِلحَلالِي
 
فاعِلاتُنْ- فاعِلاتُنْ- فاعِلُنْ * فاعِلاتُنْ- فَعِلاتُنْ- فاعِلاتُنْ
 
ولقد يَغنى بهِ أصحابُكَ الـمُمْسِكو مِنكَ بأسباب الوصالِ؛ م
 
فاٌنتجَعْـنا الحارثَ الأعْـرَجَ في * جَحْفلٍ كالليلِ خَطّار العَوالي
 
رَبَعَ- كمَنَعَ: وقفَ وانتظَر. المُمْسِكو= المُمسِكون- تخفيفًا؛ من الشواذ عن قواعد النحو ما أدعو الشعراء الجدد إلى تجنّب اتخاذه قاعدة. اٌنتجَعْـنا: قصَدْنا. الحارث الأعرج: جَدّ اٌمرئ القيس. خطّار: مضطرب
 
– – –
 
عـمرو بن كلثوم؛ ت 584 م
 
بَكَرَتْ تعذُلُني وَسْطَ الحَلالِ * سَفَهًا بنتُ ثُوَيْرَ بنِ هِلالِ
 
بَكَرَتْ تعذُلُني في أنْ رأتْ * إبِلي نهْـبًا لشَرْبٍ وفِضَالِ
 
لا تلوميني فإنِّي مُتْلِفٌ * كُلَّ ما تحوي يَميني وشِمَالي… إلخ
 
* * *
 
ثانيًـا؛ العروض فاعِلُنْ مع الضرب فاعِلانْ، أي
 فاعِلاتُنْ- فاعِلاتُنْ- فاعِلُنْ * فاعِلاتُنْ- فاعِلاتُنْ- فاعِلانْ
 يبدو هذا الضرب مستحدَثًا في العصر الأندَلُسي؛ مثالًـا من العقد الفريد ج5
 
يا مُديرَ الصُدْغ في الخدِّ الأَسيلْ * ومُجيلَ السِّحْر بالطَّرفِ الكَحيلْ
 
هلْ لِمَحزونٍ كَئيبٍ قُبلة * مِنكَ يَشْفي بَرْدُها حَرَّ الغَليلْ
 
هلْلِمَحْزو- نِنْكَئيبِنْ- قُـبْلتُنْ * مِنكَيَشْفي- بَرْدُهاحَرْ- رَلْغَـلِـيْلْ
 
فَاعِلـاتُنْ- فاعِلـاتُنْ- فاعِلُنْ * فاعِلـاتُنْ- فاعِلاتُنْ- فاعِـلَـانْ
 
وقليلٌ ذاكَ إلّـا أنَّهُ * ليس مِن مِثلِكَ عندي بالقليلْ
 
بأبي أحْوَرُ غَنّى مُوهـنًا * بغناءٍ قصَّر الليلَ الطويلْ
 – – –
 
مِن «الأطلال» – د. إبراهيم ناجي؛ شاعر مصري ت 1953 م
 
لَسْتُ أنسَاكِ وقدْ أغرَيْتِني * بفمٍ عَذْبِ المُنادَاةِ رَقِيْقْ
 
وَيَدٍ تَمْتَدُّ نَحْوي كَـيَدٍ * مِن خِلاَلِ المَوْجِ مُدَّتْ لِغَرِيْقْ
 
وبَرِيقٍ يَظمَأ السَّاري لَهُ * أَيْن في عَيْنَيْكِ ذيَّاكَ البَرِيْقْ
 
تغنَّتْ بها السيدة أمّ كلثوم. وفي القصيدة مقاطع على “فاعِلانْ” متنوّعة القوافي
 
* * *
 
ثالثًـا؛ العروض فاعِلُنْ التي ضربُها فاعِلُنْ أيضًا- أشْهَرُ الضروب الثلاثة، أي
 فاعِلاتُنْ- فاعِلاتُنْ- فاعِلُنْ * فاعِلاتُنْ- فاعِلاتُنْ- فاعِلُنْ
 
