جامعة الدول الإخوانية

مشاري الذايدي

 هذه الأيام اجتمع قادة الحركات الإسلامية في الخرطوم، برعاية نظام «أخيهم» الجنرال عمر البشير، من راشد الغنوشي من تونس إلى محمد بديع من مصر إلى خالد مشعل من فلسطين، وغيرهم، وتدارس القوم شؤون حركاتهم ومستقبل عملهم وكيفية النشاط والخطوات التي يجب انتهاجها في الفترة الحالية والمقبلة، فترة «التمكين»، بعد أن اقتعد الإخوان في مصر وتونس على عروش الحكم.

السودان له ميزة ودالة على بقية الحركات الأصولية السياسية، فهو «دار الهجرة»، وحاضنة المهاجرين من أبناء التيار، منذ أن سيطر عليه رفاق حسن الترابي، آخر الثمانينات، قبل أن يندلع الخلاف بين رفاق الأمس، بين الترابي والبشير وعلي عثمان طه.

التأم شمل قادة التيار الإخواني في العالم العربي، في مؤتمر شبيه بمؤتمرات الرفاق الدوليين الشيوعيين أو مؤتمر الاشتراكية الدولية، وهو اجتماع مبرر ومفهوم، فهم الأقرب لبعضهم في طريقة التفكير والمصالح، فمن المنطقي أن يتعاون المرء أو التيار مع من يشبهه في طريقة التفكير، وكما قال الشاعر التهامي:

والمرء منجذب، فلِمْ بيضُ الدمى عن بيض مفرقه ذواتُ نفار!

وهو ليس أول اجتماع يتدارس فيه أبناء التيار الواحد والمصالح الواحدة شؤونهم، فقبل أن يصل تلاميذ حسن البنا وسيد قطب إلى الحكم في مصر وتونس، وهناك صيغ أخرى للقاء والتشاور، إما عبر الاجتماعات التي تنعقد تحت راية رابطة العالم الإسلامي، وإما تحت راية تجمع عربي أو إسلامي رسمي، خصوصا في المناسبات التي لها علاقة بالنشاط التربوي الديني مثل حفظ القرآن أو غيره من المناشط. وهذه كلها صيغ علنية ورسمية، على الأقل في شكلها الظاهر، وأحيانا يكون الاجتماع عبر موسم الحج والعمرة، فهو خير وقت ومظهر للاجتماع، مناسبة دينية حاشدة وأعداد كبيرة من البشر، ولا أحد سيسأل أحدا عن سبب قيامه بعمرة أو حج، لكن من الصعب إثبات وقائع هذه الاجتماعات بسبب خصوصية المناسبة الدينية الحاشدة.

وبمناسبة ذكر الحج والعمرة، فمكة منذ القديم وهي تتمتع بهذه الخصوصية الموسمية في تجميع الآراء التنظيمية والفكرية والسياسية، وتدارسها، أي الطابع المؤتمري لها، خارج الإطار الرسمي والعلني، ومن هناك كان كتاب «أم القرى» لأحد أبرز النشطاء العرب ضد الهيمنة العثمانية التركية، في مطالع القرن المنصرم، وهو النهضوي العربي الكبير، ابن حلب، عبد الرحمن الكواكبي الذي توفي مهاجرا وهاربا في مصر 1902، وقيل إنه مات مسموما من قبل مخابرات السلطان عبد الحميد، وفي مرحلة المنفى المصري ألف كتابه الشهير المعنون بـ«أم القرى».

«أم القرى» كتاب سياسي كتبه «السيد الفراتي»، وهو اسم مستعار لعبد الرحمن الكواكبي. العنوان الثانوي للكتاب هو «ضبط مفاوضات ومقررات مؤتمر النهضة الإسلامية المنعقد في مكة المكرمة سنة 1316هـ». إلا أن هذا المؤتمر لم يحدث، وهو من بنات أفكار الكواكبي، ترويجا لفكرته في الوحدة الإسلامية، بقيادة العرب، ووجوب انعقاد الخلافة لهاشمي.

كتاب «أم القرى» كان عبارة عن أسلوب محاضر جلسات مؤتمر تخيل انعقاده في مكة لبحث شؤون المسلمين، وما ألم بهم وبالإسلام وطرق معالجة ذلك، يحضره علماء المسلمين وزعماؤهم، من اثنين وعشرين قطرا من أقطار العالم الإسلامي، قد اجتمعوا في مكة للحج. ويناقش المجتمعون أحوال المسلمين.

السيد الفراتي، الذي هو الكواكبي نفسه، يضع الإدارة «الشرفية» في المؤتمر للأستاذ المكي، لاعتبار الموقع المعنوي لمكة وأهلها.

الكتاب يورد أسماء أعضاء كثر من العالم الإسلامي، مع تفضيل للعرب، وبالذات أهالي الشام (سوريا، لبنان، فلسطين)، فهو يذكر الإمام الصيني والصاحب الهندي والخطيب القازاني والشيخ السندي والعارف التتاري، بل حتى السعيد الإنجليزي، والفقيه الأفغاني، والرياضي الكردي، والمدقق التركي، والمولى الرومي، والمجتهد التبريزي، وغيرهم. ويذكر أيضا: العلامة المصري، والكامل الإسكندري، والحافظ البصري، والعالم النجدي، والمحقق المدني، والحكم التونسي، والمرشد الفارسي.

لست أذكر إذا كان قال شيئا عن الكريم السوداني… مثلا.

الظروف كانت أيام الكواكبي ظروفا صعبة ومرحلة وجودية تمر بها المنطقة، فالخلافة العثمانية شمسها توشك على المغيب، والسلطان عبد الحميد يحاول أن يتدارك ما يمكن تداركه، ويلاحق أعداء «الجامعة الإسلامية» بقيادة الخليفة «التركي»، ونزعات الاستقلال لدى الرعايا العثمانيين تندلع، ليس العرب وحدهم، بل حتى غيرهم، وفي ظل هذا التجييش والتهيئة الثقافية، انفجر ما سمي بالثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين، شريف مكة (1916) بعد وعود براقة من الإنجليز للعرب، بمملكة كبرى وخلافة عربية، ذهبت كلها أدارج الرياح، مع تحقيق المصالح الحقيقية للإمبراطورية البريطانية العظمى، ومن معها من الحلفاء.

كانت الأحلام كبيرة، والأماني عالية، واللغة ساخنة، والشعور بحلول لحظة التغيير الثورية شعورا حادا وملحا، وفي هذا المناخ كان جمال الدين الأفغاني ومعه عبد الرحمن الكواكبي، والإمام محمد عبده، والأخير بعد عدة انتكاسات سياسية في المشاريع الثورية كره السياسة وتفرغ للإصلاح التربوي والديني.

هل نحن أمام لحظة مقاربة في مزاجها ووعودها ونكساتها؟!

التاريخ لا يكرر نفسه بالصورة ذاتها، لكنه يكرر المعنى أحيانا، مع فروقات يقتضيها الزمن وتطور الخطاب وتجدد التحديات، لكن دوما هناك لحظات يشبه بعضها بعضا، في الملامح العامة على الأقل، ومن ذلك لحظات الشعور بحلول التغيير الثوري «القيامي»، الملحمي، وتسارع المشاعر وغلبة الانفعالات العاطفية، والرهان على فعل ثوري سريع ما، يختصر الزمن، ويؤذن بدخول الناس أفواجا في عهد «الحرية والعدالة»، الإسلام المتخذ لحزب الإخوان في مصر، وفي مثل هذه اللحظات الخطرة والساخنة تولد زعامات وجماعات تسوق المشاعر إلى حيث تريد، تركب على حصان المشاعر الجامحة، لتترجم لك على شكل مكاسب سياسية وسلطوية دائمة.

