الرب -والغائط- وهذا الحمار

محمد الرديني

رأى زبائن مقهى “الوردة” في سوق الشيوخ بناصرية العراق العظيم عباس ابو الجبن وهو يمسك بكلتا يديه باروكة شعر رجالي ينتفها شعرة شعرة وهو يتمايل في مشيته.
حسبوه الناس انه كعادته اثقل الاملاق ممشاه او ربما زاد “العيار” قليلا ولكنهم لم يجدوا تبريرا لنتفه شعرات الباروكة رغم انه اصلع تماما.
عاد بعضهم،وهم من فحملة جواز حرف العين، أي العاطلين عن العمل الى “الدومينو” لعبتهم المفضلة فيما عاد كبار السن الى رشف النارجيلة “المعسلة” بالتفاح، الا نفر قليل وهم من صغار السن ركضوا خلفه اذ حسبوه قد فقد عقله ولابد من اعلان الهوسات خلفه ولكنهم عادوا خائفين حين نظر اليهم شذرا مذرا.
ولكن المفاجأة التي حدثت بعد ذلك هي التي “شحنت” احد كبار السن حين رأى ابو الجبن وهو يحتضن الاسفلت ويبكي، فما كان منه الا ان ترك “الشيشة” وهرول نحوه مادا ذراعيه اليه.
جلس الى جانبه غير آبه بمرور السيارات او دهشة القوم المارين واخذ رأسه بين يديه بعد ان رمى الباروكة على الرصيف القريب منه.
ويبدو ان ابو الجبن كان ينتظر هذه اللحظة فقد “شبك” صاحبه واخذ ينتحب بصوت عال كالمرأة الثكلى.
سأله صاحبنا كبير السن.
ليش تبجي عمي ترى الدنيا ما تسوى.
لا والله عمي الدنيا تسوى ونص.. يعني الله خلقنا عبث.. مو هو اللي خله بينا شيئا من عنده.. مو هو رادنا نكون خليفته في الارض.. مو هو اعطانا مرتبة اعلى من الملائكة.. مو اللي علمنا الاسماء الحسنى.. مو..
عمي على كيفك ،ترى هاي الكلمة اللي تنكال.
زين هسه كلي ليش تبجي وهل اكدر اساعدك.
عمي الله يخليك خليني بحالي.
بويه الوادم تضحك علينا واحنه بهاي الحال .. كوم وياي على الكهوة واخذ لك استكانة شاي وبعده يصير خير.
بارك الله فيك عمي.. بس خليني اكمل نتف شعرات الباروكة.
ليش عمي؟
والله عمي لو عندي شعر جان “هلسته” بالكامل بس مع الاسف اصلع مصلصع با…
لا تكمل اعرف البقية..
يالله بويه كوم وياي واستر على نفسك.
ولك ياعمي بقى ستر.. بقى الطام..حتى الله خلوه يكلب الغائط الى حلاوة.
استغفر الله العظيم ..منو ذوله.
قبل شوية رحت خطار يم واحد صديقي وياريت ما رحت ..بلوى وكعت على راسي.. وبعدني ما كملت شرب الشاي عنده حتى طلّعلي فيديو وكلي شوف خويه شوف.
طلع واحد صاحب لحية وعلى كصته زبيبة ولابس صاية مذهبة.. بيني وبينك انا اتحسرت ، كان امنيتي ان اجمع شوية دنانير حتى اشتري صاية مثلها ، لكن يالله كل شي بالتساهيل.
عمي وبعد شوية سمعت صاحب الصاية يكول بعد ان صلى على النبي وآله وصحبه.
كال وبالعربي الفصيح:
اسمعوا هذه الواقعة وهي حقيقة تثبت ان الله لايتخلى عن عباده.. ذات يوم طلبت امرأة وهي حامل بشهرها السابع من زوجها ان يشتري لها بعض الحلوى.
خرج الرجل كسيف البال وهو يدري انه فقير الحال لايقدر على تحقيق هذا المنال فما كان منه الا ان اتجه الى شيخه الذي يصلي وراءه كل يوم جمعة ويثق به كما يثق بنفسه وباح له بهمه.
فقال له الشيخ: ابشر فقد تحقق مرادك.
واكمل صاحب الصاية واللحية المحناة القول:
ذهب الشيخ الى الحمام واخرج ما في معدته من غائط وعاد ليطلب من هذا الرجل ان يحمله بين يديه ليقدمه الى امرأته الحامل.
وهنا صاح صاحب الصاية:
تعلمون ايها المؤمنون ان المريدين يجب ان يطيعوا اولي الامر ولامجال للاعتراض فكلام الشيخ منّزل ولاسبيل لرده.
حمل الرجل الغائط بين يديه واتجه صوب بيته وهنا كانت المعجزة.. فهو ما ان رفس باب البيت برجله حتى انقلب الغائط الى حلوى وبالضبط تلك الحلوى التي تحبها امرأته.
عمي سمعت القوم يصيحون .. الصلاة والسلام على محمد وآل محمد.
عمي .. كل شي ماسويت بس ركضت على محل الباروكات الوحيد بسوكنا واشتريت هاي الباروكة حتى انتفها الى الآخر..
عمي ممكن اسلك، هذا الله مالهم ماعنده شغل ولا عمل بس يسوي حلويات من الغائط؟.
لاتكفر ابني .. يالله كوم خلي نشرب الشاي ونتعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
عمي ياالله منهم مالنا لو الله ابو الحلويات.
بس عاد .. ما تشوف الله كالبها بينا.. يالله كوم.
فاصل غير نظيف: ابدى ابو الجبن استعداده لارسال هذا الفيديو الى كل من يرغب خصوصا من الصلعان امثاله.

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

بشار الأسد مسبع الكارات قليل البارات

طلال عبدالله الخوري 25\9\2012     حصراياً موقع مفكر حر

بشار الاسد مسبع الكارات قليل البارات

Posted in ربيع سوريا, كاريكاتور | Leave a comment

آثار مسيحيَّة في شعر غير المسيحيّ، ج 2

رياض الحبيّب

موقع لينغا     25 أيلول 2012

ذكرتُ في الجزء الأوّل من المقالة أنّ (آراء الحَلّاج الفلسفية ونظرته الى العلاقة ما بين الإنسان وخالقه هُما وراء اتّهامه بالزندقة، نظرًا لسوء فهم معاصريه من الفقهاء وما أكثر مَن اختلفوا على آراء الحلّاج إلى يومنا) وقد ضربت مثالًا واحدًا من شعره على المعاني الباطنيّة التي قصدها أتباعه، التي لم يتمكنوا من فهمها، لأنّه توغّل بفكره وتأمّله الى أحد أعماق العقيدة المسيحيّة المرتبط بناسوت السيد المسيح له المجد ولاهوته. والناسوت واللاهوت مُصطلحان جديدان في شعر العرب، لا أثر لهما في شعر وصلنا قبل شعر الحلّاج (858- 922 م \ 244- 309 هـ) والغريب أنهما لم يُذكرا لا في «لسان العرب» لاٌبن منظور الذي كان أديبًا باللغة العربية ومؤرِّخًا وأحد العلماء بالفقه الإسلامي (ت 1311 م \ 711 هـ) ولا في «القاموس المحيط» للفيروزآبادي الذي كان من أئمّة اللغة (ت 1414 م \ 817 هـ) ما دلّ على أن شعر الحلاج قد أظهره المعجَبون به بعد موته بزمن طويل نسبيًّا، بعدما وجدوا فرصة سانحة لإخراجه الى العامّة، كما دلّ على أنّ شاعرًا آخر غير الحلاج لم يتناول أيًّا من المصطلَحَين في شعره قبل وفاة صاحبَي القاموسَين المذكورَين، أو أنّ كلّا من اٌبن منظور والفيروزآبادي لم يعثر على تفسير لأيّ من المصطلَحَين في الكتب الإسلاميّة. فإذا كان صعبًا على أتباع الحلّاج وسائر المسلمين فهم بعض المعاني الظاهريّة التي في إنجيل المسيح، كما نرى اليوم، فكيف بالمعاني الباطنيّة؟ وقد وعدت القرّاء الكرام بكتابة نماذج من شعر الحلّاج وشرح معانيها ما أمكن، لكني سألقي في البداية ضوء على الأبيات الثلاثة الواردة في الجزء الأوّل لأنها تصلح مدخلًا إلى فهم شخصيّة الحلّاج- وهي عَروضيًّا على بحر السَّريع
 
سُبْحانَ مَن أظهر ناسوتُهُ * سِرَّ سَنا لاهوتِهِ الثّاقبِ
 ثم بَدا في خَلْقِهِ ظاهِرًا * في صورة الآكِلِ والشّاربِ
 حتّى لقد عَايَنهُ خَلْقُهُ * كلَحْظَةِ الحاجبِ بالحاجبِ
 
فنقرأ في القواميس عن “سبحان” الخاصّة في الغالب بتسبيح الخالق ما يأتي: (سبَّحَ تسبيحًا: صلّى، قال “سُبحانَ الله” وسبَّحَ اللهَ وللهِ: نزَّهَهُ ومجَّدَهُ. ومعنى “سُبحانَ الله” أبْرِئَ اللهُ من السّوء. ويُقال “سُبحانَ مِن كذا” تعجُّبًا منهُ وهو على معنى الإضافة أي سُبحانَ الله من كذا. وسبحانَ في الإعراب منصوب على أنه مفعول مطلق… إلخ) انتهى. وتسبيح الله مذكور في الكتاب المقدّس؛ في العهد القديم، في المزمور الثالث والسّـتّين- الآية الثالثة
 مز 63: 3 لأنَّ رَحْمَتَكَ أَفْضَلُ مِنَ الْحَيَاةِ. شَفَتَايَ تُسَبِّحَانِكَ
 وفي العهد الجديد، في أعمال الرّسُل: ونَحْوَ نِصْفِ اللَّيْلِ كَانَ بُولُسُ وَسِيلاَ يُصَلِّيَانِ وَيُسَبِّحَانِ اللهَ وَالْمَسْجُونُونَ يَسْمَعُونَهُمَا- أع 25:16
 
وقد وردت الكلمة في شعر العرب إذ قال ورقة بن نوفل في «الأغاني» 14:3
 سُبْحانَ ذا العرش سبحانًا يُعادلُهُ * ربّ البريّة فَرْدٌ واحِدٌ صَمَدُ- بحر البسيط
 وقال أميّة بن أبي الصّلت في «تاج العروس» 157:2
 سُبْحانَهُ ثمّ سبحانًا يعودُ لهُ * وقَبْلَنا سَبَّحَ الجُوديُّ والجُمُدُ
 والجُمُدُ، بضم الجيم والميم وفتحهما: جبل معروف؛ نسب ابن الأثير عجز هذا البيت لورقة بن نوفل- لسان العرب
 وقال الأعشى قيس في «لسان العرب» 210:3
 وسَبِّحْ على حين العَشِـيّاتِ والضُّحى * ولا تعبُدِ الشيطان واللهَ فاٌعبُدا- بحر الطويل
 
أمّا سُبْحانَ بمعنى التعجّب من شيء أو من إنسان فلها أثر في شِعر الأعشى قيس
 أَقولُ لمَّا جاءني فَخْرُه * سبحانَ مِن عَلْقَمَةَ الفاخِرِ- بحر السّريع
 أي: عَجَبًا من فخر عَلقمَة بنفسه. والمعنى في «لسان العرب» العجب منه إِذ يَفْخَرُ
 
فلو أراد الحلّاج أن يقصد نفسه في البيت الأوّل لقال في مكان ما “سُبْحاني” ما لم يرد في شعره الذي وصلني، لكنّي عثرت على “سُبْحاني” في كلام متصوّف آخر عاش قبل الحلّاج هو أبو يزيد البسطامي (خراسان 188 – 261 هـ) من حديث له، في أحد المواقع الالكترونية، نصّه هو أنّ أبا يزيد (كان يومًا يرتدي جُبَّة ففتحها وقال: سُبْحاني ما أعظم شاني، ما في الجُبَّة إلّا الله- شذرات الذهب 142:2 وفيض القدير 456:1) فبالعودة إلى البيت الأوّل
 
سُبْحانَ مَن أظهر ناسوتُهُ * سِرَّ سَنا لاهوتِهِ الثّاقبِ
 
سُبْحانَ مَن (أي أسبِّح الله الذي) أظْهَرَ (بَيَّن) ناسُوتُهُ (تأنّسُهُ) وناسُوتُ فاعل مرفوع مُضاف إلى الضمير المتصل (الهاء) العائد على الله! سِـرَّ: مفعول به مضاف إلى سَـنا (ضوء النار والبرق) لكنّ المُراد به هنا هو السّناء (المجد وارتفاع المنزلة) و”سَـنا” مضاف إلى لاهوتِهِ (ألوهيّته) ولاهُوت مضاف إليه وهو بدوره مضاف إلى الضمير المتصل (الهاء) العائد على الله أيضًا. الثّاقب (المُضيء) صفة والموصوف هو لاهُوتُ الله المُتّحِدُ بناسُوتِه. والخلاصة هي أنّ الشاعر قد أُعجِبَ بالناسوت إذ أظهَرَ سرّ اللاهوت، أي أُعجِبَ الحلّاج بكشف الله عن ذاته وعن ماهيّته من خلال تأنّسِهِ (قطعًا بشخص المسيح) إذْ كان مفهومُ الله سرًّا مخفيًّا طوال الدهور
 
وتعليقي؛ أوّلًا: يبدو لي جَليًّا أنّ إعجاب الحلّاج بذلك الإظهار، الذي أدركه بعقله وطول تأمّله في الله، إعجابٌ من باب المَسَرّة وليس من باب الإنكار ولا الإستغراب. وبصفتي قارئًا مسيحيًّا فإنّ معنى البيت يرجع بي إلى الآية الإنجيليّة القائلة
 اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ. يوحَنّا 18:1
 