ليلى العـفيفة – ت 483 م
 
ليتَ للبَرّاق عينًا فـتـرى * ما ألاقي من بُكـاءٍ وعَـنا
 
عُذِّبَتْ أختكُمُ يـا وَيْلكمْ * بعذاب النُّكْر صُبْحًا ومَـسَـا
 
عُذْذِبَتْؤخْ- تُكُمُويـا- وَيْلكُمْ * بِعَذابنْ- نُكْرصُبْحَنْ- وَمَـسـا
 
فَاعِلـاتُنْ- فَعِلـاتُنْ- فاعِلُنْ * فعِلـاتُنْ- فاعِلاتُنْ- فعِـلُنْ
 
غلَّـلـوني قـيَّدوني ضَرَبُوا * جسْـمِيَ الناحلَ مِني بالعصا… إلخ
 
تغنّتْ بها السيدة أسْمَهان شقيقة الموسيقار فريد الأطرش؛ عنوان المقطع على يوتيوب: (ليت للبراق عينا) عِلمًا أنّ الشاعرة كانت (تامّة الحُسن كثيرة الأدب؛ خطبها كثير من سراة العرب، لكنها كرهت الخروج من قومها…) والمزيد عن تلقيبها بالعفيفة وقصّةِ أسْرِها فاٌستغاثتِها بالبرّاق ابن عمِّها، في كتاب «شعراء النصرانيّة» ج 1 ص 148 للأب العلّـامة لويس شيخو اليسوعي
 
– – –
 
امرؤ القيس؛ ت 565 م
 
دنتِ الساعةُ واٌنشقَّ القمَرْ * عن غزالٍ صاد قلبي ونـفـرْ
 مرَّ يومَ العيـدِ بيْ في زينـةٍ * فرمـاني فتـعـاطى فعَـقـرْ
 بسِهـامٍ مِن لحـاظٍ فاتِكٍ * فرَّ عني كهشيـم المُحْـتظـرْ
 كُتِبَ الحُسْـنُ على وجنتـِهِ * بسَحيق المِسْـكِ سطرًا مُختصرْ… إلخ
 
تنويه؛ لقد قمت بمعارضة هذه القصيدة مع شرح مُحتمَل لمعنى بيتها الأوّل؛ منشورة الكترونيًّا تحت عنوان «سارة القيس» لذا أكتفي بالتالي
 
دنتِ السّاعة واٌنشقّ القمَرْ * وَصَلتْ سارةُ ما أحلى الخبَرْ
 
قمَرٌ أفصَحَ في رَوعَـتِهِ * عـن غـزالٍ صادَ قلبي ونفرْ
 
يُسَمّى هذا الفنّ بالتشطير، من فنون الشعر المُلحَـقة بالبحور. إنها مع التشطير سبعة: لزوم ما لا يلزم، التشريع، التسميط، التخميس، التفويف، الإجازة- وفي ذهني الآن مثالٌ على الإجازة؛ أي أن يأتي شاعر ببيت طالبًا إلى شاعر آخر أن يردّ عليه ردًّا يناسب معناه ويتفق مع الوزن والقافية، أو أن يأتي بصَدر بيت طالبًا إلى آخر الإتيان بعَجْز مناسب. والمثال ممّا روى ضياء الدين ابن الأثير (ت 637 هـ) في «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر» ج 1 ص 250 قائلًـا (بتصرّف) أنّ أبا نؤاس كان جالسًا مع شعراء فاٌستسقى فلمّا شرب قال- من مجزوء الرَّمَل: (عَذُبَ الماءُ وطابا) ثم قال: أجيزوه! فتردد الشعراء في إجازته وإذا هُمْ بأبي العتاهية مجتازًا فتساءل: ما شأنكم مجتمِعـين؟ فأنشدوه فقال وما تروّى: (حبَّذا الماءُ شَرابا) ما دلّ على أنّ أبا العتاهية كان صاحب بَدِيهَة وهذا ما عنيت في حلقة الرَّجَز بالإرتجال. عِلمًا أنّ الرّاوي هو أخو ابن الأثير مؤلِّف «الكامل في التاريخ» وعِلمًا أنّ لاٌمرئ القيس قصيدة أخرى كاملة، على قياس قطعته المذكورة؛ أكتفي منها بذكر بَيتَيها الأوَّلين
 
دِيمَةٌ هطلاءُ فيها وَطَفٌ * طَبَقُ الأَرضِ تحَرَّى وتَدِرْ
 
راحَ تَمْريهِ الصَّبا ثمَّ اٌنتحى * فيهِ شُؤبوبُ جَنوبٍ مُنفجِرْ
 
ديمة: مطر دائم بلا برق ولا رعد. هطلاء: غزيرة. وطف: استرخاء. تحَرَّى بالمكان: تمكَّث. تمْريهِ: تستخرجُ ماءَه. شؤبوب: دُفعة من المطر. الجَنوب: ريحٌ تُخالِفُ الشَّمال
 
