حسن نصرالله وبشار الأسد والأوامر الإلهية

طلال عبدالله الخوري 17\10\2012

بشار الأسد وحسن نصرالله يتلقون الأوامر الإلهية لتصدير الأزمة السورية الى دول الجوار

 

Posted in ربيع سوريا, كاريكاتور | Leave a comment

نينا بيورك تريد عالم آخر

رعد الحافظ

Nina Björk
 , تريد عالماً آخراً !
هذا عنوان المقال الثقافي في مجلة
KOMMUNAL ARBETAREN
 أو/ عمّال الكوميونال ( البلدية ) / العدد الأخير .
الذي يُلخّص فكرة كتاب بنفس العنوان تقريباً , وإسمهُ / نينا بيورك سعيدة كلّ أيامها !
NINA BJÖRK Lyckliga i alla sina dagar
في الواقع أنا لا أقصد من كتابتي لهذا المقال , مجرّد التدرّب على الترجمة من السويدية الى العربيّة , رغم أنّ هذا قد يكون هدف ثانوي .
لكنّي اُحاول جلب الإنتباه لفكرة الكتاب التي قد تبدو للقراء
رافضة للواقع ( الرأسمالي الإشتراكي ) المختلط في السويد , كما يحلو لبعض المهاجرين والإسلاميين والمؤدلجين تخيّلهُ .
أو مُبالغ فيها عند البعض الآخر , في التركيزعلى المزيد من الرفاهيّة .
لكنّها أفكار إنسانية حيوية واقعيّة ومفيدة , عند البعض الثالث .
******************
فكرة الكتاب / والضرائب التصاعدية !
تُخاطب الكاتبة ( نينا بيورك ) الجمهور هكذا :
مهما قيل ,عن جني الأرباح وإستقطاع ضرائب الدخل , كموضة قديمة , ومستحيلة التقبّل في نفس الوقت
لكن فلتعلموا , في النهاية لا يمكن تخيّل حالنا بدونها .
لذلك غالباً عليكَ أن لا تهتم لتلكَ الأقوال .
لا تُصدّقهم ! تقول نينا بيورك من البداية , رغم أنّها لم تناقش الأمر بعد .
لا تُصدّقهم , عندما يقولون لكَ أنّ عالماً عادلاً , هي فكرة هراء .
على العكس من ذلك , نحنُ يحدونا الأمل دوماً .
نينا بيورك , تأخذنا معها كقرّاء,تتابع حالنا, تُشير , توّضح , تتكلّم معنا !
هي توافق اُوسكار وايلد
( مؤلف مسرحي وروائي وشاعر أنكلو إيرلندي / 1854 ــــ 1900 )
تقول : إنّنا اليوم نعرف ثمن كلّ شيء , لكن ليس قيمتهِ !
هي تكتب عن أحلام ديزني ,عن الإعلانات , عن العائلة .. / كمشروع .
هي تناقش كيف نعرض ( أو ربّما نبيع ) أنفسنا في سوق العمل .
لا تتكلم عن أعمالنا الجسدية فقط , إنّما عواطفنا ومشاعرنا أيضاً .
لكنّها تركّز على العلاقة (( الأبديّة )) الوحيدة في ظنّها , تلك هي , علاقة الوالدين ( الاُم ؟ ) مع أبنائهم !
نينا بيورك شجاعة كفاية , فهي لا تتملقنا , بل تأخذنا بجديّة كبيرة تتناسب مع حجم أفكارها التي تكتبها .
لا يحتاج المرء أن يقتنع بكل أفكارها , لتقدير تلك الافكار .
عندما تصف (نينا بيورك) إنتخابات 2010 كوداعٍ للرجل ( المرء ) السياسي , فإنّها تُسمي ذلك علناً .
هي تقول / السويد لم تَعُدْ ( أولاً وقبل كلّ شيء ) , كمجتمع .
بل تحوّلت الى شركة إسمها .. Sverige AB , والتي تبحث عن الربح .
( كتبت هذا قبل أن يُعلن الحزب الإشتراكي الديمقراطي عن خطتهِ من أجل سويد أفضل )
مونا سالين ( رئيسة الحزب الإشتراكي الديمقراطي السابقة ) علّقت يوماً بأنّها لن تُشارك أبداً بإنتخابات يقول فيها الناس
سوف لن نصوّت لحزبكم , رغم أنّهُ وفّر فرص عمل لهم وجعلهم يتنعمون برواتب ومساكن جيّدة .
لكن نينا بيورك , تقرأ ذلك على أنّهُ إعلان من (مونا سالين) بالتوقف عن القتال كجندي في الإنتخابات , أو هذا ما يعنيهِ خطابها .
************
نينا بيورك , تنظر الى أهميّة الإقتراحات السياسيّة بمدى إمكانية تطبيقها على الارض , وبمدى إهتمام وجذب جمهور الناخبين إليها .
هنالك حيثُ التفاضل
 Kalkylen
 يكون مدخل للنطاق والعمل السياسي.
بالرغم من أنّ الرأسماليّة والمنافسة إنتصرت , لكنّ نينا بيورك تُريد عالماً آخراً .
إنّها تعود بنا الى أحلام المدينة الفاضلة
Utopin
يغلق المرء كتابها ويبقى يفكّر معها !
لا كلمات .. لكن لغة / يقول ترانسترومر !

*********
نبذة عنها
نينا بيورك / مواليد 1967 , كاتبة وصحفيّة وباحثة أدبيّة سويدية .
نشأت في مدينة فالكن بيري , بدأت كتباتها وأنشطتها / النسوية والرأسمالية عام 1996
حصلت على شهادة الدكتوراه في الأدب المقارن من جامعة يوتي بيري (غوتنبيرغ بالعربية) عام 2008 , وكانت إطروحتها عن النفوس الحُرّة.
أبرز أعمالها / تحت الغطاء الوردي
Under det rosa täcket
وبيع منهُ ما يزيد عن ( مائة ألف ) نسخة .
حالياً تحوّلت من النقد الإجتماعي والنسائي ( والعُهر ربّما ) , الى نقد النظام الرأسمالي .
رابط ملخّص كتابها المذكور
Lyckliga i alla sina dagar

تحياتي لكم
رعد الحافظ
17 / 10 / 2012

رعد الحافظ(مفكر حر)؟

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

تمييز الصّحّ من الخطأ

رياض الحبيّب

تمييز الصّحّ من الخطأ
 
الكاتب (1) مجهول الهويّة
 
المراجعة والتعديل: رياض الحبيّب
 
س. كيف أستطيع أن أعرف ما كان عَمَلُ شيء ما صحيحًا أم مغلوطًا؟
 
ج. عندما أحار في مدى صحة العمل، يمكن أن أضع نفسي تحت الإختبارات التالية لعلّها تساعد في تقدير الصحيح واختياره آخر المطاف
 
 
الإختبار الكتابي: هل ذلك العمل مُحرّم بوضوح في روح الإنجيل؟
 
الإختبار الكنسي: هل عمله يؤثر على الآخرين ليصبحوا مؤمنين أفضل؟
 
الإختبار التبشيري: هل عمله يساعد في انتشار كلمة الله على الارض أم يعيق؟
 
الإختبار التجريبي: هل جرّب شخص غيري عمله أيّا كانت نتيجته؟
 
الإختبار الإحصائي: هل عمله يأتي بنتائج مرغوبة أم مرفوضة؟
 
الإختبار النسبي: هل عمله يؤدّي إلى إهدار المواهب التي منحنيها الرب يسوع؟
 
الإختبار التطوّري: هل عمله يجعل مني إنسانًا أفضل أم أسوأ؟
 
الإختبار الشخصي: هل عمله يتركني أقوى نفسيًّا وأخلاقيًّا وأدبيًّا أم أضعف؟
 
اختبار الشهرة: هل عمله يكون رائعًا في نظر أصدقائي أم يحطّ من مكانتي بينهم؟
 
اختبار العائلة: هل عمله يشرّف عائلتي أم يجلب لها العار؟
 
اختبار المنطق: هل عمله يكون مناسبًا أيًّا كانت ظروفي وظروف الحياة؟
 
اختبار الحكمة: هل في عمله شيءٌ من الحكمة لكي يقتدي بها غيري؟
 
س. لماذا تبدو الأخطاء ممتعة؟
 
ج. إن الله قد أسكنني كوكب الارض المميّز بين الكواكب بتوفر سبل العيش وأطلقني لكي أختبر الحياة وأستمتع بوقتي ما أمكن وما سنحت لي فرصة. لذلك وضع حدودًا لأفعال معينة. إنه يعرف ما ينفعني وما هو جيّد لي ولمستقبلي. إنّما الله ليس ضد استمتاعي، لكنّه يعرف بوجود أماكن للهو والمتعة التي تسبب لي الموت ولو ببطء، ليس موتًا على الأرض فحسب بل في السماء أيضًا، فلا يريد أن أندم على ارتياد أيّ واحد منها يومًا ما. لذا وضع الله الحدود لحمايتي، بالإضافة إلى أنّه أحبّني فلا يريد محو اسمي من لائحته أي كتاب الحياة الأبديّة. أمّا الأخطاء فتبدو ممتعة في نظري لأسباب مختلفة؛ منها أنّي أظنّ بأنّ المتعة مؤقّتة ولا تؤثّر كثيرًا على صحّتي وعلاقاتي مع المجتمع إذا ما سَمِع بها، بل أعرف هذا وهذي وأولئك ممّن فعلوا ما هو أرذل ولا رادع لهم ولا تزال منازلهم (2) في المجتمع محفوظة. ومنها أنّي أحسّ بوجود ضعف ما في كياني ما لم أقم بذلك العمل. ومنها أنّي لن أحوز على تقدير الأصدقاء الذين مارسوا هذا الفعل وذاك إلّـا إذا فعلت مثل ما فعلوا وأكثر. ومنها أنّ حاجتي إلى هذا الفعل (مثالًـا: ممارسة الجنس غير المشروع) تشبه حاجتي إلى الأكل والشّرب. ومنها أني طالما تساءلت مع نفسي: لماذا غيري مستمتع وأنا محروم، ماذا حصل له، أين الله، لماذا لم يُحاسب فلانًا وفلانة حتّى الآن؟ وغير ذلك
 
س. ماذا أفعل عندما أعرف عن شيء ما أنّه خطأ، لكني ما زلت أرغب في القيام به؟
 
ج. عليّ أن أستوعب وضعي بأني في حالة صراع مع الذات وفي حالة حرب مع المغريات التي يتخفّى إبليس وراءها مثل تمساح أو أفعى أو خفّاش. ومخططه البعيد المدى هو التالي: جذبي إلى متعة العين والقلب والجسد وإلى كبرياء منفوخ كالطبل، لكي يسهّل عليّ الوقوع في الخطيئة، فهو خبير بالخداع والإغواء وفي صرف نظري عن الحقيقة
 
نصر الشيطان المنشود: افتراس شعب الله وإسقاط كلمته ثأرًا وانتقامًا، لأن الشيطان تمرّد على الله فسقط، وقد طرده الله من ملكوته قبل تكوين الخلق، لذا لن يتورع الشيطان عن فعل أي شيء يظنّه ممكنًا حتّى يوم تحقيق غاياته
 
وسائل الشيطان لتحقيق النصر: القيام بعمل مناورات رئيسية الهدف منها الإسراع في تحقيق النصر؛ منها: حثّي على شرب الكحول والمخدّر وعلى التدخين وعلى الزنا وعلى القمار وعلى الإختلاس… إلخ، إذ يقلل في نظري من مساوئ كلّ عمل رذيل ويخفّف لي من خطورتها ويزيد من أهميّتها في ذهني ويزيّنها بألوان برّاقة تكاد تخلب العقل ويمهّد الطريق إليها مفروشًا بورود اصطناعيّة ويجعل كمّ كلّ خطأ ونوعه ملائمَين لقوة التحمّل المؤقّت لديّ وقياس كلّ منهما على قياسي تقريبًا مثلما القميص والسّروال والحذاء
 
وسائل الإنسان للدفاع عن النفس: عندما يغويني الشيطان؛ أطلب إلى الله بصدق واتّضاع أن ينظّف رأسي من الشوائب التي علِقت بتفكيري، متأمّلًـا في ثمرة طيّبة من الممكن أن أجنيها من اتّباع الصحّ وفي ثمرة سامّة من الممكن أن أحصل عليها بعد الاستسلام للخطأ. فتنشط قابليتي على المقارنة بين الإثنتين والأرجح أنّي أنجح! كما أطلب إلى الروح القدس أن يملأني من قوّته للمحافظة على اتخاذ القرار الصائب وأن يزوّدني بالحكمة اللازمة دائمًا. أمّا سلاحي الذي لا أنساه فهو الصّليب المقدّس إذ انتصر به المسيح المخلّص على الموت فقام وسيقيمنا معه في اليوم الأخير. لذا ردّدت التالي ثلاث مرّات فور إحساسي بخطر الشيطان مقتربًا منّي: أهرب عنّي يا شيطان باٌسم صليب سيّدنا يسوع المسيح له المجد. آمين
 
* * *
1
 
تنويه: لقد أعجبتني المقالة الأصليّة على رغم ما احتوت من أخطاء لغويّة ومن قناعات شخصيّة خاصّة بالكاتب، لكني لم أعثر على اسم كاتبها
 