وثانيًا: واضحٌ أنّ الحلّاج بقوله “سُبحانَ مَن” كان يسبّح الله ولم يُسبّح نفسه، مثلما سَبَّح أحدُ الأعراب اللهَ إذ أعطى مَعْنَ بْنَ زائدة مُلكًا، قال الأعرابي
 فسُبْحَانَ الذي أعطاكَ مُلْكًا * وعَلَّمَكَ الجلوسَ على السَّريرِ- بحر الوافر
 فأجاب مَعْن: سُبحانَهُ (أي سُبحانَ الله) على أيّة حال، والمزيد حول هذه الرواية في مقالتي المنشورة “تعلّم-ي بحور الشعر (4) الوافر” ضمن سلسلة مراجعتي بحور الشعر العربي
 
* * *
 
خصوصيّة الناسوت واللاهوت
 
أمّا مسيحيًّا فإنّ الناسوت واللاهوت مُتّحِدان بشخص المسيح بدون اختلاط؛ مثل معدن ساخن حُمِّيَ بنار وقد بقِيَ المعدن على طبيعته والنار على طبيعتها، بعد اتحاد النار بالمعدن، بدون تحوّل أحدهما إلى الآخر. والناسوت واللاهوت مصطلحان مسيحيّان صِرفان يُعبِّران عن مَيِّزتين خاصّتين بالسيد المسيح وحده، لا وجود لهما في كتب الفلسفة والميثولوجيا بأيّة لغة عالميّة، قبل زمن انتشار الكتاب المقدّس، وإن وُجدا بشكل معنويّ غير حرفيّ في عهديه القديم والجديد، في آيات عدّة، فهْمُها بسيط لمن أراد الفهم؛ إمّا بإرشاد الرّوح القدس أو بالرجوع إلى التفسير المسيحي، باستثناء عدد من الآيات المذكور فيها اللاهوت حرفيًّا (1) في العهد الجديد (الإنجيل) وكلاهما متعلّق بشخص المسيح، سواء رمزيًّا أو حرفيًّا. لذا لا تجوز إطلاقًا استعارة أيّ من الناسوت واللاهوت لمصلحة شخص آخر بالقول مثالًـا: ناسوت آدم وناسوت الحلاج وناسوت فلان وناسوتي بل إنسانيّة آدم وإنسانيّة فلان… إلخ. والفرق بين الناسوت والإنسانيّة هو أنّ الناسوت: إنسانيّة بدون الخطيئة! إذًا هو مصطلح خاصّ بالمسيح لأنّ المسيح عاش بلا خطيئة {مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟} – يوحَنّا 46:8 والحلاج أدرك أنه وسائر البشر قد أخطأوا، باستثناء المسيح صاحب الطبيعتين؛ الإنسانيّة التي بلا خطيئة (أي الناسوت) والإلهية الخارقة الطبيعة (أي اللاهوت) التي صنع بها المعجزات
 
* * *
 
لماذا الناسوت واللاهوت خاصّان بالمسيح؟
 
لسببين؛ الأوّل: إنّ الله تجلّى في جسد شخص واحد فقط هو شخص المسيح، ما تجلّى في غيره ولا يمكن أن يظهر في غيره. ومن المُؤمَّل والمرتقب أن يظهر الله ثانية بشخص المسيح في المجيء الثاني للمسيح. والعهد الجديد قد أعلن حقيقة الظهور الأوّل في التالي
 وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ- يُوحَنّا 14:1
وَالْكَلِمَةُ: كلمة الله- الأقنوم الثاني الحالّ في شخص المسيح
 إِذْ في المَسيحِ يَحِلُّ كلُّ مِلْءِ اللاَّهوتِ جَسديًّا- رسالة بولس الرسول إلى كولوسي 9:2
 والثاني: إنّ الله قدّوس أي طاهر تمامًا فلا يمكن أن يحلّ في جَسَدٍ مسّته الخطيئة إطلاقًا، لذا وُلِد من عذراء (هي بهذا المفهوم مقدّسة أيضًا لم ترث خطيئة آدم إذ حُبِلَ بها بلا دنس وإلّـا لتعارض كمالُ الله مع قداسته، راجع-ي لطفًا مقالتي “حسم الجدل من جهة سيّدتنا مريم العذراء” المنشورة الكترونيًّا) فيسوع المسيح هو الوحيد الطاهر الذي عَكَسَتْ قُدسيّتُهُ قداسة الله المطلقة. وقد أعلن العهد الجديد قدسيّته حتّى قبل ولادته من السّيّدة العذراء: {اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ فَلِذَلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ}- لوقا 35:1 وهذه الآية، بالمناسبة، قد عبّرت بوضوح عن الأقانيم الثلاثة وهي العليّ (الآب) والقُدُّوسُ المَولُودُ (الإبن) والرُّوحُ القُدُس، راجع-ي لطفًا مقالتي: الثالوث الإلهي المقدّس
 
* * *
 
ازدواجيّة الشّخصيّة عند الحَلّاج
 
أمّا الحَلّاج الذي عاش خلال الفترة (858 – 922 م) أي حتى الربع الأوّل من القرن الميلادي العاشر فلا شكّ في اطّلاعِهِ على الإنجيل المنتشر قبله بقرون، بجميع اللغات ولا سيّما العربيّة. فمهما طال تأمّله في عظمة الخالق ومهما قوِيَ اتّحاده بالله فكريًّا وروحيًّا فإنّ الاتحاد بين لاهوت الله وناسوته أقنوميّ بَحْت، هو أعمق من اٌتّحاد الإنسان بالله فكريًّا وروحيًّا. وهذا ما لم يُدركه الحلّاجُ حين قال “ناسوتي” و”لاهوتي” في التالي، على وزن الطويل، أو أدركه لكنّه تجاوز حدوده وهذا احتمال مستبعَد في تقديري
 
دَخَلْتُ بناسوتي لديكَ على الخَلْقِ * ولولاكَ لاهوتي خَرَجْتُ من الصدقِ
 فإنّ لسانَ العلمِ للنُّطقِ والهُدى * وإنَّ لسانَ الغيبِ جَلَّ عن النُّطقِ
 ظهرتَ لخَلْقٍ واٌلتبَسْتَ لِفتيةٍ * فتاهوا وضلّوا واٌحتجبتَ عن الخَلـقِ
 فتظهَرُ للألباب في الغرب تارَةً * وطورًا عن الأبصار تغرُبُ في الشّرقِ
 
أو أنّ فرط تأمّله في الله وتعمّقه في الوجود ولّدا لديه حالة من الإزدواجيّة في الشخصيّة فصار تارة يرى صورة الله في شخصيّته وتارة يستفيق فيعود إلى رُشده ليرى الله كما يراه الخلق السّويّ. إليك في التالي بعض الأمثلة على ازدواجيّة نظرة الحلّاج
 
أنا مَن أهوى ومَن أهوى أنا * نحنُ رُوحانِ حَلَلْنا بَدَنا
 فإذا أبْصَرْتَني أبْصَرْتَهُ * وإذا أبْصَرْتَهُ أبْصَرْتَنا- بحر الرَّمَل
 
يعني: أنا والله واحد، نحن روحان حالّان في جسد واحد. فإذا أبصرتني أبصرت الله في شخصي وإذا أبصرتَ الله أبْصَرتني (أنا) لأنّ صورة الله تجلّت في شخصي
 
* *
 
يا سِـرَّ سِـرٍّ يدقّ حتّى * يخفى على وَهْمِ كلّ حَيِّ
 وظاهرًا باطنًا تجلّى * في كلّ شيءٍ لكُلِّ شَيِّ
 إنّ اٌعتذاري إليك جَهْلٌ * وعُظْمُ شكٍّ وفرْطُ عَيِّ
 يا جملةَ الكلّ لسْتَ غيري * فما اعتذاري إذًا إليِّ- بحر المضطرب
 
والازدواجية واضحة في قوله: يا جملةَ الكلّ لسْتَ غيري
 
* *
 
مُزِجَتْ روحُكَ في روحي كما * تُمزَجُ الخمرةُ بالماء الزّلال
 فإذا مسّكَ شيءٌ مَسَّني * فإذًا أنتَ أنا في كلّ حال- بحر الرَّمَل
 
* *
 
قد تصبَّرتُ وهل يَصْبِرُ قلبي عن فؤادي
 مازَجَتْ رُوحُكَ رُوحي * في دُنُوٍّ وبِعَادِ
 فأنا أنتَ كما أنّكَ أنّي ومُرادي- مجزوء الرَّمَل
 
الفؤادُ: القلب وقيل: وسَطُه. وقيل: غِشاءُ القلب والقلبُ حَبّتُهُ وسُوَيْداؤُه- لسان العرب. والازدواجية واضحة في قوله: فأنا أنتَ كما أنّك أنّي
 
* *
 
لكنّه حين عاد إلى رشده قال “ظننتُ أنّكَ أنّي” في التالي
 
عَجِبتُ مِنكَ وِمنّي * يا مُنيَةَ المُتَمَنّي
 أَدْنَيتَني مِنكَ حَتّى * ظَنَنتُ أَنَّكَ أَني
 – – –
 وغِبتُ في الوَجْدِ حَتّى * أَفنَيتَني بكَ عَنّي
 يا نِعْمَتي في حَياتي * وراحَتي بَعْدَ دَفني
 ما لي بغَيرِكَ أُنسٌ * من حيثُ خَوفي وأَمني
 يا مَن رِياضُ مَعانيهِ قد حَوَت كُلَّ فَنِّ
 وإِنْ تَمَنَّيتُ شيئًا * فأنتَ كُلُّ التَّمَنّي- بحر المجتثّ
 * *
 
لاحظ-ي روعة القطعة التالية، على وزن الرَّمَل، إمّا قصد الحلاج حبيبًا آخر غير الله بقوله “لي حبيب” الذي لي معه وقفة أخرى، لتكمن الازدواجيّة في البيت الثالث وتحديدًا قوله: وإنْ شئتُ يشأ
 
يا نسيمَ الرّوح قولي للرَّشا * لم يزِدْني الوِرْدُ إلا عَطَشا
 لي حبيبٌ حُبُّهُ وَسْط الحَشا * إنْ يشأْ يمشي على خدّي مشى
 رُوحُهُ رُوحي وروحي رُوحُهُ * إنْ يشأْ شِئتُ وإنْ شئتُ يَشا
 
تغنّى بها الفنان اللبناني مارسيل خليفة والفنانة اللبنانية هبة القواس وغيرهما
 
* * *
 
مثالًا على رُشْد الحَلّاج واستفاقته من قصيدة، ناجى بها الله من جهة ووبّخ الناس من جهة
 
واللهِ ما طلَعَت شمسٌ ولا غرُبَتْ * إلّا وحُبّكَ مقرونٌ بأنفاسي
 ما لي وللنّاس كمْ يَلحونني سَفَهًا؟ * دِيني لنفسي ودِينُ الناس للناسِ- بحر البسيط
 
لَحَا الرَّجُلَ لَحْوًا: شَتَمَهُ (لسان العرب) والبيت الثاني يصلح شِعارًا لحريّة الديانة والمعتقد في عصرنا وسائر العصور التي عكست اضطهاد حقوق الإنسان في المعتقد وفي إبداء الرأي
 
* *
 
مثالًا آخر على رشده في مناجاة الله
 
كانت لقلبيَ أهواءٌ مُفرَّقةٌ * فاٌستُجْمِعَتْ مُذ رأتكَ العينُ أهوائي
 فصارَ يحسِدُنِي مَن كنتُ أحسِدُهُ * وصِرتُ مَولَى الورَى مُذْ صِرتَ مَولائِي
 ما لامني فيك أحبابي وأعدائي * إلّا لغفلتهِمْ عن عُظْمِ بلوائي
 تركتُ للناس دُنياهُمْ ودِينَهُمُ * شُغلًا بحُبّك يا دِيني ودنيائي
 أشْعَلتَ في كبدي نارَينِ: واحدةٌ * بين الضلوع وأخرى بين أحشائي- بحر البسيط
 
مولائي: مولاي. وفيما بعد؛ بلوائي: بلواي. دُنيائي: دنياي. كأن الأسماء مولى وبلوى ودنيا مهموزة الآخر “مَولاء، بَلواء، دُنياء” حذف الهمزة من كل منها وأضاف إلى ياء المتكلّم، ما اضطرّ إليه الشاعر لتمشية القافية، أي للضرورة الشعرية. كذا فعل الشاعر أبو تمّام الطّائي قبل الحَلّاج، على وزن بحر الكامل، إذ قصَّرَ الفضاءَ ومَدَّ الهدى
 
وَرِثَ الندى وحوى النهى وبنى العُلا * وجَلا الدّجى ورمى الفضا بهُداءِ
 
* * *
 
عودة إلى أبيات الحلّاج الثلاثة
 
فإذا اتفقنا على أنّ الحلّاج كان مُدركًا بُعْدًا ما من أبعاد الناسوت واللاهوت في البيت الأوّل، يسهل فهم البيتين التاليين وهما
 
ثم بَدا في خَلْقِهِ ظاهِرًا * في صورة الآكِلِ والشّاربِ
 حتّى لقد عَايَنهُ خَلْقُهُ * كلَحْظَةِ الحاجبِ بالحاجبِ
 
ثم بَدا (اللهُ) في خَلْقِهِ ظاهِرًا (بالمسيح) في صورة إنسان يأكل ويشرب، حتّى لقد عَايَنَهُ (عايَنْتَ الشّيءَ عِيانًا: رأيتَهُ بعَيْنك. والمعاينة: المشاهدة- لسان العرب) وأغلب الظنّ أنّ الحلّاج أراد بالمعاينة هنا الإدراك، إذًا عَايَنَ (اللهَ الظاهرَ بالمسيح) خَلْقُهُ، في وقت أدرك الخلق (ممثَّلًا بالحلّاج لأنّهُ عايَنَ بنفسه) أنّ الناسوت واللاهوت لم ينفصلا عن بعضهما لحظة واحدة، كلَحْظَةِ الحاجب بالحاجب، أي حتى لحظة الرمش بين حاجِبَي العين. ذلك وإن كان للحاجب معان أخرى في “لسان العرب” لكنّها لا تمتّ إلى ما قصد الشاعر بأيّة صلة
 
* * *
 
من شعر الحلّاج متأثِّرًا بالإنجيل
 
إليك نماذج أخرى من شعر الحَلّاج؛ فيها إشارات دالّة على تأثّر عميق بالإنجيل بل مُذهِل. فإمّا وجد أحد دلالات شعره التالي على ثقافة أخرى غير الإنجيليّة فليأتِنا بها مشكورًا
 
