إشكالية المثقف والدولة/السلطة

نصر حامد أبو زيد  

الزواج الكاثوليكي بين المثقف والسلطة، استبعاد العامة:

ثمّة اعتقاد دوغمائيّ عند الفصيل الأكبر من المثقّفين باستحالة التغيير دون مساندة السلطة. أقول اعتقاد “دوغمائي”؛ لأنه نتيجة تراكم تراث طويل ممتدّ من تقسيم الناس إلى “خاصّة” و”عامّة”، حيث لا يسمح بتداول المعرفة “الحقّة” إلا بين “الخاصة”، بينما يترك العامة لعقائدهم وتصوّراتهم المريحة. يكفي للتدليل على هذه الحقيقة التاريخية ما كان يدور داخل قصور “الموحّدين” في الأندلس من نقاش فلسفيّ حول حدوث العالم وقدمه، بينما لا يسمح، خارج أسوار القصر، إلا باتباع العقائد القائمة على أساس الفهم الحرفي للنصوص الدينية.

في هذا التصنيف التمييزيّ بين البشر، يتّفق كلّ من “أبي حامد الغزالي” و”ابن رشد”، رغم البون الشاسع بينهما في مواقفهما اللاهوتية والفلسفية. إنّ كثيرا من المثقّفين المعاصرين يؤمنون أنّ ثمّة قضايا ومسائل لا يجب أن تناقش إلا داخل الأكاديميات، حفاظا على عدم المساس بعقائد العامّة، وهذا هو نفس المنطق القديم. مفهوم “الخاصة”، في الفكر المعاصر، يتسع ليشمل المفكّرين والمبدعين ورجال السياسية، وفي عصر الليبرالية الاقتصادية يشمل “رجال الأعمال”. كلّ هذه التمييزات والتصنيفات، في جوهرها، قيود تنتمي إلى عصور مضت، لكنها ما تزال سائدة للأسف الشديد في عصر انتشار التعليم، والثورة التكنولوجية في مجال الاتصال: عصر السماوات المفتوحة والإنترنت. والأهم من ذلك عصر “ديمقراطية المعرفة”.

يجب أن يتمكن المثقف من إنتاج خطاب لا يضع السلطة في بؤرته سلبا ولا إيجابا. وليست هذه دعوة للتوقّف عن نقد السلطة، بكلّ تجلياتها الاجتماعية، والسياسية، والثقافية: أعني عدم اختصار مفهوم “السلطة” في نظام الحكم. بعض المثقفين يؤمن أنّ التغيير لا يأتي ولا يتحقّق إلا من أعلى، بينما أتصوّر أنّ التغيير الدائم لا بدّ أن يأتي من القواعد لا من القمم. تستطيع السلطة تغيير القوانين، لكنّ هذه القوانين تظلّ فاقدة الأثر ما لم تتغيّر الأذهان.

يجب على المثقف أن يحتفظ لنفسه بمسافة خارج مفاهيم السلطة، حتى لو كان النظام السياسيّ يتبنّى بعض المفاهيم التي يتبنّاها المثقف. هذه المسافة تسمح للمثقف بالاستقلال الفكري الذي يحميه من أن يقوم بتبرير القرارات السياسية أو الدفاع عنها. الاستقلال عن السلطة لا يعني معاداتها، بل يهدف إلى ترشيدها؛ فالسياسة هي فنّ تحقيق الممكن، والفكر سعي لاكتشاف المجهول وفتح آفاق الممكن. المثقّف الغربي متحرّر من تلك القيود الكلاسيكية، التي تصنّف الناس إلى خاصة وعامّة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، يسمح واقع المجتمعات الغربية – التي تأسست فيها الديمقراطية على أساس حرية الفرد – بتداول الأفكار، ليس فقط خارج إطار سيطرة السلطة – أي سلطة اجتماعية أو سياسية أو دينية – بل ضدّ هذه السلطة تحديدا. منطقة “المحرّم” و”اللا مفكر فيه” تتّسع في ثقافتنا، بينما تضيق إلى أقصى حدّ في الثقافات الغربية. من أقدس المقدّسات في هذه المجتمعات: حقّ حرية الرأي، وحقّ حرية التعبير. ولهذا لا تفهم شعوبنا – وبعض مثقفينا للأسف الشديد مرة أخرى – عدم قدرة الحكومات في هذه المجتمعات الغربية على كبح جماح الأصوات المتطرفة ضدّ الإسلام هنا وهناك. إنهم يطالبون الحكومات بالحظر والمنع قياسا على ما ترتكبه السلطة – بالمعنى الواسع لكلمة السلطة، أو فلنقل السلطات – من حماقات ضدّ حرية الفكر والتعبير باسم “الحفاظ على الثوابت”. وهو مفهوم مضلّل ربما نناقشه في مقالة مستقلة. المشكلة في تحالف المثقف مع السلطة في عالمنا أنّ السلطة تعتمد في تأسيس مشروعيتها على الماضي، بينما يجب أن تستمدّ السلطة – أيّ سلطة – مشروعيتها من الحاضر الحيّ، وليس من الماضي الميّت. أقصد بالحاضر الحيّ: الحاضر المتواصل مع الماضي تواصلا ديناميكيا نقديا خلاقا. الحاضر، الذي يعيد إنتاج الماضي بالترديد والتكرار، يفسح المجال لقيام ديكتاتوريات قمعية تسلطية.
 
دين السلطة وسلطة الدين:

انظر حولك في إيديولوجيا السلطات السياسية، المتمثلة في الألقاب والأسماء التي يحملها الحكام، بل وأسماء بعض الدول. هذا فضلا عن الدساتير – إن وجدت – التي تصر على احتكار السلطة للمعنى الديني، حين تقرر أن للدولة – في مجتمعات حديثة متعددة الأديان، بل ومتعددة الانتماءات المذهبية داخل نفس الدين – دينا. تتضمن معظم هذه الدساتير مادة: “الإسلام دين الدولة الرسمي، والشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي – أحيانا أحد مصادر – للتشريع”.

الدولة ذات الدين تحتاج لسلطة دينية تحدّد معنى هذا الدين، وتحتاج لسلطة سياسية تحمي هذا الدين. وتستقطب هذه السلطات – بالجزرة أو بالعصا – فصائل من المثقفين والمفكرين الذين لا يملون التصدّي للدفاع عن “ثوابت” – دينية ووطنية وقومية وثقافية، في الأعراف والتقاليد الأخلاقية والعائلية – ضدّ التغيير والتطور. باختصار يصبح الدفاع عن هذه الثوابت/الأقانيم دفاعا عن كلّ الأوضاع الراهنة، والسماح ببعض مظاهر التجميل الخارجية في المباني والشوارع.

كلّ هذا التجمّد يؤثّر بشكل أو بآخر علي ذهنية المسلمين، الذين يعيشون في الغرب، والذين تتزايد عند أغلبهم سيكولوجية الخوف من فقدان الهوية، التي انحسرت أخيرا في الهوية الدينية، نتيجة الأسباب المذكورة. يضاف إلى ذلك التحوّل الذي أحدثته مأساة الحادي عشر من سبتمبر، وما تبعها من تفجيرات في مدريد ولندن، بالإضافة إلى مقتل المخرج الهولندي فان جوخ على يد شابّ من أصول مغربية، في تدشين العلاقة بين الإرهاب والإسلام، الأمر الذي خلق حالة الإسلاموفوبيا في الغرب. وهكذا أصبحت العلاقة بين المسلمين في الغرب وبين مواطنيهم علاقة توتّر وتوجّس وشكّ متبادل.

زاد من تعقد الأمر مسألة “حرية التفكير والتعبير” التي لا تُساوم في الوعي الغربي، والتي أدت إلى ازدياد الاحتقان المعادي للغرب في العالم الإسلامي: الكارتون الدانمركي، وتصريحات بابا الفاتيكان، وأفلام اليميني الهولندي فيلدرز، وأخيرا مسألة “المآذن” في سويسرا، مجرد أمثلة. المسألة ليست بالضبط مكانة الإسلام في الغرب، فثمّ دعوات الآن، هنا وهناك، للسماح للمسلمين بالاحتكام إلى الشريعة في شئون الأسرة، بل هي العلاقة بين المسلمين وبين مواطنيهم غير المسلمين في بلاد الغرب. المشكلة هي التي يطلق عليها الساسة ورجال القانون اسم “مشكلة الاندماج” ويتناولها المفكرون والمثقفون من مداخل مختلفة، مثل “التعدد الثقافي”، “النسبية الثقافية”، مفهوم “المواطنة” في الدولة الحديثة المتعددة الأعراق والثقافات والأديان .. الخ

 مشروع الإصلاح الدينيّ المؤجل:

هل توقّف المشروع الإصلاحيّ التنويريّ – أتردّد في استخدام كلمة تنوير بسبب ما علق بها كما يعلق بكثير مثلها من حمولات إيديولوجية – الذي بدأ في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين؟ نحن مغرمون بالبكاء على الماضي، فقط حين يصبح ماضيا. هذا المشروع الإصلاحي الماضي كان ملعونا في زمنه: محمد عبده كان مرفوضا، وما يزال، من المؤسسة التي حاول إصلاحها ففشل. قاسم أمين: تجهّم له “سعد زغلول” الزعيم السياسي، و”طلعت حرب” الرائد الاقتصادي، فضلا عن الخديوي. الطهطاوي، قبلهما، تم نفيه إلى السودان. قصة طه حسين وعلي عبد الرازق ثم خالد محمد خالد ولويس عوض قصص معروفة، لكن ما حدث لمحمد أحمد خلف الله بسبب رسالته لنيل درجة الدكتوراه عن “الفنّ القصصي في القرآن” بإشراف أمين الخولي عام 1947 غير معروف، وقصة “أبو زيد الأول” الذي رفعت ضده دعوى تفريق في محكمة دمنهور عام 1917-1918 بسبب قوله إنّ القول بنبوّة أدم، أي أنّ آدم كان أوّل الأنبياء، يعتمد على أدلّة ظنّية وليس على أدلّة قطعية. رفع عليه البعض دعوى ردّة مطالبين بالتفريق بينه وبين زوجته أمام محكمة دمنهور الابتدائية التي حكمت بالردّة والتفريق. لكنّ محكمة الاستئناف بالإسكندرية ألغت الحكم، والقصة بتفاصيلها المثيرة يمكن قراءتها في مجلة “المنار” العدد ا. هناك قصص أخرى وقعت خارج مصر يمكن أن تضاف: ما حدث للحدّاد في تونس وما حدث لمحمود محمد طه في السودان. ليس صحيحا إذن أنّ التنوير تحقّق ثم انطفأ؛ ذلك أنه لم يغادر حدود العواصم فأمكن حصاره وقتله. غدا أتوقّع أن يبكي أخلافنا علينا بعد أن نمضي. المشروع لم يتوقّف ولكنّ محاولات حصاره وخنقه تتزايد بسبب هذا الزواج الكاثوليكي بين المثقف والسلطة.

التنوير نجح في الغرب بسبب استقلال المثقف، واستقلال الفكر، عن أن يدور في فلك أيّ سلطة. التنوير في عمقه هو تحرير العقول من كلّ السلطات، سياسية واجتماعية ودينية. وليس معنى تحرير العقل تدمير هذه السلطات، بل تحجيم مجال تأثيرها. من هنا ارتبط التنوير في تطوره بإبداع سلطات موازية لتحجيم تغول السلطة السياسية، مثل السلطة الرقابية والتشريعية – النابعة من ممثلي الشعب عبر تطوير آليات الديمقراطية – والسلطة القضائية المستقلة والسلطة الرابعة، سلطة الرأي العامّ المتمثل في الصحافة والإعلام المستقلين، وهي أهمّها. من هنا إقرار مبدأ “الفصل بين السلطات”. كلّ هذا لم يتحقق في مجتمعاتنا، ما زالت السلطة السياسية تتغوّل على باقي السلطات، وأحيانا تحوّلها إلى مجرّد أبنية وهياكل وظيفية. الصحافة والإعلام في قبضة الأنظمة السياسية، أو في قبضة المال الذي أصبح جزءا جوهريا من السلطة. المال في العالم العربي ليس نتاج العمل، بل هو إما نتاج ركاز الأرض –البترول- أو نتاج السمسرة. كل ذلك يكشف عن بعض أسباب الخلل في البنى التي يمثل التنوير تهديدا لاستمرارها، فلا تبخل بأي جهد يقتله، أو يخنقه، أو يحاصره وهذا أضعف الإيمان في ظل العولمة التي تكشف عن بعد كل الأسرار.

التواصل مع العامة، كيف؟:

والسؤال الآن: كيف يتواصل المثقف بخطابه مع دائرة أوسع من الجمهور؟ وكيف ينتج خطابا عميقا ومفهوما في نفس الوقت؟ ليس عندي وصفة جاهزة لحلّ هذا المعضل، الذي أعتبره تحدّيا حقيقيّا لكل مثقّف في مجتمعات العالم الثالث، حيث “التعليم” في أزمة عضال. المسألة ليست إنتاج خطاب شعبوي، يطبطب على عواطف وغرائز الجماهير. يقوم الإعلام بتحقيق ذلك بنجاح ساحق: أعني يسحق سحقا كل خطابات المثقفين. المطلوب خطاب نقدي يحترم عواطف الناس ومشاعرهم، دون أن يزايد عليها. من المؤكّد أنّ ما لا تصنعه الشعوب لا يستقرّ في وجدانها الثقافي. وما حدث من تشويه للحداثة وابتسار لقيمها في عملية “التحديث” في العالم العربي لم تقترفه الشعوب، بل اقترفته السلطة التحديثية، بمعاونة مثقف حداثي ظل يراوح مكانه بين التراث والحداثة، دون أن ينتج وعيا علميا بأيّ منهما. لا يمكن تحقيق حداثة علوية – من أعلى – مع المحافظة على البنى التقليدية تحت أيّ مسمّى.

نصر حامد أبو زيد(مفكر حر)؟

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

تعليق على ما حدث

نصر حامد أبو زيد

دخول الكويت رغم أنف المانعين

1-المشهد الأول:

المكان: مطار الشيخ سعدون الصباح في الكويت

الزمان: حوالي الساعة الخامسة والنصف مساء بتوقيت الكويت، يوم 15 ديسمبر 2009.

وصلت طائرة شركة “الوطنية” الرحلة رقم 2003 القادمة من القاهرة.

تقدمت بأوراقي – كارت التأشيرة كما يسمونه – مرفقا به جواز السفر، فأخبرتني السيدة المسؤولة أنها تريد “الـتأشيرة الأصلية”، ولما لا حظت حيرتي قامت هي بنفسها ووجدتها مع مسؤول آخر، وبدأت إجراءات النظر في جواز السفر استعدادا لختمه بالسماح بالدخول. في هذه اللحظة تقدم مني شاب في غاية اللطف والأدب والدماثة – علمت فيما بعد أن اسمه “نواف” – طالبا أن أستريح حتى انتهاء الإجرءات. بالنسبة لي هذا سلوك عادي يحدث في استقبال ضيف مدعو من جهة معروفة. سألني الشاب : كيف كانت الرحلة، وأجبت الإجابات العادية : كانت مريحة وكل شيء تمام والحمد لله. حوار عادي، سؤال عادي وجواب عادي، ونحن جالسان على إحدى الأرائك في صالة الدخول. بعد تردد ليس طويلا، تساءل الشاب في خجل عما يمكن أن يكون رد فعلي على ما سوف يقول : “يا دكتور ما بعرف كيف ستتفهم ما يتحتم علي إني أقول، أنا مكلف بإعادتك إلى القاهرة على الرحلة التي تغادر في الساعة العاشرة.” تساءلت : هل أفهم من هذا أنني ممنوع من الدخول؟ “للأسف يا دكتور، واعذرني أنا عبد المأمور”. (الشاب كما هو واضح يحاول التواصل معي باللهجة المصرية. علمت منه فيما بعد أنه يمتلك مسكنا في القاهرة، وأنه يعشق مصر والمصريين). سألت مستغربا: ومن صاحب قرار المنع؟ قال الشاب : “صدقني يا دكتور لا أعرف”.

2- من وراء الجدار العازل:

قلت له : “علي بالاتصال بالأستاذ “طالب المولي” والذين ينتظرونني في صالة الوصول.” عرض الشاب أن استخدم تليفونه الكويتي بدلا من استخدام تليفوني الدولي، فشكرته؛ لأن الأصدقاء المنتظرين في الخارج يتعرفون عليَّ من رقمي الهولندي. فوجئ “طالب المولى” بالخبر، وطلب مني الانتظار قليلا وسيتصل بي مرة ثانية. بعد دقائق اتصل ليقول إن بعض أعضاء البرلمان من الاتجاه الإسلامي أثاروا بعض اللغط اليوم بخصوص زيارتك في سياق استعدادهم لإعداد قرار بسحب الثقة من الحكومة، لكن الصدمة أنهم نجحوا في ابتزاز وزير الداخلية. تساءلت ضاحكا: وما دخلي بهذا الموضوع؟

توالت الاتصالات من الدكتور “أحمد البغدادي” – شفاه الله وأعاده سالما من رحلة علاج بانجلترا أصر على تأجيلها لحضور محاضرتي يوم 16 وتقديمي للجمهور الكويتي. واتصل بي أصدقاء آخرون يعتذرون بأسف أحسست معه أنني يجب أن أخفف عنهم، وهكذا كنت أفعل. بدأت اتصالات من صحف كويتية يسألون عن رد فعلي الذي عبرت عنه بوضوح واضعا القرار تحت حذائي، واستعدادي لفضح هذا القرار بعمل مؤتمر صحفي في مصر وآخر في هولندا. هنا يجب أن أؤكد أنني أتحدث عن “القرار”، وليس عن “المسؤول” صاحب القرار، ولا يمكن أن أتخيل أبدا أن يظن أحد أنني أقصد “الكويت” الوطن، كما فهم بعض من علقوا على هذه العبارة في صفحات “تعليقات القراء” على الإنترنت. من له أدني معرفة بكتاباتي وأفكاري – أقصد معرفة مباشرة لا معرفة سماعية نقلية – يعرف معنى ما أقول. الكويت وطن لا يلوثه قرار – ورقة – يمكن أن تداس بالحذاء، وإن كان تتسلح بتوقيع مسئول لا يحترم القانون : القانون الذي لم يمنعه من منح التأشيرة، ولكنه أصر على أن يضع القانون تحت حذائه بسحب التأشيرة دون الاهتمام بإبداء أي تبرير قانوني للمنع. القرار الذي يستهين بالقانون إلى هذا الحد – راضخا لابتزاز سياسي رخيص – هو قرار مكانه سلة المهملات. هذا هو الأمر ببساطة متناهية.