2
منازل: جمع منزلة؛ قال الشاعر المتنبّي في مطلع قصيدة رائعة على وزن بحر الكامل
 
                     لَكِ يا مَنازِلُ في القُلوب مَنازِلُ * أقفَرْتِ أنتِ وهُنَّ مِنكِ أواهِلُ
 
ومنها التالي وفي موضوع المقالة إشارات إليه
 
إنْعَمْ ولَذّ فلِلأمورِ أواخِرٌ * أبَدًا إذا كانَتْ لَهُنّ أوائِلُ
 
ما دُمْتَ مِنْ أرَبِ الحِسانِ فإنّما * رَوقُ الشّبابِ علَيكَ ظِلٌّ زائِلُ
 
للّهْوِ آوِنَةٌ تَمُرّ كأنّهَا * قُبَلٌ يُزَوَّدُهَا حَبيبٌ راحِلُ
 
جَمَحَ الزّمانُ فلا لَذيذٌ خالِصٌ * مِمّا يَشُوبُ ولا سُرُورٌ كامِلُ
 
– – –
 
ما نالَ أهْلُ الجاهِلِيّةِ كُلُّهُمْ * شِعْرِي ولا سَمِعَتْ بسِحري بابِلُ
 
وإذا أتَتْكَ مَذَمّتي من ناقِصٍ * فهِيَ الشّهادَةُ لي بأنّي كامِلُ
 
¤ ¤ ¤
 
المصدر: موقع كلام الأول

رياض الحبيّب

Posted in فكر حر | Leave a comment

سيكلوجية الأديان 2-3

 كامل النجار

يقول علماء سيكلوجية الأديان إن الخدمة الرئيسية التي يقدمها الدين للإنسان هي محاولة الإجابة على السؤال: ما معنى الحياة وما الهدف منها؟ والإجابة على هذا السؤال تقع ضمن محاور علم النفس الثلاثة، وهي
cognition, motivation, social life
أي الإدراك و التحفيز والحياة الاجتماعية. وحاجة الإنسان للإدراك أو الإلمام بما حوله وموقعه من العالم حوله كانت قد شغلت الإنسان منذ عشرات الآلاف من السنين. وقد حاول الإنسان البدائي فهم الحياة وإدراك أسرارها عن طريق خلق ميثولوجيا خيالية تتكون من قوى ميتافيزيقية غير مرئية إليه، ألبسها صفاته الجسدية وجعلها آلهة في السماء، خلقت العالم والإنسان. ولما كانت هذه الآلهة تحمل نفس صفات الإنسان الذي خلقها، فقد كانت تتشاجر وتتآمر على بعضها البعض ويقتل الخيرون منها الشريرين حتى يخلصوا العالم من شرورهم. ثم جاءت الأديان الإبراهيمية وسرقت هذه الميثولوجيا وطورتها وجعلت الخالق إلهاً واحداً متغطرساً يفعل ما يشاء، ولا يُسأل عما يفعل. وقد خلق هذا الإله المتغطرس شعباً يهودياً هو شعبه المفضل، وجعل بقية الناس
the gentiles
 (الأميون) خدماً لهم. ثم جاءت المسيحية وعمت جميع العالم المعروف وقتها باستثناء الصين وأقاصي آسيا. المسيحية في البدء جعلت الناس كلهم أبناء الله وأوصتهم بحب أعدائهم وأن الله خلقهم ليكونوا فاضلين ولكي يساعد يعضهم بعضاً. ولكن بعد البداية المعقولة للمسيحية، دخل الإمبراطور قسطنطين مسرح الأحداث وأدخل السياسة في الدين بجعله المسيحية الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية. والسياسة إذا دخلت الدين أفسدته كما يفسد الدين السياسة. فقد انحاز الإمبراطور إلى أفكار الأسقف أليكساندر وتلميذه أناستاسيس ضد آريوس، وبذا بدأ مفهوم الأقانيم الثلاثة في المسيحية وانشقت الكنيسة إلى أرثودوكس وكاثوليك. وتشعبت آراء الكنيسة ولم تعد وصاياها تحل مشكلة الإنسان الأساسية، ألا وهي عملية الإدراك ومعنى الحياة. فظل الإنسان يبحث عن هذه الإجابة. وعندما كتب القس ريك وارن
Rick Warren
 في عام 2002 كتاب
the purpose-driven life
 بلغت مبيعات ذلك الكتاب أكبر رقم بعد مبيعات الإنجيل (كتاب سيكلوجية الأديان ص 13). فالناس في العالم الغربي، وبعد أكثر من ألفي عام من بدء المسيحية ما زالوا متعطشين إلى إدراك معنى الحياة ودورهم فيها. بالنسبة للإسلام فالأمر كان في غاية البساطة (وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدونِ). ولهذا السبب لا يزعج المسلم نفسه بالتفكير في مغزى الحياة، ولا يكتب شيوخ الإسلام كتباً عن مغزى الحياة، فهي بالنسبة لهم دار فناء لا هدف لها غير تحضير الإنسان إلى الحياة الأبدية في جنة الحور العين. فهل الأديان أفادتنا في المحور الأول، محور الإدراك؟
منذ بدء التاريخ وحتى نهاية القرن الثامن عشر لم يتقدم إدراك الإنسان تحت المظلة الدينية إلا خطوات قليلة متعثرة، تخللتها حروب عديدة باسم ذلك الإله المتغطرس. وعندما يعجز الإنسان مثلاً عن فهم لماذا أعطاه الله طفلاً جميلاً ذكياً أحبه كل الحب، وفجأة أصابه الله بمرض لا شفاء منه ومات الطفل بينما جدته التي بلغت المائة عام من عمرها وخرّفت ما زالت عائشة، يجيبه رجال الدين بأن الله يعمل بطرق خفية
God works in mysterious ways
. وطبعاً مثل هذه الإجابة لا تقدم ولا تؤخر في فهم المصيبة. ولكن في العقود الثلاثة الأخيرة طفر بنا العلم طفرات جبارة في طريق فهم كيفية نشأة الكون وما سوف يؤول إليه مستقبله. وترك لنا العلم موضوع معنى الحياة ليقرره كل إنسان بنفسه، سواء أراد أن تكون حياته منذورة لحماية البيئة أو لنشر السلام بين شعوب الأرض، أو أن ينذر حياته للإجرام وقتل الآخرين. ولهذا يقول الفيلسوف شارلز تيلور Charles Taylor في كتابه
Secular age 2007
 (لا حاجة للإنسان إلى اللجوء إلى قوى ميتافيزيقية خارجية ليعرف معنى الحياة، وإنما عليه أن يعثر على ذلك من داخل نفسه التي هي جزء من الطبيعة.)
بالنسبة للمحور الثاني وهو التحفيز أي
motivation
 فالأديان للأسف فعلت العكس وثبطت من همم الباحثين عن الحقيقة ومعنى الحياة. فموقف الكنيسة الكاثوليكية من العلماء والفلاسفة في قرون ما قبل التنوير موقف لا يشرف أحداً، وقد اضطر البابا يوحنا بولس الثاني أن يعتذر من العلماء لما أصابهم وأصاب العلم بسبب موقف الكنيسة منهم. وللأسف ما زالت الكنيسة الكاثوليكية تقف في طريق العلم في أشياء مثل محاربة داء فقد المناعة المكتسب
AIDS
 . فمثلاً يقول الكاردينال الفونسو لوبيز، رئيس مجلس الفاتيكان لشؤون الأسرة (إن الواقيات الذكورية بها ثقوب ميكروسكوبية وضعتها الشركات المصنعة سراً حتى يتسرب منها الفيروس ويقضي على المؤمنين)
(God is not great, Christopher Hitchens)
 ص 45. فأين التحفيز هنا لتحسين حياة العائلة الكاثوليكية الفقيرة التي تئن تحت وطأة الفقر وتزايد عدد الأطفال ومرض الايدز؟ ولم يكن الكاردينال في الفاتيكان هو الوحيد الذي قال بذلك. فالكاردينال أوبادو برافو من نيكاراجوا، وكبير أساقفة كينيا، والكاردينال عمانيويل وامالا من يوغندا، كلهم قالوا للمؤمنين إن الواقي الذكري ينقل الايدز (نفس المصدر ص 46). ولم نرَ الكنيسة الكاثوليكية تفعل شيئاً لتحفز مئات الآلاف من أطفال الشوارع في المكسيك ليتعلموا أو يفعلوا شيئاً يُحسن من أوضاعهم ويجلهم يفهمون دورهم في الحياة.
أما الإسلام فلم يأت بأي آية في قرآن يتألف من أكثر من ستة آلاف آية تحفز المؤمنين ليتعلموا أو يصنّعوا شيئاً، واكتفى بنصيحتهم أن يتأملوا في مخلوقات الله وفي آياته وفي الجبال والبحار. وأضاف الفقهاء مقولتهم الشهيرة (تأملوا في مخلوقات الله ولا تتأملوا في ذاته). والحديث الوحيد الذي يذكر العلم هو (اطلبوا العلم ولو في الصين) والمقصود بالعلم هنا هو علم القرآن والشريعة. حتى السؤال الذي هو مفتاح العلم قد منعه القرآن (لا تسألوا عن أشياء إن تُبدَ لكم تسؤكم). وبالنسبة للتحفيز على العمل أو العلم فقد حث فقهاء الإسلام على قيام الليل وقراءة القرآن وحفظه وسياقة الناس إلى المساجد بالعصا كما يفعل موظفو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية، وتوأمها الجديد في تونس. فإن كان الإسلام قد حفّز على العلم والعمل، فتحفيزه قد وقع على آذان صماء إذ أن حاضر المسلمين لا يكشف لنا غير الأمية والجهل والاكتفاء باستهلاك منتجات الغرب. أما أمراض الايدز والتهاب الكبد الوبائي فهي عقاب من الله للمسلمين الذين تخلوا عن دينهم. وموقف الإسلام من العلماء والفلاسفة لا يختلف عن موقف الكنيسة الكاثوليكية، فقد أحرقوا العلماء وصلبوا بعضهم وأحرقوا كتبهم، ثم قالوا لنا: اطلبوا العلم ولو في الصين
ونأتي الآن إلى المحور الثالث، وهو الحياة الاجتماعية. ركزت الأديان كلها على المرآة في موضوع الحياة الاجتماعية كون المرأة هي الأضعف جسدياً وبالتالي يمكن السيطرة عليها جسدياً وعقلياً. فرضت اليهودية على المرأة الحجاب وجعلتها نجسة وأقل من الرجل، وطلب يهوه من اليهود أن ينذروا أول طفل ذكر له إذ لم تكن له حاجة إلى البنات، كما قال إله القرآن (أله البنات ولهم البنون). ويطلب التلمود من اليهودي عندما يصلي الصبح أن يقول (الحمد لله الذي لم يخلقني امرأة) (المصدر السابق ص 54). وتبعت المسيحية اليهودية في عزل المرأة ومنعها من ممارسة منصب القسيس أو القيام بأي وظيفة دينية غير وظيفة الراهبة التي كانت تعمل قابلة للتوليد في أغلب البلاد المسيحية. وجاء الإسلام بثالثة الأثافي وجعل المرأة كلها عورة وناقصة عقل ودين. ونتيجةً لهذا الفكر الديني أصبح نصف المجتمعات معطلاً لا ينتج غير الأطفال.
الطقوس القديمة في القبائل البدائية كانت مهمتها الأساسية صهر الفرد في قبيلته أو عشيرته وتقوية ارتباطه بها، والتركيز على اختلاف تلك القبيلة عن غيرها. وتبنى رجالات الدين نفس الأيدولوجية وانقسمت كل ديانة إلى عدة طوائف يركّز كل منها على إبراز النقاط التي تفصلهم عن الآخر، والتشديد على أنهم الفرقة الوحيدة الناجية ومن خالفهم لا يتبع وصايا الإله الصحيحة. في خطاب من شهود يهوه المسيحية إلى فرقة إخوة بليموث، يقولون لهم (نحن الطاهرون والقلائل الذين اختارهم الله، وكل البقية ملعونون. فهناك أمكنة كافية لكم في جهنم، فنحن لا نريد ملكوت الله أن أن يكون مزدحماً). ومع أن الكنائس الثلاث الرئيسية: الكاثوليك والبروتستانت والأورثودكس تكفي لاستيعاب كل تعاليم المسيحية، إلا أنه لا تمر على المسيحيين سنوات بسيطة وإلا تظهر فرقة جديدة. فمنذ ظهور كنيسة المورمونز
Mormons
 في النصف الأول من القرن التاسع عشر، ظهرت عدة مجموعات أخرى أدت إلى تقوقع أتباعها في معسكرات تفصلهم عن غيرهم من المسيحيين. فكانت هناك مجموعة تشارلي مانسون الذين جمعهم في مزرعة في مدينة جونزتاون وأقنعهم بشرب السم مع أطفالهم فماتوا جميعاً لأن العالم قد أصبح فاسداً لدرجة أنه لا يجوز لهم المشاركة فيه. وكانت هناك جماعة ديفيد كريش الذين تقوقعوا في معسكر واكو في في تكساس وخاضوا معركة عنيفة مع قوات الشرطة أدت إلى حرق المعسكر بمن فيه من أطفال ونساء. وفي عام 1984 أنشأ جوزيف دي مامبرو فرقة
The Solar Temple
 في سويسرا وكان لها فروع في استراليا وكندا. رسالة هذه الفرقة كانت التحضير لمجيء يسوع الثاني ليخلص العالم من أشراره. وفي عام 1994، بعد أن تعشى اثنا عشر رجلاً منهم العشاء الأخير، انتحر جميع أفراد الفرقة في قريتين بسويسرا.
وهناك بعض الفرق المسيحية الغامضة مثل جماعة الايمش
Amish
 في أمريكا. هذه الجماعة تعيش حياة ما قبل الثورة الصناعية فلا يركبون السيارات ولا القطارات ولا يستعملون التلفون أو التلفاز. لهم مدارسهم الخاصة ونساؤهم لا يعملن خارج المنزل. ويسمحون بتعدد الزوجات وزواج القاصرات. ونتيجة لتعاليم دينهم فإنهم لا يتزوجون إلا من نسائهم وبالتالي تنتشر عندهم أمراض وراثية كثيرة مثل الهيموفيليا التي تؤدي إلى نزيف متكرر، وكذلك مرض تورم العضلات
Muscular dystrophy
 وهو مرض قاتل يصيب الأطفال. وكذلك أمراض تخزين الغذاء مثل
Gaucher’s disease
 الذي يتلف الكبد والطوحال
(McKusick 1978).
أما الإسلام فحدث عن الفرق المذهبية فيه التي يصعب حصرها، بدءاً من الخوارج والمعتزلة والأشعرية والشيعة والفاطميين والعلويين والإسماعيليين والأحمدية والقدرية والسنة وغيرهم الكثير. كل فرقة من هذه الفرق كانت لها طقوسها التي تفصلها عن الآخر. كل هذا دون أن نتعرض للفرق العديدة في الهندوس والسيخ والشنتو والبوذية والديانات الإفريقية المحلية.
فبدل أن تجمع الأديان التوحيدية البشر على أساس أنهم جميعاً يعبدون نفس الإله، نجد أن رجالات الدين يعملون جاهدين على تفرقة الناس. فمثلاً نجد أن الحاخام الأندلسي موسى بن ميمون لم يذكر في كتابه “دلالة الحائرين” الأتراك، ولا السود، ولا الرعاة البدو لأن طبيعتهم مثل طبيعة الحيوانات العجماء
(God is not Great)
 ص 65. بيما نجد أن سانت أوغسطين يقول إن تشتت اليهود في العالم وجعلهم رحالة هو عدالة إلهية بسبب قتلهم المسيح (نفس المصدر ص 250.) ونجد كذلك أن كنيسة
The Dutch Reformed Church
 في جنوب إفريقيا كانت من دعاة الابارتايد في جنوب إفريقيا وفرضت على المسيحيين السود الصلاة في كنائس خاصة بهم وحرّمت عليهم دخول كنائس البيض.
فمن هذا العرض السريع يتضح أن الأديان قد فشلت في المحور الثالث، وهو تنظيم الحياة الاجتماعية للمؤمنين بها. فرغم هذا الفشل كيف يتسنى للأديان السيطرة على هذه الأعداد الغفيرة من البشر وفي القرن الحادي والعشرين، أي بعد أكثر من ثلاثة آلاف عام من ظهور الأديان الإبراهيمية؟
الجواب في رأي علماء سيكلوجية الأديان يرجع إلى سببين رئيسيين: السبب الأول هو وجود نوعية من الناس قابلة للإيحاء، والسبب الثاني والأهم هو الأدلجة أي غسيل الدماغ.
بالنسبة للإيحاء فهناك نوع من الناس، ربما بسبب تربيتهم كأطفال، أو بسبب جيناتهم، يميلون إلى تقبل الأفكار بسرعة خاصة إذا أتت من شخص ذي قوة أو منصب رفيع. ويظهر هذا جلياً في مسألة التنويم المغنطيسي. فالذي يقوم بالتنويم ربما ينجح في تنويم عدد بسيط من الناس أما الغالبية فلا يقعون تحت تأثيره. أما مصطلح “غسيل الدماغ” فمصطلح حديث كان أول من استعمله صحافي أمريكي اسمه هنتر كان يعمل عميلاً للسي آي أى في الصين وزعم أنه اكتشف اسلوباً حديثاً استعمله الحزب الشيوعي الصيني لتغيير الأفكار، فسماه
Brainwashing
. ويعتمد هذا الأسلوب على عزل الشخص في مكان منفرد ومحاولة استعمال الخداع معه وربما بعض الأدوية، وأخيراً استعمال الإكراه. وقد استعمل هذا الأسلوب شوكو أسهارا
Shoko Asahara
 مؤسس جماعة أوم شريكو اليابانية التي فجرت قنابل غاز السارين السام في قطارات المترو اليابانية عام 1995. الجدير بالذكر هنا أن هذا الرجل البوذي استطاع أن يجند مهندسيين كيمائيين، بعضهم يقوم بالدراسات العليا في جامعات طوكيو. وقد استعمل معهم نفس الإسلوب الصيني الذي يتكون من إحضار مجموعات صغيرة من الناس وعزلهم في مجمع لا يتصلون فيه بأي شخص خارجه. ثم يقوم بتدريبهم على طاعته المطلقة وبعد ذلك يبدأ بتلقينهم مذهبه. وبعد استكمال تجنيدهم وتخرجهم يفرض عليهم عدم الاختلاط مع أي شخص لا ينتمي إلى مذهبهم. وقد استطاع أن يقنع هؤلاء المهندسين بانتاج غاز السارين السام ووضعه في قنابل ليقتل اليابانيين وبذلك يستعجل ظهور المخلص الذي سوف يملأ العالم عدلاً.
كل الجماعات الدينية تستعمل أسلوباً مشابهاً يبدأ في الطفولة في مدارس خاصة قد تكون مدارس تحفيظ القرآن أو مدارس الأحد في البلاد الغربية. وبالتدريج عندما يصل الطفل سن البلوغ يكون قد تشبع بالأفكار الدينية وبأنه يختلف عن بقية الناس ويحاول ألا يختلط إلا بمن ينتمي إلى مذهبه. وسوف يظل العالم مليئاً بالكراهية والحقد والقتل ما دامت الأديان تجند الأطفال.