– – –
 
وهل يخفى القمر! عُـمَر بن أبي ربيعة؛ ت 93 هـ ، 711 م
 
بَيْنما يَذْكُرْنَني أبْصَرْنَني * دونَ قـيد المِيلِ يَعْدو بيْ الأغَـرْ
 قالتِ الكبرى: أتعْرِفْنَ الفتى؟ * قالتِ الوسطى: نعمْ، هذا عُمَرْ
 قالت الصُّغرى وقد تيَّمْتُها * قد عرفناهُ وهَلْ يخفى القمَرْ
 ذا حبيبٌ لم يُعَرِّجْ دُوننا * ساقهُ الحَيْنُ إلينا والقدَرْ
 
قَيد المِيل: مقدار الميل. الأغرّ: الفرَسُ الذي في جبهته بياض. الحَيْن: القضاء
 
– – –
 
المتنبي؛ ت 354 هـ ، 965 م
 
لا تلُومَنَّ اليهوديَّ على * أنْ يرى الشَّمسَ فلا يُنكِرُها
 
إنَّما اللومُ على حاسِبِها * ظُلْمَةً مِن بَعدِ ما يُـبْـصِرُها
 
أليس الصواب: مِن بَعدِ أنْ يُبصِرَها؟ إليك شرح البرقوقي: (رُويَ هذان البيتان برفع القافية ونصْبها، فالرفع على الاستئناف، والنصب عطف على يرى؛ وإذن: يُروى البيت الثاني: من بعد أن يُبْصِرَها. يقول: لا يُلام مَن رآى الشمس وقال هذه شمس، لا، إنما اللوم على من رآها وقال هذه ظلمة. وضرب ذلك مثـلا. يقول: إن أباه شمس فلا يستطيع الاختفاء، لأن الشمس لا تخفى) انتهى
 
– – –
 
موشَّح أيها الساقي- ابن زهر؛ ت 1162م
 
أيُّها السّاقي إليكَ المُشتكى * قد دعوناكَ وإنْ لمْ تسْمَعِ
 ونديمٍ هِمتُ في غرَّتِهِ
 وبشرْبِ الرّاحِ مِن راحتِهِ
 كُلَّما اٌستيقظ مِن رقدتِهِ
 جَذبَ الزِّقَّ إليهِ واٌتَّكا * وسَقاني أربَعًا في أربَعِ… إلخ
 
تغنّت به الفنانة اللبنانية فاديا طنب الحاج – والإداء متوفر على يوتيوب
 
– – –
 
موشَّح جادك الغيث- لسان الدين بن الخطيب؛ ت 1374 م
 
جادَكَ الغيثُ إذا الغيثُ هَمَى * يـا زمان الوصْل بالأندَلُسِ
 لمْ يكُنْ وصْلُكَ إلّـا حُلُما * فـي الكرَى أو خِلسَةَ المُختلِسِ
 فـي ليالٍ كتمَتْ سرَّ الهَوى * بالدُّجَى لولا شُموسُ الغُرَرِ
 مالَ نجمُ الكأسِ فيها وهوى * مُستقيمَ السَّيْرِ سَعْدَ الأثَـرِ
 وَطَرٌ ما فيهِ مِن عيب سِوَى * أنّهُ مَرَّ كلمحِ البَصَرِ… إلخ
 
تغنَّت السيدة فيروز بمقاطع جميلة منه – والإداء متوفر على يوتيوب
 
* * *
 
مَجزوءُ الرَّمَل: فاعِلاتُنْ أربع مرّات
 
رابعًا؛ العروض الصحيحة المجزوءة فاعِلاتُنْ وضربُها مِثلُها، أي
 فاعِلاتُنْ- فاعِلاتُنْ * فاعِلاتُنْ- فاعِلاتُنْ
 
أبو نؤاس 1
 
إسقِني سَبْعًا تِباعا * وأدِرْهُنَّ سِراعا
 قهوةٌ يحسَبُها الناظِرُ إنّ صُبَّتْ شُعاعا؛ م
 
قهْوَتُـنْـيَحْ- سَبُهَـنْـنا * ظِرُئِنْصُبْ- بَتْـشُعاعا
 فاعِلاتُنْ- فَعِلاتُنْ * فعِلاتُنْ- فاعِلاتُنْ
 
يا خليليَّ اٌشْرَباها * واٌحْسِرا فيها القِناعا
 بكَّرَ اللائِمُ يَنهاني فأغـرى ما اٌستطاعا؛ م
 