ما يفعله تلاميذ حسن البنا الآن هو محاولة صيانة هذه المكاسب، والبحث عن السبل التي تديم هذه السلطة، وتجاوز تحديات المقاومين لسلطة الربيع الإخواني من المغرب إلى اليمن مرورا بتونس ومصر، وحتى ليبيا، وربما الأردن ومعها بؤر خليجية هنا أو هناك. ذهبت استثنائية اللحظة الثورية العمياء، ومن سبق لبق، ومن زرع حصد، ومن ركب نجا، ومن سبح عبر النهر، وغيض الماء واستوت على الجودي سفينة الإخوان.

بقي الآخرون في حالة ذهول ودهشة، كيف سرقتهم السكين الثورية في لحظة خطف وغياب؟! لقد قامت الآن جامعة إقليمية جديدة، جامعة الإخوان، بشكل غير مقنن ومباشر، الغرض منها حماية المكاسب وتنميتها، من مؤتمرهم في الدوحة إلى مهرجانهم في الخرطوم.

هم يقدرون ويخططون في لحظة ضياع وتشويش عربية، وصخب أصوات عالية، لحظة ترفع فيها المصاحف على أسنة الرماح، لاستخدام قوة المقدس في معركة غير مقدسة، لكن ستهدأ المحركات الهادرة ويهدأ الصخب الشعاراتي وافتعال المعارك الخشبية على الهوية مع الآخرين، ليتبقى الاستحقاق الثابت: ماذا فعلا عن «الحرية والعدالة»؟ ومعها التنمية أيضا والبناء.

ما ينفع الناس يبقى، ويذهب الزبد جفاء…

نقلا عن “الشرق الأوسط” اللندنية

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

غزة تعبير عن أزمة العقل العربي…

خيرالله خيرالله

لعلّ اخطر ما كشفته حرب غزة الدائرة حاليا، عمق ازمة العقل العربي. انّها ازمة مستمرّة منذ ما قبل قيام دولة اسرائيل في العام 1948 وقادت، اوّل ما قادت اليه، ترك عشرات آلاف المواطنين الفلسطينيين لمدنهم وقراهم ولجوئهم الى الدول العربية المجاورة في انتظار تحقيق الجيوش العربية انتصارها على “الكيان المسخ”. لم يتحقق هذا الانتصار. لم يعد هؤلاء اللاجئون الى بيوتهم وارضهم. لا يزال هناك مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين موزعين على مخيمات في لبنان وسوريا والاردن وغزة والضفة الغربية وحتى العراق…الى ما قبل فترة قصيرة.  لم يتعلّم الفلسطينيون، في معظمهم، شيئا من تلك التجربة المرّة ومن تجارب اخرى تلتها في الاردن ولبنان. كذلك، لم يتعلّم العرب أنّ عليهم الامتناع عن اعطاء وعود غير قابلة للتحقيق للفلسطينيين. هناك، في ما يبدو، اصرار لدى بعض العرب على خداع الفلسطينيين. نعم خداع الفلسطينيين!  في ضوء غياب الوعي الفلسطيني، يستطيع بعض العرب المتاجرة بالشعب الفلسطيني وقضيته الى ما لا نهاية. اتقن النظام السوري هذه التجارة وورثها عنه النظام الايراني الذي يتبادل الرسائل مع اسرائيل بصفة كونها “الشيطان الاصغر” ومع الولايات المتحدة بصفة كونها “الشيطان الاكبر” مستخدما شيئا اسمه ورقة الشعب الفلسطيني وقضيته. الشعب الفلسطيني ليس شيئا وقضيته ليست شيئا.  ولكن ما العمل عندما يتعلّق الامر بجهات تعتبرهما مجرّد ورقة؟ هل ما يفسّر قتل الفلسطيني في سوريا بهذه السهولة لمجرّد أنّه فلسطيني يرفض ان يكون من “شبيحة” النظام؟  كلّ ما في الامر، أن الشعب الفلسطيني وقضيته مجرّد ورقة ايرانية لا اكثر. المؤسف أنّ هناك فلسطينيين يصدّقون أن ايران تقف معهم وأنها ستعيد لهم القدس. هناك بين الفلسطينيين حاليا من يعتقد أنّه بات في الامكان الاعتماد على مصر لخوض حرب جديدة في المنطقة، في حين أنّ مصر في عالم آخر ولديها هموم مختلفة مرتبطة في كيفية الخروج من ازمتها السياسية- الاقتصادية- الاجتماعية العميقة. على مصر الاهتمام بالنمو السكّاني المجنون وبمياه النيل وكيفية المحافظة عليها، اضافة الى الوضع في سيناء والنشاط الارهابي فيها وعلاقة ذلك بغزة…  هناك معادلة تختصر المأساة الفلسطينية المتجددة. أنّها المعادلة القائمة على فكرة أن العالم العربي تغيّر وأن مصر الاخوان المسلمين افضل من مصر العسكر وأن ايران، المعادية لاسرائيل، صارت حاضرة في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان ومناطق عربية اخرى. لا يزال الفلسطينيون يحلمون بأن بعض العرب والايرانيين سيهبّون لنجدتهم. لا يفقهون أنّ الصواريخ الايرانية التي يمتلكونها ليست سوى وسيلة كي تقول طهران لكلّ من يعنيه الامر أنها صاحبة الكلمة الاولى والاخيرة في غزة وأنها تسيطر على جزء اساسي من “حماس”، اضافة الى وضع يدها على منظمات صغيرة تدور في الفلك الذي رسمته لها وأنّها غير مهتمة بغزة الاّ من زاويتين، لا ثالثة لهما. تتمثّل الزاوية الاولى في تأكيد أن طبيعة العلاقة التي تربطها بالاخوان المسلمين أمّنت تحويل جزء من هؤلاء تابعين لها خلافا لما يراهن عليه كثيرون من العرب. هناك عرب ظنّوا أنهم يمتلكون القدرة على استيعاب الاخوان. بعد الحرب الاخيرة في غزة، يتبيّن اكثر من أي وقت انّ ذلك ليس صحيحا بأيّ شكل من الاشكال. اما الزاوية الثانية، فانها تتمثل في أنّ الرهانات العربية، بما في ذلك المصرية على امكان اعادة بعض الفلسطينيين الى جادة الصواب، ليست في محلّها. هناك فلسطينيون يهللون لـ”حزب الله” اللبناني الذي ليس سوى لواء في”الحرس الثوري الايراني” لمجرد أنه يطلق شعارات ضدّ اسرائيل، في حين أن سلاحه موجّه الى صدور اللبنانيين. وهناك فلسطينيون يعتبرون ان الصواريخ التي اطلقت من غزة في اتجاه تل ابيب والقدس ستحرر فلسطين من البحر الى النهر او من النهر الى البحر، لا فارق.  الانكى من ذلك، أنّ هناك بين العرب من رفع شارات النصر منذ الآن، في حين أن غزة ساقطة عسكريا وأنّها تحت الحصار وأنّ هناك آلاف الفلسطينيين ما زالوا في العراء منذ حرب 2008-2009 التي قتل فيها فيها نحو الف واربعمئة فلسطيني، معظمهم من المدنيين والنساء والاطفال، فيما لم يقتل اكثر من عشرة اسرائيليين، اكثريتهم عن طريق الخطأ، اي بنيران “صديقة”.  أنها بالفعل ازمة العقل العربي الذي لا يريد ان يستوعب أن مختصر حرب غزة الدائرة حاليا هو أن ايران تريد القول للعرب أنها قادرة ايضا على استخدام الاخوان المسلمين تنفيذا لاغراض خاصة بها.  تبقى مشكلة العرب عموما، والفلسطينيين على وجه التحديد. هل المشكلة مشكلة ثقافة؟ هل هي عائدة الى هبوط في مستوى التعليم الى ذلك الحدّ الذي يجعل عربا وفلسطينيين يعتقدون أنّ صواريخ “حماس” وغير “حماس” تشكّل قوة ردع ستغيّر التوازن الاقليمي في المنطقة كلّها؟  أنها بالفعل مشكلة. هناك عرب وفلسطينيون لا يريدون الاعتراف بأنّ ليس في الامكان تحرير فلسطين من غزة وأنّ اسرائيل انسحبت من القطاع صيف العام 2005 للامساك بجزء من الضفة الغربية والقدس الشرقية بطريقة افضل.  هل من مجال للقول للفلسطيني البائس، الذي يهلّل للصواريخ التي تطلق من غزّة، أنّ كلّ ما يمكن أن تسفر عنه الحرب الدائرة حاليا هو تحوير الانظار عن الجرائم التي يرتكبها النظام السوري في حقّ شعبه؟ هل يمكن القول لكلّ من يعنيه الامر أنّ ايران تريد ابلاغ العالم أنها تمسك بغزّة وأن في استطاعتها اطلاق صواريخ في اتجاه اسرائيل ساعة تشاء وأنّ الاخوان المسلمين ليسوا بعيدين عنها وأنّ في استطاعتها استخدامهم ساعة تشاء بغض النظر عن مدى النفوذ المصري وغير المصري في غزة؟  ليس غريبا ما نشهده حاليا في غزة. هناك عرب وفلسطينيون لا يريدون أن يتعلموا شيئا من تجارب الماضي القريب. لا يريدون أن يتذكّروا ان في اسرائيل حكومة متطرفة تمارس ارهاب الدولة وأنّ العالم على استعداد للوقوف موقف المتفرّج امام ما ترتكبه آلة القتل الاسرائيلية.  لا يحفظ الدمّ الفلسطيني سوى القرار الفلسطيني المستقلّ. القرار الفلسطيني المستقلّ يعني في المرحلة الراهنة التصدي للمتاجرين بالقضية الفلسطينية اوّلا وعدم السقوط في فخّ المزايدات التي ادت الى هزيمة 1967 بعد نكبة 1948. هل في استطاعة الفلسطينيين وبعض العرب تعلّم شيء من النكبة والهزيمة…ام ما زال هؤلاء يراهنون على صواريخ “القاهر” و”الظافر” التي عرضها جمال عبدالناصر في القاهرة  قبل أن يخوض حربه مع اسرائيل…  