كامل النجار (مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

سيكولوجية الأديان 1

كامل النجار

في النصف الثاني من القرن العشرين ظهرت مدرسة جديدة في دراسة علم النفس
psychology
 سموها
psychology of Religion
 أي دراسة سيكلوجية الأديان. وقد أسس هذه المدرسة الدكتور الأمريكي وليام جيمس (1902-1985) الذي عامل الأديان كأنها أفكار مفيدة للبشر، على عكس فرويد الذي قال في كتابه
The Future of an illusion
 (الأديان زائفة، بمعنى أن جوهرها، أي الإله، لا وجود له. وبالتالي يصبح من غير المعقول عبادة شيء غير حقيقي) (نقلاً عن كتاب سيكولوجية الأديان للبروفسور رالف هود، ص 23).
قبل أن تبدأ الأديان عند الإنسان البدائي تعلم الإنسان بعد أن استقر في مجموعات صغيرة، أن يقوم ببعض الطقوس التي تساعده على التغلب على الخوف من المجهول، وربما لتمجيد الأسلاف الذين ماتوا. ولم تقتصر الطقوس على الإنسان البدائي فقط وإنما كانت معروفة للحيوانات كذلك. فجميع الحيوانات لها طقوس معينة لمناسبات معينة، أشهرها الطقوس الجنسية التي يقوم بها الذكر قبل مجامعة الأنثى. وأشهر هذه الطقوس هو ما يقوم به الطاؤوس من رقص ونفش ذيله الطويل المزخرف قبل أن تستجيب له الأنثى. وكذلك طقس الجنس في مملكة النحل، وهذه الرقصة الطقوسية تقوم بها ملكة الخلية التي ترقص بطريقة معينة ثم تطير ليتبعها كل الذكور قبل أن يصل إليها أول ذكر ويجامعها ثم يموت.
وقد تطورت بعض هذه الطقوس عند الشمبانزي حتى صارت تشبه الطقوس الدينية. فقد وصفت عالمة الأنثروبولوجي جين قودال
Jane Goodall
 عام 1971 طقساً كانت قد شاهدته في مجموعة من الشمبانزي أثناء عاصفة رعدية. أثناء العاصفة بدأت الشمبانزي بالصراخ وبدأت تنزل من الجبل وكل فرد منها يحمل فرع شجرة صغير وهو يصرخ. وعندما يصل الفرد منها إلى سفح الجبل، يصعد مرة أخرى ليعيد الكرة إلى أن انتهت العاصفة الرعدية (كتاب سيكولوجية الأديان، ص 71). وقد أكد هذا الطقس وزاد في وصفه في مجموعات أخرى من الشمبانزي الدكتور ستيوارت جثري
Stewart Guthrie
 عام 1993 في كتاب بعنوان
Faces in the Clouds
 الذي أدخل فيه مصطلح
anthropomorphism
 الذي يقول إن الإنسان يُعطي صفاته الجسدية إلى أشياء غير محسوسة أي غيبية ويسميها آلهة.
مع ازدياد حجم المجتمعات الإنسانية بعد اكتشاف الزراعة، ظهرت مجموعة من الرجال والنساء الأذكياء واستغلوا هذه الطقوس للسيطرة على بقية الناس في مجتمعهم. وبالطبع كان لابد لهم من تضخيم الطقوس ووضع قواعد صارمة لها، واستعمال لغة لا يفهما عامة الناس من حولهم. وقد تعارف الناس على تسمية هذه الطبقة من الرجال والنساء ب (الكهنة، أو العرافين) الذين كانوا يزعمون مقدرتهم على الاتصال بالسماء والتنبوء بالمستقبل. ولمقدرتهم الاتصال بالسماء كان في مقدورهم كذلك أن يشفوا المريض الذي تقمصته الأرواح الشريرة من الأسلاف. وباستعمال هذه الطقوس وبعض الأدوية المستخرجة من النباتات ذات الألوان المختلفة كان باستطاعة هؤلاء العرافين أن يدخلوا بعض الطمأنينة إلى نفس المريض وأقاربه، حتى وإن مات المريض من أثر المرض أو العلاج. وفي كل المجتمعات البدائية نجد أن طقوس المرض والعلاج ليس المهم فيها التركيبات الكيماوية للأدوية وإنما ألوان الأدوية وطريقة استعمالها. ففي قبائل الزولو في جنوب إفريقيا لابد أن يكون العلاج مكون من ثلاثة سوائل: أسود، وأحمر وأبيض. فالأسود يمثل الظلام والخوف والمرض، والظلام هو الوقت الذي تكثر به الأخطار التي تداهم الناس. واللون الأحمر يمثل حالة الانتقال من الليل إلى شروق الشمس التي تبدو حمراء وقت الشروق. وهو كذلك يمثل تحول المرأة من بنت صغيرة إلى امرأة عندما تبدأ دورتها الشهرية، والأفارقة كغيرهم من القبائل البدائية ما زالو يحتفلون بهذه المرحلة المهمة في حياة المرأة (شاهد مقطع الفيديو أدناه). أما اللون الأبيض فهو يمثل النور والصحة. ولذلك لابد للمريض أن يشرب الدواء الأسود أولاً ثم الأحمر ثم الأبيض (سيسل هلمان، كتاب الثقافة، الصحة والمرض، ص 23)
Culture, Health and illness.
وبمرور الزمن خلقوا لكل مناسبة طقساً معيناً يقوم به الناس للاحتفال بتلك المناسبة، مثل طقوس البلوغ، وطقوس الختان، وطقوس الزواج، وطقوس الموت. ولتكون الطقوس مؤثرة في الناس لابد لها أن تكون منظمة بطريقة معينة، ومتكررة بشكل رتيب، ويجب أن يلبس المشتركون فيها ملابساً معينة، ويرقصوا رقصات معينة، ويرددوا أهازيج محفوظة. ورغم أن الحركات والملابس وغيرها لا تنسجم والعقل، إلا أن الطقوس نفسها تؤدي مهمات كثيرة في المجتمعات البدائية. فهي تقوي روح الانتماء إلى الجماعة، وتُشعر المشترك بأنه يتحكم في روحه وعالمه، وتُشعر الإنسان كذلك بالأمان لأنه ضمن مجموعة كبيرة، وكما تقول الحكمة الإنكليزية
safety in numbers
، أي كلما كثر الناس حولك كلما شعرت بالطمأنينة، وهي تُنسي الإنسان أحزانه. فمثلاً نجد عند اليهود شعيرة شيفا Shiva عند وفاة أحد أفراد المجموعة، والتي يمارس فيها الناس ولمدة سبعة أيام أقوالاً وأفعالاً تقوي من روح الانتماء للمجموعة، ويحضرون الطعام إلى منزل الميت، ويرددون آيات من التوراة وأهازيج تساعد أهل الميت على تحمل فراقه. وقد شبهها علماء السايكولوجي بالعلاج النفسي الجماعي
Group therapy
. والطقوس رغم فوائدها الكثيرة للمجموعات البدائية فلها أعراض جانبية قد جلبت وما زالت تجلب المصائب لبعض الناس. وسوف أتعرّض لبعض هذه المصائب لاحقاً.
يقول علماء سيكلوجية الأديان إن الطقوس هي جوهر الأديان وأصلها. ولا يخلو أي دين من الطقوس العديدة التي إذا تأملها الإنسان يجد أنها حركات مكررة لا معنًى لها. فحركات الوضوء والتيمم لا تفيد أي شيء في النظافة أو الطهارة. فشعر المسلم مثلاً مغطى بالعمامة أو الحجاب طول اليوم، فما معنى أن يمسح الإنسان عليه بالماء أثناء الوضوء؟ وغسل اليدين إلى المرفقين لا يزيل القذارة عن جسم الإنسان إذ أن أغلب الروائح الكريهة تنتج من العرق تحت الإبطين وبين الإليتين وفي المرفقين أعلا الفخذ. وكذلك الصلاة، قد نفهم أن يقرأ الإنسان آيات من القرآن، ولكن لماذا يركع ثم يسجد ثم يكرر العملية في ركعات متعددة. ألا يكفي أن تسجد لله مرة واحدة وتضع رأسك على الأرض علامةً للخضوع له، ولماذا نقرأ في بعض الركعات جهراً ونقرأ في بعضها سراً؟ فإذا كان الله يسمع قراءتنا سراً، لماذا نجهر بها؟ ولماذا كل هذا الالتزام بمواعيد الصلاة حتى أن لم تكن صلاة جماعة؟ هل الله لا يسمع إبتهالنا له بعد شروق الشمس، أم أنه يخشى من منافسة الشمس له؟
وهناك كذلك رمي الجمرات التي يموت بها عشرات الحُجاج. هل يعتقد الرامي أن حجارته تلك فعلاً تصيب الشيطان الذي لا وجود له إلا في مخيلته؟ ونجد في المسيحية كذلك طقوس لا معنًى لها. فمثلاً المسيحيون لا يأكلون إلا السمك يوم الجمعة الحزينة، ولا يشعلون الشموع في الكنائس ويلبس القساوسة والمؤمنون ملابس سوداء للتعبير عن حزنهم لصلب يسوع. وطبعاً ليس هناك أي علاقة بين أكل السمك وصلب يسوع رغم أن يسوع أطعم خمسة آلاف من سمكة واحدة، كما يقولون. وهم كذلك يصومون بين الجمعة الحزينة وعيد شم النسيم Easter. ولا يفهم الإنسان كيف يفيد هذا الصيام يسوع أو الصائم نفسه. ونفس الشيء ينطبق على التطبير الذي يمارسه الشيعة حزناً على رجل قُتل قبل ألف وأربعمائة عام. أما البوذيون فيشعلون الشموع ويضعون الزهور أمام صورة أو تمثال لبوذا في المعابد والبيوت كل صباح ومساء، ويقوم الكهنة بترديد أهازيج دينية ثم يصلي الجميع لبوذا. والسنة الجديدة عندهم تبتديء بنهاية فصل الجفاف وبداية المطر ويحتفل البوذيون برش الماء على بعضهم وعلى الكهنة تيمناً بقدوم موسم الأمطار وبدء الزراعة. وهذا الطقس لابد أنه يرجع في أصله إلى أيام اكتشاف الزراعة الذي سبق ظهور البوذية
يعتقد بعض علماء سيكولوجية الأديان أن الأديان بدأت قبل حوالي مائة ألف سنة
(Burkert 1996, Pfeiffer 1982, Rice 2007).