3- الكويت-الوطن العربي الجميل:

اهتم بي اهتماما بالغا في الساعات التي قضيتها بالمطار الشاب “نواف”، الذي عرفت منه فيما بعد أنه “مدير شركة الطيران الكويتية” ، وأنه ليس من رجال أمن المطار ولا من ممثلي وزارة الداخلية. بعد أن تأكد الشاب أن “الخبر” – المنع من الدخول – لم يزلزلني كما توقع، بدأ التعرف عليَّ : من أنا؟ وماذا أعمل؟ وفيم كانت الدعوة؟ ولماذا سُحِبت التأشيرة بعد منحها؟ حين أنبأته بما أعلم سألني : من هؤلاء الذي اعترضوا : شيعة أم سنة؟ قلت : في حدود علمي يا أخ “نواف” هم من السنة. عاد فسألني: السلفية أم السنية؟ سألته: وما الفرق؟ قال: السلفية متشددون جدا. هم الذي هاجموا رئيس جمعية سعودية قال إن الاختلاط بين الرجال والنساء ليس ضد الشريعة وتسببوا في فصله، أما السنية فمعتدلون. (كنت قد قرأت في صحيفة “الوطن” وأنا بالطائرة بعض ذلك الهجوم.) تساءلت مندهشا: هم فصلوه، قال الشاب : لا يا أستاذ، الحكومة السعودية فصلته. سألت “نواف”: هل الإخوة السلفيون ممثلون في البرلمان؟ لا، لأنهم ضد الديمقراطية. قلت له : إذن فالذين اعترضوا على الدعوة والتأشيرة هم السنية، لأنهم أعضاء في البرلمان. بدت علامات الدهشة والاستغراب – استغراب حقيقي يكاد يقارب تخوم الاستنكار – على وجه “نواف” : ليه، كان يمكن يحضروا المحاضرة ويناقشوك ويردوا على أفكارك. أليس ديننا يحض على الاجتهاد والنقاش بالتي هي أحسن؟! قلت : شفت بقى يا عم “نواف” المشكلة اللى احنا غارقانين فيها؟ قال : تعرف يا دكتور الظاهر انهم خايفين منك لأنهم مش حيقدروا يناقشوك.

بين الحين والآخر كان “نواف” يستأذن لفترات غياب ولم أكن أسأله عنها. عاد مرة بعد فترة غياب طالت، عاد متهللا : لا مؤاخذة يا دكتور اللي ما يعرفك يجهلك، أنا قاعد آخد وادي معاك في الكلام وانا مش واخد بالي إن حضرتك الدكتور نصر أبوزيد المفكر المعروف. اعذرني ما ربطتش الاسم بمعلوماتي، قلت له لعل معلوماتك عني مش وحشة؟ ضحك “نواف” ببراءة عذبة وقال: اعذرني يا دكتور ما خطر ببالي إن مفكر كبير زيك ياخد ويدي في الكلام مع واحد بسيط زييي. شعرت بخجل حقيقي من هذا الإطراء، وقلت له: يا “نواف” العمل في مجال البحث والفكر مهنة زي كل المهن. لو انت بتمارس مهنتك بجد وإخلاص وأمانة ومعرفة، فلست أقل من أي مفكر. المفكرين بني آدمين عاديين، بعضهم بيمارس الفكر بجد وإخلاص وأمانة ومعرفة، وبعضهم زي بعض أصحاب المهن الأخرى مزورين ومرتشين. حكيت لنواف باختصار سيرتي الذاتية : الأسرة والأهل والنشأة. بدأ “نواف” يكلمني عن ابنته – طفلة أكبر قليلا من عامين – وأراني صورتها على الموبيل. سألته: ناوي تعلمها لغاية فين؟ لغاية ما تحب توصل، يارب تبقى زي ما تحب تكون.

تحدثنا في أمور كثيرة عن “التعليم” و”السياسة” و”الاقتصاد” و”المشكلات الاجتماعية”. بعد أن ضمن “نواف” راحتي التامة في قاعة “كبار الزوار” كان يسـتأذن لإنهاء بعض الأعمال في المكتب، هكذا عرفت أنه مدير شركة الطيران الكويتية التي سأستقلها عائدا إلى القاهرة. في هذه الغيبات كان يحرص على أن يكون معي أحد موظفي المكتب حتى يعود. سألته مازحا: جرى إيه يا نواف هو انا تحت الحراسة ولا إيه؟ رد بانزعاج حقيقي : حاشا لله يا دكتور! لا أريد أن أتركك وحدك، زميلي معك ربما تحتاج لشي. شرحت له أنني أمزح، ولكني سألته: طيب فين الجواز؟ حاجزينه ليه؟ أنزعج مرة أخري : يا دكتور والله راحتك هي أهم شيئ عندي. لن أجعلك تمر عبر إجراءات بوابات الوصول إلى الطائرة. سأحملك بنفسي بشنطتك حتى المقعد. لذلك أحتاج الجواز لإنهاء الإجراءات، ويكفي الإزعاج الذي سببناه لك. وهذا ما حدث، قبل الإقلاع بدقائق حمل “نواف” حقيبتي ومررنا عبر كل البوابات الإلكترونية حتى المقعد: مع ألف سلامة يا دكتور، شرفتنا ونعتذر عن الإساءة.

4- دخول الكويت بالصوت دون الصورة:

الجهة الداعية هي مركز الحوار الثقافي (تنوير) وهو مركز أنشأه مجموعة من المثقفين الكويتيين يتركز نشاطه في الإطار الثقافي والفكري وله موقع إلكتروني: www.kwtanweer.com

ضمن إطار الدعوة هاتفني الدكتور أحمد البغدادي الذي أعرفه من خلال كتبه وآرائة ولم أشرف بلقائه. الدعوة لأي فعالية فكرية في أي مجتمع عربي تحتل أولوية قصوى في ترتيب نشاطي، مهما كانت الدعوة متأخرة في التوقيت. في هذه الحالة تلقيت الرسالة الأولى للدعوة في 21 أكتوبر، أي قبل أقل من شهرين من الموعد المحدد. قبلت الدعوة مرحبا وتم الاتفاق على إلقاء محاضرتين يومي 16 و 17 ديسمبر 2009 : الأوالي بعنوان “الإصلاح الديني في الدولة الدستورية”، والثانية بعنوان “قضايا المرأة بين الخطاب القرآني والرؤية الفقهية”. خلال فترة إقامتي المؤقتة في المطار لم يكف الهاتف عن الرنين من رجال الصحافة والإعلام والمثقفين وبعض أعضاء البرلمان، وكلها مكالمات تبدأ بالاعتذار وتؤكد المساندة والتأييد. اتصلت النائبة د. رولا دشتي والسيدة ابتهال الخطيب والنائب الأستاذ صالح الملا والنائبة د.أسيل العوضي، وكلاهما تقدم باستجواب لوزير الداخلية – بعد تجديد الثقة به من جانب الإسلاميين الذين كانوا قد طرحوا من قبل حجب الثقة عن الوزارة كلها – لتقديم التبريرات القانونية للمنع من الدخول. حين وصلت إلى مطار القاهرة بعد منتصف الليل (صباح يوم 16 ديسمبر) وجدت مكالمات كثيرة ممن أعرف (طالب المولى، واحمد البغدادي) وممن لا أعرف. لكن الوقت كان متأخرا، وأنا عادة أغلق تليفوني المحمول في الساعة العاشرة مساء، ولا أرد على أي مكالمات على التلفون الأرضي بعد ذلك إلا إذا كان الرقم الطالب هو رقم زوجتي الدكتوره ابتهال حين تكون في القاهرة وأنا في هولندا.

في الصباح اتصلت بكل من “طالب مولى واحمد البغدادي” اللذين أبلغاني قرارهما بإقامة الفعالية في موعدها مساء اليوم (16 ديسمبر) كما هو مقرر، وطلبا مني ضرورة المشاركة عبر التليفون. وقد كان، وبهذا ثبت للمانعين عبثية المنع في العصر الحديث.

في تمام الساعة السادسة مساء بتوقيت القاهرة – السابعة بتوقيت الكويت – بدأت وقائع الفعالية بتقديم من الأستاذ “طالب المولى” استمعت إليه كاملا. ثم جاء دوري فبدأت مداخلتي بتعليق على ما حدث لم يخرج على ما طرحته من أن المشكلة الأساسية هي مشكلة صاحب القرار الذي خضع للابتزاز فداس على القانون من أجل حماية كرسيه المزور. من حق أي جماعة أو أي شخص أن يعبر عن اعتراضه على أي قرار يراه غير ملائم أو يراه ضارا بمصالح البلاد، لكن مهمة المسئول الحفاظ على القانون. في حالة تأشيرة دخول المواطن المصري العربي “نصر حامد أبوزيد”، تمت الموافقة على منح التأشيرة لعدم وجود مانع قانوني. هذا الوضع لم يتغير، ولا يجب أن يتغير، باعتراض معترض، اللهم إلا إذا كشف الاعتراض عن وجود خطر محدق من دخول الشخص يعرض البلاد لوباء مرضي أو وباء سياسي/اجتماعي. وفي هذه الحالة الأخيرة من حق الشخص أن يعرف الأسباب القانونية لمنعه من الدخول رغم سلامة إجراءات منح التأشيرة.

السياسي في بلادنا صار صدى باهتا للتطرف باسم الدين. التطرف يبتز ويهدد والسياسي يذعن، فتسقط كل أقنعة الليبرالية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي يتجمل بها السياسي. يجب أن تكون معركة المثقف ضد السياسي، الذي هو الصدى الباهت للتطرف الديني. جريمة ثقافية كبرى أن يتحالف المثقف مع السياسي باسم محاربة التطرف والإرهاب، ذلك أن السياسي متطرف وإرهابي من نفس النمط. متطرفان يكره كل منهما الآخر، وإرهابيان يرهب كل منهما الآخر، والضحية نحن: الشعب بكل طوائفه ومنهم المثقفون المستقلون، ابناء البطة السوداء أو العرجاء كما نقول في الأمثال المصرية. من هنا أؤكد دائما وفي كل مناسبة على ضرورة أن يتمسك المثقف باستقلاله حتى لو تبنى السياسي منظور المثقف. على المثقف أن يكون دائما حارس قيم وعليه أن يحذر أن يتحول بالتحالف مع السياسي فيكون “كلب حراسة”. علينا أن نتعلم من دروس التاريخ كيف تتحول الأفكار على يد السياسي إلى أدوات قمع وسجن وتعذيب. لم يكن المأمون ليبراليا ولاعقلانيا حين استخدم مقولات المعتزلة لامتحان البشر من الفقهاء والقضاءة وتعذيبهم، ولا كان المتوكل عادلا حين قلب الموازين فاضطهد المعتزلة. في الحالتين تم خداع المفكرين فدفعوا الثمن. أعظم الأفكار تلوثها السياسة، في بلاد تعتبر “الحرية” فسادا، وترى المواطنين “رعايا”، في بلاد تضطهد المخالفين في العقيدة كما تضطهد المخالفين في الرأي من المنتسبين لنفس العقيدة.

قامت جريدة القبس بتغطية الفعالية بشكل طيب في عددها الصادر يوم 18 ديسمبر 2008.

http://www.alqabas.com.kw/Article.a

5- الكويت في بيتي:

بعد هذه المقدمة بدأت موضوع محاضرتي – ستنشر فيما بعد – التي استغرقت حوالي ساعة. وقبل أن استأذن في الانصراف – تليفونيا – نبهني الأستاذ “طالب المولى” إلى أنه قادم للقائي في القاهرة يوم السبت 19 ديسمبر. في اليوم التالي للفعالية يوم 17 ديسمبر أكد الأستاذ “طالب” أنه سيصل القاهرة يوم الجمعة 18 على أن يلقاني يوم السبت 19 في بيتي. كان الرجل حريصا كل الحرص على أن ألقاه في بيتي دون أن أتجشم أي عناء للقائه في المطار أو في الفندق. ولما كنت أقيم في المدن الجديدة بمحافظة السادس من أكتوبر، حيث يصعب وصول سائق التاكسي إلى المكان دون وصف تفصيلي دقيق، فقد استعنت بالصديق الدكتور على مبروك لإحضار العزيز “طالب” وأن يحضر لقاءنا. كانت المفاجأة أن الأستاذ طالب أحضر معه الهدية التذكارية التي تعطى للضيف الزائر بعد الفعالية باسم المركز. سلمها لي وتكفل الدكتور علي بالتصوير، الصورة التي ستؤكد لمن لا يفقه أنني دخلت “الكويت” صوتا وصورة رغم أنف المانعين. كان يوما رائعا تعرفت فيه على مضيفي. وكانت الزيارة أكثر من رائعة، خاصة في جزئها الثاني بعد أن عادت الدكتورة ابتهال من الجامعة وتعرفت على الضيف العزيز وشاركتنا النقاش في قضايا الفكر الديني، المساواة، وحقوق المرأة.

نصر حامد أبو زيد(مفكر حر)؟

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

وفاء سلطان والاتجاه المعاكس

وفاء سلطان

يقول مثل أمريكي: إيّاك أن تجادل الأحمق إذ قد لا يميّز المستمعون بينك وبينه!

لم يكن خياري هذه المرّة أن أجادل أحمقا وحسب، وإنّما وحشا بشريّا همجيّا وهائجا!

من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن تواجه وحشا وتستطيع في الوقت نفسه أن تحافظ على انسانيتك وأدبك! ولكنني حاولت قدر الإمكان أن أكون نفسي وأثبت لمشاهدي برنامج الإتجاه المعاكس الفرق بين المدنيّة والهمجيّة!

لم تكن كلمة “اخرس” التي تفوّهت بها في نهاية اللقاء من شيمي، ولكنّها خبطة حذاء اضطررت، غصبا عنّي، أن أهرس بها ذبابة أصرّت حتى اللحظة الأخيرة على ازعاجي!

أعتذر من جميع المشاهدين الذين أزعجتهم كلمتي هذه فالإنسان ليس إلها!

استضافني الدكتور فيصل القاسم مشكورا من الأعماق في برنامجه وكان نعم المضيف!

حاول هو الآخر أن يقسّم الوقت بالتساوي، لكن الوحوش لاتؤمن بمبدأ القسمة العادلة وتتعامل دائما مع الأشياء بمنطق الغابة!

لم يتعلم هذا الوحش في حياته أن يحاور إلاّ بالسيف، ولذلك عندما وجد نفسه مجردا أمام الناس منه لجأ إلى لسانه الداشر كي يقوم مقامه!

يفهم هذا اللسان بأنّ الصراخ والزعيق والنباح نصرا لذلك راح يرغد ويزبد غير مكترث بأهميّة الوقت وبحقّ المشاهد بأن يسمع كلا الجانبين.

كنت بعيدة عنه آلاف الأميال ولم أكن، لحسن الحظّ، أراه ومع هذا شعرت بسعير لهاثه والشرر الذي يتطاير من عينيه حتى كاد يحرقني.

فقره العلمي المدقع وخواؤه المعرفي حشره في خانة الإتهامات، فراح ينهل منها ويرشقني ظنا منه أنه سيقلّل من أهميتي ويرفع من شأنه!

حتى جاءت نتائج الإستطلاع لتفاجئني بأنّ 36% من المشاهدين صوّتوا لصالحي!

هل يدري هذا المعتوه وأمثاله مامعنى أن يصوّت لصالحي 36% من سكان العالم العربي خلال الدقائق الأولى التي سمعوني بها؟ّ!!

هل يستطيع أن يعي الرسالة التي حملتها له تلك النتيجة؟!!

حتّى الأمس القريب كان العالم العربيّ، بأغلبيته الساحقة المسلمة، يعيش داخل زجاجة. وكان انسان هذا الوطن يؤمن بأنّ القرضاوي أكثر علما من انشتاين!!

في لحظة مواجهة مع الحقيقة انقلب 36% من ناسه على تعاليمهم وكفروا بكتبهم وصرخوا بأعلى صوتهم: صدقت وفاء سلطان!

إنّه تطور، في اعتقادي، اسرع من سرعة الصوت!

ولكن هل يعي هذا المعتوه تلك الحقيقة؟

 

لقد فوّت عليّ جنونه الإجابة على بعض الأسئلة الهامة، ولكن ليس في الأمر ضرر! فالقارئ يعرفني من خلال منبري وأعد جميع قرائي أن أوافيهم في مقالاتي القادمة بما فاتهم سماعه.

هناك سؤال واحد يؤسفني جدا عدم إتاحة الوقت لي كي أجيب عليه ألا وهو: لماذا تحاولين أن تكون أمريكيّة أكثر من الأمريكي؟

وخوفا من أن أنساه في غمرة الأفكار التي تتزاحم في رأسي الآن، خوفا من أنساه فلا أجيب عليه في مقالاتي القادمة سأجيب عليه الآن:

نعم أنا أمريكيّة أكثر من الأمريكيّ نفسه!

فالذي يولد في النار يعرف قيمة الجنة أكثر مما يعرفها الذي ولد فيها!

أنا أعرف قيمة أمريكا أكثر مما يعرفها أيّ مواطن أمريكي آخر.

هو لايعتبر لقمة عيشه الكريمة وبيته الجميل الآمن والخدمات التي تقدّمها له بلديّة المدينة أو القرية التي يسكنها والطبابة التي هي في متناول يديه، لايعتبر كلّ هذه الإمتيازات منّة يتصدّق عليه بها جورج بوش بل هي أبسط حقّ من حقوقه. عندما لاتعجبه وجبة الغذاء التي يتناولها طفله في المدرسة مجانا يقيم الدنيا على رأس المسؤولين ولا يقعدها!