أبو نؤاس 2
 
أيّها العاتِبُ في الخمــر متى كنتَ سَفيها؟ م
 كنتَ عـندي بسوى هــذا من النُّصْح شبيها م
 لو أطَعْـنا ذا عِتابٍ * لأطعْـنا اللهَ فـيها
 فاٌصْطبِحْ كأسَ عُـقارٍ * يا نديمي واٌسْقِنيها
 إنني عِـندَ مَلامِ النّاسِ فـيها أشتهـيها م
 – – –
 
وبالعودة إلى مقطع يوتيوب في هامش حلقة المديد تجد-ين في الدقيقة الأخيرة أربعة أبيات من مجزوء الرَّمَل بصوتَي السيدة فيروز والموسيقار وديع الصافي؛ هي
 
يا غزالًـا في كثيبِ * أنتَ في حُسْنٍ وطِيْبِ
 يا قريبَ الدّار ما وصْلُكَ مِنّي بقـريبِ؛ م
 يا حبيبي بأبي أنْسَـيْـتَـني كُلَّ حبيبِ؛ م
 لِشقائي صاغَـكَ اللهُ حبيبًا للقلوبِ؛ م
 – – –
 
يا غريبَ الدار- الجواهـري؛ ت 1997 م
 
مَن لِهمٍّ لا يُجارى * ولآهاتٍ حَيارى
 يا نديمًا يَعصِرُ الخمـرةَ ليلًـا ونهارا
 ويُساقي من دمِ القلب أخا الهَمِّ عُـقارا
 تأخذ النشوة منهُ * ثمّ تنساهُ السُّكارى
 
نظمها الشاعر خريف العام 1962 في 96 بيتًا في پراغ- عاصمة چـيكـيا
 
* * *
 
خامسًا؛ العروض فاعِلاتُنْ وضربُها فاعِلاتاْنْ، أي
 فاعِلاتُنْ- فاعِلاتُنْ * فاعِلاتُنْ- فاعِلاتانْ
 مستحدَث أو ندر وجوده قبل العصر الأندلسي. فمِثالًـا نجد في العقد الفريد ج5 أيضًا
 
يا هلالاً في تَجنّيهْ * وقضيبًا في تثنِّيهْ
 
والذي لستُ أسمِّيـهِ ولكنّي أكنِّيهْ؛ م
 
وَلْلذِيْلَسْ- تُؤُسَمْمِيْ * هِوَلـاكِنْ- نِيْؤكَنْـنِيْهْ
 
فاعِلاتُنْ- فَـعِلاتُنْ * فَـعِلاتُنْ- فاعِـلـاتانْ
 
شادِنٌ ما تقْدِرُ العينَ تَراهُ من تَلالِيهْ؛ م
 
كلَّما قابَلهُ شخصٌ رأى صُورتهُ فيهْ م
 – – –
 
مِن قصيدة «إشْـرَبي أنتِ وحَسْبي» – إبراهيم طوقان
 
نقلَ الكأسُ حديثًا * عن ثناياكِ العِذابْ
 إنَّهُ لولا شذاها * لم يكنْ لذَّ وطابْ
 لمْ يكنْ يُسْكِرُ لولا * أنَّهُ مَسَّ الرُّضابْ
 إشْـرَبي أنتِ وحَدِّثْ * أنتَ عنها يا شَرابْ
 
وفي القصيدة مقاطع أخرى متنوّعة القوافي
 
* * *
 
سادسًا؛ العروض فاعِلاتُنْ وضربُها فاعِـلُنْ، أي
 فاعِلاتُنْ- فاعِلاتُنْ * فاعِلاتُنْ- فاعِلُنْ؛ يبدو مُستحدَثًا أيضًا وقليل الإستعمال
 