والسبب الرئيسي في اللجوء إلى الدين والميتافيزيا هو خوف الإنسان من الموت ورغبته في الحياة الأبدية. وقد ساعد جهل الناس بالظواهر الطبيعية في انتشار الدين والخرافة. واستغل أنبياء الأديان هذه الرغبة في الخلود ووعدوا الناس بحياة أبدية في السماء. غير أن الأديان المسماة الإبراهمية أو السماوية بدأت بموسى ووصاياه العشرة حوالي عام 1300 قبل الميلاد. فإذا أخذنا عمر الإنسان على الأرض منذ ظهور الإنسان القائم
Homo Erectus
 فيبدو لنا أن الإله قد تأخر كثيراً قبل أن ينتبه إلى أن الإنسان لا يعبده فقرر إرسال الأنبياء والرسل إليهم بعد ملايين السنين من خلقهم
يعتقد العلماء أن القوة وحب السيطرة على محيط الإنسان غريزة نشأت مع الإنسان منذ ظهوره على الأرض. وعندما يشعر الإنسان بفقدان هذه السيطرة يلجأ إلى الدين الذي يعطيه الاحساس بأنه قد يتمكن بمساعدة الإله من السيطرة على حياته ومحيطة، ولذا يُكثر من الصلاة والدعاء للإله
قد استفاد رجال الدين على مر العصور من الجهل والسحر للسيطرة على العامة. وقد احتل السحر مكانة خاصة في العقلية الجمعية في المجتمعات البدائية. وقد حاول رجال الدين في اليهودية والمسيحية التخلص من السحرة والساحرات حتى لا ينافسونهم في ولاء العامة، فقامت الكنيسة الكاثوليكية بإحراق الساحرات بالآلاف أيام محاكم التفتيش، كما حاولت الكنيسة البروتستانية تهميش دورهم. ثم جاء الإسلام وأعطى السحر مكانة عالية وزعم محمد أن اليهود سحروه ودفنوا السحر في بئر، مما أدى إلى مرضه. وجاءت آيات قرآنية تقول إن الله أرسل الملكين هاروت وماروت ليعلموا الناس السحر. فانتشرت بين المسلمين طقوس عديدة لتفادي الضرر من العين والسحر، مثل لبس التمائم الرادعة للسحر، ولبس الخرزة الزرقاء أو وضع عين زرقاء على باب الدار. وبذا أرجع الإسلام المؤمنين به إلى عصور ما قبل التاريخ
و لأن العديد من الطقوس لها فوائد نفسية للذين يمارسونها، نجد أن رجال الدين قد استولوا على بعض تلك الطقوس وجعلوها جزءاً من دينهم، مثل ختان الذكور وختان الإناث الذي يتسبب في موت أو ضرر الطفل المختون . فاليهودية ما زالت متمسكة بختان المواليد الذكور في اليوم الثامن، ويقوم بعملية الختان رجل دين متمرس في العملية يسمونه محلل. يقوم بعملية القطع حول الحشفة ثم يمص جلد الغلفة بفمه ليفصله عن القضيب. ففي نيويورك في عام 2005 اتضح أن هناك عدة اطفال يهود أصيبوا بفيروس يسبب العدوى في الجهاز التناسلي
genital herpes
 كان قد تم ختانهم بواسطة محلل واحد قام بمص ذكورهم بعد الختان. وقامت السلطات الصحية بمنع ممارسة المص هذه، ولكن عمدة نيويورك أصدر أمراً بتعليق المنع وقال إن ممارسة الشعائر الدينية بحرية كاملة يجب ألا يعيقها أي قانون
(God is not great, Christopher Hitchens ص50)
. وهناك الاف الضحايا من غير اليهود الذين نزفوا حتى الموت أو قُطعت حشفتهم بالكامل مع الغلفة.
أما رجال الدين الإسلامي فقد وضعوا اليد على عادة ختان الإناث التي بدأت في إفريقيا بآلاف السنين قبل ظهور الإسلام، وما زالت بعض القبائل الإفريقية غير المسلمة تمارسها، وقالوا إن نبيهم قد رأى امرأة تختن طفلةً في المدينة، فقال لها “اختني ولا تُنهكي فإنه أمتع للزوج” وبذا أصبح ختان الإناث جزءاً مكملاً للإسلام يتنافس شيوخ الأزهر في تأييده. (الرجاء مشاهدة مقطع الفيديو في آخر المقال عن هذه العادة الإفريقية). وأضرار ختان الإناث تفوق بعدة مرات أضرارها على الصبيان.
وبما أن الطقوس تذيب الفرد في الجماعة المحيطة به وتجعله راضخاً لمشيئتهم، فإنها تعمل ككابح لأي فعل يشذ عن ما تعارفت عليه القبيلة، وهكذا تحافظ القبيلة على هويتها. وهذا هو عين ما تفعله الأديان. وفي الحلقة القادمة سوف أناقش ذوبان الفرد في المجموعة الدينية وفصله عن بقية الناس خارج مجموعته

الاحتفال ببلوغ البنت
(Copy and paste in the explorer)

فيديو ختان الإناث في إفريقيا.

كامل النجار (مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

شعار النهضة وشعارات الأزمة

نصر حامد أبو زيد  

كان شعار عصر النهضة العربي – من بدايات القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين – “ليكن الوطن محلا للسعادة المشتركة بيننا نبنيه بالحرية والفكر والمصنع”. مثل كلّ العبارات الدالّة – التي تتجاوز في مغزى دلالاتها أفق القائل كما تتجاوز أفق اللحظة التاريخية التي قيلت فيها – تُنْسَب هذه العبارة إلى كثير من مفكّري النهضة. تنسب إلى رفاعة رافع الطهطاوي وعلي مبارك المصريين، كما تنسب إلى عبد الرحمن الكواكبي السوريّ وإلى كثير من النهضويين في كلّ الأقطار العربية. ومعنى ذلك أنّ أهميتها وعموم دلالتها لا يعودان إلى القائل بقدر أهميتها في ذاتها. سنقوم – أوّلا – بتحليل العبارة تحليلا سريعا، كاشفين عن المغزى العميق للدعوة النهضوية التي تتعرّض اليوم لعمليات تجريف لا تتوقّف باسم “الأصالة” تارة، وباسم “الهويّة” تارة أخرى. وهذا التجريف – بتجلّياته وتعبيراته المختلفة – سيكون محور التحليل في هذه المقالة.

الوطن-الحداثة:

العبارة – الشعار، تتحدّث عن “الوطن” وهو مفهوم حداثيّ يَتَضَمَّن – تضَمُّن لزوم – مفهوم “المواطن” الذي ينتسب لهذا الوطن بالميلاد أو بالإقامة. مفهوم “المواطن” يتضمّن بدوره – تضمّن لزوم أيضا – مفهوم “المساواة” باعتبار أنّ “المواطنين” سواء في الحقوق والواجبات. من هذا الثلاثيّ – الوطن، المواطن، المساواة – ينبثق مفهوم “السعادة المشتركة” التي هي في الفكر الإنساني الكلاسيكيّ – ومنه الفكر الفلسفيّ الإسلاميّ – غاية التجمّع الإنساني، أي غاية الحياة الاجتماعية، تمييزا لها عن التجمّعات الحيوانية التي تسيطر عليها وتحكمها غريزة “حبّ البقاء”. لا يدخل “الدين” في تعريف الوطن، ولا في تحديد هوية “المواطن”، ومبدأ “المساواة” في الحقوق والواجبات يستبعد التمييزات دينية كانت أو عرقية، لغوية كانت أو ثقافية. لنر كيف يحدّد مفكّر نهضويّ – ورائد من روّاد الإصلاح الديني – هو محمد عبده مفهوم “الوطن” ويربطه بالمساواة والحرية: كان هذا التعريف ضمن مقالة نشرها الشيخ الجليل في جريدة الأهرام بعنوان “الحياة السياسية والوطن والوطنية” بتاريخ 28 نوفمبر 1881. في هذا المقال يخوض “عبده” في تحديد معنيي “الوطن” و”المواطنة”، فيربط معنى الوطن بأمرين: الحماية والأمان من جهة، والحرية من جهة أخرى. هذا بالإضافة إلى أنّ تحديده لمعنى “المواطنة” لا يتضمّن إدراج “الدين” فيه:

الوطن في اللغة محلّ الإنسان مطلقا، فهو السكن بمعنى: استوطن القوم هذه الأرض وتوطّنوها أي اتّخذوها سكنا. وهو عند أهل السياسة مكانك الذي تنسب إليه ويُحفظ حقّك فيه، ويُعلم حقّه عليك، وتأمن فيه على نفسك وآلك ومالك. ومن أقوالهم فيه: لا وطن إلا مع الحرية … بل هما سيّان؛ فإنّ الحرية هي حقّ القيام بالواجب المعلوم، فإن لم توجد فلا وطن لعدم الحقوق والواجبات السياسية، وإن وجدت فلا بدّ معها من الواجب والحقّ، وهما شعارا الأوطان التي تُفتدى بالأموال والأبدان، وتُقدَم على الأهل والخلان، ويبلغ حبّها في النفوس الزكية مقام الوجد والهيمان. أمّا السكن الذي لا حقّ فيه للساكن، ولا هو آمن فيه على المال والروح، فغاية القول في تعريفه أنّه مأوى العاجز، ومستقرّ من لا يجد إلى غيره سبيلا، فإن عَظُم فلا يسرّ، وإن صَغُر فلا يساء. قال لابروير (الحكيم الفرنسي): “ما الفائدة من أن يكون وطني عظيما كبيرا إن كنت فيه حزينا حقيرا أعيش في الذلّ والشقاء خائفا أسيرا!”

على أنّ النسبة للوطن تصل بينه وبين الساكن فيه صلة منوطة بأهداب الشرف الذاتي، فهو يغار عليه، يذود عنه كما يذود عن والده الذي ينتمي إليه وإن كان سيّئ الخلق شديدا عليه. ولذلك قيل في مثل هذا المقام إنّ ياء النسبة في قولنا مصريّ وإنجليزيّ وفرنسيّ هي من موجبات غيرة المصريّ على مصر والفرنسيّ على فرنسا والإنجليزيّ على إنجلترا، فأنكر ذلك بعض الناس، وكان في الأمر لا شك سوء فهم أو سوء إفهام.