أذكر مهرجانا خطابيا على غرار المهرجان الذي ثقب به وحش “الإتجاه المعاكس” آذاننا.. مهرجانا أُرغمنا مرّة كأطباء لحضوره، وكانت المناسبة ذكرى الحركة التصحيحة في سوريّا.

بعد الإصغاء إلى الكثير من الزعيق والصراخ تمجيدا بالسيّد القائد وانجازاته تحت أشعة الشمس الحارقة، شقّ الجموع رجل كان يشتغل آذنا في إحدى المدارس القريبة وانتزع الميكروفون من يد أحد المنافقين محاولا أن ينافسه في النفاق ليقول:

انظروا إلى هذه الجبال والسهول والوهاد! كلّها من انجازات الحركة التصحيحة!

في أمريكا اللقمة النظيفة حق وليست منّة، بينما في بلادنا صارت الجبال والسهول والوهاد من إنجازات القائد!

******

قالت لي سيّدة أمريكيّة مرّة وفي سياق الحديث عن الإرهاب والإسلام: الدين الإسلامي دين محبّة وتسامح ولا يمكن أن يأمر هؤلاء الإرهابين بالقتل!

قلت لها مستفسرة: ماذا تعرفين عن الدين الإسلامي وماذا قرأت عنه؟

ـ لاأعرف شيئا ولم أقرأ عنه. ولكن بإعتباره دين لاأستطيع أن أصدّق إنه يأمر بالقتل!

هكذا هم الأمريكون يقييمون كلّ شيء بناء على مقاييسهم الإنسانيّة: كلّ بشري في قاموسهم انسان وكلّ دين دين!

إذا جئت اليهم من اليمن وقلت لهم: أنا من المريخ يسألونك ببراءة: وكم يبعد المريخ من هنا!

الأمر ليس جهلا بقدر ماهو احترام لآراء الناس وتصديق لهم.

هذه السيدة لا تعرف عن الإسلام شيئا ولكنها تفترض بأنّ كل دين دين!

أما وفاء سلطان فلا زال الماضي حيّا في ذاكرتها، ولم تزل اصوات الذين غربلوا جسد الدكتور يوسف اليوسف في جامعة حلب بالرصاص وهم يهتتفون: الله أكبر..الله أكبر! مازالت تضجّ داخل رأسها!

لذلك فهي تعرف قيمة أمريكيّتها أكثر مما يعرف أي أمريكي آخر قيمة أمريكيّته!

******

الأمريكيّ لايعرف “عيد الضبعة” أمّا أنا فأعرفه جيدا!

ولذلك لايعرف الأمريكي قيمة الحياة بعيدا عن هذه الضبعة. وفاء سلطان تعرفها!

من هو عيد الضبعة؟

إنه اسم حقيقي لوحش بشريّ حقيقي!

كان في اوائل الثمانينيات رئيسا للديوان في وزارة الصحّة في مدينة دمشق.

نعم اسمه عيد الضبعة! وكان في حقيقة الأمر ضبعة من العيار الثقيل!

كنت زمنها طبيبة أشتغل بعقد عمل مع مديريّة الصحة في مدينة اللاذقية. وكان علينا نحن الأطباء العاملين بعقود أن نسافر مع انتهاء كل عام إلى دمشق كي نقوم بتجديد العقد في الوزارة. وكان السفر يكلّفني ـ على الأقلّ ـ راتب شهر.

فأجور الطريق، ناهيك عن المبيت يوم أو يومين في العاصمة وثمن طوابع العقد تلتهم راتبا بكامله.

تركت طفليّ يوما بحضانة أمي وسافرت مع زوجي إلى العاصمة كيّ نجدد العقد قبل نهاية العام وإلاّ سيتوقف الراتب.

ورغم ضآلة هذا الراتب، كأعلى راتب شريف في المجتمع، كان يسدّ بعض الرمق ويحمي من الموت جوعا.

وصلنا العاصمة ومكثنا هناك ثلاثة أيام ننتظر حضرة الوزير كي يعود من إحدى سفراته إلى الخارج. في اليوم الثالث وفي نهاية الدوام تكرّم حضرته بالتوقيع على العقد فركضت به كالمجنونة إلى الديوان كي أسجله قبل أن ينتهي الدوام، لأفاجئ برئيسه يقول: تحتاجين إلى طوابع بقيمة ثلاثمائة ليرة سورية!

ـ ومن أين باستطاعتي شراء تلك الطوابع؟

ـ من كشك الطوابع في مبني الوزارة ولكنّه مغلق الآن وعليك أن تعودي غدا!

ـ دخيلك طفلتي لم تبلغ بعد شهرها الثالث ومضى على غيابي عنها ثلاثة أيام. أنا في أشدّ القلق!

رقّ قلب الضبعة على هذه الأمّ المضّطربة فردّ: اسمعي! شفقة عليك، ليس إلاّ، سأسمح لك أن توقعي العقد بعد أن تدفعي قيمة الطوابع وسأشتريهم لك غدا وألصقهم بنفسي!

كدّت من شدة فرحتي وامتناني أن أقبّل يده.

عدت أدراجي إلى آولادي وأنا أدعو إلى الله بأن يوفق كلّ الوحوش إكراما لتلك الضبعة التي أكرمتني.

لم تنته المآساة بعد عودتي بل، على العكس، كانت في بدايتها!

انتهى الشهر الأول من العام ولم يصل راتبي الهزيل من العاصمة!

لا أحد في مديريّة صحّة اللاذقيّة يعرف السبب، لكنّ المحاسب واساني ناصحا بضرورة الإنتظار شهرا آخر فرواتب الأطباء المتعاقدين تتأخر أحيانا.

مضى الشهر الثاني ثم الثالث ثم الرابع وأنا على أحرّ من الجمر!

شحّت ثلاجتنا واهترأ حذاء مازن، ولم نعد قادرين أن ندفع تكاليف السفر مرّة أخرى إلى العاصمة كي نعرف السبب!

بعت خاتما ذهبيا كانت أمي قد قدمته لي كهديّة في عرسي، وتوجهّت على الفور إلى محطة باصات دمشق لأتعلق بإحداها.

ـ استاذ عيد! رواتبي لمدة أربعة أشهر لم تصل!

رمقني بنظرة ازدراء من تحت نظارتيه الغليظتين ثم راح يبحبش في أرشفه متظاهرا بالجديّة.

سحب أوراق عقدي متسائلا: لم تلصقي عليه الطوابع المطلوبة ولذلك لم نتمكّن من تصديقه!

ـ استاذي الكريم! ألا تذكرني؟ لقد وقعت العقد منذ أربعة أشهر ودفعت لك ثمن الطوابع!

تجهّم وجهه: أنا لست بائع طوابع ياسيّدتي، أنا رئيس الديوان!

وخوفا من أن أنتظر أربعة أشهر أخرى قابلته بابتسامة: يبدو أن ذاكرتي قد خانتني هذه المرّة!

ثمّ عدت إلى مكتبه بعض قليل وبحوذتي طوابعا بقيمة ثلاثمائة ليرة سوريّة.

لقد ألتهمت الضبعة خاتمي الذهبي وراتبا آخر من رواتبي!

في طريقي من دمشق إلى اللاذقية، توقفت في منطقة “العريضة” حيث تكثر مواد التهريب القادمة من لبنان ويكثر المهرّبون واشتريت بما تبقى من هديّة أمي علبة حليب نيدو لفرح وصندوق راحة حلقوم لمازن.

نمت وزوجي تلك الليلة على الطوى.

في أمريكا لايوجد ضباع تلتهم رواتب الناس لذلك لايعرف الأمريكيّ الفرق. وفي العالم العربي الإٍسلامي تنهش الضباع لحوم البشر ولذلك تعرف وفاء سلطان الفرق.

ألا يحق لها أن تكون أمريكيّة أكثر من الأمريكيّ نفسه؟!!

******

في برنامج “الإتجاه المعاكس” التهم الضبع أحمد بن محمد استاذ السياسة الشرعية في الجزائر حقي من الوقت، ولم يسمح لي أن أجيب على سؤال المضيف: لماذا تحاولين أن تكون أمريكيّة أكثر من الأمريكي؟

ولكن لابدّ وأن يقرأ يوما ما كلّ المشاهدين جوابي على صفحات الناقد ويتذكّرون سيّدة أظهرت لهم الفرق بين الإنسان والوحش وأثبتت أن الحرب ضدّ الإرهاب ماهي إلاّ صراع بين الحضارة والبداوة، بين المدنيّة والهمجيّة، بين الحرية والأستبدا،د بين الديمقراطيّة والقمع، بين العلم والجهل، بين الحبّ والحقد، وبين الله والشيطان.

حاول الدكتورفيصل القاسم جاهدا أن يسيطر على هذا الضبع، ورغم محاولته الجّادة لم ينجح!

لكن ليس بوسعي إلاّ أن أشكره من أعماقي فلقد منحني فرصة ذهبيّة كي أنقل رسالتي وأعرّف العالم العربي على امرأة ستغيّره، اسمها وفاء سلطان!

**********
نشرت في الناقد

وفاء سلطان (مفكر حر)؟

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

من المسؤول عن جنون هذه الأمة؟!

 وفاء سلطان

تزعم أسطورة صينية بأن غولاً كبيراً تربع على قمة جبل وتربّص بقرية هادئة وديعة تغفو على سفحه. كلما خرج إنسان من بيته قاصداً عمله، كان هذا الغول يزمجر من عليائه فيلقي الرعب في قلبه ويرده على عقبيه. أخيراً، تحولت القرية بكاملها إلى وكرٍ حَشرَ الناسُ أنفسهم فيهِ يقتلهم خوفهم وجبنهم، وينهشهم جوعهم ومرضهم. كان زعيم القرية شيخاً مســناً جباناً لم يُؤتَ من الحكمة قدراً ولا من العلم نذراً. ولما عجز عن مواجهة الأمر لجأ إلى ساحرة تعيش في أحد الكهوف أملاً في أن يجد لديها حلاً.
قالت الساحرة: آتني برجلين منكم كي أجعل منهما غولين عندئذٍ يصبح بمقدورهما أن يتحديا ذلك الغول، ولكن لن أخفي عنك سراً، إن باستطاعتي أن أحوّل الإنسان إلى غول لكنني لا أستطيع أن أفعل العكس، إذ ليس بمقدوري أن أجعل من الغول إنساناً!
في الصباح الباكر، توجه شابان شجاعان إلى كهف الساحرة. ونامتِ القرية على زمجرة غول لتستيقظ على هدير غولين!!
في العدد 303 من صحيفة العالم العربي الصادرة في لوس أنجلوس كتب الشيخ بلال حلاق في سياق رده على سؤال: “بعض الناس وهم على غير الإسلام يكرمون الضيف ويغيثون الملهوفين، هؤلاء إن أسلموا يُكتب لهم حسناتهم التي يعملونها بعد إسلامهم وأعمال الخير التي كانوا يعملونها وهم على الكفر كالصدقة وقرى الضيف وإغاثة الملهوف والإحسان إلى الأرامل. أما إن لم يسلم فمهما كان يرحم المساكين ويغيث الملهوفين ويعطف على الأيتام فليس له شيء، فمن قال إنّ له ثواباً يكفر لأنه كذّب القرآن.”
تعالوا نتخيل معاً رجلاً وضع في الفناء الخلفي لحديقة بيته برميلاً كبيراً لجمع القمامة، وكلما عثر في بيته أو في حديقته الأمامية على نفاية تشوّه جماله أو تلوّث نظافته، أخذها وألقاها في ذلك البرميل. قضى حياته يجمع قاذوراته دون أن يفكر يوماً بالتخلص منها أو أن يسمح لعامل التنظيفات بتفريغ البرميل. النفايات ستتراكم وتتخمر؛ ستنمو عليها الجراثيم والفطور فتنشر في الجو سموماً تعود لتدخل بيته من خلال النوافذ لتتسرب عبر الهواء إلى رئتيه ومن ثم إلى جسده كله.
يُنهك المرض جسد ذلك الإنسان ويشـلّه دون أن يدرك أنه قد حفر قبره بيديه!
ينطبق هذا المثال تماماً على الصحة النفسية والعقلية للإنسـان، حيث أن للعقل (القوى العليا الضابطة) حيّزان: حيّز الوعي وهو الحديقة الأمامية للبيت، وحيّز اللاوعي وهو الفناء الخلفي.
تستمد أية فكرة شرعيتها ومنطقها من قابليتها للتطبيق العملي والآثار الإيجابية لهذا التطبيق. عندما يتبنى الإنسان فكرة ـ أية فكرة ـ ويؤمن بها في ساحة وعيه، يحاول جاهداً تطبيق تلك الفكرة على واقعه، وعندما يستحيل هذا التطبيق لكون تلك الفكرة وهمية غير منطقية، يبدأ آنذاك الصراع في حيّز الوعي، صراعٌ لا يجد الإنسان له حلاً إلا بقلع تلك الفكرة من حديقة بيته الأمامية (حيّز وعيه) ثم إلقائها في حيّز اللاوعي (برميل القمامة في حديقته الخلفية) وتركهـا هناك.
هو ينســاها، لكنّهــا لا تنســاه إذ تعود عاجلاً أم آجلاً إلى حيّز وعيه على شكل ضغوط وأمراض نفسية لتخرب جهازه العقلي فتحوّله إلى مريض منهكٍ عاجزٍ عن فهم وضعه وما آلت إليه حالته!
عندما يزرع الشيخ بلال وأمثاله في عقل الطفل المسلم منذ نعومة أظفاره بأن الله لا يقبل صدقة أو إغاثة حتى ولو كانت لامرأة أرملة أو طفل يتيم لأنها صدرت عن إنسان غير مسلم، ما الذي يحدث؟!!
يكبر هذا الطفل ليصبح رجلاً ملتزماً بدينه وتعليمات شيخه!. يتطلّب التزامه الديني (كأي رجل ملتزم بدينه) أن يرفض ما يرفضه الله.
هنا يبدأ الصراع!.. كيف يرفض إغاثــةً من غير مســلم بينما هو يعيش عمليـاً على تلك الإغاثة؟!!.. أكله، شــرابه، لباسـه، دواؤه، لقاحاتــه، أســلحته، كتبــه، معدّاتــه.. كلهـا مصنوعة بأيد غير مســلمة ولو رفضها لتــاهَ في الصحراء لا يجد ناقة يمتطيهــا ولا خيمة يأوي إليها!
لا يحمّل الله نفسـاً إلا وسـعها، لذلك لا يمكن أن يفرض سبحانه على مخلوق فكرة غير قابلةٍ للتطبيق الحياتي، وبالتالي فاقدة لشرعيتها ومنطقيتها، كي لا يشرخ عقل الإنسان ويفقده منطقه وصوابه. أمّا أن يقنع الله أتباعَ دينٍ بأنه لا يقبل عملاً خيّراً إلا منهم ثم يضعهم في حالة مزرية يحتاجون فيها إلى كل عمل خير من غيرهم فلا شكّ بأنه أمرُ يتعارض مع عدله وحكمته!!
كيف يستطيع مؤمن أن يقبل ما يرفضه الله؟!
“ســالك” طبيب يهودي أوجد لقاحاً ضد شلل الأطفال وحرر البشرية من براثن هذا المرض الخطير. لا يوجد مسلم في العالم إلا وتجري في عروقه جرعة من هذا اللقاح. لا يوجد بلد إسلامي في العالم يحضّر هذا اللقاح في مخابره؛ يصل إلينا جاهزاً ومجاناً من منظمة الصحة العالمية. لو رفضنا تلك الإغاثة باعتبارها من مصدر غير إسلامي، ناهيكم عن غيره من اللقاحات والأدوية، لحصدتنا الحمى الصفراء والجدري والطاعون والجذام وشلل الأطفال وغيرها..
طرحُ الشيخ بلال لا يقتصر على تلك الخطورة بل يتعداها ليصبح إرهاباً يشلّ عقل المسلم وقوى تفكيره عندما يقول: “ومن قال أن إنّ له ثواباً يكفرُ لأنه كذّب القرآن”!
يتّخذ القرآن ذريعة كي يُثبتً صحة ادّعاءاته دون أن يشرح بالتفصيل في أيّة آيةِ وردت هذه الفكرة. إنه يدرك من خلال النظام العقائدي والتربوي القمعي السائد في البلاد الإسلامية بأن على المسلم أن ينفّذ دون أن يعترض ويُقاد دون أن يفكّر. لذلك، وبسهولة متناهية، يقحم القرآن في حديثه كي يفوّت على كل مسلم الفرصة كي يفكّر، أو يشكّ، أو يتساءل. هنا يزداد الإنسـان صراعاً مع نفسه ويختنق برميل قمامته بقاذورات رماها فيه هؤلاء السحرة لتعود بعد ذلك إلى حيّز وعيه بشكل ضغوط يعجز المسلم تحت وطأتها عن إقامة أية علاقة إنسانية ناجحة مع الطرف الآخر!
كيف سنثبت للعالم بأن الإسلام دين تسـامح؟!! هل يستطيع الشـيخ بلال أن يسامح جاره غير المسلم وهو يؤمن في قرارة نفسه أنّ الله لا يسامحه حتى ولو أغاث امرأة أرملة أو تصدّق على طفل يتيم؟!!.. هل يستطيع أن يقبل ما يقول هو نفسه بأنّ الله يرفضه؟.. هل يســتطيع أن يرفض ما يحتاج إليه؟!..
إن الصراع بين الرفض والقبول وحده يكفي لصدع عقل المسلم، فهل يمكن أن تُبنى أمة سليمةٌ معافاةٌ من أناس ذوي عقولٍ متصدّعة؟..