 المصدر ايلاف

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

اليهودية والصهيونية

عبد الوهاب المسيري

أنا أعتقد بأن إيمانهم المتوارث و الراسخ (سواء للمتدينين أو غير المتدينين منهم ) بكتابهم الذي يقول “هلك شعبي لعدم المعرفة ” و بكونهم متميزون عن كل من دونهم من شعوب العالم كونهم شعب الله المختار له أيضآ الدور الكبير في ذلك 

حقائق وأرقام

تعداد اليهود في العالم 14 مليون

التوزيع

7 ملايين في أمريكا

5 ملايين في آسيا

2 مليون في أوروبا

100 ألف في أفريقيا

تعداد المسلمين في العالم 1.5 مليار نسمة

التوزيع:

 6 ملايين في أمريكا

1 مليار في آسيا والشرق الأوسط

 44 مليون في أوروبا

 400 مليون في أفريقيا

خُمس سكان العالم مسلمون

لكل هندوسي واحد، هناك مسلمين اثنين في العالم   لكل بوذي واحد، هناك مسلمين اثنين في العالم   لكل يهودي واحد، هناك 107 مسلم في العالم   ومع ذلك، فـ 14 مليون يهودي هم أقوى من مليار ونصف مسلم   لماذا؟   لنستمر مع الحقائق والإحصائيات.. ألمع أسماء التاريخ الحديث:  

ألبرت إنشتاين: يهودي   سيجموند فرويد: يهودي   كارل ماركس: يهودي   بول سامويلسون: يهودي   ميلتون فرايدمان: يهودي   أهم الإبتكارات الطبية:   مخترع الحقنة الطبية بنجامين روبن: يهودي   مخترع لقاح شلل الأطفال يوناس سالك: يهودي   مخترع دواء سرطان الدم (اللوكيميا) جيرترود إليون: يهودي   مكتشف التهاب الكبد الوبائي وعلاجه باروخ بلومبيرج: يهودي   مكتشف دواء الزهري بول إرليخ: يهودي   مطور أبحاث جهاز المناعة إيلي ماتشينكوف: يهودي   صاحب أهم أبحاث الغدد الصماء أندرو شالي: يهودي   صاحب أهم أبحاث العلاج الإدراكي آرون بيك : يهودي   مخترع حبوب منع الحمل جريجوري بيكوس: يهودي   صاحب أهم الدراسات في العين البشرية وشبكيتها جورج والد: يهودي   صاحب أهم دراسات علاج السرطان ستانلي كوهين: يهودي   مخترع الغسيل الكلوي وأحد أهم الباحثين في الأعضاء الصناعية ويليم كلوفكيم: يهودي   اختراعات غيّرت العالم:   مطور المعالج المركزي ستانلي ميزور : يهودي   مخترع المفاعل النووي ليو زيلاند: يهودي   مخترع الألياف الضوئية بيتر شولتز: يهودي   مخترع إشارات المرور الضوئية تشارلز أدلر : يهودي   مخترع الصلب الغير قابل للصدأ الستينلس ستيل) بينو ستراس): يهودي   مخترع الأفلام المسموعة آيسادور كيسي: يهودي   مخترع الميكرفون والجرامافون أيميل بيرلاينر : يهودي   مخترع مسجل الفيديو تشارلز جينسبيرغ: يهودي   صناع الأسماء والماركات العالمية:   بولو- رالف لورين: يهودي   ليفايز جينز – ليفاي ستراوس : يهودي   ستاربكس- هاوارد شولتز: يهودي   جوجل- سيرجي برين : يهودي   ديل- مايكل ديل: يهودي.   أوراكل- لاري إليسون: يهودي   DKNY- دونا كاران: يهودية   باسكن وروبنز- إيرف روبنز : يهودي   دانكن دوناتس- ويليام روزينبيرغ: يهودي   ساسة وأصحاب قرار:   هنري كيسنجروزير خارجية أمريكي : يهودي   ريتشارد ليفين رئيس جامعة ييل: يهودي   ألان جرينسبان رئيس جهاز الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي: يهودي   مادلين أولبرايت وزيرة خارجية أمريكية: يهودية

جوزيف ليبرمان سياسي أمريكي : يهودي   كاسبار واينبيرجر وزير خارجية أمريكي: يهودي   ماكسيم ليتفينوف وزير شؤون خارجية لدى الاتحاد السوفييتي: يهودي   جون كي رئيس وزراء نيوزيلندا يهودي   ديفيد مارشال رئيس وزراء سنغافورة: يهودي   آيزاك آيزاك حاكم لاستراليا: يهودي   بنجامين دزرائيلي رئيس وزراء المملكة المتحدة: يهودي   ييفيجني بريماكوف رئيس وزراء روسي: يهودي   باري جولدووترسياسي أمريكي: يهودي   خورخي سامبايو رئيس للبرتغال : يهودي   هيرب جري نائب رئيس وزراء كندي: يهودي   بيير منديز رئيس وزراء فرنسي: يهودي   مايكل هوارد وزير دولة بريطاني: يهودي   برونو كريسكي مستشار نمساوي: يهودي.   روبرت روبين وزير الخزانة الأمريكية: يهودي   جورج سوروس من سادة المضاربة والإقتصاد: يهودي   وولتر أنينبيرغ من أهم رجال العمل الخيري والمجتمعي في الولايات المتحدة : يهودي   إعلاميون مؤثّرون:   سي ان ان- وولف بليتزر: يهودي   ايه بي سي نيوز- باربرا وولترز: يهودية   واشنطن بوست – يوجين ماير: يهودي   مجلة تايم- هنري جرونوالد: يهودي   واشنطن بوست- كاثرين جراهام: يهودية   نيو يورك تايمز- جوزيف ليليفيد : يهودي   نيويورك تايمز- ماكس فرانكل: يهودي   الأسماء الواردة أعلاه هي مجرد أمثلة فقط ولا تحصر كل اليهود المؤثرين ولا كل إنجازاتهم التي تستفيد منها البشرية في حياتها اليومية

حقائق أخرى:

في آخر 105 أعوام:

من بين 14 مليون يهودي فاز منهم180 بجائزةنوبل   وفي الفترة ذاتها من بين مليار ونصف مسلم فاز منهم ثلاثة بجائزة نوبل

المعدل هو جائزة نوبل لكل 77778أقل من ثمانين ألف يهودي وجائزة نوبل لكل 500000000خمسمائة مليون مسلم

لو كان لليهود نفس معدل المسلمين لحصلوا خلال الـ105 سنة الماضية على 0.028 جائزة نوبل.أي أقل من ثلث جائزة.

