مغامرة رأس المملوك جابر 3

سعد الله ونّوس

الرجل الرابع : ( ينتبه إلى اقترابهما يغير الكلام ، ويواصل دون تلعثم … يتابعه الآخرون بخوف ودهشة ) فلما حط الحمال حمولته على تلك المصطبة ليستريح ، خرج عليه من الباب نسيم رائق ( كلما اقترب الحارسان يعلو صوته ) ورائحة ذكية فاستلذ الحمال لذلك ، وجلس على جانب المصطبة ، فسمع نغماً وأوتارا وعودا وأصواتا مطربة ( يتوقف الحارسان قرب الجماعة ) فعندئذ تعجب وتقدم يتبع الصوت. دفع الباب ودخل .. فوجد أمامه بستانا عظيما، ورأى فيه غلمانا وخدما وحشما ، ثم هبطت عليه رائحة أطعمة زكية من جميع الألوان المختلفة والشراب الطيب ، فرفع طرفه إلى السماء ، وقال : ماذا قال ؟ ( يتوقف لحظة ، وكأنه يشوق السامعين ) .
الحارس 1 : يتسلون ، ويروون حكايات .
الحارس 2 : أشعر بالجوع .
الحارس 1 : ( يوالي … بينما يبتعد الحارسان ) قال … سبحانك يا رب يا خالق وعندها لمح صبية ذات حسن وبهاء …
( يختفي الحارسان ، فيتوقف الرجل الرابع ، يتنهد الجميع بارتياح وكأنهم خروجوا من محنة ، بعضهم يجفف حبات عرق تفصدت من الوجوه ).
المرأة الأول : ( ساقاها ترتجفان ، فتجلس ) آه … لا تحملني ساقاي بعد.
المرأة الثانية : عمري ما رأيت سحنة الحراس مخيفة مثل اليوم .
المرأة الأولى : سحنتهم دائماً مخيفة ولو لم ينظروا إلينا .
الرجل الأول : ( بما يشبه الحنق ) أرأيت إن كان ضروريا أن نسأل ! .
الرجل الثاني : لماذا لم تسألهم عن سبب الخلاف ؟.
الرجل الثالث : ولكنك تصرفت بفطنة أيها الرجل .
الرجل الرابع : وحق الله أخافهم مثلكم … وشعرت قلبي يكاد أن يتوقف لكن أنظل كالعميان لا نعرف إلى أية مهاو تدفعنا الأحداث .
المرأة الأولى : ( بعنف ) إذا كنا عميانا ونحن بين أهلنا ، أفضل من أن نعمى في ظلال الزنزانات .
المرأة الثانية : بالله عليك كفي … ألم تر بعينك ! سنشتري خبزنا ، وننزوي مع أهلنا في بيوتنا .
الرجل الأول : لدى السادة دائماً أسباب كافية للخلاف أما نحن فلا ناقة لنا ولا جمل ( لغط بين الزبائن ، ثم يتوضح ) .
زبون 1 : هو بعينه ..
زبون 2 : الشخص الذي كان مع المملوك .
زبون 3 : وما يزال يحمل السلم على ظهره .
زبون 1 : ( بصوت عال ) أخي نزل هذا السلم عن ظهرك .
الرجل الرابع : ( يقطع التمثيل ملتفتا إلى الزبائن ) آه لو أستطيع .
زبون 3 : هذه سوسة إذا سكنت الرأي صعب انتزاعها .
الحكواتي : ( يعلو صوته ، ليسيطر على الموقف ، فيمنع انقطاع خيط الحكاية بالنقاش ) وتناول الرجل العجوز الكلام ، فأورد ما علمته الأيام .
الرجل الثالث : سأقول لك شيئا … عشت عمرا طويلاً يكفي لكي يتعلم المرء كيف تجري الأمور هنا . مهما اشتدت الخلافات بين سادتنا ، وفرقت بينهم المصالح ، فإنهم يظلون متفقين على شيء واحد ، أتعرف ما هو أيها الرجل الذي لا تنقصه الفطنة ؟.
الرجل الرابع : أتمنى أن أعرف ما هو .
الرجل الثالث : هو ألا نتدخل نحن العامة في شؤونهم وخلافاتهم . ولو فعلنا لتوحدوا فورا ، واتجهوا بكل قواهم نحونا .
المرأة الأولى : وبعدئذ تمتلئ السجون .
الرجل الثاني : ويختفي الرجل .
الرجل الرابع : وحق الله وأنا عشت طويلاً ما فات من العمر أكثر مما بقي ، أعرف أن ما تقوله صحيح أعرفه كما أعرف سجون بغداد وسياط جلاديها .
المرأة الثانية : هل كنت في السجن .
الرجل الرابع : أي وحق الله كنت فيه .
المرأة الأولى : ليس غريبا أن تعرف السجون ما دمت تحب كثيراً طرح الأسئلة .
الرجل الثاني : ( بانتصار ولوم ) أرأيت … هذا كل ما يجنيه المرء في النهاية .
المرأة الثانية : وبما أنك خرجت اعتبر نفسك مولوداً ، وتعلم الابتعاد عن المشاكل .
الرجل الرابع : كنت مثلكم أعتقد أن هذا ما ينبغي أن يتعلمه الإنسان كي يجد طريق الأمان .
الرجل الأول : ثم وسوس لك الشيطان ، فبدلت اعتقادك ، فاستضافتك السجون .
الرجل الرابع : أي وحق الله قضيت فترة ليست قصيرة في السجون ، ومع هذا فقد ازددت يقينا بأن ما تقولونه لا يقود إلا إلى ما نحن فيه ، نهترئ كالنفايات ، ونجري قلقين كالكلاب الملدوغة ، وندفع ضريبة خلافات لا نعرف أسبابها ولا مغزاها . .
المرأة الأولى : تلك قسمتنا .
الرجل الثاني : ستعود حتما إلى السجن .
المرأة الثانية : تريد أن تودي بنا جميعا .
المرأة الأولى : أي والله هذا ما تريد أن تفعله .
الرجل الأول : نحن لا نحب السجون .
الرجل الرابع : وحق الله وأنا مثلكم لا أحب السجن ، ولا أتمنى أن أتذكره .
الرجل الأول : إذن اترك هذه الشؤون ، وابتعد عنها ما استطعت .
الرجل الرابع : إلا أني لا أحب أيضاً عيشة الكلاب التي أعيشها ، كما لا أحب أن أدفع رأسي ثمنا لاضطراب لا رأي لي فيه .
الرجل الأول : وماذا يستطيع أن يفعل مثلك ومثلي الخلاف يدب بين الخليفة ووزيره .
( هنا ينقسم الممثلون الخمسة إلى مجموعتين يتوزعان الحوار الشبيه بالمونولوج ، إنهم جميعا في مواجهة الرابع … ) .
المجموعة 1 : مولانا الخليفة عنده حرأسه وقواته .
المجموعة 2 : وسيدنا الوزير له حرأسه وقواته .
المجموعة 1 : قد يقع الصدام بين لحظة ولحظة .
المجموعة 2 : فلماذا نرمي بأنفسنا إلى التهلكة ! .
المجموعة 1 : الخلاف بين وزير وخليفة .
المجموعة 2 : لكل منهما قصد وخطة .
المجموعة 1 : أما نحن فلا ناقة لنا ولا جمل .
الرجل الرابع : ( يحاول أن يحتفظ بهدوئه ) أراكم تنسون أيها الناس الطيبون أنهما يتعاركان فوق رؤوسنا .
المجموعة 2 : ننتظر ونرقب النتائج .
المجموعة 1 : ومن يتزوج أمنا نناديه عمنا .
المجموعة 2 : هذا هو … من يتزوح أمنا نناديه عمنا .
( تتدافع من الزبائن تعليقات تختلط بها احتجاجات الرجل الرابع ) .
زبون 1 : والله … عين الصواب .
زبون 2 : هذا مقال من يريد راحة البال .
زبون 1 : صرعة مالنا فيها .
الرجل الرابع : لا … لن تنجو رؤوسنا .
زبون 3 : طريق مأمون من قديم الزمان .. من يتزوج أمنا نناديه عمنا .
الرجل الرابع : فوق رؤوسنا يتعاركان فوق هذه الرؤوس البائسة ستنزل أقسى الضربات ، إننا نتخلى عن رؤوسنا . نسلمها إلى الجلادين ، وأسوأ من الجلادين .
زبون 1 : انتبهوا يحرضكم على الفتنة .
زبون 3 : نوع من الرجال يحب إثارة المشاكل، لكي يتفرج بعدئذ على المشاكل .
المرأة الثانية : بالله عليك افتح جرابك الخطير بعيداً عنا .
الرجل الثالث : إذا شئت يمكنك أن تتصرف برأسك كما يحلو لك .
المجموعة : ( تقلد طريقته بالكلام ) وحق الله فكرة . لك رأس كسائر الناس فافعل ما يحلو لك ، واترك رؤوسنا لنا .
المرأة الأولى : ( صائحة ، تقف فجأة ) أتشمون ! رائحة الخبز .
أصوات : – الخبز .
– دوري أنا.
– أخيراً بعد هذا الانتظار.
( ينهضون جميعاً باستثناء الرجل الرابع ، الذي يتابعهم بعينين حزينتين يتدفعوا أمام شباك الفرن في هياج وتعجل ) .
صوت الفران : اتفقوا على الدور أولاً .
الرجل الثاني : لي بالتأكيد لي : تذكر ألم أكن أول من جاء يطلب خبزاً .
صوت الفران : ربما . ولكن المهم أن تكونوا بالدور .
المرأة الأولى : ( راضخة ، تقف وراء الرجل الثاني ) لم تعد هناك شفقة .
الرجل الثالث : ( يقف آخر الصف ، بينما يظل الرجل الرابع جالساً ) ليأخذ كل دوره ، ذلك أفضل .
( يبدأ الجميع بالانتظام في صف أمام الشباك كل واحد يشتري خبزه ويمضى ) .
الرجل الثالث : ( للرابع ) انهض وخذ دورك قبل أن يأتي من يأخذه .
الرجل الرابع : وحق الله . ليس هذا هو طريق الأمان .
الرجل الثالث : اشتر خبزك وتحصن في بيتك لن تصلح العالم على كل حال .
الرجل الرابع : إذن خذ مكانك ، واشتر خبزك .
( يشتري الناس خبزهم ويمضون مسرعين . يصبح الرجل الثالث عند الشباك فينهض الرجل الرابع متثاقلاً . ويقف وراءه منتظراً دوره ) .
زبون 2 : أي انهض أخي .. انهض ذلك أفضل .
(يشتري الرابع بضعة أرغفة ، يدسها في كيسه . ثم يلقي نحو الزبائن نظرة عاتبة وحزينة).
الرجل الرابع : ( وهو يمضى ) وحق الله . ليس هذا طريق الأمان .
الحكواتي : هذا ما كان من أهل بغداد ، من استطاع منهم اشترى خبزه ومضى مسرعا إلى بيته ، أما قصر الوزير محمد العبدلي فلم تكن تهدأ فيه الحركة ، مماليك ينزلون إلى المدينة ، ويعودون إلى الوزير بالأخبار يدخلون ديوانه ، ويخرجون مرتعدين يتبعهم السباب والصياح الغاضب ، لكن لا يمر بعض الوقت حتى يأتي الأمر بالنزول مرة.
أخرى إلى المدينة ، فيذهب من يتسقط الأنباء ، ويراقب مجرى الحال وشاعت في الأروقة أخبار وحكايات وكان الجميع يتمنون لو تظل الأحداث بعيدة عنهم . فلا تقربهم أو تصيبهم . لكن ” جابر سمع خبرا سال له لعابه ، فجأة رأى الأبواب مفتوحة أمامه ، فاندفع يجري وراء أحلامه .
زبون : المملوك جابر نفسه .
زبون 2 : لابد أنه خبر هام حتى يهتم له جابر .
زبون 1 : هات يا عم مونس ما هذا الخبر ؟.
الحكواتى : انتظروا وسيأتي الجواب .
الخادم : ( منتهزا الفرسة يدور بموقد الفحم ) نارة .
زبون : هنا يا أبا محمد .
الخادم : حاضر .
( أثناء الحوار السابق ، يعود بنا المشهد إلى رواق في قصر الوزير .. يظهر المملوك ياسر طويل القامة ، وافر الصحة ، وجهه عريض تطفو على ملامحه بلادة توحي بالجلافة والطيبة . يمشي مهرولا ، حاملاً على وجهه أمارات الاضطراب والفزع يلتقي بالمملوك جابر ، ويكاد أن يصطدم به .
ياسر : يا حفيظ .
جابر : مالك يظن من يراك أنهم حشوا مؤخرتك فلفلاً أحمر .
ياسر : يا حفيظ تحدث في هذه المدينة أمور جسيمة .
جابر : ماذا أصابكم اليوم جميعاً ؟ لن تقول إنه يوم الحشر .
ياسر : لا أدري إذا كان يوم الحشر أم لا ، لكني أكاد لا أصدق أني خرجت من الديوان بسلام . ( يمسح العرق عن جبينه ) . شعرت روحي تنخطف من جسدي .
جابر ؟: أكاد أعتقد أن سيدنا الوزير تقمصه عفريت قل لي … هل نبت في رأسه قرنان ، أم تدلى من فمه نابان ؟.
ياسر : أتمزح ! آه لو ترى وجهه وهو يتلون ويحتقن . نظر إلى وكأنه يريد أن يمسحني عن وجه الأرض . يا حفيظ لو تعثرت قدماي في الخروج لرمى عنقي دون تأخير ولو أعرف ما ذنبي هل أستطيع أن أكذب ، كل الناس يعرون أن أبواب بغداد أصبحت مسدودة ، وأن الحراس ينتشرون عليها كأنهم جند الموت ؟.
جابر : أي حراس .
ياسر : حراس مولانا الخليفة يا حفيظ أن أحداثا رهيبة تقع حولنا . سمعت أن الخليفة لم يغادر البلاط هذه الليلة ، ولم ينم لحظة واحدة . .
جابر : ولم ؟ هل خاف أن يجردوه من سرواله وهو نائم .
(يقترب منهما منصور ، وينضم إليهما ) .
ياسر : بل كان … ( يتوقف فجأة ، وكأنه اكتشف شيئاً مزعجاً ) يا حفيظ ما زلت تمزح ؟.
جابر : الطاعون يفتك ببغداد يا منصور أصبحت الرعية كلها تشتغل بالسياسة .
ياسر : ( فزعا ) أأنا أشتغل بالسياسة ! كنت أروي ما سمعت لا أكثر .
منصور : لا تلق بالا إليه ألا تعرف لسانه ، ألديك أنباء جديد ؟.
ياسر : كل الناس يقولون … إن مولانا الخليفة لم ينم لحظة واحدة هذه الليلة ( يخفض صوته ) ظل مجتمعا بقواد الأمن حتى الصباح .
منصور : كنت أعلم أنها لن تنتهي ببساطة .
ياسر : يبدو أنهم اتخذوا قرارات خطيرة فمع طلوع النهار خرج الحراس من القصر يحملون عتادهم ، وكأنهم يمضون إلى الحرب . اخترقوا الشوارع فأرهبوا الناس ، ثم انتشروا على أبواب المدينة ، أصبح الخروج من بغداد أصعب من دخول الجمل في ثقب الإبرة . جابر : إجراء يوفر على الخليفة بناء سجون جديدة .
منصور : أرأيتهم بعينيك ؟.
ياسر : رأيتهم ! يا حفيظ . منذ قليل كنت هناك سيدنا الوزير منزعج للغاية ، أرسلني كي أتجسس له ، وأخبره بما يجري على الأبواب ، وعندما أخبرته غضب مني ولكن ماذا أفعل ؟ هل أستطيع أن أكذب ؟ وصفت له ما يحدث دون زيادة أو نقصان . رأيتهم بعيني بقفون على كل الأبواب .
ويفتشون كل من يحاول الخروج تفتيشا أدق من حساب الآخرة يا حفيظ ، يرتعد المرء كأنه أمام الموت ، لا يتركون جيبا أو ثنية . جردوا بعض الناس من ملابسهم ومزقوا بطانتها ، والويل لمن يتباطأ أو يحتج .
جابر : والنساء أيضاً ! .
ياسر : لا يفرقون بين رجل وامرأة .
جابر ( عابثا يقلد ياسر ) يا حفيظ.
منصور : إذن يتوقعون أن يتسرب شيء هام من بغداد .
ياسر : هام وخطير .
هناك رسالة تحوم راغبة في الخروج .
منصور : أهو سيدنا الوزير؟.
ياسر : لم يعد ذلك سراً … عندما علم بأمر الحراس وإغلاق المدينة احمر وجهه ، وتدافعت من فمه الكلمات يا حفيظ ، الغضب عدو الحذر .
منصور : هذه المرة ستمضي الفتنة إلى نهايتا .. قل لي .. أتعرف إلى أين سيبعث الوزير رسالته ؟.
جابر : تسأله وكأنه كاتم أسرار الدولة .
ياسر : يا حفيظ .. ومن أين لي أن أعرف ! كل ما أستطيع تأكيده هو أن الرسالة هامة وخطيرة للغاية ، كاد الوزير أن يصاب بالفالج عندما علم بإجراءات مولانا الخليفة ، لا شك أنه يعطي أي شي من أجل وصول هذه الرسالة .
جابر : ( ينتبه .. ويبدأ اهتمامه بما يحكي ) ماذا قلت ؟.
ياسر : ( كأنه فوجئ ) ماذا قلت ؟.
جابر : أعد .. أعد ما قلته .
ياسر : إنك تربكني .. قلت إن سيدنا الوزير يعطي أي شيء من أجل وصول هذه الرسالة.
جابر : ( ساهما ) يعطي أي شيء ! .
منصور : الحوادث تجري بسرعة ، ولا أحد يعلم ما يدبر حولنا .
جابر : هل وعد سيدنا بمكافأة معينة ؟.
ياسر : مكافأة ! أتقول مكافأة ! من يخرج بهذه الرسالة يستطيع أن يتمنى على سيدنا الوزير ما يشاء .
جابر : أيرفعه مرتبة لو طلب ذلك ؟ .
جابر : ( والبريق يشتد في عينيه ) يعطيه كيسا مليئاً بالذهب ؟ .
ياسر : يعطيه أكياساً … ولكن من يجرؤ على المخاطرة ! يا حفيظ … سيصبح حاملها جثة قبل أن يخطو خطوة واحدة خارج بغداد . .
منصور : ولك جابر … أراك تهتم بالأمر ماذا يدور في ذهنك ؟.
جابر : يدور شيء باهر يا منصور ، ولكن انتظر .. لتر مرة أخرى كيف يتم التفتيش ؟.
ياسر : لا تسأل عن التفتيش .. قلت لك أدق من حساب الآخرة . ينبغي أن تذهب وترى بنفسك يا حفيظ … لا يتركون شيئاً على الإطلاق . رأيتهم بعيني يمزقون رغيف خبز نتفة ، نتفة ، خشية أن يكون فيه شيء مخبوء ، الثياب والأحذية .. وفوق ذلك الاستجوابات الدقيقة ، لا .. لا .. تأمل شيئاً ، الهواء نفسه لا يستطيع أن يمر من بين أيديهم .
جابر : مع هذا قد تكون الحيلة أبرع من الهواء .
منصور : ( لاهثا ) جابر – بماذا تفكر ؟ .
جابر : أفكر بأشياء يا منصور أشياء مثيرة يختلط فيها وهج الذهب وعطر زمرد وعلو المقام ( إلى ياسر ) أمتأكد أنت سيدنا الوزير لن يرد طلبا لمن يحمل رسالته ؟ .
ياسر : متأكد كوجودي يا حفيظ .. ربما كان مستعدا لأكثر من ذلك .
جابر : سأبحث عن الإلهام يا منصور إني بحاجة إليه الآن . ألم أقل لك .. قد نقبض بدلاً من أن ندفع . إذا ظل رأسي ملتهبا كما هو الآن ، فلن تضيع الفرصة .
منصور : لا تكن أحمق .. رغم كل شيء لا أريد أن يصيبك سوء إنك تتبع غواية مهلكة .
جابر : كل شيء يتعلق بهذا اللهيب الذي اتقد به رأسي فجأة اشملني بدعواتك وأنت تصلي .. ( ويمضى مغنيا وسط ذهول الآخرين ) . عندما أصبح للمسلمين خليفة . سأسميك وزيراً للدولة . عندما أصبح للمسلمين خليفة .. سأسميك وزياً … ( ويختفي بعيداً ) . .
منصور : أي جنون ! .
ياسر : ( تغلف وجهه البلاهة ) أتعتقد أنه .
جاد ؟.
منصور : إنك لا تعرف إذن .
ياسر : يا حفيظ .. لو رأى الحراس لخاف من مجرد التفكير .
منصور : ( وهو ينصرف ) اللهم أتم علينا خير النهاية .
ياسر : ( يتوقف لحظة شبه مذهول ، ثم ينصرف بدوره ) يا حفيظ ..
( يخرج الاثنان حاملين معهما قطع الديكور ) .