أُقْتُلُوني يا ثُقاتي * إنّ في قتلي حياتي
 فمماتي في حياتي * وحياتي في مماتي
 إنّ عندي مَحْوَ ذاتي * من أجَلّ المكرماتِ
 
تشير هذه الأبيات- من مجزوء بحر الرَّمَل- إلى قول السيّد المسيح له المجد: {مَن وَجَدَ حياته يُضيعها. ومن أضاع حياته من أجلي يجدها} متّى 39:10 وإلى قوله: {فإنّ مَن أراد أن يُخلِّص نفسه يهلكها. ومن يُهلك نفسه من أجلي يجدها. لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كُلَّه وخسر نفسه. أو ماذا يعطي الإنسان فداءً عن نفسه} متى 16: 25-26
 
وبقائي في صفاتي * من قبيح السَّـيِّئاتِ
 سَئِمَتْ نفسي حياتي * في الرسوم البالياتِ
 
إشارة إلى رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس: {إِذاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا} 2 كور 17:5 راجع-ي أيضًا رسالته إلى أفسُس وتحديدًا الأصحاح الرابع
 
فاٌقتلوني واٌحرقوني * بعظامي الفانياتِ
 ثم مُرّوا برفاتي * في القبور الدارسـاتِ
 تجدوا سِـرّ حبيبي * في طوايا الباقياتِ
 
واضحٌ أنّ الحَلّـاج قد تنبّأ بقتله وحرقه. أمّا قوله “حبيبي” تعبيرًا عن الله فليس بشائع في ذلك الزمان، كان في إمكانه أن يقول “إلهي” عوض “حبيبي” والوزن الشعري يبقى كما هو، لأنّ حبيبي= إلاهي= فعُولُنْ، علمًا أن الأب لويس شيخو (2) قد توصّل إلى أصل الشاعر أبي تمام (حبيب بن أوس الطّائي) نصرانيًّا من طريق نشأته على دين أبيه النصراني ومن اسمه واسم أبيه قائلًـا: (لنا في اسمه حبيب، وهو من الأسامي الشائعة بين النصارى النادرة بين المسلمين، ما يدلّ على نصرانيّته) عِلمًا أنّ ابن خلكان لم يُنكر نسبته إلى طيء وإنما نقل قول الصّولي: (قال قوم أنّ أبا تمّام هو حبيب بن تدّوس النصرانيّ فغُيِّر تدّوس فصار أوسًا) ثمّ روى عن أبيه أنّه (كان خمّارًا بدمشق) عِلمًا أنّ تدّوس (أي تدّاوس) اسم أحد تلاميذ المسيح الإثني عشر
 
إنني شيخٌ كبير * في علوّ الدرجاتِ
 ثم أنِّي صرتُ طفـلًـا * في حُجور المُرضِعاتِ
 
إشارة إلى قول المسيح: {الحقّ أقول لكم: إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السماوات} متى 3:18 راجع-ي أيضًا 14:19 ومرقس 14:10 ولوقا 16:18
 
ساكنـاً في لَحْد قبـر * في أراضٍ سَبِخاتِ
 وَلدَتْ أُمّي أباها * إنَّ ذا من عَجَباتي
 
إشارة إلى أعجوبة ولادة السيدة العذراء ابنها بالجسد وهو ربُّها في الوقت عينه
 
فبناتي، بَعْـدَ أنْ كُـنَّ بناتي، أخواتي
 ليس مِن فِعْـل زمانٍ * لا ولا فِعْـل الزناةِ… إلخ
 إشارة إلى أنّ المؤمنين بخلاص يسوع من الجنسين هم جميعًا إخوة بالرّوح، سواء الأب والأمّ والإبن والبنت وسائر الأقارب؛ أي أن الإبن المؤمن بالمسيح يصبح بالروح أخًا لأبيه المؤمن ولأمّه المؤمنة، كذا البنت المؤمنة: {لأنّ الذين سَبَق فعَرَفهُمْ سبق فعَيَّنهم ليكونوا مشابهين صورة اٌبنه ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين} – الرسالة إلى روما 29:8
 
* * *
 
اختيار الحلّاج الموت على دين المسيح
 
أَلا أَبلِغْ أَحِبّائي بَأَنّي * رَكِبتُ البَحْـرَ واٌنكَسَـر السَفينَهْ
 
على دِينِ الصَّليبِ يَكونُ مَوتي * فلا البَطحا أُريدُ ولا المَدينهْ
 
لعلّ هذا، الذي على وزن بحر الوافر، خيرُ ما أنهي به هذه الرّحلة مع الحَلّاج، الشاعر الشهيد، الذي ركِب البحر المجهول فتحطّمت سفينته إذ ارتطمت بعوائق وحواجز من غير المعقول. وقد عَلِمَ أنّ الصّليب مفتاح الحياة الأبديّة إذ التقت خشبته العموديّة (التي ترمز إلى اللاهوت) مع خشبته الأفقيّة (التي ترمز إلى الناسوت) وهذا مفهوم متطوّر لمعنى الصّليب، الذي رسم به صاحب الوعي المطلق (الله) اٌتّحاد المحبّة العجيب بين الرّوح والمادة (اللاهوت والناسوت) بإتقان وبأبهى صورة وأقوى صوت هو {صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ، اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً} إشَعياء 3:40 ومرقس 3:1 فاختار الحَلّاج الموت الذي يؤدّي إلى الحياة في نهاية المطاف رافضًا الحياة التي تؤدّي إلى الموت. بل كان مِن حَقّه اختيار دين لنفسه غير دين مُعاصِريه. ومن حقّه أن يرفض الدين الذي دعا إليه صاحبُهُ في مكّة والمدينة الذي بدوره رفض المسيحيّة وليته اكتفى برفضها ولم يتعرّض لأهل الكتاب ولغيرهم بسوء في كتابه وأفعاله. لذا أصبح من حقّ كلّ إنسان أن يختار لنفسه أيّ دين، ما لم يضرّ به أحدًا! أمّا قوله “واٌنكَسَـر السَفينَهْ” عوض “وانكسرت” وإلّا لاٌختلّ الوزن الشّعري فهو على أساس أنّ مِن العرب مَن كان يُذكّر فِعْلَ المؤنَّث إذا كان المؤنّث قليل العدد. أمّا (السَّفِينة: الفُلْكُ لأَنها تَسفِن وجه الماء أي تقشره. البَطْحاء: مَسِيلٌ فيه دُقاقُ الحَصى. قال ابن الأثير؛ بَطْحاءُ الوادي وأَبْطَحُهُ: حَصاه الليِّن في بطن المَسِيل، أَبْطَحُ مكة: مَسِيلُ واديها. وقال الجوهري: البَطِيحَةُ والبَطْحاءُ مِثل الأبطَحِ ومنه بَطْحاءُ مكة)- لسان العرب
 
عِلمًا أنّ الحلاج وهو على الصليب كان يقول لأصدقائه وأتباعه: (لا تخافوا) بل كان يُمازح جَلّاده، الذي قطَعَ يديه ورجليه قبل الصّلب، حتّى غضب في النهاية فقطع رأسه فسقطت، ثمّ أنزِل وصُبّ عليه زيت وأحرق وألقِيَ رمادُهُ من أعلى مِئذنة في نهر دجلة. واللافت في الأمر أنّ الوزير حامد بن العباس حاول، أمام الجمع الغفير الذي احتشد لمشاهدة صلب الحلاج، أن ينآى بنفسه وبالخليفة (المقتدر بالله) الذي وقّع على حكم الموت عن المسؤولية فدعا الشهود الموافقين على الحكم إلى تأييده بصوت عال فصاحوا قائلين: (نعَمْ، أقتلهُ ودَمُهُ في رقابنا) ما يعود بنا إلى صياح الشعب في وجه بيلاطس “إصلِـبْهُ” و”دمُهُ علَينا وعلى أولادِنا” في البشارة بحسب متّى- الأصحاح 27
 
* * *
 
الثناء على فكر الحلّاج
 
وذلك كلّه لم يمنع العقلاء من الإشادة بذِكر فكر الحلّاج والثناء عليه؛ نقرأ في ويكيپـيديا: (التصوّف عند الحلاج جهاد في سبيل إحقاق الحقّ وليس مسلكًا فرديًّا بين المتصوّف والخالق فقط. لقد طوّر الحلاج النظرة العامة إلى التصوف، فجعله جهادًا ضد الظلم والطغيان في النفس والمجتمع ونظرًا لما لتلك الدعوة من تأثير على السلطة السياسية الحاكمة في حينه. فعن إبراهيم بن عمران النيلي أنه قال: «سمعت الحلاج يقول: النقطة أصل كل خط، والخط كله نقط مجتمعة. فلا غنى للخط عن النقطة، ولا للنقطة عن الخط. وكل خط مستقيم أو منحرف فهو متحرك عن النقطة بعينها، وكل ما يقع عليه بَصَرُ أحد فهو نقطة بين نقطتين. وهذا دليل على تجلّي الحقّ من كل ما يشاهد وترائيه عن كل ما يعاين. ومن هذا قلت: ما رأيت شيئًا إلّا ورأيت الله فيه» ولا يخفى ما بهذه الجملة من فلسفات وحدة الوجود التي ترى توحّد الخالق بمخلوقاته) انتهى. ولم يمنع الحكمُ الجائرُ ذوي الحسّ المرهَف من وصف الحلّاج بـ (قتيل الحُبّ الإلهي) ولم يمنع أبرز أدباء القرن الماضي من تصوير مأساة الحلاج في آدابهم أروع تصوير، ما يأتي ذكره في الجزء الثالث، حتّى كأنّ مِنهُمْ مَن حَسَدَهُ على هذه الميتة! فلله دَرّ الشاعر يزيد بن معاوية إذ قال في قصيدة، من بحر البسيط، هي في نظري من أروع قصائد الغزل العربية
 
هُمْ يَحْسِدُونِي عَلَى مَوتِي فَوَا أَسَفِي * حَتَّى عَلَى المَوتِ لا أَخلُو مِنَ الحَسَدِ
 * * *
 
1
 ورد ذكر اللاهوت (أو الألوهة أو الألوهيّة) حرفيًّا على لسان بولس الرسول في أعمال الرسل 29:17 وفي الرسالة إلى روما 20:1 بالإضافة إلى المذكور أعلى
 2
 في كتابه: «شعراء النصرانية بعد الإسلام، شعراء الدولة العباسية» ق 3 ص 257 وما بعدها من أخبار الشاعر أبي تمام
 
¤ ¤ ¤ ¤ ¤

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

ضحايا صدام حسين 13

صباح ابراهيم

الفصل الثالث عشر
المجازر ضد التركمان
مجزرة بشير سنة 1983
حيث اعدم النظام الصدامي البعثي من سكان قرية بشير التركمانية (157 ) شخصأ كونهم تركمان فقط وليجازي المتبقي منهم بهدم قريتهم وازالتها من الوجود وتشريد سكانها وليومنا هذا وياتي في مقدمة الشهداء كل من ( سالم حسن تقي – صفاء سامي – صلاح حسن – عباس رضا – علي بشيرلي – علي تقي – علي فاضل موسى)
مجزرة التون كوبري سنة 1991 م
في ظهيرة يوم 28 اذار 1991 اعدمت السلطة الصدامية المجرمة ( 123 ) تركمانيأ بريئأ من سكنة التون كوبري وهم صيام بتهمة انتمائهم الى القوات الكردية ( بيشمركه ) علمأ ان معظمهم تركمان أبأ عن جد ولاعلاقة لهم بالاحزاب الكردية لامن قريب ولا من بعيد وفي المقدمة منهم ( صائب تتار – ارشد خورشيد – احمد كوبرلو- شعلان فيصل – عامر مدحت – قاسم محمد توفيق – اياد قادر – اسماعيل شكر).
مجزرة طوز سنة 1991 م
بعد محاصرة استمرت لاكثر من اسبوع لمدينة ( طوز ) التركمانية دخلت القوات الصدامية المدينة بعد ان دكتها بالمدفعية والدبابات لتحرق الاخضر بسعر اليابس حيث راح ضحية هذا العمل الاجرامي ( 197 ) شهيداً كلهم من الشيوخ والنساء والاطفال وفي المقدمة ( نجم الدين جاير – نصرالله هادي – نهاد محمد – نورالدين صديق – محمد سمين – محسن فرحان – علي قنبر )
مجزرة اربيل سنة 1996م