العالم اليوم يسعى لأن يكون عائلة واحدة، كل فردٍ فيها معنيّ بقبول الفرد الآخر، ولذلك يحتاج المسلمون اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى عقلائهم وحكمائهم ومفكريهم كي يسدّوا الطريق أمام هؤلاء السحرة وينقذوا الأمة من براثن غيلانها!
لنصغِ إلى خطبة الجمعة في أي بلدٍ إسلامي لا على التعيين، ماذا نسمع؟!
اللهمّ دمّر.. اللهم احرق.. اللهم اقتل.. اللهم رمّل.. اللهم يتِّم.. اللهم شـرِّد!.. ماذا يبقى لأمةٍ يتعســكر رجال دينها؟..
سـئِلَ بيكاسـو مرة: ما ســرُّ إبداعكَ؟ قال: قبل أن أهمّ بالدخول إلى مرسـمي أخلع جسدي على عتبته كما يخلع المسلم حذاءه على عتبة مسجده.
لم نعد بحاجة إلى خلع أحذيتنـا!.. علينا أن نخلع أجسادنا.. أحقادنا.. أسلحتنا.. وندخله مجردين إلا من أرواحنا!..
يخاطب شاعر أفغاني طفله بقوله:
“يا بني إنّ للحمام عيوناً جميلة..
“ولكن الصقور تملك السـماء..
“اقلع عينيك الجميلتين..
“وانبت لك مخالبــاً!”
ولنا أن نتصوّر مستقبل أمّةٍ تصبح بكاملهـا مفقوءة العيون حادة المخالب!..
ربّوا الصقـور!.. لا أحد يستطيع أن يلومكم على ذلك، ولكن اتركوا للحمام عيونه!!
شــاعرنا محمود درويش يحثنا بقصيدته الجميلة: “للطلقة في صدر فاشستي سأغنّي..”
لا، لن أغنّي.. قد أضطرُّ لأن أمزّق جسد عدوّي بالرصاص، ولكني قطعاً لن أغنّي لموته!!
كنا أطفالاً نتزاحم في المناسبات الوطنية كي نردد مع فهد بلان أغنيته: “ونشرب دم الغاصب شرب..”
أكثر من ثلاثة آلاف مواطن أمريكي لقوا حتفهم في عملية أيلول الإرهابية، فهل سمعنا طفلاً أمريكياً على شاشة التلفزيون، في البيت، في الشارع، أو في المدرسة يغني: ونشرب دم بن لادن شرب؟!.. طبعاً لا!..
قالها رامزفيلد وزير الدفاع الأمريكي ولم يقلها غيره.
ربّوا صقوراً حادة المخالب كرامزفيلد ـ لا أحد يمنعكم ـ ولكن اتركوا لأطفالنا عيونهم الجميلة!!
دانيال، شاب أمريكي من اصل أرجنتيني، وهو صديق عزيز جداً لابني مازن، التحق بالجيش فور تخرجه من الثانوية العامة. ما زلت أذكر ولن أنسى لقاءه الأول مع ابني بعد غياب طال أكثر من عام. منذ ذلك الحين ومازن يذهب إلى محطة القطار مرة كل أسبوع للقاء دانيال وهو في طريقه لقضاء عطلة الأسبوع مع أهله.
لاحظت مؤخراً فتوراً في العلاقات بين ابني ودانيال، فتوراً أثار حيرتي. لقد كان ابني يتأخر بالرد على الرسائل الصوتية التي كان دانيال يتركها له. بعد بضعة محاولات لمعرفة أسباب هذا الفتور قال مازن ونبرات صوته تعبر عن خيبة أمل: إنني أشعر بالأسف يا أماه. التحاق دانيال بالجيش قد جعل منه شخصاً مختلفاً كل الاختلاف. لقد تعسكر عقله. صار يقود سيارته بطريقة عسكرية. يأكل بطريقة عسكرية. باتت العلاقة معه صعبة. لأمريكا جيش قوي ومن حقها كما هو من حق كل أمة على سطح الأرض أن تجنّد بعد أبنائها لحماية وجودها وكيانها، ولكن كم سيكون حجم المأساة لو تحول كل طفل في المجتمع الأمريكي إلى دانيال؟!..
عندما فجرت فتاة فلسطينية يافعة نفسها أمام متجر يهودي، عثروا على رأسها في كومة بطيخ أمام المتجر وإحدى ساقيها في قسم اللحوم. لا يكفي الظلم وحده ـ مهما كان فظيعاً ـ أن يدفع الإنسان إلى قتل نفسه بتلك الطريقة الشنيعة وبمحض إرادته. وحدهم السحرة هم الذين يحولونه إلى غول!!
لا يستطيع الغول أن يميّز بين عدوه وجاره عندما يختلف لأقل الأسباب وأتفهها مع هذا الجار.
هل ميّز الغيلان في سوريا عندما اقتحموا مدرسة المدفعية وقتلوا مائتين من زملائهم؟..
هل ميّز الغيلان عندما فجروا سيارة مفخخة في حي الأزبكية بدمشق وأطبقوا بناية بكاملها فوق سكانها؟
هل ميّز الغيلان في صعيد مصر عندما اجتاحوا قرية الكشح وذبحوا واحداً وعشرين من العزّل الأبرياء؟
هل ميّزوا في الجزائر عندما بقروا بطون مائة ألف رجل وطفل وامرأة؟!
طبعاًً.. لم يكن مبررٌ لوحشيتهم سوى كونهم غيلان!
كنت يوماً في طريقي من مشفى حلب الجامعي ترافقني زميلتي الدكتورة سمر الشايب وهي سيدة محجبة خلوقة مهذبة عندما صادفنا على بوابة المستشفى طفلين يتراوح عمراهما بين السادسة والتاسعة، كان يقبض كل منهما بيده على عصفور حي وينتف ريشه باليد الأخرى والعصفوران يزقزقان ألماً يستجيران ولا من مجير.
أدرت ظهري من هول المنظر وغطيت وجهي بيدي بينما اقتربت سمر من الطفلين متوسلة: حرام عليكم يا أولاد!.. وجاءها الرد من كبيرهما فوراً: حرام عليك أنتِ أن تتجولي بين الرجال، عودي إلى بيتك وانقبري هنــاك!
تركتُ سمر تجادل الطفلين وأسرعتُ إلى أقرب موقف باص لقناعتي المطلقة بأنني لا أستطيع أن أحوّل الغول طفلاً!!
لا أعرف الآن مصير ذانك الطفلين لكني لن أستغرب إذا سمعت بأن أحدهما اقتحم بطائرة مدنية بناية تغص بالناس، والآخر ينط من كهف إلى كهفٍ في أفغانستان!
لا، لن أستغرب ذلك، ولكني سأستغرب إن قيل لي بأنهما إنسانان طبيعيان يعيشان حياة أسروية متوازنة نفسياً وعقلياً وفكرياً.
كنّا حديثي العهد في أمريكا عندما كان ابني مازن يركض ـ تشجعه أخته فرح في الحديقة العامة ويصيح بأعلى صوته: ماما أرجوك أن تعثري لي على حجر كبير كي أضرب تلك البطة وأكسر رجلها.
بعد مرور عامين على تواجدنا هنا، عثر الأطفال في حديقتنا على طائر ميت فأقاموا عليه مناحة. اضطررت وأباهم تحت ضغط حزنهم أن ندفن الطائر في حفرة صغيرة، وضعنا فوقها بعض الأزهار ثم وقفنا متشابكي الأيدي دقيقة صمت على روح الفقيد!
في أواسط الستينات كنت طفلة صغيرة وكانت حركة “فتح” قد ولدت لتوّها. طرح علينا المدرس سؤالاً: ماذا ستصبح في المستقبل؟.. وتعالى الصياح: فدائي.. فدائي.. فدائي..
لو ارتقى المعلم آنذاك بمستوى تفكيره قليلاً لأدرك خطورة المستقبل الذي كان ينتظرنا. لم يشأ أحد من الطلاب أن يصبح مزارعاً.. نسّـاجاً.. نجاراً.. خبازاً.. ممرضاً.. طبيباً.. معلماً.. مهندساً.. أو عامل تنظيفات. كبرنا وصرنا فدائيين (!!!) وها نحن نعيش المستقبل الذي انتظرناه.
ازدادت رقعة الأرض السليبة اتساعاً.. ازداد جهلنا، جوعنا، عرينا، فقرنا، مرضنا، وتشرذمنا. تحولنا جميعاً في أعين العالم إلى غيلان.
ما زال المعلم نفسه في كل مدرسة عبر وطننا المذبوح من الوريد إلى الوريد يطرح نفس السؤال ولكن دون أي جواب!
وما زال الشيخ بلال يكرر نفس الهراء دون أي احتجاج؟
ثلاثمائة مصلي جلسوا أمامه يوم عيد المولد النبوي.. هو يخيط وهم يلبسون.
لم يرتقِ أحد بينهم بمستوى تفكيره إلى حدّ السؤال!!
زرع قناص واشنطن في الأسابيع الأخيرة الرعب في قلوب الناس في عاصمة أقوى دولة في العالم.
لمدّة ثلاثة أسابيع والأطفال في المراحل الابتدائية محشورون كالسردين داخل صفوفهم دون أن يمارسوا أياً من نشاطاتهم. صرح ناطق باسم قطاع التعليم: ليس الخوف على حياتهم وحده هو الذي يدفعنا إلى إبقائهم داخل صفوفهم، بل الخوف أيضاً على عقولهم الغضة التي لا تستطيع استيعاب ما يجري من أعمال عنف في الخارج. نحاول قدر الإمكان أن نحوّل محور انتباههم ونُشغِلهم داخل الصف بقضايا تناسب أعمارهم ولا ترهق تفكيرهم.
في الذكرى السنوية الأولى لأحداث أيلول الإرهابية، نصح المختصون التربويون والنفسيون وسائل الإعلام بأن تقلل من عرض مناظر تلك الأحداث خوفاً على الصحة النفسية والعقلية للأطفال والتي أكدت الدراسات أنها تأثرت كثيراً تحت ضغط هذه المشاهد في العام الفائت.
اجتاحت مجموعة من الشيشان مدججة بالأسلحة والمتفجرات مسرحاً في موسكو الأسبوع الماضي وهددت بقتل أكثر من ثمانمائة شخص جاؤوا للاستمتاع بالموسيقى والغناء.
سلموا مفاوضيهم رسالة تقول: نقسم بالله العظيم أننا نحب الموت أكثر مما تحبون الحياة!..
ما الحكمة في أن نحبّ الموت؟.. لا يستطيع إنســانٌ أن يصل إلى قناعة بأن الموت أفضل من الحياة لو لم يمر يوماً في طريقه من طفولته إلى بلوغه على كهف الساحرة كي تعلمه كيف ينتف عصفوراً حياً ويكسر رجل بطة مسالمة، لينتهي بعد ذلك بتفجير طائرة للركاب أو اقتحام مسرح للغناء!!
لم يسئ أتباع دين في العالم إلى دينهم كما أساء المسلمون!.. بعضهم شوّه هذا الدين والبعض الآخر صمت حيال ذلك. والذين صمتوا ينقسمون بدورهم إلى فئتين: فئة صمتت لأنها تخاف وفئة صمتت لأنها تتفق مبدئياً مع الذين شوهوه، وكل من الفئتين مسؤول ومُدان!!
أصدرت السيدة كلينتون منذ عدة أعوام كتاباً بعنوان،

It Takes a Village

 (نحتاج إلى قرية) أحدث ضجة في الأوساط الصحفية. عنوان الكتاب يعبّر عن محتواه وهو مأخوذ من مثل إفريقي يقول: نحتاج إلى قرية بكاملها كي نربّي طفلاً. يبدو أن السيدة كلينتون قد توصلت في كتابها إلى نصف الحقيقة إذ غاب عنها نصفها الآخر: ونحتاج إلى شيخ واحد كي نهدم قرية.
“صوتي ليس عورة. أشــكر الله أنه أجملُ هبةٍ منحتني إياها السماء!”
د. وفاء سلطان
نشرت في الناقد 

وفاء سلطان (مفكر حر)؟

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا | Leave a comment

شيوخ الاسلام والليل والاحلام و موسوعة غينيس للأرقام القياسية !

جوزيف شلال
2012 / 10 / 14

كتاب وموسوعة

Guinness World Record

 للارقام القياسية التي تسجل باسم اصحابها ,
تم اطلاق اول نسخة منه عام 1955 من قبل شركة غينيس , اخر رقم قياسي وصل عدده الى 64 الف في شتى المجالات والاعمال منها الفردية ومنها جماعية , اما المجالات التي يستطيع المرء ان يسجلها في هذه الموسوعة تشمل كل شيئ وفكرة تخطر على بال المشترك . يقال ان احد شيوخ الاحلام في مصر سوف يقدم احلامه الى الموسوعة لينال رقما قياسيا عالميا في الاحلام , لكن المشكلة تكمن / هلى يستطيع هذا الشيخ او غيره ان يثبت حقيقة احلامه هذه ان كانت صحيحة الى اللجنة المختصة في كتاب الموسوعة ! , ربما قد يحتاج الى اربعة شهود حلموا معه في نفس اللحظة لكي يثبت حقيقة احلامه , وبهذا سيدخل شيوخ الاسلام موسوعة كينيس في عدد الاحلام بعد الرقم العالمي الذي سجلوه في عدد الفتاوى . . .
الحلم :
الاحلام ما هي الا افكار وتخيلات يراها الانسان اثناء نومه , الاحلام تعبر عن محتويات مكبوتة في اللآ شعور , تاتي دائما للانسان ومدى علاقته بالغيبيات والخرافات التي يؤمن بها , اي تظهر على اشكال مختلفة مثل الكلام والفكرة اي تحويل الرغبات الى افكار وصور وباشكال اخرى لا حصر لها . يقول العالم سيكموند فرويد – ان الاحلام هي وسيلة تلجأ اليها النفس لاشباع رغباتها ودوافعها المكبوتة , لذلك فان كثير من الاحلام تبدو خالية من المنطق والمعنى شبيهة بتفكير المجانين . العرب المسلمون اهتموا كثيرا بالاحلام مثل ابن خلدون ومحمد بن علي محي الدين بن عربي ومحمد بن سيرين وغيرهم , اما الغرب فلم يهتم كثيرا بدراسة الاحلام الا مؤخرا من باب الكسب المادي والشهرة .
هناك احاديث كثيرة عن الاحلام منها / اذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب , اصدقكم رؤيا اصدقكم حديثا , رؤيا المسلم جزء من خمسة واربعين جزءا من النبوة , لهذا نجد شيوخ الاسلام يتباهون في احلامهم واصبحت جزءا من حديث وخطبة الشيخ في وسائل الاعلام , الغريب ان الشيخ الذي يقول حلمه يقسم بالله مرة وثلاثة واربعة بان حلمه صحيح ! هل يعقل هذا ! . لكي لا نطيل الكلام في هذا الموضوع سوف نعطي امثلة كثيرة لاحلام شيوخ الاسلام وبعض الفتاوى عن الليل والنوم الذي ينتج حلما ومدى خطورة بعض الاحلام على السامع والمجتمع والاطفال الذين يسمعون مثل هكذا حكايات واساطير عن الشيطان يبول في الفم والاذن والاحلام الاخرى العجيبة والغريبة . . . .
بعض من احلام الشيوخ :
نبدأ مع فضيلة الشيخ محمد الزغبي , الشيخ محمد الزغبي كان يصلح ان يكون ممثلا كبيرا لولا امتهانه لمهنة الدين ووظيفة الشيخ , نراه مرة يبكي , مرة يلعن ويسب ومرة اخرى يتكلم باعلى صوته , ومرة يحرض على الشيعة ومرة على الديانات الاخرى وهكذا . من اهم ابداعات الشيخ محمد الزغبي في الاونة الاخيرة هي الاحلام , لنشاهد ان الزغبي قد رأى رسول الاسلام /
نقدم تشكيلة للشيخ الزغبي وقد راى الرسول محمد 47 مرة والامام علي والنبي ابراهيم والنبي موسى والسيد المسيح عيسى واخيرا العراق وعودة راية اهل السنة وقد بشره محمد بها /

فضيلة الشيخ محمد الزغبي يعلن عن الرقم 53 لرؤية الرسول محمد /

اعلانات اخرى يعلنها الشيخ محمد الزغبي من على الفضائيات وحلمه بالصحابة , ابي بكر وعمر وعلي بن ابي طالب , لنشاهد /

لم نأتي الا القليل القليل من الامثلة عن احلام ورؤى الزغبي في الليل والمنام , هنا رد من احد الشيوخ على الشيخ الزغبي ابو الاحلام كما وصفه هو /

ناتي الى فضيلة الشيخ محمد حسان وعن اعلاناته في الاحلام وهو لا يختلف كثيرا عن الشيخ الزغبي لانه لا يرسي على البر , قدم هنا واخرى هناك ولا يفهم منه شيئا , على سبيل المثال من بين العشرات , قبل استلام الاخوان الحكم في مصر كان يمنع الربا لكي تضع الناس فلوسها في البنوك الاسلامية , وقف ضد القرض من الصندوق الدولي واعتبره حراما ولا يجوز حسب الشرع , لكن بعد استلام مرسي الاخواني الحكم وصلته رسائل الترويج لمعونة الصندوق الدولي لمصر , فاخذ يفتي ويهرج بان هذا القرض مسموح به ولا يوجد فيه ربا وانما مصاريف 25% , وقال / ما أخذ النبي محمد قرضا ألأ وزيادة / . على كل حال , الشيخ محمد حسان يرى خالد بن الوليد , لنشاهد /

حلم اخر للشيخ حسان ويقول بان النبي محمد ناداه وتكلم معه , لنشاهد /

يعود فضيلة الشيخ مرة اخرى ويعلن بانه راى الأمام احمد بن حنبل , لنرى ذلك /

مرة اخرى يبكي الشيخ محمد حسان مثل قرينه الشيخ محمد الزغبي لهذا الحلم , لنشاهد /

اما هذه فهي قصة غريبة اعلنها الشيخ محمد حسان , لا نعرف ان كانت مسموحة ام لا ! , ربما تصبح مسموحة لانها جاءت من فم مسلم وليس من شخص كافر اخر من الديانات الاخرى , لنسمع ونشاهد هذا الفلم الهندي /