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

مغامرة رأس المملوك جابر 2

سعد الله ونّوس

( يدخل ممثلان يحملان قطع ديكور بسيطة جدا ، تمثل ما يشبه رواقا في قصر بغداد ، ويمكن هنا وفي كل المشاهد التالية الاستعاضة عن قطع الديكور بلوحات مرسومة ، بعد تركيب المشهد . يلتقي الممثلان في المقدمة . الأول يمثل المملوك جابر ، شاب تجاوز الخامسة والعشرين من عمره ، معتدل القامة ، شديد.

الحيوية ، يمتاز بملامح دقيقة وذكيه وفي عينيه يتراءى بريق نفاذ يوحي . بالفطنة والذكاء . أما الثاني فهو المملوك منصور في حوالي الخامسة والثلاثين من عمره أو أكثر قليلا . قامة قصيرة وبنية قوية . ملامح تشف عن وداعة وطيبة ) .

جابر : ( يتقدم نحو رفيقه لاهيا .. مدندنا ) عندما أصبح للمسلمين خليفة ، سأسميك وزيرا للدولة .

منصور : هس .. لو سمعك سيدنا وهو في هذه الحالة ، لأمر بجلدك حتى يهترئ جلدك .

جابر : ( يفرك مؤخرته بباطن كفه ، وكأنه يساط فعلا ) ولم كفى الله الشر !.

منصور : ألا ترى ما يجري سيدنا الوزير متكدر المزاج للغاية .

جابر : أعرف أنه متكدر المزاج . وأن الحظ يبتسم لجاريته شمس النهار .

منصور : ولماذا يبتسم الحظ لجاريته شمس النهار ؟.

جابر : ( هامسا في أذنه ، وعلى وجهه تتخايل ابتسامة الخبث ).

لأن سيدنا الوزير لا يشبع من وصالها عندما يتكدر مزاجه . لو استمر الحال كذلك فستصبح شمس النهار سيدة كل شيء في هذا القصر .

منصور ( يهز رأسه ) كف عن الهزار يا جابر .

جابر : وحياتك ليس هذا خادمتها زمرد هي التي تنقل إلى الأخبار .ولقد روت لي أشياء وأشياء ( تبرق عيناه ) آه … من هذه البنت يا منصور لها طريقة لا تجارى في رواية الأخبار ( يؤدي مع الكلام حركات تمثيلية ) تغمز ، وتضحك ، ويتثنى جسدها مع الكلام حتى يغلي دم السامع في كل مرة أراها تجعلني أخور كالثور إنها محنكة كسيدتها . تمنيني بالوعود ، لكنها لا تترك لي سبيلا للوصول .

منصور : ( متأففا ) انظروا ماذا يشغله الآن !.

جابر : وماذا تريد أن يشغلني ؟.

منصور : ألا ترى أن الأمور لا تجري على ما يرام ؟.

جابر : ومتى كانت الأمور تجري على ما يرام ؟.

منصور : هذه المرة يختلف الحال . تعقد الوضع ، وأصبح في غاية الاضطراب .

جابر : يستطيع الوضع أن يتعقد ، ويضطرب حتى يصبح كمياه دجله ، ولكن بعيدا عني . .

منصور : بعيدا عنك !! الأحوال تضطرب بيننا ومن حولنا . إن الخلاف على أشده بين الخليفة والوزير .

جابر : وما لنا نحن هل تريد أن نمنعهما من الاختلاف ؟.

منصور : ومن نحن حتى نتدخل بين الخليفة والوزير .

جابر : إذن .. ليختلفا ، وليفقأ كل منهما عين الآخر . لن ألطم خدي ، وأمزق ثيابي لأن الخليفة والوزير مختلفان.

منصور : هس … ( ويلتفت حوله خائفا أن يكون حولهما سامع ) اغسل فمك ، وإلا رموا عنقك . لن أندهش لو رأيتك يوما مقطوع اللسان .

جابر : وأنا لن أندهش لو رأيتك مشنوقا لأسباب سياسية . أم نسيت أن المشانق في بغداد ، لا تنشطها إلا الأسباب السياسية . ما الذي يعينك في خصام الخليفة والوزير حتى تنشغل إلى هذا الحد ( لحظة وبحيوية ) اسمع .. لقد بدلت رأيي. .

منصور : بدلت رأيك ؟.

جابر : لا يعجبني اهتمامك بهذه الشؤون . ستكون بارعا في حوك المؤامرات لو سميتك وزيري .

( يبدأ منصور بالتأفف ، ويحاول مقاطعته لكن ” جابر ” يتابع بنفس المرح ) عندما أصبح خليفة ، سأبحث عن وزير غبي وأمين . ذلك أضمن .

هو .. هو .. بالله دعنا من مزاحك .

جابر : ولكن لا أفهم لماذا تبدو كالصوص الغارق في الماء ! كل هذا لأن الخليفة والوزير مختلفان .

منصور : وصل الخلاف حدا شديد العنف .

جابر : ينبغي أن يكون الخلاف شديد العنف ، كي يليق بخليفة ووزير .

منصور : وإذن لا تقدر الخطر الذي يحيط بنا ، النتيجة هي الأخرى ستكون عنيفة . من رأى سيدنا الوزير يخرج من الديوان أمس ، حسب أن عاصفة تهب . كان قاني العينين ، كامد الوجه ، يقضم شاربه بأسنانه .

جابر : إذا بدأ سيدنا الوزير يقضم شاربه بأسنانه ، فهو ينوي شيئا مريبا دون شك .

منصور : فور خروجه بادر إلى الاتصال بأصحابه . لا أحد يعلم ما يجري ، إلا أنني أشم رائحة خطر عظيم .

جابر : لو ذبح أحدهما الآخر ، فستصبح في بغداد وظيفة شاغرة .

منصور : ونحن ؟ .. هل فكرت ماذا سيحل بنا ؟.

جابر : ماذا سيحل بنا ننزوي جانبا ونتفرج .

منصور : قد تتفرج على جهنم قبل ذلك .. بالله كيف تريدنا أن نتفرج على فتنة تقع بين الخليفة وسيدنا الوزير .

جابر : كما يتفرج كل الناس .. نفتح أعيننا ونتسلى لمتابعة ما يجري .

منصور : ويريد أن نتسلى أيضا أما مجنون فكر في مصيرنا .

لو شبت نار الفتنة .