مُذْ بدا زادَ الشَّجَنْ * مَن بهِ قلبي اٌفتتنْ
 
رُبَّ هِجرانٍ طويلٍ * أودَعَ القلبَ الحَزَنْ
 
رُبْبَهِجْرا- نِنْطويلِنْ * أوْدَعَلقل- بَلْحَزَنْ
 
فاعِلاتُنْ- فاعِلاتُنْ * فاعِلاتُنْ- فاعِلُنْ
 
قيلَ لمّا قد رأوهُ * وهْـوَ في الدنيا الحَسَنْ
 
ما لِما قرَّتْ بهِ العَينانِ مِن هذا ثمَنْ؛ م
 
قد رأوهُ؛ واضحٌ أنَّ “قد” حَشْوٌ في البيت لتمشية الوزن، لكنْ على حساب البلاغة
 
– – –
 
أغـدًا ألقاك- الهادي آدم؛ شاعر سوداني ت 2006 م
 
أغـدًا ألقاكَ يا خوف فؤادي مِن غـدِ؛ م
 
أغَـدَنْألْ- قاكَياخَو * فَـفُؤادي- مِنْغَـدِي
 
فاعِلاتنْ فاعلاتنْ * فاعلاتنْ فاعِـلُنْ
 
يا لشوقي واٌحتراقي * في اٌنتظار المَوعِدِ
 
والقصيدة في مقاطع موحّدة الوزن ومتعدِّدة القوافي؛ نرى في المقطع التالي الضرب فَعِلُنْ الناتج من خبن فاعِلُنْ، أي: فاعلاتنْ فاعلاتنْ * فاعلاتن فعِلُنْ
 
هذهِ الدنيا كتابٌ * أنتَ فيهِ الفِكَرُ
 
هاذهِدْدُن- ياكتابُنْ * أنتَفيهِلْ- فِكَرُو
 
فاعلاتنْ فاعلاتنْ * فاعلاتن فعِلُنْ
 
هذه الدنيا ليالٍ * أنت فيها العُمُرُ
 هذه الدنيا عيون * أنت فيها البَصَرُ
 هذه الدنيا سماءٌ * أنت فيها القمَرُ
 
تغنَّتْ بها السيدة أمّ كلثوم. والأغنية متوفرة على يوتيوب
 
* * *
 
الرَّمَلُ والشِّعْـرُ الحديث
 
ينضمّ الرَّمَل إلى قائمة البحور الأكثر استعمالًـا في الشِّعْـر الحديث؛ قلّما خلا منه ديوان شعر أو مجموعة شعريّة. فالأمثلة كثيرة والإبداع مستمر؛ لكنْ تيسّرَ لي التالي
 
سكن الليل- جبران خليل جبران؛ بْشَرِّي، لبنان 1883 – نيويورك 1931 م
 
سَكَن اللَّيلُ وفي ثَوب السُّكونْ — تَخـتَـبـي الأحلامْ
 
فاعِلاتنْ فاعِلاتنْ فاعِلاْنْ * فاعِلاتنْ- فانْ
 فانْ: بحذف عِلاتْ من فاعِلاتنْ، جديد مِن إبداعات متنوّعة عبر قرون ماضية
 
وسَعى البَدرُ ولِلبَدرِ عُـيُونْ — تَـرصُـدُ الأَيّامْ
 عَلّنا نُطفي بِذيّاكَ العَصِيـرْ — حـرقة الأَشـواقْ
 فتعالي يا اٌبنَة الحَقل نـزُورْ — كَـرمَـة الـعُـشّــاقْ
 اِسمَعي البُلبُلَ ما بَين الحُقولْ — يَـسـكُـبُ الأَلحانْ
 في فضاءٍ نَفَخَتْ فيهِ التّلولْ — نـسـمَـة الـرَّيحانْ… إلخ
 
تغـنَّت بها السيدة فيروز- والأغنية متوفرة على يوتيوب
 
– – –
 
غرباء- نازك الملائكة؛ 1923 بغداد – 2007 م
 
من ضمن روّاد شعر التفعيلة المُسمّى بالشعر الحُرّ سابقًا؛ ظنّتْ أنها الرائدة الأولى، قبلما عَـلِمَت، بعد بضع سنين، بظهور شعر حُرّ منشورًا في صحف عربية
 
أَطفِئ الشمعةَ واٌترُكْنا غريبَيْنِ هنا
 نحنُ جُزءانِ مِن الليلِ فما معـنى السَّنا
يسقطُ الضوءُ على وهْمَينِ في جَفنِ المساءْ
 يسقطُ الضوءُ على بعضِ شظايا مِن رجاءْ
 سُمِّيتْ نحنُ وأدعوها أنا
 مَللًـا
 نحنُ هنا مثلُ الضياءْ
 غُرَباءْ… إلخ
 – – –
 
الفادي- فدوى طوقان؛ 1917 نابلس – 2003 م
 
في اٌحتدام الدَّمِ والنارِ وطغيانِ الجنونْ
 بَسَط الفادي نبيُّ الحُبِّ كفّيهِ علينا
 واٌفتدانا
 آهِ ما أغلى الفداءْ
 واٌشترانا
 آهِ ما أغلى الثمن
 وعلى وخز مسامير الألمْ
 وعلى حزّ سكاكين العياء
 أسند الرأسَ وأرخى هُدْبَ جَفنيهِ ونامْ
 وبعينيهِ رؤى الحُبِّ وأحلامُ السَّلام… إلخ
 