وجملة القول إنّ في الوطن من موجبات الحبّ والحرص والغيرة ثلاثا تشبه أن تكون حدودا: الأوّل أنه السكن الذي فيه الغذاء والوقاء والأهل والولد، والثاني أنه مكان الحقوق والواجبات التي هي مدار الحياة السياسية، وهما حسّيان ظاهران، والثالث أنّه موضع النسبة التي يعلو بها الإنسان ويعزّ أو يسفل.

يرى النهضويون أنّ بناء الأوطان يقوم على دعائم ثلاث: الحرية – الفكر – المصنع. الحرية شرط لازدهار الفكر، والفكر هو الحامل للتقدّم العلمي (المصنع). بعبارة أخرى يرى النهضويون أنّ الأوطان لا تنبني إلا على أعمدة الحداثة الثلاثة: الحرية وإعمال العقل والانتقال إلى عصر الصناعة بالعلم الذي لا يزدهر إلا بازدهار الفكر، وازدهار الفكر لا يتحقق إلا بالحرية. الحداثة في هذا المفهوم منظومة متكاملة ترتبط مكونها الأول – الحرية – بمكونها الثالث – عصر التصنيع – الذي يخصَّب بدوره المكون الأول: يتحرر الفرد أولا – فيزدهر الفكر – وبالتصنيع يتحرر الإنسان من قيود الضرورات الطبيعية بالعلم فتصبح الحرية سلوكا ومنهج حياة تتخلل شرايين الحياة الاجتماعية، تصبح الحرية بداهة لا تحتاج لإثبات، ويصبح الإخلال بها جريمة لا تغتفر. لذلك لا تفهم مجتمعاتنا عجز الحكومات في المجتمعات الغربية عن إلجام الساخرين من النبي محمد ومن المنددين بقيم المسلمين. المسألة ببساطة أن “الحرية” – حرية الرأي والتعبير – من المقدسات التي لا يجوز المساس بها. يعجب المسلم العادي: ولكنهم يسخرون من مقدّساتي فيجب لجمهم، ولا يجد المسلم من يقول له: إنّها مقدساتك وعليك أن تتعلّم كيف تدافع عنها بالفكر دون أن تطالب بإخراس الآخرين. المشكلة أنّ المسلم يقع ضحيّة من يحسَّن له ممارسة العنف لحماية المقدّسات.

 تجريف الوطن:

باسم الأصالة والهوية تمّ تجريف الوطن واستلاب المواطن، كما تمّت مصادرة الحريات. لكنّ العجيب أن قيمتيِ “الأصالة” و”الهوية” تتعرّضان بدورهما إلى عمليات تجريف باسم “الدين”، الذي أصابه تجريف حادّ بدوره حوَّله إلى “وقود”، مجرّد وقود، لعربة السياسة. والتجريف ظاهرة معروفة في التعامل مع الأرض الزراعية: إزالة خصوبة الأرض من أجل تحويلها إلى أرض بناء. إنها عملية أشبه بعملية “الإخصاء” التي كانت تُمَارس في القرون الوسطى مع العبيد الذكور لكي يُمكّنوا من خدمة النساء الحرائر دون خطر. يستلزم الأمر إزالة خصوبة التربة للوصول إلى القاع الصلب حتى تصلح الأرض لوضع الأساسات والأعمدة الخرسانية، التي يقام عليها البناء. في بعض الأحيان تسمى هذه العملية “تسقيع”، وذلك حين تترك الأرض بوارا، أي بلا زراعة، حتى تجف وتفقد بالتدريج خصوبتها.

بدأ الانقلاب على مشروع النهضة تدريجيا وعلى مهل منذ أوائل الربع الثاني من القرن العشرين. كان مشروع النهضة الحداثي مواكبا لمشروع “تحديث الفكر الديني”، الذي استشهدنا بأحد رواده – محمد عبده – في تعريف معنى الوطن والمواطنة والحرية. تحددت “الأصالة” في الفكر الحداثي العربي في التراث الإسلامي العقلاني الإنساني، تراث المعتزلة وابن رشد تحديدا، أي في التراث الذي يمكن أن يستوعب قيم الحداثة داخل المنظومة الدينية الإسلامية. في عملية استدلالية واعية أدرك المصلح الحداثي أن التراث – مصدر الأصالة وحاملها – ليس تراثا واحدا. ميّز عبده تمييزا واضحا – وهو يناقش قضايا المرأة : تعدّد الزوجات وحقّ الطلاق والميراث والنقاب – بين عالم القرآن وعالم الفقه. وهو في هذا التمييز – الذي سنناقشه في مقالة مستقلة – يدرك كيف أن الفقهاء فهموا القرآن وفسّروه من خلال رؤيتهم للعالم، ويطرح عبده – على استحياء وبطريقة ضمنية – ضرورة فهم القرآن وتفسيره في ضوء رؤيتنا الحديثة للعالم.

هكذا فتح عبده الباب لقاسم أمين ولحركة تحرّر المرأة التي تزعمتها هدى شعراوي بعد ذلك، وتولّى تطويرها الطاهر الحداد التونسي. لماذا السعي إلى تحرير المرأة من قيود سجن البيت بالتعليم ومن قيود النقاب بخلعه علنا؟ كان ذلك في سياق تحرر وطني عام من ربقة الاستعمار والاستبداد الملكي في ثورة 1919 التي رفعت شعار “الدين لله والوطن للجميع”. لم ينفصل تحرير المرأة عن تحرير الوطن، ولم ينفصل كلاهما عن تحرير المواطن وتحقيق المساواة. كان الوطن يبنى بالحرية والفكر، وحاول “طلعت حرب” قيادة معركة التحرر الاقتصادي لبدء ثورة التصنيع.

يلم يكن ذلك منفصلا عن إصلاح التعليم: إنشاء الجامعة الوطنية العصرية عام 1908 التي فتحت أبوابها للرجال والنساء والتي أُعلن في حفل افتتاحها أنها “لا دين لها إلا العلم”. كانت العلمانية ترفرف في الأفق في سياق صياغة دستور 1923 حيث لم يجد أعضاء الصياغة من الأقباط ضررا في النص في الدستور على أن “دين الدولة الإسلام”. من الواضح أن هذا التوافق كان تعبيرا عن ثقة الأقباط في الوطن الذي ينبني، ومن الواضح أن إدراج هذه المادة كان أمرا قيد النقاش، أي لم يكن أمرا مسلّما به. بعد سنوات قلائل – عام 1926 تحديدا بعد محاكمة الشيخ على عبد الرازق بسبب كتابه المعروف “الإسلام وأصول الحكم” – كتب طه حسين: ظن الناس أن لا ضرر من هذه المادة من الدستور – الإسلام دين الدولة – ولكننا واثقون الآن أن فيها الضرر كل الضرر.

كانت المعركة هي التي خاضها كتاب الشيخ على عبد الرازق “الإسلام وأصول الحكم” معركة إلغاء الخلافة عام 1924 حيث كان الأتراك – بزعامة مصطفى كمال – يريدون أيضا بناء وطنهم على أساس مفاهيم الحداثة وقيمها، القيم التي لا تستوعبها الإمبراطورية التي كانت تتقطع أوصالها في عصر اضمحلال الإمبراطوريات. بين دعاة الحداثة ودعاة العودة إلى إقامة “الخلافة” – الذين تواطأت معهم كل الزعامات وفي ضمير كل منهم أن يحظى بالمنصب الرفيع – نشأ النزاع. كانت تلك هي بداية التراجع التدريجيّ عن قيم الحداثة ومفاهيمها، بداية تجريف مفاهيم الوطن والمواطن باسم الأصالة التي تمّ تجريفها باختصارها في التراث الفقهي، وباسم الهوية التي تمّ ابتسارها في “الدين”. تمّ إنشاء جماعة “الإخوان المسلمين” عام 1928 بقيادة الشيخ حسن البنّا وعلى رأس أولوياتها “أسلمة” المجتمع المصرى بأساليب “الدعوة”، أي أن الجماعة كانت في أصل نشأتها جماعة دعوية تنأى بنفسها عن شئون السياسة والحكم. لكن هدف “أسلمة المجتمع” يفصح ضمنيا عمّا تمّ إعلانه من بعد من أنّ المجتمع المصري لم يعد مجتمعا مسلما. الدلائل على انحراف المجتمع تكشف عنها رسائل حسن البنا في مظاهر “العلمنة” التي تتركز في المؤسسات السياسية، الأحزاب والبرلمان، التي يرى البنا أنها تشرذم الأمة وتمزق روابط وحدتها. ومن مظاهر العلمنة التي تزعج الجماعة الفنون والآداب – خاصة فنون النحت والتصوير والموسيقى والمسرح – التي تشيع قيم الفحشاء والمنكر. من مظاهر العلمنة المثيرة للحاجة للأسلمة شيوع الفكر الفلسفي “الغربي” الذي يحتفي بالإلحاد ويدافع عن حرية الفرد وعن حرية المرأة. يرى البنا – ومن بعده سيد قطب – أن ينابيع الإسلام الأولى الصافية قد أصابها التلوث بترجمة الفلسفات اليونانية والهندية والفارسية. ويصل الأمر إلى غاية التمييز العنصري حين ينسب إلى غير العرب – من الفرس خاصة – أن دخولهم الإسلام كان وبالا على هذا النبع الصافي؛ لأنهم أدخلوا في الإسلام معتقداتهم الوثنية. وباختصار كان مشروع جماعة الإخوان – وما يزال – مشروعا دينيا ينظر لمفهوم الموطن والمواطنة وما يرتبط بهما من مفاهيم الحرية والمساواة نظرة تشكك وريبة في أحسن الأحوال، ونظرة رفض وتكفير في أسوئها، إنها “نتنة” في لغة سيد قطب الذي لا يميز بين قيم الانتماء وأمراض “التعصب” التي لا يقرّها الإسلام. هكذا تم تجريف الوطن، باختصاره في دين الأغلبية. وتم تجريف الدين باختصاره في الرؤية الفقهية للعالم التي كانت محل نقد خطاب الإصلاح ومراجعته.

تجريف الدين:

في تقديري أن هذا بالضبط ما حدث للتدين، وهو أمر لم يحدث بين يوم وليلة، بل حدث في مدى زمني فسيح؛ أي أن ما حدث أقرب للتسقيع منه للتجريف، لكن النتيجة واحدة، فقد فَقَدَ التديُّنُ خصوبته وروحه. فقد قدرته على النمو والازدهار بفعل تفاعل التربة – تربة الدين – مع الهواء والشمس والريح والمطر. هذا الدين تحول إلى تظاهرات شعائرية تتمثل في امتلاء المساجد بالمصلين لدرجة خنق المرور – المختنق أصلا – في شوارع القاهرة والمدن الكبري في مصر. تمتلئ المساجد بالمصلين في صلوات الجمعة والأعياد وصلوات التروايح في شهر رمضان. مظاهر للتدين رائعة (!) تعجز عن أن تخفي خواء روحيا وأخلاقيا ملموسا في مجال التعامل اليومي. صارت رحلات الحج والعمرة درجات: عادي وسياحي وممتاز،وصرنا نرى بعض الأطباء – المسئولين عن رعاية مرضى الحالات الحرجة في المستشفيات السياحية الخاصة – لا يهمهم أمر مرضاهم بقدر الحرص على تأدية شعائر الحجّ والعمرة بانتظام مع أنّ حجّا واحدا يكفي.

صارت “الصدقات” العلنيّة مجالا للمنافسة بين رجال الأعمال، وتحوّلت مجتمعات الإيمان إلى مجتمعات “الصدقة” بعد أن كانت في سبيلها لتكون مجتمعات “التضامن الاجتماعي”. صارت “موائد الرحمن” في شهر رمضان مجالا للمفاخرة بين المشاهير، وأصبح المواطن (الكلمة ليس لها معنى في هذا السياق) يتمتع بتذوق أصناف الأطعمة الفاخرة إذا وجد له مكانا في هذه الموائد.

في مقابل هذه المظاهر التدينية في شهر رمضان تعرض الفضائيات برامج الفتاوى جنبا إلى جنب مسلسلات الترفية ومسابقان مسح المخّ. كله “بيزينيس” بالمعنى الرثّ لاقتصاد “السمسرة” في مجتمعاتنا، الاقتصاد غير الإنتاجي، الذي لا يقيم صناعات ثقيلة ولا يخلق فرص عمل للمواطنين بقدر ما يركز على إنتاج سلع تهدف لإفقار المواطن الفقير أصلا عن طريق سيل الإعلانات المستفز لسلع لا قيمة لها جعلها الإعلان سلعا أساسية. كيف يخلق “الإعلام السِّلَعي” بالتخييل بالصورة احتياجات غير حقيقية ولا ضرورية في ذهن الفقراء، فيتنافسون على الحصول عليها. من تلوم ومن تدين؟

لكنّ للتخييل دورا أخطر في زمن الإيمان بمعجزات الحظّ (برامج من سيربح المليون، ثقلك ذهب، برامج الأسئلة التي يتمّ تلقّي الجواب عليها بالنقّال بجوائز تتراوح بين بضعة ألاف من الجنيهات وعشرات الآلاف من الدولارات، والإجابة معروفة والفائز هو المحظوظ)، ومعجزات اللوتارية – اليانصيب – والمحصلة أنّ قيمة “العمل” فقدت مصداقيتها. ولعلّ مسألة “الحظّ والنصيب” – ودورها في تجريف الطاقة الإبداعية للخيال وتحويله إلى “توهمات” أقرب إلى حالة الوقوع تحت تأثير المخدرات – جزء من آلية ذهنية وعقلية ترتبط بنمط الإنتاج النفطي.

