القاموس الفارسي الغير منحاز

 مفكر حر 30\8\2012

القاموس الفارسي الجديد والغير منحاز

Posted in ربيع سوريا, كاريكاتور | 1 Comment

نبيّك هو أنت.. لا تعش داخل جبّته! (13)؟

وفاء سلطان

جهازك العقائدي هو البوصلة التي أرشدتك إلى المكان الذي تتواجد فيه في الزمن الذي تعيش فيه.
كل ما حولك هو نتيجة حتميّة لما أوصلتك إليها تلك البوصلة.
عندما تستلقي في غرفة الجلوس وتفكر بشرب كأس من الماء، الفكرة القابعة في ذهنك والتي تعرف أي يوجد صنبور الماء تقودك إليه، ولولا تلك الفكرة لما قادتك قدميك إلى جهة الصنبور.
عندما تجد نفسك في المكان غير المناسب في الزمن غير المناسب، لا تستطيع أن تغير وضعك مالم تغير أولا البوصلة العقائدية التي تتبناها.
…………..
كنت في رحلة عمل إلى العاصمة واشنطن، وللعلم أقول: العاصمة واشنطن تبعد عن ولاية كاليفورنيا، حيث أعيش، أكثر من ست ساعات طيران.
كانت المرة الأولى التي قررت فيها أن أستأجر سيارة، كي أذهب من الفندق إلى الأماكن التي أحتاج أن أتواجد فيها دون الحاجة إلى تكسي، شعرت بأنني سأتحكّم بمواعيدي بطريقة أكثر دقة لو فعلت ذلك.
المهم، في اليوم الذي وصلت به، كان عليّ أن أغادر الفندق قليلا قبل السابعة مساء لألتحق بحفلة عشاء. اتصلت بي إحدى المدعوات واقترحت أن تتوقف أمام فندقي، ثم ألحقها بسيارتي، فالمكان لا يبعد سوى 15 دقيقة عن الفندق،
وكان ما أرادت.
عند انتهاء اللقاء تناولت الخريطة التي بومجبها أستطيع أن أعود إلى فندقي، وبدأت استطلعها: خذ الطريق 95 جنوبا ولمسافة 15 ميلا، ثم خذ المخرج الفلاني واتجه إلى اليمين…ثمّ….ثم… وهكذا حتى تصل إلى عنوان الفندق.
أخذت الطريق 95 جنوبا، وبعد حوالي ثلاثة أميال وجدت نفسي على الطريق 95 شرقا، فقلت لنفسي: يا إلهي لقد أضعت الطريق!
خرجت منه عبر أقرب مخرج، ورحت أبحث عن الطريق 95 جنوبا فأخذته مرة أخرى. لم أكد أقطع بضع أميال حتى وجدت نفسي على طريق آخر، فقلت: يا إلهي لقد أضعت الطريق مرة أخرى!
فخرجت عبر أقرب مخرج….وهكذا دوالييك، كلما أخذت الطريق الأصلي أجد نفسي على طريق آخر.
مضى قرابة ساعتين ولم أصل إلى الفندق. كان الوقت متأخرا لأتصل بأحد، فاتصلت بالفندق، وراح عامل الإستعلامات يوجهني إلى العنوان الصحيح، فيقول لي مثلا: خذي الطريق الفلاني جنوبا….فآخذه لأجد نفسي على طريق آخر يتجه شمالا.
أحسست بأن الغابات الكثيفة التي تحيط بي من كلّ حدب وصوب قد ابتلعتني، ولم أعد أرى السماء من كثرة الأشجار التي تغلّف الطريق. قررت أن آوي إلى أقرب فندق أصادفه وأبيت الليلة وغدا صباحا أتصل بأحد زملاء العمل من سكان المنطقة ليساعدني.
خجلت من نفسي وشعرت بأن خللا ما قد حدث، إنها المرة الأولى التي أتعرّض فيها لموقف كهذا.
أوقفت سيارتي في مرآب أول فندق استطعت أن أتبينه وسط الغابات، ثم ولجته. بعد أن أدخل عامل الإستعلامات في كمبيوتره المعلومات اللازمة ناولني مفتاح الغرفة وسألني: هل أنت بحاجة لمن يساعدك على نقل حقائبك إلى الغرفة؟
نظرت اليه وأنا في حالة إرهاق، وقلت: صدق أو لا تصدق، لا أملك حقائبا!
فردّ: أعتقد أنك أضعت حقائبك أثناء الطيران!
قلت: بل أنا من ضاع يا سيدي! ثم ابلغته بما حدث. فردّ على الفور: أتوسم أنك قادمة من كاليفورنيا!
دُهشت عندما سمعته يقول ذلك، فسألت: وكيف عرفت؟
ابتسم وقال: يبدو أنك لم تسمعي بطرفة الهياكل العظمية، ثمّ راح يروي عليّ كيف كان سائح يقود سيارته في العاصمة واشنطن وإذ به يُفاجئ بأن بعض السيارات من حوله تُقاد بهياكل عظمية، فارتعب من ذلك المنظر ووقف يسأل بعض المارة عن سر تلك الظاهرة الغربية. قال له أحدهم: لا تخف يا سيدي! إنهم بشر من كاليفورنيا جاؤوا إلى العاصمة في رحلة عمل، وماتوا وصاروا هياكل عظمية ولم يصلوا بعد إلى عناوينهم.
شرح لي العامل الخلل في عدم وصولي إلى الفندق الذي يبعد ربع ساعة فقط عن الفندق الذي توقفت فيه. ركبت سيارتي، وبناء على تعليماته، كنت في فندقي خلال أقل من خمسة عشر دقيقة.
………….
ماالذي حدث، وأين كان الخلل؟
كاليفورنيا ولاية تمتد عبر مساحات شاسعة جدا ومسطحة في أغلبها، وهي ولاية حديثة قياسا بالعاصمة واشنطن. جميع الطرق فيها مستقيمة وتقطع الولاية من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها تماما كلعبة “الكلمات المتقاطعة”. تأخذ نفس الطريق من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال دون أن تتغير جهته أو اسمه. عندما تنتقل من مقاطعة سان دياغو في أقصى الجنوب إلى مقاطعة سان فرانسيسكو في أقصى الشمال، تأخذ الطريق 5 شمالا وتسحب بطريقة مستقيمة ودون أن يتغير اسم الطريق حتى تصل، وإذا أردت أن تعود تأخذ نفس الطريق جنوبا وتسحب دون أن يتغير اسم الطريق حتى تصل.
العاصمة واشنطن جبلية ولا وجود للطرق المستقيمة فيها، فالطرق الجنوبي يلف بشكل حلزوني فيأخذ مثلا الشرق أو الغرب ثم يلف ويعود جنوبا، وكلما تغيّرت جهته يتغير اسمه.
في كاليفورنيا عندما تتغيّر جهة الطريق الذي تقصده أو اسمه هذا يعني بأنك ضللت الطريق، أمّا في واشنطن العاصمة فالطريق الذي تقصده قد يتغير اتجاهه، ثم يلف ويدور ليعود إلى إتجاهه الأصلي.
جهازي العقائدي كان مبرمجا حسب نظام الطرق في كاليفورنيا، وهو لا ينطبق على نظام الطرق في العاصمة واشنطن، ولذلك لم تستطع بوصلتي العقائدية أن تصل بي إلى هدفي.
رفضت السؤال وأصريت على استخدام برمجتي العقائدية في مكان لا تصلح فيه تلك البرمجة للإستخدام، لذلك لم أصل حتى استبدلت برمجتي القديمة ببرمجة أخرى مخصصة للمكان والزمان اللذين كنت أقود فيهما.
…………
من يستخدم بوصلة عقائدية لا تصلح لزمانه ومكانه يموت ويتحول إلى هيكل عظمي ويظلّ يبحث دون جدوى عن هدفه.
الناس في العالم الإسلامي هياكل عظميّة تبحث دون جدوى عن أهدافها، وذلك
لأن البوصلة العقائدية التي يتبنونها لم تعد تصلح لزمانهم، فعجزت عن إيصالهم إلى المكان الصحيح في ذلك الزمن.
في عصر محمد كان السيف وسيلة عيش، أما في عالم اليوم فوسائل العيش كثيرة، لكنّها أبعد ما تكون عن حدّ السيف!
منذ أن قال محمد: “من لم يغزُ ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية أو مات على شعبة النفاق” والرجل المسلم يتصيد منصبا كي يغزوه، ومتى اُتيحت له الفرصة يغنم كل ما تقع عليه يده بدون رحمة أو شفقة التزاما بعقيدة الغزو والغنائم، ومن لم تتح له تلك الفرصة يقضي حياته لاهثا وراء الرغيف.