وقد رثتِ الشاعـرة أخاها الشاعر ابراهيم طوقان بقصائد كثيرة؛ كما في مجموعتها الشعريّة الأوّلى «وحدي مع الأيام» الصادرة في القاهرة سنة 1952 م وغيرها
 
– – –
 
كن صديقي- د. سعاد الصباح
 
شاعرة كويتية معاصرة؛ حاصلة على درجة الدكتوراه في الاقتصاد والعلوم السياسية
 
كُنْ صَدِيقي
 كمْ جَمِيلٌ لو بَقِيْنا أصْدِقاءْ
 إنَّ كُلَّ اٌمْرَأةٍ تحْتاجُ أحيانًا إلى كَفِّ صَدِيقْ
 وكَلامٍ طَيِّبٍ تسْمَعَهُ
 وإلى خيمةِ دِفءٍ صُنِعَتْ مِن كلِمَاتْ
 لـا إلى عاصِفةٍ مِن قبُلاتْ
 فلِمَاذا يا صَدِيقي؟
 لسْتَ تهْتمُّ بأشيائي الصَّغيرة
 ولِمَاذا… لَسْتَ تهتمّ بمَا يُرْضِي النِّساءْ؟
 
تغنّت السيدة ماجدة الرومي بمقاطع منها، عِلمًا أنها حَضَرتِ الحفل الذي ألقت الشاعرة خلاله هذه القصيدة. والأغنية متوفرة، أمّا الحفل فما اٌستطعت العثور عليه كاملًـا

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

والله عيب.. عيب يا أهل الزبير

محمد الرديني

تظاهر امس الآلآف من مواطني قضاء الزبير في بلاد الكفار( المهجر سابقا)احتجاجا على سكوت اولياء امورهم وآمهاتهم وعشائرهم على مليارات الدولارات التي تحترق اجزائها امامهم كل يوم.
وقال شاهد عيان رافق احدى التظاهرات في تورنتو، انها للمرة الاولى في التاريخ ان يحتج الناس على اهاليهم في اوطانهم الاصلية مشيرا الى ظهور العديد من علامات التعجب لدى الكنديين الاصليين وخصوصا مندوبي موسوعة “جينيز” المشهورة.
واشار بيان تلقفته ايادي الجماهير المتفرجة الى ان هذه التظاهرة السلمية لاتطرح أي موقف سلبي من الحكومة العراقية ولا يريد اصحابها التدخل بالسياسة فأنها مستنقع يعرف جميع الشرفاء مدى آسنته.
واضاف البيان: ان المتظاهرين يريدون ابداء احتجاجهم (العنيف) ضد اهاليهم في الزبير(قضاء من اعمال محافظة البصرة) خصوصا والعراقيين بشكل عام بشخص وزير الكهرباء العراقي الحالي (ليس لنا الشرف ان نذكر اسمه) والحكومة العراقية بدءا من رئيس الجمهورية مام جلال مرورا برئيس وزرائها نوري المالكي (ونشدد على السيد النائب حسين الشهرستميغاوات) وانتهاء بفلاحي حدائق المنطقة الصفراء.
واضاف البيان: ان هذا الاحتجاج يتركز على اتلاف مليارات الدولارات المتمثلة باستيراد أجهزة كهربائية رميت في الصحراء القريبة من قضاء الزبير منذ اكثر من عامين ومازالت هناك.
نقطة نظام: قبل ان يسترسل البيان في سرد احتجاجه نقل احد المحتجين نسخة من حوار جرى امس بين مندوب قناة الحرة والسيد علي الدباغ الناطق الرسمي للحكومة العراقية هذا نصه (نورد الخبر قبل سرد (النص):
اعلنت وزارة الكهرباء ” ان الوحدات التوليدية الغازية المخصصة لمحطة الديوانية الغازية هي من نوع جنرال الكتريك بطاقة /125/ ميكاواط لكل وحدة وبعدد /4/ وحدات، من ضمن /56/ وحدة استوردتها الوزارة بموجب عقد ابرم نهاية عام 2008، خزنت خزناً فنياً متكاملاً في مخازن خور الزبيرالتي شيدت لهذا الغرض.
“يرجى الانتباه الى السطر الاخير من الخبر”.
نص الحوار:
المساحة المشغولة تقدر بملعب كرة قدم
المعدات متنوعة وضخمة ومتكاملة
الماركات سمنس وجنرال الكتريك.
المعدات تم استيرادها ووصلت قبل عامين وهي مركونة هناك ولاتعلم بها وزارة الكهرباء؟؟؟؟