جابر : وما علاقة مصيرنا ؟ قد الوزير من الكمد ، أو يتوقف قلب مولانا الخليفة من الغضب أما نحن فلن تنفجر لنا مرارة ، أو يتوقف لنا قلب .

منصور : من السهل أن تقول ذلك ، ولكن لو اندلعت النار ، فسنكون الحطب الذي يغذيها .

جابر : يغذي النار من أوقدها .

اسمع . ولم لا تتدفأ بالنار بدلاً من أن تحرق أصابعك بها ؟.

منصور : لن نستطيع سيجروننا وراءهم ، ونجد أنفسنا فجأة وسط اللهب ، في النهاية نحن من يدفع الثمن .

جابر : وما أدراك قد نقبض بدلاً من أن ندفع .

منصور : أهذا ما تأمله ؟.

جابر : ولم لا لكل عملة وجهان والمهم أن تميل في الوقت المناسب إلى الوجه الكاسب …

زبون 1 : ابن زمانه …

زبون 2 : هذا المملوك شيطان .

جابر : ( أثناء حديث الزبونين يظل منغمراً في متابعة مجرى ما يريد قوله … تبرق عيناه وقد خطرت له فكرة مفاجئة ) .

أقول لك … تعال نتراهن ..

منصور : وعلام نتراهن ؟.

جابر : على الوجه الكاسب .. انتظر .. ( يزداد بريق عينيه ، وهو يفتش في جوبه ) .

اللعنة نسيت أني أعطيت كل ما أملك لزمرد آه من النساء ! يتجملن بنقودنا ، ليأخذن نقودنا مرة أخرى . ألديك قرش ؟ فتش في جيبك عن قرش .

منصور : ( يتابعه ببلاهة ) ماذا تريد أن تفعل ؟.

جابر : ( بمد يده ملحا والبريق يتقد فى عينيه ) هات قرشاً ، وسترى …

منصور : لن أعطيك قرشا هكذا لوجه الله .

جابر : لا تخف قرشك محفوظ ، ولن آخذه .

( يخرج منصور على مضض قرشا من جيبه ، فيخطفه جابر ، ويفركه بين أصابعه . إنه بدأ لعبة . حركاته تتسارع وكذلك كلماته ) انظر … الكومة كلها في هذا القرش ( يتوقف الخادم فجأة وهو يحمل صينية وينتبه ناحية الممثلين متابعاً لعبتهم باهتمام ) .

زبون : بعد من قدامنا يا أبو محمد .

( يغير الخادم مكانه … بينما جابر يوالي كلامه ولعبته دون أن يتوقف ).

جابر : الخلافة والوزارة معا. الوجه الأول يمثل الخليفة ، والوجه الثاني يمثل الوزير ، كلاهما في هذا القرض ، فلنتراهن على الكاسب ( يرميه في الجو ثم يلتقطه، ويخفيه بين راحتى يديه ) أيهما تختار الوجه الأول أم الثاني ؟ الخليفة أم الوزير ؟ يا الله … اختر أحد الوجهيين كل الدولة في هذا القرش ، الخليفة أم الوزير ؟ ( لحظة ) أخمن أنك ستقول الخليفة .

منصور : ( انساق مع جابر على غفلة منه . تفاجئه العبارة ) ما الذي يجعلك تخمن ذلك ؟.

جابر : أعرف كيف تفكر تحسب أن الخليفة هو دائماً أقوى لا … لا … تعتمد على ظواهر الأمور . فكم من خليفة لا يقدم ولا يؤخر مثقال ذرة . لخ من الخلافة اسمها وسرايا الحريم فقط معاذ الله ان أقصد مولانا الخليفة بسوء لكن أحذرك من الاعتماد على ظواهر الأور والآن ماذا قلت ؟ هل بدات تميل نحو سيدنا الوزير ؟.

منصور : ( ما يزال منساقا مع اللعبة ، وعلى وجهه انزعاج وشيق ) أميل نحو سيدنا الوزير جابر : ربما … ولكن تذكر أن لهذا الأمر أياً مخاطر وإذا كانت مؤخرة الخليفة تملأ العرش وعلى مقاسه ، فقد راهنت على وجه خاسر .

منصور : ( منبهاً إلى نفسه ، بدأ يغضب ) لم أراهن على أحد ، ولم أقل شيئاً .

جابر : ماذا تنتظر إذن ؟ التردد هو الآخر له مغبته ، الخليفة أم الوزير ؟.

منصور : (ملتفتا حوله ) .

أعوذ بالله … أرجو أن أحداً لا يرانا أو يسمعنا .

جابر : هدئ أعصابك ، ولا تفسد الرهان ، الربح قرش ، والخسارة قرش وبينهما خليفة المسلمين ووزيرهم معلقان . فقل كلمة وخلصنا .

منصور : لعنة الله عليك ، لم أر في حياتي ماجنا مثلك . رد لي قرشي .

جابر : قد أكسبه لو أخطئت التخمين ماجنا مثلك رد لي قرشي .

جابر : قد أكسب . لو أخطئت التخمين يصبح قرشي .

جابر : ولماذا لا تفك عقدة وجهك يا منصور ؟ دعنا نتسل قليلاً . طيب .. إذا شئت سألعب بمفردى ، سأقول .. ( يتلكأ ) ماذا أقول ؟ وما الفرق النقل … ( وبعد لحظة ) الخليفة ( يرفع كفه التي تخفي القرش ، وينظر يتخذ صوته طابعاً مأساوياً نادبا ) يا خيبتى إنه الوزير .. فليبك المسلمون إذن خليفتهم . أراهم يحزون عنقه ، ويسيل الدم كالنافورة .

منصور : ( مرتبكا . وفي غاية الحرج والضيق ) أستغفر الله العظيم …

جابر : معنى ذلك أننا نرتفع مرتبة إذا علا مقام سيدنا الوزير ، يعلو أيضاً مقام مماليكه لكن شوطا واحدا يكفي السباق الصحيح لا يستقيم إلا بثلاثة أشواط والآن إلى الشوط الثاني لنرى القرش مرة أخرى ( يرمي القرش برشاقة ، يهم منصور بخطفه ، لكن جابراً يلتقطه كالمرة السابقة ويخفيه بين كفيه ) ساعدني يا منصور ، قل شيئاً .

منصور : لن أشترك في عبثك ومجونك ، الخطر يحيط بنا كالهواء وأنت تلعب رد لي قرشي.

جابر : انتظر ، انتظر يجب أن تعرف النتيجة . والآن ماذا أقول . لو تكرر ظهور الوزير تنتهي اللعبة ( موجها الكلام إلى القرش المختفي بين يديه ) على أي وجه تستقر أيها القرش ؛ ستقرر مصير دولة بأسرها أعرف أن تقلباتك مجنونة لا يحكمها ضابط ولكن قد يجعلنا الحظ نتلاقى ، وجدتك ميالاً وانظر ( ويبدأ برفع كفه تدريجياً ) بأي وجه ستطالعنا … بأي وجه … بأي وجه ؛ إنه الخليفة . واحدة بواحدة . بقي شوط أخير .

وعليه تتوقف أمور كثيرة .

( يفرك جابر القرش ، ثم يرميه من جديد لكن ” منصور ” يسرع ، فيلتقطه غاضبا ، ويضعه في جيبه . ) .

منصور : وهو ( ينسحب ) لعنة الله عليك .. لا حد لاستهتارك .

جابر : بقي شوط واحد . فلم تفسد لعبتنا ( يبتعد منصور ولا يجيبه ، فيلتفت جابر صوب الزبائن متأهبا بدوره للانسحاب ) لو أعرف فقط ما الذي يعنيه في خلاف ينشب بين الخليفة والوزير ( يهز كتفيه ويمضى) .

زبون : ( لجاره ) ما قولك و الله ولد ابن زمانه .

زبون 2 : لا شيء يشغل باله .

زبون 1 : لا خليفة ولا وزير .

الخادم : ( وهو يدور بالموقد ) نارة .

زبون 2 : تعب قلب ووجع رأس بلا فائدة .

زبون 3 : تعال هنا .

( الخادم يقترب من الزبون الذي يناديه ، حاملا الملقط وموقد النار).

الحكواتي : ( يستأنف بعد أن يخلو المسرح ) هذا ما بدا من المملوك جابر حين سمع عن الخلاف الدائر وكانت الأمور تتطور بسرعة ، وتشيع الأنباء بين الناس كالوباء فقد قضى الخليفة ليلة مجتمعا بقواد الأمن ، وفي الصباح ظهرت في بغداد إجراءات حازمة ومنذرة . وكان الوزير يرغي في ديوانه ، وحوله عدد من أصحابه أمراء وتجار كبار أما أهل بغداد فما أن شاعت بينهم الأنباء ، حتى يسرعوا كعادتهم يزاحمون حول الأفران ، ليؤمنوا خبزهم لأيام …

( يدخل الممثلون الخمسة الذين رأيناهم من قبل يمثلون أهل بغداد ، وهم يحملون معهم شباك فرن وبعض القطع الأخرى التي مكن أن توحي بمنظر شارع عام . يضع الممثلون قطع الديكور ويركبونها أمام المتفرجين . يمكن هنا كما في كل المشاهد ، الاستعاضة عن ذلك بالبانوهات المرسومة . بعد إعداد المنظر يبدأ التمثيل . إنهم ينتظرون بنفاد صبر وقلق أمام شباك القرن .

يتطلعون إلى الداخل ، ويتعجلون الفران . متعبون وعلى وجوههم اضطراب وشعور عميق بانعدام الأمن ).

المرأة الأولى : أف .. منذ الصباح وأطفالي وحدهم في البيت لو كنت أعلم لحملتهم معي .

الرجل الثالث : انتصف النهار ونحن في الانتظار .

الرجل الأول : ( مادا عنقه فوق رؤوس الآخرين نحو شباك الفرن ) ولكن ماذا يفعلون بحق الله ؟ أخشى أن يكونوا نائمين .

الرجل الثاني : ( وهو أقربهم إلى الشباك . يوجه الكلام إلى الفران ) يا الله يا أبو عمر .

صوت الفران : ( من الداخل ) وهل ترانا نتثاءب ؟ منذ منتصف الليل لم تهدأ أيدينا .

الرجل الأول : ومع هذا نحن ننتظر منذ وقت طويل .

صوت الفران : ماذا نفعل ؟ كل واحد يطلب اليوم أضعاف حاجته .

الرجل الأول : أمر طبيعي في مثل هذا اليوم .

المرأة الأولى : إذا وقعت الواقعة فمن يعرف متى تنتهي .

صوت الفران : إذن امسحوا وجوهكم بالرحمن ، وانتظروا .

المرأة الثانية : ( وهي تجلس ) أف .. يبست أقدامنا ونحن ننتظر .

الرجل الثاني : ما الفائدة سننتظر . لا بد من الخبز .

الرجل الثالث : ( يجلس بدوره) في هذا الوقت الخبز أهم شيء إذا توفر في بيتك ضمنت نصف السلامة .

المرأة الأولى : ووراءنا أطفال سيصرخون إن لم يجدوا لقمة الخبز .

الرجل الثاني : لن نذهب قبل أن نؤمن خبزنا لثلاثة أيام أو أربعة .

المرأة الثانية : أربعة أيام ( تتنهد ) محظوظ من يستطيع أن يشتري خبزا لأربعة أيام .

الرجل الثاني : أختي . لا تظني بي اليسر . والله سأفرغ كيسي كله في يد الخباز .

الرجل الأول : أفضل لنا جميعا أن نفرغ أكياسنا الهزيلة الآن بعد قليل سيصبح ما فيها كالعملة الباطلة .

المرأة الأولى : ماذا تقصد ؟.

الرجل الأول : ( خافض الصوت ، كأنه يسر لهم ) حتى الآن .. لم يرتفع سعر الخبز إلا قليلا ، ولكن خلال ساعات ..

المرأة الثانية : ( تقاطع باندهاش وقلق ) هل رفعوا سعر الخبز ؟.

الرجل الأول : ألم تعلمي ؟.

الرجل الثالث : بدأ الغلاء مع الصباح .

الرجل الأول : رفعوا السعر قرشا . ولكن خلال ساعات سترتفع الأسعار كالحمى ، وستصبح قروشنا كالعملة الباطلة .

المرأة الثانية : أعوذ بالله .. لا تفتح علينا هذا الباب … .

الرجل الأول : أأنا أفتحه كأنك لا تعرفين تجار بغداد إنهم يزقزقون اليوم .

الرجل الثاني : يزقزقون ويغردون .

المرأة الأولى : خزاهم الله . لو استطاعوا لأكلوا لحومنا نيئة .

الرجل الثالث : هذا يومهم .. ولو تطورت الأزمة لأصبح كل شيء أغلى من الذهب .

الرجل الأول : لو تطورت وماذا تسمي ما يجري إذن إنها تتطور وبسرعة مخيفة .

الرجل الثاني : فعلا وإلا ماذا يعني خروج الحراس من ثكناتهم .

المرأة الأولى : ( تشهق ) آه .. بالله لا تذكرنا .

المرأة الثانية : أجارنا الله .. فاجأتني وجوههم عند المنعطف ، فارتخت ساقاي ، وكدت أسقط. .

المرأة الأولى : رؤية الموت أهون .

الرجل الثاني : اكتسحوا الأسواق كالعاصفة كان الناس يختفون في الجدران وهم يرتعشون . لا أستغرب لو أن بعضهم بال في سرواله .

( بينما الحوار مستمر ، يدخل رجل رابع يحمل كيسا فارغا . يمكن أن يقوم بدوره الممثل الذي يقوم بدور منصور ، وإن بدا الآن أكبر سنا . ينضم إلى الجماعة ، ويجلس واضعا كيسه في حجره . يلتفت الآخرون إليه . إلا أنهم لا يعيرونه كبير اهتمام ) .