يحتاج الأمر البدء بطرح التساؤل البلاغي: هل كان اكتشاف منابع الطاقة – البترول – في بلادنا العربية النفطية ضربة حظّ من السماء؟ نعمة أنعم الله بها على هذه البقعة المباركة من الأرض التي ظهر فيها الإسلام ومنها انتشر إلى كل بقاع الأرض فملأها نورا وسلاما ومحبة بعد أن كانت ترزح في ظلمات الكفر والشرك والضلال؟ يبدو أن بعض البسطاء من ملح الأرض يعتقدون ذلك، خاصة هؤلاء الذين ضاقت بهم سبل العمل في أوطانهم فهاجروا إلى بلاد النفط بحثا عن فرص عمل أفضل وفرص حياة أفضل. ويبدو أنّ “الهبات والمنح” التي بدأت تنهال من حكام الدول النفطية على المجتمعات العربية غير النفطية تؤكد هذا التصور. إنها هبات ومنح في شكل إحسان لإنشاء مناطق سكنية ومستشفيات ومدارس في مجتمعات أفقرتها الحروب، وأدخل الفساد – الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وسنؤجل الحديث الآن عن الفساد الثقافي والفكري – أغلبية مواطنيها تحت حزام الفقر.

بدلا من الاسترسال في تعداد نعم ذوي الفضل على ذوي الحاجة – نحن نتحدث عن دول ومجتمعات لا عن مؤسسات خيرية وأفراد – لنتأمل تأثير هذه البنية الإنتاجية على البنية العقلية. لم يكتشف العرب البترول، إنما اكتشفته شركات أجنبية وبمقتضى هذا الاكتشاف حصلت على امتيازات التنقيب والاستخراج ومدّ الأنابيب للتصدير والتصنيع إن أمكن. هذه ثروة طبيعية انبثقت من الأرض بلا عمل ماديّ أو فكري. الآخرون الأجانب عملوا وفكروا ونحن ننعم بثمرات عملهم وفكرهم. هكذا سخّر الله لنا هؤلاء الأجانب (الكفار!) يعملون ويعرقون ويفكرون لنتفرغ نحن لما هو أهمّ: عبادة الله الواحد القهار والتسبيح بحمده. هذا ليس استنتاجي بل هو كلام قاله الشيخ (الإمام !) محمد متولي الشعرواي رحمه الله وردده بعده كثيرون. تلك إذن إرادة الله أن يسخِّر الكفار تسخير عبودية لعباده المؤمنين.

انعكست هذه البنية الاقتصادية – ثروة بلا عمل – في بنية عقلية فحواها معرفة بلا تفكير. التفكير كله حدث في الماضي، وقد قال الأسلاف كلّ شيء، وكلامهم وحلولهم مخزونة في بطون كتب التراث، مثل النفط المخزون في باطن الأرض. كما أننا وصولا إلى الثروة المخبوءة بلا فعل سوى الحفر – أو نكتري من يحفر لنا بالأجر – فإننا لا نحتاج أكثر من البحث في كتب الأسلاف عن حلول لكل مشكلاتنا. وليس مطلوبا من كل شخص أن يفحص ويبحث فهناك حرس التراث وحراس العقيدة والأمناء على دين الله من الفتنة والردّة. هم وكلاؤنا في البحث والتقصّي، وما علينا إلا استفتاؤهم وطاعتهم. ثروة بلا عمل = معرفة بلا تفكير، وكفي الله المؤمنين شرّ ما قد يسبّبه التفكير من كفر وضلال وإلحاد.

لا تحدّثني إذن عن الغرب وعقلانيته ولا عن تقدّمه العلميّ ولا عن الانجازات التي تحققت في مجال احترام الحريات والمساواة وحقوق الإنسان، ولا عن الثورة الهائلة في مجال الاتصالات والمعلومات. كلّ ذلك حلال لنا أن نستمتع به ونوظّفه في تعميق إيماننا وفي خدمة ديننا، لكن أن نفكّر كما يفكّرون، وأن نساهم معهم في تطوّر المعرفة والعلم وألا نكون مجرد مستهلكين، فهذا تجديف؛ لأنّ هؤلاء الناس قد استبدلوا حاكمية البشر بحاكمية الله (سيد قطب رحمه الله)، فهم يعيشون “جاهلية القرن العشرين” – عنوان كتاب لمحمد قطب – رغم تقدّمهم المادي والعلمي والتقني. هؤلاء القوم نقلوا مركز ثقل الكون من الله إلى الإنسان وفصلوا الإنسان عن جذوره الروحية. حوّلوا الإنسان إلى كائن مستهلك يبحث عن أقصى إشباع لحاجاته المادية، فضاع الإنسان وتفرّقت به السبل، بدليل عودة البحث عن الدين في كل أنحاء المعمورة. هكذا يتم نقد الحداثة باستعارة مفردات “ما بعد الحداثة”، هكذا شهد شاهد من أهلها (ومن دقنه وافتل له حبل من يقال في المثل الشعبي المصري). إذا كان أهل الحداثة ينقدونها ويهلهلونها فلماذا تصدعون رؤوسنا بها؟ “الإسلام هو الحلّ” صار شعار الأزمة.

نصر حامد أبو زيد(مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

حوار مع القرضاوي 2

عبد القادر أنيس

هذه مقالة ثانية حول كتاب القرضاوي “الإسلام والعلمانية، وجها لوجه”.
يكتب يوسف القرضاوي عن فؤاد زكريا: “إن من سوء حظه أنه يدافع عن قضية خاسرة، يدافع عن “العلمانية” في مجتمع يؤمن بالإسلام”.
طبعا، ليس من سوء حظ الدكتور فؤاد زكريا فقط، بل كان ذلك ولا يزال من سوء حظ كل البلاد العربية والإسلامية التي لم تنجح في إحداث قطيعة حقيقية مع البنى الاجتماعية والسياسية والدينية التقليدية التي تسببت في استفحال التخلف والحيلولة دون اللحاق بركب الحداثة والمعاصرة.
القرضاوي في كتابه هذا، شأنه شأن غيره من الإسلاميين، يعمدون إلى تشويه الخصم باللجوء إلى تقديم صورة مشوهة عن الأفكار التي يدافع عنها وتشنيعها وشيطنتها من جهة وتقديم صورة مثالية عن الإسلام نصا وواقعا بعد أن يمارسوا عليه انتقائية وخداع مقيتين مع نهلهم من التراث الفكري الحديث وأسلمته وتقديمه للناس على أنه من صميم دينهم.
لنقرأ القرضاوي وهو يصف العلمانية بالتطرف والعدوانية، بينما يشيد بمستوى الطريقة المثالية القرآنية في الجدال، دون أن يعني هذا أنه يؤمن بما يقول هنا كما سنرى في خاتمة المقالة. إنما هي الحرب خدعة حتى مع محاورين ينتمون لوطنه وأمته وتشغلهم نفس الهواجس على مصير هذه الأوطان لو صدقنا القرضاوي طبعا. كتب:
“إن القرآن ذكر في جدال أهل الكتاب أدبين رئيسيين:
“الأول: أن يكون بالتي هي أحسن، فلو كان هناك أسلوبان، أحدهما: حسن، والآخر: أحسن منه، لوجب أن نستعمل الذي هو أحسن.
“الثاني: التذكير بنقاط الاتفاق، التي من شأنها أن تجمع، ولا تفرق.
“وفي هذا يقول الله تعالى: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن..) (وقولوا: آمنا بالذي أنزل إلينا، وأنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد، ونحن له مسلمون) (سورة العنكبوت: 46).” انتهى
ثم يصف طريقة فؤاد زكريا في الحوار فيكتب: “هذه هي طريقة القرآن في الحوار، أما طريقة د. زكريا، فإنها تهدم ولا تبني، وتفرق ولا تجمع، وتباعد ولا تقرب”.
فما مدى رأي القرضاوي من الصحة والصدق حول طريقة القرآن الجدالية مع المختلفين دينا قبل أن نتناول الطريقة مع العلمانيين أمثال فؤاد زكريا.
القرضاوي يحاول أن يخدعنا عبر انتقائية مقيتة حول خرافة جدال أهل الكتاب بالتي هي أحسن، فحتى هؤلاء لم نر المسلمين يجادلونهم بالتي هي أحسن ماضيا عندما جعلوا منهم أهل ذمة يدفعون الجزية والخراج وهم صاغرين بعد أن غزوا أوطانهم واحتلوها وسادوا فيها. وحاضرا عندما عارضوا وجودهم كمواطنين كاملي الأهلية والمواطنة. أما جدال المفكرين العقلانيين من معتزلة وفلاسفة فنحن نعرف كيف تمت تصفيتهم وحرق تراثهم تمهيدا لإغراق العالم الإسلامي في انحطاط طويل. أما طريقة جدالهم مع العلمانيين المعاصرين بل حتى مع المجتهدين من أهل ملتهم فلنا على ذلك عينة من طريقة القرضاوي وطريقة صديقه الغزالي في جدالهما رأيناها مع فرج فودة الذي كان حاوره هذا الأخير قبل اغتياله بستة أشهر فقط ثم شهد في المحكمة فيما بعد لصالح قاتله بحجة أن المغتال مرتد يستحق ما جرى له وأن من حق أي فرد في الأمة القيام بذلك (من رأى منكم منكرا فليغيره…) وانبرى القرضاوي للدفاع عن الفضيحة التي تسببت فيها شهادة صديقه.
الإسلاميون مثل القرضاوي يحاولون خداع الغرب الآن بعد أن طالته الأعمال الإرهابية لتلامذتهما، أما حكاية “وجادلهم بالتي هي أحسن” فهي طريقة انتقائية فسنرى فيما بعد أنها خدعة أملتها توازنات القوة الحالية في العالم، لأن المعول عليه هو آخر ما (نزل) على محمد وما قاله خاصة في القرآن المدني، مثل:{ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} ومثل: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وهي آيات من سورة آل عمران المدنية، ومثل حديث محمد: ((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ)) صحيح مسلم، وغيرها كثير وهي كلها تكفر معتنقي غير الإسلام لينطبق عليهم حكم الكفار المعروف. ولعلي لا أخطئ إذا قلت إن المسلمين في بعض فتراتهم كانوا أرحم عندما يتغافلون عن العمل بصحيح دينهم من آيات وأحاديث لا مكان فيها لجدال ما يعتبرونهم مرتدين معادين للإسلام. نجد هذه المواقف المتسامحة لدى الحكام ولدى المحكومين عندما لا يكونون تحت تأثير رجال الدين الأصوليين خاصة في فترات الازدهار النسبي الذي عرفته الحضارة العربية الإسلامية .
نقرأ مثلا ضمن تعقيبات الكتاب الذي أصدره الإسلاميون ونقلوا فيه المناظرة التي دارت بين الغزالي وصحبه من جهة وفرج فودة وخلف الله من جهة ثانية، موقف “الأستاذة الفاضلة الحاجة زينب الغزالي” كما نعتها الكتاب، قالت: “رأيي الشخصي ألا نناظر هؤلاء الغلاة في محاربتهم للإسلام.. وهؤلاء الغلاة لو كان للإسلام في قلوبهم وجود لكانوا قبل أن يغادروا المكان جددوا شهادتهم بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله..”الخ.
ونقرأ في نفس المكان للدكتور عبد الحليم : “ما كان ينبغي للشيخ الغزالي ولا المستشار المأمون الهضيبي أن يتنازلا إلى حد مناظرة فرج فودة لأنهما في تقديري أعلى وأسمى من ذلك وربما يكونان قد أقاما له وزنا وجعلاه عالما يعرض فكره على 12 ألف شاب حضروا المناظرة، إذا كان 90 بالمائة منهم كارهين لأفكاره فأخشى أن يكون هناك 10 بالمائة قد حدثت لهم بلبلة فكرية.”
هذه المواقف كانت بمثابة فتاوى عمل بها تلامذة هؤلاء الإسلاميين عندما قرروا اغتيال فرج فودة وغيره كثير في ربوع العالم الإسلامي.
أما القرضاوي هنا، وبعد أن يقول ” كنت في المقام الأول عقلانيا وموضوعيا ومنطقيا إلى أبعد حد”. في حواره مع فؤاد زكريا فهو لا يبتعد كثيرا عن مواقف سابقيه. لنقرأ له وهو يؤكد: “أجل، سيظل الدكتور بعيدا عن عقول الجماهير، وقلوبهم معا، لأنه يحدثهم بمفاهيم مستجلبة من ديار أخرى، ومن قوم آخرين، فهم لها رافضون وعنها معرضون، لأنها مناقضة لدينهم وشريعتهم، وقيمهم وتاريخهم، وواقعهم”.
وهى فتوى صريحة للتكفير ودعوة للاغتيال. فهذا هو حكم من يناقض دين الإسلام وشريعته وقيمه وتاريخه.
ثم يقول “هناك أشياء أساسية، نحتاج ـ لكي يثمر الحوار ـ إلى تحديدها، بدقة ووضوح، حتى لا تلتبس الأمور، ولا تختلط الأوراق، ولا يكون الحوار جدلا بيزنطيا، لا يكشف عن غاية، ولا يهدي إلى طريق. … أعني بتحديد المواقع، وبعبارة أخرى تحديد الهويات: أن يحدد كل من الطرفين المتحاورين أين هو، وما هو؟ فلا يسوغ في منطق، أن تجادل في الفروع، من لا يؤمن بالأصول، أو تقنع بالشريعة من ينكر العقيدة”
“فالمادي الملحد، الذي ينكر “الغيبيات” كلها، ولا يؤمن بشيء وراء المادة، التي يدركها الحس، ويعتقد أن “الله” خرافة، وأن الأديان ـ كل الأديان ـ أفيون الشعوب، ولا يؤمن بأن هناك رسلا، أوحى الله إليهم، وأنزل معهم الكتاب والميزان، ليقوم الناس بالقسط، ولا أن وراء هذه الحياة الفانية القصيرة، حياة أخرى خالدة باقية، يجزى فيها الناس بأعمالهم، خيرا أو شرا”، “فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره”.
“أقول: من لم يؤمن بهذا كله، كيف تجادله في فرض الزكاة، أو تحريم الربا، أو الخمر، أو الميسر، أو الزنا، أو إقامة الحدود، أو إيجاب الاحتشام على المرأة، وتحريم التبرج، بله النهى عن بيع الغرر، أو صنع التماثيل، وما دون ذلك؟!
“إن الذي لا يؤمن بأن محمدا رسول من الله، لا ينطق عن الهوى، وأن القرآن كلام الله، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، لا يجوز الجدال معه في تطبيق الشريعة، لأنه لا يؤمن بالشريعة، ولا بصاحب الشريعة، ولا بكتاب الشريعة”.
“إنما يكون الجدال معه أولا، في إثبات نبوة محمد، وإلهية القرآن، كما نفعل مع اليهود والنصارى”.
“فإذا أثبتنا هاتين القضيتين، كان الحوار حول الشريعة وتطبيقها، إذ لا يتصور قيام بناء بغير أساس”.
تعقيبا على هذا الكلام لا بد أن أكتب هنا أنني لم أقرأ أبدا لفؤاد زكريا ولا لفرج فودة ولا حتى للقرضاوي في هذا الكتاب كلاما صريحا يشي بأنهما ملحدين لا يؤمنان بالله ربا ولا بمحمد نبيا حسب تعبير القرضاوي. رغم كل الجهود المضنية التي بذلها للنيل من معتقدهما.
إن انتقائية القرضاوي صارخة هنا حين يتعمد، لحاجة في نفس يعقوب، إيراد الآيات التي تخدم محاججته ويتجاهل آيات أخرى تدينه مثل: (لا إكراه في الدين) ومثل (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ومثل (لكم دينكم ولي دين) وغيرها من الآيات التي يلجأون إليها عندما يحاورون الغربيين في إطار ما يسمى حوار الأديان. طبعا أنا أعرف أن هذه الآيات المكية في معظمها منسوخة بآيات مدنية مثل تلك المذكورة أعلاه. أما القرضاوي مثله مثل الغزالي وغيره فهم لا يؤمنون بالناسخ والمنسوخ في القرآن ويقعان في مطبات عويصة سنراها بعد قليل. نقرأ للقرضاوي وهو يجيب عن أسئلة محاوره حول الناسخ والمنسوخ في موقعه بالذات:
http://qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=7163&version=1&template_id=211&parent_id=16