في اب 1996 دخلت القوات الصدامية وبالتعاون مع القوات التابعة لبعض الأحزاب الكردستانية مدينة اربيل لتقتل من التركمان العاملين في مكاتب ودوائر الجبهة التركمانية (85 ) شخصا ولتؤسر ( 127 ) شخصا اخرين لتعدمهم في منطقة ( قوشتبه ) وفي المقدمة منهم الشهداء(آيدن عراقلي –فرهاد قاسم – أياد واحد – علي حسن – عبد الرحمن كركوكلي – محمد رشيد – مازن فاروق – نشأت فيصل – خالد عبد الله – اياد أحمد – يلماز خالد
التركمان الذين اعدموا او قتلوا او فقدوا في ظل النظام البعثي
للفترة من 1968ولغاية 1979
أقدم النظام البعثي المقبور على أعدام ( 114 ) شخصية تركمانية بدون أي ذنب سوى كونهم تركمان في المقدمة منهم ( الدكتور نظام الدين عارف – واللواء الركن عمرعلي وعائلته – جودت آوجي -نشاة عسكر – محمد ساعتجي –تمبل عباس – حسين علي – كاظم حسن – فاضل عمر- سيد مؤيد).
للفترة من ( 1980 ولغاية 1990 )
مع تقلد صدام حسين مسؤولية الحكم بدأ مسلسل الأعدامات العشوائية بحق التركمان حيث بلغ عددهم ( 792 ) شهيدأ لغاية 1990م في المقدمة ( العميد عبد الله عبد الرحمن – الدكتور نجدت قوجاق – عادل شريف – الدكتور رضا دمرجي – رشدي رشاد – صلاح عبدالله – محمد قورقماز – خالد سعيد – مظفر فاتح – حميد رحمان – محسن علي ).
للفترة من (1991- 1995)
أنتقاماً لهزيمته في الكويت بدأ الطاغية صدام بحصد أبناء العراق قتلا وفي المقدمة منهم التركمان حيث شملهم مسلسل الأعدامات ليعدم في النهاية منهم 88 شهيداً في المقدمة منهم  اللواء الركن عصمت صابر – اللواء الركن سامي قاسم – تحسين قورقماز – محمد سعيد – عثمان جميل- عبدالحسن طوزلي – فؤاد نجم الدين – فؤاد محمد  .
المعدومين من سكنة مدينة تلعفر التركمانية
ذهب نظام الطاغية صدام يتعقب التركمان أينما كانوا في العراق ليشمل مسلسل الأعدامات والأبادة هذه المرة، أهل تلعفر الأصلاء حيث بلغ عددهم ( 47 ) شهيداً في المقدمة منهم  (خليل تلعفري وزوجته – حسن قصاب – ابراهيم عبد – محمد حمد – ذنون جولاق – سعيد والي – احمد مولى – معتصم شفيق)
المعدومين من سكنة مدينة الموصل
لقد بلغ عدد الذين أعدمهم النظام المقبور في مدينة الموصل ( 38 ) شهيداً في المقدمة منهم ( الياس خضر – أحمد رشيد – محمد قاسم – مجيد رشيد – الياس عزالدين – اسماعيل كوسة – محمد عزالدين).
المتوفين في السجون والمعتقلات
لقد بلغ عدد الشهداء الذين توفوا في السجون بسبب مرضهم وعدم توفر العلاج لهم عمداً (17) مناضلاً في المقدمة منهم ( فاتح شاكر – محمود النفطجي – بهاء الدين قوجه ده – علي عسكر–فاضل سامي–ومحمد رحمان )
التركمان الذين اغتيلوا خارج العراق
لقد أغتالت مخابرات النظام المقبور العديد من التركمان خارج الوطن هرباً من ظلمه وعددهم ( 27 ) شهيدا في المقدمة منهم ( نجدت كركوكلي – ياوز عراقلي – يلماز سعيد – صباح علي – احمد نور الدين )
قافلة الضباط التركمان الذين اعدمهم الطاغية صدام
اللواء الركن عصمت صابر عمر-  اللواء الركن سامي قاسم زينل – اللواء الركن ابراهيم نامق – اللواء الركن عمر علي بكر مع عائلته في حادث سيارة مدبر اثناء عودته من الاردن بعد مقابلته للملك حسين  – اللواء فكرت عبد الحميد بكر-  العميد الركن نظام تلعفري-  العميد نامق سعيد شريف-  العقيد نجاة شكري-  العقيد الطيار آيدن مصطفى
العقيد عبد الحسن طوزلو- العقيد عبد الله نوري مردان-  المقدم علي مردان خليفة المقدم خالد سعيد- المقدم عدنان ولي-  الرائد سيروان احمد- الرائد فؤاد نجم الدين
الرائد سعيد علي احمد – النقيب حميد كركوكلي-  الملازم نشأت عسكر- الملازم اسماعيل تلعفري-  الملازم حسن محمد خالدي .
التركمانيات اللائي أعدمهن نظام الطاغية صدام .
بلغ عدد الشهيدات اللائي اعدمهن نظام الطاغية صدام البربري ( 17 ) شهيدة وتاتي في المقدمة منهن ( زهرة بكتاش – آينور حميد – سكينة حسن – زينب تسينلي – بلقيس حميد – خديجة محمد – نجاة موسى – يوكسل ولي) . دولاب الدم لم يكن مجرد حكاية صراع مجموعة أشخاص على السلطة بل هو عهد أبيحت فيه كميات من الدماء وقطعت أوصال ورقاب وخربت نفوس ودمر بلد.
دموية ذلك العهد وعنفه لم يكن وليد الفراغ حتماً لكن هو نتاج الدكتاتورية والحزبية والعشائرية .
لكن يبقى حاكم ذلك العهد متحملاً للقسط الأكبر من المسؤولية خصوصاً أن كان ذلك الحاكم صدام حسين الذي اختار أن يكون مسؤولاً على كل التفاصيل حتى أتفه التفاصيل.
وهو الذي يدفعنا لمحاولة معرفة كيف يفكر ذلك الحاكم لنفهم كيفية اتخاذ القرارات والدافع لذلك العنف وتلك القسوة .

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية | Leave a comment

داحس والغبراء في المنطقة الخضراء

محمد الرديني

لا اكره عندي من تذكر حرب داحس والغبراء التي راح ضحيتها المئات بسبب جرو وقيل لسبب آخر مايزال علماء التاريخ المعاصر من العرب والاعاجم يبحثون عنه.
مهما يكن السبب فهو في نظر اولاد الملحة الان اسخف من السخف نفسه، ومع ذلك فالقوم آنذاك لم يجدوا غير لعبة الحرب يقضون بها على فراغهم القاتل، وليس هناك من شريف يتصدى لأعادة كتابة التاريخ من “جماعتنا طبعا” ليعتذر من الاجيال الجديدة كما حدث وسيحدث في بلاد الكفار.
ماعلينا..
هذه الحرب الضروس ماتزال على ساق وقدم بين الاطفال الخدج في المنطقة الخضراء والتي جّف خضارها حاليا ولم تعد خضراء بسبب جفاف مياه دجلة الذي اصبح مجرى للفضلات الكريهة وغير الكريهة.
على ذكر المياه الكريهة، صرح امس الفذلكي بهاء الاعرجي وهو كما تعلمون نائب في البرطمان في تنظير تحرري على اعتبار انه رئيس كتلة الاحرار قال فيه وارجوكم اكظموا غيظكم كما فعلت انا لثوان معدودات.
قال الاعرجي:أن هناك توجهين سياسيين في مشروع البنى التحتية، لافتا إلى أن التحالف الوطني مع القانون من حيث المبدأ، فيما اعتبر فشل مجلس النواب في إقراره قبل حلول العطلة التشريعية فأن القانون سيكون في خبر كان.
ويسترسل الاعرجي في تنظيره حول مياه المجاري والامطار وتأسيس البالوعات من اجل عدم عودة “نزاح الطهاير” الى الوجود بعدما انقرضت وظيفته فقال: ان هناك توجهين متضادتين أخذا البعد السياسي في قانون البنى التحتية، الأول يعتقد أن الجهة صاحبة المشروع تريد أن تجير المشاريع لمصلحتها، والثاني يريد أن يفشل المشروع، لكي لا يستفاد طرف واحد من الدعاية الإعلامية في الموضوع”.
وقال الاعرجي بعد ذلك كلاما كثيرا لم يسلم من شرارته حتى هو شخصيا.
ماعلينا مرة ثانية…
لكن اللي علينا ياشباب هو استحداث قاموس جديد يحوي كلمات ومعاني جديدة في لغة “الردح الثوري” لأن بصراحة لا الكلمات البذيئة ولا ردح الشراميط في نوادي الكرادة ولا هز البطون في حانات بيروت يمكن ان ينفع بهؤلاء.
ولكم حتى ارتيريا عندها مجاري وشوارع مبلطة وبالوعات تستوعب حتى الخرفان التي ستذبح في عيد الاضحى بعد شهر بالتمام والكمال.
بهاء الاعرجي لاعب سلة ماهر فقد رمى الكرة نحو الهدف ولكن زميله جواد الشهيلي وهو ايضا عضو فعال في كتلة الاحرار وعضو لجنة النزاهة في البرطمان تلقفها ليصيح: ان مشروع المدينة الرياضية بالبصرة سيطيح بالوزير والمستثمر وبرؤؤس كبيرة موجودة في الوزارة من ضمنهم مدير الشؤون الهندسية الذي استبعد بسبب الاجتثاث” .
ياسلام على الاولاد الحلوين والحبابين والشاطرين..
ولأنهم كذلك فقد انضم اليهم احد اعضاء مجلس محافظة نينوى.
هذا الاخ، واسمه احمد السيد عواد لاحظوا انه سيد وربما من آل البيت، اعتدى بالضرب والسب والشتم على احد موظفي هيئة الحج والعمرة في المحافظة داخل غرفة الموظف “.
ليش خويه؟…
لأن احد اقاربه لم يظهر اسمه في قرعة الحج ولهذا فالاخ العضو احتج ومارس صلاحيته ضد موظف عمومي لم يكن ابدا مسؤولا عن اجراء القرعة.. وحسب سيدنا عواد جل قدره ان سحب الاسماء في القرعة مثله مثل الانتخابات المضحكة في البرطمان وغيره.
لا اريد ان اقسم لكم انها ديمقراطية “جعب ابريك” فالقسم حرام شرعا في مثل هذه الامور خصوصا وان قريب عواد يريد ان يروح للحج وعلى العضو اياه ان يضرب الناس حتى تكون الحجة مقبولة باذنه تعالى.
فاصل: فطومة.. والله لوكنت في بلد من بلاد الكفار لهاجت الناس وقدموا رئيس الحكومة للقضاء.. وانتم تعرفون الباقي.
ودعناكم.

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي 21

رياض الحبيّب

{وفي القرآن آيات تصف عظمة الله وجلاله كآية الكرسي التي قالوا بأنها أفضل ما في القرآن} انتهى- بداية الصفحة 616 في كتاب “الشخصيّة المحمّديّة” لمؤلفه أديب العراق الكبير معروف الرصافي- رحمة الله عليه.

هنا أوّلاً نصّ آية الكرسي أي سورة البقرة: ٢٥٥
الله لا إله إلا هو الحيّ القيّوم لا تأخذه سِنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلّا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلّا بما شاء وسع كرسيّه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم.

وهنا تفسير الجلالين كاملاً للآية- وأذكّر بأنّ التعليق المحصور بين القوسين [ ] أينما وُجد هو لي أيضاً:
“الله لا إله” أي لا معبود بحق في الوجود “إلا هو الحي” الدائم بالبقاء “القـَيّوم” المُبالغ في القيام بتدبير خلقه “لا تأخذه سِنـَة” نعاس “ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض” مُلْكاً وَخـَلْقاً وَعَبيداً “من ذا الذي” أي لا أحد “يَشفـَع عنده إلّا بإذنه” له فيها “يعلم ما بين أيديهم” أي الخلق “وما خلـْفهم” أي من أمْر الدنيا والآخرة “ولا يُحيطون بشيء من علمه” أي لا يعلمون شيئاً من معلوماته “إلا بما شاء” أن يعلمهم به منها بأخبار الرسل “وسع كرسيّه السماوات والأرض” قيل أحاط علمه بهما وقيل الكرسي نفسه مشتمل عليهما لعظمته لحديث: (ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في تـُرس) – [حديث 4522 ما سيأتي ذكره في تفسير الطبري] “ولا يئوده” يثقله [عَن ابْن عَبَّاس: (وَلا يَئـُودُه حِفْظهما) يقول: لَا يَثـْقـُل عَليْه- عند الطبري أيضاً] “حفظهما” أي السموات والأرض “وهو العلي” فوق خلقه بالقهر “العظيم” الكبير

تعليقي: تفسير الإمامَين الجلالين (المَحَلّي والسّيوطي) للآية عامّ ومقتضب ما أمكن، يبدو لي أنهما استندا على ما ورد من أحاديث وتفاسير لأئمّة من قبلهما فجنـّبا نفسَيهما الخوض في متاهات الأحاديث والتآويل. إنما الأسلوب الذي رأيتُ في تفسيرهما يصلح لتفسير أيّة قطعة أدبيّة سواء نثريّة أو شعريّة، أي بغضّ النظر عن كون القطعة منسوبة إلى السماء- وإن كان الجهد المبذول في التفسير واضحاً وكبيراً نسبيّاً لأنّه يكاد يكون محصّلة لما سبق من تفاسير علميّة. لهذا السبب لا يستفيد الباحث الجادّ من الأسلوب الذي أشرتُ إليه إلّا أنْ يمرّ عليه مرور الكرام ليعرف المقصود بالآية باختصار. فتفسير الجلالين لا يُشبع فضول الباحث في أسباب “النزول” خصوصاً وسائر الظروف المحيطة بالحدث القرآني عموماً- أقول هذا في ضوء الإختلاف الملاحَظ على التفاسير والتآويل في كتب التراث. وأختم هذا التعليق بذكر اقتباس مؤلّف القرآن فكرة (السماوات السبع) الواردة في الحديث المحمّدي المُشار إليه في التفسير أعلى بأنه من قول الشاعر “الجاهلي” أمَيّة بن أبي الصّلت- ممّا ورد في قاموس “لسان العرب” لابن منظور في شرح كلمة “سماء” فمن شاء فلينظره هناك:
له ما رأتْ عَيْنُ البَصِير وفوْقهُ *** سَماءُ الإلَهِ فوْق سَبْعِ سَمائِيا [بحر الطويل- علم العروض]

أمّا التالي فمقتطفات ممّا رُويَ عن آية الكرسيّ في كتب التفسير-
* الطبري: (لا تأخذه سنة ولا نوم) لا يأخذه نعاس فينعس، ولا نوم فيستثقل نوماً. والوسن: خثورة النوم، ومنه قول عَدِيّ بْن الرِّقَاع:
وَسْنانُ أقصَدَهُ النّعَاس فرَنَّقتْ *** فِي عَيْنه سِنَة وليْسَ بنائِم [بحر الكامل]
ومن الدليل على ما قلنا من أنها خثورة النوم في عين الإنسان، قول الْأَعْشَى مَيْمُون بْن قَيْس:
تُعَاطِي الضَّجِيع إذا أقبَلَتْ *** بُعَيْد النّعَاس وقبْل الْوَسَنْ [بحر المتقارَب]
وقال آخر:
باكـَرَتـْها الأغرابُ في سِنـَة النَّوْ مِ فتجْرِي خِلَال شَوْك السَّيَالِ [بحر الخفيف]
يَعْنِي عِند هُبُوبها مِن النوم ووَسَنُ النَّوْم في عَيْنهَا