قصة اخرى يرويها الشيخ حسان , الدعوة الى الاسلام عن طريق الاحلام , لنشاهد الفلمين معا /


للشيخ محمد حسان اخيرا وليس اخرا انشأ اعلانا لمن يريد رؤية النبي محمد ولكن بشروط , لنشاهد /

احلام غريبة :
الاحلام لدى شيوخ الاسلام وبعض المسلمين تخطت حدودها والخطوط الحمراء وتجاوزتها و الاعلان عن رؤية الله والحديث معه وما الى ذلك , لنسمع ونشاهد بعض الادلة القليلة /

هل مسموح للمراة ان تحلم بهذه الاحلام اذا كانت ناقصة عقل ودين وتقطع الصلاة كالكلب الاسود والحمار ? نتمنى من الشيوخ الافاضل ان يعلنوا عن ولو فتوة واحدة عن هذا الموضوع , كيف يغض النظر عن هذا الموضوع , وهل من باب التقية والمعاريض ام لشيئ اخر ? اعلمونا , لنشاهد /

حلم غريب اخر عن الرياضة , لنشاهد /

حلم العفاريت لها نصيب , لنسمع /

الليل وما ادراك ما الليل , في الليل واثناء النوم ياتي الجن والعفريت ليبول في اذنك , لا يعرف الى الان سبب اختيار الجن والشيطان والعفريت البول في الاذن وليس بمكان اخر بالرغم ان كل انسان لديه خمسة فتحات او ستة , لنسمع الشيخ اسحاق الحويني ما ذا يقول /

قديما وقبل اكثر من الف عام بعض الامور الطبيعية التي تحدث في الطبيعة او في جسم الانسان لا يعرف سبب حدوثها , قاموا من الذين ادعوا العلم والمعرفة والدين بادخال هذه الحالات تحت مسميات اخرى ومن يقف وراءها وسبب حدوثها وحصولها , على سبيل المثال فقط , البعض من البشر المصابون بامراض في الاذن يسيل منهم سائل اثناء المنام في الليل , جاء من قال ان الشيطان يبول في اذنه , واعطوا سببا دينيا لا علميا , عدم الصلاة والخ .
هناك من ذهب ابعد من ذلك وقال , عند التثاؤب يبول الشيطان في فمه ! , كلنا نعرف في حالة التثاؤب عند البعض وربما الاكثرية يخرج اللعاب بسرعة من النابين الاماميين ويمكن ملاحظة ذلك , قالوا لهذه الحالة والعملية الطبيعية , عند التثاؤب يبول الشيطان في فم الانسان ! , هل يعقل هذا الكلام , لنسمع ذلك /
فتوى التثاؤب.
فتوى حول الليل والنوم وما ينتج عن ذلك , لنشاهد /
فتوى غسل اليدين
النهاية :
اتفق علماء الاسلام بان رؤية الله والانبياء في المنام أي الاحلام وفي الرؤى جائز للمؤمن , هذا ما ذكره النووي في شرح مسلم عن القاضي عياض , كما ذكر البغوي في كتاب شرح السنة عن شيخه الامام / رؤية الله في المنام جائزة / ! , اما رؤية النبي فيمكن حصولها لأي مسلم . . .
اذن الشيوخ الافاضل يقولون الحقيقة كما جاءت في الاحاديث والتفاسير والسنة النبوية , ومن حق كل شيخ مسلم ان يحلم بما يراه مناسبا والحالة التي يعيشها , الاحلام تختلف من مرحلة لاخرى و أن الاحلام في زمن يوسف الفراعنة ليست كما كانت في زمن الصحابة او في زمن الخلافة العباسية او العثمانية او في عهد الاستعمار القديم او عهد عبد الناصر او حسني مبارك كما هي الان في عهد حكم الاخوان المسلمون والسلفيون والجهاديون والوهابيون والخ .
المصدر :
عليك ان تذهب الى المواقع الالكترونية , يكتب اسم الشيخ وحلمه , او احلام شيوخ الاسلام , سوف تجد المئات من الاحلام وفتاوى الاحلام وعن الليل والنوم وعمليات التخويف اثناء النوم في الليل الذي تغنى الشعراء والادباء عنه , واغلب الاغاني العربية تبدا بكلمة يا ليل , يا مسهرني وانت جاي اليوم تريد نعذبني وتجنني وتخبلني لينتهي المطاف بي الى الشماعية أي العصفورية او المصحة والخ في اللهجات العربية الاخرى , على كل حال , استمتع اخيرا باحلام الشيوخ والله يكون في عونك /
البكرية دين الاحلام ج 1
البكرية دين الاحلام ج 2

جوزيف شلال

Posted in فكر حر | Leave a comment

حقد بشار الأسد على سوريا والقنابل العنقودية

حقد بشار الأسد على سوريا والقنابل العنقودية

Posted in ربيع سوريا, كاريكاتور | Leave a comment

هل نحتاج لأحزاب شيوعية ؟

شامل عبد العزيز
 2012 / 10 / 1

ليست الشجاعة أن تقبل الرأي الذي يعجبك بل الشجاعة أن تتقبل الرأي الاخر ,, ( أحمد حسن الزيات ) .
هل هناك من يؤمن بهذا القول ؟ مجرّد سؤال ؟
الحوار رقم 88 في ( الحوار المتمدّن ) كان مع الدكتور حسان عاكف وبالعنوان التالي :
حسان عاكف – عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي- في حوار مفتوح حول : قراءة في شعار المؤتمر الوطني التاسع للحزب الشيوعي العراقي : – دولة مدنية ديمقراطية اتحادية.. عدالة اجتماعية-.
http://www.ahewar.org/debat/s.asp?aid=325366
يقول الدكتور حسان عاكف في ختام حواره ( الجملة التالية ) :

“الحزب الشيوعي العراقي حزب ديمقراطي في جوهره، يعمل على إقامة نظام ديمقراطي أساسه التعددية الفكرية والسياسية، والفصل بين السلطات، والتداول السلمي للسلطة، واحترام حقوق الإنسان، وضمان الحريات الشخصية والعامة، واعتماد مبدأ تكافؤ الفرص، وتأمين العدالة الاجتماعية، وبناء دولة القانون والمؤسسات، الدولة الديمقراطية العصرية”. انتهى
هذه الجملة مقتبسة من مقدمة برنامج الحزب الشيوعي العراقي حسب قول الدكتور ..
أنا مع هذه الجملة قلباً وقالباً لا بل أنا على استعداد للتضحية بحياتي في سبيل تحقيق كل ما جاء فيها ,, ولكن السؤال الحقيقي ,, كيف ؟
حسب رأيي المتواضع أنّ اهم سؤال في جميع الكتابات هو ( كيف ) ؟
بدون ( كيف ) تكون جميع الكتابات ( حرث في الماء ) حسب رأيي المتواضع ..
سوف اقتبس من تعليق الأستاذ نجيب توما والذي اتفق معه في السؤال الجوهري ( كيف ) ما يلي :
داخلي بركان لهذا ليس غرضي من النقاش لاجل النقاش فقط بل هو دعوة لقراءة جديدة موضوعية .. دعوة لتنظيف ( الزنجار , لهجة عراقية وتعني صدأ الحديد ) ..ودعوة لاحترام العقل..اننا نريد جميعا انتشال العراق ولكن كيف ؟؟؟ انتهى ..
أنا كذلك غرضي دعوة لتنظيف الصدأ الذي أصابنا ودعوة لاحترام العقل لأن من يقرأ ما يخالف المنطق والواقع والعقل يصاب بالإحباط ونحن أصلاً في قمته ..
نحن نتمنى أنتشال العراق والعالم العربي ولكن من بيده كل ذلك ؟
جميع الكتابات ( بدون كيف ) لا تقدمَ شئ ,, مجرد رأي ,, حجة الذين يرددون بأن هذه الكتابات من أجل توعية الشعوب أرى بانها حجة باهتة بالرغم من عدم إنكاري لجهودهم فالمثقف يكتب لنفسه ..
الجميع يريد دولة مدنية عصرية تؤمن بالتعددية الفكرية والفصل بين السلطات والتداول السلمي للسلطة واحترام حقوق الإنسان وضمان الحريات الشخصية واعتماد مبدا تكافؤ الفرص وتأمين العدالة الاجتماعية وبناء دولة القانون والمؤسسات ,, بالمختصر ( دولة ديمقراطية عصرية ) ؟ هل يوجد من يرفض هذه المسميات ؟
من يكتب في نقد الدين يريد ذلك ومن يكتب في نقد القوميات على نفس الخطئ ومن يكتب في نقد جميع الأفكار حلم حياته ولكن نعود للسؤال الجوهري ( كيف ) ؟ حتى نكون علميين – عمليين يجب أن نقول كيف ؟
كيف نستطيع تطبيق هذه المسميات وإنزالها على أرض الواقع ,, منْ يملك القرار لا بل منْ هو صاحبه ,, هل تستطيعون الوصول للسلطة ,, من هو الحزب الذي يتبنى كل هذه الخطوات ؟ وأين هو وفي أي بلد ؟
لم يعد هناك دبابات أو إنقلابات أو اقتحام للقصر الجمهوري فكيف ستكونون على رأس السلطة ؟ وإذا قلتم بالانتخابات فأنتم لا تستطيعون الحصول على مقعد واحد ؟ كيف ؟ هل نبقى نلف وندور ؟
إذا تحقق 25 % مما جاء أعلاه ( اقصد دولة مدنية – عصرية ) ومن قبل أي حزب أو سلطة نكون قد انتقلنا إلى بداية الطريق لا بل قطعنا شوطاً كبيراً من أجل الوصول إلى العالمية ..
ولكن كما يقول شاعرنا العربي :
ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ..
لو اقتصر الأمر على الأماني والأمنيات فلا اعتقد بأن هناك شعوب لديها أماني وأامنيات كشعوبنا العربية لا بل أن شعوبنا لا تملك سواها ( أحلام اليقظة ) ؟
تعليق الأستاذ نجيب توما على مقال الدكتور هو الذي دعاني أن اتناول هذا الموضوع وأن أقوم بطرح أسئلتي التي لا استطيع أن استغني عنها ( يبدو انها عادة سيئة ) ؟
كان عنوان التعليق على الشكل التالي :
هل العراق يحتاج إلى حزب شيوعي ؟
( للعلم فقط الدكتور لم يرد على هذا التعليق لغاية تناولي الموضوع ,, لماذا ” عند الحزب الشيوعي الخبر اليقين ” ) ؟
وأنا أقول ليس العراق فقط بل هل هناك دولة عربية – إسلامية تحتاج إلى حزب شيوعي ( من أجل الإنقاذ ) ؟ ومنْ هي هذه الدولة وأين تأثير أحزابها الشيوعية على الواقع الذي تعيشه تلك الدول ؟
هل لديكم جواب ؟ بدون تنظير نطرح السؤال المحوري مرّة آخرى ( كيف ) ؟
لن نذهب بعيداً لأن الموضوع كان يدور حول الحزب الشيوعي العراقي تحديداً ..
قبل هذا وذاك نحن نحترم جهود وتضحيات الحزب ومنذ عام 1934 ولحد الآن ولكن الاحترام شئ وتأثير هذا الحزب على أرض الواقع شئ آخر .
كذلك سوف لن نذهب بعيداً ونقول فقط ومنذ عام 2003 ما هي أفعال ( حشع ) وأين تأثيره على واقع الشعب العراقي ؟
قد يبدو سؤالاً سخيفاً لدى أهل الشعارات ولكن أنا هنا بصدد التخلي عن ( يعيش – يسقط – تحية رفاقية – تحية نضالية ) فلقد شبعنا من تلك الشعارات لا بل وصلنا حد التخمة وكما يقول المثل العربي ( نسمع جعجعة ولا نرى طحناً ) والأمثلة تضرب ولا تقاس ..
الشعوب تحتاج لتغيير حقيقي – فعلي – ملموس ولا تحتاج لاجترار بعض الحوادث والتغني بالماضي السعيد لأن حاضرنا ( تعيس ) ومستقبلنا سوف يكون أتعس .
في جولة الانتخابات الأولى كم كان عدد الأصوات التي حصل عليها ( حشع ) ؟
أرجو أن لا اقرأ بان الطائفية حاضرة والتيارات الإسلامية هي السائدة لأن من يتبنى هذا القول هو معي دون أن يشعر في عدم وجود أي تأثير للأحزاب التقدمية على أرض الواقع وخصوصاً الحزب الشيوعي .
في جولة الانتخابات الثانية نفس السؤال كم كان عدد الأصوات التي حصل عليها ؟ الجواب ( صفر ) ..
حزب عمره 78 سنة لم يلقى بين صفوف شعب تعداده 30 مليون أي قبول او حضور والدليل فشله في عدم الحصول على أي مقعد ..
المقعد الواحد يحتاج 50 ألف صوت في العاصمة كأعلى رقم ..
هناك حزب شيوعي لا بل أحزاب شيوعية ولكنها مشغولة في الاحتفالات وتنصيب الأمين وترشيح الرفيق وعمل الندوات وطبع الكراريس ..
هل تعتقدون بأن الشعوب الإسلامية عموماً والعربية خصوصاً تتبنى الأفكار الشيوعية ( الماركسية ) كمنهاج عمل فاعل في الواقع من أجل التغيير والوصول إلى السلطة ومن أجل تحقيق المبادئ التي يرفعها أو يحلم بها أو ينادي بها ؟
إذا كانت الشيوعية مبادئ ثقافية تتداولها الندوات أو الجامعات والمنتديات فلا بأس – لا اعتراض – على ذلك ولكن هل هذا هو المطلوب وهل هذا هو الذي تحتاجه شعوبنا ؟
فائض القيمة – نفي النفي – المراحل وحرقها أو بدون حرقها – هل الدماء التي كانت تسير في عروق كارل ماركس يهودية نقية أم صافية أم أم أم ؟
( الزميل يعقوب لا زال يبحث عن تلك الدماء ) ,, معذرة زميلي أتمنى ان تجد نوعية الدم ومن أي صنف هو ؟
فعلاً نحن نحتاج لشطف أدمغتنا ولكن ليس على طريقة الأستاذ حسقيل قوجمان مع اعتزازنا الكبير ..
نحتاج لشطف ادمغتنا بالنظر إلى مجريات الحوادث العالمية ومراكز القوى ودور الشعوب المتقدمة وما هو شغلها الشاغل وليس أشياء آخرى , مجرّد رأي .
ما يؤسفني حقاً هو أن النخبة لا زالت في واد وشعوبها في واد آخر .
إذا كان هناك اغتراب حقيقي بغض النظر عن الترجمة الحرفية للكلمة من الأنكليزية إلى العربية فإن الاغتراب الحقيقي هو اننا نعيش في هذا العصر دون أي تأثير ودون أي نتائج ودون أي ثمار ..
موقع الحوار المتمدن – يساري – علماني – ديمقراطي – والمنسق العام ومعه بعض الرفاق ماركسيين مستقليين وكان لهم دور في نشر بعض المقالات والندوات خصوصاً بعد المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي العراقي وأنا هنا لست بصدد نقد الموقع ولكن أنا هنا بصدد طرح بعض الأسئلة حول الحزب الشيوعي العراقي خصوصاً والأحزاب الشيوعية العربية عموماً ..
هل لا زالت فتوى تحريم الانتماء للأحزاب الشيوعية حاضرة في الأذهان ؟ ولكن هذه فتوى مضى عليها أكثر من 80 عاماً فهل من المنطق أن نجد من يقول بذلك ؟ مجرّد سؤال ؟
ما هي مشاكلنا عموماً ؟
جزء من تعليق الأستاذ نجيب توما يوضح ذلك :
هل مشكلتنا فعلا تكمن بطرح الشعار المرحلي والمناسب ؟؟ بصراحة يترأى لي ان الحزب الشيوعي يطرح شعارات من اجل تسجيل موقف تاريخي ؟؟ تحفظ هذه المواقف والشعارات ( بسجلات على شكل أرشيف ) حتى يتمكن الباحث من دراسة حقيقية لموقف الحزب الشيوعي من الاحداث !!؟ انتهى ..
نعم انا مع صاحب التعليق فقط ( ك ) أرشيف للدراسة ..
ليس جحوداً أو إنكاراً ( لمسيرة الحزب الشيوعي العراقي ) ولكن لنقرأ ما يلي من تعليق الزميل نجيب توما :
ثمانية وسبعون سنة عمر الحزب الشيوعي العراقي .. ثمانية وسبعون سنة مليئة حد التخمة بالشعارات وتحديد طبيعة المرحلة والقوى الفاعلة وقدمنا بشكل سخي الشهداء والتضحيات الجسام ,فماذا حققنا !!؟؟ هل يستطيع احد ان يجيبني ماذا حقق الحزب الشيوعي العراقي خلال سنوات وجوده ؟؟ انتهى .
أنا أصرخ بأعلى صوتي من أجل الدماء والتضحيات ( ماذا حقق الحزب الشيوعي العراقي خلال سنوات وجوده ) ؟
لا بل ماذا حققت جميع الأحزاب الشيوعية في العالم العربي ومنذ أن ظهرت على الساحة لحد الآن ؟
هل خالد بكداش ستاليني أم ماركسي – لينيني – هل الرفيق فهد ماركسي – لينيني – أم ستاليني ؟ هذا ما حققه الحزب سيدي نجيب ..
هل كان ستالين دكتاتوراً أم لا ؟ هل كان تروتسكي خائناً أم لا ؟ لا زلنا نكتب عن ذلك ولحد الآن لم نفهم من هو الدكتاتور ومن هو الخائن ؟
نعود للأسئلة التي سألها الزميل نجيب توما للدكتور عاكف حتى نستطيع أن نعرف ما هي الانجازات التي قدمها الحزب الشيوعي العراقي ومنذ عام 1934 ولغاية الآن :
هل أزداد الشعور الوطني ؟ هل انتشرت الافكار الاشتراكية ؟ هل زادت اللحمة الوطنية ؟ هل انقبرت الطائفية ؟ هل تحررت المرأة العراقية ؟ هربجي كرد وعرب رمز النضال ؟ ( وحدة بين العرب والأكراد ) وغيرها الكثير من الشعارات التي نجدها في ارشيف الحزب ؟
هل الحزب الشيوعي العراقي خارج التاريخ ؟ خارج المسيرة ؟ خارج المزاج الجماهيري ؟ هذه هي أسئلة الأستاذ نجيب وأنا أضفت لها ( هل ) ؟
سؤال لجميع الشيوعيين ماذا تحقق من ألأسئلة أعلاه خلال مسيرتكم ؟ سأنتظركم .
( حقيقة لقد أزاح الزميل نجيب توما عن صدري حملاً ثقيلاً بطرح أسئلته وهي ليست فقط للدكتور بل لجميع الشيوعيين وسوف أختار فقرة وهي في الصميم ,, لنقرأ ما يلي من صاحب التعليق لصاحب الحوار الدكتور حسان عاكف ) :
ألاّ يحق لي القول اننا طحنا الهواء وانكم لازلتم باصرار تطحنون الهواء ( أنا برأيي هذا أفضل تعبير ويُعطي صورة حقيقية وواقعية ) ..
اين النظرية التي تتطور وتتكيف ؟ ( يبدو أن الزميل نجيب مستعجل ,, سوف تتطوّر ولكن علينا الانتظار ) ؟
اين المادية التاريخية والمادية الديالكتيكية التي ثبرنا ( دوخنا ) العالم بها ؟
ارضعتمونا ان الرأسمالية الى زوال فزال النظام الاشتراكي ؟ ( الرأسمالية غير موجودة رفيقي نجيب حسب معلوماتي من بعض المقالات المنشورة في بيتنا الثاني الحوار المتمدن ) ؟
وقلتم لنا ان النظام البعثي آيل للزوال فصعدنا الى الجبل ركضا وحملنا السلاح ببطولة , ( فصار طشارنا مالة والي باللهجة العراقية ) ( تبعثرنا بين قمم الجبال )
أنت تقول ( مخاطباً الدكتور عاكف ) :
أنّ الحزب الشيوعي ضروري في ظروفنا الحالية باعتباره الحامل الاساسي للمشروع الوطني الديمقراطي الحقيقي , الذي ينسجم مع ظروف المرحلة الراهنة ويحدد مستلزمات انجاز مهامها ؟
( انا لا تعليق لأنني أخشى أن تطالني يد الرقيب أو أخرج عن السياق وأصل لمرحلة الكفر والتي عقوبتها الاتهام بالانتماء إلى : الصهيونية – الامبريالية – الماسونية ) ؟ ولكن لنكمل :