لو كان للمسلمين نفس معدل اليهود لحصلوا خلال الـ105 سنة الماضية على 19286 جائزة نوبل.

لكن هل يرضى اليهود بأن يصلوا لمثل هذا التردي المعرفي؟

وهل تفوقهم المعرفي هذا صدفة؟ أم غش؟ أم مؤامرة؟ أم واسطة؟

ولماذا لم يصل المسلمون لمثل هذه المرتبة ولهذه المناصب والقدرة على التغيير رغم الفارق الواضح في العدد؟

هذه حقائق أخرى قد تجد فيها إجابة عن هذه الأسئلة:

في العالم الإسلامي كله، هناك 500 جامعة.

في الولايات المتحدة الأمريكية هناك5758 جامعة!

في الهند هناك8407 جامعة!

لا توجدجامعة إسلامية واحدة في قائمة أفضل 500 جامعة في العالم

هناك 6 جامعات إسرائيلية فيقائمة أفضل 500 جامعة في العالم

نسبة التعلم في الدول المسيحية90%

نسبة التعلم في العالم الإسلامي40%

عدد الدول المسيحية بنسبة تعليم100% هو 15 دولة

لا توجد أي دولة مسلمة وصلت فيها نسبة التعليم إلى100%.

نسبة إتمام المرحلة الابتدائية في الدول المسيحية98%.

نسبة إتمام المرحلة الابتدائية في الدول الإسلامية50%

نسبة دخول الجامعات في الدول المسيحية40%

نسبة دخول الجامعات في الدول الإسلامية2%

هناك 230 عالم مسلم بين كل مليون مسلم

هناك 5000 عالم مسيحي بين كل مليون أمريكي

في الدول المسيحية هناك 1000 تقني في كل مليون

في الدول الإسلامية هناك 50 تقني لكل مليون

تصرف الدول الإسلامية ما يعادل0.2%من مجموع دخلها القومي على الأبحاث والتطوير

تصرف الدولة المسيحية ما يعادل5%من مجموع دخلها القومي على الأبحاث والتطوير

معدل توزيع الصحف اليومية في باكستان هو 23 صحيفة لكل 1000 مواطن

معدل توزيع الصحف اليومية في سنغافورة هو 460 صحيفة لكل 1000 مواطن

في المملكة المتحدة يتم توزيع 2000 كتاب لكل مليون مواطن

في مصر يتم إصدار 17 كتابا لكل مليون مواطن

المعدات ذات التقنية العالية تشكل0.9%من صادرات باكستان و0.2%من صادرات المملكة العربية السعودية و0.3%من صادرات كل من الكويت والجزائر والمغرب

المعدات ذات التقنية العالية تشكل68%من صادرات سنغافورة

الإستنتاجات:

الدول الإسلامية لا تملك القدرة على صنع المعرفة   الدول الإسلامية لا تملك القدرة على نشر المعرفة حتى لو كانت مستوردة   الدول الإسلامية لا تملك القدرة على تصنيع أو تطبيق المعدات ذات التقنية العالية   الخاتمة:

الحقيقة واضحة ولا تحتاج لأدلة ولا براهين ولا إحصائيات. لكن بيننا من يناقض نفسه وينكر ما هو أوضح من الشمس. نعم اليهود وصلوا لما وصلوا إليه لأنهم تبنوا التميز المعرفي وقاموا باعتماده دستورا لأبنائهم. الأسماء الواردة أعلاه لم تصنع خلال يوم وليلة. أصحاب هذه الأسماء تم تكوينهم بشكل صحيح. وتعرضوا لكثير من الصعوبات حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه. لم يولدوا وفي أفواههم ملاعق ذهبية. كلنا نعرف قصة آينشتاين وفشله في الرياضيات وإديسون وطرده من المدرسة لأنه (غير قابل للتعلم) وغيرها من القصص. فلنتوقف عن خداع أنفسنا بأن اليهود يسيطرون على العالم فقط لأنهم يهود…. أو فقط لأن الغرب يحبهم.

اليهود إمتلكوا العالم بعد دراسة وتخطيط ونظرة مستقبلية اقل ما نستطيع وصفه بها بأنها عبقرية. اليهود حددوا أهدافهم وعلى رأسها التميز المعرفي. القدرة على خلق المعرفة واكتشافها واختراعها. ثم التفضل بنشرها للغير والإحتفاظ بحق الأسبقية وشرف إنارة الطريق أمام العالم. اليهود سادة العالم في الإقتصاد والطب والتقنية والإعلام. تحدثت في السطر السابق عن “حب” الغرب لليهود. فهل لاحظنا أن أشهر الكوميديين الغربيين يهود؟ حتى في الإضحاك تميزوا….

فأين نحن من هذا كله؟ من السهل أن تقرأ أسطري هذه وتلقي باللوم على الحكومة أو على أجيال من القادة العرب الإنتهازيين. وعلى سنين من القهر والإستعمار والاحتلال. لكن بفعلك هذا تكون قد أضفت قطرة جديدة من محيط من ردود الأفعال الإسلامية السلبية التي أوصلتنا لما نحن عليه اليوم. دع عنك التذمر والسلبية ولوم الغير وابدأ بنفسك. هل فكرت في نشر المعرفة يوما؟ هل تعرف شيئا لا يعرفه غيرك؟ لماذا لا تشارك الجميع بما تعرف؟ فهذه خطوة نحو التكامل المعرفي  

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | 1 Comment

بشار الأسد لعائلة قصار: الذي حبسه يحاكمه ويقرر ما إذا كان يستحق الحرية أم لا

شبح باسل الأسد يطارد فارساً سورياً نافسه

 بشار الأسد لعائلة قصار: الذي حبسه يحاكمه ويقرر ما إذا كان يستحق الحرية أم لا  

العربية.نت

 في نفس التوقيت من كل عام، يتم إخراج عدنان قصار من زنزانته في سجن تدمر، ليعذب ويسحق تحت البساطير وليترك على هيئة بقايا جسد، ولم يكن يدري لماذا يختار سجانوه هذا التوقيت بالتحديد، واستغرق الأمر أكثر من خمس سنوات حتى علم من معتقل جديد أن موعد تعذيبه هو ذكرى وفاة باسل الأسد، فأدرك أن لعنة “المعلم” تلاحقه حتى بعد رحيل باسل.

وكان عدنان قصار كابتن المنتخب السوري للفروسية في عام 1992، ووفقاً لحديث دار بينه وبين المعتقل السابق (د.س) يعود لعائلة قصار الفضل في تأسيس نادي الفروسية في الديماس، وكان الكابتن عدنان يعيش شغفه إلى أقصاه، فهو وأخوته لا يغادرون النادي، إلى أن بدأ الكابوس بدخول باسل الأسد إلى نادي الفروسية.

غيرة باسل الأسد وقلة خبرته تسجنان عدنانووفقاً لقصار كان باسل الأسد لا يدري الكثير عن الفروسية وكيفية التعامل مع الخيل، ورغم ذلك أراد فرض رأيه على النادي، حيث صار يتدرب ويتصرف على أساس أنه فارس متمرس، ويملي تعليماته على المنتخب. وأزعج الأمر عدنان، خاصة عندما بدأ باسل الأسد يتدخل في تفاصيل المنتخب، ويحدد نوعية الخيول التي يريد شراءها للمنتخب.

وحسب ما روى قصار للمعتقل السابق (د.س) فإنه في هذه الفترة كان يلعب مع المنتخب السوري، وحصل على العديد من الجوائز على مستوى المتوسط، ما زاد من حقد باسل الأسد عليه.