حديث 4509 عن أبي هُرَيْرَة، قال: سمعت رسول الله ص يحكي عن موسى ص على المنبر، قال: (وقع في نفس موسى هل ينام الله تعالى ذكـْره؟ فأرسل الله إليه مَلَكاً فأرّقه ثلاثاً، ثم أعطاه قارورتين، في كل يد قارورة، أمره أن يحتفظ بهما) قال: (فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان، ثم يستيقظ فيحبس إحداهما عن الأخرى، ثم نام نومة فاصطفقتْ يداه وانكسرت القارورتان) قال: ضرب الله مثلاً له، أن الله لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض

[تعليقي: يبدو أنّ محمّداً (المشبّع بمعلومات كتابية استقاها من أهل الكتاب والشعراء الموحّدين) قد سُئل عن الله “هل ينام” لذا وضع في ذهنه ما تعلّم بأنّ الله (لا تأخذه سِنة ولا نوم) وهي صفة بديهية مُطلقة للخالق، معروفة في التوراة والمزامير وسائر كتب الأنبياء والإنجيل- كما في الفصل 132 من سِفـْر المزامير:
مز-132-4: لا أُعْطِي وَسَناً لِعَيْنيَّ وَلا نوْماً لأَجْفانِي

أمّا رواية محمّد عن موسى النبي فلا وجود لها في التوراة ولا يوجد مصدر لتلك الرواية سوى الأساطير الإسرائيليّة التي في التلمود اليهودي والذي سرق محمد كثيراً منه وأدرج في القرآن كقصّة سليمان وبلقيس وذي القرنين ويأجوج ومأجوج وغير ذلك؛ إمّا طبق الأصل أو مع تحريف أو تغيير أو سوء فهم. وقد أشرت فيما مضى من حلقات عن تردد محمد على بيت المدراس اليهودي وإصغائه إلى ما يُروى هناك]

عودة إلى الطبري- اختلف أهل التأويل في معنى الكرسي الذي أخبر الله تعالى ذكره في هذه الآية أنه وَسِعَ السموات والأرض، فقال بعضهم: هو عِلم الله تعالى ذكره- عَنْ ابْن عَبَّاس: (وَسِعَ كُرْسِيّه) قالَ- كُرْسِيّه: عِلْمه
4517 – حَدَّثنِي عَلِيّ بْن مُسْلِم الطُّوسِيّ… عَن أبي مُوسَى [الأشعَري- والحديث مذكور لدى القرطبي] قال- الكُرْسِيّ: مَوْضِع الْقدَمَيْنِ، ولهُ أطِيط كأطِيطِ الرَّحْل
4524 – عَنْ عبد الله بن خـَلِيفة، قالَ : أتت امْرَأَة النّبيّ ص، فقالتْ: اُدْعُ الله أنْ يَدُلّنِي الجَنَّة! فعَظَّمَ الرَّبّ تعالى ذِكْره، ثمّ قال: (إنَّ كُرْسِيّه وَسِعَ السَّمَوَات وَالْأَرْض، وأنَّهُ لَيَقعُد عَليْهِ فمَا يَفْضُل مِنْهُ مِقدَار أرْبَع أصَابع) ثُمّ قال بأَصَابِعِهِ فجَمَعَها: (وإنّ لهُ أطِيطًا كأَطِيطِ الرَّحْل الجَدِيد إذا رُكِبَ مِنْ ثِقـَله)

[تنويه: نقرأ في معجم “لسان العرب” سالف الذكر عن الجوهري: الأَطِيطُ صوت الرّحل والإِبل من ثِقـَل أَحْمالِها. والأَطيط أَيضاً: صوت النِّسْعِ الجديد وصوت الرَّحْل وصوت الباب، ولا أَفعل ذلك ما أَطَّتِ الإِبلُ؛ قال الأَعشى «في معلّقته وهي من بحر البسيط»
ألَسْتَ مُنتهِياً عن نـَحْتِ أَثـْلَتِنا؟ *** ولَسْتَ ضائرَها، ما أَطَّتِ الإِبـِلُ
وقد يكون الأَطِيطُ في غير الإِبل؛ ومنه حديث عُتبة بن غزوان (رض) حين ذكَر بابَ الجنة قال: ليَأْتِينَّ على باب الجنة زمانٌ يكون له فيه أطِيطٌ أَي صوتٌ بالزِّحامِ. وفي حديث آخر: حتى يُسْمَعَ له أَطِيطٌ يعني بابَ الجنة…]

4519 – حدّثني المُثنَّى… عَن الضَّحَّاك قَوْله: (وَسِعَ كُرْسِيّه السَّمَوَات وَالْأَرْض) قال: كُرْسِيّه الَّذي يُوضَع تحْت العَرْش، الَّذِي يَجْعَل المُلوك عَلَيْهِ أقدامهمْ
4521 – عَن الرَّبيع قال: لمّا نزَلَتْ (وَسِعَ كُرْسِيّه السّمَوات والأرض) قالَ أصْحاب النبيّ ص: يا رسول الله هذا الْكُرْسِيّ وَسِعَ السَّمَوات والأرْض، فكيْفَ العَرْش فأنْزلَ الله تعالى (وما قـَدرُوا اللَّه حَقّ قدْره) إلى قَوْله (سُبْحَانه وتعَالى عَمَّا يُشْرِكُون) – [يقصد سورة الزمَر: 67 وهنا نصّها: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بيَمِينِهِ سُبْحَانهُ وَتعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون]

تعليقي: قرأت رواية مسلم في صحيحه عن ابن عُمَر قال: قال رسول الله ص: يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: «أنا الملك، أنا الجبار، أين المتكبرون» ثم يطوي الأرضين السبع ثم يأخذهنّ بشماله ثم يقول: «أنا الملك، أنا الجبار، أين المتكبرون» واللافت في هذا الحديث قوله (ثم يأخذهنّ بشماله) غير المنوّه عنه في سورة الزمَر إنما اليد اليمنى فقط- وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بيَمِينِه! ويا ليت شِعْري ألمْ يقلْ مؤلّف القرآن في سورة النور: 35 (الله نور السماوات والأرض) فكيف تكون للنور قبضة ويمين وشمال؟ ولكنْ يبدو لي أنّ محمّداً قد فصّل ربّ القرءان على مقياسه فأشرك به شخصه؛ ألمْ يقلْ في التوبة: 29 (ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله) وفي المائدة: 33 (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) وغيرهما ما يُعطي دليلاً قاطعاً على أنّ الإسلام ليس بديانة توحيديّة لأنّ محمّداً هذا كان مُشركاً شخصه بالإله في قرآنه وحديثه.

4522 – حدّثنِي يُونُس… قالَ رَسُول الله ص (ما السَّمَوات السَّبْع في الكُرْسِيّ إلَّا كدَرَاهِم سَبْعَة أُلْقِيَتْ فِي تُرْس) قَالَ- وقالَ أبُو ذرّ: سَمِعْت رَسُول الله ص يَقول (مَا الْكُرْسِيّ فِي الْعَرْش إلَّا كحَلْقةٍ مِنْ حَدِيد أُلْقِيَتْ بَيْن ظَهْرَيْ فلَاة مِن الأرض)
4523 – حَدّثني المُثنَّى…عَن الضَّحَّاك، قالَ: كان الحَسَن يَقول (الْكُرْسِيّ: هُوَ العَرْش)

وأصْل الكُرْسِيّ: العِلْم، وَمِنْهُ قيلَ لِلصَّحِيفةِ يَكون فيها عِلْم مَكتوب كُرَّاسَة، وَمِنْهُ قوْل الرَّاجز [أي الذي يأتي بشِعْر من بحر الرّجَز] فِي صِفة قَانِص: حَتّى إذا مَا احْتازها تكَرُّسًا- يَعْنِي عَلِمَ. ومِنهُ يُقال للعُلماء: الكرَاسِيّ، لِأنّهُم المُعتمَد عَليْهم، كما يُقال: أوْتاد الأرض، يَعْني بذلك أنّهُم العُلماء الّذين تصْلُح بهم الأرض؛ ومنه قول الشّاعر:
يُحَفّ بهِمْ بـِيض الْوُجُوه وَعُصْبَة *** كَرَاسِيّ بالأحداثِ حِين تنُوب [بحر الطويل]
يَعْنِي بذلِك عُلمَاء بحوادِث الأمُور ونوَازِلها. والعَرَب تسَمِّي أصْل كُلّ شَيْء الكِرْس، يُقال مِنْهُ: فُلَان كريم الكِرْس: أيْ كرِيم الأصْل، قالَ العَجَّاج [من بحر الرّجَز]
قدْ عَلِمَ القُدّوس مَوْلَى القُدْسِ
أنَّ أبَا الْعَبَّاس أَوْلَى نَفْسِ
بمَعْدِنِ المُلْك الكَرِيم الكِرْسِ
يعنِي بذلِك: الكريم الأصْل، ويُرْوى: فِي مَعْدِن العِزّ الكريم الكِرْسِ

————–

* القرطبي
هذِهِ آيَة الْكُرْسِيّ سَيِّدة آي القرآن وأَعْظَم آيَة، كما تقَدَّمَ بَيَانه فِي الفاتِحَة، وَنزَلَتْ لَيْلًا وَدعا النَّبيّ ص زَيْداً فكتبَها. ورَوى الأئِمَّة عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب قال: قال رَسُول اللَّه ص: (يَا أَبَا الْمُنْذِر أتدري أَيّ آيَة مِنْ كِتاب اللَّه مَعَك أَعْظَم)؟ قَال قـُلْتُ: اللَّه وَرَسُوله أعْلَم قال: (يَا أَبَا الْمُنْذِر أتدرِي أَيّ آيَة مِنْ كِتاب اللَّه مَعَك أعْظَم)؟ قالَ قلت: “اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيّوم” فضَرَبَ في صَدْرِي وقالَ: (لِيَهِنك الْعِلْم يَا أبَا المُنذِر)
[تعليقي: القول (اللَّه ورسُوله أعْلَم) شرك بالله- كما أسلفت- لأنّ المفروض أنْ يكون عِلْم الإنسان قطرة في مُحيط علم الله! وقد اعترف مؤلّف القرآن بقلّة علمه بعدما سُئِل عن الروح وعجز من الجواب- والدليل في سورة الإسراء: 85 (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)]

– عن أنـَس رَفعَ الحَدِيث إلَى النبيّ ص قال: (أوْحَى الله إلَى مُوسَى عَليْهِ السّلَام مَنْ داوَمَ عَلى قراءة آيَة الكُرسِيّ دُبُر كلّ صلاة أعْطيته فوق ما أعْطِي الشّاكرِين وأجْر النَّبيِّين وأعْمال الصِّدِّيقِين وبسَطْت عليه يَمِينِي بالرّحْمة ولمْ يَمْنعهُ أنْ أُدخِلهُ الجَنّة إلَّا أنْ يَأتِيه مَلَك الموت)

– قالَ مُوسَى عليه السّلام: يا رَبّ مَنْ سَمِعَ بهذا لا يُداوم عَليْه؟ قال: (إنّي لا أُعْطِيه مِنْ عِبادي إلّا لنبيّ أوْ صِدِّيق أوْ رَجُل أُحِبّهُ أوْ رَجُل أُرِيد قتْله في سبيلي)
[حديث منكر جدّاً- قول ابن كثير- وتعليقي: شكراً أوّلاً لابن كثير. وتالياً متى يتدبّر أئمّة المسلمين سائر الأحاديث المنكرة- بفتح الكاف- والآيات القرآنية المنكرة والسّنّة المنكرة بما أنّ هناك اختلافاً كثيراً عليها وعلى القراءات؛ أقصد تلك التي تدعو إلى تكفير المخالفين من الذين يرفضون الإسلام جملة وتفصيلاً وقتالهم وتلك التي تسيء إلى شخصية المرأة، إنما هي السبب في نظرات العالم المتمدن بطريقة شائكة إلى كلّ مسلم لا يزال مسلماً وإلى كلّ امرئ يدافع عن الإسلام وهي السبب في أزمة ثقة الإنسان الواعي بالأخ المسلم والأخت المسلمة بالإضافة إلى الحذر من التعامل مع أيّ منهما- وإني أشهد أنْ لا أمان في الإسلام ولا محبّة ولا أخلاق من نوافذ القرءان والحديث والسّنّة؛ فمن الأحاديث المحمدية ما روى البخاري ومسلم (مَن بدّل دينه فاقتلوه) و(أ ُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا…) والحديث عن الذي يدخل الجنة (وإنْ زنى وإنْ سرق) و(إني رأيتكنَّ أكثر أهل النار) و(ما رأيت من ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبَ لذي لبٍّ مِنْكُن) وأمّا من القرآن فسأختار بعض السّوَر التي في نظري هي الأكثر إثارة للجدل: الفاتحة والبقرة وآل عمران والنساء والمائدة والتوبة وهود والأنفال ومريم والأحزاب ومحمد والتحريم]

وعن أُبَيّ بْن كعْب قال: قال الله تعالى (يا مُوسَى مَنْ قرَأ آيَة الكرسِيّ في دُبُر كُلّ صلاة أعْطَيْته ثواب الأنبياء) قال أبو عبد الله: معناه عندي أعْطَيْته ثواب عَمَل الأنْبيَاء، فأمّا ثواب النّبوّة فليس لأحَدٍ إلّا للأنبياء. وهذهِ الآيَة تضَمَّنتْ التوحيد والصّفات العُلا، وهي خمْسُون كلِمَة، وفي كُلّ كلمة خمسون بَرَكة، وَهِيَ تـَعْدِل ثلث القرآن…
[تعليقي: قول أُبَيّ بْن كعْب- قال الله تعالى (يا موسى…) فأين قيل ذلك؟ هل في سورة في مصحف عثمان أمْ في ما دوّن أُبَيّ بْن كعْب في مُصْحَفِه الذي حرقه عثمان أم أنّ القول المذكور هو ممّا أسقِط من القرآن؟]