اليس هذا الكلام نفسه يردد علينا منذ تأسيس الحزب , عجيب والله اسطوانات الحزب ما تخرب ( تبقى صالحة لكل زمان ومكان ) ؟
زميلي نجيب كما يقولون في الإعادة إفادة ,, يجب أن نكرر على مسامع الشعوب حتى يحفظوها وإلاّ سوف تنتهي أحزابنا ؟
يقول صاحب التعليق :
طيب عندما يكون الحزب هو الحامل الاساسي يعني الاحزاب اليسارية الاخرى والاحزاب الوطنية والاحزاب المستقلة والشخصيات الديمقراطية ( لا بدّ من أن ) تلتف حول الحزب وتصفق له ,, ام كيف ؟
وهل هذا هو تصوركم للتعددية وتشكيل جبهة يسارية ديمقراطية وطنية ؟؟ بصراحة الله يساعد الاحزاب البقية بالتعامل ( معكم ) لانه مقدما تفرضون ان شعاراتكم وتصوراتكم هي الصحيحة وهي الاساس؟؟ انتهى ..
زميلي نجيب هل لديك شك بأن الأحزاب الشيوعية في عالمنا العربي لا تملك الإجوبة الصحيحة والحقيقية لمشاكلنا ولديها الحلول الناجعة ؟
فعلاً شر البلية ما يضحك ,, الحزن والأسى على شعوب فقدت كل مقومات النهوض والأنكى فيها أحزاب يقولون عنها تقدمية – عالمية ؟

سؤال ؟

هل شعار المؤتمر الوطني التاسع من مهام الحزب الشيوعي ؟؟ ام ان الحزب الشيوعي لا يعني ان يكون شيوعيا بالمفهوم التقليدي ؟؟هل هناك قراءة جديدة لماركس ؟؟ بحيث انها تتماشى مع ما تقول ؟
( الغول والعنقاء والخل الوفي ,, هذه 3 مستحيلات ولكن الرابع هو إعادة قراءة ماركس من جديد من قبل عالمنا العربي , لأن ذلك كفر وإلحاد وخروج عن المبادئ الرئيسية التي جاء بها كارل ماركس ( الدم اليهودي يجري في عروقه ,, هل وصلت زميلنا يعقوب إلى نوعيته ) ؟
نعود لمقتطفات من التعليق :

غير ان هذا لا يمنع من وجود امكانات واقعية لرسم ملامح وتوجهات ورؤى عامة لمسار التطور التدريجي الاجتماعي ..الاقتصادي والسياسي …
( أنا اعترض على صاحب التعليق الزميل نجيب لأن هذه جملة إنشائية لا قيمة لها وخصوصاً أن هذه الملامح التي تتحدث عنها مفقودة في عالمنا العربي ) .
أجزاء آخرى من التعليق :

وارجع واقول كل هذا ليس من مهام الحزب الشيوعي؟؟ انكم تريدون خطف مهام البرجوازية والرأسمالية التي من واجبها اكمال بناء المرحلة …

والبؤس الاخر في نظري هو تعريفكم للحزب الشيوعي :

بكونه حزب الطبقة العاملة وكل شغيلة اليد والفكر والقوى الحية في المجتمع ؟

انا لا اعرف كيف تسمحون لانفسكم باختطاف ما يحلو لكم و( تنسبونه لأنفسكم ) ؟ هل هو ذر الرماد بالعيون ام مجرد تصفيف كلمات ..انا اقف مبهوتا على هذا الاصطفاء واعتقد قد وضعتم الله في جيبكم فهو ايضا مغرم بالاصطفاء! ( هل أنتم ) تعتبرون أنفسكم ممثلين لكل شغيلة اليد والفكر والقوى الحية في المجتمع والطبقة العاملة؟؟؟

أولاً : من هي القوى الحية؟
ثانياً : هل تعرفون ان القسم الاكبر من شغيلةاليد والفكر هم برجوازيين واعتقد ان هذا ينطبق ايضا على القوى الحية؟؟ ولماذا لا تقولوا بصراحةانكم تمثلون البرجوازية ايضا!!!؟؟ دون لف ودوران ؟

وثالثا : اية طبقة عاملة تمثلونها في العراق ,, ولماذا تريدون تمثيل الطبقة العاملة اذا كان شعاركم وتطلعاتكم الحالية يمكن أن يتبناها حزب ديمقراطي وطني يعني بكل عزيمة لازم تدخلون الطبقة العاملة ( بالنص ) ؟؟ انتهت الأسئلة التي هي في الصميم ؟ فهل من مجيب ؟
عدم تشخيص هذه السلبيات وعد الإجابة على الأسئلة معناه اننا نحتاج إلى 78 سنة آخرى , لعل الله يمنح الرفاق المزيد من العمر لكي نرى ما تحلم به شعوبنا على أيديهم ” إنه نعم المولى ونعم المجيب “؟
ما هو الفرق بين السلفي الذي يبكي على عصر الخلافة وبين الشيوعي الذي ينتحب على زمن الاتحاد السوفيتي حيث الشقق الواسعة والخبز الأبيض , خيث العمال في جنة الأحلام وكل شئ بين أيديهم بفعل ( كن فيكون ) ؟
/ ألقاكم على خير / .

Posted in فكر حر | Leave a comment

من الحجاب إلى النقاب

 نصر حامد أبو زيد  

أثيرت في مصر مشكلة “الحجاب” في سياق قرار الجمهورية الفرنسية بإصدار قانون يحرّم ارتداء الرموز الدينية في المدارس. وهذا يؤكّد مرّة أخرى علاقة الخارج والداخل في عالم زالت فيه الحدود وارتفعت العوائق، لا أعني الحدود السياسية والجغرافية، ولا العوائق القانونية، بقدر ما أعنى عوائق الاتصال. أراد شيخ الأزهر السابق – الشيخ الطنطاوي رحمه الله- أن يرضي حكومة فرنسا فقرّر أن من واجب المسلمين أن يطيعوا وليّ الأمر في بلاد المهجر، وهكذا ظنّ أنّه سهّل الأمر. لكنّه استدار إلى المرأة التي تعيش في بلد مسلم – يقصد أغلبيته مسلمة – فقرّر في حسم أنّ الحجاب بالنسبة لهذه المرأة “فرض دينيّ” تحاسب عليه إن فرّطت فيه. هكذا في نزعة ردّ فعل غير مسئولة صار الحجاب “فريضة”، وصارت جميع غير المحجّبات – حتى في تركيا التي تمنعه في الجامعة، وفي تونس التي تضع عليه القيود – مُفَرِّطة في فرض دينيّ. ليس من الصعب أن يبني المتشدّدون على أساس هذا التصريح من شيخ المؤسسة الدينية أنّ عدم ارتداء الحجاب يماثل ترك الصلاة وكلاهما والعياذ بالله كفر.

أيّ تعليق على مسألة الحجاب أو مناقشة لمدى حجّية الأدلّة على اعتباره “فرضا” تثير عواصف هوجاء في المجتمع المصري. عبارة قالها وزير الثقافة “فاروق حسني” شغلت مجلس الشعب المصري – مصر التي يتحمّل شعبها أكواما وأحمالا من المشكلات التي يجب أن تشغل أعضاء المجلس الموقّر – أياما من الجدل والنقاش حتى سحب الرجل عبارته وخطَّأ نفسه.

وأثيرت مسألة النقاب مجدّدا، بسبب شيخ الأزهر السابق أيضا حيث كان في زيارة لإحدى مدارس الفتيات التابعة للأزهر، وطلب من إحدى الفتيات المتنقبات أن تنزع النقاب، فاستثير الإسلاميون ضدّ الأزهر وشيخه. فمن قائل إنّ مسألة النقاب مسألة حرية شخصية، ومن ذاهب إلى أنّها “عادة وليست عبادة” – لاحظ التصنيف – ومن قائل إنّها واجب شرعيّ. وصل الأمر إلى القضاء بسبب قرار رؤساء الجامعات بمنع الطالبات المنقبات من دخول المدن الجامعية فأصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها بتمكين الطالبات من الدخول واعتبر قرار رؤساء الجامعات مخالفا لقانون الحريات الشخصية.

ما حدث مع وزير الثقافة بسبب الحجاب نفس الأمر يتكرّر الآن مع المستشار “تهاني الجبالي” – مستشار في المحكمة الدستورية العليا – التي نعت على المصريين التمسّك بالشكليات – ذكرت مسألة تغطية جسد المرأة نموذجا – على حساب الجوهر في الإسلام. رفع عليها أحد المحامين المتشددين دعوى قضائية يطالب بفصلها من موقعها. أغلب الظنّ – وبعض الظنّ إثم لا ضرر منه – أنّ الرجل كان مستاء من مجرد تعيين امرأة في المحكمة الدستورية العليا، وكان يتحيّن الفرصة للنيل منها.

النظر في كلّ المبرّرات الدينية، وغير الدينية، لتغطية المرأة وحجبها عن الوجود في الفضاء الاجتماعي العامّ، يفضي إلى نتيجة يجب أن تزعجنا جميعا: أنّ الهدف الأسمى هو “حماية الرجل” من فتنة المرأة، حمايته من غواية النظر إليها. لا أحد يتحدّث عن حماية المرأة من فتنة الرجل ويطالب الرجال بستر فتنتهم. تبدو غواية الرجل للمرأة – في الوعي العام – أمر مقبولا، إنّه الطبيعي. فتنة المرأة هي غواية الشيطان. هكذا يعود الوعي العامّ إلى أسطورة الخلق التوراتية، حيث أغوت حوّاء أدم؛ فارتكب معصية الأكل من الشجرة المحرّمة، فطُرِد وهي من الجنّة. القصة التوراتية تقول: إنّ المرأة هي مدخل الشيطان إلى الرجل، وهكذا يصبح الرجل هو “الإنسان” والمرأة بعضه الأعوج، الذي يحتاج طول الوقت إلى تقويم. كلّ هذه العناصر التوراتية لا وجود لها في القرآن نصا، وإنما دخلت نطاق الفكر الديني عبر كتب التفسير التي استعانت بهذه التفاصيل لشرح ما لم يذكره القرآن.

وحده محمد عبده في، أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن الماضي، تنبّه لهذه المشكلات في الفكر الدينيّ. والفكر الديني الآن بتراجعه إلى ما قبل لحظة محمد عبده يسحب المجتمع إلى الوراء. لكن علينا ألا ننسى أنّ المجتمع، في الأصل، هو الذي سحب الفكر الديني إلى الخلف، ثم استسلم له ليقوده. من هنا فإنّ السبيل الوحيد لمقاومة أيّ نهج، أو نمط جديد من التفكير، هو الصياح ورفع يافطة “الثوابت” و”الفكر الغربي”، و”المناهج المستوردة”، كأن ما أنتجه الأسلاف لا يقبل الفحص والنقد والردّ.

  وقضايا المرأة في الفكر الإسلامي بصفة عامة تثار في مصر أوّلا، ثم ينتقل الجدل الصاخب منها إلى المجتمعات العربية؟ في حدود علمي إنّ منظومة القضايا المتعلّقة بوضع المرأة ومكانتها في المجتمع – وقضية الحجاب أو النقاب واحدة من هذه المنظومة – هي “كعب أخيل” في العالم الإسلامي طولا وعرضا. لكن لأنّ المجتمع المصري كان قد تجاوز هذه المشكلات وتخطّاها، منذ بدايات القرن العشرين، فإنّ حالة الارتداد التي يمرّ بها، منذ عقود تلفت الأنظار إليه. ماذا حدث للمصريين؟ تساؤل طرحه المفكّر “جلال احمد أمين” منذ فترة، وما زال يُحْتاج النظرُ فيه. للإجابة على هذا التساؤل ينبغي عدم استبعاد التأثير الخليجي – السعودي الوهّابي بصفة خاصة- على وعي المصريين، الذين تزايد عدد مهاجريهم بحثا عن فرص عمل أفضل، منذ بداية السبعينات من القرن الماضي.

الإسلام الخليجي، هو بشكل أو بآخر، إسلام الجزيرة العربية، وهو أشدّ صيغ الإسلام تشدّدا وتزمّتا. إذا كان الإسلام الأوّل هو إسلام الحجاز، فالإسلام السعودي/الخليجي هو إسلام نجد القرن الثامن عشر. وشتّان بين إسلام الثقافة العالية، في القرن السابع – ثقافة التجّار والمدن – وإسلام بداوة “نجد”، المتمثل في “الوهابية”، التي لم تتطوّر في مقولاتها الأساسية خطوة واحدة منذ مؤسّسها “محمد بن عبد الوهاب”. بل إنّ المعارضة السياسية/الدينية للنظام السعودي تكفَّر حكام السعودية، لانحرافهم عن الدين الحقّ، الذي أسّسه ابن عبد الوهاب. هذا هو الإسلام الذي غزا، بقوة المال، وعي أبناء المجتمعات الأخرى، وعلى رأسها مغتربي المجتمع المصري.

بالإضافة إلى هذا العامل، ثمّة عاملان جوهريّان مكّنا هذا العامل من أن يلاقي أرضا خصبة: أحدهما التحوّل السياسي الاجتماعي، الذي أحدثه الرئيس السادات في بنية الدولة، منذ تولّيه سلطة الحكم في أكتوبر 1970، أعني الانتقال من نظام “رأسمالية الدولة” إلى نظام “الاقتصاد الحرّ”، بشكل عشوائيّ. هذا الانتقال العشوائيّ – الذي أطلق عليه أحد الإعلاميين النابهين، الراحل “أحمد بهاء الدين” : الانفتاح السداح المداح – كان له، وما يزال، تأثيره الفادح على الطبقات العاملة المصرية؛ فاختفت الطبقة الوسطى تدريجيا لحساب انقسام طبقيّ حادّ بين أغنياء سفهاء وفقراء معدمين. صار المجتمع المصري، الذي كان مجتمع التكافل الاجتماعي، تحت مظلة الدولة الاشتراكية، مجتمعَ الصدقة والبرّ والإحسان، تحت رحمة رجال الأعمال. من المهمّ هنا أن نؤكّد أنّ هذا الوضع أدّى إلى تحالف بين طبقة رجال الأعمال من جهة، وبين رجال الحكم وفصيل من المثقفين والأدباء والفنانين من جهة أخري. فضيحة “شركات توظيف الأموال” في الثمانينات كشفت انضمام المؤسسة الدينية الرسمية إلى هذا التحالف، الذي ضمّ أيضا “الإخوان المسلمين”، أكبر المدافعين عن رأسمالية السوق الحرّة. هذا التحوّل في الخطاب الديني المصريّ تعاملت معه تحليلا ونقدا في “نقد الخطاب الديني”. انتهي هذا التحالف إلى أن أصبح زواجا كاثوليكيا بين المال والسياسة والفكر فصار رجال الحكم هم أنفسهم رجال الأعمال.

أما العامل الثاني – الذي أثّر على وضع المرأة في المجتمع المصري بشكل فادح – وهو الأثر الأكبر للعامل الأول، فيتعلّق بأزمة سوق العمل، وتزايد معدلات البطالة في مصر، خاصة بعد أن تزايد اعتماد سوق العمل في الخليج على العمالة الآسيوية الأرخص. غنيّ عن البيان أنّ هذا الانفتاح الاقتصادي – الانفتاح الاستهلاكي بامتياز – عمّق من مأساة أزمة البطالة، بكلّ ما صاحبه من مظاهر الترف المبالغ فيه. لعلّ مثال حفل زفاف إحدى بنات الرئيس السادات لأحد أنجال أكبر رجل أعمال في مصر يكفي للتدليل على هذه الظاهرة، حيث تمّ بثّ الحفل من خلال قناة التليفزيون الحكومية ورأى المصريون جنيهات الذهب ترشّ على العروسين بدلا من حبوب الأرزّ أو القمح – أو الورود – التي تعود المصريون رشها رمزا لأمنيات الزواج الخصب السعيد.