“هذا للأسف مما ابتلي به تفسير القرآن، أي التوسع في قضية النسخ، مع أن الأصل أن الله أنزل هذا الكتاب ليعمل الناس به، ويهتدوا به (اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ)، (إِنَّا أنزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ)، (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ)، فلا يجوز أن نأخذ ببعض الكتاب وندع بعض (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) كما فعل بنو إسرائيل”.
فلماذا لا يأخذ القرضاوي وهو يحاور فؤاد زكريا بآية “لا إكراه في الدين” وما شاكلها.
ثم نقرأ له أيضا في نفس السياق:
“وللأسف وقع المسلمون في هذا وذكروا عن آيات في كتاب الله إنها منسوخة، وأحيانا اقرأ بعض الكتب عن الناسخ والمنسوخ، وأجد فيها من يقول سورة (قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ) هذه فيها ناسخ ومنسوخ؛ لأن فيها (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، ويقول: لا لم يعد لكم دينكم ولي دين، يوجد دين واحد، كذلك سورة الدهر أو الإنسان، يقول فيها منسوخ، منسوخ ماذا؟ (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً)، يقول هذه نسختها آية السيف، وهذه مشكلة”.
نعم يا شيخ هذه مشكلة فعلا عندما تغرق في تناقض غريب وأنت تتجاهل آيات مثل “إن الدين عند الله الإسلام” ومثل “ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه..”.
ثم نقرأ له أيضا:
“وأنا لا أكاد أرى نسخًا في القرآن الكريم حقيقة، وبعض العلماء مثل الإمام الزركشي، يرى أن كثير من الآيات التي يقال عنها منسوخة هي “منسأة” وليست منسوخة، وهناك قراءة في القرآن (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا) بالهمز، يعني نؤخرها، فهو يقول إن ما ذهب إليه كثير من المفسرين في الآيات مثل (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، و(خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ)، من أنها منسوخة، هي ليست منسوخة لان المنسوخ لا يعود له حكمه، ولكنها “منسأة” يمكن أن يعود لها حكمها، وهذا في حالات الضعف، حين يكون المسلمون مستضعفين ولا قدرة لهم على مقاومة عدوهم، فعليهم أن يصبروا ويقولوا التي هي أحسن، ويدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، فإذا أصبحوا أقوياء كان لهم شأن آخر، وهذا من ضمن التفسيرات لآيات النسخ”.
فماذا نفهم من ” فإذا أصبحوا أقوياء كان لهم شأن آخر”؟ يعني على المسلمين أن يعطلوا آيات القرآن أو يعملوا بها حسب الظروف وموازين القوى. أليس تعطيل العمل بآية والعمل بآية أخرى تناقضها يعتبر نسخا ولو إلى حين؟ هل للقرضاوي ولغيره من الإسلاميين الحق في ذلك لأنهم نصبوا أنفسهم وكلاء الله في الأرض، وليس لفؤاد زكريا ولنصر حامد أبي زيد ولغيرهما من العلمانيين أن يقرؤوا القرآن قراءة مختلفة تاريخانية مثلا؟.
أكيد أن القرضاوي كان يستغفلنا عندما كتب ما كتب مما استشهدنا به في بداية المقالة: “وفي هذا يقول الله تعالى: “إن القرآن ذكر في جدال أهل الكتاب أدبين رئيسيين: “الأول: أن يكون بالتي هي أحسن، فلو كان هناك أسلوبان، أحدهما: حسن، والآخر: أحسن منه، لوجب أن نستعمل الذي هو أحسن. الثاني: التذكير بنقاط الاتفاق، التي من شأنها أن تجمع، ولا تفرق”.
“وفي هذا يقول الله تعالى: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن..) (وقولوا: آمنا بالذي أنزل إلينا، وأنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد، ونحن له مسلمون).
فكيف يستقيم هذا الكلام مع كلام الفقرة السابقة والتي أنهاها بـ ” فإذا أصبحوا أقوياء كان لهم شأن آخر”؟
طبعا أنا أعرف والقرضاوي يعرف أن محمدا حين قال: ” (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن..) (وقولوا: آمنا بالذي أنزل إلينا، وأنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد، ونحن له مسلمون). ليس هو محمدا حين قال: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه..”.
يتبع