قالَ أبو ذرّ في حديثه الطَّويل: سألت رسول الله ص أيّ آيَة أنْزَلَ الله عليك مِن القرآن أعْظَم؟ فقال: (الله لا إله إلّا هُوَ الحَيّ القيّوم) [سيأتي التعليق عليه في حقل تفسير ابن كثير] وقال ابْن عَبَّاس: أشـْرَف آيَة في القرْآن آيَة الكُرسِيّ. قال بَعْض العُلماء: لأنّهُ يُكرَّر فيها اِسْم اللَّه تعالَى بَيْن مُضْمَر وَظاهِر ثماني عَشْرَة مَرّة.
[تعليقي: يحتاج قول ابن عبّاس (أشْرَف آيَة في القرْآن آيَة الكُرسِيّ) إلى بيان أو دليل لأنّ إطلاق الكلام جزافاً من شيمة المُفلِسين! أمّا قول بعض العلماء نيابة عن ابن عبّاس (لأنّهُ يُكرَّر فيها اِسْم اللَّه تعالَى بَيْن مُضْمَر وَظاهِر ثماني عَشْرَة مَرّة) فهل يُصبح قول زانٍ أو قاتل أو سارق أو كاذب… إلخ شريفاً إذا كرّر في قوله اسم الله تعالى ثماني عَشْرَة مَرّة؟ ولو كرّره ثمانين مرّة فماذا يُصبح؟]

– “القيّوم” مِنْ قامَ، أَيْ القائِم بتدبير مَا خلق، عَنْ قتادَة. وقال الحَسَن: معناه القائم على كلّ نفس بمَا كسَبَتْ حتّى يُجازيها بعمَلها، مِن حيث هو عالِم بها لا يَخفى عليه شيء منها. وقال اِبْن عبّاس: معناه الّذي لا يُحَوَّل ولا يزول، قالَ أُمَيَّة بْن أبي الصَّلْت:
لَمْ تـُخْلَق السَّمَاء وَالنُّجُومُ
والشَّمْس مَعْهَا قمَرٌ يَقومُ
قدَّرَهُ مُهَيْمِن قيّومُ
والحَشْر والجَنَّة والنَّعِيمُ
إلَّا لِأمْرٍ شَأْنهُ عَظِيمُ
[تعليقي: هذه أبيات من بحر الرّجز لأميّة بن أبي الصّلت- شكراً للإمام القرطبي- لم يدّعِ الشاعر بها وحياً من عند الله، لكنّ اللافت هو أنّ مؤلّف القرآن قد استخدم مفردات هذا الشاعر ومعانيها لفرط ما كان يستأنس بالإصغاء إلى شعْره (خصوصاً وإلى ما لسواه من الشعراء عموماً) ولم يكتفِ بالإصغاء بل اقتبس (وتأدّباً لا يُقال: سرق) ثمّ ادّعى بها وَحْياً أو نزل به الروح الأمين- أي جبريل- مما مرّ ذكره في حلقة سابقة]

– وقرَأ اِبْن مَسْعُود وَعَلْقـَمَة والأعْمَش والنَّخـَعِيّ “الْحَيّ الْقَيَّام” بالألِفِ، ورُويَ ذلك عَن عُمَر. ولا خِلاف بَيْن أهْل اللغة في أنّ القيّوم أعْرَف عنْد العَرَب وأصَحّ بناء وأثبَت عِلَّة. والقـَيّام منقول عَن القـَوّام إلى القيّام، صُرِفَ عَن الفـَعّال إلى الفـَيْعال، كما قِيلَ لِلصّوّاغِ الصّيّاغ، قال الشّاعِر:
إِنَّ ذا الْعَرْش لَلَّذِي يَرْزُق الْنَا س وحَيّ عَليْهِمِ قـَيّومُ [بحر الخفيف]
ثـُمّ نفى عَزّ وجَلّ أنْ تأخُذهُ سِنَة ولا نوْم. وَالسِّنَة: النّعَاس في قوْل الْجَمِيع. وَالنُّعَاس ما كان مِن العَيْن فإذا صَارَ فِي القلب صَارَ نـَوْمًا.
[تعليقي: القول (ولا خِلاف بَيْن أهْل اللغة في أنّ القيّوم أعْرَف عنْد العَرَب…) لا غبار عليه، لكنّ الغبار على ما في اللوح المحفوظ- سورة البروج: 22 كذلك الإصطدام مع قوله في سورة الحجر: 9 (إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون) فأيّهما المحفوظ؛ القـَيّوم الوارد في مصحف عثمان أم القـَيّام الذي في مصحف ابن مسعود بشهادته وشهادة عَلْقـَمَة والأعْمَش والنَّخـَعِيّ؟]

– لهُ ما في السّماواتِ وما في الأرْض [ولا أزال مع تفسير القرطبي] قال الطَّبَرِيّ: نزلتْ هذه الآيَة لمَّا قال الكُفّار: مَا نعْبُد أوْثانًا إِلَّا لِيُقرّبونا إلَى الله زُلْفى
[تعليقي: واضح أنّ الكفـّار المقصودين يعبدون الله ولكنهم اتخذوا من الأوثان شفعاء لهم عند الله- والفرق كبير ما بين الشفاعة والعبادة- فما دَخـْل محمّد بهم وبأيّ حق سمّاهم كفاراً؟ ومَنِ الذي أعطى محمّداً الحق في قتلهم- كما ورد في سُوَر التوبة: 5 والأنفال: 12 ومحمّد:4 وغيرها؟ إنْ قال قائل: هو الله فماذا كان دليل محمد بأنّه تلقـّى أوامره من الله؟ ولماذا يغضّ القائل المذكورُ النظرَ عن الهلوسات المحمّديّة بسبب الحالة العصبيّة الحادّة التي كانت تنتاب محمّداً قبل الدعوة وبعدها- بشهادة شهود عيان ممّا ورد في السيرة الحلبيّة وغيرها؟]

– وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السّماواتِ والأرْض
ذكرَ اِبْن عَسَاكِر فِي تارِيخه عَنْ عَلِيّ (رضِ) قالَ- قالَ رَسُول الله ص: (الكُرسِيّ لؤلؤة والقلَم لؤلؤة وطول القلم سَبْعمِائةِ سَنَة وطُول الكُرْسِيّ حَيْثُ لا يَعْلمهُ إِلَّا الله)
[ تعليقي: قوله (حَيْثُ لا يَعْلمهُ إِلَّا الله) يُضيف مفتاحاً غيبيّاً جديداً إلى المفاتيح الخمسة التي قال محمّد (لا يعلمُهنّ إلّا الله) في معرض تفسير ابن كثير لسورة الرعد: 8 عن ابن عُمَر- راجع لطفاً الحلقة 20 في هذه السلسلة]

————–

* إبن كثير
عَنْ أبي ذرّ- رضِ- قال: أَتيْت النَّبِيّ ص وهو في المَسْجد فجَلسْت فقال يا أبَا ذرّ هلْ صَلَّيْت؟ قلْت لا قَال قمْ فصَلِّ قالَ فقمْت فصَلّيْت ثمّ جَلَسْت فقال يا أبا ذرّ تعَوَّذ بالله مِنْ شرّ شياطين الإنس والجنّ قال: قلت يا رسول اللَّه أوَلِلإنس شياطِين؟ قالَ نعَمْ قال: قلت يا رسول الله الصّلاة قالَ خيْرُ مَوْضُوعٍ مَنْ شاءَ أقلّ وَمَنْ شَاءَ أكْثرَ قَال: قلْت يا رسول الله فالصَّوْم؟ قالَ فرْضٌ مُجْزِئ وعنْد الله مَزِيد قلت يا رسول الله فالصّدَقة؟ قال أضْعاف مُضَاعَفة قلت يا رسول الله فأيّها أفضَل؟ قالَ جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ أو سِرٌّ إلَى فقِيرٍ قلت يا رسول الله أيّ الأنبياء كان أوّل؟ قالَ آدَم قلت يا رسول الله ونبيٌّ كان؟ قال نَعَمْ نبيّ مُكلَّم قلْت يا رسُول الله كم المُرسَلون قال ثلاثمِائةِ وبضْعَة عَشـَر جَمّاً غفِيرًا وقال مَرّة وَخمسة عَشَر قلت يا رسول الله أَيّ ما أنْزَلَ عليْك أعظم؟ قال آيَة الكرسِيّ “الله لا إله إلّا هُوَ الحَيّ القيّوم” ورواهُ النّسائيّ.

تعليقي:
1 هل كانت أسئلة الصحابي أبي ذرّ (الغفاري) في جلسة واحدة مع محمّد أم في جلسات متعددة، لأني رأيت السؤال (أيّ ما أنزلَ عليك أعظم) مُفرَداً في معرض تفسير القرطبي- ما مرّ ذكره أعلى- لهذا السبب أشكّ في طول أناة محمّد وصبره ورحابة صدره إزاء سماع أسئلة عدّة ومتنوّعة من أحد- لولا أنّ أبا ذرّ من المُحبّبين لدى محمد والسابقين إلى الإسلام- وهو القائل (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم…) – المائدة: 101

2 لا أدري بسؤال هذا الصحابي (أوَلِلإنس شياطِين؟) إمّا فات عليه ما ورد في سورة الأعراف:
وإمّا يَنْزَغَنَّكَ مِن الشَّيْطان نـَزْغٌ فاسْتعِذ بالله إنَّهُ سمِيعٌ عليم (٢٠٠)
إنّ الَّذِين اتَّقوا إذا مَسّهُمْ طائِفٌ مِن الشَّيْطانِ تذكَّروا فإذَا هُمْ مُبْصِرُون (٢٠١)
كذلك حديث محمد عن وجود قرين من الشياطين لكلّ إنسان وسأورد حديثين معروفـَين؛
الأوّل- عن ابن مسعود قال: قال النبي ص ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة قالوا وإيّاك قال وإيّاي إلا أنّ الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلّا بخير. والثاني- عن عائشة قالت: قال النبي ص ما منكم من أحد إلا ومعه شيطان قالوا وأنت يا رسول الله قال وأنا إلا أنّ الله أعانني عليه فأسلم.
وبالمناسبة فإنّ من الأحاديث ما يدلّ على أنّ الشياطين تهرب من آية الكرسي- وهنا ممّا روى ابن كثير، كذلك القرطبي في مطلع تفسيره آية الكرسي:
* ابن كثير- قال الحاكم أبو عبد الله في مستدركه: عن أبي هريرة أنّ رسول الله – ص- قال: سورة البقرة فيها آية سيّدة آي القرآن لا تـُقرَأ في بيت فيه شيطان إلّا خرج منه: آية الكرسي.
* القرطبي- رُوي عن محمّد ابن الحنفيّة أنه قال: لمّا نزلت آية الكرسي خرّ كلّ صنم في الدنيا وكذلك خرّ كل ملك في الدنيا وسقطت التيجان عن رُءوسهم، وهربت الشياطين يضرب بعضهم على بعض إلى أنْ أتوا إبليس فأخبروه بذلك فأمرهم أن يبحثوا عن ذلك، فجاءوا إلى المدينة فبلغهم أن آية الكرسي قد نزلت.

3 لقد استغرب أبو ذرّ من جواب محمّد على سؤاله عن نبوّة آدم حتـّى سأله ( ونبيٌّ كان؟) فمعروف لدى الصحابي المذكور- كما يبدو- أنّ آدم لم يكن نبيّاً! وقد ذكرت فيما سبق أنّ أخبار الأنبياء قد اختلطتْ على محمد فما عاد يميّز بينهم. ومِن الذين ظنّ مؤلّف القرآن بهم أنبياء: لوط وإسماعيل وهارون بالإضافة إلى آدم.

———————

* في الحلقة الثانية والعشرين إلقاء ضوء على بلاغة آية سورة النور: 35 وهي من الأمثلة التي رآى الرصافي أنها في الذروة العليا من البلاغة في القرآن، ممّا يأتي قريباً.

* يؤسفني غضّ الطرف عن التعليقات الخارجة عن إطار الموضوع بسبب ضيق الوقت.

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي 20

رياض الحبيّب

{وكذلك قوله في سورة الرعد: 8 (وكلّ شيء عنده بمقدار) الضمير عائد إلى الله المتقدم ذكره في الآية ولا يستطيع أحد أن يصف الطبيعة بأحسن من هذا الكلام ولا أبلغ. فكل ما في الكون من الأشياء المختلفة لا يتميّز بعضها من بعض إلا بمقادير العناصر المُكوّنة لها والكائنة في تركيبها} انتهى – نهاية الصفحة 615 في كتاب “الشخصيّة المُحَمّديّة” لمؤلّفه أديب العراق الكبير معروف الرصافي*

هنا من سورة الرعد الآية التي فسّر الرصافي مقطعها الأخير:
الله يعلم ما تحمل كلّ أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار (٨)

وهنا مقتطفات ممّا ورد في كتب المفسّرين:
* الطبري- (وكل شيئ عنده بمقدار) لَا يُجَاوِز شيء مِنْ قـَدْره عَنْ تقدِيره، وَلَا يَقْصُر أَمْر أَرَادَهُ فدَبَّرَهُ عَنْ تدْبيره، كمَا لا يَزداد حَمْل أُنْثى عَلَى مَا قـُدِّرَ لَهُ مِنْ الْحَمْل، وَلَا يَقْصُر عَمَّا حَدّ لَهُ مِنْ الْقَدْر وَالْمِقْدَار، مِفْعَال مِنْ الْقَدْر… 15333 – حَدَّثَنَا بـِشْر عَنْ قـَتادَة قوْله: (وَكُلّ شَيْء عِنْده بـِمِقْدَارٍ) إِي وَالله، لَقدْ حَفِظَ عَلَيْهِمْ رِزْقهمْ وَآجَالهمْ، وَجَعَلَ لَهُمْ أجَلًا مَعْلُومًا. وعَنْ قـَتادَة [أيضاً] قالَ: كانَ الْحَسَن يَقول: الْغـَيْضُوضَة أنْ تضَع الْمَرْأَة لِسِتّةِ أَشْهُر أَوْ لِسَبْعَةِ أَشْهُر، أَوْ لِمَا دُونَ الْحَدّ. قالَ (قتادة) وَأَمَّا الزِّيَادَة، فمَا زَادَ عَلَى تِسْعَة أَشْهُر.