الرجل الثالث : عشت عمرا طويلا ، ومع هذا لا أذكر يوما أن أهل بغداد لم يبولوا في سراويلهم ، عندما يظهر الحراس في الشوارع .

الرجل الثاني : أما اليوم فأكثر وأكثر . كالعاصفة اكتسحوا المدينة . ألم تر أسلحتهم المشهرة ووجوههم العابسة . من المؤكد أنهم ينفذون قرارات خطيرة .

الرجل الأول : ملأوا الشوارع والساحات . كيفما تحرك المرء يصطدم بهم .

المرأة الثانية : سترك يا رب .. ينتفض قلبي كلما تخيلت وجوههم .

الرجل الثاني : كل المظاهر تدل على أنها واقعة بين لحظة وأخرى .

المرأة الأولى : ولا أحد يعلم ما يخبئه لنا الغد .

الرجل الثاني : سبحان علام الغيوب . زمن أين لنا أن نعرف ما يخبئه الغد .

الرجل الأول : لهذا خير ما نفعله هو أن نؤمن خبزنا ، ونختفي في بيوتنا . .

الرجل الثالث : هذا هو الصواب . نشتري أرغفتنا ، ونمضي إلى بيوتنا .

المرأة الثانية : ولكن متى ينتهي الخباز ، ويتركنا ننصرف ؟.

المرأة الثانية : ولكن متى ينتهي الخباز ، ويتركنا ننصرف ؟.

المرأة الأولى : لو علمت أننا سننتظر كل هذا الوقت ، لحملت أطفالي معي .

الرجل الأول : ( يلقي نظرة على الرجل الرابع ) وكلما تأخروا ازدادت جمهرة الناس أمام الفرن . لن يبقي للشاطر رغيف .

الرجل الثاني : ( إلى داخل الفرن ) أنظل واقفين يا أبو عمر ، انكسرت ظهورنا .

صوت الفران : عليكم بالصبر إلا إذا أردتم أن تشتروا عجيناً بدلاً من الخبز .

الرجل الثاني : اسمعوا .. بعد كل هذا الانتظار يريد أن يبيعنا عجينا بدلاً من الخبز .

المرأة الأولى : أعوذ بالله ! ما هذا اليوم ؟.

الرجل الثالث : لا خيار لنا سننتظر ونحن مضطرون في هذا الوقت الخبز أهم شيء .

المرأة الثانية : حتى ولو كان عجينا يغص به الآكل .

الرجل الثاني : إننا منتظرون على كل حال .

( تأفف .. بعضهم ينفخ نافد الصبر وتسود لحظات من الصمت ) .

الرجل الرابع : لا مؤاخذة … وهل بينكم من يعرف بالضبط ما يجري ! .

( يلتفت إليه الجميع ، وتتفرس فيه العيون ، كأنهم يكتشفون وجوده لأول مرة بينهم ) .

الرجل الأول ( ساخراً ) بالضبط .

الرجل الثاني : ومن أين لنا أن نعرف بالضبط ما يجري ! .

الرجل : ألست من أهل بغداد ؟.

الرجل الرابع : أي وحق الله مولود فيها ، وكذلك أبي وأجدادي .

الرجل الثاني : وإذن فأنت تعرف ما نعرف لم يعد الاضطراب سرا .

المرأة الثانية : اضطراب الأحوال كالحريق لا يخفى دخانه .

الرجل الثالث : نعرف ما نراه … وما نراه هو غيوم سوداء كالفحم تخيم على بغداد .

الرجل الثاني : كل الظواهر تؤكد أن العاصفة ستهب بين لحظة وأخرى .

المرأة الأولى : ارحم عبادك يا رب .

الرجل الثالث : وإذا هبت العاصفة ما علينا إلا أن ندخل بيوتنا ونغلق نوافذها جيداً .

الرجل الأول : ألم تر الحراس وهم يجتاحون الشوارع .

الرجل الرابع : أي وحق الله رأيتهم وتعوذت من رؤيتهم .

الرجل الأول : والتوتر ألم تسمع بأن الوضع متوتر وأن الخلاف شديد بين الخليفة والوزير .

الرجل الثاني : كلاهما متصلب أكثر من الآخر ولا يبدو أن هناك سبيلاً للوفاق أو التراجع .

الرجل الرابع : أي وحق الله سمعت عن هذا أيضاً .

الرجل الأول والثاني : ( معا وبغيظ ) ما الذي تجهله إذن ؟ .

الرجل الرابع : ما أجهله كثير ، أسأل إن كان بينكم من يعرف سبب الخلاف أو توتر الأوضاع .

الرجل الأول : يسأل عن سبب الخلاف !.

المرأة الأولى : وكيف يمكن أن نعرف لماذا يختلف السادة .

الرجل الثالث : وما علاقة أمثالنا في ذلك ؟.

المرأة الثانية : إنهما مختلفان والسلام المهم أن يخلصنا الفران ، ونذهب إلى بيوتنا .

الرجل الرابع : وحق الله من الضروري أن نسأل عن سبب الخلاف ، وأن يكون لنا رأي فيه .

الرجل الثالث : أيها الرجل … تثير شؤونا خطيرة ، عاقبة البحث فيها وخيمة .

المرأة الأولى : هل تريد أن تدهور الناس ؟.

المرأة الثانية : بالله عليك .. العب بهذه الشؤون المفزعة بعيداً عنا من نحن حتى نسأل عن سبب الخلاف بين وزير وخليفة !.

الرجل الثالث : الضروري بالنسبة لنا هو الخبز والأمان لا سبب الخلاف .

المرأة الثانية : أي والله ، هذا كل شيء الخبز والأمان .

المرأة الأولى : سلامة أولادنا أغلى من الدنيا كلها .

الرجل الثاني : وما علاقتنا! ابعد عن الشر وغنِّ له .

الرجل الرابع : ( دائماً هادئ اللهجة، واثقا من نفسه ) وحق الله لا أخالفكم الرأي ، ولكن طريق الخبز والأمان واأسفاه يمر من هذا السؤال .

المرأة الثانية : ( هامسة للأولى … يبدو الضيق وكذلك الدهشة على وجوه الجميع ) ويلح في إثارة شؤؤنه .

المرأة الأولى : قلت لكم يريد أن يدهورنا .

الرجل الأول : ولماذا يمر فيه أتأمل أن يكون الخلاف من أجل تخفيض الضرائب .

الرجل الثاني : أو من أجل تحسين أحوال الرعية .

الرجل الثالث : عشت عمراً طويلاً ، يا ما رأيت سادة يعلون وآخرين يولون .

الرجل الثالث : عشت طويلاً ، يا ما رأيت سادة يعلون وآخرين يولون ، أما عامة بغداد فحالهم هو هو ، وإن ضمنوا السلامة كان فوزم عظيماً .

الرجل الأول : أمر معروف … لا يختلف السادة من أجل عامة بغداد ( لحظة … هامساً ) ربما كانت الخزينة تزرب .

الرجل الثاني : أو كان نزاعا على قيادة العسكر .

الرجل الأول : أو على تعيين الولاة .

المرأة الثانية : ( قلقة تحاول أن تقطع الحديث ) بالله ابعدونا عن هذا الحديث .

الرجل الأول : المهم … لا يختلف السادة من أجل عامة بغداد .

( يظهر في الشارع حارسان مدججان بالسلاح ، يبدو أنهما يقومان بأعمال الدورية تلحظها المرأة الثانية ، فيرتعش وجهها بالخوف ، وترتبك تمسك الرجل الأول من طرف سترته ، لتنبهه .. ) .

الرجل الرابع : ( وكان مطرقاً ) وحق الله … ما تقولونه … .

المرأة الثانية : ( برعب ، والحارسان يقتربان ) هس … .

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

المرأة السورية ثالث أجمل نساء العالم


أكدت دراسة حديثة صدرت عن مركز ” ستارش” البريطاني للأبحاث العلمية أن المرأة السورية أجمل ثالث أمرأة عالمياً بعد المرأة المجرية والبولندية, وحملت الدراسة عنوان” أجمل نساء العالم” وأعتمد المركز في تقييمه على عدة معايير للجمال, ورجح كفة السوريات الرقة التي تتمتع بها والحياء في تصرفاتها. المعروف ان المرأة السورية بجانب جمالها انها أمرأة قوية الشخصية وطيبة القلب ومدبرة منزل ماهرة.

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا | 1 Comment

تعلَّم-ي بحور الشعر (13) المُقتضَب

بقلم: رياض الحبيّب

خاص: موقع لينغا

لقد ذكرت في الحلقة الأولى (بحر الطويل) الهدف من قيامي بعرض سلسلة بحور الشِّعـر مجدّدًا، بأسلوب مُبسَّط ومختصَر، لهواة الشعر كي يتعلّموا الوزن وللشعراء الجدد كي يُحسِنوا في استعمال الزحافات والعِلل كُلًّـا في محَلِّه فنقرأ لهم الحَسَن والجائز والمُستَحَبّ؛ مثالًـا: مَفاعِيلن المستعملة في الطويل؛ جاز هناك قبضها (مَفاعِلُنْ) لكن لا يجوز قبضها في الهَزَج كي لا يتحوّل إلى صورة من الرّجَز ولا في المُضارع كي لا يتحوّل إلى صورة من المجتثّ الذي هو نفسه صورة في مرآة مستوية لمجزوء الخفيف. ذلك دون الدخول في مَعْمَعان العروض لأنّ الباحث-ة يستطيعان الحصول على أيّة مَعلومة عروضيّة من الكتب ومن الإنترنت؛ ما أصل تسمية البيت الشعري؟ ما الحَشْو ( كل جزء في البيت الشعري ما عدا العَروض والضرب) ما تفاصيل الزحاف والعِلّة؟ لماذا سمّى الخليل بحوره بهذه الأسماء؟ لماذا غضّ بالنظر عن بحر الخَبَب قبلما تداركه الأخفش الأوسط وغيره حتى أثار سلسلة من الجدل في ما بعد؟… إلخ. وذلك لظنّي بأن أساليب العَروضيّين الذين سبقوني إلى علم العروض قد افتقرت إلى الدقة واكتنفها غموض والتباس ولزوم ما لا يلزم وإبداع في مكان ما لا يحتمل من الإبداع إلّـا قليلا، ما سبَّب تراجع ازدهار الشعر العمودي في عصرنا
 
مثالًـا؛ سُمِّي بحر الطويل بهذا الاسم؛ إذ طال بتمام أجزائه وما اٌستُعْمِل مجزوءًا ولا مشطورًا ولا منهوكًا. وقيل: لأن عدد حروفه بلغ ثمانية وأربعين حرفًا في حالة التصريع (كحدّ أقصى) وما ظهر سواه على هذا النمط. فالقرار الذي اتَّخذتُ للسّير مع الخليل إلى آخر المطاف، بإدراج المضارع والمقتضب والمجتث ضمن دائرة اهتمامي، جاء نزولًـا عند رغبة الخليل في اعتبارها بُحُورًا مستقلّة وإن تمنّيت اكتفاء الخليل بالمتقارب بعد الخفيف، لأنّ المضارع والمجتثّ يصلح كلّ منهما مجزوءًا للخفيف بينما يصلح المُقتضَب مجزوءًا للمنسرح 1 أي أنّ اثني عشر بحرًا مع مجزوءاتها جدّ كافية للإستمتاع بإيقاعات الشِّعْر العربي الجميلة والجديرة بالإهتمام. لكنِّي وضعتُ في الذهن مقولة من مقولات رئيس وزراء بريطانيا الشهير ونستون تشرشل: (سرّ الحقيقة ليس أنْ نفعل ما نُحبّ، بل أن نحبّ ما نفعل) وغيرها
 
لذا أقول للعروضيّين الجدد لُطفًا؛ كفى بالبحور تعقيدًا وخلْطًا وكفى تداركًا على الخليل، بل تأمّلوا في حكمة فيثاغورس (لا تقل القليل بكلمات كثيرة، بل الكثير بكلمات قليلة) واٌقتدوا بالسيّد المسيح له المجد إذ اكتفى بإثني عشر تلميذًا واختصر وصايا الله العشر التي في العهد القديم (الخروج: 20) بوصيَّة واحدة (المحبّة) من بحر واحد لا مجزوء فيه ولا حدود له مكانيّة وزمانيّة. فبالمحبّة وحدها تنتهي التعقيدات والخصومات والنزاعات والحروب والدمار. والمحبّة وحدها قادرة على تحويل السلطة إلى خدمة والحاكم إلى خادم (من أراد أن يكون فيكم عظيمًا فليكُنْ لكم خادمًا) متّى 26:20
 * * *
 
الثالث عشر: بَحْرُ المُقتَضَب
 
نقرأ في لسان العرب: [القَضْبُ: القَطْعُ. قضَبَه يَقْضِـبه قَضْبًا، واقتضَبَه وقضَّبه فانقضَبَ وتَقَضَّب: انقَطَعَ. واقتَضَبْته: اقْتَطَعْته من الشيءِ… يُقال: هذا شِعْرٌ مُقتضَبٌ، وكِتاب مُقتضَب. واقتضَبْتُ الحديثَ والشِّعْرَ: تكلَّمْتُ به من غير تهيئةٍ أو إعداد له… والـمُقتضَبُ من الشِّعْر: فاعلاتُ مُفتَعِلُنْ مَرَّتين؛ بيتُهُ: (أقبَلَتْ فَلاحَ لها * عارِضانِ كالبَرَدِ) وإِنما سُمِّيَ مُقتضَبًا، لأَنه اقْتُضِبَ مَفعُولات أَي قُطِعَ…إلخ] انتهى
 