لذلك يموت المسلمون اليوم جوعا، ولا أمل في لقمة عيش نظيفة ما لم يضعوا عقيدة الغزو والغنائم على محكّ الشك ويتساءلوا عن مدى جدواها في هذا الزمن، ثم يتبنوا مفهوما جديدا يحثّ على العمل المثمر الشريف كخيار وحيد في العصر الحديث.
***********
العقيدة كالكماشة تمسك الإنسان بين فكيها، وتجبره على أن يرى البطة عنزة حتى ولو طارت، وبذلك تمنعه من أن يشرب حليب العنزة أو يأكل بيض البطة لأنه دوما يطارد البطة كي يحلبها والعنزة كي يحصل على بيضها.
ويبقى السؤال: هل يستطيع الإنسان أن يفكّ برمجته التي سجنته داخل قالب حديدي؟ كيف يستطيع الإنسان أن يكسر جدران سجن وجد نفسه يعيش داخله منذ ولادته، ولا يعرف شيئا خارج حدود ذلك السجن؟!!
يؤكد علم النفس بأن الإنسان يقع داخل مصيدته العقائدية في السنوات الأولى من عمره، ويناضل لآخر يوم في عمره كي يبقى داخل تلك المصيدة أو كي يغادرها.
إذا اقتنع فيها يقضي عمره مدافعا عن البقاء داخلها، وإذا أحس بألمها يقضي عمره مدافعا عن الخروج منها.
ولا يستطيع الإنسان الخروج من مصيدته العقائدية مالم يتحرر أولا من مخاوفه، تلك المخاوف التي تمنعه من سبر أغوار العالم المتاح له خارج حدود تلك المصيدة.
…..
في الجزء التالي من هذا الكتاب سأحاول جاهدة أن أساعد قارئي كي يخرج من المصيدة التي وقع فيها عندما يحسّ بآلامها.
الخروج ليس سهلا لكنه ليس مستحيلا، والخطوة الأولى تقتضي أن نحرر عقولنا من مخاوفها، ثمّ نبدأ السؤال.
………………
طرح السؤال هو الطريقة الوحيدة لكسر القالب العقائدي الذي جمّدنا.
كلما أعاد الإنسان تقييم عقائده كلّما استطاع أن يتبنى أفكارا جديدة تساهم في تحسين حياته.
لا يبدأ التقييم إلا عندما نشكّ بمدى فعالية ما نؤمن به في الزمن الذي نعيشه وفي المكان الذي نتواجد فيه، ثمّ نتساءل: كيف نزيد من مستوى تلك الفعالية؟
لم تحقق البشرية في حياتها إنجازا الاّ وكان جوابا لسؤال.
في عصر انشتاين كان هناك اعتقاد راسخ بأنّ سرعة الضوء ثابتة، فتساءل انشتاين خارج حدود ذلك الإعتقاد: اذا وضعنا الضوء داخل صاروخ هل ستزداد سرعته؟! وفي محاولة للإجابة على سؤاله توصل الى وضع نظرية “النسبيّة”!
لقد استطاع شخص واحد أن يغيّر مستقبل العالم عندما تجاوز قناعات زمنه فسأل سؤالا وحاول أن يُجيب عليه!
الحياة برمّتها لغز ولم يستطع جهاز عقائدي ثابت أن يفسّر ذلك اللغز. كلّ فكرة جيدة تتجاوز حدود العقائد الثابتة تنتقل بنا إلى نقطة أقرب لحلّه.
جمال الحياة يكمن في أن تبقى دوما وأبدا لغزا، وفي أن يبقى العقل حرا كي يتجاوز حدود برمجته، ويستمتع دائما باقترابه من فهم ذلك اللغز.
الفضولية هي التي تقودنا الى فهم الحياة بطريقة أفضل، الشكّ والسؤال هما الطريق الوحيد لاشباع تلك الفضولية.
عندما يسمح الإنسان لنفسه أن يشكّ بمصداقية عقائده ثمّ يسعى بكلّ جهده لتحسينها، سيتوصل في النهاية الى جهاز عقائدي ديناميكي يخدمه دون أن يسوده.
حبّ الفضول هو أقدس الملكات التي منحتها الطبيعة للإنسان، وعليه أن لايتخلّى أبدا عن فضوله!
حبّ الفضول يدفعه لينشد المعرفة، وفي معرفته تكمن قوته!
برنارد شو كان يقول:
الفرق بين الرجال يكمن في أن بعضهم يرون الأشياء كما هي ويقبلون بها كما هي، والبعض الآخر ينظرون اليها كما يريدونها، ويتساءلون لماذا ليست كما نريدها؟
التفكير، في حقيقة الأمر، ليس سوى عملية يطرح خلالها العقل سؤالا، ثم يجيب عليه.
Hulda Crooks هولدا كرووكس امرأة في السبعين من عمرها تساءلت:
ماذا أستطيع أن أفعل في هذا السن كي لا أشعر بعجزي ومللي؟!!
فخرجت بقناعة، تغاير القناعة التي برمجتها، على أن رياضة تسلق الجبال من أفضل الرياضات التي تناسب سنها.
كانت أعمر انسان يستطيع أن يتسلق Mount Fuji في التاريخ.
ما الذي ميّز السيدة كرووكس عن سيدات عصرها؟!!
طبعا تجاوزها للقناعة التي برمجت نساء عصرها، وهي أن الإنسان في السبعين من عمره لا يستطيع أن يتسلق جبلا عجز الكثير من الشباب عن تسلقه!
كم امرأة في مثل سنها لعبت قناعاتها المعاكسة لقناعات السيدة كرووس دورا في تحويلها الى قطعة اثاث تنتظر حتفها!
عندما يحولك جهازك العقائدي إلى مجرد قطعة أثاث تنتظر حتفها يجب أن تعيد النظر في ذلك الجهاز!!
ثقتك، أو عدم ثقتك، بنفسك هي جزء من تركيبتك العقائدية.
عندما تجد نفسك في أسفل القاع لن تستطيع أن تتسلق الى القمة إلاّ عندما تحسّن مدى ثقتك بنفسك، وبالتالي عندما تغير جزءا من جهازك العقائدي!
……….
حتى في أحلك لحظات حياتك قد ينقذك السؤال من اعتقاد أقنعك بأنه لا مهرب لك من تلك اللحظة الحالكة التي تعيشها.
السيد Stanislavski Leech رجل يهودي قادته النازية من بيته الى أحد المعتقلات كي ينتظر دوره وهو في طريقه الى غرفة الغاز.
كان محاطا بكثير من المعتقلين، وبدا الهرب من ذلك المعتقل ضربا من المستحيل، لكنه لم يحرم نفسه من حريّة السؤال وراح ينتقل بين المعتقلين طارحا عليهم سؤالا:
فكروا معي، هل هناك طريقة نهرب بها من هذا المعتقل؟!!
كانوا ينظرون اليه بعين الأسى ويتهمونه بالجنون، ثم يغروقون في صلواتهم كي يتدخل القدر وينقذهم.
لم ييأس مستر ليتش وظل ينتقل بينهم طارحا سؤاله.
في الليل شمّ رائحة كريهة فنظر باتجاهها، ليرى شاحنة تقف في زاوية من زوايا المعتقل مليئة بالجثث العارية، وبسرعة البرق وجد فيها جوابا لسؤاله فالحياة لا تبخل بالأجوبة.
خلع ثيابه، كي لا يكتشف أحد حقيقته، ثمّ ازاح بعض الجثث واندس بينها.
كادت رائحتها تقتله، ناهيك عن الضغط الذي خلفه القاء مزيد من الجثث فوقه.
في الصباح تحرك محرك الشاحنة، وأدرك ليتش بأنهم في طريقهم الى المقبرة.
قاد السائق الشاحنة الى منطقة بعيدة عن المدينة وألقى بحمولتها في حفرة كبيرة مجهزة لتكون مقبرة جماعية، ثم غادر كي يجلب المزيد.
ركض السيّد ليتش خمس وعشرين كيلو مترا عاريا قبل أن يصل الى مكان آمن.
ما الفرق بين ليتش وغيره من المعتقلين؟
الفرق الوحيد يكمن في امتلكاه لحرية السؤال وبحثه عن جواب!
جميع المعتقلين استكانوا لجهازهم العقائدي الذي أقنعهم بأنه لا مفرّ من المعتقل ذي الاسوار الحديدية العالية والأبواب الموصدة.
وحده ليتش، الذي لم يستكن لذلك الجهاز، طرح سؤالا ووجد له جوابا!
……………
أفضل من يستطيع ان يسأل هم الاطفال، لأنهم يسألون بلا حدود، بلا قيود وبلا خلفيّات.
هم، ومن خلال أسئلتهم، يسعون لبناء جهازهم العقائدي. الحرية التي نسمح لهم بها أن يسألوا وطبيعة أجوبتنا تحدد في المستقبل ماهية ذلك الجهاز.
هم مخلوقات جاهزة للتعليم، ويجب أن يتمّ تعليمهم ضمن بيئة ديناميكية تسمح بحرية السؤال وبحرية البحث عن جواب، والاّ تحول التعليم الى عملية تلقين وبرمجة تكّرس الواقع وترفض تغييره نحو الأفضل.
في البيئة الإسلامية يولد الطفل مقموعا، يقتل النمط التربوي المتبع في تلك البيئة لدى الطفل غريزة الفضول وهي مازالت في مهدها.
كل فعل يقوم به تلقائيا لا يسمع تعقيبا عليه سوى إحدى كلمتين إما “عيب” وإما “حرام”.
في الحالة الأولى يحسّ بالعار من العيب الذي اقترفه، وفي الحالة الثانية يحسّ بعقدة الذنب من الحرام الذي ارتكبه، وكل من هذين الإحساسين يكفي لتدمير حياته.
لذلك، وتجنبا للعيش تحت وطأة تلك الأحاسيس، يقضي حياته حارسا أمينا لحدود جهازه العقائدي كي لا يتجاوز تلك الحدود قيد أنملة.
………………
عام 2002 تقدم طبيب أمريكي في مدينة سان فرانسيسكو إلى المحكمة بدعوى يطلب من خلالها عدم السماح للمدارس في أن تفرض على الطلاب ترداد النشيط الوطني الأمريكي، بحجة أن ذلك النشيد يتضمن مقطعا يقول: نحن أمة واحدة تحت عرش الله…..One nation under God
وهذا المقطع يؤكد تدخل الدين في الدولة، خلافا للدستور الأمريكي الذي يصرّ على الفصل بينهما.
رُفعت القضية يومها إلى المحكمة العليا، واحتدم الخلاف على الصعيد الشعبي بين مؤيد ومعارض، فلجأ الإعلام كالعادة إلى استجواب الناس على اختلاف عقائدهم.
صحيفة Press Enterprise الصادرة في مقاطعة ريفرسايد في ولاية كاليفورنيا قابلت الشيخ المسلم مصطفى كوكو المسؤول عن المسجد في الولاية المذكورة وسألته عن رأيه، فأجاب حرفيا: “هل ذكر الله يؤذي أحدا؟ هل أدى النشيد الوطني يوما إلى قتل أحد لإحتوائه تلك العبارة؟ وتابع: نحن في السودان ننشد مقطعا مشابها لهذا المقطع، اقترح هنا أن نغير الدستور كي نضع حدا لذلك الجدل!”
يريد الشيخ مصطفى كوكو أن يغيّر الدستور الأمريكي كي يتمكن الشعب الأمريكي من ترداد مقاطع تشبه المقاطع التي يرددونها في وطنه الام السودان؟! لكنه لا يعترف بأنه فرّ هاربا من السودان والتجأ إلى أمريكا كي يحتمي بذلك الدستور الذي يضمن حقه في أن يمارس حرياته، ولو أتيح له أن يحقق حلمه هذا ويغير الدستور لأصبحت مقاطعة ريفرسايد جنوب السودان ولاضطر من جديد أن يبحث عن وطن آخر يلجأ اليه.
قامت الصحيفة نفسها بطرح نفس السؤال على الحاخام اليهودي Harold Kimenker المسؤول عن المعبد اليهودي في المقاطعة نفسها. تعالوا نقرأ بإمعان رده، ونقارنه برد الشيخ كوكو:
“إن قرار المحكمة بإلغاء النشيد من المدارس مناسب جدا، وسيلاقي دعما من كل يهودي في أمريكا. كيف نستطيع كأقلية يهودية في أمريكا أن نمارس حقوقنا ما لم نعترف بحقوق الأقليات الأخرى بما فيهم الأقلية التي لا تؤمن بالله؟”
……
الرجل اليهودي كالرجل المسلم كلاهما تبرمجا على أن يُقحما الله في كل شاردة وواردة.
لكن، وعلى حدّ قول أحد الحاخامات: “يجب أن نعيد النظر في مفهومنا للتوراة قبل أن نضطر قسرا إلى تركه” استطاع اليهود أن يتجاوزوا مفهموم ما جاء في كتبهم.
لقد أثبتوا للعالم إنهم قادرون على التكيف مع الزمان والمكان اللذين يتواجدون فيهما، بينما ظلّ المسلمون جثة هامدة تكفنها جبّة نبيهم!
**********************
أشكر جميع الأخوة القراء الذي كتبوا لي يستفسرون عن سرّ غيابي الطويل…
من يرغب منهم يستطيع أن يشاهد مقابلتي مع برنامج “سؤال جريء” على هذا اللينيك:
http://islamexplained.com/DaringQuestionEpisode67/tabid/923/Default.aspx

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

نبيّك هو أنت، لا تعش داخل جبّته..! (12)؟

وفاء سلطان 

هل سينقرض الإسلام أم المسلمون؟
…………..
عام 1932 ولدت الطفلة الأمريكية آنا
Anna
في إحدى قرى ولاية بنسلفانيا النائية كثمرة لعلاقة غير شرعية.