عبدالقادر أنيس فيسبوك

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

حوار مع القرضاوي 1

عبد القادر أنيس

هذه المقالة الأولى في سلسلة من المقالات سأنشرها حول كتاب الدكتور يوسف القرضاوي ” الإسلام والعلمانية وجها لوجه”.
الإسلام والعلمانية وجها لوجه
طبعا، أنا لم أتحاور مع القرضاوي كما يبدو من العنوان، بل هو يرفض أن يتحاور مع أمثالي من العلمانيين والملحدين ممن ينطبق عليهم قوله في مقدمة كتابه: “وأما الذي لا يؤمن بالألوهية نفسها، ولا يثبت “الغيبيات” أصلا، ويتبنى ما قاله “فويرباخ” بكل تبجح وغرور: “ليس صحيحا أن الله خلق الإنسان، بل الصحيح أن الإنسان هو الذي خلق الله”!!! أي أن القول بالألوهية وَهْم اخترعه الإنسان، أما هذا فمن العبث بالعقول، ومن إضاعة الأوقات والجهود، الحديث معه حول الشريعة وأحكامها، والحدود وتطبيقها، والدخول في متاهات التفصيلات، التي لا تتناهى، وهو يجحد أصل الدين جملة!!”.
ومع ذلك فمن حقي أن أفرض عليه هذا الحوار، أو الحوار غير المباشر، من خلال مناقشة ما جاء في كتابه المذكور آنفا من مواقف لا تستقيم مع المنطق ومن خداع وانتقائية ومن استبداد فكري فرضه عل محاوريه كما هي عادتهم في بيئة عربية إسلامية قامعة كانت ومازالت لا تسمح بحرية الفكر والاعتقاد والتعبير بسبب ما يلجأ إليه رجال الدين، مثلما فعل القرضاوي مع فؤاد زكريا من ترهيب ديني واستعداء العامة عليه ومحاولة حصره في أضيق مكان للإجهاز عليه.
يقول القرضاوي عن محاوره إنه “لم يكن يحمل قلما للحوار، بل سيفا للهجوم، واستغل المساحة الكبيرة، المعطاة له في الصحيفة (سنة 1985)، للتشكيك في المسلمات الأولية عند الأمة الإسلامية، طوال أربعة عشر قرنا من الزمان، حتى اجترأ على التشكيك في أن الشريعة من عند الله! وزعم أن كل ما هو إلهي، ينقلب بشريا صرفا، بمجرد تفسيره وتطبيقه، ومعنى هذا أنه لا فائدة، ولا مبرر أن ينزل الله للناس كتابا، أو يلزمهم بشريعة، يبعث بها رسولا”.
فهل ما دافع عنه فؤاد زكريا باطل ضعيف وما دافع عنه القرضاوي حق قوي كرمه الله به كما زعم؟ هل العلمانية كما دافع عنها فؤاد زكريا يمكن اعتبارها حسب زعم القرضاوي من قبيل: ” المؤامرة المدبرة (التي تصدى لها) الكاتب المسلم اليقظ الأستاذ فهمي هويدي في مقالاته، التي تنشر في “الأهرام”، وفي عدد من الصحف العربية في الأردن والخليج، ونبه إلى أن هناك “تنظيمات متطرفة” للعلمانيين، ينبغي أن تدان، كما دينت تنظيمات دينية متطرفة، مثل التكفير والهجرة، وقال: إن الفرق بين الاثنين هو: أن الأولين “الدينيين” شباب مندفع، سلك طريقه على سبيل الخطأ، وأن الآخرين شيوخ مجربون ـ بعضهم محترفون ـ اتخذوا مواقعهم عمدا، ومع سبق الإصرار والترصد”.
هل فعلا أن التطرف الإسلامي هو من فعل ” شباب مندفع، سلك طريقه على سبيل الخطأ” أم هم إرهابيون مع سبق الإصرار والترصد، بعد أن تتلمذوا على أمثال فهمي هويدي والقرضاوي ولو أنهم خرجوا عليهم وتجاوزوهم فيما بعد بل وكفروهم بوصفهم فقهاء سلاطين؟
هل فعلا أن فؤاد زكريا “”لم يكن يحمل قلما للحوار، بل سيفا للهجوم”؟ أيُّ الرجلين كان ومازال يحمل سيفا لإرهاب المختلفين؟ أهو القرضاوي الذي بارك اغتيال المفكر فرج فوده ودافع عن صديقه الغزالي الذي أفتى بجواز قتله أم هو فؤاد زكريا الذي كان سلاحه الوحيد قلمه وبنات أفكاره التي تدعو إلى إقامة مجتمعات عصرية تسودها المواطنة التامة والمساواة الحقة بين المواطنين مهما تباينت معتقداتهم وأعراقهم ومذاهبهم الدينية والسياسية؟
ثم بعد ذلك، ألا يحتمل قول فؤاد زكريا ” أن كل ما هو إلهي، ينقلب بشريا صرفا، بمجرد تفسيره وتطبيقه “صدقا وصوابا؟ لنفكك هذا الكلام خاصة وأنني أشك في قدرة القرضاوي على فهم ما قاله فؤاد زكريا بسبب انغلاقه الشديد ضمن حدوده النصية الدينية بل ضمن حدود مذهبه الأصولي التكفيري على ما سواه بما في ذلك المذاهب المتواجدة داخل هذا الدين.
القرضاوي يزعم أن هناك “معلوما من الدين” متفق عليه، ويقول عن محاوره إنه: ” الوحيد الذي اشترك ممثلا للجانب العلماني في الندوة التاريخية في دار الحكمة، ولأنه أكثر العلمانيين إبانة في فكرته، وأقدرهم على إيراد الشبهات، وسوقها في صورة البراهين، وأجرؤهم على مناقشة القضايا من جذورها، وإن كانت مجافية لأوضح المسلمات الدينية” ولهذا ألف كتابه للرد عليه.
فهل صحيح أن هناك مسلمات دينية واضحة وهل يصدق قوله: ” أما نحن، فموقعنا ـ بحمد الله ـ محدد من جهاته الأربع، وهويتنا واضحة بينة كالشمس في رابعة النهار”؟ هل يصدق هذا الكلام أمام محك النقد العلمي المنطقي وأمام وقع الإسلام والمسلمين ماضيا وحاضرا؟
أقول لا. فرغم أن القرآن واحد (بعد حرق كل النسخ الأخرى المختلفة) وأن النبي واحد إلا أن الاختلاف بل والتناحر بين المسلمين بسبب هذا الاختلاف لم يتوقف أبدا. وكان بدأ في حياة مؤسس هذا الدين الذي كان يضطر إلى نسخ آيات كثيرة ينسبها إلى الله وأنها مسجلة في لوحه المحفوظ تلبية لحاجات مستجدة. كذلك اختلف المسلمون مباشرة بعد موته حتى تأخر دفنه وانتفخ بطنه حتى كان ينفجر وفاحت رائحته. ثم اختلفوا واختلفوا حتى قال أقربهم إلى محمد “لا تجادلهم بالقرآن.. القرآن حمال أوجه.. القرآن كتاب مسطور بين دفتين لا ينطق وإنما ينطق به الرجال”. قيل هذا الكلام في حق الخوارج الذين كانوا يعتبرون أنفسهم أقرب الناس إلى الإيمان الصحيح، وهم أصحاب “حاكمية الله” قبل المودودي وسيد قطب بقرون.
فأي الرجلين أقرب إلى هذا الكلام المنسوب إلى علي بن أبي طالب عندما اختلف عمن خرجوا عليه؟. بل إن هذا الإمام قال قبل ذلك عن القرآن : “كلمة حق أريد بها باطل” في موقعة صفين عندما أوعز معاوية إلى جيشه برفع المصاحف بعد أن كاد يهزم بغرض شق صفوف جيش علي.
هؤلاء صحابة محمد وبعضهم من كتاب الوحي وبعضهم مبشرون بالجنة ومع ذلك اختلفوا حول ما يزعمه القرضاوي حول “المعلوم من الدين”.
المسلمون إذن لم يكونوا متفقين حول هذا المعلوم من الدين منذ فجر الإسلام وانقسموا شيعا وأحزابا وفرقا راحت تتشظى على مر العصور وتتناحر بلا رحمة، وتاريخ الإسلام والمسلمين في هذا لا يختلف عن غيره لولا هذه الاستماتة من طرف الإسلاميين المعاصرين للتستر عليه.
فأيهم كان المسلم الحقيقي في جيش معاوية وجيش علي؟ وأيهم الكافر أو الزائغ والزنديق وكل الصفات التي لم يكن المختلفون يقتصدون في إطلاقها على بعضهم لتبرير الاقتتال والقمع والاضطهاد. السنة يكفرون الشيعة والشيعة يكفرون السنة وداخل كل فريق مذاهب يكفر بعضها بعضا؟ فهل كان يحدث كل هذا لو كان هناك معلوم من الدين متفق عليه مثل مواثيق ودساتير اليوم التي لا يتوقف الناس عن تعديلها نحو الأفضل لأنها غير مقدسة؟
من هنا فإن قول فؤاد زكريا: بـ” أن كل ما هو إلهي، ينقلب بشريا صرفا، بمجرد تفسيره وتطبيقه” صحيح. عندنا في الجزائر مثلا نشب خلاف هذه الأيام وخيّم عليه كثير من النفاق سبق أن تعرضت له في مقال لي:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&userID=2611&aid=209527
حول إلغاء عقوبة الإعدام. أسوأ ما في هذا الخلاف أن الأحزاب والجمعيات الدينية تبنت مواقف متباينة من عقوبة الإعدام حسب مرتكبها. فلا عقوبة عندهم عندما يكون المرتكب إرهابيا قام بها “تحت شبهة الجهاد” كما ذهب إلى ذلك رئيس حزب إسلامي متواجد ضمن الائتلاف الرئاسي الحاكم. أما إذا ارتكبها مواطن عاد فيجب محاكمته إعدامه تطبيقا لشريعة الإسلام. يقولون هذا مع أن الآية واضحة “وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً”.
هذه الانتقائية المقيتة الخبيثة نجدها أيضا عند القرضاوي. ففي إحدى خطبه نقرأ:
الانتقائية المقيتة الخبيثة
“…هناك بدعة جديدة في عالمنا العربي والإسلامي اسمها توريث الرئاسة الجمهورية، بأن تورث الرئاسة من الآباء للأبناء أو من الأجداد للأحفاد، كأنها عزبة. وليست هذه هي الديمقراطية التي نريدها، نحن نريد ديمقراطية حقيقية تقوم على الشفافية والمصارحة وإعطاء الحرية للناس، ديمقراطية تمنحهم الحق في النقد والمعارضة”.
بعد هذا الكلام يأتينا بكلام غاية في النفاق والانتقائية وهو يتملق الملكيات العربية المتخلفة: “إذا كانت الملكية تورث الحكم؛ فإنها تعلن ذلك، ولها نظامها الخاص وحدودها وقوانينها المعروفة والمعلنة، لكن الغريب هو الجمهوريات الدائمة، والأصل في النظام الجمهوري تداول السلطات وتداول الرؤساء، لكن عندنا الرئيس مخلد ولا يزول عن ملكه أبدا!!”.
القرضاوي إذن كذب علينا عندما قال وهو يرد على فؤاد زكريا: ” وسيعلم الدكتور أننا ـ دائما ـ أصحاب الحجة الأقوى، والمنطق الأسد، سواء حاضرنا أم كتبنا، لأننا نعبر عن الحق، الذي قامت به السموات والأرض، والحق أحق أن يتبع، وأولى أن يستمع، والباطل مهما انتفش واستطال، فهو لابد زائل (وقل جاء الحق، وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا).
فأين الحق يا شيخ عندما تفضل الملكيات العربية على الجمهوريات العربية؟ وما الفرق بين التوريث هنا والتوريث هناك ما الاستبداد واحدا بل هو أقبح في الملكيات؟ هل لأنها قائمة باسم الإسلام؟ ومن جهة أخرى وإذا كانت الجمهوريات العربية تسعى لتوريث الحكم بطريقة همجية متخلفة، فهل يصدق قولك: ” إذا كانت الملكية تورث الحكم؛ فإنها تعلن ذلك، ولها نظامها الخاص وحدودها وقوانينها المعروفة والمعلنة”؟ وأي نظام خاص وأية حدود وقوانين معروفة ومعلنة في هذه الملكيات، بما فيها إمارة ولي نعمتك، تبيح لهذه الأسر البدوية القبلية أن تتربع على عروش بلداننا في غياب دساتير ديمقراطية تحد من جبروتها مثلما هو شأن الملكيات الدستورية في أروبا التي لم تعد تحكم بلداننا بالمعنى الصحيح للحكم بعد أن تخلت أو اضطرت إلى التخلي عن كل الصلاحيات التي كانت لها طوال قرون باسم الحق الإلهي؟
فؤاد زكريا محق لأن فعل القراءة بالمفهوم العصري لم يعد يستهدف معرفة الحقيقة، أي لم يعد يكتفي بمجرد “وصف أو كشف أو اطلاع على الخلائق والحقائق والمقاصد باسم مبدأ غائب أو معني مستتر، بقدر ما أصبح مشاركة في لعبة الخلق، باختراع الأسماء، أو اجتراح الدلالات، أو خلق الوقائع التي تتغير معها سلاسل الإحالة وخرائط الإدراك أو حسابات العقل وعلاقات القوة”. حسب الدكتور علي حرب:
http://www.azzaman.com/index.asp?fname=2010-03-03-24-686.htm&storytitle=
ولا أخال القرضاوي يفهم هذا بسبب ثقافته القروسطية المبنية على تقديس النصوص أو بأسلوب فقهي الانتصار للنقل على حساب العقل لأنه لا اجتهاد مع النص.
يتبع

عبدالقادر أنيس فيسبوك

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

فشل الولي الفقيه بتوسيع معاناة السوريين

طلال عبدالله الخوري

اصبح من الواضح بأن ايران الولي الفقيه هي التي تحكم سوريا ولبنان, حيث يتحكم هذا الحاكم بفرمانات الهية بالشعب السوري واللبناني حتى اكثر من تحكمه بالشعب الإيراني, فعلى الأقل في ايران هناك معارضة تستطيع ان ترفع صوتها بوجه الولي الفقيه, اما في سوريا ولبنان فإن الحاكمين لهذين البلدين بالإنابة عن الولي الفقيه, وهما حسن نصرالله وبشار الأسد فلا يستطيع احد ان يرفع صوته بوجيهيهما القبيحين لا من الشعب السوري او الشعب اللبناني.

لقد حول الولي الفقيه, عن طريق ارهاب اللبنانيين بالتسليح الحصري لحزب الله, لبنان الذي كان ينعم بالحرية والديمقراطية الى بلد الأكاذيب, حيث اضحى الجيش اللبناني والبرلمان والحكومة والديمقراطية عبارة عن وهم واكاذيب، أما من يحكم للبنان فعلياُ فهو الحزب الألهي المأتمر بأمر خامنئي.

لقد استطاع المحنك حافظ الأسد ان ينتزع هذه السطوة لهذا الحزب الإلهي عبر إتفاق الطائف المشؤوم, وعيون العرب تتفرج ولم تنبس ببنت شفه, ومنذ ذلك الحين اصبحت قوة نصرالله هي القوة الفاعلة الوحيدة بلبنان وتأتمر بأمر طهران, اما اللبنانيون فلم يبق لديهم من قوة سوى السنتهم والتي يتم قطعها اذا تجاوزت الخطوط الحمر التي اقرها الولي الفقيه, كما حصل مع اغتيال النائب جبران تويني ومحاولة قتل الصحفية مي شدياق.

قام الإمعة  بشار الأسد تنفيذاُ لتوجيهات وإستشارات الولي الفقيه بعدة محاولات لتصدير ازمته مع الشعب السوري الى دول مجاورة مثل لبنان وتركيا, من اجل توسيع  وزيادة معاناة السوريين وإطالة امد حكمه الزائل عاجلاً أم أجلاُ. 

فعلى الجانب التركي, قام هذا الإمعة  بعدة محاولات قصف للقرى التركية المحادية مع سوريا وقتل العديد من مواطنيها الآمنين, ولكن لحسن الحظ فهمت تركيا هذه المحاولات البائسة للولي الفقيه لتصدير ازمته وكسب الوقت, وكان الرد التركي بكثير من الحنكة والتأني ولم تنجر لهذا الفخ الإيراني وافشلت خطتهم بتدويل الحرب لانقاذ حكم بشار الاسد وبالتالي زيادة معاناة السوريين.

اما على الجانب اللبناني فقد أعترف حسن نصر الله أن طائرة التجسس التي كانت بدون طيار تم إطلاقها من لبنان من قبل حزب الله إلى الأجواء الاسرائيلية في مهمة استطلاعية. أي أن حسن نصر الله لم يبال لا بالدولة اللبنانية ولا بالشعب اللبناني  واعلن بكل وقاحة بانه الحاكم الفعلي للبنان, اما رئيسها ميشال سليمان، ورئيس وزرائها نجيب ميقاتي،  و كل السلطات الثلاث في لبنان والجيش اللبناني هي سلطات صوتية وليس لها اي اثر, فمن يقرر الحرب والسلام في لبنان هو الولي الفقيه الايراني وفقا لمصالحه الإلهية.
 
لقد اراد الولي الفقيه من هذه الطائرة والتي سموها “ايوب”  تصدير ازمة الاسد مع شعبه, الى الأجواء اللبنانية الإسرائيلية في محاولة لخلق بؤرة صراع جديدة في المنطقة لتخفف الضغوط على بشار الاسد، ولخلط اوراق اللعبة وإدخال إسرائيل  كطرف في القضية السورية , ومرة ثانية ولحسن الحظ لم تقع اسرائيل في الفخ، واكتفوا بإسقاط الطائرة دون أن يقوموا بأي إجراءات انتقامية.

عمليا هذه الطائرة ليس لها اي فائدة عسكرية, ويستطيع اي طالب هندسة ميكانيكية ان يبني مثل هذه الطائرة ويزودها بكاميرا تلفزيونية, وكل اجزائها متوفرة بالسوق العالمية ويمكن تجميعها وتركيبها بسهولة, بما فيها مواد الإخفاء ذات التقنية العالية, “والصور التي التقطتها موجودة بجودة اعلى بكثير على “جوجل ماب  على الانترنت

من هنا نستنتج بان الامعات نصرالله وبشار الاسد يقومون بألعاب صبيانية من رمي فيتشات على تركيا وطائرات هواة على اسرائيل لكي يظهروا للرأي العالم العربي بأنهم يمانعون اسرائيل, ولكن الانفتاح والانترنت افشلت محاولتهما البائسة, فالشعوب العربية اصبحت تعرف بانهم بهلوانان دجالان وهم يتوقعون في المحاولات التالية, ان يكشفوا عن عوراتهم ومؤخراتهم على شاشات التلفزيون اذا كان هذا يساعدهم على كسب الوقت من اجل قتل الشعب السوري وبناء ايران لمشروعها النووي.

 

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

الواجب الجهادي بين حسن نصرالله ويوسف القرضاوي

حصريا مفكر حر 16\10\2012

الجهاد بين حسن نصرالله ويوسف القرضاوي

Posted in ربيع سوريا, كاريكاتور | Leave a comment