أمّا أجزاء وزن الـمُقتضَب الأصليّة: (مَفعُولاتُ مُستفعِلُنْ) مرّتين. جاز الطيّ في مَفعُولاتُ: مَفعُلاتُ= فاعِلاتُ. كما جاز الطيّ في مُستفعِلُنْ: مُستَعِلُنْ= مُفتَعِلُنْ
 لهُ عروض واحدة مشهورة هي المطويّة مُفتَعِلُنْ ولها ضربان؛ الأوّل مثلها وهو المشهور، أمّا الثاني فيُعتبَر نادرًا حتى الآن وهو المقطوع مُستَفعِلْ=مَفعُولُنْ. لكنّك تجد-ين في بعض كتب العروض جواز دخول الخبن في مَفعُولاتُ أي مَفاعِيلُ بدل مَعُولاتُ أو فعُولاتُ فاٌعْلم-ي حينئذٍ أنّ مؤلِّف الكتاب لا يفهم عِلم العروض كما يجب وليس بشاعر! بل تنطبق عليه مقولة الكاتب الإنگـليزي چسترتون 2 (تقوم الرِّواية الجيّدة بإخبارنا الحقيقة عن بطلها، أما الرِّواية السّيّئة فتخبرنا الحقيقة عن مُؤلِّفها) أمّا عالم الكيمياء والفيزياء السكوتلندي جيمس ديوار 3 فقال: (العقول كالمِظَلّـات، لا تعمل إلّـا عندما تُفتَح) لكن انظر-ي تاليًا ماذا فعل شاعرنا الحِلِّي في المُقتضَب وغيره
 
صَفِيُّ الدِّين الحِلِّي 1

يَلذُّ ذُلِّي بنَضْوٍ * لَوْ ضَنَّ بي لَذَّ ذُلِّي
 
يَلُمُّ شَمْلِيْ لِحُسْنٍ * إنْ سَحَّ لِيْ لَمَّ شَمْلِي
 
فبحرف الياء بدأ الشاعر كلّ بيت منهما وانتهى، ما لا يصعب علينا فعله، لكنّ الإبداع بدا في جواز قراءة البيتَين من اليسار إلى اليمين. لذا يسرّني في مجال التبسيط والإختصار أن أشير ثانية إلى هذا الشاعر المُبدع، إذ اختصر بحور الشِّعْر بقصيدة كلّ من أبياتها يدلّ على بحر من البحور مع وزنه التامّ- وإن لم يتفرّد وحده بمثل هذا العمل سواء في حقل البحور وفي حقول أخرى مِن عِلم العروض
 
صَفِيُّ الدِّين الحِلِّي 2

طَويلٌ لَهُ دُونَ البُحورِ فضائلُ * فَعُوْلُنْ مَفاعِيْلُنْ فعُوْلُنْ مَفاعِلُ
 
لِمَدِيدِ الشِّعْر عِندي صِفاتُ * فاعِلاتُنْ فاعِلُنْ فاعِلاتُ
 
إنَّ البَسِيْط لَدَيهِ يُبْسَطُ الأَملُ * مُسْتَفْعِلُنْ فاعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَعِلُ
 
بُحُورُ الشِّعْرِ وَافِرُهَا جَمِيْلُ * مُفَاعَلَتُنْ مُفَاعَلَتُنْ فَعُوْلُ
 
والأبيات متوفرة في كتب العروض وعلى الإنترنت، أمّا بحر المُقتضَب فقال فيه
 
إقتَضِبْ كَمَا سَأَلُوْا * فاعِلاتُ مُفتَعِـلُ
 * * *
 
أمثلة على بَحْرُ المُقتَضَب
 
أوّلًـا؛ أمثلة على العروض المطويّة مُفتَعِلُنْ التي ضربُها مثلها أي
 
فاعلاتُ مُفتَعِلُنْ * فاعلاتُ مُفتَعِلُنْ
 
لعلّ أقدم ما قرأت من وزن المقتضب، ما لم يُذكَر اسم شاعره خلال بحثي، التالي
 
أقبَلتْ فلاحَ لها * عارِضَانِ كالسَّبَجِ
 
أقْـبَلَـتْـفَ- لـاْحَلَها * عارِضَاْنِ- كَسْسَبَجي
 فاعِـلاتُ- مُفْتعِلُنْ * فاعِـلاتُ- مُفْتعِلُنْ
 
أدبَرَتْ فقلتُ لها * والفؤادُ في وَهَجِ
 
هَلْ عَلَيَّ وَيْحَكُمَا * إِنْ عَشِقتُ مِنْ حَرَجِ
 
هَلْعَلَيْيَ- وَيْحَكُمَا * إنْعَـشِقْـتُ- مِنْحَرَجِيْ
 فاعِلاتُ- مُفْتعِلُنْ * فاعِلاتُ- مُفْتعِلُنْ
 
السَّبَجُ: خَرَزٌ أَسودُ، دَخِيلٌ مُعَرَّبٌ، أَصلُهُ سَبَهْ- لسان العرب
 
* * *
 
أبو نؤاس
 
حامِلُ الهوى تعِبُ * يستخِفّهُ الطَّرَبُ
 
إن بكى يَحُقّ لهُ * ليس ما بهِ لَعِبُ
 
إنْبَكايَ- حُقْـقُـلَهُوْ * لَيْسَمابِ- هِيْلَعِبُو
 فاعِلاتُ- مُفْتعِلُنْ * فاعِلاتُ- مُفْتعِلُنْ
 
تضْحَكِين لاهِيَةً * والمُحِبُّ يَنتحِبُ
 
تعجَبين مِن سَقَمِي * صِحَّتي هِيَ العجَبُ
 
كُلّما اٌنقضى سَبَبٌ * منكِ عادَ لي سببُ
 
من ديوان أبي نؤاس على الإنترنت ص 51 وقد تغنّت بهذه القطعة الرائعة فيروز مع الرائع وديع الصافي. راجع-ي مقطع يوتيوب المذكور في حلقة بحر المديد
 
* * *
 
العقد الفريد ج 4:5 للأديب ابن عبد ربِّه
 
يا مَلِـيحَةَ الدَّعَجِ * هلْ لَدَيكِ مِن فَرَجِ
 
أمْ تُراكِ قاتِلتِي * بالدَّلال والغنَجِ
 
مَنْ لحُسْن وَجْهِكِ مِنْ * سُوء فِعْلِكِ السَّمِجِ
 
عاذِلَيَّ حَسْبُكُما * قد غرِقتُ في لُجَجِ
 
هلْ عَلَيَّ وَيْحَكُما * إنْ لَهَوتُ مِنْ حَرَجِ
 * * *
 
صَفِيُّ الدِّين الحِلِّي 3
 
ليس عنكَ مُصطَبَرُ * حين أسعَدَ القدَرُ
 
 إنّ صَفْوَ عِيشتنا * لا يشُوبُهُ كدَرُ
 
 فاٌبتدِرْ لمَجْلسنا * فاللبيبُ يَبتدِرُ
 
 والخطوبُ غافلة * والرِّفاق قد حضروا
 
 والعيون ناظرة * والقلوب تنتظِرُ
 
 غير أنَّهُمْ نفَرٌ * عن رضاك ما نفروا
 
 إنْ منحْتَهُمْ شَكَروا * أو مَنَعْـتهُمْ عَـذروا
 * * *
 
 جميل صدقي الزهاوي
 
 قد ترقّتِ العربُ * بعد ما اٌرتَقى الأدبُ
 
إنهُ لنهضَتِها * وَحْدَهُ هو السَّبَبُ
 
ثمّ بَعْدَ أنْ نهَضوا * بُرهَة قدِ اٌنقلبوا
 
قد مشوا بليلتهِمْ * فاٌعْـتَراهُمُ التعَبُ
 
يومَ في الحكومة لمْ * يَفعَلوا كما يَجِبُ
 
إنّ في العراق لَناسًا وَنَوا وما دَأبوا
 
ليس تستحقّ حَياةً جماعةٌ خَشَبُ
 * * *
 
أحمد شوقي 1
 
الضُلوعُ تَتَّـقِـدُ * والدُموعُ تَطَّرِدُ
 
أَيُّها الشَّجِيُّ أَفِقْ * مِن عَناءِ ما تَجِدُ
 
قدْ جَرَتْ لِغايَتِها * عَبْرَةٌ لَها أَمَدُ
 * * *
 
أحمد شوقي 2
 
حَفَّ كَأسَها الحَبَبُ * فهْيَ فِضَّةٌ ذَهَبُ
 
أو دَوائِرٌ دُرَرٌ * مائِجٌ بها لَبَبُ
 – – –
 يا نَديمُ خِفَّ بها * لا كَبا بكَ الطَّرَبُ
 
لا تَقُلْ عَواقِبُها * فالعَواقِبُ الأدَبُ
 
تنجَلي ولي خُلُقٌ * يَنجَلي ويَنسَكِبُ
 
يَرقبُ الرِفاقُ لَهُ * كُلَّما سَرى شَرِبوا
 * * *
 
الأخطل الصغير أو بشارة الخوري
 
فد أتاك يعتذرُ * لا تَسَلْهُ ما الخبَرُ
 
كلّما أطَلْتَ لهُ * في الحديث يَختصِرُ
 
في عيونِهِ خَبَرٌ * ليس يَكذِبُ النظرُ
 
قد وهَبْتُهُ عُمُري * ضاعَ عندهُ العُمُرُ
 
حُبّنا الذي نشَرُوا * مِن شذاهُ ما نشروا
 
صُوِّحَتْ أزاهرُهُ * كيف يُعْقَدُ الثَّمَرُ
 
عُدْ فعَنكَ يُؤنِسُني * في سَمائِهِ القمَرُ
 
قد وفى بمَوعِدِهِ * حين خانتِ البَشَرُ
 
تغنّت بها الرائعة فيروز والأغنية متوفرة على يوتيوب
 
* * *
 
ثانيًا؛ أمثلة على العروض المطويّة مُفتَعِلُنْ التي ضربُها مقطوع مَفعُولُنْ أي
 فاعلاتُ مُفتَعِلُنْ * فاعلاتُ مَفعُولُنْ
 
الحسين بن الضحاك- عن «الأغاني» ج 13
 
رأى الحُسَين بنُ الضَّحّاك خادمًا فاٌستحسنهُ وأعجَبَهُ فقال له بعض أصحابه: أتُحِبّهُ؟ قال: نعَمْ والله! قال: فأعْلِمْهُ! قال: هو أعْلَمُ بحُبِّي له مِنّي، ثم قال
 
عالِمٌ بحُبِّيهِ * مُطْرِقٌ مِن التِّيهِ
 
يوسُفُ الجَمالِ وفِرعَونُ في تَعَدِّيهِ
 
يُوسُفُلجَ- مالِوَفِـرْ * عَوْنُفِيْتَ- عَدْدِيهِي
 فاعلاتُ- مُفتَعِلُنْ * فاعلاتُ- مَفعُولُنْ
 
لا وحقِّ ما أنا مِنْ * عَطْفِهِ أُرَجِّيهِ
 
لـاوَحَـقْـقِ- ماءَنَمِنْ * عَطْفِهِيؤُ- رَجْجيهي
 فاعلاتُ- مُفتَعِلُنْ * فاعلاتُ- مَفعُولُنْ
 
ما الحياةُ نافعةٌ * لِيْ علی تأبِّيهِ
 
النعيمُ يشغلُهُ * والجَمالُ يَطْغـيهِ
 
فهْوَ غيرُ مُكترِثٍ * للذي ألاقيهِ
 
تائِهٌ تُزهِّـدُهُ * فِيَّ رَغْـبتي فيهِ
 
تَأبَّى عليه تأبِّـيًا إِذا امتنع عليه- لسان العرب- عِلمًا أنّ الحُسَين بن الضَّحّاك (ت 250 هـ) كان من شعراء الخَلاعة، عاصر أبا نؤاس وعُدَّ من طبقته، لكن ضاع أغلب شعره. أمّا قصيدته فكانت مثالًـا على الغزل بالمُذكّر إذ كان شائعًا يومذاك، ما دفعني الآن إلى التغزّل بالمؤنّث مُعارِضًا، مع اختلاف في حركة حرف الرّويّ
 
– – –
 
رياض الحبيّب
 
الخُطوبُ غَـدّارهْ * والكؤوسُ دَوّارَهْ
 
تستميلُ شاربَها * ما تَعاقـبَتْ غارَهْ
 
تستميلُ- شاربَها * ماتَعاقَ- بَتْغارَهْ
 فاعلاتُ- مُفتَعِلُنْ * فاعلاتُ- مَفعُولُنْ
 
الجِرارُ مُترَعَةٌ * والنّوباتُ جَرّارَهْ
 
والفؤادُ أفرَطَ في العِـشق ما اٌتّقى نارَهْ
 
كُلّما اٌستراحَ مِن الشّربِ ذاعَ أسرارَهْ
 
والحبيبةُ اٌفترَشَتْ * حُبَّهُ وأخبارَهْ
 
وَدَّعَتْ أقاربَها * واٌحتمَتْ مِن الجارَهْ
 
في المَساءِ مَوعِدُنا * والزّهورُ مُختارَهْ
 
والحديثُ نقطعُهُ * تارَةً إلى تارهْ
 
في الخِتام تُنذِرُني * كُفَّ يا فتى الحارَهْ
 
أو تكُفَّ عن رؤيتي * ما فُتِنتَ بالشَّارَهْ
 
أوْتَكُـفْـفَ- عَنْرُؤيَتي * مافُتِنتَ- بِشْـشارَهْ
 فاعِلاتُ- مُسْتفعِـلُنْ * فاعِلاتُ- مَفعُولُنْ
 