أما نقطة الفصل في خلافهما، فكانت أثناء دورة المتوسط 1992، حيث المنافسة شديدة بين الفرق. ومن المعروف أن الفوز في لعبة الفروسية يكون من خلال تجميع كل فريق نقاطاً يحصلها فرسانه. وحكى قصار لـ(د.س) ما حدث يومها، عندما ارتكب باسل أكثر من خطأ مما سبب خسارة كبيرة في نقاط الفريق، في حين تمكن قصار أثناء جولته من رفع معدل الفريق حيث لم يرتكب أي خطأ، وفاز الفريق السوري بفضله، وحصل قصار على شارة الكابتن من باسل الأسد.

وهذا الفشل لم يوقف باسل الذي ازداد تطاولاً على قصار وعلى الفريق. وبعد مرور عام على الحادثة كان قصار في النادي ومعه حقيبة فيها مستلزماته، ينتظر خروج باسل الأسد من الحلبة، ولكن بعد دخوله إلى الحلبة بدقائق، فوجئ بالأمن داخل الحلبة يعتقلونه من على حصانه.

“لولا الخبز والملح لكنت أعدمتك”وروى (د.س) أن الأمن عندما حقق مع قصار، سأله إن كانت الحقيبة تخصه، فأجاب بنعم، ليفتحوها ويكتشفوا أنها ممتلئة بالمتفجرات، فألصقت بالخيال تهمة محاولة اغتيال باسل الأسد، وتهمة حيازة متفجرات في سيارته، ونقل بعد التحقيق من الأمن العسكري إلى سجن صيدنايا حيث بقي 11 شهراً، في جناح يدعى “الباب الأسود”، وهو عبارة عن مهجع مخصص للمعتقلين المعزولين.

وأشار (د.س) إلى أن قصار لم يتعرض للضرب أو التعذيب أثناء التحقيق، إلا أنه بعد أن أنكر التهم الموجهة إليه، أجابه المحققون “سنراجع المعلم بحكم الزمالة التي تجمعكما”، فأرسل له باسل الأسد خبراً جاء فيه: “ما قمت به شيء كبير، ولولا الخبز والملح الذي يجمعنا، لكنت أعدمتك في ساحة العباسيين، إلا أنني سأعفو عن إعدامك!”.

ووصف (د.س) عدنان بأنه فارس حتى بصفاته وبقدرته على تمالك نفسه، فالسجن لم يتمكن من النيل من عزة نفسه، على الرغم من الأهوال التي مرت عليه، راوياً أن ذات مرة تم تكبيل قصار ووضعه في كيس خيش في ساحة السجن، حيث بدأ البعض بضربه لأكثر من ست ساعات متواصلة، متسببين بكسورٍ في سائر أنحاء جسده، كما كسر فكه السفلي بشكل كامل. ومن تم نقل الخيال وهو يغرق بدمه في الكيس إلى سجن تدمر، حيث أبقي فترة طويلة في السجن الانفرادي ثم وضع مع الإخوان المسلمين.

ورفض قصار الموت البطيء الذي يتسلل إلى أجساد مساجين تدمر، وعلى الرغم من أن عذاب باسل الأسد ظل يلاحقه، قرر الاستفادة من كونه خريج قسم اللغة الإنكليزية في بريطانيا، فبدأ بتدريس المعتقلين الإنكليزية.

“الذي حبسه يحاكمه”وفي عام 2000 كان ضمن خطة بشار الأسد “الإصلاحية” إغلاق سجن تدمر ونقل السجناء إلى صيدنايا، حيث تحققت نقلة نوعية في حياة عدنان، حيث أعفاه الأمن من التعذيب في ذكرى وفاة باسل الأسد.

وبعد سنوات عدة تمكن أهل قصار من الوصول إلى بشار الأسد عن طريق اتحاد الفروسية الدولي، وطلبوا منه إطلاق سراح عدنان فرد عليهم: “الذي حبسه يحاكمه، ويقرر ما إن كان يستحق الحرية أم لا”.

وختم (د.س) قائلاً: “إن الحرية تتجسد عند عدنان بركوب الخيل، فطالما يحلم بأنه يقود الفرس من جديد، ولذلك يحافظ قصار على لياقته الجسدية في السجن، على أمل أن يخرج ويعود إلى ركوب الخيل”. ويهوى عدنان قصار، الموجود حالياً في سجن عدرا، رسم الخيول بالفحم، وهو ينحت الخيول بالصابون العسكري.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

رسالة إلى حماس.. انتبهوا

  نادين البدير

 كان هذا عنواناً لمقال كتبته فى بداياتى الصحفية، أنتقد به البعثات «الانتحارية» التى كان قادة حماس ينفذونها فى مدنيى إسرائيل بواسطة مراهقين وصبية يافعين، بعضهم لم يتجاوز الثالثة عشرة. تعمدت استخدام «انتحارية»، لأن الصبى الصغير لم يملك أمره ليختار الشهادة من عدمها. كان الشيخ أحمد ياسين قد استشهد للتو، فذكرت بالمقال: ما الذى سيمنع من محاولة اغتيال عبدالعزيز الرنتيسى بصاروخ، ومن المستفيد من كل هذا؟

ويشاء القدر أن يستشهد الرنتيسى بعد أيام من المقال بصاروخ إسرائيلى، وجاءتنى الردود والهجمات، لكن أهمها الذى أرجع له الفضل فى قوة عزيمتى طوال فترتى الكتابية التى تلتها واستطاعتى الصمود أمام هجمات كثيرة تعرضت لها وكان يمكن، لشراستها، أن توقفنى عن الكتابة، هو لكاتب نشر حينها عبر المواقع الإنترنتية مقالا عنى.

كان مقاله فى غاية الدناءة. لم أكن قد تعرفت بعد على حياة الكتابة الجديدة بكل تفاصيلها، التى من أهمها تقبل الشتائم، خاصة تلك التى لم أسمعها فى حياتى، أو التى ظننت أنها محصورة فى طرقات متدنى الأخلاق، لا يجرؤون على نقلها للورق والإنترنت.

كان المقال تعليقا طويلا من أحد الإسلاميين يحمل عنواناً صادماً ومضمونا مريعا، وملخصه أن الأنثى أدنى وأحط من أن تتجرأ فتكتب عن المقدسات السياسية والدينية. فسيولوجية الأنثى تمنعها من الكتابة عن الرموز.

دماء الأنثى النجسة تمنعها من الكتابة عن دماء الشهداء ولا تسمح لها بالتساوى مع الرجل والخوض فى شؤون السياسة. هكذا يستخدم المتطرفون أساليب إحراج الأنثى، كيلا تكتب وتقع فى الخطيئة مرة أخرى.

لكن غاية إحراجى لم تتحقق. فأنا لا أتوب وأكتب عن حماس. هذه المنظمة الإخوانية التى تسلمت قطاع غزة منذ سنوات، وتتخذ من الكفاح المسلح شريعة وقانوناً حياتياً فى تعاملها مع إسرائيل. توجه لها تهم الإرهاب والتطرف وهى باقية لا تتزحزح.

«حماس» لا تنتبه كثيراً. هكذا يقول الفريق الذى يؤمن بأن السلام هو الحل، وبأن الحروب التى تشنها الحركات والأحزاب الإسلامية بفلسطين ولبنان لم يستفد منها الإنسان العربى غير التهجير والقتل والتدمير، ويعود أبناء حماس لتذكيرهم: وماذا استفدنا من طاولة المفاوضات غير الخنوع ومسح الكرامة لأبعد مدى؟ ويرد فريق السلام: بل أنتم من أفسد المفاوضات.. ويستمر الرشق.

فكيف تحل المسألة؟

لقائى مع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسى للحركة، أعادنى لفترات مضت.. حنكته وتمرسه السياسى وانتماؤه الإخوانى تمنح أجوبته بعداً سياسياً ودينياً تهوى الجموع العربية سماعه. مازلت ضد التنظيمات التى تتخذ طابعاً دينياً، لأن القومية فى نظرى تجمعنا أكثر، خاصة مع تعدد الطوائف والأديان فى المنطقة. وضد القتل وضد مشاهد الدماء، لكن إسرائيل لا تلتزم بكل قواعد السلام، إسرائيل تخون، ويستحيل أن تنفذ بنداً لغير مصلحتها. والاستيطان لا يتوقف. فهل نستمر فى المفاوضات؟ أبومازن يصر على أنه لا حل إلا على طاولة المفاوضات. وأنا معه فليس أفضل من السلام حلا، لكن المفاوضات لم ترجع كرامة العربى.