كان جدها، والد أمّها، فلاحا كاثولكيا متعصبا. رفض آنا رفضا قاطعا، ولكي يتفادى رؤيتها بعد أن هربت والدتها وتركتها في رعايته قام بسجنها في إحدى غرف المؤونة القابعة في الطابق العلوي لبيته، والتي لا تحوي أية نافذة باستثناء طاقة صغيرة يدخل منها الهواء وبعض أشعة الشمس.
لم يسمح لأحد برؤيتها، وكان يلقي لها الطعام والشراب وينظف قازوراتها وهي تغط في نومها.
عندما بلغت آنا السادسة من عمرها، وبالصدفة المحضة، اكتشفها بعض المارة فأبلغوا السلطات المسؤولة عن حماية الأطفال في الولاية.
هاجم البوليس بيت الجد وعثروا على الطفلة. لم تكن آنا آنذاك سوى شبحا لا يملك من صفات البشر سوى العظم والجلد.
تلقفها علماء النفس والإجتماع وبدأوا يدرسون حالتها. لم تستطع آنا أن تتفاعل معهم إلا من خلال صوت غريب كان يصدر عنها بين الحين والآخر.
بعد دراسة كافية وافية، اكتشفوا أن ذلك الصوت ما هو إلا صوت هدير القطار الذي كان يمرّ على بعد ميل واحد من بيت جدها مرتين في اليوم، والذي يبدو أنه الصوت الوحيد الذي سمعته خلال حياتها.
تفرغت عالمة نفس أمريكية لدراسة حالة آنا، وحاولت بكل جهدها أن تعيد تأهيل تلك الطفلة، لكن محاولتها باءت بالفشل، وماتت آنا بعد ثلاث سنوات من إكتشافها.
استنتج علماء النفس والسلوك، من خلال قصة آنا والتجارب الأخرى المماثلة، على أن الإنسان لا يولد إنسانا وإنما مخلوقا قابلا للتأنيس.
يتميّز الإنسان عن غيره من الحيوانات بملكاته الجينية التي تؤهله على أن يتبرمج لاحقا من قبل المحيطين به. لكن عندما لا يتم استخدام تلك الملكات، كما في حالة آنا، يهبط الإنسان إلى مستوى أدنى بكثير من مستوى أي حيوان آخر.
كانت آنا في حالتها تلك أدنى سلوكيّا وعقليّا وعاطفيّا من أي حيوان آخر. لم تكن في عامها السادس قد تبرمجت بعد لتعيش حياة البشر، ولذلك فشلت وماتت عندما تطلّب الأمر منها أن تعيش كإنسان.
يقول نبي الإسلام: كل مولود يولد على الفطرة (والفطرة عند الله الإسلام) فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه…
لو كان هذا الكلام صحيحا لصاحت آنا “لا إله إلا الله ومحمد رسوله”، بدلا من أن تقلد صوت القطار الذي لم تسمع في حياتها صوتا غيره، وهو وحده الذي قام ببرمجتها.
…………..
منذ آلاف السنين أكد أرسطو على أنّ الإنسان يتعلم الأخلاق عن طريق التقليد، فهو يقلد ما يفعله غيره، ومع الزمن يتحول السلوك عن طريق التكرار إلى عادة متأصلة.
هذا ما أكده أرسطو، ولم يختلف معه أي من علماء السلوك حتى تاريخ اليوم، باستثناء أنهم أضافوا على أنّ الإنسان يتعلم السيّء أيضا، وليس فقط الأخلاق، عن طريق تقليد الآخرين.
أطلقوا على عملية التقليد تلك تعبير
Internalization
أي “التشرب”، والذي يعني أن الإنسان يتشرّب قيم الوسط الذي يعيش فيه. يتم معظم التشرب خلال السنوات الأولى من العمر ويستمر حتى آخر يوم منه.

فالإنسان يعيش حياته بكل مراحلها كالإسفنجة التي تمتص محتويات الوسط الذي توجد فيه بخيرها وشرها.
لم تستطع آنا أن تمتص من وسطها سوى صوت القطار، ولذلك عجزت على أن تظهر من معالم إنسانيتها سوى قدرتها على تقليد ذلك الصوت.
ومن خلال دراسة ذلك السلوك بالتفصيل، لاحظ العلماء بأنّ الإنسان يقلد كل من حوله، ولكنه يختار عادة شخصا ما في حياته ويعتبره مثله الأعلى، ثمّ يمتص منه أكثر مما يمتص من غيره محاولا أن يتبنّى شخصيته دون سواها.
تتمّ عملية اختيار المثل الأعلى
Role Model
ومحاولة تقليده بالوعي أو باللاوعي، وتدعى تلك العملية في علم السلوك
Identification
أي التقمّص.

كان القطار الكائن الوحيد في حياة آنا، ولذلك لم يكن أمامها من خيار سوى أن تختاره كمثلها الأعلى، ثمّ حاولت أن تتقمص شخصيته بتقليدها لصوته كقيمة وحيدة اكتشفتها فيه.
هناك حقيقة أخرى مثيرة للدهشة توصل إليها هؤلاء العلماء في سياق دراستهم لمفهوم “المثل الأعلى”، وهي أنه كلما ازدادت شهرة شخص ما كلما ازداد احتمال أن يختاره الآخرون كمثلهم الأعلى، وكلما ازدادت أهمية الدور الذي يلعبه ذلك الشخص كمثل أعلى.
وهنا تبرز أهمية المشاهير في المجتمع وفي أي حقل من حقوله، كأبطال السينما ولاعبي الرياضة والأنبياء ورجال الدين والمفكرين وغيرهم، كمثل أعلى يقتدي بهم الناس الذين يعيشون في ذلك المجتمع.
في منتصف التسعينات وقعت شركة نايكي للأحذية الرياضية مع مايكل جوردن لاعب كرة السلة الأمريكي الشهير عقدا بملايين الدولارات، على أن يظهر من خلال دعاية تلفزيونية وهو يرتدي حذاء نايكي ولمدة بضع ثوان.
تجاوزت مبيعات تلك الشركة من الحذاء في العام الأول بعد بث الدعاية الثلاثة بليون دولارا، وهو رقم قياسيّ في تاريخها.
صاحب محل لبيع الأحذية في شيكاغو قال: في اليوم الأول بعد بث تلك الدعاية تلقيت أكثر من ثلاثمائة مخابرة هاتفية من مراهقين يسألونني إن كنت أقتني حذاء مايكل جوردن.
في البلدان الحضارية التي تحترم إنسانها وتهتم بمثله الأعلى، يضع المجتمع مشاهيره تحت عدسة مجهره ويراقبهم عن كثب، ثمّ يقيّمهم بطريقة قاسية جدا إلى درجة قد دفعت بعضهم إلى القول: لا أريد أن أكون مثلا أعلى فأنا لست إنسانا مستقيما! محاولين بذلك أن يخففوا من ضغوط المجتمع التي يضعها فوق كاهلهم ليكونوا إناسا مستقيمين.
من لا يذكر
Rose Pete
كأشهر لاعب بيسبوول في تاريخ أمريكا، وكان في زمنه مثلا أعلى لكل شباب جيله.

قرروا أن يصنعوا له تمثالا ويضعوه في متحف المشاهير في العاصمة واشنطن
Hall of fame.
قبيل ذلك بزمن قصير اعترف، عبر مقابلة وجد نفسه خلالها تحت المجهر، بأنه قامر مرّة في لاس فيغاس على خسارة فريقه، فسقط سقوطا مريعا في تلك اللحظة، وخسر لقبه كـ
Hit king
وفرصة ليخلد في متحف المشاهير.

يجب على كل مجتمع أن يرى مثله الأعلى داخل كرة من الكريستال، فينقضّ عليه عندما يُسيء إلى دوره، وهذه هي ضريبة الشهرة!
فمتى يرى المسلمون نبيهم و “اسوتهم الحسنة” داخل تلك الكرة؟!!
………………….
معظم الردود التي تناولت كتاباتي سواء الرسائل التي تصلني من خلال بريدي الإلكتروني أو المقالات التي تنشر في الكثير من المواقع قد أجمعت على أنني لا أميّز بين الإسلام والمسلمين، مطالبة إياي أن لا أقيّم الإسلام من خلال تصرفات المسلمين!
أشعر بالشفقة على هؤلاء الذين يطلبون مني أن أميّز بين هدير القطار والصوت الذي تصدره آنا!
يقول المؤرخ والكاتب الأمريكي المبدع
DAVID C. MCCULLOUGH
: التاريخ هو من نحن وكيف أصبحنا من نحن.

ست سنوات كانت تاريخ آنا، ولم يحمل لها ذلك التاريخ سوى هدير القطار الذي كان يمر على بعد ميل من بيت جدها، ولذلك لم تستطع كمخلوق بشري أن تتجاوز ما قدمه لها تاريخها، فأصبحت من خلال تقليدها لهدير القطار ذلك التاريخ.
ألف وأربعمائة عام والمسلمون مسجنون في إحدى زوايا الأرض المظلمة، لاتربطهم ببقية العالم علاقة، لا يسمعون في سجنهم سوى هدير نبيهم، فكيف تريدونني أن أفصل بينهم وبين ذلك الهدير؟!!
أما المؤرخ الفرنسي
ETIENNE GILSON
فيقول: التاريخ هو المختبر الوحيد الذي يُثبت نتيجة الفكرة.