قلتُ كيفَ إذ قدَري * في عينيكِ يا سارَهْ
 
قُـلْـتُـكَيْفَ- إذْقدَري * فِـيْعَـينيكِ- ياسارَهْ
 فاعِلاتُ- مُفتَعِلُنْ * مَفعُولاتُ- مَفعُولُنْ
 * * *
 
مجزوء المُقتضَب
 
قلّما وُجِدَ حديث عن مجزوءات المقتضب في كتب العروض لأنها من الإبداع المُستحدَث بعد الخليل؛ سأذكرُ أشهرها ممّا ظهر من المُوشَّحات الأندلُسيّة، وزنه: (فاعِلاتُ لُنْ) مرّتين عِوَضَ فاعِلاتُ فا، أو فاعِلاتُ فَعْ؛ لا يمكن اعتباره من مجزوءات المديد أو الرَّمَل أو الخفيف، لأنّ جزء كلٍّ منها الأوّل هو فاعِلاتُنْ (بدون جواز الكفّ فاعِلاتُ) سواء في الصَّدْر والعَجُز. كذلك لا يصحّ اعتباره من مجزوءات المتدارَك (فاعِـلُنْ فَعِلْ) عوض فاعِلاتُ لُنْ. عِلمًا أنّ عددًا من الشعراء قد أبدع في المُقتضَب إبداعات مختلفة، لكني اكتفيت بما تقدّم
 
محمود سامي البارودي؛ مصر 1839 – 1904 م
 
إمْلـإِ القدَحْ * واٌعْـصِ مَنْ نَصَحْ
 
واٌرْوِ غُـلَّتِي * باٌبنةِ الفرَحْ
 
وَرْوِغُلْلَ- تِيْ * بِبْنَتِلْفَ- رَحْ
 فاعِلاتُ- لُنْ * فاعِلاتُ- لُنْ
 
فالفتى متى * ذاقها اٌنشَرَحْ
 
وهْيَ إنْ سَرَتْ * في العَلِيلِ صَحْ
 
أوْ صَبَا بهَا * باخِلٌ سَمَحْ
 
فاٌهْجُرِ الكَرَى * واٌغْدُ نصْطَبِحْ
 
فالدُّجَى مَضَى * والسَّنا لَمَحْ
 
كانت هذه مقتطفات من قصيدة للبارودي، عِلمًا أنها وقعت في واحد وتسعين بيتًا. وقد توصّل أحد الباحثين إلى أنّ البارودي أخذ وزنها من أحد الموشَّحات، إذ عثر على موشَّح قديم مطلعُهُ: (ليلُ هَجْرِها * فوق نحْرِها) والنَّحْرُ: الصَّدْر
 * * *
 
شوقي 3
 
مالَ واٌحتَجَبْ * واٌدَّعى الغَضَبْ
 
لَيتَ هاجِري * يَشرَحُ السَبَبْ
 
لَيْتَهاجِ- رِيْ * يَشْرَحُسْسَ- بَبْ
 فاعِلاتُ- لُنْ * فاعِلاتُ- لُنْ
 
عَـتْبُهُ رِضىً * لَيْتَهُ عَـتَبْ
 
عَـلَّ بَينَنا * وَاشِيًا كَذَبْ
 
أو مُفَنِّدًا * يَخلُقُ الرِّيَبْ
 
مَنْ لِمُدْنِفٍ * دَمعُهُ سُحُبْ
 
باتَ مُتعَـبًا * هَمُّهُ اللَّعِبْ
 
تغنّى بأبيات منها الفنان السوري الرائع فهد بلان. عِلمًا أنّ الباحث الذي أشرت إليه أكّد على أنّ شوقي اقتدى في وزن هذه القصيدة بأبيات البارودي السابقة
 
¤ ¤ ¤

1

رآى الخليل أنّ المقتضَب مُقتطَع من بيت السّريع (مُستفعِلُنْ مُستفعِلُنْ مَفعُولاتُ * مُستفعِلُنْ مُستفعِلُنْ مَفعُولاتُ) وما اختلف رأيي عن رأيه في الجوهر إنما الشكل. فالخليل اقتطع من السريع جُزءَيه الثالث والرابع لتأليف المُقتَضَب. أمّا رأيي: لو قيل أنّ المقتضَب مُؤلَّف من اقتطاع الجزءَين الثاني والثالث من أيّ شَطْر من شَطرَي المنسَرِح (مُستفعِلُنْ مَفعُولاتُ مُستفعِلُنْ * مُستفعِلُنْ مَفعُولاتُ مُستفعِلُنْ) لكان أفضل لأنّ مَفعُولاتُ عمليًّا مستعملة في المُنسَرح وغير مستعملة في السّريع
 
2

G. K. Chesterton= Gilbert Keith Chesterton (1874 – 1936) was an English writer‏… & more on Wikipedia, the free encyclopedia
 
3

James Dewar (1842 – 1923) was a Scottish chemist & physicist

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

ثورة أهل الجحيم- ج 3

جميل صدقي الزهاوي؛ نُظِمت في تشرين الأول- أكتوبر 1929

مراجعة: رياض الحبيّب؛ تموز- يوليو 2012
https://mufakerhur.org/?author=6

خاص: المُفكِّر الحُرّ

– – –

ثالثًا: الصِّراط
لمْ يُرِبْني أمرُ الصِّراط مُقامًا * فوق وادٍ من الجحيم يفورُ

غير أني أجلُّ ربّكَ من إتيان ما يأباه الحِجى والضميرُ

فإذا صَحَّ أنه كغِرار السّيف أو شعرةٌ فكيف العبورُ

لا تخَلْ أنّ عَبْر جسرٍ دقيقٍ * ذَرْعُهُ آلاف السنين يسيرُ

إنَّ ألفًا من الصعود وألفًا * ذو استواء سَمْح وألفًا حدورُ

إنها شقّة تطُول فلا يقطعُها إلا البَهْمَةُ المِحضيرُ

ولعلَّ الذين ضحّوا بأكباش عليهِمْ بذا يهُون المرورُ

أنا لو كنت بالبعير أُضَحِّي * سار بي مُرْقِلًـا عليه البعيرُ

ولوَ اٌنّي ركبتُ صهوة يعفور مضى بي يستعجل اليعفورُ

ولَوَ اٌني هَوَيت-لا سمح الرحمن- منهُ فيها لساءَ المصيرُ

لا يَطيبُ الخلود في لُجَج النار فإن الخلود شيءٌ كثيرُ

ربَّنا لا تُرسلْ علينا عَذابًا * ليس فينا على العذاب صَبورُ

ربنا اٌرفقْ بنا فإنّا ضِعافٌ * ما لنا مِن حَولٍ وأنت القديرُ
– – –

معاني بعض المفردات- من قاموس لسان العرب
الحِجى: العقل والفِطْنة¤ الغِرارُ: حدُّ الرمح والسيف والسهم¤ ذَرَع الثوب ذَرْعًا: قدَّره بالذِّراع، ذَرْعُ كلّ شيء: قَدْرُه من ذلك¤ البَهْمَة المِحضير: البهيمة السريعة¤ أَرْقَل المَفازة: قَطَعها، المُرْقِلات: الإِبل المُسرعة¤ اليَعْفور واليُعْفور: الظبي، ولد البقرة الوحشية¤ هَوَيت: سَقطت¤ لُجَّةُ الأَمرِ: مُعْظَمُه، ج: لُجَج
* * *

رابعًا: الملائكة والشياطين

قال ماذا رأيتَ في الجنِّ قبلًـا * ومِن الجنِّ صالحٌ، شِرِّيرُ

ثم في جبريلَ الذي هو بين الله ذي العرش والرّسولِ سفيرُ

ثم في الأبرار الملائك حول العرش والعرشُ قد زهاهُ النورُ

فتُدوِّي السّماءُ في السّمع مِن تسبيحِهِمْ مِثلما يُدوِّي القفيرُ

ثم في الخنّاس الذي ليس تخلو * مِنهُ طرًّا ولا الحياة الصُّدورُ

والعفاريتِ ذاهبين عُراةً * تجفلُ الوَحشُ منهُمُ والطيورُ

والشياطينِ مُفْسِدينَ بهِمْ قد * ضلَّ ناسٌ هُمُ الفريقُ الكبيرُ

قلت لله في السماوات والأرض وما بينهُنّ خَلْقٌ كثيرُ

غير أني أرتابُ في كلِّ ما قد * عجز العقلُ عنه والتفكيرُ

لَمْ يكُنْ في الكتاب مِن خطإٍ كلّـا ولكنْ قد أخطأ التفسيرُ
* * *

خامسًا: السفور والحجاب

قال هلْ في السّفور نفعٌ يُرَجّى؟ * قلتُ خيرٌ من الحِجاب السّفورُ

إنما في الحجاب شَلٌ لشعْبٍ * وخَفاءٌ وفي السّفور ظُهورُ

كيف يسمو إلى الحضارة شعْبٌ * مِنهُ نِصْفٌ عن نصفِهِ مستورُ؟

ليس يأتيْ شعبٌ جلائلَ ما لمْ * تتقدمْ إناثُهُ والذكورُ

إنّ في رونق النهار لناسًا * لم يَزُلْ عن عيونها الدَّيجُورُ

¤ ¤ ¤

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

مغامرة رأس المملوك جابر 1

سعد الله ونّوس 

نحن في مقهى شعبي … ثمة عدد من الزبائن يتفرقون على المقاعد المبعثرة في أرجاء المقهى … معظمهم يدخنون النرجيلة ويشربون الشاي … وبينهم يروح الخادم ويجيء حاملا صواني الشاي والقهوة … إنه لن يتوقف عن الرواح والمجيء طوال السهرة . يسيطر على المقهى جو من التراخي والفوضى الشعبية . وتسود ضجة الكلام مختلطة بقرقرة النراجيل ، وبأغان تنبعث من راديو عتيق في المقهى . الأغاني تلعب دورا هاما في تهيئة الجو لبدء المسرحية . إنها ستتيح لنا الفرصة لتحقيق التآلف الذي يمهد للبدء بحكاية السهرة . ينبغي أن يحس المتفرجون بنوع من الاسترخاء ، وربما الطرب ، شأنهم في ذلك شأن زبائن المقهى . وكما قلت في الملاحظات السابقة ، ليست هناك ساعة معينة للبدء . فالأغاني التي تذاع يمكن أن تطول فترتها أو تقصر حسب تقدير العاملين في المسرحية . كذلك يتم اختيار هذه الأغاني في زمن تقديم العمل ، ووفقا للظروف التي يقدم فيها .
زبون 1 : ( يصفق ) يا أبو محمد .
الخادم : نعم .
زبون 1 : فنجان شاي تقيل ونارة .
الخادم : حاضر.
( تنتهي أغنية ، وتبدأ أغنية أخرى .. الضوضاء تنتشر في المقهى . كلام وأحاديث جانبية وقرقرة نراجيل وسعلات جافة … وأحيانا نسمع بعض الحوارات الجانبية التي تعلو فوق الأغنية ) .
زبون 2 : صحيح شفت اليوم أبو إبراهيم وبعث لك سلام معي .
زبون 3 : الله يسلمك ويسلمه . كيف حاله ؟.
زبون 2 : مسكين ما يزال مهموما ، ولا يعرف كيف يدبر أحواله .
زبون 3 : الله يساعده ويساعدنا ومن منا خال من الهم ؟.
زبون 2 : في هذه الأيام … والله لا أحد .
زبون 4 : يا أبو محمد .. هات اثنين شاي .
الخادم : ( مقتربا بصينية الشاي من زبون 1 ) حاضر.
زبون 1 : الشاي خفيف .
الخادم : هذا خفيف ., والله مثل الدبس على كل هل تريد أن أبدله ؟.
زبون 1 : لا ماشي الحال .
( تسود ضجة الأغنية فترة ، يبدو فيها الحاضرون ، وكأنهم يصغون باستمتاع . تظل الروؤس تتقارب في أحاديث جانبية ).
زبون 4 : تأخر مونس الحكواتي . ما القصة ؟.
الخادم : لا تخف العم مونس كالساعة لا يقدم ولا يؤخر بين لحظة ولحظة تراه يحمل كتابه.
زبون 3 : والله نعيش من قلة الموت .
زبون 2 : ماذا نفعل ؟ الأمر بيد الله والمهم سترة الآخرة .
زبون 1 : نارة ..
الخادم : حاضر .
( تنتهي أغنية وتبدأ أغنية جديدة ).
زبون 5 : ألن يأتي العم مونس اليوم ؟.
زبون 1 : لم يتخلف يوما منذ عرفناه .
الخادم ( وهو يضع جمرة على نرجيلة الزبون ) لا ريب أن العم مونس آت كعادته .
( الوصلة الغنائية مستمرة ، ومعها ضوضاء المقهى . الخادم لا يكف عن الدوران حاملا إما صينية شاي أو موقد الفحم . ).
زبون 4 : اليوم سيبدأ العم مونس حكاية جديدة .
زبون 2 : حكاية البارحة كانت قاتمة النهاية .
زبون 3 : من زمان .. ما سمعنا من العم مونس حكاية تفرح السامع .
الخادم : ( من طرف المقهى ) ها هو العم مونس . كل الزبائن ينتظرون تشريفك.