المذيع يحاور علي الدباغ ( كالعادة علي الدباغ مستعجل).
المذيع : العراق بحاجة الى كهرباء والمعدات موجودة بميناء الزبير وتتعرض للتلف
علي الدباغ :نعم هناك اهمال وسوء ادارة من قبل وزارة الكهرباء ولكن هذه المعدات لاتتلف فقط الالكترونية منها قابلة للتلف؟؟؟
المذيع: ولكن كيف وصلت المعدات من سنتين ولحد لم تنصب وتشغل؟
علي الدباغ: نعم هناك سوء ادارة من قبل وزارة الكهرباء وللاسف لم نعلم بوصول المعدات..
المذيع ولكننا نتحدث عن معدات ضخمة كما اشار التقرير المصور وملعب كرة قدم ليس صغيرا؟
علي الدباغ : نعم كلامك صحيح ولكن وزارة الكهرباء لم تُبَّلغ بوصول الشحنات.. لهذا بقيت هناك مركونة.
المذيع :ولماذا لم يتم نصبها فالعراق بحاجة ماسة للكهرباء؟
علي الدباغ: المشكلة اننا لم نتعاقد مع شركات تنصب المعدات هذه ولهذا بقيت هناك وكان الافضل التعاقد مع شركات لنصبها يوم تعاقدنا على شرائها ( اويلي يابه .. اشك هدومي).
المذيع: مالحل الان؟
علي الدباغ: سنشكل لجنة لبحث عن شركات قادرة على نصب المعدات وقد تستغرق عملية النصب للمعدات اكثر من سنتين اذا تهيأ المكان لها؟؟؟؟( ترى مابقت هدوم عندي بالكنتور).
هذه الحكومة لاتدري ماذا يجري خارج المنطقة الخضراء اطلاقا.
المذيع:هذه كارثة يا عالم دولة لها علم وبرلمان و45 وزارة ولا تدري ان معدات ضخمة للكهرباء وصلت موانئها.. وتعلم انها في ضيق وحرج امام وعود قطعتها للشعب انها ستوفر الكهرباء عام 2010 وزارة كهرباء ونائب رئيس وزراء لشؤون طاقة اشتروا معدات ولم يوقعوا عقودا لتركيب معدات كهرباء…
اي بلد هذا.
فاصل انتحاري: آخر نكتة وزعت خلال المؤتمر الصحفي للسيد النائب(نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة).. طبعا تعرفون من هو.. النكتة تقول ، ان السيد النائب سيوزع الكهرباء المبذول مجانا في الطرقات هذه الايام على بلدان الجوار.
وسكت السيد النائب عن الكلام المباح.
متابعة: لأول في التاريخ ايضا يشترك رجال الشرطة المرافقين للتظاهرة مع المتظاهرين تأييدا لما احتجوا من اجله.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, فكر حر | Leave a comment

الحظ لعب مع المسلمين دورا كبيرا في مواجهة الفرس

جهاد علاونة

ولم يكن صدق الرسالة الإسلامية سببا في انهزام الفرس الأكاسرة أمام جيوش المسلمين بل لأسباب أخرى يعلمها المؤرخون سنرويها هنا ….كان من رأي القائد العسكري الفارسي (رستم) أن لا يواجه جيش المسلمين في القادسية وحاول إقناع كسرى يزدجرد بأن هذا الجيش لديه حماس قوي لأنه مُنظم لأول مرة ومدفوع هذا الجيش بحماس من الجوع والفقر وهذه بداية المسألة وليست نهايتها أي أن رأي رستم يقول بأن هذا الجيش مخدوع ومكذوب عليه بحياة أخرى كلها حوريات ونساء وأنهار من خمر للذي يموت شهيدا هذا عدى النزاعات الداخلية في المدائن عاصمة الأكاسرة على عرش كسرى,ولكن كسرى يزدجرد لم يقبل بنصيحة رستم وحث رستم على التحرك فتحرك جيش رستم بعد مكوث جيش المسلمين أربعة أشهر وهم ينتظرون بداية المعركة ,هذا غير عدم استقرار الوضع السياسي على عرش الأكاسرة والخلافات الداخلية بين القادة لعبت دورا مهما في تثبيط الهمة والعزيمة وتدني مستواها وكانت معنويات القادة في المدائن هابطة جدا وغير عالية.