فما الحل؟ يقسم خالد مشعل بأنه لا حل غير الكفاح المسلح، لكن العدة الإسرائيلية أقوى من عدة حماس ومن العدة العربية جمعاء، سواء الفكرية أو العسكرية أو الثقافية أو الاقتصادية. القتال يضعف المسكين الذى عاش زمنا تحت الحصار فى غزة، وحرم من مقومات الحياة، والسلام يضعف كل المواقف، والنزاع بين القادة الفلسطينيين لا يدع أى بادرة نصر تتحقق تماماً كالنزاع بين الفصائل اللبنانية. والضحية المعتادة المواطن المغلوب.

أعود إلى «مشعل» وانتقادات لا تنتهى ومديح لا ينتهى «(مشعل) انتقل من الحضن السورى للحضن القطرى، (مشعل) يقود الإرهاب».

أختلف معه أم أتفق. أؤمن بـ«حماس» أم أكفر بها، لكن خالد مشعل بعيداً عن واقع غزة المأساوى وبعيداً عن بقية القيادات الحماسية، وبعيدا عن ظلم الإسلام السياسى، خالد الشاب مهما بلغ عمره يشعل روح النضال فيمن يجادله. يحاول إعادة أكسجين الحرية الذى افتقدته الملايين. صاحب الرقم الهائل من المعجبات خرج من سوريا كرمى للثورة، وعاد للتنقل فى المنفى حاملا معه الأمل.

بعد مقابلته تذكرت كل الصعوبات التى مررت بها مع الرأى العام، والتى لا تقارن بصعوباته، تنفست جرعة جديدة من الحرية. وقررت أنى سأبدأ من جديد وبجرأة تفوق جرأتى السابقة. هل يمكن لإسلامى مثله أن يمنح ليبرالية مثلى جرعة من الحرية؟ هذا ما حدث.

أجمل ما يقوله هذا الإسلامى بالفم الملآن: لن نستسلم. وأردد خلفه: لن أستسلم.

nadinealbdear@gmail.com  

منقول عن المصري اليوم

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, فكر حر | Leave a comment

الشيخ الصغير يريد يصير كبير بحب الحسين

محمد الرديني

مولانا الشيخ جلال الصغير. خطبتك يوم الجمعة الماضية كانت أكثر من رائعة خصوصا وانت تشتم اللصوص والحرامية وقطاع أرزاق الناس وواصحاب النصب والاحتيال حتى على اقرب الناس لهم (مسكين أبو إسراء). لكن أريد انقل لك بعض ما يرددونه أولاد الملحة هذه الأيام خصوصا وانت تعرف أنهم مسلمون عن اب وجد وحتى عاشر ظهر ولهذا فاحاديثهم لا تخلوا من فائدة إذا أصغينا لهم بحسن نية. يكولون انت راح تساهم بقتل الابرياء اللي جايين للزيارة.. شلون؟ انت كلت في خطبتك ان الارهابيين لايثنوننا عن ممارسة طقوسنا الدينية وزيارة الائمة المطهرين. وهذا الكلام جميل لو كان في وضع امني سليم وحكومة تحافظ على ارواح الناس.. كنا نتمنى ان تكون شجاعا وتقول باعلى صوتك “ياشيعة آل البيت لا تزوروا هذه السنة حفاظا على حياتكم وصلّوا في بيوتكم وانووا للزيارة فقط وادوا الطقوس التس تريدونها وانتم ايضا في بيوتكم”. تدري مولانا وانت تلقي الخطبة مالتك استشهد واصيب 28 زائرا عراقيا وإيرانيا اثر انفجار سيارة مفخخة استهدفت تجمعا للزائرين وسط قضاء بلد. وكنت متحمسا في تلك الجمعة حين صرخت: ان وجدتم ان انفاسنا ستكتم بمجرد تفجير مفخخات اوعبوات فانكم مشتبهون تماما، قتلتم الحسين عليه السلام وجزرتم اهل بيته عليهم السلام بصورة لم يحظ التاريخ بابشع من هذه الصورة ولكن ما الذي حصل نادى مناديكم اقتلوهم ولم يبق لهذا البيت من باقية ما الذي حصلتم وما الذي جنيتم. مولانا هذا الكلام مايكوله الا واحد أمي من الهور عنده عاطفة جياشة لأهل البيت مو انت الرجل المرجعي والمعروف في اوساط النجف وما حولها.. لماذا تنظر الى الارهاب بالعين الصغيرة وتقول انه مجرد تفجير مفخخات وعبوات؟. تدري مولانا لو عاد الامام الحسين هذه الايام لقتلناه وبكينا عليه مرة اخرى؟. ارجوك بس اتصل بوزير حقوق الانسان العراقي وأساله كم عدد ضحايا الارهاب منذ العام 2003 وحتى الان واذا تشوفها ثقيلة عليك انا راح اخبرك. قبل 3 أشهر أعلنت وزارة حقوق الإنسان في العراق ( 12 اغسطس/آب) ان عدد ضحايا العمليات الارهابية منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ولغاية الآن وصل الى 70 ألف قتيل و250 ألف جريح، وهي أقل من نصف ما أعلنته منظمات دولية محايدة في محاولة لإعطاء صورة مغايرة عن واقع الموت اليومي في العراق. نقطة نظام: المنظمات الدولية المحايدة تقول ان ضحايا الارهاب بلغ 162 ألف قتيل. شفت مولانا، واذا عندك حاسبة يمكن تجمع عدد الارامل اللواتي ترملن والاولاد والبنات اللي اصبحوا ايتام، وبعد كل هذا تكول بعظمة لسانك احنا ما يهمنا لا المفخخات ولا العبوات النافسة.. شنو مولانا جاي نلعب اتاري؟طبعا انت ما يهمك لأنك وراك 20 رجل حماية (بالمناسبة منين تدفع لهم رواتب.. من الخمس مو؟) اما هؤلاء الفقراء الزوار فحتى الله لم يحميهم بسببكم. والله مولانا كل العراقيين وبكافة اديانهم يحبون آل البيت ويكّنون احتراما خاصا للامام الحسين ولكن مولانا لماذا تريدهم ان يموتوا بهذا الشكل؟هل عجزتم عن ايجاد طريقة لحفظ ارواح الناس غير هذه التجمعات التي اصبحت هدفا سهلا للارهابيين؟. فاصل مشاكس: احد المشاغبين ارسل لك سؤالا ارجو الاجابة عليه بدون الاستعانة بصديق.. هل كنت متحمسا ضد الدولة وقراراتها حين كنت عضوا بارزا في الحرس القومي في مدينة الكاظمية ايام الستينات؟.    تواصل مع محمد الرديني فيسبوك

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

حوار مع القرضاوي 11: هل العلمانية ضد إرادة الشعب؟

عبد القادر أنيس

قراءة في كتاب ( الإسلام والعلمانية وجها لوجه، للدكتور يوسف القرضاوي).
الإسلام والعلمانية وجها لوجه، للدكتور يوسف القرضاوي
انقطعت، منذ عدة شهور، هذه السلسة من المقالات حول كتاب الدكتور يوسف القرضاوي المشار إليه أعلاه لأسباب خاصة، وها أنا أواصل اليوم الحلقة الحادية عشر التي تمحورت على فصل تحت عنوان “العلمانية ضد إرادة الشعب”. حسب تعبير القرضاوي. (ص 78-85). كان هدفي منذ البداية هو تسليط الضوء على ما يسميه البعض العقل الإسلاموي (نسبة إلى ما يعرف بالإسلام السياسي الذي نشرته حركة الإخوان المسلمين) والذي أحدث دمار حقيقيا في الساحة الفكرية والسياسية العربية والإسلامية، خاصة بعد الضعف الذي أصاب القوميين واليساريين في بلداننا. من أهم مميزات هذا العقل، حسب رأيي، الخداع والغش والاحتيال وتشويه الحقائق وأسلمة إنجازات الغير ونسبها إلى الإسلام وقدر كبير من الجهل ممزوجا بالسذاجة، كما سنرى. يستهل القرضاوي هذا الفصل بقوله: “وكما أن العلمانية ضد الدستور نصا وروحا، فهي كذلك ضد إرادة الشعب، ضد الدعوة إلى الديمقراطية”. وكنت في آخر حلقة (العاشرة) قد تناولت بالنقد والتفنيد زعم القرضاوي بأن العلمانية ضد الدستور:

حوار مع القرضاوي 10: هل العلمانية ضد إرادة الشعب؟

فهل العلمانية “هي كذلك ضد إرادة الشعب، ضد الدعوة إلى الديمقراطية”؟ حسب ما كتبه. يقول القرضاوي بعد هذا الحكم الحاسم: “والعلمانيون يباهون بأنهم ديمقراطيون، وأنهم أنصار الديمقراطية ودعاتها، والديمقراطية هي النزول على إرادة الشعب، وقد قال بعضهم: إن إرادة الشعب من إرادة الله! فما بالهم هنا – في قضية تحكيم الشريعة- يخونون مبدأهم، الذي اتخذوه شعارا لهم؟! ويحاولون أن يثنوا عنان الشعب عما يؤمن به، ويعتقد أنه وحده حبل النجاة، وسفينة الإنقاذ، وهو العودة إلى شرع الله”. ثم يقول: “والحق أن العلمانية معادية لإرادة جماهير شعبنا في مصر خاصة، وفي سائر البلاد العربية والإسلامية عامة، وأن تحكيم شرع الله في دنيا الناس مطلب شعبي، تنادى به الجماهير من شتى الطبقات”. ثم يقول: “وهذا ما تبين ـ بجلاء ـ في انتخابات “مجلس الشعب” الأخيرة في مصر “1984م”، قد تبنت الأحزاب كلها، حزب الحكومة، وأحزاب المعارضة، الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية…” وقبل أن أتدخل لدحض أغاليط القرضاوي أحيل الكلمة للدكتور فؤاد زكريا، حسب ما أورده القرضاوي في كتابه هذا الذي يتعرض فيه للحوار الذي جرى أواسط الثمانينات، بين العلمانيين والإسلاميين في مصر. يقول القرضاوي: “ولم يستطع د. فؤاد زكريا محامي العلمانية، أن ينكر القاعدة العريضة، التي تنادي بتحكيم الشريعة، بل اعترف بذلك على مضض، فقال في ختام كتابه “الحقيقة والوهم”: “إن كثيرا من المعترضين على مقالاتي، فقد تمسكوا بالحجة القائلة: إن تطبيق الشريعة هو ـ الآن ـ مطلب شعبي واسع النطاق، ولست أملك أن أخالف رأيهم في هذه المسألة، ولكن كل ما أستطيع أن أرد به عليهم، هو أننا نشأنا في بلد إسلامي، وظللنا عشرات السنين لا نعرف إلا مواطنين متدينين معتدلين، يمارسون العبادة من خلال العمل، والكفاح في سبيل النهوض بأنفسهم ومجتمعهم، ولم تكن صيحة المطالبة بتطبيق الشريعة، إلا صيحة خافتة، لا تأثير لها على المجرى العام لحياة الناس. هذه هي صورة الدين، كما عرفه شعبنا طوال أجيال عديدة، أما الموجة الحالية، فإنها برغم انتشارها الواسع، ظاهرة جديدة ودخيلة على التدين المصري العاقل الهادئ! وكأي ظاهرة دخيلة، ينبغي علينا أن نتعقب أسبابها إلى عوامل طارئة”. انتهى. الانتهازية والتحايل أو ربما الجهل في موقف القرضاوي حول الديمقراطية وحول مفهوم المطلب الشعبي نتعرف عليها من خلال تتبع مواقف الإسلاميين من الديمقراطية التي تدرجت من الرفض الصريح إلى القبول المخاتل والمتحفظ على أهم ركائزها. رفضها مؤسسو حركة الإخوان المسلمين ابتداء من حسن البناء وأبي الأعلى المودودي وسيد قطب وانتهاء بعلي بلحاج الجزائري. كان مجرد التلفظ بها يثير حفيظتهم ويطلق العنان لمخزونهم القروسطي المعادي لها ولكل الحريات. ثم راحوا يستمرئونها بعد أن ضمنوا ولاء جماهير واسعة في مجتمعاتنا. ولكنهم كلهم لا يقبلون من الديمقراطية إلا جانبها الانتخابي الذي يوصلهم إلى السلطة، أما مقومات الديمقراطية الأخرى من حريات مختلفة في الاعتقاد والتعبير والإعلام والفن فهم يستهجنونها ويرفضونها باعتبارها أفكارا وممارسات وافدة بل هي عندهم تشبه بالكفار واليهود والنصارى. وأهم ما يرفضه الإخوان هو فلسفة الديمقراطية كأفكار حديثة قائمة على نسبية الحقيقة وقابلية كل شيء للتطور والتغير، بينما هم يتمسكون بأفكار يرونها مقدسات وثوابت لا يجوز المساس بها. موقف حسن البنا من الأحزاب، والتعددية الحزبية حكم الإسلام في الديمقراطية والتعددية الحزبية