أصوات : ( تتدافع وتحدث جلبة مختلطة ).
– أهلا وسهلا .
– جاء العم مونس.
– بان القمر .
– السهرات مضجرة لولا رواياتك.
الحكواتي : ( رافعا يده للجميع ) السلام عليكم (يتقدم بحركة متباطئة حاملا بيده كتابا سميكا وعتيقا).
الزبائن : ( معا ، وبشكل متفاوت ) وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
زبون 2 : أي والله .. لولا العم مونس ما كنا نعرف كيف نقضي السهرة .
الحكواتي : من ألطافكم .
( العم مونس رجل تجاوز الخمسين . حركاته بطيئة . وجهه يشبه صفحة من الكتاب القديم الذي يتأبطه . التعابير في ملامحه ممحوة ، حتى ليحس المرء أنه بإزاء وجه من شمع أغبر . عيناه جامدتا النظرة ، ورغم اختباط لونيهما ، فإنهما توحيان بالحياد البارد . على العموم … أهم تعبير يمكن أن نلحظه في وجه مونس الحكواتي هو الحياد البارد ، الذي سيحافظ عليه تقريبا خلال السهرة كلها ) .
زبون 5 : اقفل الراديو ما دام العم مونس قد وصل .
الخادم : سنقفله .. سنقفله . ولكن دعوا العم مونس يشرب فنجانا من الشاي ، ويرتح قليلا قبل أن يبدأ .
الزبائن : والله حق .
شاي للعم مونس.
وهات لنا أيضا شاي .
( تخفت الأغنية ، ثم تتوقف بعد وقت . يأخذ العم مونس مكانه ، ويضع كتابه في حجره مواجها الزبائن الذين بدأوا يعدلون من أوضاعهم ، ويزيحون الكراسي ، كي يكونوا في مواجهة الحكواتي ، وأكثر تهيؤا للاستماع إليه . كل شيء يتم بعفوية الخادم يحضر الشاي للعم مونس ) .
زبون : هات نارة يا أبو محمد .
زبون 2 : ( وهو يخرج من جيبه ورقة ملفوفة ) وخذ هذا التنباك … حضر لي نفسا على ذوقك .
( الخادم يروح ويجىء موزعا كلمة ” حاضر ” لكل طلب جديد ).
زبون 3 : أي .. وماذا يحمل لنا العم مونس هذه الليلة ؟.
زبون 2 : هذه المرة جاء دورها .
زبون 3 : تقصد السيرة .
زبون 2 : طبعا سيرة الظاهر . نفد صبرنا ، ونحن ننتظرها .
زبون 1 : أي والله صار أوان سيرة الظاهر بيبرس .
زبون 3 : يا عيني على أيام الظاهر .
زبون 1 : أيام البطولات والانتصارات.
زبون 3 : أيام الأمان وعز الناس وازدهار أحوالها .
زبون 2 : من زمان ونحن ننتظر سيرة الظاهر .
زبون 1 : أي يا عم مونس .. هل تحمل سيرة الظاهر أم لا ؟ .
الحكواتي : ( بهدوء يشرب الشاي ) ما جاء دور الظاهر بعدا .
الزبائن : ( أصواتهم مختلطة ) – ما جاء دور الظاهر بعد.

– ننتظرها منذ نهاية الصيف الماضي.
– كل مرة نطلبها تقول ما جاء دور الظاهر بعد.
– بالله قل لنا.. متى سيأتي دور الظاهر إذن ؟.
الحكواتي : قدامنا حكايات كثيرة ، قبل أن نصل إلى سيرة الظاهر .
زبون 1 : اقلب هذه الحكايات ، وافتح كتابك على سيرته .
زبون 2 : جفت قلوبنا يا رجل ، نريد أن نسمع عن البطولات .
زبون 3 : وأخبار الانتصارات .
زبون 1 : نريد أن نسمع عن الحق الذي يغلب الباطل .
زبون 5 : والعدل الذي يغلب الظلم .
زبون 3 : يا عيني على أيام الظاهر .
زبون 1 : اقلب صفحات كتابك يا عم مونس ، وافتح على سيرته .
الحكواتي: ( الصوت الهادئ نفسه ) الحكايات مربوطة بعضها ببعض لا تأتي واحدة قبل الأخرى . سيرة الظاهر يجىء دورها عندما نفرغ من قصص الزمان الذي بدأنا حكايته .
زبون 2 : أي زمان .
الحكواتي : زمان الاضطراب والفوضى .
زبون 2 : هذا الزمان نعيشه .
زبون 1 : نذوق مرارته كل لحظة .
زبون 3 : قلا أقل من أن ننسى همنا في حكاية مفرحة .
زبون 2 : حكاية البارحة كانت كئيبة يسود لها قلب السامع .
الحكواتي : هذه الحكايات ضروية .
الزبائن : ضرورية .
الحكواتي : وينبغي أن نرويها ..
زبون 2 : لماذا ينبغي أن ترويها ؟.
الحكواتي : لأنها في تسلسل الكتاب ، هي التي تقود إلى زمن الحكايات.
المفرحة . لكل شيء أوان ، وسيرة الظاهر دورها بعد قصص هذا الزمان لا تخافوا .. ستأتي سيرة الظاهر ، وستسمعونها خلال سهرات وسهرات . لكن القصص مرهونة بتسلسلها وأوانها . لكل قصة أوان ( يفرغ من فنجان الشاي ) والآن .. نفتح الكتاب ، ونبدأ بالسلام على النبي …
الزبائن : ( في طبقات صوتية متفاوته ) – اللهم صل على النبي – ألف الصلاة والسلام على النبي .
زبون 1 : وإذن خاب الأمل بسماع حكاية الظاهر .
زبون 3 : يا سيدي ما دام العم مونس موجودا ، سنسمعها عاجلا أم آجلا .
زبون 2 : ألم ينته تحضير النفس يا أبو محمد ؟.
الخادم : حالا .
زبون 1 : إنما الرجاء الآن أن تكون الحكاية طيبة .
الحكواتي : تسمعون وتحكمون بأنفسكم .
الزبائن : يا الله يا سيدي ..
– هات واسمعنا .
الحكواتي:( يبسمل بصوت خافت ، وعندما يبدأ القراءة يتضح جيدا الحياد البارد ، الذي ينضح من صوته ومن تعابير وجهه كلها ) يا سيادة يا كرام … قال الرواي وهو الديناري رحمه الله تعالى …
الزبائن : آمين .
– والله تستحق روحه الرحمة.
– حكايات الديناري .
– حبل لا ينقطع .
الحكواتي : قل الراوي .. كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان خليفة في بغداد يدعى شعبان المنتصر بالله وله وزير يقال له محمد العبدلي . وكان العصر كالبحر الهائج لا يستقر على وضع . والناس فيه يبدون وكأنهم في التيه . يبيتون على حال ويستيقظون على حال . تعبوا من كثرة ما شاهدوا من تقلبات ، وما تعاقب عليهم من أحداث . تنفجر من حولهم الأوضاع فلا يعرفون لماذا انفجرت ثم تهدأ حينا من الزمن فلا يعرفون لماذا هدأت . يتفرجون ، ثم تهدأ حينا من الزمن فلا يعرفون لماذا هدأت . يتفرجون على ما يجري ، لكنهم لايتدخلون فيما يجري . ومع الأيام اعتقدوا أنهم اكتشفوا سر الأمان في مثل هذا الزمان ، فقنعوا بما اكتشفوا ، ورتبوا حياتهم على أساس ما اعتقدوه أسلم الطرق إلى الأمان .
( يدخل خمسة ممثلين .. ثلاثة رجال وامرأتان .. يمثلون جميعا أهالي بغداد في ذلك الزمان ، يتقدمون من الزبائن ، ويتورعون أمامهم… ).
الرجل الأول : وعندما يسمى الخليفة لا أحد يطلب من عامة بغداد رأيا أو نصيحة .
الرجل الثاني : وعندما يسمى الخليفة وزيره يأمرنا بطاعته .
المجموعة : فنطيعه .
الرجل الثالث : وإن غضب الخليفة من وزيره ، وأفلح في عزله .
المجموعة : أيدنا الخليفة ، وأعرضنا عن وزيره .
الرجل الثاني : وكذلك الحال بالنسبة لقاضي القضاة .
الرجل الثالث : وكذلك الحال بالنسبة للقواد والولاة .
المجموعة : لا يطلبون من عامة بغداد رأيا أو نصيحة .
الرجل الأول : ويأمروننا بالبيعة .
المجموعة : فنبايع .
الرجل الثاني : ويأمروننا بالطاعة .
المجموعة : فنطيع .
المرأة الأولى : ذلك هو سر الأمان في هذا الزمان .
الرجل الثالث : تعلمناه من الجلادين وسياطهم المرصعة بالمسامير .
الرجل الأول : ومن حراب الحراس وعيونهم الزجاجية .
المرأة الثانية : ومن السجون التي لا تنفتح أبوابها إلا إلى الداخل .
المرأة الأولى : من أين نطعم أولادنا ، إن اهترأ رجالنا تحت السياط ووخز الحراب .
المرأة الثانية : وماذا نفعل إن انطبقت أبواب السجون على أحبتنا ؟.
الرجل الثالث : وتعودنا تغير الأوضاع .
الرجل الثاني : وتعاقب الخلفاء الوزراء .
المرأة الثانية : وقتل الرجال لأتفه الأسباب .
المرأة الأولى : وغياب رجال لكذبة أو وشاية .
الرجل الثالث : مالنا نحن وشؤون السادة .
الرجل الأول : يأمروننا أن نبايع .
المجموعة : فنبايع .
الرجل الثاني : يأمروننا أن نطيع .
المجموعة : فنطيع .
الرجل الثالث : وفي هذا العصر المضطرب من يعرف اليقين ؟.
المجموعة : ونحن عامة بغداد آثرنا السلامة والأمان ننزف دماءنا الليل والنهار بحثا عن لقمة العيش .
ومحظوظ من تتوفر له في بغداد لقمة العيش .
( بحركات بطيئة ينسحب الممثلون خارجين من المكان ).
زبون 2 : إي والله كأن الأحوال لا راحت ولا جاءت .
زبون 3 : يا سيدي من زمان هذا هو طريق الأمان .
زبون 4 : هات واحد شاي كمان .
الخادم : حاضر .
الحكواتي : هكذا حال الناس في بغداد في سالف العصر والأوان حين كان الخليفة شعبان المنتصر بالله ووزيره محمد العبدلي على وفاق . وكذلك كان حالهم حين بدأ بينهم الخلاف والشقاق . وفي البداية كان الخلاف سرا ، ثم انفجر ، وبدأ يشيع في ردهات القصور ، وينتقل منها إلى المدينة وأسماع الناس . وكان عند الوزير محمد العبدلي مملوك يقال له جابر . ولد ذكي .. وذكاؤه وقاد . أينما حل يحل معه اللهو والمجون . وكان كأهل بغداد آخر من يعينه ما يجري بين الخليفة وسيده الوزير .

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

نفاق رجال الدين ما بعده نفاق

Posted in فكر حر, كاريكاتور | Leave a comment

جفنه علم الغزل

بشارة الخوري

                       جفنه علم الغزل        
              ومن العلم ما قتل                        

                         فحرقنا نفوسنا        
         في جحيم من القبل                     
 ***

                          ونشدنا ولم نزل 
         حلم الحب والشباب                  
                        حلم الزهر والندى        
         حلم اللهو والشراب
 هاتها من يد الرضى       
         جرعة تبعث الجنون
 كيف يشكو من الظما       
         من له هذه العيون
 ***

 يا حبيبي ، أكلما       
         ضمنا للهوى مكان
 أشعلوا النار حولنا       
         فغدونا لها دخان
 ***

 قل ، لمن لام في الهوى
         هكذا الحسن قد أمر
 إن عشقنا .. فعذرنا       
         أن في وجهنا نظر

بشارة الخوري (مفكر حر)؟

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

أعز ما تملكه المرأة

فؤاده العراقيه

شدني قبل ايام موضوع يتعلق بالأوامر القضائية في العراق والتي تنص على اجراء فحوصات عذرية للنساء عشية الزواج , ومنه فكرت بهذا المقال واسترسلت بافكاري رغم انه موضوع قديم لكنه لا يزال يحتاج للكثير من الوعي الشعبي فيه .
لسنين طويلة قضتها مجتمعاتنا وهي تهتم وتكشف عن عذرية النساء , لكن هذه السنين العقيمة لن يتعلموا منها شيئا ولن تساهم الى حد يومنا هذا برفع من ثقافتهم الجنسية بل ساهمت بتشويهها اكثر, فلا يزال الكثير يتخبط بموقعه دون ان يستفاد من تجاربه وحتى من خبرات العالم متمسكين بقشور كان الأجدر بهم رميها في سلة مهملاتهم لكن رجالنا ما زالوا يبحثون بين الطيات وفي سلة المهملات عن غشاء لا اهمية له لكنه بقي مقدسا لهم بأعتبار مسألة الجنس هي اهتمامهم الوحيد , وفي نفس الوقت لا يعلمون عن هذا الغشاء شيء سوى أنه قطرات من الدم تسيل في اليوم الأول من الزواج واذا فقدت يحكمون على زوجاتهم بعدم الشرف , ويفضلون بذلك من كان لديها ذلك الغشاء السميك ولو كان كونكريتيا لكان افضل لهم ويعني لهم بأن شرفها قويا لا يتأثر بالعوامل المحيطة به , ليزداد شرفه من خلال زيادة شرفها !!
فمن خلال فحص انواع الأغشية في معهد الطب العدلي في بغداد ومنذ سنة 1940 ولغاية يومنا هذا لم يتوصلوا لحقيقة هذا الغشاء الذي اصبح شغلهم الشاغل , ولم يتوصلوا لحقائق اصبحت من البديهيات في بلدان العالم وبأنه على اربعة انواع منه المطاطي ومنه السميك ومنه المتوسط واخيرا الرقيق وتكون نسبة هذا الأخير هي 75% ويكون هذا الغشاء غير مرنا يتمزق لأسباب عديدة , اما ال 25% الباقية فهي اغشية لا يسيل منها الدم عند الأتصال الجنسي مثل الغشاء المطاطي الذي يمر منه عضو الرجل دون ان ينزف , وهناك الغشاء الذي يحتوي على فتحات عديدة ويتمزق بسهولة وربما من سقوط او قفز , فلو احصينا نسبة هؤلاء اللاتي امتلكن الغشاء الرقيق واستخرجنا منه نسبة من تعرضن لفقدانه لأسباب لا علاقة لها بالممارسات الجنسية , وأضفنا عليها نسبة البنات اللاتي يولدن بدون غشاء اصلا , ثم اولئك الفتياة اللاتي تعرضن لحالات اغتصاب منذ صغرهن او في كبرهن , لأدركنا بأن نسبة لا يستهان بها من النساء لن تنزف يوم زفافها .