اليست ألف وأربعمائة سنة كافية لإثبات نتائج الفكر الإسلامي؟!! أليست أوضاع المسلمين هي النتيجة الحتمية لذلك الفكر؟!!
…………….
منذ أقل من اسبوعين قام رجل يمني يتجاوز الثلاثين من عمره باغتصاب طفلة لا تتجاوز الثامنة من عمرها على سنة “الله” ورسوله!
عندما قرأت النبأ في موقع “العربية” كان هناك أكثر من مائتي تعليق، أدلى بهم القراء من كلّ حدب وصوب.
أجمع كلّ القراء، بلا استثناء، على وحشية تلك الجريمة وانهالوا على مرتكبها بأبشع الشتائم. لكنهم نسوا أو تناسوا بأن ذلك الرجل المسكين القابع في أحد جحور اليمن لم يسمع في حياته سوى هدير نبيه، ولذلك لم يخرج في تصرفه عن حدود تقليد ذلك الهدير!
كانت الطفلة عائشة في عامها السادس عندما رفض محمد أن يدخل فيها واكتفى بمفاخذتها، “رحمة” بعمرها الغض! ثم صبرَ صبر الأنبياء حتى بلغت عامها التاسع فاستمتع بها، وكان يومها فوق الخمسين!
لا فرق بين هدير القطار وصوت آنا فكلاهما نفس الصوت، ولا فرق أيضا بين نكاح محمد لعائشة ونكاح صاحبنا اليمني لطفلته، فكلاهما نفس الجريمة!
هذان الحدثان يثبتان قوة العلاقة بين المثل الأعلى وأتباعه!
ويستحيل عليّ، كما يستحيل على غيري، الفصل بينهما.
………..
حتى تاريخ بداية عصر الإنترنيت استطاع الإسلام أن يحمي نفسه بالسيف، سجن أتباعه بين دفتي القرآن وكتب الحديث، ولم يسمح لهم بتجاوزها خوفا من حد ذلك السيف.
حسب إحصائيات الأمم المتحدة لا يزيد عدد الكتب التي طُبعت في العالم العربي خلال التاريخ الإسلامي كله عن عدد الكتب التي تمّ طبعها في اسبانيا، كأفقر دولة اوروبية، في عام واحد.
ألا نستطيع، وبناء على تلك الحقيقة المرعبة، أن نتصور حجم العزلة التي فرضها الإسلام على أتباعه؟!!
بين ليلة وضحاها فاق المسلم ليجد بحرا من المعلومات، وقد أغرق غرف نومه وأفسد عليه عزلته.
حتى تاريخ منتصف التسعينات لم أقرأ في حياتي سطرا واحد تناول التعاليم الإسلامية بالنقد. فجأة وبدون سابق إنذار رأينا الغسيل الإسلامي بكل أدرانه منشورا على حبال العالم كله.
العقول الإسلامية التي تبرمجت قبل منتصف التسعينات ستظل، ولو نظفناها بالأسيد، أسيرة ذلك الفكر مهما تظاهرت بأنها تحررت منه.
هل هناك أسيد يستطيع أن يتفوق على الفكر الماركسي في قدرته على تنظيف العقل من أدران الأديان؟!!
طبعا لا يوجد، ومع هذا نرى المسلم المتمركس يسقط بين الحين والآخر مع القرضاوي في نفس الخندق، كمؤخرتين في سروال واحد!
أما الأجيال المسلمة التي بدأت عملية برمجتها بعد ظهور الإنترنيت ستتحرر، ولو عاشت داخل قبضة القرضاوي، من أدران الإسلام إلى حد ما، وكل جيل يأتي بعدها سيكون أكثر تحررا.
لم يعد باستطاعة أحد أن يسجن ابنه أو ابنته في غرفة المؤونة، فالإنترنيت تدخل مع الضوء والهواء وتحمل الحقائق المجردة بلا رسوم جمركية!
قد يحتج أحد بقوله: ولكنها تحمل في الوقت نفسه المزيد من هدير محمد، وعليه أردّ:
لا ضير من ذلك، فعندما تتنافس البضائع يستطيع الإنسان أن يميّز غثها من ثمينها، لقد استطاع الإسلام أن يستمر لأنه لم يسمح لمنافس آخر أن يتصدى له في تاريخه، أما اليوم فلقد خرج الأمر عن نطاق سيطرته، ولم يعد باستطاعته أن ينفرد في ساحة الوعي واللاوعي عند أتباعه!
يتهافت رجال الدين الإسلامي اليوم على الإنترنيت كما يتهافت الجراد على حقل زرع، وتذكّرني أسرابهم الهائمة بما كنت أراه في مختبر الأحياء الدقيقة في كلية الطب يوم كنت طالبة.
في ذلك المخبر كنا نراقب تحت عدسة المجهر مزارع جرثومية مخلتفة. عندما نسقط فوق إحداها قطرة من المضاد الحيوي المناسب كانت الجراثيم تنشط وتزداد حركتها بشكل هستريائي. ثمّ وبعد زمن قصير، يصل خلاله المضاد الحيوي إلى عتبة مفعوله، تموت تلك الجراثيم وتخمد حركتها إلى الأبد.
في أقلّ من ثانية وجدت تلك الجراثيم نفسها في حالة مواجهة مع المضاد الحيوي. كما وجد رجال الدين الإسلامي، ولأول مرّة في تاريخهم، أنفسهم في حالة مواجهة مع الحقيقة!
الهستيريا التي ضربت قطيعهم لن تطول، وعندما يصل عصر المعلومات إلى عتبة مفعوله سيخمد هديرهم إلى الأبد.
إنها مسألة وقت يتحرك بسرعة الضوء، ولا يحتاج ذلك الوقت في نقله للحقيقة إلى نوافذ في غرف المؤونة، كما ولا يخاف من سيف.
……….
لقد بدأت الأجيال الجديدة من المسلمين تعي بأن الإعتداء على حرمة طفلة من قبل رجل بالغ لا يمكن أن يكون وفق أي مقياس زواجا أخلاقيا، بل اغتصابا وجريمة يُفترض أن يعاقب عليها القانون.
معرفتهم تلك هي الخطوة الأولى في طريق تحررهم من عقائدهم، ولا شكّ بأنه ستليها خطوة لاحقة يكفرون عندها بنبيهم الذي ارتكب تلك الجريمة قبل غيره، وكان المثل الأعلى لأتباعه عبر التاريخ.
استنكارهم لجريمة الرجل اليمني كانت الخطوة الأولى، وفي القريب العاجل سيعون بأن ذلك الرجل كان يقلد نبيه، ولم يتجاوز في سلوكه قيد أنملة سلوك ذلك النبي.
لو سمعت آنا في عالمها صوتا آخر غير هدير القطار لجاء صوتها مختلفا، ولو سمع المسلم في عالمه صوتا آخر غير هدير نبيه لكان وضعه مختلفا.
في القرن الواحد والعشرين بدأت الأجيال الجديدة المسلمة تسمع أصوات جديدة، ولذلك سيصل بها الحال إلى وضع مختلف عما كانت عليه الأجيال السابقة.
الإسلام ليس في خطر وحسب، بل هو الخطر ذاته وعندما يكون لدى المسلم أكثر من خيار سيختار الطريق الأكثر أمنا.
……………
قد لا يسقط الإسلام بالضربة القاضية، لكن سقوطه سيكون أسرع بكثير ممّا أتوقع ويتوقع الكثيرون.
الأحداث المتلاحقة بسرعة على الساحتين الإسلاميّة والدولية تشير إلى ذلك، واللبيب من الإشارة يفهم!
عبر التاريخ الإسلامي كلّه لم نشهد ما شهدناه في العشر سنوات الأخيرة!
من كان يتوقع أن يقوم ملك السعودية، كأكبر معقل إسلامي والتي فنت اليهود والنصارى على أرضها عن بكرة أبيهم، بزيارة بابا الفاتيكان يوما؟!!
من كان يتوقع أن يُطالب رجال الدين السعوديون بلقاء حاخامات اليهود لفتح حوار بين الأديان؟!!
من كان يتوقع أن يزور مفتي الأزهر، كأكبر مركز إسلامي في التاريخ، فرنسا ليقول للنساء المسلمات هناك ” اخلعن الحجاب”؟!!
من كان يتوقع أن يخرج علينا يوما شيخ إسلاميّ ليقول: القرآن كتاب غير مقدس أو الأحاديث النبوية كذبة كبيرة أو التدخين لا يُفطر في رمضان، وما إلى ذلك من أمور كان البت فيها نوعا من الإنتحار؟!!
الخلاف الذي نراه بين المدافعين عن الإسلام أنفسهم إشارة أخرى على أنهم سينتهون على أيدي بعضهم البعض!
من كان يتوقع أن يزور بابا الفاتيكان كنيسة في تركيا تحولت يوما إلى مسجد ثمّ إلى متحف ويصلي فيها؟!!
من كان يتوقع أن يقف بابا الفاتيكان أمام العالم كله ليعترف بأن التاريخ الإسلامي تاريخ إرهابي؟!!
لقد قام البابا، ولأول مرّة في التاريخ، بتعميد رجل مسلم ترك دينه الإرهابي، على حدّ قوله، واعتنق المسيحيّة.
البابا يزور اليوم أمريكا، وهي المرة الخامسة والعشرين التي يزور بها بابا الفاتيكان أمريكا، لكنها المرّة الأولى في التاريخ الأمريكي التي يذهب بها الرئيس الأمريكي لإستقبال ضيفه في المطار!
لقد قام البابا بزيارة معبد يهودي في أمريكا، وتلك هي المرّة الأولى التي يزور بها بابا الفاتيكان معبدا يهوديّا في أمريكا!
من كان يتوقع أن تتجرأ صحيفة غربية على نشر رسوم كاريكاتوريّة تجسد إرهابية محمد؟!!
من كان يتوقع أن يتمّ تصوير فيلم “فتنة” في دولة صغيرة ومسالمة كهولندا، ليظهر من خلاله المخرج كيف يحرّض القرآن على الإرهاب؟!!
ختاما وهو الأهم، من كان يتوقع أن تخمد ردود فعل المسلمين بتلك السرعة أمام فيلم “فتنة” الهولندي؟!!
من راقب ردود فعل المسلمين على الرسوم الكاريكاتورية عندما نشرت لأول مرّة وقارنها بردود فعلهم على فيلم “فتنة” سيتذكر تجربة الجراثيم التي ذكرتها في عرض تلك المقالة، وسيتذكر بأنّ ردود أفعالهم الهستريائية ستخمد إلى الأبد عندما يصل عصر المعلومات إلى عتبة مفعهوله، وهذا ما يحدث اليوم!
أليس ما يجري دليلا قاطعا على أن العالم كله قد اتحد لمواجهة الإسلام، وعلى أن المسلمين قد بدأوا يفقدون توازنهم أمام الضغوط العالمية؟!!
لقد تحوّل الإسلام اليوم إلى جمر في أيدي معتنقيه، فكم سيطول تحملهم لحروق ذلك الجمر؟!!
سألوا فرعون: من فرعنك؟
فردّ: لم يمنعني أحد من أن أكون فرعونا!
فهل يستطيع الإسلام أن يتفرعن بعد اليوم؟!!
……………….
الفكرة الجميلة لا تحتاج إلى من يدافع عنها وتفرض نفسها، والفكرة القبيحة لا تستحق من يدافع عنها ومصيرها أن تموت.
لقد هستر هؤلاء المتشبثون بالإسلام، وراحوا يصرخون: فرّقوا بين الإسلام والمسلمين، إذ لا علاقة للإسلام بما يسلكه المسلمون اليوم!
والسؤال الذي يواجه هؤلاء المهسترين:
ما دام الإسلام فكرا جميلا لماذا عجز على أن يفرض نفسه رغم كل سيوفه المسلولة وغير المسلولة؟!!
ولماذا استطاع المسلمون أن يعزلوا أنفسهم ويعشوا داخل علبة سردين مضادة للصواريخ الإسلامية؟!!
وليس من جواب سوى: الإسلام والمسلمين، كما هو صوت آنا وهدير القطار، وجهان لعملة واحدة!
ماتت آنا ومات معها هديرها عندما فرضوا عليها أن تعيش الحياة كإنسان،
وسيموت الإسلام عندما يفرض العالم على أتباعه أن يعيشوا كبشر.
القضاء على الإسلام كأحد وجهيّ تلك العملة المفلسة، سيسقط تلك العملة في مزابل التاريخ!