* القرطبي- يَعْنِي مِن النُّقصَان وَالزِّيادة. وَيُقال: “بمِقدارٍ” قـَدْر خُرُوج الْوَلد مِنْ بَطْن أُمّه، وَقَدْر مُكْثه فِي بَطْنهَا إلَى خُرُوجه. وَالْمِقْدَار الْقـَدْر؛ وَعُمُوم الْآيَة يَتناوَل كُلّ ذَلِك، وَاَللَّه سُبْحَانه أَعْلَم. قلتُ- أي [قال القرطبي] هَذِهِ الْآيَة تـَمَدَّحَ اللَّه سُبْحَانه وَتعَالَى بهَا بأَنَّهُ “عَالِم الْغـَيْب وَالشَّهَادَة”

تعليقي: هل يحتاج الله إلى أنْ يتمَدَّحَ بشيء ما؟! إنما الإنسان مَنْ يتمدّح بنفسه ويعتدّ ويتفاخر. وهل يُعْقـَل تالياً وجود صعوبة في التمييز لدى فقيه- كالقرطبي- بين صفات الله وصفات الإنسان؟ وبالمناسبة، لقد ترفـّعتُ عن كتابة جميع الأحاديث التي نقلَ القرطبي في خضمّ تفسيره لآية سورة الرعد: 8 ككل لأنها تنافي العلوم الطبّيّة- فمن شاء فليقرأ هناك عن مقدار مدّة الحَمْل، لذا سأكتفي منها بما يأتي ممّا ورد في معرض تفسيره:
1 وَاختلَفَ الْعُلَمَاء فِي أكْثر الْحَمْل، فرَوَى اِبْن جُرَيْج عَنْ جَمِيلَة بنْت سَعْد عَنْ عَائِشة قالتْ: يَكُون الْحَمْل أكْثر مِنْ سَنتيْنِ قدْر مَا يَتحَوَّل ظِلّ الْمِغْزَل؛ ذكرَهُ الدَّارَقـُطْنِيّ.
2 رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَن الْوَلِيد بْن مُسْلِم قالَ: قلْت لِمَالِك بْن أَنـَس إِنِّي حُدِّثْت عَنْ عَائِشة أنَّها قَالتْ: لَا تزِيد الْمَرْأَة فِي حَمْلهَا عَلَى سَنتيْنِ قَدْر ظِلّ الْمِغْزَل، فقالَ: سُبْحَان اللَّه! مَنْ يَقول هَذا؟! هَذِهِ جَارَتنا اِمْرَأَة مُحَمَّد بْن عَجْلَان، تحْمِل وَتضَع فِي أَرْبَع سِنِين، اِمْرَأَة صِدْق، وَزَوْجهَا رَجُل صِدْق؛ حَمَلَتْ ثلَاثة أَبْطُن فِي اِثنتيْ عَشْرَة سَنة، تحْمِل كُلّ بَطْن أَرْبَع سنين. وَذكَرَهُ عَن الْمُبَارَك بْن مُجَاهِد قالَ: مَشْهُور عِنْدنَا كانت اِمْرَأَة مُحَمَّد بْن عَجْلَان تحْمِل وَتضَع فِي أَرْبَع سِنِين، وَكانتْ تُسَمَّى حَامِلَة الْفِيل.
3 في هذه الآية دليل على أن الحامل تحيض، وهو مذهب مَالِك وَالشَّافِعِيّ في أحد قوليه. وقال عَطَاء وَالشَّعْبيّ وغيرهما: لا تحيض؛ وبه قال أبو حنيفة؛ ودليله الآية. قال ابن عباس في تأويلها: إنه حيض الحبالى، وكذلك رُوي عن عِكْرِمَة وَمُجَاهِد؛ وهو قول عائشة، وأنها كانت تفتي النساء الحوامل إذا حِضْن أن يتركن الصلاة؛ والصحابة إذ ذاك متوافرون، ولم ينكر منهم أحد عليها، فصار كالإجماع؛ قاله اِبْن الْقـَصَّار. وَذ ُكِرَ أَنَّ رَجُلَيْنِ، تنازعا ولداً، فترافعا إلى عُمَر (رض) فَعَرَضَهُ عَلَى الْقافـَة، فألحقه القافة بهما، فَعَلَاهُ عُمَر بالدِّرَّةِ، وسأل نسوة من قريش فقال: انظرن ما شأن هذا الولد؟ فقـُلن: إنّ الأوّل خلا بها وخلّاها، فحاضتْ على الحَمْل، فظنت أنّ عِدَّتهَا اِنْقَضَتْ؛ فدخل بها الثاني، فانتعش الولد بماء الثاني؛ فقال عُمَر: الله أكبر! وألحقه بالأول، ولمْ يقلْ إن الحامل لا تحيض، ولا قال ذلك أحد من الصحابة؛ فدلّ أنه إجماع، والله أعلم. واحتجّ المُخالف بأنْ قال لو كانت الحامل تحيض وكان ما تراه المرأة من الدم حيضاً لما صَحَّ اِسْتِبْرَاء الْأَمَة بحَيْضٍ؛ وهو إجماع ورُوي عن مَالِك فِي كِتاب مُحَمَّد ما يقتضي أنه ليس بحَيض.

* إبن كثير- وفي الحديث الصحيح أنّ إحدى بنات النبيّ ص بعثت إليه أنّ ابناً لها في الموت وأنها تُحِبّ أنْ يَحْضُرهُ فبعث إليها يقول (إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخـَذ وله ما أعطى وكلّ شيء عنده بأجَل مُسمّى فمُرُوها فلْتـَصْبـِرْ وَلْتـَحْتـَسِبْ) الحديث بتمامه. قال البخاري حدّثنا إبراهيم بن المنذر… عن ابن عُمَر أنّ رسول الله ص قال (مفاتيح الغيب خمس [والصواب: خمسة لأنّ “مفتاح” مُذكّر- الكاتب] لا يعلمُهنّ إلّا الله لا يعلم ما في غدٍ إلّا الله ولا يعلم ما تـَغِيض الْأَرْحَام إلّا الله ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلّا الله ولا تدري نفس بأيّ أرض تموت ولا يعلم متى تقوم الساعة إلّا الله) وقال عَطِيَّة الْعَوْفِيّ عن ابن عباس “وَمَا تـَغِيض الْأَرْحَام” يعني السِّقـْط “وما تزداد” يقول ما زادت الرحم في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تماماً وذلك أنّ مِن النساء مَن تحمل عشرة أشهر ومَن تحمل تسعة أشهر ومنهنّ من تزيد في الحمل ومنهنّ من تنقص فذلك الْغـَيْض والزيادة التي ذكر الله تعالى وكلّ ذلك بعلمه تعالى. وقال الضَّحَّاك عن ابن عباس في قوله “وما تغيض الأرحام وما تزداد” قال ما نقصتْ عن تسعة وما زاد عليها وقال الضّحّاك [والحديث مرويّ في تفسيرَي الطبري والقرطبي] وضعَتـْني أمّي وقد حملتني في بطنها سنتين وولدتني وقد نبَتتْ ثـَنِيَّتِي.

* تفسير الجلالين- “وكُلّ شيْء عِنْده بمِقدار” بقـَدَرٍ وَحَدٍّ لَا يَتجَاوَزهُ.

———————

أمّا بعد هذه الأحاديث؛
1 فلا يحتاج إنسان إلى أقوال مؤلّف القرآن في الأخذ والعطاء والأجَل والغـَيب- ممّا ورد في تفسير ابن كثير- فمعلوم لدى أصحاب الديانات التوحيديّة ما قبل الإسلام أنّ مرجع كلّ شيء لله وأنّ الله عَلّام الغيوب وأنه لا يخفى عليه شيء وأنه قادر على كلّ شيء… إلخ والأمثلة كثيرة في التراث العربي وغير العربي ولا سيّما في أدب الحقبة المسمّاة بالجاهلية والتي ضمّت أعلاماً من شعراء اليمن من كندة ومذحج وطـَيء ومن شعراء نجد والحجاز والعراق من ربيعة وتغلب وقضاعة وأياد وتميم ومزينة وأسد وكنانة وعدوان وذبيان… إلخ- راجعْ لطفاً كتاب “شعراء النصرانية قبل الإسلام” تأليف: لويس شيخو اليسوعي- فلم يأتِ محمّد بأيّ شيء جديد ولا مُفيد. لكني سأركّز في إطار بحثي على المقطع (وكُلّ شيْء عِنْده بمِقدار) الذي خصّه الرصافي بالذكر على أنه في الذروة العليا من البلاغة في القرآن لأتحرّى عن معناه سواء لدى سامعه وقارئه ولأرى درجة أهميته.

2 لذا سأعتبر من جهة ما أني وعائلتي قرّرنا ذات ليلة أن نتعشـّى في مطعم دلّت الشائعات على أنّه من الدرجة الأولى، تلبية لدعوة ما. فذهبْنا وجلسْنا إلى مائدة وطلبْنا خمسة أطباق من الشاورما (الگصّ باللهجة العراقيّة) فقدّم المُسْتضِيف- صاحب الدعوة- قائمة بثلاثة أصناف من اللحم الذي تـُقصّ منه طبقاتُ الشاورما: الخروف والبقر والدجاج. لكنّي سألتُ المستضيف: أيّ الأصناف يحوي نسبة من الملح هي الأقلّ؟ وسألته زوجتي: أيّ الأصناف طازج أكثر من غيره؟ وسألت ابنتنا: أيّهم يحوي من الدهون أقلّ ما يمكن؟ وسأل ابننا الأكبر: أيّ منها ذو سعرات حرارية معتدلة؟ أمّا الإبن الأصغر فتساءل: أيّ الأصناف مهما تأكلْ منه تشبع وتبقَ العين جَوعَى؟ قال المستضيف: كلّ شيء عند الطبّاخ بمقدار! وبدلاً من أنْ يقوم بواجب الضيافة فيذهب ليسأل الطبّاخ، على أنّ لديه أجوبة مُقـْنِعة، قال: (لا تسألوا عن أشياء) في مطعمنا ولا عن مقادير لأنها (إنْ تـُبْدَ لكم تسُؤكُم) فقلتُ ونحن نهـِمّ بمغادرة المطعم: أيّها السيد المحترم، لعمري أنّ جوابك لا يُقنع اٌبن أنثى! ثمّ قام بطردنا من المطعم معتبراً إيّانا إمّا كاذبين أو منافقين أو جواسيسَ أو ساخرين… إلخ! وهنا بالمناسبة آيات قرآنية متسلسلة من سورة المائدة التي أتيت على ذكر مقطعين من آيتها المرقمة 101 وطالما سألت بها الأخ المسلم والأخت المسلمة ولا أزال: على أيّ أساس قد بنيت إيمانك؟
اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم (٩٨)
ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون (٩٩)
قل لا يستوي الخبيث والطيّب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون (١٠٠)
يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم (١٠١)
قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين (١٠٢)
ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون (١٠٣)
وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون (١٠٤)
فما جدوى ما تقدّم من إنشاء وما درجة المصداقيّة فيه وما الحكمة، بل ما جدوى القرآن كلّه؟ علماً أنّ “المائدة” من أواخر ما تلا مؤلّف القرآن والتي وجدتُ الغريب فيها والعجيب سواء في أساجيعها أو في كتب التفسير- تفسير ابن كثير مثالاً- ابتداءً بآيتها الأولى. بل قلتُ: ليت المعترض-ة (من المتخصّصين) يتشجّع فيكتب مقالة عن فائدة واحدة- فقط لا غير- أتى بها القرآن للبشر ما لم يسبق ذكرها في كتب سابقة شعرية أو نثرية أو دينية. وأعِد الكاتب المعنيّ مُخلصاً بالرّدّ على مقالته.

3 لكنّي أشيد بالمناسبة عينها ببيت طرَفة بن العبد (أحد شعراء المعلّقات) بقوله في معلقته الخالدة- وهي من بحر الطويل:
إِذا القوْمُ قالُوا مَنْ فتىً خِلْتُ أنَّنِي *** عُنِيْتُ فَلَمْ أَكْسَلْ وَلَمْ أَتَبَلَّدِ
– قال مطاع صفدي و إيليا حاوي- في شرح البيت: إذا القوم قالوا مَنْ فتىً يكفي همّاً أو يدفع شرّاً؟ خلتُ أنني المُراد بقولهم فلم أكْسَل في كفاية الهمّ ودفع الشرّ، ولم أتبلّد فيهما. والصورة بالغة الحماسة في النداء والاستجابة. – مجلّد 2 صفحة 399
وتعليقي على الوصف (بالغة الحماسة في النداء والاستجابة لدى الشاعر) هو: هل كان مؤلّف القرآن متحمّساً لإرضاء مُعارضيه ومُستجيباً لأسئلتهم وملتزماً- في جميع السّـُوَر- مع مؤيّديه ومُخالفيه معاً بإيصال المعنى واضحاً لا لبس فيه ولا يتيه به أهل التأويل ولا يختلف؟ فليس من البلاغة اختلافٌ على كلام منسوب إلى السماء، إلّا ما كان ربّ السماء غامضاً ولا احترام عنده للعقول!