أما بخصوص دخول(طُليحة) وهجومه وحده على جيش كسرى حتى وصل خيمة رستم وقطع حبالها وأخذ خيل رستم دون أن يصاب بجرحٍ واحد,فهذا مبالغ به وليس حقيقيا وهي قصص خيالية,والذي نصر المسلمين في القادسية على الفرس هو الصراعات الداخلية بين قادة الفرس أنفسهم وكان آخر الصراعات القصة الغرامية بين (بوران) ورستم كبير القادة العسكريين وعدم الإخلاص للأكاسرة بسبب الفوضى السياسية والخلافات ومطامع القادة العسكريين الفرس في عرش كسرى,أي أن الإمبراطورية الفارسية كانت بالأصل آيلة للسقوط وكانت النزاعات السياسية تأخذ حيزا كبيرا وكان الكل مهتم بها بسبب الخلافات الداخلية والدليل على ذلك مكوث جيش سعد ما يقرب من أربعة أشهر حتى أتم الفرس استعداداتهم للمواجهة في القادسية فلم يكونوا مستعدين تمام الاستعداد وكانوا يواجهون كثيرا من المشاكل العالقة وكان أبناء الأكاسرة يختبئون في ضواحي المدن والقرى الفارسية خوفا على أنفسهم من القتل,وكانت بلاد الفرس( وعاصمتهم المدائن ترضخ لكثيرٍ من الضغوطات وتعمها الفوضى وهذه الظاهرة استفاد منها المسلمون بشكل مباشر واستغلوها أفضل استغلال ولو كان النظام السياسي مستقرا لقام الفرس على الفور بتجهيزاتهم للحرب في خلال أيام معدودة,ولو حاول المسلمون أو لو ظهر الإسلام قبل هذا التاريخ ب100عام فإنهم لن يستطيعوا دخول المدائن ومحاربة الأكاسرة ولكن لعب الحظ مع الإسلام دورا كبيرا أكثر وأكبر من المهارة في القتال وقوة الإيمان,حتى أن الحروب التي خاضها خالد بن الوليد مع الأكاسرة في الأبلة والولجة ونهر الدم والحيرة كانت أيضا تلعبُ فيها الحظوظ دورا كبيرا ولم يقاتل الفرس فيها كما يجب أو كما وصفهم المؤرخون المسلمون بل كانوا يتعمدون هزيمة قواتهم نكالا ببعضهم البعض,وكان قادة الفرس أنفسهم يتآمرون على أنفسهم ويضعفون جيوشهم عن عمد وعن قصدٍ منهم وكانوا يتأخرون بالإمدادات بدليل أن كسرى يزدجرد نفسه لم يرسل قواته الخاصة مع رستم لقتال المسلمين خوفا على نفسه في المدائن من الطامعين به وبملكه,وكان رستم يعشق(بوران) عمة يزدجرد تلك المرأة التي تولت العرش فترة من الزمن وهي نفسها التي قال فيها محمد بعد أن وصله خبر توليها عرش كسرى(لا أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) وكانت تجلس إلى جانب يزدجرد على العرش وتشاركه حكمه وكان لها تأثير كبير عليه,أما رستم العاشق ل(بوران) كان يعلم أن بوران لن تتزوجه وكان يقول لها قُبيل وداعه لها للالتحاق بالحرب:أنا لن أعود..أنا أحبك..,كان رستم يطمح بعد الانتصار على المسلمين من ان تقبل به بوران زوجا ولكنها صرحت له بأنها لن تقبل به زوجا لأنه ليس من سلالة الأكاسرة,لذلك رستم لم يخلص في حربه ضد المسلمين ل يزدجرد والحظ لعب مع المسلمين دورا كبيرا.

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

بشار الأسد يستنجد بسلاح رجال الدين

الاسد يستنجد بسلاح رجال الدين

طلال عبدالله الخوري 5\7\2012

Posted in ربيع سوريا, كاريكاتور | Leave a comment

وكيليكس والتكنولوجيا تفضح النظام والمعارضة السورية

وكيليكس تفضح المعارضة والنظام السوري

طلال عبدالله الخوري 5\7\2012

Posted in تكنولوجيا, ربيع سوريا, كاريكاتور | Leave a comment