في نقاشات في مجلس الشعب المصري حول البطالة كان الاقتراح هو إعطاء النساء العاملات إجازة بنصف أجر للتفرّغ لتربية الأطفال ورعاية الأسرة، أهم الأدوار المنوطة بالمرأة، حسب الخطاب الديني. بعبارة أخرى، لم تناقش الأزمة بوصفها أزمة اقتصاد استهلاكيّ يحتاج إلى ترشيد وإعادة هيكلة ليتحوّل إلى اقتصاد إنتاجيّ، بل صارت الأزمة هي عمل المرأة الذي يقلّل من فرص عمل الرجال. هكذا بدأ تحويل كلّ المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إلى قضايا تحلّها العودة إلى قيم الدين وعلى رأسها عودة المرأة إلى البيت. من هنا بدأ الانحدار وتدريجيا تطوّر الخطاب، المعادي للمرأة، من الدعوة إلى عودتها إلى البيت – الذي يعني استبعادها من الوجود في الفضاء العامّ – إلى الدعوة إلى تغطية شعرها، ثمّ تغطية جسدها كله، إذا كان ولا بدّ من وجودها في الفضاء العامّ للضرورة. كان هذا البعد هو موضوع التحليل في كتاب “المرأة في خطاب الأزمة”، الذي نشر في بداية التسعينات في مصر، ثم صدرت منه طبعة مزيدة منقّحة بعنوان “دوائر الخوف: قراءة في خطاب الأزمة” عن المركز الثقافي العربي (بيروت والدار البيضاء). وخطاب الأزمة موضوع التحليل يتضمّن الخطاب الدينيّ وغيره من الخطابات السياسية والاجتماعية والثقافية التي تعزف نفس نغمته ولكن بآلات أخرى.

نصر حامد أبو زيد(مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

مسألة الخوف على “الثوابت” و”القطعيات”

 نصر حامد أبو زيد  

الثابت والقطعيّ والراسخ في مجال المعنى الدينيّ، هو الاستثناء لا القاعدة. وأيّ دراسة لتاريخ الفقه، أو لتاريخ علم العقائد، أو لتاريخ الفلسفة، فضلا عن التصوّف، تؤكّد هذا. ثمّة مغالطات في مسألة القطعيات والثوابت تحتاج لتحليل. الخطاب الدينيّ الكلاسيكي يميّز بين أمرين: الثبوت والدلالة.

  1- الثبوت مصطلح يحيل إلى الطريقة التي نحكم بها على نص ما، أو حكم فقهيّ ما، بأنّه وصل إلينا بطريقة موثوق فيها، أي أنّه مصطلح يرتبط بمصطلح آخر في “علم الحديث” هو مصطلح “الرواية”. وقد يكون الثبوت “قطعيا”، أي لا شكّ فيه، وقد يكون “ظنّيا” أي محلّ شكّ. من هنا يتمّ التمييز بين “قطعية الثبوت” و”ظنية الثبوت”. كون الحكم أو النص قطعيّ الثبوت لا يعني أنّه ميكانيكيا قطعيّ الدلالة؛ فالدلالة هي الجانب الأهمّ في الحكم أو النص. القرآن مثلا قطعيّ الثبوت في الطريقة التي وصل بها إلينا، لكنه ليس قطعيّ الدلالة؛ إذ تتفاوت دلالة أجزائه – آياته وفقراته – بين الوضوح التامّ “القطعيّ”، وهو الأقلّ، وبين الغموض التامّ – المتشابه – الذي يحتاج للتأويل.
  2- الدلالة – من جهة أخرى – مصطلح يشير إلى إشكالية الفهم والمعنى، أي أنّه بلغة “علم الحديث” يتعلّق بمصطلح “الدراية”. بين طرفي “قطعيّ الدلالة” و”المتشابه” يوجد “المجمل” الذي يحتاج للتفصيل والتخصيص، و”المحتمل” الذي تتردّد دلالته بين الحقيقة والمجاز وهو إلى الحقيقة أقرب، و”المؤوّل” الذي هو إلى المجاز أقرب.

وهذا التقسيم يكشف عن بعض “تزويرات” الخطاب الدينيّ حين يقرن “قطعية الثبوت” و”قطعية الدلالة” في عبارة واحدة كلّما كان الحديث عن “القرآن”، الذي هو من منظور الفكر الكلاسيكي “قطعيّ الثبوت”، وليس أبدا “قطعيّ الدلالة” إلا اسثناء. لو ضربنا المثل بأوضح المفاهيم الدينية – التوحيد، أنّ الله واحد لا شريك له – وحلّلنا النقاش الذي دار، وما زال يدور، حول ماهية التوحيد: هل كثرة الأسماء والصفات الإلهية الواردة في القرآن تؤدّي إلى كثرة في الذات الإلهية؟ وهل الصفات الإلهية هي نفسها الذات الإلهية، أم هي غيرها وزائدة عليها؟ ومن داخل هذه الإشكالية – التي لا يصحّ التقليل من أهمّيتها بدعوى وقف التفكير لأنّه يؤدّي إلى الشكّ والكفر – تتفرّع إشكاليات “القضاء والقدر”، و”الفعل الإنساني”، و”المسئولية الإنسانية” … الخ، وهي إشكاليات يطرح القرآن إجابات مختلفة لها إلى حدّ التناقض.

سيادة العقائد الأشعرية – التي مُنِحَت، لأسباب سياسية واجتماعية وتاريخية، صفة “عقائد أهل السنّة والجماعة” – لا يعني أن يهمل المفكّر التعامل مع العقائد التي تمّ تصنيفها في خانة “البدع”. إذا ظلّ الفكر الدينيّ واقفا، أو سائرا ونظره إلى الخلف، فهذا هو “الجمود” الذي يتمّ تدليله بمنحه اسم “الثوابت”.

مسألة الفزع من المناهج الحديثة:

ثمّة منطق غريب يجب الحذر منه، بل وتفكيكه، أعني منطق وجوب التعامل مع النصّ الدينيّ من داخل المنظومة المعرفية الكلاسيكية، واتّهام المناهج الحديثة بأنّها تنطلق من “مفاهيم فلسفية غربية”. يعتمد هذا المنطق على حجّة براغماتية هي “حالة الاحتقان السياسيّ والانغلاق على الذات”، التي يجب وفقا لهذه المنطق أن تمثّل محظورا لا يسمح لنا باختراقه. والحقيقة أنّ هذه المحظورات بالذات يجب أن تكون دافعا لمحاولة الاختراق وإلا يفقد الفكر دوره الرياديّ في إحداث التغيير الفكريّ المطلوب لتطوّر المجتمعات. التسليم بمنطق الحذر والحظر يعني أن يؤبِّد الفكر حالة التخلّف والانغلاق بدل أن يواجهها نقديا. من جهة أخرى، يبطن المنطق في جوفه مفهوم “نحن وهم”، و”ثقافتنا وثقافتهم”، “مناهجنا ومناهجهم” الخ. وهو منطق مغاير تمام المغايرة لسيرورة الفكر الإسلامي في تطوّره التاريخيّ، هذا التطوّر الذي كان مستحيلا حدوثه لو لم ينفتح المفكّرون المسلمون على ثقافات العالم، في كلّ مجالات المعرفة.

إذا كانت المعارف اللغوية، ونطريات تحليل النصوص وتأويلها، قد تطوّرت في “الغرب”، فمن العار أن نتصوّر أنّ نصوصنا الدينية لا تقبل، أو تتأبّى على التعاطي مع هذه التطوّرات، بدعوى أنها قد تفقد قداستها. والحال أنّ هذا التأثّر بثقافات العالم حدث في تاريخ التفسير والتأويل، ولم تفقد النصوص شيئا من ذلك، لسبب بسيط وبديهيّ، أنّ القداسة صفة يمنحها المجتمع المؤمن لنصوصه الدينية. طبعا يمكن الاعتراض بالقول: إنّ إيمان المجتمع يحتاج إلى حماية من التفكّك، وهذا اعتراض يفترض إيمانا مريضا وليس الحلّ في “الحماية” وإنّما في تطوير مستوى الوعي.

مسألة الأساطير والمعجزات والخوف على “الإعجاز”:

القرآن نصّ سرديّ بامتياز – وهذه قضية لم تنل حقّها بعد من الشرح والتحليل والتفصيل – يحكي قصصا كان المعاصرون يعرفونها، وهو يخاطب معاصريه على قدر تصوّراتهم التي تتمثّل العالم عجائبيا وغرائبيا، مليئا بالملائكة والجنّ والقوى المسخّرة، إمّا لمساعدة الإنسان أو لتعويقه. هذا عالم القرآن، المليء بحكايات المعجزات وقصصها، التي كانت جزءا من الواقع الثقافيّ. وحين نتحدّث عن الواقع الثقافيّ يكون الحديث عن المفاهيم والتصوّرات القارّة في وعي الجماعات التي توجه لها القرآن في القرن السابع ومخيالها. عن هذا يقول الشيخ محمد عبده: إنّ هذا القصص، بما يتضمّنه من معجزات وأفعال خارقة، لا يقصد به التأريخ، وإنما يقصد به التنبية والاعتبار. إنّها في نظر عبده “تمثيلات” تخييلية. بل إنّ عبده يذهب إلى تبنّي رأي بعض المعتزلة في مسألة نزول الملائكة للحرب إلى جانب المسلمين في موقعة “بدر”، بأنّ هذا لم يحدث حرفيا، فالمؤرّخون حدّدوا على وجه التقريب عدد القتلى من الجانبين، ومن قتل من .. الخ. القرآن ينصّ على أنّ الوعد بتنزيل الملائكة للقتال مع المؤمنين – هكذا يؤكّد عبده متابعا بعض المعتزلة – كان لمجرّد البشارة وتقوية العزيمة “وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئنّ قلوبكم”.

إذا كان القرآن يحكي قصص الأوّلين أو أساطيرهم – أسطورة تعني قصة أو حكاية من التاريخ القديم – المليئة بالمعجزات، فإنّ نبيّ الإسلام لم يقترف معجزة بهذه المعنى، لذلك حرص المسلمون على إثبات كون المعجزة المحمّدية هي القرآن نفسه، أي أنّها معجزة غير مفارقة للخطاب النبويّ، معجزة في اللغة، وليست في كسر قوانين الطبيعة.

كلّ هذه التخوّفات على قداسة النص محتملة، طالما أنّ الإيمان ينبني على التصوّرات الكلاسيكية. وتلك هي المشكلة الحقيقية. هل القرآن معجز لأنّه كتاب لقراءة الماضي والحاضر والمستقبل؟ قراءة الماضي من منظور تاريخ الخلاص، أي تاريخ الرسل والملوك والأمم الغابرة بهدف العظة والعبرة، نعم. أمّا قراءة الماضي بالمعنى العلميذ للتاريخ فلا. قراءة المستقبل، أيّ مستقبل! وفي كثير من العبارات على ألسنة الرسل، وعلى لسان محمّد، أنّه لا يعلم الغيب إلا الله. المستقبل جزء من هذا الغيب “إنّ الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأيّ أرض تموت”. ومع ذلك فالخطاب الدينيّ هو الذي يضطرب بسبب تطوّر المعرفة العلمية، وإمكانية توقّع هطول الأمطار، وإمكانية معرفة نوع الجنين في الرحم .. الخ.

يبقى أمر الإعجاز البيانيّ، وتطوّر نظرية الإعجاز البيانيّ يكشف عن أصولها فيما يسمّى “آيات التحدّي” في القرآن، وهي نسق من الخطاب السجاليّ بين العرب ومحمّد، حلّلته تحليلا مستفيضا في أماكن كثيرة من كتاباتي.

بدأت نظرية الإعجاز بالقول بالصِّرفة، أي أنّ الله تدخّل فصرف العرب – أي أعجزهم – عن الإتيان بمثله. ولولا هذا التدخّل لأتى العرب بمثل القرآن أو بأحسن منه بيانيّا. هذا قول المعتزليّ “إبراهيم بن سيار النظّام” أستاذ “الجاحظ”، وهو قول معناه أنّ المعجزة ليست في القرآن ذاته، بل في “تعجيز” العرب بالتدخّل الإلهيّ. تمّ رفض هذا التفسير، وتطوّرت محاولات إثبات الإعجاز، حتى بلغت نضجها في نظرية “النظم” عند عبد القاهر الجرجاني في القرن الخامس الهجري. وجوهر هذه النظرية أنّ القرآن نصّ لغويّ أدبيّ ممتاز، ومصدر امتيازه أنّه نصّ استثمر قوانين اللغة – النّظم – في أقصى وأعلى مستوياتها. لكن تظلّ هذه القوانين في الأساس هي قوانين الكلام البليغ.

من هنا دفاع الشيخ عبد القاهر عن “علم الشعر” و”علوم اللغة” لدرجة أنّه اعتبر أنّ من يهوّنون من شأن دراسة اللغة ودراسة الشعر تحت، أي شعار دينيّ، إنّما يسدّون المنافذ الوحيدة التي من خلالها يثبت الإعجاز، فهم بذلك يرتكبون جرما دينيا باسم الدين. فحوى ما يؤكّده الشيخ الجليل – الذي لم يكن منغلقا عن الإفادة من المعارف التي كانت متاحة في عصره – أنّ القرآن نصّ لغويّ أدبيّ بامتياز، وأنّ المنهج الناجز لمقاربته هو منهج التحليل اللغويّ الأدبيّ، في أرقى تجلياته بحسب تطوّر المعارف اللّغوية الأدبية.

كان اكتشاف عبد القاهر في العصر الحديث، بفضل محمّد عبده، له الأثر الأكبر في التواصل مع التراث اللغويّ والبلاغيّ، وتطويره على يد أمين الخولي، رائد منهج التحليل الأدبيّ للقرآن. أن يُحارب هذا المنهج، بهذه الضراوة، أمر يكشف عن جرثومة الخلل في الفكر الإسلاميّ، لا في علاقته بالعالم وتطوّر المعرفة فحسب، بل في علاقته الرفضة لتراثه الحيويّ القابل للانفتاح، وتمسّكه بالتراث المغلق الذي كان مسجونا في أفق وعيه الزمني.