ومن اللافت عندي في المُعَلّقة:
وَلَوْلاَ ثلاثٌ هُنَّ مِنْ عِيشَةِ الفتى *** وَجَدِّكَ لَمْ أَحْفِلْ مَتى قامَ عُوَّدِي
– شرح صفدي وحاوي: فلولا حبّي ثلاث خصال، هُنّ من لذّة الفتى الكريم، لم أُبالِ متى قام عُوّدي من عندي آيسين من حياتي، أي لم أبال متى متَ. مج 2 ص 402
تعليقي: لقد أوجز طرَفة تلكم الخصال بعد قوله (وَلَوْلاَ ثلاثٌ هُنَّ مِنْ عِيشَةِ الفتى) بوضوح وبساطة (بالنسبة إلى مفاهيم تلك الحقبة من الزمن) إذ ذكرها مُفصّلة واحدة تلو أخرى ولم يتركها مُبهَمَة لتحتمل الإجتهاد. فالجدير ذكره عن بلاغة معلّقته وسائر المعلّقات- وهي في الذروة العليا من البلاغة بشهادة أهل الأدب- هو ندرة الإختلاف على معاني الأبيات. وهنا الخصال:
فمِنْهُنَّ سَبْقِي العَاذِلاتِ بِشَرْبَةٍ *** كُمَيْتٍ مَتى مَا تُعْلَ بالمَاءِ تـُزْبـِدِ
– شرح صفدي وحاوي: إحدى تلك الخلال أني أسبق لوم العواذل بشربة من الخمر، حمراء اللّون، متى صُبّ الماء عليها، أَزبَدَتْ، يريد أنه يباكر شرب الخمر، قبل انتباه العواذل، كأن اجتراع اللّذة لا يكون إلّا اقتناصاً. – مج 2 ص 402
وَكَرِّي إذا نادَى المُضَافُ مُحَنَّباً *** كَسِيدِ الغـَضَا نبَّهْتـَهُ المُتوَرِّدِ
– شرح صفدي وحاوي: يقول أمّا الخـَصلة الثانية فهي إغاثة المستغيث، وإعانة اللاّجئ، أعطف في إغاثته فرسي الذي في يده انحناء كذئب الغضا إثارة الإنسان عند وروده الماء، فراح يعدو بشدة. – المرجع السابق
وتقصِيرُ يَوْمِ الدَّجْنِ والدَّجْنُ مُعْجـِبٌ *** ببَهْكَنـَةٍ تَحْتَ الطّراف المُعَمَّدِ
– شرح صفدي وحاوي: إنه يلجأ، أيام المطر المُضجرة، إلى تقصيرها باللّهو مع المرأة الجميلة المُنَعَّمة، تحت خباء مترف، مرتفع الأعمدة. فيمرّ اليوم سريعاً، قصيراً لما حَفِل به من المُتع. – المرجع المذكور

أمّا البيت التالي فلمْ أجد فيه حَدّاً لكرم هذا الشاعر ولا مقداراً لسخائه والدليل واضح في استعمال أداة الشرط الجازمة التي في مقدّم البيت:
متى تأتِني أصبحْك كأساً رويّة *** وإنْ كنتَ عنها غانياً فاٌغـْن واٌزددِ
[ويُروى “وإنْ تأتِني” من جهة كما رُوي “ذا غِنىً” بدلاً من “غانياً” في مصدر آخر، لكنّ الوزن الشِعْري مستقيم على أيّة حال. وتالياً نلاحظ أنّ “متى” هنا اسم شرط جازم مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بالفعل المجزوم “تأتِ” الذي بعده. أمّا “أصبحْك” ففعل مضارع مجزوم واقع في محلّ جزم جواباً للشرط، والفاعل ضميرٌ مستتر وجوباً تقديره “أنا” والكاف ضمير مُتصل مبنيّ على الفتح في محلّ نصب مفعول به أوّل. كأساً: مفعولٌ به ثانٍ- الكاتب]

4 رأيتُ أخيراً أمثلة فيها استخدام عقلاني لكلمة “مقدار” واضح معناها وهادف في عهدَي الكتاب المقدّس القديم والجديد؛
أوّلاً- العهد القديم
* التوراة: سفر التثنية- الفصل 15
تث-15-7: إنْ كان فيك فقِيرٌ أَحَدٌ من إخوتك في أحد أبوابك في أرضك التي يعطيك الرب إلهك فلا تُقـَسِّ قلبَكَ ولا تقبض يدك عن أخيك الفقير
تث-15-8: بل افتح يدك له وأقرضه مقدار ما يحتاج إليه.

* المزامير- الفصل 39:
مز-39-4: عَرِّفْنِي يَا رَبُّ نِهَايَتِي وَمِقدَارَ أَيَّامِي كَمْ هِيَ فأَعْلَمَ كيْفَ أنا زائِلٌ. [ترجمة فاندايك- هنا ولسائر الأمثلة]

ثانياً- في العهد الجديد
* البشارة بتدوين مَتـّى- الفصل 15
مت-15-33: فقال له تلاميذه: ((من أين لنا في البرية خبز بهذا المقدار حتى يشبع جمعاً هذا عدده؟))

* البشارة بتدوين لـُوقا- الفصل 7
لو-7-9: ولما سمع يسوع هذا تعجب منه، والتفت إلى الجمع الذي يتبعه وقال: ((أقول لكم: لمْ أجدْ ولا في إسرائيل إيماناً بمقدار هذا!))

أعمال الرسل- الفصل 5
أع-5-8: فأجابها بُطرُس: ((قولي لي أبهذا المقدار بعتما الحقل؟)) فقالت: ((نعم بهذا المقدار))

رسالة بولس إلى العبرانيين- الفصل 3
فإِنَّ هَذا قدْ حُسِبَ أهْلاً لِمَجْدٍ أَكْثرَ مِنْ مُوسَى، بمِقدَارِ مَا لِبَانِي الْبَيْتِ مِنْ كرَامَةٍ أكثرَ مِن البَيْت.
_____________________

* توُفـّي الرصافي في ربيع الثاني سنة1364هـ الموافق 16 آذار (مارس) 1945 في بغداد- رحمة الله عليه- وهنا موقع “بوابة الشعراء” لمن يودّ الإطّلاع على ديوان شعره كاملاً- ولمن تودّ:
http://www.poetsgate.com/poet_130.html

* شكراً للأخ عبد العزيز والأخت ماما على التفضّل بالتعليق على الحلقة السابقة وشكراً أيضاً لمن تفضّل-تْ بالتصويت عليها.

* في الحلقة الحادية والعشرين إلقاء ضوء على بلاغة آية الكرسي أي سورة البقرة: 255 وهي من الأمثلة التي رآى الرصافي أنها في الذروة العليا من البلاغة في القرآن، ممّا يأتي قريباً.

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

إدوارد سنودن: الخصوصية مقابل أمن الوطن

اضعط على الصورة اسفل للمشاركة بالاستفتاء

إضغط على الصورة للمشاركة بالإستفتاء

    نرجو منكم ان تزودونا بأقتراحاتكم من الأسئلة للإستفتاءات القادمة


Posted in فكر حر | Leave a comment

الزنداني الى التلفزيون بدل مستشفى المجانين

Posted in English, يوتيوب | 1 Comment

مصر… ايران… وسجال الحرب القادمة

اكرم هواس

بينما تقوم قوات الامريكية و الدول المتحالفة معها بإجراء مناورات كبيرة و على مدى 12 يوما في مياه الخليج تتصاعد حدة المواجهة الإعلامية و الحرب النفسية بين اسرائيل و ايران حتى الى حد التهديد الإيراني بالقيام بضربة استباقية اذا تيقنت من هجوم إسرائيلي محتوم٠٠٠٠ في هذا الوقت سيجتمع احمدي نجاد مع الرئيس مرسي في نيويورك٠٠٠ السؤال هو٠٠٠ هل لدى الدكتور مرسي ما يقوله للدكتور احمدي نجاد٠٠٠؟؟ هل يمكن ان تلتقي الثورة الإيرانية و الثورة المصرية في شيء…؟ بل هل يمكن ان يكون لدول الربيع العربي اي دور ان تلعبه في صراع قد يهدد الشرق الاوسط و ربما يؤدي الى حرب عالمية كما توقع القادة العسكريون الايرانيون٠٠٠؟؟؟

فلنبدأ اولا بالعلاقة بين ثورتين تفصل بينهما ثلاثة عقود و نقصد الثورة المصرية التي ما زالت لم تكمل فصولها و الثورة الإيرانية المشبعة بالتجارب المرة منها و الحلوة و التي تتدفق بفعلها المستدام و رد فعل الاخرين عليها فجعلت تعطيها دفق الحياة و تدر على فورانها الكثير من الوقود و كأنها دون ان تدري تطيل عمرها و تمدها بأسباب التواصل التاريخي رغم ان الكثير من ردود الفعل هذه انما تبغي إخمادها ٠٠٠٠ او على الاقل٠٠٠ هكذا تقول الأسطورة الإعلامية و الخطاب السياسي و كثرة قرارات المقاطعة و الحصار الاقتصادي و مثلها جعجعة السلاح التي التهديدات الاسرائيلية الدائبة لتزيدها شعلة متقدة في اذهان السياسيين و المهتمين في العام كله…
في مصر٠٠٠ هناك ثورة شابة لم يقو عودها٠٠٠ و لم تواجه تهديدات خارجية و ان كان التدخل شيئا لا يمكن رده في عالم منفتح تمتد فيه اذرع القوى الكبرى و الصغرى في كل مكان٠٠٠ الثورة المصرية ما تزال تواجه الكثير من تحديات الداخل٠٠٠ اختلاف الآراء و الصراع على السلطة٠٠٠ و اهم من كل ذلك المصاعب البنوية و منها شدة الفقر و ضعف الامكانات٠٠٠ من التطور الهائل في مستوى الحاجات و التراجع الهائل في مستوى التنمية٠٠٠ من كثرة المتعلمين و قلة الانتاج٠٠٠ من وفرة الخبرات و تدني مستوى التعليم الذين يزيد من ملايين الاميين٠٠٠القائمة تطول و تطول٠٠٠ فكيف الخروج٠٠٠ ربما سيتسائل الرئيس مرسي٠٠٠

لا ادري ان كان احمدي نجاد سيؤدلج جوابه لان الثوريين عادة يفعلون ذلك٠٠٠ لكن ايران مرت بالكثير من هذه المصاعب و غيرها مما هو اشد وطئة٠٠٠ ايران الثورة مرت بثمانية سنوات من الحرب مع العراق جاءت في خضم الايام الاولى من عمرها ٠٠٠ البلد كان منقسما و البنية الاقتصادية متوقفة عن العمل و الجيش مشتت ليس وجود على الارض… سنوات الحرب الثمانية أدت الى تدمير مئات المدن في مناطق غرب ايران المحاذية للحدود العراقية و تشريد ملايين من الناس الى المناطق الداخلية٠٠٠ ولكن٠٠٠ لم يتوقف الامر هنا٠٠٠ في هذا الوقت تدفق أيضاً ما يقرب من خمسة ملايين من اللاجئين الافغان و ما يقرب من ثلاثة ملايين من اللاجئين العراقيين٠٠٠ و بدلا من تقديم المساعدة الخارجية فقد زاد الحصار الغربي٠٠٠
و هكذا كان على الثوريين إيرانيين ان يوفروا لقمة العيش و المأوى لما يقرب من عشرين مليونا من الأفواه الجائعة بالاضافة الى خمسين مليونا آخرين تأثرت حياتهم بشكل اقل من الشعب الإيراني الكبير… كان على الإيرانيين ان يصنعوا كل شيء بانفسهم٠٠٠ السلاح لمواجهة العمليات الحربية٠٠٠ تطوير أساليب الزراعة لإنتاج ما يكفي الناس من المواد الغذائية٠٠٠ تطوير التعليم لمواجهة التحديات التي تفرضها مواجهة ما اصطلح على تسميته ( الاستكبار العالمي ) و الذي يعني الاستعمار العسكري و الاقتصادي و الثقافي للدول الكبرى و الذي ساوى فيها الإيرانيون بين الولايات المتحدة و حلفائها الغربيون و اسرائيل و أيضاً الاتحاد السوفيتي و حلفائه٠٠٠

لم يكن للإيرانيين أصدقاء سوى الذات و لم ينتظروا عونا من احد سوى الله٠٠٠ او هكذا كانت تقول شعاراتهم٠٠٠ بناء على هذا الاساس٠٠٠ فقد استنبط الإيرانيون ما سموه (جهاد البناء)… ذلك المفهوم الذي شرع لاعظم حركة تنموية في تاريخ ايران شارك فيها الشباب المتطوع من جميع الاختصاصات و شارك فيها اهل البازار باموالهم٠٠٠ واحدة من اهم الملاحظات بهذا الشأن هي ان كل هذه البنية العظيمة تم تنظيمها و إدارتها بعيدا عن بيروقراطية الدولة التي كان الثوريون ما زالوا يشكون في ولائها للنظام القديم و المصالح الاجنبية المرتبطة بها٠٠٠
كل هذا الصرح العظيم من شحذ الذات بدأ في ايام الحرب و الدفق الثوري قبل ان يتحول الى برنامج الدولة في عهد رفسنجاني فيما بعد اي اثر انتهاء الحرب عام 1988 و التي شهدت التحول من الثورية التقليدية الى الثورية البناءة٠٠٠ او كما اطلق عليه بعض الباحثين الانتقال من الثورة الدولة٠٠٠ و لكن الثورة بقيت و استمرت و ان بأساليب مختلفة٠٠٠

و لكن قبل ان يستمر أحمدي نجاد في عرضه … يمكن ان يذكره الرئيس مرسي بان مصر أيضاً خاضت حروبا طويلة و استطاعت ان تحقق نموا و تطورا رغم الحصار و التدخل الخارجي في الخمسينات و الستينات من القرن الماضي٠٠٠ حتى جاء السلام مع اسرائيل ليحول مصر الى دولة تستجدي و مجتمع يتفكك٠٠٠ نعم الحرب دمار للاوطان و للقيم الاخلاقية و السلام بناء للانسان و الحجر… و لكنها من سخرية القدر… ذلك ان السلام قد استحدث الية لتدمير الذات في مصر بدلا من بنائها٠٠٠ و هنا واحدة من اهم نقاط الافتراق بين التجربتين المصرية و الايرانية٠٠٠ ففي فترة ما بعد الحرب اصبحت ايران واحدة من اهم الدول النامية و حققت إنجازات في كل المجالات الحيوية٠٠٠ و فوق كل هذا حافظت أيضاً على دفعها الثوري و اصبحت لها اذرع عديدة و فعالة خارج حدودها٠٠٠٠ اما مصر بعد الحرب فانها قد اصبحت دولة فقيرة في اغلب المجالات الحيوية و اصبح الجميع يتدخلون في شؤونها و فقدت عمقها الافريقي و اصبح دورها العربي مناطا بشرعنة السياسة الامريكية ٠٠٠٠ و من ثم حدثت الثورة و عادت جميع الأسئلة لتطرح من جديد و لتزداد التحديات٠٠٠
و لعل أحد اهم هذه التحديات هو مواجهة حرب جديدة٠٠٠ ستكون ايران احد اطرافها٠٠٠ اما مصر فلا احد يعرف اين ستقف٠٠٠ فهل لدى الرئيس مرسي شيئا يخبره لاحمدي نجاد٠٠٠؟؟؟

في مقالة تالية سنناقش الدور المحتمل للثورات العربية في اية حرب قد تنشب في الشرق الاوسط …..

أكرم هواس (مفكر حر)؟

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية | Leave a comment