Posted in الأدب والفن, فكر حر | 2 Comments

بشار الأسد والعقلية الإرهابية المبدعة

مفكر حر 29\8\2012

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

عدم الإنحياز بكتاب الولي الفقيه

مفكر حر 29\8\2012

عدم الإنحياز بكتاب الولي الفقيه

Posted in ربيع سوريا, كاريكاتور | Leave a comment

الأسد وعملية التنظيف الذاتي

الأسد وعملية التنظيف الذاتي

مفكر حر 29\8\2012

Posted in ربيع سوريا, كاريكاتور | Leave a comment

بشار الأسد ومعركته العالمية

Posted in ربيع سوريا, كاريكاتور | Leave a comment

نجمة البحـر

 رياض الحبيّب؛ خاص: موقع نجمة البحـر

يا نجمة البحـر ما أبهاكِ مُلتهِبَهْ * وما أبَرَّكِ يا أمّ السَّنا العَـذِبَهْ

يا نجمةً في سَما الأردنّ مُشرقةً * على رُباهُ وفي عينيهِ مُرتقَـبَهْ

جادتْ علينا، بلا مَنٍّ، شفاعتُها * مُجابَةٌ بصلاةٍ غير مُقـتضَـبَهْ

ونوّرَتْ بيتنا فاٌنداحَ مُؤتلِقًا * على اٌسْمِ مَرْيَمِنا أو نجمَة العَـقَـبَهْ

كنيسة من بيوت الله جامعة * ونخلة بقوى الإيمان مُنتصِـبَهْ

كنائِسُ الله بالإيمان عامِرةٌ * وبالتّقى في السّهول الخُضْر والهِضَبَهْ

وفي الجبال ولكنْ في القلوب لها * منازلٌ بدَمِ المصلوب مُختضِـبَهْ

يؤُمُّها الناسُ طُرًّا رَحْبَةً خَشَعَتْ * فيها النفوسُ ويَحني بعْضُهُمْ رُكَبَهْ

وهذهِ شَيَّدَ اللاتينُ هيكلَها * وباركَتْ مريمُ العذراءُ مَنْ نَصَبَهْ

أمّ المُخلِّصِ مهما ذا اليراعُ سعى * لوصْفِها اٌغتمَّ ما أرضاهُ ما كتبَهْ

وكيف يرضى وهل يَنسى فضائلَها * عليهِ يومًا وينسى الحِبْرُ مَنْ سَكبَهْ؟

طُوبى لِمَنْ زارَها يومًا وبارَكَها * بقلبِهِ ويَدٍ بالجُود مُقـترِبَهْ

يا ربَّنا اٌحْفَظْ لنا الأردُنَّ مملكةً * وقائِدًا نحنُ صَلَّينا لتنتَخِـبَه

واٌحْفَظْ لنا الأمن واٌهْـدِ العابثين بهِ * إلى مَحَبّتِكَ السَّمحاء فهْيَ هِـبَهْ

¤ ¤ ¤                                     

قصيدة على وزن بحر البسيط؛ في مناسبة إنجاز العمل في بيت الله كنيسة نجمة البحر

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

يسار بلا هوية, برنامج, هدف, أو وجود؟

طلال عبدالله الخوري

1ــ هل كانت مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية مؤثرة في هذهِ الثورات؟ و إلى أي مدى؟

اليساريون الجدد, اليسار التقليدي, اليسار الافتراضي, اليسار الحقيقي…..الخ الغولة, عقلة الاصبع, السندباد….الخ كلها مسميات خرافية ليس لها وجود.
نحن نكتب بموقع هويته يسارية وفيه مئات الكتاب اليساريين ولكن واحد منهم لا يستطيع ان يحدد لنا ماهي هوية اليسار وما هو برنامجهم الاقتصادي وماهي مخططاتهم المستقبلية وما هو هدفهم؟؟؟؟ اذا هم غير موجودين عملياً ! راجعوا مقالاتنا: اليساريون العرب لستم من الحل, ومقالنا: خرافة الاحزاب السياسية العربية, ومقالاتنا: اليساريون ومشكلة البيضة والدجاجة1و2.
نقترح ان تقتصر هوية موقع الحوار المتمدن على: موقع ليبرالي علماني, وحذف اليسار, الى ان نعرف ما هو اليسار؟ وعندها لكل حادث حديث.

2- هل كان للاستبداد والقمع في الدول العربية الموجه بشكل خاص ضد القوى الديمقراطية واليسارية دوره السلبي المؤثر في إضعاف حركة القوى الديمقراطية واليسارية؟

ابداً. وعلى الاطلاق. فاليسار العربي كان سهل الترويض وخاصة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي! راجعو مقالنا: اليساريون العرب لستم من الحل؟

3- هل أعطت هذه الانتفاضات والثورات دروساً جديدة وثمينة للقوى اليسارية والديمقراطية لتجديد نفسها وتعزيز نشاطها و ابتكار سبل أنجع لنضالها على مختلف الأصعدة؟

نتمنى ذلك! ونتمنى ان يكونوا قد تعلموا شيئا. ولكن معظم اليساريين من العواجيز الهرمة ويصعب عليهم تعلم الاشياء الجديدة.
افضل شئ يمكن ان يفعله اليساريون هو ان ينضموا للعلمانيين الليبراليين وان يتبنوا اقتصاد السوق من امثال كاتب هذا المقال, فهم لديهم خبرة مهمة بالتنظيم والكتابة ونحن نأسف ان لا نتمكن كليبراليين علمانيين ان نستفيد من طاقاتهم وكتاباتهم .

4ــ كيف يمكن للأحزاب اليسارية المشاركة بشكل فاعل في العملية السياسية التي تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية ؟ وما هو شكل هذهِ المشاركة ؟

اكرر ما قلته في جوابي للسؤال السابق:
افضل شئ يمكن ان يفعله اليساريون هو ان ينضموا للعلمانيين الليبراليين وان يتبنوا اقتصاد السوق من امثال كاتب هذا المقال, فهم لديهم خبرة مهمة بالتنظيم والكتابة ونحن نأسف ان لا نتمكن كليبراليين علمانيين ان نستفيد من طاقاتهم وكتاباتهم .

5- القوى اليسارية في معظم الدول العربية تعاني بشكل عام من التشتت. هل تعتقدون أن تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية واسعة تضم كل القوى اليسارية والديمقراطية العلمانية ببرنامج مشترك في كل بلد عربي, مع الإبقاء على تعددية المنابر, يمكن أن يعزز من قوتها التنظيمية والسياسية وحركتها وتأثيرها الجماهيري؟

هذا هو مربط الفرس: تحديد البرنامج؟ فهل يستطيع اليساريون ذلك؟؟
هم بهذا يشبهون الاسلاميين؟ فهم يريدون من الناس ان يؤمنوا بعقيدتهم وينضموا الى صفوفهم عن طريق الادعاء بانهم يمكنهم تحقيق عالم افضل؟؟ دون ان يقولوا لنا كيف؟

6ــ هل تستطيع الأحزاب اليسارية قبول قيادات شابة ونسائية تقود حملاتها الانتخابية وتتصدر واجهة هذهِ الأحزاب بما يتيح تحركا أوسع بين الجماهير و أفاقا أوسع لاتخاذ المواقف المطلوبة بسرعة كافية ؟

لقد جربتهم هذا كثيرا ولم تحققوا اي نجاح؟
ليس المهم الوجوه الشابة والنسائية؟؟ المهم الرسالة والبرنامج والهوية؟

7- قوي اليسار معروفة بكونها مدافعة عن حقوق المرأة ومساواتها ودورها الفعال، كيف يمكن تنشيط وتعزيز ذلك داخل أحزابها وعلى صعيد المجتمع؟

هذا مجرد ادعاء؟
من يدافع عن المرأة هو الذي يدافع عن الرجل والطفل والانسان بشكل عام وهذا ما حققته المجتمعات المتحضرة والتي تحترم حقوق الانسان!

8ــ هل تتمكن الأحزاب اليسارية والقوى العلمانية في المجتمعات العربية من الحدّ من تأثير الإسلام السياسي السلبي على الحرّيات العامة وحقوق الإنسان وقضايا المرأة والتحرر ؟

نعم تستطيع بفضل الانفتاح العالمي, والتطور التكنولوجي والانترنت ومساندة الشعوب لبعضها البعض.
لقد تغير العالم, وتغير الاسلاميون, وتغير العرب, ولن يستطيع الاسلاميون, بعد الآن, ان ينتهكوا حريات الناس وحقوقهم الآدمية. راجعوا مقالنا هل يستطيع الاسلاميون ان يغدروا بنا؟

9- ثورات العالم أثبتت دور وأهمية تقنية المعلومات والانترنت وبشكل خاص الفيس بوك والتويتر….. الخ، ألا يتطلب ذلك نوعاً جديدا وآليات جديدة لقيادة الأحزاب اليسارية وفق التطور العملي والمعرفي الكبير؟

لا شك بأن تقنية المعلومات وفرت للناس الإعلام البديل وسفهت سياسة الرقابة والتعتيم. حتما اي انسان لا يستخدم التكنولوجيا سيفشل لا محالة.

10- بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن، كيف تقيمون مكانته الإعلامية والسياسية وتوجهه اليساري المتفتح ومتعدد المنابر؟

أعتقد أن الحوار المتمدن فسح المجال امام الكثير من الكتاب الموهوبين.
انا شخصيا اقر واعترف بفضل الحوار المتمدن علي. وانا تم صنعي ككاتب بالحوار المتدن. فأنا مهنتي الاساسية هي الهندسة والبحث العلمي واصبحت كاتبا غير محترف بفضل الحوار المتمدن.

وبمناسبة الذكرى العاشرة أتقدم لأسرة التحرير والكتاب والمعلقين والزوار بالتهنئة القلبية متمنيا للجميع مزيدا من الازدهار والنجاح.

http://www.facebook.com/pages/طلال-عبدالله-الخوري/145519358858664?sk=wall

هوامش:
https://mufakerhur.org/?p=791

https://mufakerhur.org/?p=341
https://mufakerhur.org/?p=2205
https://mufakerhur.org/?p=2209
https://mufakerhur.org/?p=221

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

اليساريون ومشكلة البيضة والدجاجة 2

طلال عبدالله الخوري

قام الاستاذ عبدالقادر انيس بكتابة خمسة تعليقات على مقالنا الاخير وكان بعنوان: اليساريون ومشكلة البيضة والدجاجة. ونظرا لطول الرد واهمية هذه المشكلة عند اليساريين ارتأينا بان يكون ردنا عبر مقالة مفردة.

يقول السيد انيس: رغم أني لم أعد يساريا، الآن، بالمعنى التقليدي لليسار الذي يعمل على تحقيق الاشتراكية في العالم عن طريق الانقلاب والثورة واحتكار أداة الدولة لقمع الخصوم واستيلاء فئة محدودة أو حزب على جهاز الدولة والتصرف في مقدرات البلاد بطريقة استبدادية… الخ، رغم هذا فأنا لا أزال مدين ليساريتي السابقة بشيئيين: الجدل الذي ينقصك والإيمان الراسخ في إمكانية صنع عالم أفضل. عالم يحققه الناس بأنفسهم بعد أن يكتسبوا وعيا يحررهم ممن ظلوا عبر الأزمان يتوكلون عليهم بدون وكالة ويركبونهم لتحقيق السلطة والجاه والثراء، سواء جاءوهم باسم الدين أم باسم أفكار وضعية.

تعليق الكاتب: تتهمني بافتقاري للجدل والايمان بامكانية صنع عالم افضل؟؟ هذا اتهام هابط يا سيدي فكيف وصلت لهذه النتيجة؟؟ هل الكاتب الذي يدعو بمقالاته الى تحرير شعبه اقتصاديا, من الاحتكار الذي يمارسه المستبدين لسرقة مواطنيهم بمشاركة رجال الدين , لا يملك الجدل ولا يؤمن بعالم افضل؟؟ هل الكاتب الذي يعارض الحكم الطغياني منذ عام 1990 بالاتحاد السوفياتي سابقا لا يملك الجدل ولا يؤمن بعالم افضل ؟؟ فما الفرق هنا بينك وبين المتطرفين الذين يشتمون المخالف معهم؟؟

هذا من جهة, ومن جهة اخرى, لو ان اليسارية علمتني الجدل وامكانية صنع عالم افضل, فسأظل يساريا ووفيا لليسار ما حييت!! وفي هذه النقطة بالذات (اكرر في هذه النقطة بالتحديد) انا احترم فؤاد النمري اكثر منك لانه ما زال وفيا ليساريته.

انت تدعي بانك تريد عالم افضل ؟؟ ولكن كل انسان على الارض يدعي هذا! بما فيهم اسامة بن لادن وهتلر وستالين ولينين والرأسماليين والشيوعيين ورجال الدين من جميع الاديان ؟؟ فما هو جديدك؟؟ هل لديك الية عملية معينة لم يفكر بها الناس من قبل لتحقيق هذا؟؟ ما هو جديدك؟؟ فقديم اليساريين ليس بجيد وجديدهم ليس بجديد ولا حتى جيد!!

من ناحية ثالثة ما هو الفرق بين اليسار التقليدي ويساركم؟؟ لقد سألنا هذا السؤال لكثير من رموز اليسار الحديث ولم يجيبوا قط , لا بل قاموا بشتمنا, وأخرهم كان مع الكاتب اليساري جلبير اشقر؟؟ وها نحن نطرح عليكم نفس السؤال : ما هو يساركم هذا ؟؟ وماهو بالتحديد برنامجكم الاقتصادي؟؟ ننصحكم بمراجعة حوارنا مع جلبير الاشقر قبل الرد على هذا التساؤل, وها انا انقل نسخة من هذا الحوار لكي لا يتكرر نفس الشئ:

سؤال الكاتب لجلبير الاشقر: تحية للاخ جلبير.. وبعد.. سأكون صريحا معك واعذرني لصراحتي.. انا من القراء الذين عندما يرون مقال لكاتب يساري, لا اقرأه لاني اعتقد بانه لا يستاهل فتحه وقراءته!! واذا اغراني العنوان, افتحه لارى ما بداخله , وأبدأ بالقراءة , فيخيب أملي , واتوقف عن القراءة بعد قراءة السطور الاولى, كما حدث مع هذا الحوار الذي لم اقرأ الا بدايته, وبما انني تحاور مع بعض الكتاب اليساريين مثل النمري وقوجمان وغيرهم وقد خيبوا ظني , لذلك قررت ان احاورك فربما تكون مختلفا عنهم!!
سؤالي : ما هو اليسار الجديد وكيف يختلف عن القديم ؟؟ اذا اردت ان تردد لي الكليشات الفارغة المعروفة , فالافضل ان لا ترد وتنتقل الى سؤال اخر!!
وانا سأساعدك لكي اعرفك عن ما هي المعلومات التي اريد ان اعرفها عن اليسار, وذلك بان اعرف لك النظام اللبرالي الحر:
الحكومة منتحبة دمقراطيا: ويجب ان يكون حجمها من اصغر ما يكون و تدخلها بالسياسة والاقتصاد والحكم من اصغر ما يكون, حيث ان الحاكم الفعلي هو اقتصاد السوق وقانون العرض والطلب والمؤسسات الاهلية المدنية المستقلة.
القانون: عادل للجميع ومستقل , يفصل بين الدين والدولة ويحترم حقوق الانسان ,ومهمته الاساسية , (خطين تحت الاساسية) التأكد من عدالة السوق عن طريق التنافس الحر العالدل لقانون العرض والطلب.
الاقتصاد: هو اقتصاد السوق الحر التنافسي الخاضع لقانون العرض والطلب والعادل للجميع.
الديانة: حرية شخصية ومستقلة , وجميع المعابد والمؤسسات التابعة لكل الديانات, مستقلة سياسيا واقتصاديا عن الحكومة و تخضع لقانون السوق وهو قانون العرض والطلب مثلها مثل المسارح وعروض السيرك.
تحياتي

رد جلبير: تحية لك عزيزي، وشكراً على صراحتك، فأنا أرحّب بالنقد مهما كان حاداً بشرط أن يكون -متمدناً-، كما هو نقدك. غير أن لديّ تعليق أولي: أتفهّم تماماً مللك من قراءة ما يُنشر باسم اليسار، والحال أنني أشاركك هذا الملل إزاء حالات كثيرة من إجترار الكليشهات التي أكل الدهر عليها وشرب. ومن حقك أن تضعني في هذه الخانة إذا شئت، ولكل منّا رأيه الخاص في الأمور. غير أن ما لا أفهمه أن تقول أنك توقفت عن قراءة الحوار بعد قراءة بدايته، وقررت أن تحاورني. فمع إحترامي لك، هذا لا يجوز. إما ان ترفض القراءة وبالتالي ترفض الحوار، أو تريد الحوار فلا بدّ عندئذ من قراءة ما قاله الآخر قبل مناقشته. إنها لقاعدة بديهية.
ومع ذلك، فسوف أجيب عن أسئلتك. لقد أوضحت كيف أرى اختلاف اليسار الجديد المطلوب بنائه عن القديم الذي فني. فاذا كنتَ لا تريد قراءة ما جاء أعلاه إسمح لي من جهتي بألا أريد تكراره هنا. أما بالنسبة لما تقوله عن النظام الليبرالي، فأنا أميّز بين الليبرالية الإقتصادية والليبرالية السياسية، وهي كل ما يتعلّق بالحريات العامة، من حرية تعبير وتنظيم ومعتقد وغيرها، والحدّ من سلطات الدولة. فأنا مع الليبرالية السياسية بهذا المعنى، بل اذكّرك بأن الماركسية الأصلية هي ليبرالية متجذّرة الى حدّ أنها تدعو الى تقليص سلطات الدولة بما يعجّل في اضمحلالها، بينما رأينا أغلب الذين تكلمّوا باسم الماركسية طوال عقود طويلة يؤيدون دولاً توتاليتارية، وهذا من سخريات التاريخ. وأما الليبرالية الإقتصادحية، فأرى فيها نقيض الليبرالية السياسية الحقيقية، اذ ان اقتصاد السوق -الحر- هو مرادف -قانون الغاب- في السياسة يؤدي الى أقصى الظلم من خلال طغيان أصحاب المال على المجتمع. ويكفيك النظر في أرقام الإزدياد الهائل في اللا مساواة الإجتماعية منذ فرض النيو ليبرالية على النطاق العالمي، أو النظر الى الإزدياد الهائل في اللا مساواة الإجتماعية منذ القضاء على منجزات الحكم الناصري في مصر، على سبيل المثال، وارساء ما سمّي بسياسة -الإنفتاح-. وقد أشار المراقبون الى ان الإنتفاضة العارمة التي تهزّ المنطقة العربية الآن انما تصبّ جذورها في التذمّر من نتائج تلك السياسات، من عوز وبطالة وغيرهما.

سؤال الكاتب لجلبير الاشقر: قلتم :أنا أميّز بين الليبرالية الإقتصادية والليبرالية السياسية؟؟؟
ردي: كيف ؟؟ اعطنا مثال من الواقع؟؟ لا يمكن ان تكون حرا سياسيا اذا لم تكن حرا اقتصاديا, ولا يمكن ان تكون حرا اقتصاديا اذا لم تكن حرا سياسيا؟؟ هل التفريق بين الاقتصاد والسياسة هي نظرية جديدة خاصة بكم؟؟؟
انت تتكلم عن العدل كما يتكلم رجال الدين عن الاخرة, !! ولكي تعدل بين الناس فانت بحاجة الى نظام اقتصادي معين : وردي عليك : بانه لم تعرف البشرية الى وقتنا هذا اي نظام اقتصادي اعدل من اقتصاد السوق الحر التنافسي, ولكي تنفي هذا يجب عليك ان تعطيني اقتصادا اخرا استطيع ان اعدل به افضل من اقتصاد السوق بين الناس والا ما تقوله هو كلام رجال دين عندما يغسلون ادمغة اتباعهم, مع احترامي لك.
اشكر السيد نمري لانه سألك نفس سؤالي ولكن بصياغة اخرى لذلك اسمح لي بان اقتبسه هنا::حسناً، إذاً ما عساه يكون البرنامج الإقتصادي لهذا اليسار؟ هل لهم اليوم أن يباشروا في بناء اقتصاد اشتراكي أو حتى رأسمالي !!؟
اي كما ترى فلم تجب على سؤالي او سؤال النمري وانما لجأت الى الكلام الشاعري عن العدالة ولم تقل لنا عن الية العدالة اي ما هو نوع الاقتصاد؟؟

كل المودة

رد جلبير الاشقر: يبدو أنك تتصوّر -أن التفريق بين الاقتصاد والسياسة نظرية جديدة- خاصة بي، بينما التمييز بين الليبرالية الإقتصادية والليبرالية السياسية هو من أقدم التمييزات في الفلسفة السياسية المعاصرة. تقوم الليبرالية الإقتصادية على الدفاع عن -إقتصاد السوق الحر التنافسي- بمعنى رفض تدخّل الدولة في تسيير العملية الإقتصادية، وفي توفير الضمانات الإجتماعية للعاملين وفرض حدٍّ أدنى للأجور، الخ. فكلّها تعيق التنافس -الحرّ- بين الرأسمال والعمل بحسب الليبراليين الإقتصاديين. وهذه النظرية تتناقض حتى مع الكينزية (نظرية جون مينارد كينز) التي هي ليبرالية سياسية، لكنها تدعو الى كل تلك الأمور التي تكرهها الليبرالية الإقتصادية. وبعد أن ساد النموذج الكينزي ثلاثة عقود بعد الحرب العالمية الثانية، جاءت الليبرالية الإقتصادية بحلّتها الجديدة، أي النيوليبرالية، لتفكك منجزات المرحلة السابقة (التي أنجزت تحت ضغط الحركات العمّالية)، فتلغي كافة التقييدات على حركة الرساميل وعلى المضاربات بشتى أنواعها، وتخصخص معظم القطاع العام بما فيه الخدمات العامة الأساسية كالماء والكهرباء والنقل، وتقلّص نفقات الدولة الإجتماعية الى أدنى حدّ ممكن بما في ذلك إعانات البطالة، وتقلّص الضرائب على أعلى المداخيل بأكثر من نصف معدّلات المرحلة السابقة، الخ، الخ.
أما حصيلة كل ذلك، فإزديادٌ فاحش في اللا مساواة الإجتماعية وتفشي البطالة، التي باتت مستوياتها أعلى بكثير مما في المرحلة الكينزية، وحصول أكبر أزمة عرفها النظام الإقتصادي الرأسمالي منذ أزمة ثلاثينات القرن الماضي التي رأى فيها المعاصرون برهاناً على أن -اقتصاد السوق الحرّ التنافسي- يقود الى الكارثة، وأن المطلوب هو تدخل الدولة في تنظيم العملية الإقتصادية، مما أدى الى سيادة الكينزية بعد الحرب العالمية. كل ذلك وناهيك بأن -اقتصاد السوق الحر التنافسي- لا يعدو كونه أسطورة كاذبة حيث أن السير الحرّ للعملية الإقتصادية الرأسمالية يؤدي الى تركّز للرساميل وظهور الإحتكارات التي تفرض هيمنتها على السوق وتبطل -حريتها- وما أكثر الشواهد على ذلك.
أما ما يناضل من أجله اليسار المعاصر فليس كما يروق لك أن تتصوّر الغاء السوق وتحويل الإقتصاد الى إقتصاد دولة، فهذا النموذج الستاليني سقط بلا رجعة. بل يناضل اليسار من أجل إعادة كافة منجزات المرحلة الكينزية وتعميقها وتطويرها، ورفع الضرائب على أعلى المداخيل لتمويل النفقات الإجتماعية، وتفكيك الإحتكارات الرأسمالية، مع هدف وصول الطبقة العاملة الى الحكم بحيث تبدأ بالتوسيع التدريجي للقطاع الإجتماعي والتعاوني المسيّر ديموقراطياً من قبل المنتِجين على طريق الإزالة التدريجية لإستغلال الإنسان للإنسان، كما سبق وكتبتُ في أحد ردودي أعلاه. أي أن اليسار يناضل من أجل ما أنجزته دولةٌ كالسويد (تحت قيادة حزب عمّالي يساري) قبل الهجمة النيوليبرالية، وبأفق تاريخي يتعدّى ذلك النموذج في اتجاه تحويل المجتمع تدريجياً وديموقراطياً الى اقتصاد إشتراكي بالمعنى الأصلي للكلمة، يعتمد السوق كأحد ضوابط التوزيع لكن من غير أن يتحكّم السوق بالإقتصاد وبالمجتمع.
مودّتي

تعليق كاتب المقالة: نرى من رد جلبير الاشقر الاخير, وهو يمثل شريحة كبيرة من اليساريين, بأنه ضائع بين المفاهيم الشيوعية وآليات الاقتصاد التنافسي بالغرب, ومن هذه الآليات تدخل الانسان بالسوق لتسريع رد فعل السوق للمتغيرات والتي يكون يسبب بطأها احيانا الى الابطاء من انتعاش السوق او ربما يؤدي الى الكساد. وتدخل الانسان هنا لتحفيز الاقتصاد هو جزء من آليات السوق ولا علاقة له بالمفاهيم الماركسية ودور الدولة بتوزيع الثروة , ولقد وعدت بكتابة مقال عن هذا الموضوع. والاكثر من هذا يعتبر الاشقر بان حزب العمال بالسويد حزب يساري, وهو لا يعرف الفرق بين يسارية الاحزاب اليمينية بالغرب واليسارية كفكر ماركسي. راجعوا مقالنا: اليساريون العرب لستم من الحل. هذا من جهة ومن جهة اخرى نجد بان الاشقر يريد ان يلغي كل المعجزات الاقتصادية التي حدثت مؤخرا بالاقتصاد العالمي بفضل عولمة الاقتصاد ورفع كل الحدود والقيود والضرائب بين المنتج والمستهلك على مستوى العالم والتي افادت كل من المنتج والمستهلك بكل العالم, ونتج عنها هذه المعجزات الاقتصادية والمتمثلة بزيادة النمو ورفاهية البشر, لكي يعود بنا الى ما قبل التسعينات لان الوضع آنذاك كان يمكنه من الوصول الى الاشتراكية التي يحلم بها, والتي هي موجودة فقط بمخيلته الشيوعية المريضة. اما عمليا وعلى ارض الواقع فنحن نكرر ما قلناه, بانه لم تعرف البشرية افضل وارقى واعدل من اقتصاد السوق التنافسي, نقطة انتهى. والذي يقول بعكس ذلك فعليه ان يعطينا اقتصادا عمليا اخرا يحقق ما يحلم به.

نعود الآن لمتابعة لتعليق السيد انيس مرة اخرى.

يقول السيد أنيس:إن ما يمكن أن يحدث بيننا من اختلاف في وجهات النظر لا يساوي مثقال ذرة لو نظرنا إليه على ضوء كل هذا التخلف والانسداد والبؤس الاجتماعي والفكري الذي تعانيه مجتمعاتنا.

رد الكاتب: ما علاقة اختلافنا بوجهات النظر وكمية التخلف والبؤس؟؟ فنحن نتفق بانه يجب ان يتم تحرير العقول ولكن انت لا تقول لنا كيف يتم ذلك؟؟ ونحن نقول لك بان الامم التي سبقتنا كانت عقولهم ايضا غير محررة ! ومافعلته هذه الامم التي سبقتنا هو اللجوء الى اقتصاد السوق وهذا الاقتصاد بدوره ادى الى تحسين الوضع للمادي للناس عامة, وبالتالي اصبح الناس يملكون المال لكي ينفقوا على تعليمهم وبالتالي ادى لتحرير عقلولهم. اي ما اقوله هو انه نريد نقطة بداية لتحرير العقول, ونقطة البداية هذه هو رفع مستوى دخل الناس عن طريق الاقتصاد السوق التنافسي, لكي يصبح لدى عامة الناس المال الكافي لكي يتعلموا وينافسوا بالسوق وتتحرر عقولهم وهذه هي مشكلة البيضة والدجاجة التي كتبت عنها المقال وارجو ان تصلك بالنهاية!!

يقول السيد أنيس: لهذا علينا بالتواضع تجاه ما نكتب، فلا أحد يملك الحقيقة المطلقة. ولهذا فأنا أزعم أنني أمارس النقد بصدق ونزاهة وأدافع عما أقتنع به بصراحة تامة ولو أزعج هذا البعض. فإذا لم نكن نحن الذين نزعم أننا مثقفون نمارس النقد بهذه الصفة فمن يفعل؟

رد الكاتب: هذه كليشة يستطيع اي انسان ان يقولها باي مناسبة كانت وهي بدون اي فائدة او معنى!

يقول السيد أنيس: لهذا فعندي بعض الملاحظات على مقالك.
في قولك ((ومن الغريب ان يعتقد السيد أنيس بانه كان لدينا في الوطن العربي انظمة تقدمية ولكنها ارتكبت خطأ…..)) ألاحظ أنك لم تكن أمينا في نقلك عني. فأنا وضعت تقدمية بين قوسين وهو ما يعني أن عندي

تحفظا على تقدميتها.

رد الكاتب: كون الاحزاب تقدمية او غير تقدمية لا يغير شئ من مغزى المقالة والتي هي عن مشكلة الاولوية بين البيضة والدجاجة عند اليساريين. ولقد كتبت مقالة بعنوان خرافة الاحزاب السياسية العربية, نرجوا ان تتطلع عليه. وهنا نلاحظ انك تلجأ الى اسلوب رخيص وهو التصيد بالماء العكر او كما يقول المثل الشعبي: لم يجدوا بالورد عيبا فقالوا عنه احمر الخدين.