نصر حامد أبو زيد(مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

لماذا يزداد تخلفنا

كامل النجار

الطفل يؤلد وعقله صفحة بيضاء خالية من الحروف والأفكار. والداه ثم مجتمعه يسطرون السطور الأولى في تلك الصفحة البيضاء، فيتعلم الطفل الكلام ثن المعتقد ثم، في الغالب، الحرفة التي يعمل بها أبوه. وتستمر حياته بنفس منوال حياة أبيه، إلا إذا كان محظوظاً وعاش في بيئة تتيح له الدراسة في مدارس نظامية.
العرب، طوال تاريخهم المعروف، اعتمدوا على نقل خبراتهم شفهياً، ولم يهتموا بتعلم الكتابة إطلاقاً، رغم أن جيرانهم في سومر وفي فارس وبيزنطة وفي ممالك اليمن قبل الميلاد، تعلموا الكتابة وأرخوا لملوكهم وحروبهم ومعتقداتهم. وعندما جاء الإسلام كان حامل رايته أمياً، كما زعم هو بنفسه في القرآن، وكان عدد الذين يكتبون لا يتعدى أصابع اليدين والرجلين (وكان بعض اليهود قد علم كتابة العربية وكان يعلم الصبيان بالمدينة في الزمن الأول فجاء الإسلام وفي الأوس والخزرج عدة يكتبون‏، وهم سعد بن عبادة بن دليم والمنذر بن عمرو وأبي بن كعب وزيد بن ثابت فكان يكتب العربية والعبرانية ورافع بن مالك وأسيد بن حضير وسعد بن الربيع وأوس ابن خولى وعبد الله بن أبي المنافق‏.)‏ ( فتوح البلدان، البلاذري ص 535). والبقية أميون
واستمر تناقل الدين الجديد شفهياً حتى منتصف القرن الثاني الهجري لدرجة أن الإمام مالك بن أنس لم يكتب حرفاً واحداً من “المدونة الكبرى” وإنما اعتمد على الدروس الشفهية فقط، وكتب تلميذه عبد الرحمن بن القاسم المدونة ونقلها عنه الإمام سحنون بن سعيد التنوخي. فحتى كبار فقهاء الإسلام ربما لم يكونوا يعرفون القراءة والكتابة وإنما اعتمدوا على السماع من شيوخهم.
مثل هؤلاء الشيوخ هم الذين قادوا أمة الإسلام التي يتفاخر قرآنهم بأن الله (أرسل في الأميين رسولاً) أمياً مثلهم. وما زالت الأمية في خير أمة أخرجت للناس تتعدي الأربعين في المئة في الرجال، والسبعين بالمئة في النساء. وماذا عن قادتنا السياسيين والدينيين حتى اليوم؟ القادة الدينيون، أي الشيوخ، أصبحوا من حملة الألقاب الأكاديمية مثل “دكتور” و “بروفسور” في الشريعة (تشبهاً بالكفار الذين منعهم دينهم عن التشبه بهم). ولكن هؤلاء الدكاترة والبروفسورات لم يدرسوا شيئاً خارج نطاق القرآن والسنة والفقه. فهم أميون بالنسبة للعلوم الطبيعية والفلسفة، وبذلك ما زال فهمهم للكون ولنظرية التطور فهماً طفولياً أمياً جعل كبير علماء المملكة العربية السعودية الأسبق، الشيخ عبد العزيز بن باز يجزم “أن من يقول بأن الأرض كروية وتدور حول الشمس فقد افترى على الله الكذب، فالله يقول إن الشمس تجري لمستقر لها، وبذلك أصبح ناكراً لما هو معروف من الدين بالضرورة، ويجب توبته، وإن لم يتب، يجب قتله.” فإذا كان الأعمى يقود فاقد البصر، ماذا نتوقع من خط سيرهما معاً؟
فإذا كان بن باز يؤكد في القرن العشرين إن الأرض مسطحة والشمس تدور حولها، نجد في أوربا في القرن الثامن عشر، رجال دين مسيحيين برعوا في الهندسة والرياضيات وعلم الفلك والجلوجيا والفيزياء، وكان لطروحاتهم في تلك العلوم أثرٌ كبير في ظهور النظريات العلمية التي قدمت العلم خطوات عملاقة، رغم تصلب الكنيسة الكاثوليكية في محاربة العلم. والفضل يرجع لرجال الدين هؤلاء في تعايش العلم مع الدين في القرن الثامن عشر، ثم ترجيح كفة العلم في القرن التاسع عشر وما بعده، وتقدم أوربا خطوات جبارة في ظرف زمني وجيز، في حين نجد رجال الدين الإسلامي مستمرين في تجهيل العامة ومنعهم من اقتناء العلوم الحقيقية، وبيعهم بدلاً عنها سراب الجهل والغيب والحور العين. والحكمة الأزلية تقول “فاقد الشيء لا يعطيه”. فليس هناك رجل دين إسلامي واحد برع في الفيزياء أو الرياضيات أو الكيمياء، وهي الأساس لفهم الكون والإنسان.
من رجال الدين المسيحي الذين أفادوا العلوم الطبيعية حتى قبل القرن الثامن عشر، نجد:
– روبرت كروسيستي
 Robert Grosseteste (1175-1253)
. ولد هذا الرجل في أسرة فقيرة ودرس علوم اللاهوت، وأصبح فيما بعد أسقف مدينة لنكولن، ومحاضراً في جامعة أكسفورد. ولكن كل منجزاته الدينية تضمحل أمام سمعته كأحد أكثر الرجال علماً في زمانه، فقد حاز على الماجستير في الرياضيات والبصريات والعلوم الطبيعية
science
 لدرجة أنه غطى على منجزات تلميذه المشهور روجر بيكون، ويقول مؤرخو العلوم الطبيعية أن روبرت هذا كان رائد الحركة العلمية في أكسفورد، التي ما زالت تميز جامعة أكسفورد على الجامعات البريطانية الأخرى. من منجزات روبرت هذا: “تعليقات على فيزياء أرسطو” و “نقد التقويم الروماني القديم
Julian Calendar
 مما أدى إلى تغيير ذلك التقويم بالتقويم الحالي تحت البابا جريجوري الثالث عشر. وقدم كذلك دراسات في البصريات، والموسيقى والرياضيات.
– الأسقف إجنازيو دانتي (1536-1586). ولد هذا الرجل في إيطاليا، في مدينة بيروجيا
Perugia
 ودرس اللاهوت في جامعتها، وانضم إلى المجموعة الدينية
The Dominicans
 في عام 1555. وكانت له هوايات عديدة منها علم الفلك، الرياضيات، البصريات، الهندسة المعمارية، الهندسة المدنية، علم السوائل
 Hydraulics
، وعلم الخرائط. في عام 1574 أثبت أن الأيكونوكس
 Equinox
أي اليوم الذي يتساوى فيه طول الليل مع طول النهار، يجب أن يكون أحد عشر يوماً قبل موعده في التقويم الجريجوري. وأشتهر أكثر بالخرائط التي رسمها للمدن الإيطالية، وقد كلفه البابا بايوس الخامس
Pius V
 و البابا جريجوري الثالث عشر برسم خرائط أهم المدن الإيطالية.
– القس مارين مورسينى
Marin Mersenne (1588-1648)
. صديق وزميل ديكارت في الدراسة. عُين قساً عام 1612. واشتهر شهرة واسعة في دوائر علماء الرياضيات، وسموا الأعداد التي لا تقبل القسمة إلا على نفسها أو الرقم 1
Prime numbers
باسمه. وجادل بحماس عن قوة عقل الإنسان
 Human reasoning.
 وكان يراسل ديكارت وتوماس هوبس وباسكال. وكان يعقد اجتماعات دورية لأغلب العلماء الأوربيين. وتبرع بجسده للبحوث العلمية.
– جين فيلكس بكارد
Jean-Felix Picard
. حاز على لقب مؤسس علم الفلك في فرنسا. أصبح هذا القس أول شخص في أوربا يقيس حجم كوكب الأرض في عام 1669. وقد حسب أن قطر الأرض هو 6326 كيلومترات، وقد أثبتت الآلات الحديثة أن مقاساته تختلف عن المقاسات الحقيقية بنسبة 0.44%. وقد استفاد إسحق نيوتن من مقاساته في حساب الجاذبية الأرضية. وكان من مؤسسي الأكاديمية الفرنسية. وقد سموا أحد الأودية في القمر باسمه، وكذلك المسلسل التلفزيوني
 Star Trek.
– جريجور مانديل
Gregor Mendel (1822-1884)
. هذا القس النمساوي هو أبو علم الجينات بدون منازع، وقد أجرى تجاربه على نبات البسلة Pea pods. وقد عرف وقتها أن بعض الجينات الوراثية مهيمنة
 Dominant
 وبعضها متنحي
recessive.
 وقد تعرفنا على كل الأمراض الوراثية واحتمالات إصابة المواليد بها من دراسات القس مانديل.
– القس آرمند ديفيد (1826-1900). هذا القس بدأ حياته العملية مبشراً في الصين، وكان مغرماً بعلم الحيوان
zoology
و علم النباتات
Botany
 وعلم الجلوجيا. وقد اشتهر لدرحة أن الحكومة الفرنسية طلبت منه إرسال عينات من النباتات التي درسها إلى باريس. وعند رجوعه إلى باريس في عام 1888 قدم محاضرة في المؤتمر العالمي للعلماء الكاثوليك.
– القس يوليوس نيولاند
Julius Nieuwland (1878-1936).
 القس نيولاد ولد بأمريكا من أبوين من بلجيكا، ودرس علم الكيمياء بجامعة نوتردام، وعُين قساً عام 1903. وحصل على دراسات عليا في علم النبات وفي الكيمياء. وعُين أستاذاً في علم النبات بجامعة نوتردام. وقد كان أول من أخترع المطاط
الصناعي
 neoprene.
 يُستعمل هذا المطاط في تغليف أسلاك الكهرباء وأسلاك التلفونات، وفي سقوف بعض المنازل. وقد حاز على عدة جوائز علمية
– القس جورج لاميتى
Georges Lemaitre (1894-1966).
 هذا القس البلجيكي كان عالماً في الرياضيات وعلم الفيزياء. وبعد أن عُين قساً انضم إلى جامعة كمبردح بإنكلترا ودرس العلوم الطبيعية، وتخصص في علم الفلك، وفي نظرية النسبية لآنشتاين. وتأكد له أن العالم متحرك وفي حركة اتساع، وأن كل المادة والطاقة كانت متركزة في نقطة واحدة. وهزأ العلماء وقتها بنظريته وسموها
Big Bang
كنوع من السخرية بها.وعندما قدم محاضرته عن بداية العالم صفق له أنيشتاين الذي كان حاضراً بالاجتماع. والآن أصبحت بج بانج هي النظرية المقبولة عالمياً.
– القس ستانلي جاكي
Stanley Jaki
 ولد في المجر عام 1924 وما زال حياً. عينه البابا جون بول الثاني في عام 1990 في الأكاديمية البابوية. نال درجة الدكتوراة في
Nuclear Physics.
 ويجيد خمس لغات، وألف ثلاثين كتاباً. وقال “إن العلم لا ينمو إلا في محيط مسيحي”.
هذه مجرد نبذة عن بعض رجال الدين المسيحي في أوربا منذ القرن الثامن عشر الميلادي وما قبله، وبهم تقدم العلم خطوات حثيثة. فماذا يقابلهم في “علماء” خير أمةٍ أُخرجت للناس؟
“علماء” الأزهر شغلوا أنفسهم بفقه الولاء والبراء والحيض والنفاس حتى سماهم الخميني ” علماء الحيض والمرحاض”. والقليل منهم الذي حاز على درجة علمية مثل د. زغلول النجار، استعمل درجته العلمية للكذب على العامة بما أسماه “الإعجاز العلمي في القرآن”. وقد كون الأزهر “مجمع البحوث العلمية” الذي تخصص في مصادرة الكتب التي تنتقد الإسلام أو الصحابة، بدل أن يبحث في العلوم. وأفتى أن الفلسفة تنكر ما هو معروف من الدين بالضرورة، ومنعوا تدريس الفلسفة بالمعاهد الأزهرية. وأفتوا كذلك أن الصليب يسيء إلى مشاعر المسلمين. واعترضوا على توحيد الأذان في مصر لأن ذلك يختلف عن السنة النبوية الشريفة. ولم نقرأ أي بحث علمي لهذا المجمع البحثي الشهير، بل قرأنا الكثير عن محاربته للعلم وسعيه لتكيم الأفواه، فقد طالب شيخ الأزهر السابق طنطاوي بجلد الصحفيين الذين ينتقدون الأزهر أو الرئيس مبارك . وفي نفس الوقت أجازوا رسالة دكتوراة لطالب أزهري عنوانها “رسالة الكفران” كفّر صاحبها مجلة روز اليوسف والسيدة التي أنشأتها، فاطمة اليوسف. وقال الدكتور فرحات المنجي لمحرري روز اليوسف: ” أعيب عليكم الحرية الزائدة عن اللازم التى تصطدم بثوابت العقيدة فأنتم المجلة الوحيدة التى أخذت موقفا ضد الدين!! وأضاف: لا حرية فى ثوابت الدين”. وقد أفاق مجلس البحوث الأزهري الموقر من نومه عندما علم باستيراد غشاء البكارة الصناعي الذي أنتجته الصين إلى مصر، فأصدر بيانا يؤيد (مطالبة الدكتور عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية بتطبيق حد الحرابة (القتل) علي من يقوم باستيراده باعتباره يمثل مفسدة في الأرض ويبيح الرذيلة.) أما الدكتورة آمنة نصير الأستاذ بجامعة الأزهر، فقد قالت: ” أنا لا أدري إلي أي مرحلة وصلت قيم المجتمع، وأعني أثمن قيمة التي ترتبط بالفتاة وعفافها وحياتها النظيفة التي تربت داخل أسرة تحوطها بالقيم والثقافة المعتدلة حتي تصل إلي بيت زوجها وهذا هو المضمون. أما وأن يحدث في مسألة عفافها تلاعب فهذا هو الغش والخداع، وهي كارثة أن يفقد الرجال الثقة في البنات”.) (إيلاف 4 أكتوبر 2009).
وفي نيجيريا هناك جماعة دينية سياسية إرهابية اسمها جماعة «بوكو حرام»، التي تعني باللغة السواحلية «التعليم الغربي حرام»، واشتبكوا مع السلطات الحكومية عدة مرات مما أدى ألى قتل العشرات من أنصارها بينهم نائب قائدهم. وبدأت الاشتباكات في ولاية بوتشي بعد اعتقال أعضاء في الجماعة، وامتدت إلى ثلاث ولايات أخرى، وأُحرقت الجماعة مراكز شرطة وكنائس وسجون (الشرق الأوسط 1 أغسطس 2009).
وفي ماليزيا، الدولة التي بعتد بها الإسلاميون لتقدمها الاقتصادي وديمقراطيتها، رغم قولهم إن الحاكمية لله فقط، ففي هذه الدولة التي يكون المسلمون فيها ستين بالمئة، أصر “علماؤها” على منع غير المسلمين من استعمال كلمة “الله” لانها تخص إله الإسلام فقط، ونسوا أن الكلمة هي “إله” معرفة بالألف واللام، وكان العرب يستعملونها في شعرهم قبل ظهور الإسلام بعشرات السنين. وقد ذكر القرآن هذه الحقيقة.
وفي باكستان وأفغانستان يصر “علماء” المسلمين على تحريم تعليم البنات لأن رسول الإسلام قال “لا تسكنوهن الغرف ولا تعلموهن القراءة والكتابة”. فالمرأة ناقصة عقل ودين، وإن أردنا أن نعلمها لنزيد في رجاحة عقلها، يحرق الفقهاء مدارس البنات حتى لا تتعلم.
أما في مملكة الوهابية، ومهبط الوحي الجبريلي، فإن العلوم الحديثة لا تدخل في قاموس “العلماء” من دكاترة وبروفسيرات. فمثلاً عندما ادعى شاهدان من البدو أنهم رءوا هلال رمضان، وقال أهل الفلك أن الهلال لا يمكن أن يكون قد ظهر تلك الليلة، أجابهم مفتي المملكة بأن سوًغ (قبول شهادة الشاهدين اللذين شهدا برؤية هلال ذي الحجة سنة 1425هـ بأنهم “ليسوا أطفالا وأنهم لا يخفى عليهم حال القمر لأنهم أهل رعي وإبل”). فشهادة اثنين من البدو أقسموا على المصحف، تفوق شهادة علماء الفلك، لأن البدو أهل أبل ورعي. وقد صدق عمر بن الخطاب حينما قال “لا يصلح للعرب إلا ما يصلح لإبلهم”.
وأما المفتي الحالي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ فقد نصح الذين يقولون أن الخسوف والكسوف ظواهر كونية، بأن يتوبوا إلى الله، فقد (ردّ سماحة مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ على من يقولون ان كسوف الشمس وخسوف القمر ،ظواهر كونية ولا علاقة لها بالذنوب والخطايا ، وقال: إنها تنعقد سببا للعذاب،وأنها تكسف على المسلم والكافر ،وأنهم يعلمون موعد الكسوف والخسوف بدقة.. واكد سماحته ان هذه أخطاء يقع فيها هؤلاء المتقوّلون بذلك لان الكسوف والخسوف آيتان من ايات الله يخوّف بهما عباده ، وقال سماحة المفتي العام : إن من يقولون بان الكسوف والخسوف ظواهر كونية مخالفون لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وطالب من يقولون ذلك ويكتبون باقلامهم هذه الاراء والافكار ان يتوبوا الى الله عز وجل ، ويتبعوا سنة رسول الله.)
سُئل الشيخ السعودي أبن العثيمين: مر الرسول بحلقتين من الناس، واحد حلقة ذكر، والأخرى حلقة علم، فجلس مع حلقة العلم، فهل يجوز الجلوس في حلقات الذكر؟ فكان رده: (هذا الحديث لا أعلم صحته ولا أظنه يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن الاجتماع على العلم لاشك أنه من أفضل الأعمال لأن العلم نوع من الجهاد في سبيل الله فإن الدين إنما قام بالعلم والبيان والقتال لمن نابذه وعارضه ولم يخضع لأحكامه وأما الذكر فإن الاجتماع أيضاً على الذكر لا بأس به ولكنه ليس الاجتماع الذي يفعله بعض الصوفية يجتمعون جميعاً ويذكرون الله تعالى بصوت واحد أو ما أشبه ذلك إنما لو يجتمعوا على قراءة القرآن أو ما أشبه هذا مثل أن يقرأ أحد والآخرون ينصتون له ثم يديرون القراءة بينهم فهذا ليس فيه بأس ولا حرج فيه.) (فتاوى الشيخ ابن العثيمين). فالدين قام بالعلم الشرعي وقتال من نابذه ولم يخضع لأحكامه، وتُعتبر العلوم الدينية جهاد في سبيل الله.
وقد أفتى الشيخ السعودي الكبير محسن العبيكان بجواز التداوي بالسحر، ولما هاجمه بعض شيوخهم، رد بالآتي: ( أن عددا من الأئمة والفقهاء أباحوا حل السحر من قبل ساحر منهم سعيد بن المسيب والحسن البصري والإمام احمد وابن الجوزي والإمام البخاري ونص عليه عدد من فقهاء الحنابلة في كتبهم المعتمدة التي يفتي بها ويحكم بها القضاة في السعودية.( (شفاف الشرق، 8 يوليو 2006).
أما “علماء” باكستان وبنغلاديش والسودان والصومال، فحدث عنهم ولا حرج. فهل بعد هذا نستغرب لماذا يزداد تخلفنا كلما ازدادت الأمم تقدماً؟ وما أصدق مقولة القس ستانلي جاكي عندما قال إن العلوم لا تنمو إلا في محيط مسيحي. وأنا لا أحاول بهذا المقال الدفاع عن المسيحية، فأنا رجلٌ لا ديني، ولكن إحقاق الحق واجب علينا. فالمجتمعات العربية برمجها رجال الدين الجهلاء بأن تجتر ماضيها وتتغذى عليه كما يجتر البعير طعامه من معدته وقت الحاجة. وقانون نيوتن للحركة يقول إن كل جسم يتحرك في خط مستقيم إلى أن تتدخل قوة أخرى لتوقفه أو تغير اتجاه مساره. ونحن للأسف يقودنا رجال دين ليس بمقدورهم تغيير مسارنا لأنهم لا يملكون المقومات العلمية لذلك.
وقبل أن يرد علينا الإسلاميون بأمجاد العلوم الإسلامية في الدولة العباسية، نقول لهؤلاء إن الذين برعوا في العلوم الطبيعية لم يكونوا من رجالات الدين، والقليل من رجالات الدين الذين حاولوا الخوض في الفلسفة أو ماهية الوجود، كفّرهم شيوخ الدين من أمثال حجة الإسلام الغزالي ورموهم بالإلحاد وحرقوا كتبهم، حتى عباس بن فرناس الذي حاول الطيران بأجنحة من صوف الطير، ودق عنقه ومات، لم يسلم من تكفيرهم. وأغلب الذين نجحوا في العلوم الطبيعية فعلوا ذلك لأنهم ينحدرون من حضارات غنية بالعلم مثل فارس وبيزنطة، ولم ينجحوا لأنهم كانوا مسلمين، بل لأن ترجمة التراث اليوناني إلى العربية أتاحت لهم الفرصة ليبحثوا في العلوم الطبيعية.

بعض هذه المعلومات منقولة بتصرف من المصادر الآتية:
Catholic Answers
http://en.wikipedia.org.wiki/George_Lema
– Bill Bryson: A Short History of Nearly Everything

كامل النجار (مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment