هل علينا نقد الدين نقداً علمياً؟

كامل النجار

لا يختلف اثنان، حتى بين رجال الدين الإسلامي أنفسهم، في أن الأمة الإسلامية أي خير أمة أُخرجت للناس، تحتل المرتبة الدنيا في سلم الحضارة والرقي، وعداوتها للمرأة تكاد أن تفوق عداوتها لليهود والنصارى. حتى في دول إفريقيا الجنوبية سادت الديمقراطية وانتخبت جمهورية ليبريا السيدة الين جونسون سيرليف رئيسة لفترتين متتاليتين، ونحن مازلنا نمنع المرأة من قيادة السيارة وكشف وجهها. أفلا يجب علينا محاولة معرفة السبب في هذا التخلف، وإذا عرفناه، ألا يحق لنا نقده ومحاولة تقويمه؟
أعتقد أن الغالبية العظمى من القراء تعزو هذا التخلف إلى الإسلام وشيوخه المتاجرين به على حساب كرامة الإنسان المسلم. وهذا هو اعتقادي الذي لا يخامرني أي شك به. وقد قارنت مراراً بين الشعوب الهندية والباكستانية وشعب بنغلاديش. فجميعهم من اثنية واحدة، وكانوا يعيشون في الهند الكبيرة حتى عام 1948 عندما طالب السيد محمد علي جناح بإقامة وطن منفصل للمسلمين، فقامت باكستان الكبرى التي انفصلت فيما بعد إلى باكستان وبنغلاديش. وليقارن أي شخص الآن بين المستوى الذي وصلت إليه الهند وبين باكستان أو بنغلاديش. فالعامل الوحيد في تخلف الأخيرتين هو الإسلام
وعندما ننتقد الإسلام يرد بعض الكتاب بأن نقد الإسلام يجب أن يكون علمياً، ولا أدري ماذا يقصدون. هل الإسلام علم حتى ننقده نقداً علمياً. فهل إذا انتقدت قصيدة لامريء القيس مثلاً، يتحتم عليّ أن يكون نقدي علمياً أم أدبياً؟ ناقد الشعر ينتقد النظم وقواعد القصيدة والتزامها البحور المتعارف عليها، ثم يتحدث عن محتواها وربما يقارنها بقائد شعراء آخرين. والقرآن ما هو إلا سجع يحتوي على أخطاء عديدة في اللغة وفي المحتوى. فهل يجب أن يختلف نقده عن نقد الشعر، مثلاً؟ وربما يقول بعض المعلقين أن نقدنا طائفي لأننا لم ننتقد اليهودية والمسيحية. ولكن الإشكال هنا أن كل القراء يعرفون أن الديانات “السماوية” الثلاث تتشابه في تعاليمها الجزرية لأن أصلها واحد وهو الوصايا الموسوية. وإذا انتقدنا رب الإسلام، وهو أحدث الأديان الثلاثة، يصبح نقده نقداً لكل الأديان لأن القرآن نفسه يكرر علينا في آيات عديدة أن رب اليهود ورب المسيحيين (النصارى) هو نفس الإله (إلهنا وإلهكم واحد). فإذا انتقدت رب الإسلام لا يتحتم عليّ أن انتقد يهوه أو إلوهم أو ابن الإنسان، فكلهم يرمزون إلى نفس الكيان الغيبي الاسطوري الذي نعتقد أنه في السماء.
نحن الآن في نفس الوضع الذي كانت فيه أوربا في القرون الوسطى قبل مرحلة التنوير. خرجت أوربا من مرحلة الظلام التي تربعت على عرشها الكنيسة الكاثوليكية بمجهود فلاسفة التنوير. فماذا فعل أو كتب هؤلاء الفلاسفة حتى تسنى لهم الخروج بأوربا من محنتها؟ هؤلاء الفلاسفة كتبوا عن الوجود وهل له خالق أم لا، ثم انتقدوا تعاليم الكنيسة وإلهها الذي صورته لهم على أنه مرسل الزلازل والبراكين ليعاقب بها الخارجين على الكنيسة. ولم ينتقد أي منهم الإسلام أو حتى يذكره. هدفهم كان إخراج أوربا من الظلمات إلى النور.
فترة التنوير بدأت في القرن السابع عشر واستمرت في القرن الثامن عشر، ولكن قبل ذلك سبقتها إرهاصات من القلائل المتنورين والذين أغضبوا الكنيسة. منهم الفونس ملك كاستيل بإسبانيا (توفي عام 1284) عندما قال: لو كنت مستشار الله يوم الخلق لخلق عالماً ليس به نواقص كما نراها الآن. فغضبت الكنيسة عليه وأطلقوا الإشاعات عنه. وحدث أن الفونس اتهم زوجته بالعقر وأرسل إلى الدنمارك يطلب أميرة يتزوجها لتنجب له. وبينما كانت الأميرة في طريقها إليه حبلت زوجته. فأشاعت الكنيسة أنه ارتكب إثماً عظيماً لأنه لم ينتظر مشيئة الله في الإنجاب، وأن الله سوف يعاقبه علي ذلك في هذه الحياة. وفي ليلة من الليالي هطلت أمطار غزيرة معها برق ورعد شديدان، فما كان من الكنيسة إلا أن أشاعت أن البرق عذاب أرسله الله ليحرق قصر الفونس. بمثل هذه الخرافات حاربت الكنيسة كل من تجرأ وتحدث عن الدين أو عن الله.
ثم جاء الفلاسفة العظام وكان أولهم ديكارت (1596-1650) الذي كان خائفاً من الكنيسة في باديء الأمر فبدأ بالدفاع عن الله. وتدريجياً بدأ ديكارت بتجريد الله من بعض سلطانه، فقال بفصل الله عن الفلسفة (إن الله لا شأن له بالفلسفة إطلاقاً). ثم قال أن الكون لا نظام فيه، بل هو كون يعج بالفوضى ولا ينم عن مصمم ذكي. وأخيراً قال إن الله رحيم كريم ولكنا لا نحتاجه. وأكمل بمقولته المشهورة “أنا أفكر فإذاً أنا موجود”. وبهذه المقولة ارتقى بالعقل فوق تعاليم الكنيسة ومنحه حرية التفكير والنقد.
ثم جاء سبنوزا (1632-1677) وبدأ بنقد التعاليم اليهودية فطرده الحاخامات وصبوا على رأسه اللعنات ومنعوا العامة من الحديث معه أو حتى السلام عليه. وأخيراً تجرأ سبنوزا بعد أن زال عنه الخوف من رجال الدين فقال إن قوانين الطبيعة هي الله ولا إله غيرها. ثم جاء أليكساندر بوب (1688-1744) وحاول الدفاع عن الله وحاول صرف الفلاسفة عن الكلام عن الله، فقال إن الدراسات البشرية يجب أن تكون دراسة الإنسان. أي ما معناه: اتركوا الله في شأنه
ثم جاء جانجاك روسو (1712-1778) وحاول كذلك في البداية الدفاع عن الله وقال إن الشر من أنفسنا والخير من الله. ولكنه بالتدريج بدأ نقد الأديان وحتى نقد الله بطريقة غير مباشرة، وألف كتابه (اميل) Emile الذي اعتبرته الكنيسة هرطقة وتعدي على الإله، فأحرقوا كتابه وهموا بحرقه لولا أن أخبره أحد الأمراء ليهرب ليلاً من باريس، ففعل.
وبالتدريج زادت جرأة الفلاسفة في نقد الكنيسة والإله، فجاء إمانيويل كانط (1724-1804) الذي بدأ بالدفاع عن الله ثم حدث زلزال لشبونة في عام 1755 الذي دمر معظم المدينة وقتل الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ، وكان لهذا الزلزال أثرٌ عظيم في نفس كانط، فألف كتاب Critique of pure reason (تقييم الفكر النقي) الذي قال فيه إن التنوير هو خروج الإنسان من عبوديته التي فرضها على نفسه باعتماده على قوة خارجية. و حث على صرف النظر عن كل الطقوس الدينية من تعصب وسلطان الكنيسة والصلاة وكل الطقوس التي منعت الإنسان من الاعتماد على نفسه ودعته للاتكال على قوة خارجية. ثم هاجم الدين وقال إن الذي يقول إن الألم والمصائب اختبار من الله، يقدم عذراً لا برهان عليه، وتكذّبه تجاربنا الشخصية اليومية. ومن يعتمد على هذا القول يشتري العزاء بحقيقة الألم الواقع لدرجة أنه يفقد المواساة للمصابين.
ثم جاء هيجل (1770-1831) فزادت الجرأة معه وانتقد الله في البداية، ثم قال إن الله قد مات. وأخيراً جاء نيتشه (1844-1900) وأكد موت الله. فنرى هنا أن كل فيلسوف بنى على الذي سبقه وزادت جرأته على نقد الكنيسة وربها حتى قال آخرهم بموته. فالناقد العربي لا يتحتم عليه أن يبدأ من الصفر ويجامل رجال الدين في البدء خوفاً منهم، ثم يزيد نقده عنفاً.
ويمكن تلخيص حركة التنوير الأوربية في الآتي:
1-الفكر هو أسمى ملكات الإنسان
2-الفكر أو العقل هو ما يمكن الإنسان من التحرر من الاعتقاد البدائي المتعصب الذي يحبس الإنسان في إمعاء الجهل والتخلف
3-معرفة القوة الكامنة في العقل تمكن الإنسان ليس فقط من التفكير السليم، بل تعلمه السلوك القويم
4-عن طريق العلم وتقدمه يستطيع العقل أن يقود البشرية إلى حالةالإبداع الدنيوي
5-العقل يجعل كل الناس متساوين، وبالتالي يستحقون حرية متساوية ومعاملة واحدة تحت طائلة القانون
6-قبول أي معتقد يجب أن يتم عن طريق العقل وليس بسلطة الكنيسة ورجال الدين
هذا النقد المتدرج للدين، مع ملاحظة أن هؤلاء الفلاسفة جميعهم انتقدوا الكنيسة وممارساتها، ثم وجود الله، ولم يتطرق أحدهم إلى الأديان الأخرى، أدى في النهاية إلى سقوط عباءة الدين وارتقاء العقل حتى بين العامة. ولم يقل أحد من الفلاسفة أو العامة إن نقد هؤلاء الفلاسفة للدين أو لله، لم يكن نقداً علمياً وناتجاً عن أبحاث.
فهل يجب علينا إعادة اختراع العجلة، أم علينا أن نتعلم من نقد هؤلاء الفلاسفة التنوريين وبذا ننتقد الإسلام ورجاله وحتى إلهه دون أن ننتقد بالضرورة اليهودية والمسيحية؟ وهل يجب أن يكون نقدنا للإسلام نقداً علمياً حتى يرضى عنا الذين يقولون إن كتاباتنا لا تفيد ولا تستحق النشر وأنها تضر بالعلمانية لأنها تنفّر العامة منها، وهم يعلمون أن العامة أغلبهم لا يقرؤون، وإن قرأوا لا يستوعبون؟
أنا أعتقد أن نقد الإسلام وتعاليمه الفاشية مهمة يجب علينا الاطلاع بها في محاولة لتخليص شعوبنا من براثن الجهل وجشع تجار الدين ومن المهوسين الانتحاريين الذين يكرهون الحياة. وفي المقام الأول يجب علينا تحرير المرأة من تلك القيود التي أدمنت عليها وأصبحت جزءاً من شخصيتها التي تقودها لانتخاب جلاديها. ولا يهمني أن يعتبر البعض أن نقدي للإسلام ليس نقداً علمياً

كامل النجار (مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

من أين تأتي ثقة بشار الأسد بنفسه

طلال عبدالله الخوري 13\10\2012

على ضوء تصريحات صالحي لدير شبيغل: لم يبدو الاسد منفصلا (عن الواقع) لكنه واثق من نفسه ومستعد للقتال

Posted in ربيع سوريا, فكر حر, كاريكاتور | Leave a comment

هكذا قرأتُ القرآن ٩ سورة الليل

رياض الحبيّب 

قرأت الليلة الماضية سورة الليل وترتيب تنزيلها ٩ خلافاً لتسلسلها ٩٢ في مصحف الإمام. ولا يزال الليل سواء بأنوار القمر وسائر النجوم وبعتمته من عناصر الإلهام لدى الشعراء كما كان في الماضي، إذ وصلتنا صوَر جميلة عن الليل وأحداثه ولا سيّما هواجس عشاقه- من الجنسَين- بآلامهم وآمالهم ومغامراتهم؛ هنا بضعة أمثلة راودت مخيّلتي خلال الليلة المذكورة- منها ما لاٌمرئ القيس الكندي في معلّقته الشهيرة:
وليْلٍ كمَوْجِ البَحْرِ أرْخى سُدُولهُ *** عَليَّ بأنوَاعِ الهُمُومِ لِيَبتلِي
فقلتُ لهُ لمَّا تمَطَّى بصُلْبهِ *** وأرْدَفَ أعْجَازاً وناءَ بكلكلِ
ألا أيُّهَا الليْلُ الطَّويْلُ ألاَ اٌنْجَلِ *** بصُبْحٍ ومَا الإصْبَاحُ منِكَ بأمْثلِ
فيَا لكَ مِنْ ليْلٍ كأنَّ نُجُومَهُ *** بكلّ مُغار الفتل شُدّتْ بيَذبُلِ
ومنها ما للنابغة الذبياني: فإنّكَ كالليلِ الذي هو مُدْرِكي *** وإنْ خِلْتُ أنَّ المُنتأى عنكَ واسِعُ
ومنها ما لعنترة بن شدّاد العَبْسي: سيذكُرُني قومي إذا الخيْلُ أقبلتْ *** وفي الليلة الظلماءِ يُفتقـَدُ البدرُ

وإني حريص على الإتيان بأبيات شعر الحقبة ما قبل الإسلام، لسبَبَين أولهما كي لا يُقال أنّ الشاعر الفلاني من العصر الفلاني اقتبس من القرآن أو الحديث شيئاً ما. وثانيهما لأرى ما اقتبس مؤلّف القرآن صوراً شعريّة ممّن سبقوه إذ عاش في البيئة عينها وكان يحبّ الإصغاء إلى الشعْر كشعْر امرئ القيس وأميّة ابن أبي الصّلت وعنترة بن شدّاد. وفي ويكيبيديا- ممّا أضيف على سيرة عنترة- أنّ محمّداً قال: «ما وُصِف لي أعرابيّ قطّ فأحببتُ أنْ أراه إلا عنترة» فماذا أراد مؤلّف القرآن بسورة الليل وهل لموضوع السّورة علاقة ما باٌسمها؟ علماً أني قرأت في كتاب “الشخصيّة المحمّدية” للرصافي حول أسماء السّوَر ما يأتي: {أما أسماء السور فاضطربت أقوال الرواة في كونها توقيفية أي سُمِّيت بتوقيف من النبي، فيكون هو الذي سماها بأسمائها، والذي تطمئن إليه النفس أنها ليست كلها توقيفية، إذ يجوز أن يكون النبي قد ذكر بعضها اتفاقاً لا بقصد التسمية، أو بقصد توقيف الناس على اسمها فسمّاها باسم أخذه منها، فصار الناس يذكرونها بذلك الاسم، كما يجوز أن يكون الناس قد سمّوا بعضها بأسماء أخذوها إمّا من كلمة مذكورة في أولها كسورة الحمد للفاتحة، وسور الفجر والضحى والليل والكوثر والمُزّمِّل، لأنّ هذه الكلمات مذكورة في أوّل السورة، وإمّا أنهم جعلوا لها اسماً مما اشتملت عليه من القصص والأخبار ومن أسماء الأنبياء المذكورين فيها، فقالوا سورة البقرة لما ذكر فيها من قصة البقرة، وسورة آل عمران لأنها ذكر فيها آل عمران، وسورة المائدة لما ذكر فيها من خبر المائدة. وتسمية السورة أمر مباح غير محظور في الدين ولا مخالف لشيء من القرآن ولا من السنة، وإلّا فلو أراد النبي أن يسميها ويذكر للناس أسماءها توقيفاً لهم عليها لما اختار لها هذه الأسماء الدالة على بساطة في النظر وسذاجة في المعرفة…} انتهى. ولقراءة المزيد في كتاب الرصافي والذي أصبح تنزيله مُيَسّراً من “مكتبة التمدن” في هذا الموقع، أنظر الباب “سور القرآن وكم هي” ص 570 أو اقرأ في هذا الباب عبر الرابط التالي:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=107832

هنا نصّ سورة الليل كاملاً:
{والليْلِ إذا يَغْشى ١ والنَّهَارِ إذا تجَلّى ٢ ومَا خلـَقَ الذّكَرَ والأُنثى ٣ إنَّ سَعْيَكُمْ لشتَّى ٤ فأمَّا مَن أعْطى واتَّقى ٥ وصَدَّق بالحُسْنى ٦ فسَنُيَسِّرُهُ لِليُسْرى ٧ وأمَّا مَن بَخِلَ واسْتغْنى ٨ وكذَّبَ بالحُسْنى ٩ فسَنُيَسِّرُهُ لِلعُسْرى ١٠ ومَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إذا ترَدَّى ١١ إنَّ عليْنا للهُدَى ١٢ وإنَّ لنا للآَخِرَة والأُولى ١٣ فأنْذرْتُكُمْ نارًا تلظَّى ١٤ لا يَصْلاها إلَّا الأشقى ١٥ الَّذِي كذَّبَ وتوَلَّى ١٦ وسَيُجَنَّبُها الأتقى ١٧ الَّذِي يُؤتِي مَالـَهُ يَتزكَّى ١٨ ومَا لِأحَدٍ عِنْدَهُ مِن نِعْمَةٍ تُجْزى ١٩ إلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعلى ٢٠ ولسوْفَ يَرْضَى ٢١} انتهت

وقد اعتدت على الرجوع إلى تفاسير المُفسّرين المعتمَدين إسلاميّاً إذ لا يحقّ لأحد تفسير المقدّسات على مزاجه، علماً أني أركّز على جوانب قد يركّز قارئ غيري على جوانب غيرها! فإنّ لكلّ قارئ أسلوباً في القراءة وفي الكتابة أيضاً- هنا أوّلاً تفسير الإمام الطبري (1) للجملة الأولى: {يقول تعالى ذِكْرُهُ مُقسِماً بالليل إذا غشـّى النهار بظلمته، فأذهَبَ ضوءه، وجاءت ظلمته: «والليل إذا يغشى» النهارَ} انتهى

تعليقي: سبق لي التنويه بأنّ الخالق [العظيم] لا يمكن أن يُقسِم بالمخلوق [الأقل عظمة] فهو جلّ وعلا لا يحتاج إلى قسَم بل إلى الدليل العقلاني، لأنّ القسَم قد يبدو وسيلة من وسائل الكذب فإمّا أريد بها الإقناع بحجّة ما فتُعَدّ ساذجة. فالقسَم بقوله (والليل) هو بلا ريب قولُ محمّد- وليس قوله تعالى- وهذا النوع من القسَم غير مألوف لي في أدب الحقبة المسمّاة بالجاهليّة؛ في المثال التالي أقسم النابغة الذبياني بعمره، لاحظ جملة القسم “لـَعَمْري” في قول النابغة الذبياني:
لعَمْري وما عمري عليَّ بهَيِّنٍ *** لقد نطَقتْ بُطْلاً على الأقارِعُ
وجملة القسم في قول طرَفة بن العبد: لـَعَمْرُك مَا أمْرِي عَليَّ بغُمَّةٍ *** نهَارِي ولا ليْلِي عَليَّ بسَرْمَدِ
وفي معلّقة عنترة: عُلِّقْتُها عَرَضاً وَأقتُلُ قومَها *** زَعماً لعَمْرُ أَبيكَ ليسَ بمَزْعَمِ
أمّا امرؤ القيس فهكذا أقسم:
سَمَوتُ إليها بَعْدَما نامَ أهلُها *** سُموَّ حَباب الماءِ حالاً عَلى حالِ
فقالت سَباكَ اللهُ إنَّكَ فاضِحي *** ألستَ تَرى السُمّارَ والناسَ أحوالي
فقُلتُ يَمينَ اللهِ أبرَحُ قاعِداً *** وَلو قطَعوا رَأسي لدَيكِ وأوصالي
حَلفتُ لها باللهِ حِلفةَ فاجـِرٍ *** لناموا فما إنْ مِنْ حَديثٍ ولا صالِ

وهنا تفسير القرطبي (2): {أي يُغطّي. ولم يذكر معه مفعولاً للعِلم به. وقيل: يغشى النهارَ. وقيل: الأرض. وقيل: الخلائق. وقيل: يغشى كلّ شيء بظلمته. وروى سعيد عن قتادة قال: أوّل ما خلق الله النور والظلمة، ثم ميّز بينهما، فجعل الظلمة ليلاً أسود مظلماً، والنور نهاراً مُضيئاً مُبصِراً} انتهى

تعليقي: ١ نلاحظ بسهولة اختلافاً في تأويل قوله “يغشى” والمطلوب من الكتاب الديني أن يكون واضحاً لمن يقرأ فماذا كان المقصود؛ هل يغشى الليلُ النهارَ أم يغشى الأرضَ (وهذا مستحيل علميّاً لأنّ الأرض كرويّة تقريباً) أم الخلائق؟ أم كلّ شيء؟ أم ماذا؟ ٢ من أين أتى قتادة بقوله إنْ صحّ ما رُويَ عنه؟ أمّا الجواب فمن التوراة وتحديداً سِفرها الأوّل (التكوين) بل الفصل الأوّل وابتداءً بالآية الأولى حتى الخامسة: {في البدء خلق الله السماوات والأرض. وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروحُ الله يرفّ على وجه المياه. وقال الله: ((ليكن نور)) فكان نور. ورأى الله النورَ أنّهُ حَسَن. وفصَلَ الله بين النور والظلمة. ودعا الله النورَ نهاراً والظلمة دعاها ليلاً. وكان مساءٌ وكان صباحٌ يوماً واحداً} – ترجمة فاندايك

أمّا اللافت (بل غير المقبول دينيّاً) فالإختلاف على النصّ الأصلي من القرآن وتحديداً الليل: ٣ “ومَا خلـَقَ الذّكَرَ والأُنثى” وهذا ممّا ورد في تفسير ابن كثير (3): {قال الإمام أحمد حدثنا… عن عَلقمَة أنهُ قدِمَ الشام فدخل مسجد دمشق فصلّى فيه ركعتين وقال: اللهُمَّ اٌرزقني جليساً صالحاً. قال فجلس إلى أبي الدَّرْدَاء فقال له أبو الدَّرْدَاء ممّن أنت؟ قال من أهل الكوفة، قال كيف سمعت اِبْن أُمّ عَبْد يقرأ “والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى” قال علقمة “والذكر والأنثى” فقال أبو الدّرداء لقد سمعتها من رسول الله ص فما زال هؤلاء حتى شكّكوني، ثم قال: ألمْ يكن فيكم صاحب السواد وصاحب السرّ الذي لا يَعْلمه أحدٌ غيره والذي أجير من الشيطان على لسان محمد ص وقد رواه البخاري ههنا ومُسْلم من طريق الأعمش عن إبراهيم قال: قدِمَ أصحاب عبد الله على أبي الدّرداء فطلبهم فوجدهم فقال أيّكم يقرأ على قراءة عبد الله؟ قالوا كلّنا قال أيّكم أحفـَظ؟ فأشاروا إلى عَلقمَة فقال: كيف سمعته يقرأ “والليل إذا يغشى” قال “والذكر والأنثى” قال أشهد أني سمِعْتُ رسول الله ص يقرأ هكذا وهؤلاء يريدون أن أقرأ “وما خلق الذكر والأنثى” والله لا أتابعُهُم هذا لفظ البخاري} انتهى

تعليقي: كيف أصبح النصّ مقدّساً وقد ثبت وجود اختلاف على قراءته؟ فهل نصّ الجملة في سورة الليل: ٣ هو “وما خلقَ الذكرَ والأنثى” – مصحف عثمان- أم كما سمِع عَلقمَة وأبو الدَّرْدَاء من لسان محمّد وهو يقرأ: “والذكر والأنثى”؟ أفما تكفي شهادة رجُلين في الإسلام؟
ولقد ذهبتُ إلى معرض تفسير ابن كثير لقوله “وما خلق الذكر والأنثى” فوجدتُ شاهداً ثالثاً على القراءة المختلفة هو ابن مسعود: {وهكذا قرأ ذلك ابن مسعود وأبو الدرداء ورفعه أبو الدرداء وأمّا الجمهور فقرءوا ذلك كما هو المثبت في المُصْحَف الإمَام العُثمَانِيّ في سائر الآفاق “وما خلق الذكر والأنثى”} انتهى.
علماً أنّ الرواية وردت في تفسير الطبري بتفصيل، كذلك في تفسير القرطبي والذي أردف بقولين مختلفين:
{وفي المراد بالذكر والأنثى قولان؛ أحدهما: آدم وحوّاء قاله اِبْن عَبَّاس والحَسَن والكَلْبيّ. الثاني: يعني جميع الذكور والإناث من بني آدم والبهائم؛ لأن الله تعالى خلق جميعهم من ذكر وأنثى من نوعهم. وقيل: كل ذكر وأنثى من الآدميّين دون البهائم لاختصاصهم بولاية الله وطاعته} انتهى

أمّا بعد فقد حاولت تقصّي الحقائق حول بعض الأقوال- فمن تفسير الطبري للجملة “وصَدَّق بالحُسْنى” ما يأتي: {وذُكِرَ أنّ هذه الآية نزلتْ في أبي بكر الصدّيق- رض. ذكر الخبر بذلك: 29011 – حَدّثني… عَن عَامِر بْن عَبْد الله بْن الزُّبَيْر، قال: كان أبو بكر الصديق يُعْتِق على الإسلام بمَكّة، فكان يُعْتِق عجائز ونساءً إذا أسْلمْن، فقال له أبوه: أي بُنيّ، أراك تعتق أناساً ضعفاء، فلو أنك أعتقت رجالاً جُلْداً يقومون معك، ويمنعونك، ويدفعون عنك، فقال: أي أبَتِ، إنما أريد “أظنه قال”: ما عند الله، قال: فحدّثني بعضُ أهل بيتي، أنّ هذه الآية أنزلت فيه: “فأمّا من أعطى واتقى وصدّق بالحُسنى فسنيَسِّرُه لليُسرى”} انتهى

تعليقي: ١. أيّد القرطبي نزول السورة في أبي بكر بقوله في معرض تفسير الليل: ٢١ (ولسَوْفَ يَرْضَى) ما يأتي: والأكثرُ [احتمالاً] أنَّ السُّورَة نزلتْ فِي أبي بَكْر- رَض- ورُوِيَ ذلِك عَنْ اِبْن مَسْعُود وابْن عَبَّاس وعَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر وغيْرهِمْ؛ علماً أنّ القرطبي قد أورد رواية أخرى منسوبة أيضاً لاٌبن عبّاس: {إنّ السُّورة نزلتْ في أبي الدَّحْدَاح في النخلة التي اشتراها بحائط له، فيما ذكر الثعلبي عن عطّاء. وقال القُشَيْرِيّ عن ابن عباس: بأربعين نخلة ولمْ يُسَمِّ الرجل} انتهت ٢. كان أبو بكر يُحَرّر العجائز والنساء بمكّة إذا أسْلمْن وذلك “ما عند الله” أمّا تحرير الرّجال- بحسب ما رُويَ عن أبي بكر- فليس ممّا عند الله، حتى لو أسلموا! والتساؤل المشروع ليس عن سبب قيام أبي بكر بتحرير العجائز والنساء دون الرجال، إنّما هو: لماذا حصلتْ جرائم السّبْي والإستعباد أساساً؟ فأؤكد ما كتبت من قبل: إنّ حُريّة المعتقد مكفولة للجميع ما لمْ تتسبّب في إيذاء الآخرين.

أمّا من تفسير القرطبي لقوله “لا يَصْلاها إلّا الأشقى” – أي الليل: ١٥ فاقتطفت:
{١ وروى الضحّاك عن ابن عبّاس قال: “لا يَصْلاها إلّا الأشقى” أُمَيَّة بْن خـلف ونظراؤه الذين كذّبوا محمّداً- ص- وقال قتادة: كذّب بكتاب الله، وتولّى عن طاعة الله. وقال الفرَّاء: لمْ يَكُنْ كذَّبَ برَدٍّ ظاهِر، ولكِنَّهُ قصَرَ عَمَّا أُمِرَ به من الطاعة فجُعِل تكذيباً.
٢ الزَّمَخْشَرِيّ: الآية واردة في الموازنة بين حَالتـَيْ عظيم من المُشركين وعظيم من المؤمنين، فأ ُريد أنْ يُبالغ في صفتيهما المتناقضتين فقيل: الأشقى، وَجُعِلَ مُختصًّا بالصَّلْي، كأنّ النارَ لم تُخلق إلّا له وقيل: الأتقى، وجُعِل مُختصّاً بالجنة، كأن الجنة لم تخلق إلّا له وقيل: هُمَا أبو جهل أو أميّة بن خلف. وأبو بكر- رض} انتهى

تعليقي: فموضوع المؤمن برمّته- بحَسَب فهْمي- ليس ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ- أو ربِّها- الأعلى ولا ولاية الله وطاعته- ممّا تقدّم في تفسير الطبري- فهكذا فعل أهلُ الكتاب والحنفاء وسائر الموحّدين، إنّما الموضوع هو ولاية محمّد وطاعته؛ من شهد له فله التيسير باليُسرى، أمّا من كذّبه فله “التيسير” بالعُسرى! وسآتي بأمثلة على اقتران طاعة الله بطاعة الرسول في خضمّ قراءاتي القادمة.

واللافت في قوله أخيراً (ولسوْفَ يَرْضَى) – الليل: ٢١ هو ما ورد في معرض تفسير القرطبي- فبعدما فسّر الجملة بقوله {أي سوف يُعطيه في الجنّة ما يُرضي وذلك أنه يُعطيه أضعاف ما أنفق} ذكر التالي: {قال عَطّاء: كان لرجل من الأنصار نخلة، يسقط من بلحِها في دار جارٍ له، فيتناوله صبيانه، فشكا ذلك إلى النبي ص فقال النبي ص (تبيعها بنخلة في الجنة)؟ فأبى فخرج فلقِيَه أبو الدّحداح فقال: هل لك أن تبيعَنيها بـ “حُسْنى”: حائط له. فقال: هي لك. فأتى أبو الدحداح إلى النبي- ص- وقال: يا رسول الله، اشترِها مني بنخلة في الجنة. قال: (نعم، والذي نفسي بيده) فقال: هي لك يا رسول الله، فدعا النبي- ص- جارَ الأنصاريّ، فقال: (خذها) فنزلت “والليل إذا يغشى” – الليل: ١ إلى آخر السورة في بستان أبي الدحداح وصاحب النخلة. “فأمّا من أعطى واتقى” يعني أبا الدحداح “وصَدَّق بالحُسنى” أي بالثواب “فسنيسّره لليسرى” يعني الجنة “وأمّا مَن بخل واٌستغنى” يعني الأنصاريّ “وكذب بالحسنى” أي بالثواب “فسنيسره للعسرى” يعني جهنم “وما يغني عنه ماله إذا تردى” أي مات. إلى قوله: “لا يصلاها إلا الأشقى” يعني بذلك الخزرجي وكان منافقاً فمات على نفاقه “وسيجنَّبها الأتقى” يعني أبا الدحداح. “الذي يؤتي ماله يتزكى” في ثمن تلك النخلة “ما لأحد عنده من نعمة تجزى” يكافئه عليها يعني أبا الدحداح “ولسوف يرضى” إذا أدخله الله الجنة} انتهى

تعليقي: ١ هل نزلت السّورة في أبي بكر أم في أبي الدَّحْدَاح؟ فقد رُويَ عن ابن عبّاس أنّ سورة الليل نزلتْ في أبي بكر ورُويَ عنه [نفسه] أنها نزلت في أبي الدَّحْدَاح فأيّة الروايتين صائبة؟ فوا عَجَبا!
٢ قوله {فشكا ذلك إلى النبي ص فقال النبي ص (تبيعها بنخلة في الجنة)؟ فأبى… إلخ} وقوله “فسنيسّره لليسرى” وقوله “فسنيسره للعسرى” يدلّ في نظري على اثنين: الأوّل- إنّ محمّداً ظنّ أنّ ربّه قد خوّله حقّ التصرّف بالجَنّة وبجَهَنّم. الثاني: إنّ صاحب النخلة آثر نخلته على النخلة المحمّديّة- أي نخلة الجنّة، إذ رفضَ عرضَ محمّدٍ ما لم يكنْ صاحب النخلة مُعتبـِراً العرضَ المُحمّدي غريباً.
٣ أمّا على قوله “ولسوف يرضى” فهلْ للمرء خيار أمام الله [سواءٌ أرضيَ أم أبى] أم أنّ محمّداً هو الذي سيُرضيه؟
٤ روى القرطبي في معرض شرح “فسنيسّره للعُسرى” ما يأتي: {قال الفرّاء: يقول القائل: كيف قال: “فسنيسّره للعُسرى”؟ وهل في العُسرى تيسير؟ فيُقال في الجواب: هذا في إجازته بمنزلة قوله عزّ وجلّ: “فبشِّرهم بعذاب أليم” – آل عمران : ٢١ والبـِشارة في الأصل على المُفرح والسّارّ، فإذا جُمِعَ في كلامين هذا خير وهذا شر، جاءت البشارة فيهما. وكذلك التيسير في الأصل على المُفرح، فإذا جُمِعَ في كلامين هذا خير وهذا شرّ، جاء التيسير فيهما جميعاً. قال الفرّاء: وقوله تعالى “فسَنُيَسِّرُه”: سنهيِّئُه. والعرب تقول: قد يَسَّرَت الغنم: إذا وَلدَتْ أو تهَيَّأتْ لِلولادة} انتهى. وفي رأيي- مع احترامي لتفسير الإمام القرطبي- إنّ هذا التبرير بقوله (جاء التيسير فيهما جميعاً) محاولة منه للتغطية على إشكاليّة تعبيريّة لا تصبّ في مصلحة القرآن من جهة البلاغة. والمثال الوارد في سورة آل عمران: ٢١ “فبشِّرهم بعذاب أليم” يُشبه ذاك الذي في النساء: ١٣٨ “بَشِّرِ المُنافِقِين بأنَّ لهُمْ عَذاباً ألِيماً” ولقد عرف اللغويّون أنّ البشرى (أو البـِشارة) إنما تكون بالخبر المُفرح والسّارّ أمّا النِّذارة فبالخبر المُحزن والعذاب وليس من البلاغة الخلط بين البشارة والنذارة— ويا ليت شعري: هل يوجد عذاب أليم وآخر غير أليم؟
______________

في الحلقة القادمة قراءة في سورة الفجْر
____________________________

(1) الطبري ت سنة 310 هـ: عاش خلال القرن الثالث الهجري، ولد بطبرستان واٌستقرّ في أواخر أمره ببغداد. مُؤرّخ ومُفسِّر وفقيه مُسْلم، صاحب أكبر كتابين في التفسير والتاريخ. يُعتبَرُ أكبر علماء الإسلام تأليفًا وتصنيفًا – ويكيبيديا
(2) القرطبي ت سنة 671 هـ: عاش خلال القرن السابع الهجري، ولد بقرطبة وتوفّي بمصر. توسّع بدراسة الفقه والقراءات والبلاغة وعلوم القرآن وغيرها كما تعلّم الشعر أيضاً. يُعتبر من كبار المفسِّرين وكان فقيهًا ومحدثًا ورعاً وزاهداً متعبداً. له “الجامع لأحكام القرآن” وهو كتاب جمع تفسير القرآن كاملاً – ويكيبيديا
(3) إبن كثير ت سنة 774 هـ: عاش في القرن الثامن الهجري، عالم من دمشق مؤلّف كتاب “البداية والنهاية” و”تفسير ابن كثير” – ويكيبيديا

رياض الحبيّب

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

هكذا قرأتُ القرآن ٨ سورة الأعلى

رياض الحبيّب

قرأت اليوم سورة الأعلى هي الثامنة في ترتيب “التنزيل” بينما ورد ترتيبها ٨٧ في مصحف عُثمان بن عفـّان. وممّا لاحظتُ أنّ مؤلّف القرآن كان ملتزماً بوحدة القافية في هذه الأسجوعة لم يغيّرها لأنها؛ أوّلاً- منتهية بقافية ذات حرف رويّ سهل جدّاً هو الألف، سواء المقصورة بقوله “الأعْلى” والممدودة بقوله “يَحْيَا” علماً أنّهما مختلفتان كتابة لا لفظاً، يجوز استعمال كلتيهما في قصيدة الشعْر المُقفّى. ثانياً- لأنّ الأسجوعة قصيرة نسبيّاً. وسوف نرى التزاماً بالقافية في أساجيع قِصار أخرى كما في سُوَر الليل والشمس والفيل. فماذا أراد المؤلّف بسورة الأعلى؟ هنا النصّ كاملاً:
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلى ١ الذي خلق فسَوَّى ٢ والذي قدَّرَ فهَدَى ٣ والذي أخْرَجَ المَرْعَى ٤ فجَعَلهُ غُثاءً أحْوَى ٥ سَنُقرِئُكَ فلَا تنْسَى ٦ إلَّا مَا شاء اللهُ إنَّهُ يَعْلمُ الجَهْرَ ومَا يَخْفى ٧ ونُيَسِّرُك لِليُسْرَى ٨ فذكِّرْ إنْ نَفعَتِ الذكرَى ٩ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى ١٠ ويَتجَنَّبُها الأشْقى ١١ الذي يَصْلَى النَّارَ الكُبْرَى ١٢ ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا ولا يَحْيَا ١٣ قدْ أفْلَحَ مَن تزَكَّى ١٤ وذكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فصَلَّى ١٥ بَلْ تُؤْثِرُون الحَيَاة الدُّنيا ١٦ والآخِرَة خيْرٌ وَأبْقى ١٧ إنَّ هذا لفِي الصُّحُفِ الأُولى ١٨ صُحُفِ إبراهِيمَ ومُوسَى ١٩} انتهى

رأيت بعد قراءة النصّ إنّ التسبيح (أي الصلاة والدعاء والتنزيه والتمجيد) وتبيان عمل الخالق والثواب والعقاب شؤون جاءت بها الشريعة الموسويّة قبل محمد بأزيد من ألفي عام. أمّا التأويلات في كتب المفسّرين فكثيرة، لذا اقتطفت منها ما تيسّر ابتداءً بما ورد في تفسير الطبري للجملة الأولى (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلى) فذكر اختلاف أهل التأويل مُورداً ستّة اختلافات قبلما أدلى بقناعته الشخصيّة قائلاً: {وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب: قول مَنْ قال: معناه: نزِّه اسم ربّك أن تدعو به الآلهة والأوثان، لما ذكرْتَ من الأخبار، عن رسول الله ص وعن الصحابة أنهم كانوا إذا قرءوا ذلك قالوا: سُبحان ربّي الأعلى، فبيّن بذلك أنّ معناه كان عندهم معلوماً: عظِّم اٌسْمَ ربّك ونزِّهْهُ} انتهى

وقرأت في تفسير القرطبي تأويلاً عن ابن عُمَر، قال: {لا تقُلْ عَلَا اِسْمُ الله فإنَّ اِسْم الله هُوَ الأعْلى} انتهى. وتعليقي: أما كان حَريّاً بابن عُمَر لو كان مطّلعاً على شرائع أهل الكتاب أن يقول لمحمّد- مثالاً: إنّ الله معروف قبل الإسلام وأنّ اسم الله هو الأعلى فلمْ تأتِ الناسَ يا محمّد بجديد؟ لكنّ المشكلة تكمن في قناعة ابن عمر وأمثاله بأنّ ما أوحِيَ إلى محمّد مُنزّل من فوق وأنّ الدعوة إلى قتل المعارضين مشروعة على أنها مرسلة من ذلك الإله! فلماذا بخس محمّد وأتباعه ممارسة المعترضين حقوق رفض الدين الجديد بما فيه من نسب أساجيع محمد إلى الله؟ وكأنّ المطلوب إليهم هو السكوت أمام كلّ مدّعٍ بأنّ رسالته من مُقرّرات الله ووساطة جبريل وتدخله شخصيّاً فلا يحق لهم الإعتراض على حامل الرسالة- حتّى لو أوحِيَ إليه بإبادتهم- لأنّ اعتراضهم سيُعتبَر موجّهاً إلى الله وعلى أمر الله! ولكنّ محمّداً نفسه قد اعترض على دعوة مسلمة بن حبيب فسمّاه مُسَيلمة الكذاب فلماذا لا يحقّ للمعترضين اعتبار محمد كذاباً أو دجّالاً ولماذا اعتبرهم المسلمون كفاراً؟ لماذا الكيل بمكيالين؟ إذاً من حقّ المسيحي أيضاً أن يعتبر محمّداً كافراً بالكتاب المقدّس أو من الهراطقة أو مشركاً، لأنّ تعاليم القرآن (أقتلوا المشركين حيث وجدتموهم… التوبة: 5 وقاتلوا الذين لا يؤمنون… التوبة: 29) تناقض تعاليم الإنجيل (أحبّوا أعداءكم، باركوا لاعِنيكم، أحسنوا إلى المُسيئين إليكم، طوبى لكم إذا عيّروكم واضطهدوكم…إلخ) علماً أنّ فضل معرفة الله يعود لأهل الكتاب لا لغيرهم. ومن شاء فليراجع حتى الشعر الذي سبق الدعوة المحمّدية سواء لشعراء من أهل الكتاب قبل الإسلام ولشعراء من الحنفاء وغيرهم. ولأوردنّ من الأمثلة قولاً لأحد شعراء المعلّقات- زهير بن أبي سلمى- الذي ذكر عنه التبريزي أنه نظم معلّقته في ظروف حرب البَسُوس أي قبل الإسلام:
فمن مُبلِغ الأحلاف عَنِّي رِسَالة ً *** وذبْيَان هَلْ أقسَمْتمُ كُلَّ مقسَمِ
فلا تكتُمُنَّ اللهَ مَا فِي نُفوسِكُم *** لِيَخفى وَمَهْمَا يُكتـَمِ اللهُ يَعْلمِ

وقول شاعر “جاهلي” آخر- عبيد بن الأبرص- قد اعتبر التبريزي قصيدته من المعلّقات العَشر:
مَن يَسأَلِ الناسَ يَحرِموهُ *** وسائِلُ اللَهِ لا يَخيبُ
علماً أنّ مطلع قصيدته: أقفرَ مِن أهلِهِ مَلحوبُ *** فالقُطَبيّاتُ فالذنوبُ

ولا بأس عندي- أنا الكتابي- في أنّ يتخذ الإنسان ربّاً من دون الله وهو وربّه يحترمان خيارات الآخرين ومقدّساتهم ولايُسيئان إليهم في الحاضر والمستقبل. ولا بأس في قيام المؤمن بالتبشير داخل حدود الأخلاق المتعارف عليها بدون إكراه ولا إزعاج. فلو كان القرآن كلّه من قبيل هذه السورة أي بدون المساس بخصوصيّات الآخرين ولا سيّما مقدّساتهم غير المؤذية لاحترم الناسُ المؤلّفَ ولأعطوه الحقّ في التعبير عن مشاعره وعن إيمانه ولربّما اعتبروا القرآن كتاباً أدبيّاً من جهة ولاعتبروه من جهة أخرى كتاباً من كتب التديّن، لكنّ مؤلّف القرآن جعل من جميع مخالفي دينه أعداءً فشرّع ضدّهم ماشرّع وفرض الجزية على أهل الكتاب يدفعونها وهم صاغرون- أي أذلّاء. فبسبب تلكم التشريعات ولما تحفل به السيرة المحمّدية من ثقافة منحرفة يتعرّض القرآن وأخلاق مؤلِّفه للنقد والسّخرية والإستهجان في كلّ زمان ومكان.

وقرأت في تفسير القرطبي- إضافة إلى ما تقدّم- روايتين قد يظنّ بعض القرّاء الكرام أنهما من الغرائب، لكنّ المطّلع على وقائع التراث الإسلامي لا يستغرب شيئاً؛ مُختصَر الأولى: {وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جدِّه قال: إنّ لله تعالى مَلـَكاً يُقال له حِزقائـِيل، له ثمانية عشر ألف جناح… [إلى قوله] فأوحى الله إليه أيها المَلك، لو طِرْتَ إلى نفخ الصُّوَر مع أجنحتك وقوّتك لم تبلغ ساق عرشي. فقال الملك: سُبحان ربّي الأعلى فأنزل الله تعالى: “سبِّح اسم ربّك الأعلى” فقال النبي- ص: «اجعلوها في سجودكم» – ذكره الثعلبي في (كتاب العرائس) له} انتهت

أمّا الرواية الثانية: {وقيل: إنّ أول من قال “سبحان ربّي الأعلى” ميكائيل عليه السلام. وقال النبي- ص- لجبريل: «يا جبريل أخبـِرْني بثواب من قال: سبحان ربّي الأعلى في صلاته أو في غير صلاته» فقال: (يا محمد، ما من مؤمن ولا مؤمنة يقولها في سجوده أو في غير سجوده، إلّا كانت له في ميزانه أثقل من العرش والكرسي وجبال الدنيا، ويقول الله تعالى: صَدَقَ عبدي، أنا فوق كل شيء، وليس فوقي شيء، اشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت له، وأدخلته الجنة فإذا مات زاره ميكائيل كل يوم، فإذا كان يوم القيامة حَمَله على جناحه، فأوقفه بين يَدَي الله تعالى، فيقول: يا ربّ شفـِّعني فيه، فيقول قد شَفَّعْتُك فيه، فاٌذهبْ به إلى الجنة)} انتهت

وتعليقي: يكفي لدى المُوحِّدين كفراً قوله (يقول الله تعالى: اشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت له) فهل يبطل غفران الله ما لم يشهد الملائكة؟ كذلك قوله (إلّا كانتْ له في ميزانه أثقل من العرش والكرسي) فهذه مبالغة قد تجوز في حضرة مَلِكٍ أو حضرة صنم مقدّس لكنها لا تجوز في حضرة الله إذ لا شيء يسمو على الله ولا صفة تتفوّق على ما لله.

أعود إلى الأسجوعة لألقي بعض الضوء على قوله (سَنُقرِئُكَ فلَا تنْسَى ٦ إلَّا مَا شاء اللهُ إنَّهُ يَعْلمُ الجَهْرَ ومَا يَخْفى ٧) فاقتطفت من تفسير الطبري ما يأتي- باختصار: {والقول الذي هو أولى بالصواب عندي، قول من قال: معنى ذلك: فلا تنسى إلّا أنْ نشاء نحن أنْ نُنسيكهُ بنسْخه ورفعه. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن ذلك أظهَر معانيه. وقوله “إنّهُ يعلم الجَهْر وما يخفى” يقول تعالى ذكره: إن الله يعلم الجهر يا محمّد من عملك، ما أظهرته وأعلنته “وما يخفى” يقول: وما يخفى منه فلم تظهره، ممّا كتمته، يقول: هو يعلم جميع أعمالك، سِرّها وعلانيتها؛ يقول: فاحذره أن يطلع عليك وأنت عامل في حال من أحوالك بغير الذي أذِن لك به} انتهى

واقتطفت من تفسير القرطبي النقاط التالية:
1 “سنُقرئُك” أي القرآن يا محمد فنُعَلِّمُكَهُ “فلا تنسى” أي فتحفظ- رواه ابن وهب عن مالك. وهذه بشرى من الله تعالى بشَّره بأن أعطاه آية بيِّنة، وهي أن يقرأ عليه جبريل ما يقرأ عليه من الوحي، وهو أمّي لا يكتب ولا يقرأ، فيحفظه ولا ينساه. وعن مجاهد، قال: كان يتذكر مخافة أنْ ينسى، فقيل: كـَفـَيْتُكـَهُ. قال مجاهد والكلبي: كان النبيّ- ص- إذا نزل عليه جبريل بالوحي، لم يفرغ جبريل من آخر الآية، حتى يتكلم النبي- ص- بأوّلها، مخافة أن ينساها فنزلتْ: “سنقرئك فلا تنسى” بعد ذلك شيئاً، فقد كفيتكه.
2 عن ابن عباس: فلم ينس بعد نزول هذه الآية حتى مات “إلا ما شاء الله”
3 وقد رُوي أنه أسقط آية في قراءته في الصلاة، فحَسِبَ أُبَيّ أنَّهَا نُسِختْ، فسأله فقال: “إنّي نسِيتُها”
4 ثم قيل: هذا بمعنى النسخ أي إلّا ما شاء الله أن ينسخه. والاستثناء نوع من النسخ. وقيل: النسيان بمعنى الترك أي يعصمك من أن تترك العمل به إلا ما شاء الله أن تتركه لنسخه إياه. فهذا في نسخ العمل، والأول في نسخ القراءة.
5 وقوله “فلا” للنفي لا للنهي. وقيل: للنهي وإنما أثبتت الياء؛ لأن رءوس الآي على ذلك.
6 وقِيلَ: الجَهْر مَا حَفِظْته مِن القرآن فِي صَدْرك “ومَا يَخْفى” هُوَ مَا نُسِخ مِنْ صَدْرك.

تعليقي: أوّلاً- على قوله ( وهو أمّي لا يكتب ولا يقرأ) هو أنّ في كتب التراث أدلّة على خلاف ذلك؛
١ كان من مُعلّميه ومستشاريه القس ورقة بن نوفل والسيدة خديجة بنت خويلد (ابنة عمّ ورقة) وبحيرى الراهب ٢ عمله بالتجارة مع السيدة خديجة ما يلزم معرفة بالقراءة والكتابة- وفي أقلّ تقدير أنه تعلّمَهما منذ بداية عمله مع السيدة خديجة حتى بدء التخطيط لدعوته وهو في سنّ الأربعين ٣ توقيعه على معاهدة صلح الحُدَيبيّة ٤ طلبه أن يكتب- وهو على فراش الموت- كتاباً (لا تضلّ الأمّة من بعده) لكنّ طلبه جُوبه بالرفض بداعي الهذيان.
ثانياً- على قول ابن عبّاس: (فلم ينس بعد نزول هذه الآية حتى مات “إلا ما شاء الله”) فيه مُداراة على حال محمد من تناقض في مواقفه وقراراته. وقد اختلق محمد من الحجج النسيان والنسخ ليبرّر تغيير رأيه وتقلّب مزاجه، لكنّ اللافت في هاتين الحجّتين هو أنّ محمّداً نسبَهُما إلى مشيئة الله ضمانة له لكي لا يُلقي أحد المعترضين باللائمة عليه فيذعن لأوامر ربّ القرآن ويخضع، أي أنّ الله هو المسؤول عمّا يُنسي محمّداً فينسَخ ليأتي بالأفضل! وفي هذا الموضوع تساؤل مشروع: لماذا يُقرئُ الله (أو جبريل) محمّداً جملة ثمّ يُنسيه ليأتي بخير منها أو مثلها؟ فمعلوم أنّ الله حكيم وعليم بالغيب وقدير، لا نقص في أعماله وترتيباته ولا ريب ولا عيب فهذه متوقعة من خصال الإنسان ما لا يجوز الخلط بينها وبين الإمتيازات الإلهيّة- الكاملة بكلّ شيء والمنزَّهة. لذا فالحجج المُحمّديّة بالنسيان أو النسخ مكشوفة ولا أدري ما كانت في يد “الرسول” حيلة أخرى ليستكمل بها مشاريع الدعوة.

———————

في الحلقة القادمة قراءة في سورة الليل
____________________________

شكراً جزيلاً لكلّ من تفضّل-ت بالتعليق على مقالتي السابقة ولكلّ من تفضّل-ت بالتصويت

رياض الحبيّب

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

من البدايات إلى تحليل الخطاب

 نصر حامد أبو زيد  

البدايات:

كان حلم الأب أن أواصل تعليمي في الأزهر، بعد أن حفظت القرآن في كُتِّاب القرية. تبيّن للأب أنّ المسار طويل والعمر قصير فتحوّلتُ إلى التعليم المدني. ازدادت وطأة المرض على الأب وأنا على أبواب امتحان الإعدادية، فقرّر أن ألتحق بالتعليم الفنّي وحسنا فعل، فقد وافته المنيّة في 24 أكتوبر 1957، أي في بداية العام الدراسي. هذا مكّنني من الانخراط في المسئولية التي وضعتني فيها الظروف – مسئولية الإبن الأكبر – بعد الحصول على الدبلوم والعمل فنيا لاسلكيا. كانت القراءة متعتي الوحيدة ونافذة التواصل مع العالم لكسر وحدة “اليُتْم”. كتبت الشعر وحاولت كتابة القصة، لكنّ نهم القراءة ظلّ هو الحاكم.

تجربة “اليتم” تمثّل مستوى ما من الاغتراب، خاصّة في المجتمعات التي تخلو من نظام للرعاية الاجتماعية للمواطن. لكنّ هذه الغربة كان يخفّف منها الحياة في مجتمع يحاول النهوض. كانت ثورة 1952 تمثّل هذا الحلم بالنهوض، لكنّ ملابسات الصّدام، الذي حدث بين قادة الثورة وبين القوى الوطنية المختلفة، بسبب مسألة “الديمقراطية”، ألقت بظلالها على وعيي منذ منتصف الخمسينات. وهذا مستوى آخر للاغتراب، أسميته بداية “الحزن السياسي”، لأنّه لم يصل أبدا إلى حدّ التقاطع مع حلم النهوض. هزيمة 67 عمّقت هذا الاغتراب، وحوّلت الحلم إلى كابوس. كان انقلاب 1970 بمثابة النهاية، وتحوّل الاغتراب إلى جرح عميق، أعتقد أنه ما يزال ينزف.

 في الجامعة:

لم يفارقني حلم الأب، لكنه صار حلما من نوع آخر، انتهي بي إلى قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة، وكان هدفي قسم الفلسفة. كانت محاضرة الفلسفة في السنة الأولى مخيّبة لكلّ آمالي فقرّرت قسم اللغة العربية. أربع سنوات لليسانس (1968- 1972)، خمس سنوات للماجستير بعد السنة التمهيدية (1973-1977) ثم أربع سنوات للدكتوراه (1977-1981). كانت خطواتي متأنّية سعيا للإجادة. كثيرون من أقراني سبقوني كثيرا في الإنجاز، حتى صاروا رؤسائي الإداريين. لم أكن متعجلا. السنوات المشحونة، اجتماعيا وفكريا وسياسيا، تُبطِّئ من إنجازاتك، بحكم الانشغال بالهمّ العامّ. فقط هؤلاء الذين لا يعنيهم الشأن العام يخطون بسرعة.

قراءتي في الفكر الديني، قبل الجامعة، كانت لا بأس بها بتأثير فكر “الإخوان المسلمين”، الذي تأثّرت به في صباي الأوّل، خاصّة كتابات سيّد قطب ومحمد قطب. كنت مفتونا بكتابات القطبين عن القرآن والفنّ، وتفسير سيّد قطب “في ظلال القرآن” كان مدهشا ومذهلا بالنسبة لي. إلى جانب فكر الإخوان كنت قارئا نهما للعقاد وطه حسين ونجيب محفوظ. كان ببالي أن أدرس شيئا عن “النظرية الجمالية الإسلامية”، متأثّرا بكلّ هذه القراءات. تصادف أن قرأت عن أزمة “محمد أحمد خلف الله” في دراسته للفنّ القصصيّ في القرآن الكريم بإشراف الشيخ أمين الخولي، وكيف انتهت بفصله من الجامعة، وبحرمان أستاذه من الإشراف على رسائل في القرآن.

طبعا كنت على وعي بالأزمات التي أحدثتها بعض الكتب الجسورة، مثل كتاب علي عبد الرازق “الإسلام وأصول الحكم”، وكتاب طه حسين “في الشعر الجاهلي”، بل وعاصرت أزمة “خالد محمد خالد” في كتابه “من هنا نبدأ”، كما عاصرت أزمة كتاب “لويس عوض” “في فقه اللغة العربية”. كلّ هذا غير توجّهاتي فقرّرت أن أكون “ناقدا أدبيا”.

ما لا يعرفه الناس، أنّ مجلس قسم اللغة العربية هو الذي أعادني إلى الاتّجاه الأوّل: أعني دراسة القرآن من مدخل الأدب، حيث قرّر مجلس القسم أنّني يجب أن ألبّي حاجة القسم إلى متخصّص في الدراسات الإسلامية، وإلا عليَّ أن أبحث لنفسي عن عمل آخر، غير أن أكون معيدا. شرحت لمجلس القسم مخاوفي من الدراسات الإسلامية، فلقيت نوعين من ردّ الفعل: تطمينات بأنّ ما حدث في الماضي كان سببه خلافات شخصية بين الأساتذة. طبعا هذا كلام لا يقنع أحدا، فطرحت التساؤل: ما الذي يضمن عدم تكرار هذه الخلافات في المستقبل؟ وهنا لقيت ردّ الفعل الساخر: أتظنّ أنك ستأتي بما لم يأت به الأوائل؟ كان ردّي: أليس هذا هو ما يجب أن أفعل، أليس هذا معنى البحث العلميّ!

مسارات البحث عن المنهج:

انتهي الأمر باقتراح موضوع “قضيّة المجاز في القرآن عند المعتزلة”، جامعا بين ولعي بالفلسفة والأدب من جهة، وبين احتياج قسم اللغة العربية لمتخصّص في الدراسات الإسلامية من جانب آخر. لم أكن أعرف بعد منهج تحليل الخطاب، أو غيره من المناهج، إنّما حاولت معالجة موضوع البحث بجدّية وأناة، بالإفادة من كلّ الأساتذة إلى جانب المشرف، وعدم الانغلاق في مسمّى “التخصّص”. كلّ ذلك قادني إلى مسألة المنهج. وفي هذا الكتاب الأوّل، الذي نشر بعنوان “الاتّجاه العقلي في التفسير” (المركز الثقافي العربي، بيروت والدار البيضاء، عدّة طبعات) جنوح أكثر نحو منهج التحليل التاريخيّ الاجتماعيّ، باعتبار الأفكار ثمرة العلاقة الجدلية بين حركة الواقع وموقف هذا المفكّر أو ذاك من هذا الواقع. إلى حدّ كبير، كنت متأثّرا بهذه العلاقة الجدلية بين الفكر والواقع، لا على أساس الانعكاس الآليّ للبنية التحتية في بنية فوقية. كنت أسخر من هذا التصوّر الآليّ للعلاقة بين الفكر والواقع. كانت هذه بداياتي مع “المنهج” ومشكلاته.

القاعدة التي وضعها المعتزلة – قاعدة التأويل المجازيّ لكلّ ما يتناقض مع العقل في منطوق القرآن – ما تزال قاعدة راسخة، أفاد منها الفكر الإسلاميّ على طول تاريخه. الأشاعرة يؤوّلون كلّ آيات الصفات، ويختلفون مع المعتزلة في تأويل ما يتّصل بخلق الأفعال وحرية الإنسان، أي يختلفون مع المعتزلة حول مسائل تختصّ بالإنسان. المتشدّدون الحنابلة وحدهم هم الذين يرفضون التأويل المجازي، بدعوى أنّ المجاز قرين الكذب، وأنّ القرآن منزّه عنه. إنّ إنكار وجود المجاز في القرآن يُخلّ إخلالا بالغا بقضية الإعجاز، التي تعتمد أساسا على التفوّق الأسلوبيّ والبلاغيّ للغة القرآن.

هذا الأساس العقليّ للتأويل المجازيّ – الذي وضعه المعتزلة – بدأ مسيرة في تاريخ التفسير، لم ولن تتوقّف. سيظلّ الخلاف قائما حول التطبيق، وليس حول القاعدة. في العصر الحديث، وبفضل إسهامات محمد عبده، ثمّ أمين الخولي، إلى سيّد قطب، تطوّر مفهوم “المجاز” إلى مفهوم “التصوير”. ولسيّد قطب كتابات عن “التصوير الفنّي” و”مشاهد القيامة” في القرآن. المشكلة الآن هي محاولات تقويض المشروع العقلاني واستبعاده من أفق الخطاب الديني الراهن. وهو الموضوع الذي ستثيره المقالة التالية.

النتائج التي توصلت إليها في هذه الدراسة الأولي أثارت أسئلة من قبيل: إلى أيّ حدّ يمكن القول إنّ منهج تأويل النص الدينيّ يعتمد على مقاربة موضوعية؟ ولماذا اتّفق المتجادلون، حول معنى القرآن، على تقسيمه إلى “محكم ومتشابه”، ثم تشعّبت بهم الطرق، واختلفوا حول تحديد “المحكم” وتمييزه عن “المتشابه”؟ لماذا صار “محكم” المعتزلة “متشابها” عند خصومهم، والعكس صحيح؟ وهل الخلاف حول “بؤرة المعنى” في القرآن مجرّد خلاف لاهوتيّ؟ أم أنّ هذا الخلاف اللاهوتيّ يعكس اختلافا في مواقف الجماعات المختلفة من الواقع الاجتماعيّ السّياسيّ الثّقافيّ؟

تأكّدت هذه الافتراضات، التي انطلق منها البحث، من خلال الكشف عن حقيقة أنّ الاختلاف حول الواقع السياسيّ، منذ مقتل الخليفة الثالث – عثمان بن عفان – وما تلاه من حروب، مثل “الجمل”، و”صفين”، كان هو الباعث الأوّل للنقاش اللاهوتي.

هذه النتائج، التي توصّل إليها الباحث في بحثه الأوّل، وجّهته إلى محاولة اكتشاف منهج التأويل في فضاء آخر، هو فضاء الفكر الصوفيّ، مفترضا أنّ الفضاء الصوفيّ فضاء روحيّ خالص. من هنا قمت بدراسة “تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي”. لكنّ النتائج لم تختلف كثيرا، أعني من حيث تأثير مشكلات الواقع في وعي المفسّر أو لاوعيه. الاستجابة الصوفية مختلفة، بحكم اختلاف المنحى الفكريّ من جهة، وبحكم اختلاف الواقع السياسيّ الاجتماعيّ من جهة أخرى، حيث أثّر مناخ الأندلس التعدّدي من جهة، وظروف حروب “الاسترداد” من جهة أخرى، في تشكيل طبيعة الوعي الصوفيّ وفي صياغة المعنى الدينيّ عند ابن عربي.

 مفهوم النصّ:

كما ذكرت من قبل، كنت واعيا للمخاطر الماثلة في التعامل مع مشكلات التفسير والتأويل من منظور نقديّ، لكنّني كنت في نفس الوقت مدركا لضرورة التعامل مع أسئلة من نوع “طبيعة” النص الديني، حدود قابليته للتأويل، وضوابط هذا التأويل.

انبثقت هذه الضرورة من حقيقتين: أوّلا، من النتائج التي توصّلت إليها في أبحاثي عن تاريخ الـتأويل في بعديه اللاهوتيّ والصوفيّ، وهي نتائج كشفت عمليات التلاعب الدلاليّ في إنتاج المعنى. الحقيقة الثانية: أنّ المعنى الدينيّ في الواقع المصريّ العربيّ، الذي عشته في عقدي الستّينات والسّبعينات من القرن الماضي، كان موضوعا لتأويلات شتّى من الاشتراكية والقومية إلى الحاكمية والإسلاموية.

كان السؤال الجوهريّ الذي انبثق في الدراسة الثالثة – “مفهوم النصّ” – هو “ماهية القرآن” ومنهجية مقاربته. في تصوّري أنّ التلاعب الدلاليّ ممكن في حالة عدم تحديد ماهية النصّ تحديدا يعتمد على الحقائق التاريخية والثقافية التي تولّدت في رحمها النصوص. حين أقول “تولّدت في رحمها” أفترض أنّ القارئ يفهم أنّني لا أنكر إلهية المصدر؛ مفهوم “البذرة” أو “البذور” التي تتولّد في رحم التاريخ والثقافة يحيل إلى الجدل الإلهي/الإنساني في عملية الوحي وفي صياغة المعنى.

السؤال صعب، والأمر عويص. لكنّ البحث فيه ليس مستحيلا في ضوء إرهاصات تراثية لاهوتية/فلسفية/صوفية تسمح للباحث المعاصر بالتواصل مع إنجازات الفكر الإنساني في أرقى تعبيراته. ولا ننس أنّ ثمّة محاولات بذلت في الفكر الإسلامي النهضوي الحديث، في إيران والهند والعالم العربي، لطرح بعض هذه الأسئلة عن طبيعة النصّ الدينيّ، وضرورة إنجاز منهج للتأويل يفتح معنى النص للإجابة عن أسئلة معاصرة. منطلقا من الإنجازات التراثية والنهضوية، متواصلا مع الفكر الإنساني، لم أتخيّل أنّني أرتكب أمرا محظورا. ما أزال متيّقنا أنّ تحقيق إصلاح فكريّ جوهريّ في الفضاء العربيّ الإسلاميّ غير ممكن دون الدخول في هذه المناطق. إنها محظورة لأنها تهدّد عروشا سياسية واجتماعية وثقافية كثيرة، لكنها ضرورية لتحقيق نهضة مستدامة.

 من النصّ إلى الخطاب:

ولعلّ القارئ لا يعرف أنّني، وإن انطلقت في كتاب “مفهوم النصّ” من اعتبار القرآن “نصّا” يمكن تأويله وفق إجراءات منهج تحليل النص، باعتبار النصّ أساسا “بناءً لغويّا” ثقافيا/تاريخيا، فإنّني قد طوّرت هذا المفهوم في السنوات الأخيرة، خاصّة بعد إدراكي أنّ مفهوم النص يتضمّن مفهوم “المؤلّف”، كما يتضمّن مفهوم “الوحدة” القائمة على التناسق البنيويّ للأجزاء، هذا فضلا عن مفهوم “القصد”.

هذا المفهوم الكلّيّ – مفهوم النص – بما يتضمّنه من مفاهيم جزئيّة، انبثق منذ اللحظة التاريخية الأولى، التي تمّ فيها تدوين القرآن في “المصحف”، بترتيبه الحالي، وتقسيمه إلى سور، يتضمّن كلّ منها نصوصا تنتمي إلى مناسبات تاريخية مختلفة. وبسبب هذا التحوّل الشكليّ من “قرآن” إلى “مصحف”، قام علم التفسير على محاولات تأكيد التناسق بين الأجزاء، بافتراضات لعلّ أهمّها ثنائيتا: “المحكم والمتشابه”، و”الناسخ والمنسوخ”، وهي افتراضات عمَّقت الاختلاف ولم تحقّق هدف “الانسجام” بين الأجزاء.

لاحظت أيضا أنّ المفسّرين المحدثين يختلفون فيما بينهم في تحديد “بؤرة الدلالة” القرآنية بصفة عامّة، حيث يصرّ بعضهم على تحديدها في الأبعاد الروحية والأخلاقية، بينما يصرّ آخرون على تحديد البؤرة الدلالية في الأحكام والتشريعات. كلّ هذا دفعني إلى مراجعة مفهوم النصّ، بالمعنى المشروح أعلاه، بالعودة إلى الطبيعة التداولية الأولى للقرآن، أي بالعودة إلى الظاهرة القرآنية قبل أن تتّخذ شكل “كتاب” أو “مصحف”.

تكشف هذه الطبيعة التداولية أنّ القرآن مجموعة من “الخطابات”، التي تمّ جمعها وترتيبها بشكل لم تكتشف أسسه بعد، نتيجة التسليم بأنّ هذا الترتيب “توقيفيّ”، أي أنّه ترتيب إلهيّ. لكنّ هذا التسليم “الإيمانيّ” لا يعني أنّ البحث عن “علّته” يناقض الإيمان، فالبحث عن العلّة هو محاولة لاكتشاف “الحكمة الإلهية” وهذا من صميم الإيمان.

 تحليل الخطاب:

العودة إلى الطبيعة التداولية للكشف عن مستويات المعنى، وحدود الدلالة، يستلزم منهج “تحليل الخطاب”، بما يتضمّنه المنهج من الكشف عن الأصوات البارزة والمضمرة في كلّ خطاب على حدة، والكشف عن “دليل الخطاب” و”فحوى الخطاب” و”نمط الخطاب”. منهج تحليل الخطاب يعني أنّ كلّ خطاب هو في النهاية “نصّ” لغويّ، ومن هنا “تركيبية المنهج” المطلوب. وليس معنى هذا المنهج التحليلي تجزيئ الظاهرة القرآنية، ولكنه يعنى أنّ الكشف عن “الكلانية” لا يتمّ إلا بتحليل الأجزاء. وهذا مخالف للمنهج الكلاسيكيّ الذي يفترض “الكليانية” ثمّ يفرضها على كلّ الأجزاء دون تمييز. المنهج الكلاسيكي افترض الكليانية على أساس لاهوتيّ، وليس على أساس تحليليّ، ومنهج “تحليل الخطاب” يحاول الاقتراب من الظاهرة القرآنية قبل الصياغات اللاهوتية والتشريعية، أو الفلسفية والأخلاقية، الـ”بعد قرآنية”. بل يزعم منهج “تحليل الخطاب” أنّه قادر على تحليل تلك الصياغات “البعد قرآنية” تحليلا نقديا.

المنهج – تحليل الخطاب – يوظّف التحليل اللّغويّ للنصوص، ولا يكتفي به؛ فاللغة في الخطاب تتجاوز دلاليا حدود العلامة اللغوية حين تحوّلها إلى علامة سميوطيقة فيما يعرف بالسمطقة. من هنا توظيف السميوطيقا. هدف “التأويل” هو تحقيق الفهم العميق للظاهرة، لكنّ هذا الفهم لا يجب أن يزعم لنفسه الهيمنة بادّعاء الحقيقة النهائية، أو الصحّة المطلقة. تعلّمنا الهرمنيوطيقا الدرس الذي يجب ألا ننساه: كلّ تأويل مشروع طالما ينطلق من التواضع وعدم ادّعاء الموضوعية المطلقة، التي لا وجود لها: ليست الحقيقة – أقصد المعنى – قارّة في النصوص الظواهر، وليست في عقل المفسّر ووعيه، بل هي ناتج هذا التفاعل الجدليّ بين المفسر – لا الفرد بالمعنى الفرويدي بل الفاعل الاجتماعي – وبين الظاهرة/النصّ.

نصر حامد أبو زيد(مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

إشكالية العقل والوحي (النقل)

 نصر حامد أبو زيد 

العقلانية البرجماتية:

يختلط الأمر في ثقافتنا الشائعة الراهنة بين “التفكيك”، بمعنى التحليل النقدي، وبين “التفكيك”، بمعنى الهدم، حيث يتصوّر الناس أنّ الفهم النقديّ يعني “النقض” بالضاد. وترتبط كل هذه الالتباسات والتشوّشات في الوعي السائد بمفهوم “العقلانية”، الذي يتصوّره عامّة الناس نقيضا للوحي والإيمان. ومع ذلك فلا بدّ من تأسيس “العقلانية” وترسيخها في الوعي العامّ إذا كان لهذه الشعوب، التي ننتمي إليها، أن تكون جزءا من العالم المعاصر، جزءا منتجا مساهما في صنع الحضارة، لا مجرّد مستهلك لأدواتها. تأسيس العقلانية مهمّة صعبة، وليست مستحيلة؛ ذلك أنّ الفكر الخرافيّ يمرح في مناطق بعينها في ثقافتنا، بينما يمرح في مناطق أخرى فكر يبدو عقلانيا، ولكنّها العقلانية البرجماتية التي لا تستغني عنها الحياة.

بعبارة أخرى، من المستحيل في العالم المعاصر أن تخلو الحياة اليومية من سلوكيات ذات طبيعة منتظمة: يحتاج الإنسان للخروج إلى العمل، وللوصول إلى مكان العمل، ولتدبير شئون حياته اليومية، وكلّ ذلك لا يتمّ بغير درجة من درجات التعقّل. تسيطر هذه العقلانية البراجماتية في مجال البيزينس مثلا – فكر رجال الأعمال – حيث الحاجة ملحّة إلى نمط من الفكر الليبراليّ، الذى ينتمي لمجال العقلانية. لكن علينا أن نؤكد أن هذه اليبرالية الاقتصادية تمّ تقبّلها في عالمنا بحكم الضغوط الكوكبية، أي أنّها ليبرالية مقيدة بحدود “آليات السوق”. إنّها ليبرالية براجماتية، منزوعة الصلة بالليبرالية الفكرية، التي تأسّست عليها الليبرالية الاقتصادية في أوروبا.

في الفكر السياسي تمّ قبول “الديمقراطية” أداة للحراك السياسي، لكنها ديموقراطية إجراءات وانتخابات، يسهل تزييفها بسبب انتفاء أهم شروطها، الحريات الفردية والفكرية. كل هذه العقلانية البرجماتية، التي لا غنى عنها لسير الحياة، تتبدّد أشلاء حين يقترب أيّ مفكّر من مجال الظواهر الدينية؛ ذلك أنّ “العقلانية” – في الوعي السائد – ضدّ الدين، تأسيسا على وهم أنّ التفكير يفضي إلى اهتزاز الإيمان، وربّما ينتهي إلى الكفر والإلحاد. هكذا يتعلّم أطفالنا في المدارس، وهكذا تضخّ الفضائيات سمومها ضدّ العقل والتفكير. ومع ذلك فلا خلاص لنا إلا بفضّ هذا التنازع والعداء بين العقل والدين (الوحي). يقول المشايخ هذا ما قاد أوروبا إلى الإلحاد، وهؤلاء العقلانيون لا ينتمون لثقافتنا التي هي ثقافة “الوحي”.

الوحي والشعر:

صحيح أن الثقافة العربية – تاريخيا – هي ثقافة الوحي، بمعنى أنّ “الوحي” يمثّل فيها معطى أوليا – أشبه بالبداهة – خاصة بعد أن استقرّت سلطته بإزاحة الشعر عن مكانته في القرن السابع. كان الشعر “ديوان العرب”، وكان “علم قوم لم يكن عندهم علم غيرهم”، كما يقول النقاد الكلاسيكيون. حلّ “الوحي” الإلهي محلّ الشعر بإزاحته إلى فضاء “الوحي الشيطانيّ”: يهدف الوحي الإلهيّ إلى “الهداية”، بينما يفضي الشعر إلى “الغواية” (والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كلّ واد يهيمون، وأنهّم يقولون ما لا يفعلون؟).

جدلية الوحي والعقل عند المسلمين:

يجب الحذر كذلك من وضع العلاقة بين العقل والوحي في صيغ دوغمائية ثنائية حادّة، مثل ثنائية “الظلاميّ” و”التنويريّ”. الأمور أكثر تعقيدا من هذه التبسيطات. ففي تاريخ الثقافة الإسلامية لم تكن إشكالية العقل والنقل تنبني على أساس إمّا هذا وإمّا ذاك، بل كان السؤال هو سؤال تحديد طبيعة العلاقة بين الطرفين – العقل والوحي – دون إلغاء أحدهما.

لم ينكر أحد من أنصار “النقل” أهمية العقل، إذ بدون حكم العقل لا يثبت صدق الوحي، من هنا تحدّد دور العقل عندهم – بعد إثبات صدق الوحي – في استنباط الأحكام والتشريعات من الوحي. أنصار “النقل” يؤكّدون أنّ الوحي لم يترك صغيرة ولا كبيرة في شئون الحياة – في الحاضر والمستقبل – إلا أحصاها وبيَّنَها إمّا بشكل مباشر وصريح، أو دلّ على طريق بيانها بنصب الدلائل المفضية إلى استنباطها.

دور العقل عند هؤلاء هو إثبات الوحي، ثمّ تنحصر مهمّته بعد ذلك في البحث عن الحلول فيه. يمكن القول إنّ هذا موقف الفقهاء، وعلماء أصول الفقه بصفة عامّة، مع وجود بعض الفروق التفصيلية في هذا المذهب أو ذاك، وبين هذا الفقيه أو ذاك. إنها باختصار الرؤية التشريعية للإسلام، حيث “الواجب والمُحَّرم والمندوب والمكروه” هي الجهات الأربع التي تحيط بالمباح في عالم الإنسان “المُكَلَّف”، الذي يتحدّد مصيره الأخرويّ في مدى الطاعة – أو العصيان – داخل هذه الحدود.

أنصار العقل، من جهة أخرى، لا ينكرون مرجعية الوحي، بل ينكرون شمولية الوحي في تقديم حلول لكل النوازل في الحاضر والمستقبل. هناك الكثير من الأمور المتروكة لمرجعية العقل، ومنها أو على رأسها تأويل “الوحي” طبقا لمرجعية العقل، وذلك في حالة وجود تعارض “ظاهري” – هكذا يؤكّدون جميعا أنّ أيّ تعارض هو تعارض ظاهريّ فقط – بين العقل ومعنى الوحي. العقل قادر وحده – يؤكد أنصار العقل – على الوصول للمعارف الكلية الأساسية فيما يتصل ببنية الكون (الفيزيقا)، وما وراء الكون (الميتافيزيقا). العقل قادر وحده كذلك على معرفة الخير والشرّ، والحسن والقبح في الأفعال والسلوك الإنسانيّ؛ فالعقل في النهاية هو شارة الإنسانية، تمييزا للإنسان عن الحيوان. لكنّ هذا العقل يحتاج للوحي ليساعده في معرفة التفاصيل الكمية والكيفية التي من خلالها يمكن للإنسان آداء ما وصل إليه العقل من “تكليف” بوجوب شكر المنعم الواهب للعقل وللوحي معا.

بين الموقفين موقف ثالث هو موقف الصوفية – أهل الله – حيث العقل على أهميته وحيويته ليس كافيا، وحيث الشريعة وسيلة وليست غاية. للعقل حدّ يقف عنده، فالعقل لا يُمَكِّن الإنسانَ من معانقة الحقيقة، وإن كان يعرِّفه بها تعريفا تجريديا. بالعقل يعرف الإنسان ما يجب وما لا يجب أن يُنْسَب إلى الله من صفات وأسماء، ولكنّه لا يقرِّب الإنسان من الله، الذي هو بنصّ القرآن “أقرب إليه من حبل الوريد”. الشريعة من جهة أخرى مجرّد طريق – وهذا هو المعنى اللغويّ الأصليّ لكلمة شريعة – يجب أن يكون له غاية يفضي إليها. الشريعة إذا لم تؤدّ إلى غايتها – وهي الحقيقة المُعايَنة المُشاهَدَة – تصبح ممارسات شكلية لا جدوى منها، مثلها مثل المعرفة التجريدية، التي يؤدّي إليها العقل. هكذا أسّس الفكر الصوفي مفهوم “التجرية الروحية”، لا كبديل للعقل والشريعة، بل كطريق لتعميقهما، وتجاوز التعصب لأحدهما على حساب الآخر.

جدلية الداخل والخارج:

لا يمكن الفصل بين “الداخل” و”الخارج” في مناقشة إشكالية العقل والوحي، لا في تجلّياتها وتعبيرتها التاريخية، ولا في السياق الذي تثار فيه الآن. يكفي أن نذكر محاضرة بابا الفاتيكان، التي أثار فيها لاعقلانية الفكر الإسلامي، استنادا إلى قول أمبراطور بيزنطة في القرن الثاني عشر. المواقف الثلاثة، التي ذكرناها في الفقرة السابقة، لم تتحدّد في سياق التاريخ الثقافي الإسلامي بمعزل عن التواصل مع العالم الخارجي. العرب المسلمون، الذين حملوا الإسلام خارج الجزيرة العربية ليقيموا إمبراطوريتهم، حملوه كشتلة – فسيلة – قابلة للنموّ والنماء؛ فنمت في سياقات ثقافية وحضارية متباينة، وارتوت من عصير تلك الثقافات والحضارات؛ فنشأ علم الكلام تاليا للفقه أو موازيا له، وتطوّر علم الكلام إلى الفلسفة بدءا من الكندي. وانقسمت الفلسفة إلى مدارس واتجاهات إشراقية ومشائية. ونشأ التصوّف من الزهد وتطوّر إلى نظرية “الحبّ” عند رابعة العدوية، ثمّ العرفان عند “ذي النون المصري”، حتي وصل إلى البناء الفلسفي الشامخ عند “ابن عربي”. هذا فضلا عن نشأة علم التاريخ والجغرافيا والرياضات والطب، وتطور الشعر وانبثاق أشكال جديدة للقصيدة، وتطور فنّ العمارة، وازدهار الغناء والموسيقى.

كل ذلك لم يكن يمكن أن يتحقق لو بقي العرب والإسلام داخل حدود الجزيرة العربية، ولو لم تساهم كل تلك الشعوب بتراثها وثقافتها وحضارتها في تخصيب شتلة الإسلام التي حملها العرب. المشكلة في العصر الحديث أن العالم الإسلامي بعد أن استيقظ – من فترة سبات، طالت قرونا عديدة، تجمد فيها النقاش – على وقع أقدام الغرب المتطور، المتقدم، تطأ أرضه غازية مستعمرة، وقع في تناقض لم يخرج منه حتى الآن: لا تقدم إلا بالتعلم من نفس هذا العدو، الذي يجب في نفس الوقت أن أحاربه. هذا التناقض لم يحل، حتى الآن، بالتمييز مثلا بين الأطماع الاقتصادية السياسية للغرب، وبين التقدم العقلي والعلمي والتقني، الذي أحرزه. لكن علينا أيضا ألا ننسى أو نقلل من شأن الخطاب الاستعماري المتعالي – بل والعنصري أحيانا – لهذا الغرب في نظرته للشعوب التي استعمرها. ارتبطت النظرة المتعالية بادعاء تنويري لإنقاذ الشعوب المتخلفة من تخلفها.

الموقف الداخلي في العالم الإسلامي عموما، والعالم العربي على وجه الخصوص، اتسم بالتوتر نتيجة هذه العلاقة الملتبسة بالغرب. هذه قصة طويلة يمكن اختصارها في الحلول التي اقترحت، وما تزال مطروحة، مع تفاوت قوة الأصوات المعبرة عن كل منها آنذاك والآن:

الصوت الأول الذي كان له الحضور في القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين – وهو الصوت المستمر إلى الآن وإن بنغمة سلفية تقليدية – هو صوت “الإصلاح”: التعلم من الغرب بالقدر الكافي الذي يؤهل العقول لتجديد الفكر الإسلامي، وبعث الحيوية التي كانت فيه في عصور الازدهار والقوة. الصوت الثاني الأضعف آنذاك صوت أصحاب وجوب اتباع خطى الغرب حذوك النعل بالنعل: هذه هو سبيل التقدم ولا سبيل سواه. لكن هذا الصوت الأضعف لم يكن – كما يشاع الآن – معاديا للدين، بل كان يرى الدين أمرا شخصيا بين الفرد وربه.

تأزم الموقف وتباين الأصوات:

وفي حين ركز الصوت الأول – صوت الإصلاح – وما يزال على الهوية الإسلامية، باعتبارها الهوية الحضارية لكل شعوب المنطقة مسلمهم وغير مسلمهم، ركز الصوت الثاني على هوية “المواطنة” بعيدا عن الدين. كان السجال بين الصوتين سلميا، في مناخ شبه ليبرالي، حتى كان إلغاء الخلافة، وإعلان تركيا جمهورية علمانية. كان ذلك بداية التأزم والاحتقان في سؤال الهوية: فشلت محاولات إقامة خلافة جديدة، بسبب ادعاء كل حاكم أنه الأولى بالمنصب الشاغر. وحوكم “علي عبد الرازق” محاكمة دينية على كتابه في مصر التي كانت ما تزال شبه ليبرالية. كشفت هذه المحاكمة، وما قبلها وما بعدها، عن بنية هشة لدولة ونظام سياسي يسير بساق ليبرالية وبأخرى ثيوقراطية.

تصاعدت في الهند نغمة تأكيد الهوية الإسلامية، ضدّا للهوية للوطنية، في خطاب أهمّ فلاسفة الهند في القرن العشرين، “محمد إقبال” الأب الأكبر الداعي لإنشاء دولة للمسلمين، فلم يمض 17 عاما على خطابه ختى تم إنشاء دولة “باكستان”، التي لم يشهد هو مولدها.

بعد الحرب العالمية الثانية، تم إنشاء وطن لليهود في فلسطين بمساعدة أوروبا العلمانية، في نفس عام إنشاء باكستان. مع فارق مذهل بين الحالتين؛ حيث قام الوطن القومي لليهود على طرد شعب آخر من أرضه وتحويل أغلبه إلى لاجئين.

أزداد الاحتقان في سؤال الهوية، وما زال يتزايد، حتى تم اختصارالهوية تدريجيا في إسلام “الشريعة”، أو الرؤية التشريعية للإسلام. صارت “الشريعة” هي الممثل الوحيد للإسلام، بديلا عن الرؤي المتعددة التي كانت بدورها تمنح الرؤية التشريعية في الماضي خصوبة تفتقدها الآن. في غياب الرؤى الأخرى فقدت الرؤية التشريعية ديناميتها، وصارت نداءات فجة وعقيمة لتغطية المرأة وإخراجها من حيز الفضاء الاجتماعي. وأخيرا تحولت “الشريعة” إلى سلاح لمطاردة المفكرين والمثقفين والمبدعين، ومحاكمة أي خروج على ثوابت وضعية، وضعها بشر ليسوا هم الأذكى ولا الأعلم ولا الأكثر حكمة، بل هم حلفاء كلّ السلطات العسكرية العشائرية المشيخية الديكتاتورية التي تستريح لوهم أنها تمثل الإسلام وتدافع عنه. المشكلة في الأساس هنا في الداخل، وليست هناك في الخارج، مع تأكيد أن الفصل بين الهنا والهناك، بين الداخل والخارج، في هذا العصر نوع من الهذيان.

أعداء العقلانية وسلطة النصوص:

لأن العقلانية ضد الاستبداد، وضد الشمولية، ناهيك عن عدائها للعنصرية، والعصبية للدين أو المذهب أو الجنس أو العرق، فإن عليها أن تواجه العداء من كل هذه الأقطار. كل هذا القيم المضادة للعقلانية قيم ترسخت في الثقافة السياسية والدينية والاجتماعية، وإن تجملت باتخاذ أسماء أخرى: مثل تقاليدنا الراسخة، قيمنا الدينية والأخلاقية العريقة، احترام الكبير وتوقير أولي الأمر. إنه “الثبات”، ضنمنا المقدس، و”الثوابت” أبقارنا المقدسة. يتنفس أطفالنا هذه القيم من لحظة الميلاد، يتلقنونها في المدرسة، تُضخُّ في أسماعهم من أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية ليل نهار. وحين ينضجون ويبدأون رحلة التعليم الجامعي يجدون المحرمات والممنوعات أكثر من المباحات والمسموحات. إنها الدائرة الجهنمية التي تعيشها مجتمعات “التكفير”، باسم حماية الدين، وحماية العقائد والمقدسات، والحرص على الثوابت. باختصار إنها المجتمعات التي تجرِّم التفكير لتفسح للفساد أن يمرح فيها. هذا كله يعني الحاجة الملحة لحرث التربة حرثا كاملا.

لا يمكن تأسيس العقلانية دون الدعوة للتحرر من سلطة النصوص، سلطة الماضي الطاغية التي تحتمي بها الديكتاتورية والطغيان والاستبداد، ويزدهر تحت مظلتها الفساد. التحرر من سلطة النصوص ليس إلغاء للنصوص أو دعوة للتخلص منها، بل دعوة لتسليط ضوء العقل عليها، وقراءتها قراءة سياقية في ضوء تاريخها وتاريخ الفاعلين الاجتماعيين الذين أنتجوها. النصوص الدينية – القرآن والأحاديث النبوية – لها سياق لا يصح تجاهله أيضا، وهذه النصوص الدينية تكتسب سلطتها لا بذاتها. هي في ذاتها لا سلطة لها، إنما منحها البشر، الذين يؤمنون بها هذه السلطة. بعبارة أخرى، إنها السلطة الإنسانية، النابعة من الإيمان، هي التي تُضْفَى على النوص.

لكن “الإيمان”، وحده، لا يحول النصوص إلى سلطة. تتحول النصوص إلى “سلطة” حين يتأسس الإيمان في شكل مؤسسات، ويتم تقنينه لاهوتيا. وهذا يحدث في سياقات تاريخية، ترتبط غالبا بالخلافات السياسية والاجتماعية داخل مجتمع “الإيمان”، أو بين مجتمع “الإيمان” وبين مجتمعات “إيمان” أخرى. داخل مجتمع الإيمان، يراد التمييز بين التصورات والشروحات والممارسات المتعددة؛ فتقوم السلطة السياسية بفرض “عقائدها”، واعتبار العقائد والممارسات الأخرى بِدَع أو هرطقات. وقد رأينا، في تاريخ الدولة العباسية مثلا كيف كانت عقيدة المعتزلة، في “خلق القرآن”، عقيدة الدولة، ثم استحالت “هرطقة” ترقى إلى درجة الكفر، بعد أقل من ثلاثة عقود ليس إلا.

هذا التميز السلطوي بين التصورات والشروحات المتعددة، باحتكار واحد منها بوصفه “الحقيقة”، التي لا حقيقة سواها، يتم في سياق أكبر وأوسع، هو الصراع مع المجتمعات غير المسلمة، سواء داخل المجتمع أو مع مجتمعات خارجه، الإمبراطورية البيزنطية على سبيل المثال. هذا يفضي إلى النتيجة التي فحواها أن التحرر من سلطة النصوص هو التحرر من السلطات التي احتمت وتحتمي بتأويلاتها، زاعمة أن هذه التأويلات هي “النصوص” بلا زيادة ولا نقصان. الدكتور حسن حنفي له عبارة طريفة ولكنها دالة – وهو مشهور بصياغة أمثال هذه العبارات الطريفة الدالة – “احتمينا بالنصوص فدخل اللصوص”.

من هنا، يجب أن تفهم هذه الدعوة للتحرر من سلطة النصوص، بالتركيز على كلمة “سلطة”، لا بالتركيز على كلمة “نصوص”. السلطة قيمة مضافة بفعل الفكر الإنساني، أبوية النصوص هي أبوية السلطات التي تدعيها، وحضن النصوص هو حضن السلطات التي تستتر وراءها. كل ذلك يحتاج لتفكيك. يبقى “الإيمان” الحر هو الحماية الحقيقة، أعني الإيمان الذي هو “العقد” – من هنا كلمة عقيدة – بين الفرد أو الجماعة وبين نصوصها المقدسة، دون وساطة أي سلطة، بما فيها سلطة المثقف أو المؤول.

نصر حامد أبو زيد(مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | 3 Comments

العبودية في الإسلام 13

سردار أحمد 

العبودية في الإسلام  الحلقة الثالثة عشر:
أمثلة عن سلوك سادة الإسلام ورموزه وطريقة تعاملهم مع العبيد ج2:
أكتب هذه الحلقة استكمالاً للحلقة السابقة المتعلقة بأخلاق وسلوكيات المسلمين وطريقة تعاملهم مع الجواري والعبيد، وكنت قد كتبت في الحلقة الماضية عن النبي محمد والخليفة عمر بن الخطاب، واليوم استكمل الحديث عن من بقي من الخلفاء الراشدين، وعن بعض الشخصيات الأخرى من التاريخ الإسلامي بشكل مختصر.
أبو بكر الصديق:
في الحلقة الماضية كتبت عن عمر بن الخطاب ولم أراعي التسلسل بِذكر أبو بكر قبله، كون عمر كان أكثر عنصرية وهمجية في التعامل مع العبيد والجواري، وحكمه دام سنوات أطول بخلاف أبو بكر الذي دامت خلافته سنتان وثلاثة أشهر ونصف الشهر.
وأبو بكر كغيره من البدو المسلمين لم يكن مع قتل المرأة في حالات الغزو والسبي والأرتداد عن الدين الإسلامي، وذلك ليس بسبب كونها ضعيفة كما يدعون، بل لكي يغتصبوها ويستمتعوا بجسدها ولتكون سلعة مادية قيمة في أسواق النخاسة.
قيل عن المرتدين في شرح النووي على مسلم- الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إلاه إلا الله ص91: “هؤلاء هم الذين سماهم الصحابة كفارا ولذلك رأى أبو بكر رضي الله عنه سبي ذراريهم وساعده على ذلك أكثر الصحابة.”
وقيل نحوه في المبسوط- كتاب السيرة، جنى المرتد جناية ج12 ص246: ” إن بني حنيفة لما ارتدوا استرق أبو بكر رضي الله عنه نساءهم، وأصاب علي رضي الله عنه جارية من ذلك السبي فولدت له محمد بن حنفية رحمهما الله تعالى، وذكر عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس رضي الله عنهما في النساء إذا ارتددن يسبين ولا يقتلن.”
وفي عون المعبود- العتق – ج8 ص478: ” أخرج عبد الرزاق أنبأنا ابن جريج أنبأنا عبد الرحمن بن الوليد أن أبا إسحاق الهمداني أخبره أن أبا بكر الصديق كان يبيع أمهات الأولاد في إمارته وعمر في نصف إمارته.”
وفي مصنف عبد الرزاق- ج7 ص134: “عبد الرزاق عن سعيد بن عبد العزيز عن غيلان بن أنس قال: ابتاع أبو بكر جارية أعجمية من رجل قد كان أصابها، فحملت له، فأراد أبو بكر أن يطأها، فحاملت عليه، وأخبرته أنها كانت حاملا، فرفع ذلك إلى النبي (ص)، فقال: إنها حفظت فحفظ الله لها، إن أحدكم إذا انتجع بذلك المنتجع فليس بالخيار على الله، قال: فردها النبي (ص)، إلى صاحبها.”
وذُكِرَ في ربيع الأبرار- باب الوفاء وحسن العهد ورعاية الذمم- ص480: ” مر أبو بكر رضي الله عنه بجارية سوداء تطحن لمولاتها، فقالت مولاتها: يا أبا بكر اشترها فإنها على دينك. فلما علم أنها مسلمة حكم مولاتها، فاشتراها على المكان ودفع ثمنها، وقال: قومي يا جارية. فقالت: يا أبا بكر، إن لها علي حقا بقديم ملكها، فأئذن لي أن استتم طحينها. ففعل.”
وفي اعتلال القلوب للخرائطي- ج2 ص48:” حدثنا علي بن الأعرابي قال: حدثنا أبو غسان النهدي قال: مر أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خلافته بطريق من طرق المدينة فإذا جارية تطحن برجلها وهي تقول: وهويته من قبل قطع تمائمي فتماشينا مثل القضيب الناعم وكأن نور البدر سنة وجهه ينمي ويصعد في ذؤابة هاشم فدق عليها الباب فخرجت إليه فقال: ويلك، أحرة أم مملوكة ؟ قالت: مملوكة يا خليفة رسول الله قال: فمن هويت ؟ قال: فبكت ثم قالت: يا خليفة رسول الله، بحق القبر إلا انصرفت عني قال: وحقه لا أديم أو تعلميني قالت: وأنا التي لعب الغرام بقلبها فبكت لحب محمد بن القاسم فقال لها: ويلك، إياي أردت قالت: ومتى صرت هاشميا قال: صدقت والله. فصار إلى المسجد وبعث إلى مولاها فاشتراها منه وبعث بها إلى محمد بن القاسم بن جعفر بن أبى طالب…”

عثمان بن عفان:
وهو ثالث أفضل رجال الأمة الإسلامية بعد أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، ومن المبشرين بالجنة، وجامع القرآن.
ذُكِر في الرياض النضرة في مناقب العشرة- ص217: ” عن محمد بن سيرين قال: كثر المال في زمن عثمان فبيعت جارية بوزنها وفرس بمائة ألف درهم، ونخلة بألف درهم. وعن الحسن قال: كانت الأرزاق في زمن عثمان دارة والخير كثير.”
وفي المحلى- ج8 ص137: ” عن قتادة عن خلاس أن أمة أتت طيئا فزعمت انها حرة فتزوجها رجل منهم فولدت له أولادا ثم ان سيدها ظهر عليها فقضى بها عثمان بن عفان أنها وأولادها لسيدها وان لزوجها ما أدرك من متاعه”
و” أخبرنا عبيد الله بن السمين بإسناده عن يونس، عن ابن إسحاق قال: وأعطى رسول الله (ص) عثمان بن عفان زينب بنت خناس يعني من سبي هوازن وقال ابن إسحاق: فحدثني أبو وجزة: أن عثمان كان قد أصاب جارية يعني من سبي هوازن فحطت إلى ابن عم لها كان زوجها وكان ساقطا، فلما ردت السبايا فقدم بها المدينة في زمان عمر أو زمان عثمان، فلقيها عثمان وأعطاها شيئا بما كان أصاب منها فلما رأى عثمان زوجها قال: ويحك! أهذا كان أحب إليك مني؟ قالت: نعم. زوجي وابن عمي.” (أسد الغابة- ج3 ص359)، والمعلوم أن تلك الجارية لكرهت عثمان لما وطئها…. ” أعطى (أي النبي محمد) عثمان بن عفان جارية يقال لها: زينب بنت حيان بن عمرو، فوطئها عثمان فكرهته…”( مغازي الواقدي- ص944)
وقيل في باب النهي عن أن يطأ الرجل وليدة ولها زوج ” حدثني يحيى عن مالك عن بن شهاب: أن عبد الله بن عامر أهدى لعثمان بن عفان جارية ولها زوج ابتاعها بالبصرة فقال عثمان لا أقربها حتى يفارقها زوجها فأرضى بن عامر زوجها ففارقها.( تنوير الحوالك- شرح موطأ مالك -ج2- ص 388) وكذلك ( المنتقى- شرح الموطأ- ج3 ص368)
شرف عثمان ومبادئه الإسلامية المحمدية لم يسمحا له بمضاجعة تلك الجارية إلا بعد أن أخذ له عامر موافقة زوجها وأقنعه بأن يتركها لخليفة المسلمين، كيف أقنعه يا ترى؟! ربما شرح له عن الإنسانية والشرف والقيم في الإسلام، ومن قيم الإسلام أنه إذا أعجب صحابي بزوجة مسلم فعلى ذلك المسلم ترك زوجته له!!! و كما ذُكِر سابقاً عثمان بن عفان لما مات ترك خلفه ألف مملوك (المصادر:الطبقات الكبرى لأبن سعد- والسيرة الحلبية- ومروج الذهب)

علي بن أبي طالب:
علي كرم الله وجهه، هو الذي امتازت سنوات حكمه (كما قالوا) بالرجوع لينابيع الإسلام الأصلية، كما أمر بها الله ورسوله، وهو الشخصية المتفق عليها بين الشيعة والسنة.
عن” عبد الرزاق عن الثوري عن جابر عن الشعبي أن شراحيل ابن مرة بعث إلى علي بجارية، فقال لها علي: أفارغة أنت أم مشغولة؟ فقالت: بل مشغولة، {لها زوج}، فردها، فاشترى شراحيل بضعها بألف وخمس مئة درهم، فبعث بها إلى علي، فقبلها.” (مصنف عبد الرزاق- ج7 ص281)
وفي المحلي- ج10 ص37: ” من طريق عبد الرزاق نا معمر عن منصور بن المعتمر عن الحكم بن عتيبة ان امرأة باعت هي وابن لها جارية لزوجها فولدت الجارية للذي ابتاعها ثم جاء زوجها فخاصم إلى على بن أبى طالب وقال: لم أبع ولم أهب فقال له على: قد باع ابنك وامرأتك فقال: إن كنت ترى لي حقا فأعطني قال على: فخذ جاريتك وابنها ثم سجن المرأة وابنها حتى تخلصا له…”
وذُكِر في نهاية الأرب في فنون الأدب- الكتابة وأصناف الكتب ج2 ص334: “أن عليا بن أبي طالب رضي الله عنه… وطئ من السبي الذي سبي في خلافة أبي بكر، واستولد منه محمد بن الحنفية…”
” وفي رواية أحمد أمر عليهم {أي النبي محمد} علي بن أبي طالب (فمضى في السرية) هي طائفة من جيش أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو وجمعها السرايا (فأصاب جارية) أي وقع عليها وجامعها. واستشكل وقوع علي على الجارية بغير استبراء وأجيب بأنه محمول على أنها كانت بكرا غير بالغ ورأى أن مثلها لا يستبرأ كما صار إليه غيره من الصحابة، ويجوز أن تكون حاضت عقب صيرورتها له ثم طهرت بعد يوم وليلة ثم وقع عليها وليس في السياق ما يدفعه (فأنكروا عليه) أي على علي، ووجه إنكارهم أنهم رأوا أنه أخذ من المغنم فظنوا أنه غل، وفي حديث بريدة عند البخاري قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى خالد ليقبض الخمس وكنت أبغض عليا وقد اغتسل فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له فقال: ” يا بريدة : أتبغض عليا ” ؟ فقلت نعم. قال: ” لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك” (تحفة الأحوذي- ج9 ص125)
وقالوا عن: عمر ورقية فإنهما من سبيئة من تغلب يقال لها الصهباء سبيت في خلافة أبي بكر وإمارة خالد بن الوليد بعين التمر، وأعطيت لعلي فقبل بها، وقالوا على نحو آخر: قد اشترى علي بن أبي طالب من هذا السبي جارية من العرب، وهي ابنة ربيعة بن بجير التغلبي، فاستولدها عمر ورقية.

عبد الله بن عمر:
تقول السيدة عائشة أم (المسلمين) رضي الله عنها وحفظ الله سرها، بل حفظ كل أسرارها، واصفةَ عبد الله بن عمر بن الخطاب: “ما كان أحد يتبع آثار النبي (ص) في منازله، كما كان يتبعه ابن عمر”، وكان عبد الله بن عمر معروفاً بخبرته في فحص الجواري عند البيع والشراء.
” عن ابن عمر أنه كان إذا اشترى جارية كشف عن ساقها ووضع يده بين ثدييها وعلى عجزها وكأنه كان يضعها عليها من وراء الثياب. (نافع مولى ابن عمر- الألباني – إرواء الغليل ص 1792)، “
وفي مصنف عبد الرزاق- ج7 ص286: “… عن ابن عمر، كان إذا أراد أن يشتري جارية، فراضاهم على ثمن، وضع يده على عجزها، وينظر إلى ساقيها، وقبلها أي بطنها {تفسير قبلها إي بطنها هو تفسير غريب ولا يمت لحقيقة الكلمة}…عن مجاهد قال: مر ابن عمر على قوم يبتاعون جارية فلما رأوه وهم يقلبونها أمسكوا عن ذلك فجاءهم ابن عمر فكشف عن ساقها ثم دفع في صدرها وقال: اشتروا قال معمر: وأخبرني ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: وضع ابن عمر يده بين ثدييها ثم هزها… عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: وضع ابن عمر يده بين ثدييها ثم هزها… عن نافع أن ابن عمر كان يكشف عن ظهرها وبطنها وساقها ويضع يده على عجزها.”
وعن “الرجل يريد أن يشتري الجارية فيمسها- حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد قال: كنت مع ابن عمر أمشي في السوق فإذا نحن بناس من النخاسين قد اجتمعوا على جارية يقلبونها فلما رأوا ابن عمر تنحوا وقالوا: ابن عمر قد جاء فدنا منها ابن عمر فلمس شيئا من جسدها وقال: أين أصحاب هذه الجارية إنما هي سلعة. عن علي بن مسهر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا أراد أن يشتري الجارية وضع يده على أليتيها وبين فخذها وربما كشف عن ساقيها…حدثنا وكيع عن عبد الله بن حبيب عن أبي جعفر أنه ساوم بجارية فوضع يده على ثدييها وصدرها…حدثنا أزهر السمان عن ابن عون قال: كان محمد إذا بعث إليه بالجارية ينظر إليها كشف بين ساقيها وذراعيها.” (مصنف ابن أبي شيبة- ج5 ص32/33)

شخصيات أخرى من تاريخ الإسلام والمسلمين:
” المأمون وجارية أبيه:… كانت لهارون الرشيد جارية غلامية، تصب على يده، وتقف على رأسه، وكان المأمون يعجب بها، وهو أمرد، فبينا هي تصب على هارون من إبريق معها، والمأمون مع هارون قد قابل بوجهه وجه الجارية، إذ أشار إليها بقبلة، فزبرته، بحاجبها وأبطأت عن الصب في مهلة ما بين ذلك، فنظر إليها هارون فقال: ما هذا؟ فتلكأت عليه، فقال: ضعي ما معك! علي كذا إن لم تخبريني لأقتلنك. فقالت: أشار إلي عبد الله بقبلة. فالتفت إليه، وإذا هو قد نزل به من الحياء والرعب ما رحمه منه، فاعتنقه، وقال: أتحبها؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: قم فاخل بها في تلك القبة، فقام فعل.” (مصارع العشاق- السوداء وحبيبها عمر، ص79)
وقيل في: نشوار المحاضرة- عشق، فعف، فكتم، فمات- ج5 ص273/274: “…أهديت إلى الرشيد، جارية في غاية الجمال، والكمال، فخلا بها أياما، وأخرج كل قينة من داره، واصطبح يوما، فكان من حضره من جواريه للغناء وغيره، زهاء ألفي جارية، في أحسن زي، من كل نوع من أنواع الثياب والجوهر… وقال: لم أر كاليوم قط. ثم قال: يا مسرور، لا تبقين في بيت المال شيئا إلا نثرته، فكان مبلغ ما نثر يومئذ، ستة آلاف ألف درهم.”
ذُكِر في كتاب حريم محمد ” هارون الرشيد أشهر الخلفاء العباسيين كان يملك ألفين من الجواري منهن 300 جارية للغناء والطرب في احد المرات طرب هارون الرشيد من عذوبة صوت المغني فألقى على الحاضرين 6 ملايين درهم وفي مرة أخرى أعجب هارون بصوت المغني فعينه واليا على مصر. الخليفة العباسي المتوكل يملك أربعة آلاف جارية ضاجع الخليفة كل هذه الجواري؟!! والخليفة العباسي الأمين من شدة إعجابه بغناء احد المطربين قبل رأسه وقال المطرب تعطيني 20 مليون درهم فكان جواب الخليفة ما هذه إلا ضريبة ضيعة من الأقاليم التي احكمها!! ” وحتى أن زبيدة امرأة هارون الرشيد أرادت أن تشغله عن الجارية دنانير فأهدت له عشر جوارٍ منهن ماريه أم المعتصم ومراجل أم المأمون وفاردة أم صالح.
وفي اعتلال القلوب للخرائطي- ج2 ص303: ” عن أبي مصعب الزهري قال: هوي رجل من ولد سعيد بن العاص جارية طريفة مغنية بالمدينة… فبلغ عمر بن عبد العزيز، وهو أمير على المدينة، فابتاعها بمال كثير فأهداها إليه…”
“حدثنا عباد بن العوام، عن عمرو بن ميمون، أن أبا قيصر، مولى عبد الملك اشترى جارية فوطئها، ثم وجد فيها بخرة، فأراد ردها، فقال عمر بن عبد العزيز: يا أبا قيصر إنما التلوم قبل الغشيان” (القضاء لسريح بن يوسف البغدادي- باب الأمة تشترى فيطأها المشتري ثم يجد بها عيب، ص103)
و”عن ابن سيرين قال تزوج الحسن بن على امرأة قال فأرسل إليها بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم. رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.” (مجمع الزوائد- ج4 ص284) وذكر نحوه في (مصنف أبن أبي شيبة- ج3 ص320)
وقيل في التذكرة الحمدونية- ج1ص185: “ومن الحمية المنكرة ما فعله عبد العزيز بن أبي دلف- كان له جارية يرى الدنيا بعينها فضرب عنقها وقال: خفت أن أموت من حبها فتنام هي بعدي تحت غيري. وقد ذكر أن عضد الدولة قتل جارية أحبها لأنها ألهته عن النظر في أمور المملكة ”
وفي صحيح مسلم “أن سعدا ركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبدا يقطع شجرا أو يخبطه فسلبه فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم أو عليهم ما أخذ من غلامهم فقال معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله (ص) وأبى أن يرد عليهم.”
و”كان أسلم مولى عمر بن الخطاب فقيهاً معروفاً، وكان عكرمة الفقية المشهور، مولى ابن عباس، ولما مات ابن عباس باع ابنه عكرمة لخالد بن يزيد بأربعة آلاف دينار، وكان ابن سيرين الفقيه البصري عبداً لأنس بن مالك..” (المغني، باب الجراح)
” قال ابن الأثير:…هرب جوسلين ودخل نور الدين مدينة الرها ونهبها وسبى أهلها. وفي هذه الدفعة نهبت وخربت وخلط من أهلها، ولم يبق منهم بها إلا القليل… قال: ومن عجيب ما جرى أن نور الدين أرسل من غنائمها إلى الأمراء، وأرسل إلى زيد الدين عل جملة من الجواري، فحملن إلى داره ودخل لينظر إليهن، فخرج وقد اغتسل وهو يضحك، فسئل عن ذلك فقال: لما فتحنا الرها مع الشهيد كان في جملة ما غنمت جارية مالت نفس إليها، فعزمت على أن أبيت معها، فسمعت منادي الشهيد وهو يأمر بإعادة السبي والغنائم، وكان مهيبا مخوفا، فلم أجسر على إتيانها وأطلقتها. فلما كان الآن أرسل إلى نور الدين سهمي من الغنيمة وفيه تلك الجارية، فوطئتها خوفا من العود.” (الروضتين في أخبار النورية والصلاحية- ج1 ص58)
و في مصنف أبن أبي شيبة- ج1 ص120: ” حدثنا جرير عن أشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير قال كان ابن عباس في سفر مع أناس من أصحاب رسول الله (ص) فيهم عمار بن ياسر فكانوا يقدمون يصلي بهم لقرابته من رسول الله (ص) بهم ذات يوم ثم التفت إليهم فضحك فأخبرهم أنه أصاب من جارية له رومية وصلى بهم وهو جنب فتيمم.”
” وقد روى أبو مخنف، عن فروة بن لقيط: أن يزيد بن نعيم أبا شبيب كان ممن دخل في جيش سلمان بن ربيعة إذ بعث به الوليد بن عقبة على أمر عثمان بن عفان إياه بذلك مددا لأهل الشام إلى أرض الروم، فلما قفل المسلمون أقيم السبي للبيع، فرأى يزيد بن نعيم جارية حمراء، لا شهلاء، ولا زرقاء، طويلة جميلة، تأخذها العين، فابتاعها وذلك سنة خمس وعشرين أول السنة، فلما أدخلها الكوفة قال: أسلمي، فأبت فضربها فلم تزدد إلا عصيانا، فأمر بها فأصلحت له، ثم أدخلت عليه، فلما تغشاها حملت فولدت له شبيبا…” (المنتظم- ج2 ص274)
وفي أخبار عبيدة الطنبورية- ج6 ص9: “كانت محبوبة أهديت إلى المتوكل أهداها إليه عبد الله بن طاهر في جملة أربعمائة جارية”، وفي مقاتل الطالبين- زيد بن علي- ج1 ص36: “اشترى المختار بن أبي عبيدة جارية بثلاثين ألفا، فقال لها: أدبري، ثم قال لها: أقبلي. فأقبلت، ثم قال: ما أدري أحدا أحق بها من علي بن الحسين، فبعث بها إليه، وهي أم زيد بن علي”
” حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم أنه سأل عنه الشعبي فقال: قد زعموا أن رجلا اشترى جارية فخشيت امرأته أن يتخذها فأمرت ابنا لها غلاما أن يضطجع عليها ليحرمها على زوجها.” (مصنف أبن أبي شيبة- ج3 ص303)، ماذا قالت المرأة لولدها يا ترى؟! فهي لم تكن عروساً له، ولا داعرة، بل هي جارية للمسلمين، يتسابقون لنكاحها.
قيل في البداية والنهاية- ج8 ص149: ” روى ابن عساكر في ترجمة خديج الخصي مولى معاوية قال: اشترى معاوية جارية بيضاء جميلة فأدخلتها عليه مجردة، وبيده قضيب، فجعل يهوي به إلى متاعها – يعني فرجها – ويقول: هذا المتاع لو كان لي متاع، اذهب بها إلى يزيد بن معاوية، ثم قال: لا ! ادع لي ربيعة بن عمرو الجرشي – وكان فقيها – فلما دخل عليه قال: إن هذه أتيت بها مجردة فرأيت منها ذاك وذاك، وإني أردت أن أبعث بها إلى يزيد (أي أبنه)، قال: لا تفعل يا أمير المؤمنين ! فإنها لا تصلح له، فقال: نعم ما رأيت، قال: ثم وهبها لعبد الله بن مسعدة الفزاري مولى فاطمة بنت رسول الله (ص)، وكان أسود فقال له: بيض بها ولدك، وهذا من فقه معاوية ونحريه، حيث كان نظر إليها بشهوة، ولكنه استضعف نفسه عنها، فتحرج أن يهبها من ولده يزيد.”
وفي مصنف أبن أبي شيبة- ج3 ص66: ” حدثنا أبو بكر قال نا أبو خالد الاحمر عن حجاج عن أبي إسحاق عن مصعب ابن سعد أن سعدا اشترى جارية لها زوج فلم يقربها حتى اشترى بضعها من زوجها بخمسمائة… حدثنا أبو بكر قال نا وكيع قال نا يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن مصعب ابن سعد أن سعدا زوج جارية له مملوكا له فتبعتها نفسه قال: فجعل لغلامه حقا على أن يطلقها… حدثنا أبو بكر قال نا علي بن هشام عن ابن أبي ليلى عن الشعبي قال: أهدى رجل من همدان لعلي جارية فلما أتته سألها علي: أفارغة أم مشغولة؟ فقالت: مشغولة يا أمير المؤمنين ! قال: فاعتزلها وأرسل إلى زوجها فاشترى بضعها منه بعشرين وأربعمائة…”
” قال خليفة المسلمين عبد الملك بن مروان: من أراد أن يتخذ جاريه للتلذذ، فليتخذها بربريه، ومن أراد أن يتخذها للولد، فليتخذها فارسيه، ومن أراد أن يتخذها للخدمة، فليتخذها روميه.” (كتاب الأغاني للأصفهانى، وأخبار النساء لابن القيم، وطوق الحمامة لابن حزم، والإمتاع و المؤآنسه لأبى الحيان التوحيدى).

تقول سوسن السوداني في قصيدتها ” ممنوع “
البسطاء الطيبون……..المذبوحون
“تنازلوا عن عقولكم
نحن نفكر بدلا عنكم
نحن نضاجع نساءكم
………. ليلدن أسيادا مثلنا
لك الكرامة يا هذا
………. لقد وطئ سيد أنثاك
نساؤكم أموالكم
حرث لكم (أنى) شئتم
نحن نباركهن لكم
منطق الأسياد المقدس
………. على رقاب المسوخ

يــــتــــبــــع 

سردار أحمد

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

العبودية في الإسلام 12

 سردار أحمد

العبودية في الإسلام  الحلقة الثانية عشر:
أمثلة عن سلوك سادة الإسلام ورموزه وطريقة تعاملهم مع العبيد ج1:
اعتِراف الإسلام بالعبودية وقبوله لها نهجاً وفكراً عنى حكماً أن تكون سلوكيات المسلمين وأخلاقياتهم متوافقة مع ذلك النهج وذلك الفكر، ومن المؤكد إن الشبيحة الكبار النبي محمد وصحابته الأقربون كانوا خير من مثلوا ذلك في سلوكياتهم وطبقوه، في هذه الحلقة سأحاول ذكر بعض التصرفات، الأعمال، السلوكيات، والأخلاقيات، في طريقة تعامل تلك الزمرة القيادية المبجلة المقدسة عند المسلمين مع العبيد والجواري.
النبي محمد:
محمد استخدم محمد أنس بن مالك وهو يتيم ابن عشر سنين كخادم في الأسفار والغزوات، وأمتلك العديد من العبيد، وتاجر بهم، وسبى الجواري وقبِلَهن كهدايا وأهداهن لمن يريد، ومنع المدين من إعتاق عبده، وكان لا يحترم هؤلاء العبيد ويستغل سذاجتهم لأجل مصالحه السلطوية، حتى إن بعض المسلمين قال أسر العبيد، وسبي النساء جزء من تعاليم الإسلام، ونهج النبي محمد، وعلينا السير على ذلك النهج.
محمد كان له عبد (زيد بن حارثة) وتبناه لاحقاً ثم تنصل من تبنيه، وأجبره على تطليق زوجته كي يتزوجها هوَّ، وقال لإرضائه متعاملاً معه كساذج: “دخلت الجنة فرأيت جارية حسناء فأعجبني حسنها فقلت لمن أنت قالت لزيد بن حارثة” (كنز العمال ج11 ص684)
وبنفس طريقة التعامل معهم كسذج بلا احترام مُحَقَرين، ذُكِر في تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير- باب بيان النجاسات والماء النجس ص47، وذكر نحوه في سبل الهدى وكذا في نيل الأوطار: ” رواها عبد الرزاق عن ابن جريج: أخبرت {أن النبي (ص) كان يبول في قدح من عيدان، ثم يوضع تحت سريره، فجاء فإذا القدح ليس فيه شيء، فقال لامرأة يقال لها بركة، كانت تخدم أم حبيبة جاءت معها من أرض الحبشة: أين البول الذي كان في القدح؟ قالت: شربته، قال: صحة يا أم يوسف وكانت تكنى أم يوسف، فما مرضت قط حتى كان مرضها الذي ماتت فيه}.” وقيل بنحو آخر في المعجم الكبير للطبراني ج17 ص420: قالت: شربته، فقال: لقد احتضرت من النار بحظار.
كان يمنع ويرفض إعتاق العبيد من قِبَل من لا مال لديهم، ذُكر في تفسير القرطبي- ج15 ص125: ” أن النبي (ص) رفع إليه أن رجلا أعتق ستة أعبد لا مال له فأقرع بينهم، فاعتق اثنين وأرق أربعة.” وكذا ذكر في صحيح مسلم: ” أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعا بهم رسول الله (ص) فجزأهم أثلاثا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة وقال له قولا شديدا”.
وعن متاجرة النبي محمد بالعبيد وفي باب بيع المدبر (أي العبد الذي وعد سيده بإطلاق سراحه لاحقاً بعد موته): “عن جابر بن عبد الله: أعتقَ رجلٌ منّا عبداً له عن دُبُرٍ (أي بعد موته) فدعا النبيّ به فباعه…” يعلّق مترجم الحديث بقوله: “كان الرجلُ الذي أعتق العبدَ إنساناً محتاجاً فقام النبي ببيعه له وبذلك سمح له أن يلغي وعده بإعتاق العبد بعد موته.” بخاري مجلد 3 كتاب 45، وكذا في الرهن في الحضر ـ فصل 9 عدد 711 صفحة 427)، وذكر نحوه “…أنّ رجلاً من الأنصار دبَّرَ(أي أعتق) مملوكاً له ولم يكن له مالٌ غيره، فبلغ النبيَّ فقال: من يشتريه منّي؟ فاشتراه نعيم بن النحام بثمانمائة درهمٍ.” (بخاري مجلد 8 كتاب 79 ـ كفّارات الأيمان ـ فصل 7 عدد 707 صفحة 464)، وذُكِر في السيرة الحلبية وكذلك في مسند أحمد والشمائل المحمدية للترمذي: ” خرج محمد إلى السوق- فوجد زاهرا وكان يحبه فأحتضنه من الخلف فقال له زاهر أطلقني من أنت؟ فقال له محمد أنا من يشترى العبيد ورفض أن يطلقه فلما عرف زاهر أنة محمد صار يمكن ظهره من صدر محمد الشريف.”
النبي محمد أحتجز بنت حاتم الطائي ونساء وبنات عشيرة الطي في المسجد تمهيدا لتحويلهن لجواري وسبايا: ” أصابت خيل رسول الله (ص) سفانة ابنة حاتم، فقدم بها على النبي (ص) في سبايا طيئ” (معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني- ج23 ص248) ونحوه في تاريخ الرسل والملوك- ج2 ص77: “..فجعلت ابنة حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا يحبسن بها…”
و” في رواية: وقع في سهم دحية جارية جميلة، فاشتراها رسول الله (ص) بسبعة أرؤس، ثم دفعها إلى أم سليم تصنعها وتهيئها.” (المسند الجامع- ج4 ص251) كذا في (صحيح مسلم) والمقصود صفية.

إهداء الجواري والعبيد:
موضوع قبول العبيد والجواري كهدايا وإهدائهم للغير مذكور في حلقة سابقة كشهادة إثبات على أن العبيد في الإسلام عبارة عن أموال، لكن رأيت أنه لا بد من ذكر الموضوع هنا كون الحلقة مخصصة لطريقة تعامل المسلمين مع العبيد، فقد كان العبيد يُهدى إلى محمد، وكان هو يهديهم لمن يريد، وكذلك كان الصحابة والخلفاء والمتنفذون يفعلون عبر التاريخ الإسلامي، خاصة أيام فتوحات والانتصارات الإسلامية.
فالمقوّس أهدى محمد جاريتين ماريه القبطية وأختها سيرين (شيرين)، محمد أخذ ماريه لنفسه وأهدى سيرين لشاعره حسان بن ثابت، ذُكِرَ في كتاب أيسر التفاسير للجزائري- باب51 ج3 ص297، عن النبي قيل ” قد تسرى بمارية القبطية التي أهداها له المقوس ملك مصر…” وذكر في البداية والنهاية- ج5 ص341: مابور القبطي الخصي، أهداه له صاحب اسكندرية مع مارية وسيرين والبغلة” وأهدى رجل من بني الضبيب يقال له رفاعة بن زيد لرسول الله غلاماً يُقال له مِدعَم…” (صحيح البخاري- فتح الباري) ومدعم هو عبد أسود أُهدي له عام خيبر، و”عن علي قال: أهدي لرسول الله (ص) رقيق أهداه له بعض ملوك الأعاجم…” (كنز العمال- ج15 ص507)، و” ابنة أم قرفة (التي شقها رسول الرحمة بعد أن ربطها بجملين) كانت ملكاً لسلمى بن الأكوع، فطلبها منه النبي محمد وأعطاها لخاله حزن بن وهب. (عيون الأثر -ج2 ص104)، والجدير بالذكر أن ابنة أم قرفة كانت على قدر كبير من الجمال، وأم قرفة لما قُتِلت كانت عجوز.
” قال ابن إسحاق: وحدثني أبو وجرة يزيد بن عبيد السعدى، أن رسول الله (ص) أعطى على بن أبى طالب جارية يقال لها ريطة بنت هلال بن حيان بن عميرة، وأعطى عثمان بن عفان جارية يقال لها زينب بنت حيان بن عمرو بن حيان، وأعطى عمر جارية فوهبها من ابنه عبد الله.” (السيرة النبوية لأبن كثير- ج3 ص671) وذكر نحوه في (الروض الأنف- حول سبي حنين- ج4 ص265)
” بعث رسول الله (ص) أبا قتادة ومعه خمسة عشر رجلا إلى غطفان وأمره أن يشن عليهم الغارة فسار الليل وكمن النهار فهجم…وصارت في سهم أبى قتادة جارية وضيئة فاستوهبها منه رسول الله (ص) فوهبها له فوهبها رسول الله (ص) لمحية بن جزء وغابوا في هذه السرية خمس عشرة ليلة.” (عيون الأثر- ج2 ص176)
والنبي محمد يستهجن العتق من دون كفارة، ويشجع على إهداء العبد للأقارب، ويعتبر ذلك أفضل من عتقهم وأعظم أجراً عنده وعند ربه. “عن كريب مولى ابن عباس أن ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أخبرته أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي (ص) فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي قال أوفعلت قالت نعم قال أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك” (السنن الكبرى للبهيقي- ج6 ص 59)، أما في تفسير القرطبي ج14 ص35 فقد قيل: “قد فضل رسول الله (ص) الصدقة على الأقارب على عتق الرقاب، فقال لميمونة وقد أعتقت وليدة: أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك”.

عمر بن الخطاب:
عَرَف المسلمون أبن الخطاب بأنه ” كان للإسلام حصنا حصينا يدخل الإسلام فيه ولا يخرج منه”، وعمر كان فجاً قاسي الطباع في تعامله مع العبيد والجواري، وكان مصراً على منع الجواري من التحجب أو التجلبب، أما عدلته التي يتكلمون عنها فهي إبداعه وعدله في الفرز والتمييز بين البشر.
” قد بلغنا أنَّ زيد بن ثابت وطئ جاريةً له، فجاءت بولد، فنفاه، وأن عمر بن الخطاب وطئ جارية له فحملت، فقال: اللَّهم لا تَلْحَقْ بآل عمر من ليس منهم، فجاءت بغلام أسود، فأقرَّت أنَّه من الراعي، فانتفى منه عمر. (موسوعة الحديث الشريف- 46- كتاب النكاح) ونحوه في (موطأ الإمام مالك- كتاب النكاح).
و في موطأ مالك- ج4 ص72:” يحيى عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب وهب لابنه جارية فقال لا تمسها فإني قد كشفتها”. وعن “عبد الرزاق عن الاوزاعي عن مكحول قال: جرد عمر بن الخطاب جارية فنظر إليها، ثم سأله بعض بنيه أن يهبها له، فقال: إنها لا تحل لك.” (مصنف عبد الرزاق- ج6 ص280)
قيل في عون المعبود، كتاب الطهارة- في إتيان الحائض- ص312: ” عمر بن الخطاب وطئ جارية، فإذا بها حائض، فأتى رسول الله (ص) فأخبره، فقال له رسول الله (ص): تصدق بنصف دينار”
وذُكِرَ في تفسير الطبري- ب187 ج3 ص502 عن المضاجعة في شهر رمضان: ” كان عمر بن الخطاب وقع على جارية لهُ -في ناس من المؤمنين لم يملكوا أنفسهم- فلما سمع عمر كلام أبي قيس، رَهبَ أن ينزل في أبي قيس شيء، فتذكّرُ هُو، فقام فاعتذر إلى رسول الله (ص)، فقال: يا رسول الله إني أعوذُ بالله إنّي وقعتُ على جاريتي، ولم أملك نفسي البارحة! فلما تكلم عُمر، تكلم أولئك الناس، فقال النبي (ص): ما كنتَ جديرًا بذلك يا ابن الخطاب! فنُسِخ ذلك عنهم، فقال:” أحِلّ لكم ليلةَ الصيام الرفث إلى نسائكم هُن لباسٌ لكم وأنتم لباس لهن عَلم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم”، -يقول: إنكم تقعون عليهن خيانةً-“فتابَ عليكم وعفا عنكم فالآنَ باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم” -يقول: جامعوهن…”
وفي المبسوط- ج6 ص374: ” جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه فقال: إن لي جارية فأرضعتها امرأتي فدخلت البيت فقالت: خذها دونك فقد والله أرضعتها، فقال عمر رضي الله تعالى عنه عزمت عليك أن تأتي امرأتك فتضربها ثم تأتي جاريتك فتطأها”
————————– ————–
قيل في البحر المديد- ب59 ج5 ص115: “أما الإماء فلا تسترن شيئا إلا ما بين السرة والركبة كالرجل. قال أنس: مرت جارية متقنعة بعمر بن الخطاب فعلاها بالدرة وقال: يا لكاع أنت تشبهين بالحرائر فألق القناع {وكان الله غفورا} لما سلف منهن من التفريط – رحيما- بتعليمهن آداب المكارم.” آداب المكارم في الإسلام أن تكون الجارية عارية، والدرة: بكسر الدال وتشديد الراء هي السوط.
” روي عن عمر بن الخطاب: أنه سئل عن حد الأمة فقال: «الأمة ألقت فروة رأسها من وراء الدار» أي ألقت في بيت أهلها قناعها أي أنها تخرج إلى كل موضع يرسلها أهلها إليه لا تقدر على الامتناع من ذلك فتصير إلى حيث لا تقدر على الامتناع من الفجور قالوا: فكان يرى أن لا حد عليها إذا فجرت ما لم تتزوج وكأنه رأى أنها إذا تزوجت فقد منعها زوجها…” (التحرير والتنوير- ب25 ج3 ص388) وذكر نحوه في (تفسير القرطبي- ج5 ص143)
” ضرب عمر رضي الله عنه لامة استترت كالحرة وقال أتتشبهين بالحرائر يا لكاع؟ لا يدل للحل لاحتمال أنه لايذائها الحرائر بظن أنهن هي: إذ الاماء كن يقصدن للزنا” (إعانة الطالبين- ج3 ص301)
قيل في تحفة المحتاج في شرح المنهاج- كتاب النكاح- ج29 ص247: ” خشي أنه إذا استترت الإماء حصل الإيذاء للحرائر فأمر الإماء بالتكشف…” فالحجاب هو لمنع الخلاعة والتعرض جنسياً، لكن اغتصاب السبايا والجواري ليس من الخلاعة إسلامياً، والسادة المسلمون يحللون لأنفسهم ما يحرمونه على غيرهم، وهي مكافأة لهم على أيمانهم!!!
و” كانت الممازحة مع إماء الغير عادة في العرب فأمر الله تعالى الحرائر باتخاذ الجلباب ليعرفن به من الإماء فدل أن الإماء لا تتخذ الجلباب… قال أنس رضي الله عنه: كن جواري عمر رضي الله عنه يخدمن الضيفان كاشفات الرءوس مضطربات البدن…” (المبسوط- ج12 ص368)، وعن أنس بن مالك قال: كنا إماء عمر يخدمننا كاشفات عن شعورهن يضرب ثديهن.
قال ” عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع أن عمر رأى جارية خرجت من بيت حفصة متزينة عليها جلباب، أو من بيت بعض أزواج النبي (ص) فدخل عمر البيت فقال: من هذه الجارية؟ فقالوا: أمة لنا – أو قالوا: أمة لآل فلان – فتغيظ عليهم، وقال: أتخرجون إماءكم بزينتها تفتنون الناس؟” (مصنف عبد الرزاق- ج3 ص135) المقصود بزينتها أي بلباسها.
عن “مالك أنه بلغه أن أمة كانت لعبد الله بن عمر بن الخطاب رآها عمر بن الخطاب وقد تهيأت بهيئة الحرائر فدخل على ابنته حفصة فقال ألم أر جارية أخيك تجوس الناس وقد تهيأت بهيئة الحرائر وأنكر ذلك عمر.” (موطأ مالك- ج6 ص104)
و” روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ألقي عنك الخمار يا دفار، أتتشبهين بالحرائر؟، قلت: غريب، وبمعناه روى عبد الرزاق في ” مصنفه ” أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس أن عمر رضي الله عنه ضرب أمة لآل أنس رآها متقنعة، فقال: اكشفي رأسك لا تشبهي بالحرائر، انتهى. أخبرنا ابن جريج عن عطاء أن عمر بن الخطاب كان ينهى الإماء عن الجلابيب أن يتشبهن بالحرائر، قال ابن جريج: وحديث ابن عمر: ضرب عقيلة أمة أبي موسى الأشعري في الجلباب، أن تتجلبب انتهى… أخبرنا ابن جريج عن نافع أن صفية بنت أبي عبيد حدثته، قالت خرجت امرأة مختمرة متجلببة، فقال عمر: من هذه المرأة؟ فقيل له: جارية لفلان، رجل من بيته، فأرسل إلى حفصة، فقال: ما حملك على أن تخمري هذه الأمة وتجلببيها حتى هممت أن أقع بها، لا أحسبها إلا من المحصنات؟ لا تشبهوا الإماء بالمحصنات، انتهى ورواه البيهقي، وقال: الآثار بذلك عن عمر صحيحة انتهى.” (نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية-ج2 ص160)…
وكذا في السنن الكبرى للبهيقي- ج2 ص227: ” عن نافع ان صفية بنت ابى عبيد حدثته قالت خرجت امرأة مختمرة متجلببة فقال عمر رضى الله عنه من هذه المرأة فقيل له هذه جارية لفلان رجل من بنيه فارسل إلى حفصة رضى الله عنها فقال ما حملك على ان تخمرى هذه الامة وتجلببيها وتشبهيها بالمحصنات حتى همت ان اقع بها لا احسبها الا من المحصنات لا تشبهوا الاماء بالمحصنات” همم أن يقع بها أو عليها ؟!
في الأحاديث والقصص المروية والمنقولة عن عمر، والمتعلقة بالجواري والأماء نرى أنه كان ينادي الجواري ويقول لهن{يا لكاع}، وقد ذُكِرا في تفسير الخازن- ب57 ج5 ص211معنى لكاع كما يلي: ” لكاع كلمة تقال لمن يستحقر به مثل العبد والأمة والخامل والقليل العقل مثل قولك يا خسيس”، وقيل في تفسير القرآن لعبد الرزاق الصنعاني- ج4 ص483: “اللكاع: المرأة الصغيرة العلم والعقل أو اللئيمة” يقال للرجل: لكع وللمرأة لكاع وذكره سيبويه وقال: هو مثل قولهم: يا غدار ويا لكاع ويا فساق ولا يستعمل ذلك إلا فى النداء خاصة قال الليث: يقال امرأة لكاع وملكعانة ورجل لكع وملكعان ولكيع كل ذلك يوصف به الأحمق.
يقول الشاعر ابن أبي الحديد: فإن تكن أُنثى فيا غَدار………….. كذاك يا لكاع يا فجار
ويقول أبن المقرب العيوني: يُطاوِلُني بِقَومي كُلُّ عَبدٍ………….. تَنَقَّلَ مِن لَكاعٍ في لَكاعِ

يـــــتـــــبـــــع

  سردار أحمد

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

النظام الأبوي/ البطريركي وتشكيل الشخصية العربية (2/2)

د إبراهيم الحيدري

من المعروف في المجتمعات الابوية -البطريركية، كما في المجتمعات العربية عموما، هو ان العائلة أبوية- ذكورية تعمل على بناء شخصية خاضعة تميل الى الخضوع للكبار والاذعان للعائلة وكذلك للسلطة عبر تربية أبوية صارمة تعلم الافراد الخضوع والطاعة العمياء، حيث يمثل الاب القوة والسلطة والام والاولاد الطاعة والخضوع. وحينما ينشأ الاولاد، يقوم الولد بتقليد الأب ومحاكاته واخذ دوره في التسلط على اخته أولا ثم على عائلته بعد الزواج ثانيا. وتقوم البنت بتقليد الأم واخذ دورها الخاضع والانصياع الى أوامرالذكر ونواهيه. وينتقل التسلط من العائلة الى العشيرة  ومنها الى المدرسة والشارع والدوائر والمصانع والى جميع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية.
 
ان الخضوع وعدم مخالفة الأوامر تجعل الفرد ينفذ تلك الاوامر بدون أي رفض أو احتجاج.وبذلك يكون الطفل المطيع ” ولدا طيبا يسمع الكلام دائما”. ولكن عندما يكبر الولد المطيع ويتكيف مع ضرورات المواقف تحدث عنده ردود افعال مناقضة ويبدأ بتطوير عدوانية مكثفة ضد أبيه وضد معلمه وكذلك ضد الموظف والشرطي وغيرهم، كما يضطر، بسبب الخوف والاحترام الزائد للقيم وغيرها، الى كبت هذه العدوانية، التي من الخطر عليه اظهارها، غير انها تتحول بالتدريج الى عامل ديناميكي في بناء شخصيته وتكون لديه قلقا واضطرابا وتدفعه الى ان يخضع الى اكثر من جهة، وفي ذات الوقت، تخلق له تحديات وردود افعال موجهة الى الاخرين والى الحياة نفسها بصورة عامة. كما ان ردود الافعال هذه توثر سلبا على شخصيته وتطور بمرور الزمن سمات جديدة وتصبح جزء من شخصيته.
 ومن المعروف ان السلطة الاستبدادية غالبا ما تبحث عن الانسان الضعيف الخاضع وتحاول تطويع عقله ضمانا لتطويع جسده وتستخدم لذلك آليات مختلفة  من بينها قتل البعد العقلاني النقدي وتحريفه وتطوير مسلمات تبريرية، كنظرية المؤامرة والاعداء الجدد وغيرها لخلق مسوغات تساعد على فرض قيود ومحرمات وعوائق تقيد الفكر وتصب عادات وانظمة جديدة في قوالب جاهزة في البنية الذهنية تقف سدا منيعا امام أي مقاومة تبديها الفئات الاجتماعية المقهورة، التي تفضي بمرور الوقت الى تطويع الجسد واخضاع العقل واضعاف الاحساس بالمسؤولية  ، التي تسهل عملية الخضوع. ولما كانت المسؤولية هي الوجه الاخر للحرية، فانها ستتحول الى شبح مخيف يهرب منه الانسان الضعيف. ونجد امثال هؤلاء الضعفاء الخاضعين في المجتمعات ذات الانظمة الاستبدادية الشمولية، الذين يعيشون سنوات طويلة تحت وطأة الاستبداد والقمع والقهر ولا يذوقون طعم الحرية، يصبحون مسلوبي الحرية والارادة والحس بالمسؤلية ويخضعون لقناعات تسوغ لهم الخضوع والتكيف معه وتجعلهم مقهورين ومضطهدين وغير قادرين على الرفض والتحدي والمقاومة وتغيير الواقع البائس الذي يرزحون تحته. ولكن الادوار قد تتبدل حلما تسنح الفرصة المناسبة. فالشخصية الخاضعة المستسلمة للأمر الواقع، والقابلة بالخضوع للقهر والظلم والاذلال، قد تتحول فجأة الى الى شخصية اخرى وتكون مناقضة لشخصيتها الطبيعية المسالمة، خصوصا عندما يكون لديها استعداد سايكولوجي لان تتحول بدورها الى شخصية عدوانية قامعة، تماما كما حدث لكثير من الاشخاص في العراق وغيره عندما تحولوا الى الانخراط في اجهزة الامن والاستخبارات أو في الميليشيات والعصابات المنظمة وغير المنظمة واخذوا يمارسون العنف بشكل او اخر . أو حين يتحول اشخاص مقهورين وخاضعين الى اشخاص ساديين متسلطين على الاخرين، وخاصة على الضعفاء والمهمشين الذين هم مضطرين الى طلب المساعدة او العون المادي أو المعنوي، أو حين يستدرج المرء لطلب ثأر قديم أو رد ظلم منسي أو تعويضا عن معاناة طفولة بائسة أو رد على عقاب  فردي او جماعي كان قد تلقاه هو في المدرسة او الشارع من زمن الطفولة أو امه او احد افراد عائلته وغير ذلك.
 
ان الانسان الضعيف والعاجز امام القوة الابوية المتسلطة التي يفرضها الحاكم او الشرطي او الشيخ او المعلم او الموظف الذي يمتلك صنع القرار اذا لم يستطع التملص من التسلط فليس امامه سوى الرضوخ وبذلك يفقد السيطرة على مصيره ومستقبله. وبدلا من المقاومة والرفض يقوم بسلوكات تعويضية كالتزلف والاستسلام والمبالغة في احترام المتسلط وتبجيله ، اتقاء لشره من جهة، والطمع في رضاه من جهة ثانية، والامل في العيش بسلام لانه لا يستطيع الرفض والتمرد والمجابهة من جهة ثالثة. وفي هذه الحالة تنعدم علاقة التكافؤ لتحل محلها علاقة التشيؤ، وذلك لعدم وجود اعتراف بالأنا كقيمة انسانية.وهكذا تتطور علاقة جديدة ومن نوع آخر حيث يصبح “الآخر هو الجحيم”. وكلما تتضخم ذات المتسلط تفقذ ذات العاجز أهميتها واعتبارها وفاعليتها، حتى لتكاد تفقد انسانيتها مثلما تفقد الاحساس بمعاناة الاخرين والتعاطف معهم وكذلك تزداد المخاوف من الاخر والحاجة الى الامن والطمأنينة ويصبح الانسان نهبا للقلق واللامبالات، بحيث ينطبق عليه قول المتنبي :
  من يهن يسهل الهوان عليه     ما لجرح ميت ايلام.
 
 ان هذه العلاقة ليست جامدة دوما، حيث تغلب عليها حالة التذبذب حين يحاول الانسان العاجز الانتقام لدونيته باساليب خفية وملتوية، كالامبالات والتخريب واستخدام اساليب رمزية اخرى كالتنكيت والتبخيس والتشنيع والدعاية المضادة وكذلك الغش والتملق والمراوغة والتضليل، وهي سلوكات مزدوجة في العلاقة مع الاخر تعكس رضوخا ظاهريا من جهة، وعدوانية خفية من جهة اخرى، وهي محاولة تضليل ونوع من الشطارة في رد المتسلط من قبل العاجز الذي يتربص به الدوائر لينال منه ما يستطيع ويثأر لذاته الجريحة. ولكن  عندما لا يستطيع المضطهد والعاجز عن رد الاضطهاد والنيل من المتسلط، فانه يوجه عنفه وغضبه وثاره نحو الاخر وبالاسلوب االذي تسمح به الظروف، وهو حل وسط بين التمرد والخضوع. فهو يفتش احيانا عن آخر يحمله وزر قهره واضطهاده وعجزه واخطاءه وكذلك عدوانيته، وهو لا يكتفي بادانة ذاته، وانما يدين الآخرين ويشركهم معه ويوجه اللوم اليهم ، بل ويحملهم المسؤولية، وبالتالي يصب غضبه وعدوانيته عليهم، محاولا بذلك اسقاط الاحساس بالذنب وإلقائه على الآخرين، ليس على المتسلط الحقيقي، وانما على المقهور والمستضعف والاكثر عجزا. وهنا نلاحظ ايضا ان الانسان الخاضع قد يستخدم اساليب المتسلط نفسه ولغته ، مع الاختلاف في دوافع كل منها. 
غيران هذا التماهي بالمتسلط هو قلب للادوار وتبريرها والتصرف بعقلية المتسلط واساليبه ، التي يحاربها. فهو يتعالى ويستبد ويظلم ويمارس اعمال القمع والقهر التي كان يرفضها. وبذلك يصبح القاتل والضحية واحدا.   كما ان التماهي بعدوانية المتسلط تجر الافراد الى ممارسة التسلط على من هم دونهم او اضعف منهم، عن طريق تلمس الحضوة والتقرب من المتسلطين وتقديم الخدمات لهم وذلك من خلال استعراض القوة او حمل السلاح او المباهاة بها والتعالي على المقهورين واستغلال الفرص السانحة، كأستعمال النفوذ وفرض ” الخاوة” والتهديد والخطف والابتزاز واخذ الرشوة.  وهذا يعني تبني قوة المتسلط واستغلالها لحسابه وفرضها على الاضعف و تمثل قيم واسلوب حياته ونظرته الى الامور وتقليد شعاراته وازيائه وحركاته وكلماته، كما عمل بعض العراقيين في تقليدهم لصدام حسين او الليبيين لمعمر القذافي في أوج قوتهما وتسلطهما.  وهكذا تتحول تطلعات المتسلطين الصغار الى مزيد من الخضوع والرضوخ لشروط المتسلط الذي يرمي لهم بالفتات، مما يحولهم الى ادوات مطيعة لتنفيذ غاياته وتحقيق اهدافه.
 وغالبا ما تبدو الميول السادية مقنعة بالحب، حيث يزعم البعض بان التحكم بالشخص الاخر هو تعبير عن الحب. غير ان العامل الجوهري في ذلك هو الاستمتاع بالهيمنة والتسلط والتلذلذ بها.ولكن في حالات قليلة اخرى ينقلب المقهور الخاضع الى شخص متمرد فيثور ويتخطى قهره وعجزه فيكسر حاجز الخوف ويحطم سادية المتسلط وجبروته.  واذا لم يستطع تحقيق ذلك، يتجه الى الانسحاب والتقوقع على الذات بدل المجابهة، بسبب الشعور الداخلي بالعجز وقلة الحيلة، لان طموحاته محدودة واهدافه قريبة المنال.  فهو يحاول ايهام ذاته بتقبل هذا المصير المفروض عليه، الذي يبرره بالقضاء  والقدر و” المكتوب في الجبين لازم ترآه العين “.
 ان هذا التبرير يحدد بدوره طموحاته ويقلل الفرص امامه ويضطر الى ترك ذلك الى الظروف تسير حياته وترسم مستقبله، تحاشيا الى كل ما يعرضه للخطر وتجنب أي علاقة مباشرة بالمتسلط ويتهرب من كل مسؤولية ويقف كالمتفرج ويقول ” انا شعلية”.
 ان الوقوف على السطح واللا مبالاة بما يجري على مسرح الاحداث يعتبر آخر مراحل الاستسلام والدونية، ويشكل في الحقيقة ستارا واقيا يخفي المرء فيه ضعفه وبؤسه واستلابه ويكون عنده “جرحا نرجسيا” هو اكثر عناصر الوجود الانساني ضعفا ومهانة.  وهو يحاول تغطية ذلك والتستر عليه باشكال من الاستعراض الاستهلاكي والادعاء والتبجح وخداع الاخرين بالمال والجاه والقوة والحيلة وغيرها.
وهناك من يبرر التمادي في اضطهاد المواطنيين واخضاعهم ويوجه اللوم اليهم بسبب عجزهم واستكانتهم معللا ذلك بان البلد رضخ منذ مئات السنيين الى انظمة استبدادية قمعية حولته الى شعب اعزل لا حول له ولا قوة وجعلته يستهين بالرضوخ لحاكم يمنحه سلطة الأب البطريركي القائد من جهة، ويقول بان مثل هذا الشعب لا يستطيع ان يمارس الحرية والديمقراطية، واذا سمح له بذلك فسوف تعم الفوضى ويتحول المجتمع الى غابة والناس الى ذئآب يأكل بعضهم بعضا من جهة اخرى. وبالرغم من ان هذه التعميمات غير دقيقة وتبريرية، فقد تكون لها مصداقية في ظروف تحولات بنيوية قاهرة تمر بها بعض المجتمعات. ولكن يجب ان لا تستغل مثل هذه التعميمات في نشر واشاعة  ان الناس هم بحاجة الآن الى “كارزما” ومخلص ينقذهم من هذه الفوضى. وبمعنى آخر، الدعوة الى سلطة قائد قوي يلوي رقابهم من جديد حتى تستقيم أمورهم. ان هذه الدعوة هي مؤشر على  ميل الانسان الضعيف والمقهور للخضوع الى دكتاتور يحسم امرهم، لانهم غير قادرين على ان يكونوا احرارا ومتساوين ومسؤولين عن حياتهم وقدرهم.

المصدر ايلاف

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

فشل الفكر القومي العربي والغربي وعلاقة ذلك بالفاشية والنازية !

جوزيف شلال
2012 / 10 / 11

البداية :
القومية بافكارها المختلفة والمتعددة واينما وجدت هي حركات اجتماعية وايديولوجية سياسية رادفت ومفهوم الامة التي نشأت في بدايات النهضة والتحرر هنا في المشرق العربي وفي الغرب الاوربي مع الثورات , منها الثورة الصناعية وغيرها .
قبل القرن التاسع عشر لم تكن القومية معروفة بهذا المعنى والتفسير والتطبيقات التي حدثت بعد ذلك , وبمعناها المتداول المعروف الان . جميع الحضارات العالمية نشأت على اسس دينية والشواهد في الكتب التاريخية والدينية والجغرافية تثبت ذلك .
اذن لم تكن القومية يوما شعارا او اسما او هدفا لحضارة ما لأي شعب من شعوب الارض , لنأخذ مثالا من التاريخ الحديث وهذا ما يهمنا , جميع الحضارات الاوربية قامت تحت أسم / الحضارة المسيحية الغربية / , لهذا قد سيطرت الكنيسة على مجريات الحياة العامة كافة بمختلف مجالاتها وانواعها واشكالها , كذلك في الشرق والدول العربية والاسلامية قامت حضاراتها تحت عنوان / الحضارة الاسلامية / , لكن هناك اختلاف كبير , بان منذ حوالي 1430 عام وظهور الاسلام اتخذوا الدين كرمز وشعار وهدف لحضارتهم , ولا يزالون متمسكين بهذا المفهوم بعد ان تخلت عنه جميع الحضارات في العالم وخاصة الاوربية .
بعد التغييرات التي حصلت في الشرق والغرب في نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر بعد قيام وتأسيس مفاهيم الدولة الحديثة والانظمة التحررية المنفتحة ولديها دساتير وقوانين وانشاء تجمعات دولية عالمية للمحافظة على هذه الكيانات والدول واحترام شعوبها وحقوقها , كذلك ظهور خارطة جديدة للعالم بعد زوال وسقوط الحضارات القديمة وتحرر بعض الدول من الهيمنة والاستعمار والاحتلال , ادت الى قيام حركات واحزاب كثيرة منها من اتخذ القومية او النزعة القومية كهدف او ايديولوجية له .
تم استخدام مصطلح / النزعة القومية / لأول مرة في ايطاليا عام 1835 من قبل ماتزيني السياسي الايطالي , مستندا الى اهم عوامل منها , الاقتصاد والعيش المشترك واللغة والتاريخ , بعد ان تم تسويق مفهوم القومية في الغرب , فام البعض باضافة عوامل اخرى للمزايدة منها , الثقافة والدين , الغريب في الامر أن اتباع الماركسية ايدوا هذه الفكرة ايضا واضافوا اليها عوامل اخرى لزيادة وترسيخ النزعة القومية .
تم ربط النزعة القومية بالسياسة وحركات التحرر للدول الاوربية التي كانت مقسمة والاخرى واقعة تحت الاستعمار التركي في ايام دولة الخلافة الاسلامية العثمانية , ايضا في الدول العربية تم ربط القومية ونزعتها بالاحتلال والاستعمار والقضايا المصيرية ومشاكل العرب كمشكلة فلسطين واعتبروها القضية المركزية للعرب مع ربطها بالنزعة القومية العربية الاسلامية وقيمها وحضارتها وما الى ذلك من الشعارات والشماعات المعروفة .
المفهوم الاسلامي للقومية :
من المضحك هنا ان الاسلام لم يربط القومية العربية بالدين الاسلامي بالرغم من ان في القران تكلم عن العرب والعروبة ولغتهم كثيرا , بل القوميون العرب او ما نسميهم بالقومجية بادروا بربط القومية بالاسلام والدين . في الاسلام كما هو معروف لا يعطي جوابا محددا وواضحا ومفهوما , بل يعطي عدة تفاسير واحتمالات واسماء مختلفة وروايات منقولة بلغة ونظرية العنعنة وفي النهاية الله اعلم ! , لكي تبقى تائها ولا تفكر وتسأل , يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم .
لا يوجد تفسير واضح في الاسلام عن مفهوم القومية , من قال أن القومية هي الوطن او الجماعة أو اللغة او النسب والخ , الله اعلم . بمنظور الاسلام فان الدعوة الى القومية العربية يؤدي الى التقسيم والتفرقة بين الامم والقبائل المسلمة , القومية عادة جاهلية وهي دعوة فساد والحاد ولها اهداف خبيثة من اهمها , فصل وعزل الدين عن الدولة والسياسة , القومية دعوة غش ومكر وخداع ومحاربة الاسلام والقضاء عليه .
يضيفون ايضا ويقولون ان اعداء الاسلام من المسيحيين واليهود في الشرق والغرب وقفوا مع القومية وساندوها . الاسلام يعتبر المسلم العربي كالمسلم الهندي والصيني والاندونيسي والماليزي والجميع اخوة لهم نفس الحقوق والامتيازات والواجبات واينما حل هذا المسلم وارتحل فهو في بلده وبين اخوانه , أن اكرمكم عند الله اتقاكم , انصر اخاك ظالما او مظلوما , لا فضل لعربي مسلم على عجمي ولا لاحمر على اسود مسلم الا بالتقوى , بحسب هذا المفهوم يحق للجيبوتي او الاوغندي المسلم من ان يصبح خليفة اسلامية في فلسطين او اية دولة تقام فيها الخلافة , بينما المواطن غير المسلم الاصيل من سكان هذا البلد منذ 7000 عام لا يحق له ان يتولى اي منصب في دولة الخلافة الاسلامية , وانزلناكم رحمة للعالمين , لكم دينكم ولنا ديننا , لا فرق بين سويسري ويمني الأ بالتقوى والايمان !! . حسب المفهوم الاسلامي ان الدعوة الى القومية العربية يؤدي الى ترك العرب المسلمين لاسلامهم ودينهم والابتعاد عن الثوابت الاسلامية الالهية الخاصة للدين الاسلامي .
القومية وعلاقة ذلك بالفاشية والنازية
 القومية في المفهوم الغربي تمثل الجميع , وهي على نقيض وخلاف عند التيارات والحركات السياسية والفكرية العربية التي شوهت القومية وانزلتها الى الحضيض لانها لم تعرف يوما ما المعنى الحقيقي والصحيح لمفهوم ومصطلح القومية , انطلاقا من بعض المفاهيم المغلوطة والاراء التي جاءت من بعض الذين ادعوا بانهم من المفكرين والنخبة التي آمنت بانها المخولة فقط لقيادة هذه الشعوب وتسيرها , نظريتهم تقول / لا ناخذ القشور من الغرب وانما الجوهر وهذا يتم تعديله ايضا ليتماشى والعقل العربي , بعد ذلك يقولون انها تجربتنا واشتراكيتنا وديمقراطيتنا الخاصة بنا , متناسين بان الديمقراطية والاشتراكية واي مفهوم سياسي او اقتصادي او علمي او ثقافي والخ هو نفسه في اميركا او في العراق او جنوب افريقيا , لهذا قاموا عمدا بتشويه القومية حيث بدلوا الجميع بشخص واحد لولاه لم تشرق الشمس وتسقط الامطار وتم تحويلها الى شخصيات مؤلهة تمثل الجميع , كما حصل مع عبد الناصر في مصر وصدام في العراق والقذافي في ليبيا , ونستطيع القول ان الحالة هذه تنطبق على جميع الانظمة العربية والاسلامية .
في الغرب وبعد الحرب العالمية الاولى ظهرت بعض العقائد المنحرفة كالفاشية والنازية وانتجت افكار مشوهة ومشوشة في الاقتصاد والسياسة والتربية وحاربت الديمقراطية والليبرالية والرأسمالية والنظام التعددي البرلماني . . . الفاشية والنازية تقدس السلطة وتعظم الدولة باعتبارها انظمة شمولية متسلطة على النواحي الاجتماعية والدينية والسياسية والاقتصادية ولا استقلالية لأحد خارج الدولة .
تم ربط ما بين الدولة القومية والفاشية والنازية في الغرب لتشويه الفكر القومي كما فعل الاسلام وقادة الفكر القومي في الدول العربية الذين لم يعرفوا يوما ما معنى وتفسير ومصطلح القومية , لهذا اصبحت هذه الدول تسلطية لا تقبل المعارضة والراي الاخر او انشاء احزاب سياسية ونقابات وتجمعات , بل تميزت بان لديها حزب ورئيس واحد واعتبروه المخلص الوحيد لهذه الشعوب كموسوليني وهتلر , واذا جاز ذلك ان نضيف الى القائمة كل من ستالين وماو وكاسترو وغيرهم .
فشل دعاة القومية العربية :
مؤسسي الفكر القومي العربي اغلبهم كانوا من المسيحيين بالرغم من اكثرية هؤلاء ليس لهم علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالعرب والعروبة والاسلام , ألا القليل منهم يقول انه من اصول وجذور عربية , لان المسيحيين في الدول العربية والشرق الاوسط معروف تاريخم وانتمائهم العرقي منذ الاف السنين , هناك الشعب المصري القبطي الفرعوني , السريان في سوريا ولبنان ودول اخرى , العراق هناك الاشوريين والكلدانيين , والقائمة طويلة في الدول العربية الاخرى , أما العرب اصولهم وجذورهم من الجزيرة والصحراء العربية وما تسمى اليوم بالسعودية .
السبب الرئيسي لقيام بعض المسيحيين للترويج للفكر القومي وتاسيس احزاب قومية كان خوفهم على الاقليات والمسيحيين بصورة خاصة بعد زوال الاستعمار العثماني والقديم وتحرر الدول العربية ومجيئ انظمة اسلامية تحكم بالشريعة ويتم تكرار الماسي السابقة في قهر واضطهاد الاقليات والنصارى واعتبارهم من اهل الذمة وتدفع الجزية ومواطن من الدرجة الثالثة وكافر ويعبد ثلاثة الهة , وتطبق عليه الوثيقة العمرية الفاشية السيئة السيط والسمعة وغيرها من القوانين المجحفة والجائرة ويقولون عنها بانها تشريع الهي , وان تكرار قال الله ورسوله وهذا الشرك بالله في كل شيئ يخص الحياة العامة والخاصة . اذن ترعرعت القومية العربية وازدهرت منذ الاربعينات الى نهاية السبعينات من القرن الماضي .
الانهيار التدريجي :
بعض الانظمة العربية ادعت بانها قومية وعروبية وسوف تحرر الانسان العربي من العبودية والظلم وتعطيه حياة افضل ويكون كريما مقدرا معززا محترما غير مهان . . . , ادعت هذه الانظمة بانها ستكون ديمقراطية وتسمح بقيام وانشاء نقابات واحزاب وكيانات وغيرها من الوعود , وتطبق هذه الانظمة العدالة والمساواة وانتخابات وحق التظاهر والمسيرات وكل ما يحلم به الانسان العربي وزيادة عن المواطن الغربي .
سنوات قليلة مرت على هذه الانظمة وتبين بانها انظمة فاشلة تحب السلطة والكرسي ولم تفي بوعودها وشعاراتها وما كتب في كتبها وكراريسها وجرائدها وما كان يقال في اعلامها المزيف المسيطر عليه من قبلها , همها الوحيد هو البقاء لاطول فترة ممكنة في الحكم مهما كلف ذلك من خسائر وقتل وتضحيات وتدمير البلد وتهجير المواطنين . هذه الانظمة التي ادعت القومية والعروبية وتم تسمية حتى جيوشها بانها جيوش عربية وتمتاز بالممانعة والمقاومة والصمود والتصدي وما الى ذلك من التسميات المزيفة الفارغة الجوفاء . فسرت القومية بعد ان تم استيرادها من الخارج واخذت الجوهر كما يقولون , ولكن اتضح ان اللب والجوهر كانت افكار وقيم لتعاليم فاشية ونازية غربية وادخلته في قاموسها الفكري العربي الخاص بها , لا بل اضافوا الى هذا الفكر المشوه افكار اخرى مثل عبادة الزعيم والشخص وتأليهه .
الاحزاب العروبية القومية اعطت لنفسها الحق بان تقود الأمة العربية من المحيط الى الخليج , واعتبرت نفسها تقدمية والباقي رجعية وعميلة ومتآمرة وخائنة والخ , احتكرت السياسة وكل ما يتعلق بالوطن والدولة ومصير الشعب . اصبحت هذه الحركات القومية تتاجر وتستغل الدين والاسلام الى ان اصارت اشبه بما يكون احزاب اسلامية ولديها شعارات عنصرية انعزالية تكره الجميع ولا تحب الا نفسها وصنفت الاخر بانه كافر ويريد القضاء عليها ويحارب ثقافاتها وحضاراتها ودينها , كل هذه الشعارات والمقولات الاستفزازية لا تختلف عن رؤى الفاشية والنازية الغربية التي وضعوها الاوربيين في خبر كان واسقطوها في مزبلة التاريخ والقاذورات .
القوميون العرب قد ربطوا العروبة بالاسلام , وتم تاليف كتب ومؤلفات كثير ة منها , في ذكرى الرسول العربي , اي ان دعاة القومية العربية انحرفوا تماما عن القيم والمبادئ في القومية . ايديولوجية الفاشية والنازية لا تختلف تماما عن الافكار القومية العربية بعد استلام دعاتها المناصب والكراسي في بعض الدول العربية , وهم ليسوا الا انتهازيون ودجالون وفاشيون ونازيون جدد . . .
جميع حروب وماسي ومشاكل ومصائب الدول العربية كانت بسبب حكم الانظمة التي ادعت بانها قومية وعروبية وعلمانية , الانظمة هذه كانت تتدخل بشؤون الغير من باقي الدول العربية الاخرى وحتى في شؤون دول اجنبية وتصدر الارهاب اليها وتقوم بعمليات قتل وتصفيات جسدية لمعارضيها في تلك الدول , وقامت ايضا بعمليات اجرامية كاختطاف الطائرات وتفجيرها وتفجير عبوات ناسفة في شوارع مدن عربية واجنبية . النظام المصري تدخل في اليمن والعراق والسودان ومناطق اخرى , النظام العراقي السابق وحروبه مع ايران والكويت واكراد العراق وما خلفه من مقابر جماعية وعمليات تهجير والخ , النظام الليبي غني عن التعريف وما قام به من جرائم ارهابية في جميع دول العالم وفي دول عربية اخرى .
الانظمة القومية العربية رفضت الديمقراطية والانتخابات , كانت السباقة في انشاء وتاسيس انظمة عسكرية مخابراتية تعتمد على العنصر الامني في بقائها وليس الى تفويض من شعبها , الانظمةهذه صنعت ابشع انواع الدكتاتوريات في العالم , كانت تلك الانظمة مستبدة تنبذ سائر القوى السياسية ولا تريد من يخالفها ويعارضها , بل يعبدها وينحني راسه لها ليلا ونهارا ويمجدها ويقدسها ويمدحها بالكلام والاشعار وكافة الوسائل الاخرى , كما كان الحال مع الفاشية والنازية الغربية . كانت السباقة في عملية تسلط اجهزة الامن والشرطة والجيش والمخابرات على رقاب شعوبها , الانظمة القومية العروبية استخدمت كل وسائل التعذيب والترهيب والتنكيل في الانسان من قلع العيون والاظافر وقطع الاعضاء التناسلية والاذابة في الحوامض والرمي من اعلى البنايات والاعدامات , لم تبقى وسيلة وان استخدمت من قبل هذه الانظمة البوليسية المفترسة العنصرية المجرمة . السلطة كانت تتركز بيد شخص حافي القدمين , واصبح هذا الشخص وحاشيته وافراد اسرته فوق القانون وليس هناك من يحاسب هؤلاء لا على جرائمهم ولا على فسادهم ولا على سرقاتهم ولا على جرائم الاغتصاب والشرف . . .
اصبحت هذه الانظمة القومية العربية اشبه ما تكون الى الدولة التوتاليتارية النازية والفاشية . الفاشيون والنازيون الغربيون لا ينكرون بان لهم ايديولوجية دينية , اي ان الفاشية والنازية مفهوم ديني . القوميون العرب ربطوا ايديولوجيتهم بالدين , اوجدوا علاقة جدلية وترابط ما بين الاسلام والقومية العربية , اي دمجوا الفكر القومي بالدين لانهم عرفوا ان غالبية الشعوب العربية متخلفة وفقيرة وفي هذه الحالة لا بد ان تلجأ الى الدين والعباداة , لهذا فان الشعوب الفقيرة والجاهلة والمتاخرة تتوجه الى العباداة والصلوات والتمسك بالدين واستخدامه في جميع المجالات في الحياة اليومية والطب والعلوم والادب , والشعوب الافقر من ذلك تقوم بعبادة الاصنام والاوثان كما في بعض الدول الافريقية . لسنا ضد الدين والعباداة وكل واحد منا له ايمانه الخاص , لكن لا نستغل الدين في الحياة الدنيوية لانها تفسده , الدين لله والوطن للجميع والامور الاخرى يسيطر عليها الانسان ويوجهها نحو الخير لا الشر .
لهذه الاسباب وغيرها راينا سقوط دعاة القومية العربية الفاشلة المستوردة من المصدر المزيف وهي النازية والفاشية وليس من منبعها الاصلي الاصيل , بسقوط القومجية اعطوا الفرصة منذ نهاية السبعينات من القرن الماضي الى مجيئ الاسلام والاسلاميين والاسلام السياسي الذي يعتبر الاخطر , ونراهم اليوم يحكمون في اغلب الدول العربية .
في العقد القادم , هل ستشهد المنطقة ولادة حركة جديدة او احزاب سياسية تعترف بالمواطنة والقيم الانسانية والديمقراطية وحقوق الانسان وان لا تختلف عن الحركات الموجودة في العالم لكي تحافظ على مصداقيتها واهدافها وايديولوجيتها التي لا تختلف ان كانت في الدول العربية او اميركا او اسرائيل او جيبوتي , نتمنى ان تكون للعلمانية العربية دور خاص ومهم ومستقبل في السنوات القادمة ? . 

جوزيف شلال

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية | Leave a comment