يقول السيد أنيس: في قولك ((اما من حيث اولوية تحرير العقول ام الابدان فنحن تعتقد بان التحرير الاقتصادي يسبق كل الحريات الاخرى وبدون التحرير الاقتصادي لن يتحرر اي شئ من الانسان لا بدنه ولا عقله)). فأنت هنا تتعمد الخلط بين ما أعنيه بتحرير العقول وقد شرحته، وبين تحرير الاقتصاد بمعنى لبرلته، وأنا مع هذه اللبرلة غير أني أرى أن اللبرلة وحدها لا تكفي لتحرير الناس من الاستغلال. فما تحقق في الغرب من مكاسب كبيرة استفاد منها العمال والفلاحون وكل الطبقات لا يعود فقط إلى اللبرلة الاقتصادية بل أيضا وخاصة إلى ارتفاع مستوى الوعي العام لدى الناس مما دفعهم للانخراط في النضال السياسي والنقابي وانتزاع حقوق كثيرة من الرأسماليين الذين كانوا في البداية وطوال عشرات السنين يرفضون حقوق العمال في النقابة والعطل والضمان الاجتماعي والتقاعد والرعاية الصحية لأطفالهم..

رد الكاتب: هذه بالضبط يا سيدي مشكلة البيضة والدجاجة التي نكتب عنها, فانت تقول بان الفضل يعود الى ارتفاع مستوى الوعي؟ ولكن كيف ارتفع عندهم مستوى الوعي؟؟ جوابنا هو بسبب الازدهار الاقتصادي الذي حصل بفضل تبني اقتصاد السوق وهذا بدوره ادى الى ارتفاع دخل الفرد وهذا ادى الى تحسين التعليم وتحرير العقول. أما عن ماذا أقصد بالتحرير الاقتصادي, فلا يمكن ان اخلط بهذا الموضوع فقد كتبت اكثر من سبعة مقالات حول ما اقصده بالتحرر الاقتصادي للمواطن. راجعوا مقالاتنا بهذا الشأن.

يقول السيد أنيس: ثم تقول: ((فكيف يمكنك ان تحصل على حريتك الفكرية اذا لم تحصل على اجرك العادل واذا لم يكن لديك حافز للمضي قدما ؟)). ورأيي أنه لكي يحصل العمال مثلا على أجرهم العادل لا يكفي أن يتمنوا ذلك فيتكرم عليهم أرباب الاقتصاد الحر به. الأجر العادل تطور مفهومه عبر العصور بفضل وعي الناس ونضالهم المرير وما طرأ على الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية من تحولات كبرى لصالح العمال. لا بد أن تعرف أن العامل مر بمراحل كثيرة من العبد إلى القن إلى العامل المستغل حتى العظم إلى العامل الذي اعتُرِفَ له بحقوقه الإنسانية التي ذكرتها آنفا. ومازال العمال خارج ما نسميه العالم المتقدم، يعانون من التمييز والحيف والاستغلال بسبب تخلف تلك المجتمعات وتدني مستوى أدائها السياسي والنقابي والثقافي، وهيمنة الفكر الغيبي التواكلي وانتظار الحلول بدون نضال. وحتى في العالم المتقدم فلا توجد مكتسبات لا يمكن الرجوع عنها إذا غفل الناس وخفضوا مستوى الحراسة والنضال والانخراط في النقابة والحزب والجمعية والإعلام والفكر. حتى مفهوم العدل فهو متطور.

رد الكاتب: هنا وصلنا الى بيت القصيد واهم مشكلة في الفكر اليساري! فهم ما زالوا يقسمون الناس الى نوعين : النوع الأول وهو الرأسمالي الشجع والذي يريد ان يستغل الناس ويمص دمائهم لزيادة ارباحه. والنوع الثاني وهم العمال والذين يجب ان يناضلوا من اجل ان يوقفوا استغلال النوع الاول للنوع الثاني, وبهذه اصبح معنى الحياة عندهم هو النضال ضد المستغل, بنفس طريقة المتطرف والذي معنى الحياة عنده النضال من اجل نصرة دينه!!

نحن بعلم الاقتصاد, يا سيدي, نقسم الناس الى منتج ومستهلك, وكل انسان هو منتج لسلعة ما ومستهلك بنفس الوقت للسلع, ونحن نعتبر بان السوق بآلياته التلقائية يولف هذه المصلحة المتبادلة بين المنتج والمستهلك بحيث: كل منهما يحصل على الفائدة العظمى الممكنة من علاقتهما المتبادلة, لان كل منهما منتج ومستهلك بنفس الوقت؟ وهذا هو علم الاقتصاد الذي يؤمن العدالة للجميع وهذا هو بالضبط قانون السوق للعرض والطلب! راجعوا مقالات الكاتب عن الاقتصاد التنافسي.

يقول السيد أنيس: أما أن تقول: ((برأي الشخصي , وقد أكون مخطئا , أن الشيوعيين واللادينيين العرب يظنون بأن الحل هو بجعل جميع الناس لا دينيين ؟؟؟!! .. وهذا غير صحيح لأن الغرب تطور بدون أن يقضي على الدين وكل ما فعله بالدين هو تحويله إلى سلعة يتم تداوله حسب قانون العرض…))
فهو قول فيه مصادرة غير منصفة. من قال بأن الحل (هو بجعل جميع الناس لا دينيين!!)؟. هناك فرق بين المطالبة برفع الهيمنة الدينية على عقول الناس بحيث تشل قدراتهم على الحركة وتجعلهم تابعين لفكر غيبي ورجال دين جهلة وانتهازيين، وبين المطالبة بجعل الناس لا دينيين. الغرب تطور بعد أن رفع هيمنة المؤسسات الدينية على حياة الناس وتصرفت فيها كوصية مطلقة قمعت وشردت وكفرت وأحرقت. فماذا بقي للدين في الغرب بعد أن تم ((تحويله إلى سلعة يتم تداوله حسب قانون العرض…))؟ حسب رأيك. المهم أن الناس صار من حقهم أن يؤمنوا أو لا يؤمنون بكل حرية دون أن يتعرضوا للملاحقة، وصارت الفكر الفلسفي والعلمي طليق اليد واللسان والعقل من هيمنة الخرافة وهو ما لم نصل إليه نحن للأسف

رد الكاتب: هناك طريقتين عمليتين تم اتباعهما تاريخيا لازالة الهيمنة الدينية: الطريقة الاولى وهي الطريقة الشيوعية والتي كانت متبعة بالاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية سابقا وتقتضي باكراه جميع الناس لكي يصبحوا ملحدين او بالاحرى تغيير عقيدتهم من المسيحية الى العقيدة الماركسية لان الماركسية هي لاهوت ايضا لا يختلف عن الاديان.

اما الطريقة الثانية فهي المتبعة بالغرب وهي فصل الدين عن الدولة وتحويل جميع الاديان بما فيها الماركسية الى سلعة يقوم بالدفع من اجلها وتمويلها المستهلك الذي هو بحاجة اليها؟

فما هي الطريقة التي تنادي بها؟؟ وما هي مشكلتك مع طرحنا هذا؟ احيانا نشعر بانه لدى اليساريين مشكلة بفهم ما نكتب.

يقول السيد أنيس: وتقول: ((الثورات العربية تطالب باسقاط الرئيس ولكن ماذا بعد ذلك ؟؟؟..سيأتي رئيس جديد ويسير على نفس منهاج الرئيس الذي قبله لان القوانين والدساتير العربية فاسدة وغير صالحة.. عندما نتبنى القوانين الغربية. لا حاجة عندها لتغيير الرئيس طالما أنه يحترم القوانين الحضارية المماثلة للقوانين الغربية)).
هل تساءلت: لماذا لم نتبن القوانين الغربية؟ من ظل يعارض ذلك منذ قرنين؟ أليس السبب لأن أغلبية شعوبنا ونخبنا الدينية والسياسية لم تنظر إلى القوانين الغربية كضرورة بسبب كون هذه القوانين تصطدم مع موروثها الديني والقبلي والطائفي وتتسبب في خلخلة أوضاع اجتماعية لا يُراد لها أن تتخلخل مثل حقوق النساء والأقليات والشعوب المستغلة. هل يرضى نظامنا الأبوي: ابتداء من الأب إلى السلطان مرورا رجل الدين التخلي عن امتيازاته التي اكتسبها زورا من الدين والعادات والتقاليد؟
كيف ينخرط الناس في مقاومة هذا الواقع البائس إذا لم يعوا أمرين: حقيقة موروثهم المتخلف وحقيقة جدوى الاستفادة من الحضارة العالمية الحديثة. إنك بهذا الفكر تضع المحراث أمام الثيران تماما كيساري قح.
تحياتي

رد الكاتب:انت هنا تعود بنا ثانية الى مشكلة اولوية البيضة ام الدجاجة عند اليساريين ومن هنا تأتي اهمية هذه المقالات التي نكتبها . لانه بالفعل هناك شريحة واسعة من اليساريين يعانون من هذه المشكلة. فانت تعود وتكرر للمرة ربما الألف بانه سبب عدم تبنينا لقوانين الغرب هو عدم تحررنا الفكري!! نعم يا سيدي هذا صحيح ونحن نكرر بان جميع الامم التي سبقتنا كان وضعهم مثل وضعنا!! ونحن نقول لك بان الامم التي سبقتنا كانت عقولهم ايضا غير محررة ! ومافعلته هذه الامم التي سبقتنا هو اللجوء الى اقتصاد السوق وهذا الاقتصاد بدوره ادى الى تحسين الوضع للمادي للناس عامة, وبالتالي اصبح الناس يملكون المال لكي ينفقوا على تعليمهم وبالتالي ادى لتحرير عقلولهم. اي اكرر ما اريد ان اقوله وهو انه نريد نقطة بداية لتحرير العقول, ونقطة البداية هذه هي برفع مستوى دخل الناس عن طريق الاقتصاد السوق التنافسي, لكي يصبح لدى عامة الناس المال الكافي لكي يتعلموا وينافسوا بالسوق وتتحرر عقولهم ومرة ثانية هذه هي مشكلة البيضة والدجاجة التي كتبت عنها المقال وارجو ان تصل جميع اليساريين الذين يعانن من هذه المشكلة بالنهاية!!

الجزأ الأول

https://mufakerhur.org/?p=2205

http://www.facebook.com/pages/طلال-عبدالله-الخوري/145519358858664?sk=wall

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | 1 Comment