سنين طويلة جرى فيها الكشف عن عذرية الزوجة بأوامر قضائية تتطلب اجراء فحوصات عشية الزواج بطلب من الزوج بعد ليلة الزواج الأولى في حالة شكوكه بعذريتها , فتُساق الزوجة كونها ملغية الأرادة من قبل زوجها واهله واهلها ممتلكين جسدها بالكامل ليتم الكشف عن غشاء بكارتها , ويحق لهم بعدها اصدار حكم الأعدام بحق هذا الجسد وبحق روحها أيضا ويتم ازهاقها احيانا تحت مسمى غسل العار بأسم العشيرة , والعار الحقيقي هي تلك العقول الغافلة التي لم تستطيع الأرتقاء بمستوى باقي البلدان ولم يتوصلوا لحد هذه الساعة بأن هذا الشرف الذي يتحملون من أجله الكثير لا يتمثل بغشاء رقيق يمكن ان يتعرض للفقدان بأي شكل من الأشكال ولعدة اسباب وأولها واهمها هو الرجل نفسه الذي يتمتع بحياة حرة طليقة وسيحاول ان يكرر فعلته وانتهاكاته دون ان ينال العقاب , فيتعاملون مع الزوجة على انها المذنبة الوحيدة وهي من تتحمل دوما العقاب واخطاء وعهر الرجل لتكون هي الضحية المدانة دوما , ويكون عقابها شديدا وبلا ذنب يذكر سوى أنها امتلكت غشاءاً مقدساً لهم والرجل لا يمتلكه , لكن ذنبها الرئيسي هو انها ولدت بهذه المجتمعات التي لم تعي من امرها شيئا وبقيت متمسكة بأمور شكلية عليها ركنها جانبا والألتفات الى ما هو أهم .
أما عن الأسباب الأخرى فهي المفروض أن تكون بلا اهمية كونها تأتي بغير ارادة صاحبة الشأن , وهي تعرضها لأصابات وخدوش من جراء الحركة واللعب والرياضة وربما ركوب الدراجة والخيل احيانا أو القفز والسقوط من مرتفع .
يأخذ الزوج بعد أن أتضح له بأن زوجته قد تم استعمالها من قِبل غيره جميع مستحقات مهره الذي اشترى به هذه المسكينة ومن ضمنها الهدايا التي قدمها لزوجته لو تم الكشف عن حالة خداع بهذه البيعة التي اسموها الزواج , والحقيقة هي من تعرضت لهذا الخداع أو لنقل الأغتصاب من قبل رجلا آخر , فيطلّقها هذا الزوج وتسلّّم الى الأهل وهم من يقررّوا بعدها كيف سيكون العقاب .
هل يمكننا ان نتصور كيف ستكون نفسية فتياتنا من ضيق في فكرهن عندما تتوقف نظرة المحيط لشرفها وحصره في هذا الغشاء دون الألتفات الى فكرهن وارادتهن الحرة , بل لا يهمهم خداعها لهم , لكنهم يفضلون الخداع وهم يعلمون بطرقه جيدا والتي انتشرت في اوساط هذه المجتمعات البائسة المخادعة من طرق ترميم هذا الغشاء أ وشرائه بأبخس الأثمان , بل لا يهمهم ان كانت تمارس الجنس السطحي , فهذه العلاقات لا دليل عليها ولا تخدش كبريائهم الزائفة , المهم ان يكون الغشاء سليما وهي طريقة من طرق خداع انفسهم , وأي علاقات هذه التي ستبنى وكيف ستنظر المرأة لزوجها الذي هو على استعداد للتخلي عنها فورا دون الألمام بظرفها متناسيا الشرخ الكبير الذي سيحدث لزوجته والتي هي من المفترض انها ستكون شريكة حياته , فيبدأ حياته معها هذا لو كان غشائها سليما على اساس الشك والغاء كيانها !!ولا ادري على اي اساس اختارها ؟؟ واين هي عقولهم سواء رجلا او امرأة ؟ هل انحصرت بهذا الغشاء الذي وصفوه بأنه اعز ما تملكه المرأة ؟؟
ماذا عن عقلها ؟؟
العقل والتفكير هو ما يوصل المرأة الى معاني الشرف السامية , حركتها وليس سكونها وترهلها الذي يريد منها المجتمع السكون لأجل المحافظة على هذا الغشاء , عملها المنتج وليس العمل الذي حصرها به المجتمع من غسل الأطباق وتنظيف البيت , حيث تفقد المراة ذاتها بقوانين الزواج هذه , فالرجل سيكون وصيا على جسدها وعقلها وروحها , فتزداد قيودها وأعبائها مما كانت عليه قبل الزواج , فتضطر للتعود على الخنوع وتقبّل الأذلال لتحمي نفسها اجتماعيا بهذا الشر الأكبر , فلا بديل لها بعد الحصار المفروض عليها غير الزواج فهو بالنسبة لها الخلاص من شر مجتمع يغلق بوجهها منافذ الحياة الحقيقية ( شر لابد منه ) لكن الرجل لا يهمه لو تزوج أو استمر في حياته حرا فهو يمتلك حرية العلاقات من خداعه للمرأة واغتصابه لها او حتى تحرشاته الجنسية ليملي بها غريزته ومن دون قانون صارم يردعه عن مثل هذه التصرفات .
هيمنة الرجل وحقه في الوصايا التي امتلكها بتشجيع من مجتمع متخلف تضمنت حقه في امتلاك جسدها وتدخله في ادق تفاصيله .
فلو كان هذا الغشاء دليل عفة المرأة وشرفها !!! فما هو دليل عفة الرجل وشرفه ؟؟
ما السبب في ان المجتمع اباح للرجل ان يعتدي على شرف المراة من خلال اغتصابه لها ؟؟
ما السبب في عقوبة الفتاة التي فقدت غشائها ووصفها بعدم الشرف ؟ وماذا عن شريكها الذي افقدها هذا الشرف من مفهومهم سواء كان اغتصابا او عن طريق خداعها والتسلل لها ؟
ما السبب في حق الرجل في الممارسات العديدة وقت ما يريد ؟؟
سيجيب البعض بأن هناك فروقات فسيولوجية بين الرجل والمرأة !!فالمرأة هي من تحمل وتلد وسينتج عنها اطفال غير شرعيين وستعم الفوضى !! لكنهم لا يدركون الفوضى التي يسببوها بالغاء عقلها والأهتمام بغشاء بكارتها فقط , ولا يدركون الفوضى المتسببة بزواجاتهم الغير واعية وانجابهم لأطفال بدون المامهم بأبسط امور الحياة , وبدلا من ان يحاولوا زيادة وعي فتياتنا بدون كبت وقمع وتخويف ومنع ومن دون ان يردعوا الرجال المسيئة واصدار قوانين صارمة بحقهم لو سولت لهم أنفسهم ان يعتدي على اي فتاة , بدلا من هذا كله يأتون على زيادة مآسيهم بأفكار لا تعينهم للمستقبل .
ننشد لمجتمع يؤمن بمعاني الشرف الحقيقية ولا يقصره على غشاء ممكن ترقيعه او وضع بديلا له وان لا نحصر الشرف به , الشرف يتمثل بصدق الكلمة والعمل الصالح .
لا ننشد أباحيه في العلاقات والفوضى , لكننا ننشد العدل من والمساواة في الحقوق للجنسين , وننشد حق المرأة في الحياة والمطالبة بزيادة وعيها والتخفيف من قمعها لأجل خلق منها انسان نافع , فعقل المرأة اعز ما تملكه وليس غشاء بكارتها بالعقل تستطيع الحفاظ على نفسها , علينا الكشف عن عقول هؤلاء الذين يطالبون بالكشف عن العذرية والبحث عن الأسباب التي جعلت مجتمعاتنا تتخلف عن سائر المجتمعات , قبل الكشف عن عذريتها …..

ابداعنا بوعينا وقوتنا بأملنا … بهم نهزم التخلف وننصر الأنسانية
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

Posted in الأدب والفن, فكر حر | 1 Comment

الافكار البسيطة تنتشر بسرعة

جهاد علاونه

نعم,هو سريع الانتشار ولكن هل تعرفون لماذا؟ قبل الإجابة أقسم لكم بما أنجبته النساءُ من قديسين لا أنوي الإساءة لأحد ولكن على الأقل أنا أجتهد في وصف ظاهرة علمية يجب معرفة أسبابها,من هنا يجب أن تعلموا بأن الأفكار الخرافية والسخيفة والتي تشجع على الجهل تجدون لها أناس متحمسون وفي غاية الحماسة من أجل نشرها ولا تجدون هذا الحماس في الضفة المقابلة للجهل وهي ضفة العقل والمنطق وأنا لا أقول عن الإسلام بأنه سخيف بل أقارن بينه وبين الذين يحملون أفكاره وبين الذين يحملون أفكارا تنويرية, وهذا يا أحبابي ليس خاصا بالإسلام فهنالك أيضا كثيرٌ من الأفكار غير الإسلامية التي تنتشر بسرعة مثل الأخبار السيئة حيث تجد الأخبار السيئة أناسا متحمسين وفي غاية الحماسة ومتشجعين على نشرها ومشحونون بطاقة هائلة للدفاع عنها ودائما الخبر السيئ سريع الانتشار وهذه ظاهرة معروفة عند كل الناس, فالخبر السيئ من ناحية سرعة الانتشار يكون مثله مثل الأفكار السخيفة والتي تدعو إلى الجهل,فلو قلنا لك: ما هو الأسرع انتشارا الخبر السيئ أم الخبر الجيد؟ لقلت لنا بأن الناس تسمع أخبارك السيئة بسرعة ويخبرونك بها حتى من قبل أن تعلمها أنت في حين تكون أخبارك الطيبة في غفلة عن الناس ولا أحد يخبرك بها؟.

حتى الآن يجب أن يكون كلامي مفهوما وهو أن للجهل أناس متحمسون لنشره حماسا كبيرا منقطع النظير, والإسلام اليوم دين غير تنويري وهو يدعو إلى محاربة العلمانية والحرية والديمقراطية وسبب انتشاره بسرعة هو بسبب وجود نشطاء متحمسون جدا لنشره وتجد الذين يحملون أفكارا جاهلية أو أفكارا ميتافيزيقية متحمسون لنشرها ومستعدون تمام الاستعداد للموت دفاعا عنها ودعونا ننظر للفكر التنويري وللحقيقة نفسها حيث سنكتشف بأن الأفكار التنويرية بطيئة الحركة نهائيا وتمشي كما تمشي السلحفاة بين الأفكار التي تدعو للغيبيات ولعدم المنطق تجري بسرعة الصوت أو حتى بسرعة الضوء لذلك التنويريون حركتهم مثل حركة السلحفاة بطيئون جدا ويخافون بينما أصحاب الأفكار غير التنويرية يعدون من أمام عينك مثل البرق لا تكاد أن تلحظهم, وكذلك التشجيع بحيث الناس العوام أغلبهم يشجعون أصحاب البدع والضلالات على نشر أفكارهم لذلك الجهلاء لا يخافون بينما العقلاء نجد أولا بأن حركتهم بطيئة جدا وفي داخلهم خوف شديد.

والفلاسفة والكتاب المتنورون لا يتحركون بسرعة فهم متجمدون في نفس المكان وليس لديهم حماس لنشر أفكارهم التنويرية كما نجد الحماس عند الذين ينشرون الأفكار الجاهلة والسخيفة,والذين يتاجرون بالدين مثلا تجدهم يصرخون بأعلى صوتهم وهم ينادون على بضاعتهم وإذا حضرنا مجلسا وكان في المجلس مجموعة من الدعاة والوعاظ الدينيون وإلى جانبهم رجلٌ متنور نكتشف حقيقة جديدة وظاهرة غريبة وهي أن المتنور لا يجرؤ على الكلام في نفس الوقت الذي ترتفع فيه أصوات الجهلاء وهذا ليس في الدين وحسب بل في كل مجالات الحياة.
وهذا مثله مثل الحقيقة حيث لا يجرؤ من يعرف الحقيقة على البوح بها وكشفها للناس بينما الذين لا يعرفون الحقيقة تجدونهم متحمسون لنشر الأفكار التي تُخفي الحقيقة.

لهذا الاسلام سريع الانتشار والمسيحية بطيئة الحركة وخصوصا في الدول العربية, والذين يؤمنون بالحقيقة تجدهم قلةٌ قليلة والذين لا يؤمنون بالحقيقة تجدهم هم الأكثر انتشارا حتى في داخل الفكرة أو المذهب الواحد,فلا غرابة أن نجد المنتسبين للدين المسيحي أقلة في الدول العربية حتى المؤمنون بالدين المسيحي لا يجرؤون على قول هذه الحقيقة ولا يجرؤون على الجهر بدينهم بينما الذين يلتحقون بالإسلام يصرخون بأعلى صوتهم إننا مسلمون.

الأفكار الشريرة سريعة الانتشار والأفكار الخيرة بطيئة الحركة, والناس الأخيار قليلون جدا والصادقون قليلون جدا ولا أحد يرغب بهم, والناس أصحاب الشر الكل يؤمن بهم بل ويقسمون بحياتهم.

Posted in الأدب والفن, فكر حر | 1 Comment