 قال: “ويعتقد الإخوان كذلك أن هذه الحزبية قد أفسدت على الناس كل مرافق حياتهم وعطلت مصالحهم وأتلفت أخلاقهم، ومزقت روابطهم، وكان لها في حياتهم العامة والخاصة أسوأ الأثر، كما يعتقد الإخوان أن هناك فارقاً بين حرية الرأي والتفكير والإبانة والإفصاح، والشورى والنصيحة وهو ما يوجبه الإسلام، وبين التعصب للرأي والخروج على الجماعة، والعمل الدائب على توسيع هوة الانقسام في الأمة .. وهو ما تستلزمه الحزبية ويأباه الإسلام ويحرمه أشد التحريم، والإسلام في كل تشريعاته يدعو إلى الوحدة والتعاون “. وقال: “أحب أن أقول: إن الإخوان يعتقدون من قرارة نفوسهم أن مصر لا يصلحها ولا ينقذها إلا أن تنحل هذه الأحزاب كلها، وتتألف هيئة وطنية عامة تقود الأمة إلى الفوز وفق تعاليم القرآن الكريم” .. وقال: “أيها الأخوان لقد آن أن ترتفع الأصوات بالقضاء على نظام الحزبية في مصر، وأن تستبدل به نظام تجتمع به الكلمة وتتوحد به جهود الأمة حول منهاج إسلامي صالح تتوافر على وضعه وإنفاذه القوى والجهود” .. “ولم يعد الأمر يحتمل أنصاف الحلول، ولا مناص بعد الآن من أن تحل هذه الأحزاب جميعاً وتجتمع قوى الأمة في حزب واحد يعمل لاستكمال استقلالها وحريتها، ويضع أصول الإصلاح الداخلي العام ثم ترسم الحوادث بعد ذلك للناس طرائق في التنظيم في ظل الوحدة الـتي يفرضها الإسلام” انتهى . في الجزائر، رفضتها جميع الأحزاب الإسلامية التي تأسست بعد تزكية دستور 1989 من طرف الشعب. أكثرهم صراحة كفرها مثل جبهة الإنقاذ، بينما رفضها الآخرون بحجة أن في ديننا تغنينا الشورى بوصفها أفضل من الديمقراطية، وأكثر الأحزاب تفتحا (حزب حماس (حمس حاليا) لمحفوظ نحناح) استبدلها بلفظة “الشوراقراطية “. طبعا حسن البنا فيما بعد، ورغم استمرار معارضته للتعددية الحزبية، لم يكن يعارض الانتخابات البرلمانية في ظل دستور شبه علماني لم يكن راضيا عنه وقبله على مضض. لكن، حسب تعبيره، فإن “مؤاخذاتهم علي الدستور يمكن تغييرها بالطرق التي وصفها الدستور نفسه، أي بالأسلوب الديمقراطي” وهو ما يعني عند البنا أنه يمكن قبول الديمقراطية في جانبها الانتخابي فقط ريثما يستولون على السلطة ثم يغيرون الدستور أو حتى يلغونه كما في السعودية أو يضعون أنفسهم فوقه كما في الدستور الإيراني الذي يعطي صلاحيات واسع لولي الفقيه غير المنتخب تجعل مؤسسة الرئاسة ومجلس الشورى مجرد ديكور للتعمية. ثم يقول القرضاوي منتقدا فؤاد زكريا: “وفي (التقديم) الذي وضعه لكتابه، (يقصد كتاب فؤاد زكريا) عاد للموضوع فقال: إن الدعوة إلى تطبيق الشريعة، التي تعلو أصواتها في الآونة الراهنة، ترتكز – بلا شك- على قاعدة جماهيرية واسعة، وكثير من أنصارها يتخذون من سعة الانتشار هذه حجة لصالحها، ويستدلون على صحة اتجاههم، من كثرة عدد أشياعهم وأنصارهم”. القرضاوي لا يبتعد كثيرا عن موقف حسن البنا وهو يقول معلقا على كلام فؤاد زكريا “فمن رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، ليس له إلا الانقياد إلى ما شرع الله، والرضا بما حكم الله، وإلا راجع إيمانه”. وهو ما يعني أن لا مكان في دولته الإسلامية لغير المسلم والملحد والعلماني ووالمعارض. ثم يقول القرضاوي كلاما أكثر صراحة: “وإنما يتخذ دعاة الشريعة من كثرة أشياعهم حجة عليكم، لأنهم يحاكمونهم إلى منطقكم، الذي تؤمنون به، ولا تختلفون فيه، وهو منطق الديمقراطية، الذي يحتكم إلى أصوات الأغلبية، فما رضيته الأغلبية، فهو المحكم، وهو المعمول به، فالأمة التي تمثلها الأغلبية هي مصدر السلطات”. يقول القرضاوي “منطقكم” الديمقراطي وهو ما يعني أنه ليس منطق الإسلاميين. والقرضاوي مازال حتى الآن يتبنى هذا الأسلوب المراوغ. نقرأ له في: موقع اسلام اون لاين “إن الديمقراطية الحقيقية هي من روح الإسلام وتعاليمه”. ويقول: “”نحن نريد لأمتنا أن تسير مسيرة الحرية والديمقراطية، شريطة أن نفهم الديمقراطية بضوابطها؛ فنعرف أنها ديمقراطية المجتمع المسلم الذي يؤمن بالإسلام مرجعا له، ويؤمن بالشريعة حاكما له، ويؤمن بالقيم الإسلامية موجهة له، ويؤمن بالعقيدة الإسلامية أساسا لهويته”. فأي بؤس هذا الذي يتخبط فيه الفكر الإسلامي عند أكبر ممثليه الذي يوصف بالاعتدال. هل يعني هذا أنه يجب أن يقوم في مصر “ديمقراطية المجتمع المسلم” وديمقراطية المجتمع المسيحي، وديمقراطية خاصة بكل طائفة ومذهب؟ ومع ذلك يقول أيضا: “لماذا يقولون بأن الإسلام يرفض الديمقراطية، ونزل على رأيها (الأكثرية) سيدنا عمر في قصة الستة أصحاب الشورى؟”. هنا يجتمع البؤس مع السذاجة مع نية مبيتة لاستغفال الناس، عندما يتستر بمكر على كون عمر قد استولى على الخلافة عن طريق التعيين من أبي بكر كنوع من رد الجميل لأنه كان أول المبادرين إلى مبايعة أبي بكر وقطع الطريق عن كل طامح آخر بعد وفاة مؤسس الإسلام. ثم هو يضعها بين ست نفر من الناس لا غير. وأخيرا ينكشف كل خداع وتحايل الشيخ وهو يقول مهاجما ظاهرة التوريث في الجمهوريات العربية: “”إذا كانت الملكية تورث الحكم؛ فإنها تعلن ذلك، ولها نظامها الخاص وحدودها وقوانينها المعروفة والمعلنة، لكن الغريب هو الجمهوريات الدائمة، والأصل في النظام الجمهوري تداول السلطات وتداول الرؤساء، لكن عندنا الرئيس مخلد ولا يزول عن ملكه أبدا”. وهو تملق وجبن وانتهازية لأولياء نعمته من الأمراء والملوك العرب رغم أن الإسلاميين يتشدقون دائما بأنهم لا يخشون في الله لومة لائم. فأي نظام هذا الذي يزعمه الشيخ لهذه الملكيات القروسطية. وأية حدود وقوانين معروفة ومعلنة؟ هل يحسبها من قبيل الملكيات الدستورية في أوربا التي صار الحكم التشريعي والتنفيذي فيها متداولا بين الأحزاب حسب إرادة الناخبين؟ يقول الشيخ: “ثم إن الديمقراطية في العالم كله، تحتكم إلى عدد الأصوات، بغض النظر عن الكيف والنوع. ولم يقل يوما حزب المحافظين لحزب العمال في بريطانيا، أو حزب الديمقراطيين لحزب الجمهوريين في أمريكا: إن الأغلبية، التي معكم، ليست في مستوى الأقلية التي معنا ثقافة ووعيا ونضجا!” قال القرضاوي هذا الكلام ردا على اشتراط فؤاد زكريا الوعي والنضج لدى الجماهير للقبول بمبدأ الأغلبية التي يراها الإسلاميون في صفهم. ثم يقول القرضاوي: “ولو سلمنا بهذا الشرط التعسفي، الذي انفرد به الكاتب، فمن الذي له الحق أن يقول: هذا نضج، وهذا ليس بنضج، وهذا بعض النضج، وهذا كل النضج؟!” من الناحية المنطقية الشكلية يبدو القرضاوي على حق. لكن عودتنا إلى موقفه وموقف الإسلاميين عموما من الديمقراطية التي تنحصر فقط في آلية الانتخابات وفي حصرهم دولتهم في الإسلام فقط وفي انقلابهم على الديمقراطية حتى في صورتها الانتخابية بعد وصولهم إلى الحكم، وقد رأينا عينات منها في إيران والسودان وغزة مثلا، وفي أفكار القرضاوي التي كشفنا عن جزء منها في هذا المقال حين ينتصر للملكيات العربية على حساب الجمهوريات العربية رغم انحطاط الجميع. فهل يجهل القرضاوي حقا آليات الممارسة الديمقراطية في البلاد الغربية التي استشهد بها وحصرها في الانتخابات فقط؟ هل يجهل حقا أن أهم أسس الابتكار الغربي العظيم هو العلمانية؟ رغم ذلك فرأيي أن الشرط الذي يجب أن نواجه الإسلاميين به ليس شرط النضح والوعي كما رأى فؤاد زكريا عن حق، بل علينا وضع الإسلاميين أمام القبول أو الرفض لمقومات الديمقراطية الحقيقية وأهمها حق الأقلية الذي هو من صميم الديمقراطية، خاصة الأقلية السياسية، في الوجود والتعبير والإعلام والرقابة والتجمع والحزبية والعودة الدورية للاحتكام أمام الشعب. هل يقبل الإسلاميون هذا الشرط أو الشروط؟ الفقه الإسلامي يقول لا. الممارسة الإسلامية المعاصرة تقول: لا. قالت: لا، في كل مكان حكم فيه الإسلاميون، في إيران، في غزة، في السودان. والفقه الإسلامي يقول لا لأن “البيعة مرة واحدة”. في هذا الفقه أيضا، كان الخلفاء يعتبرون حكمهم حقا إلهيا لا شأن للمحكومين فيه. قال عثمان لمطالبيه بالتنحي: (( ما كنت لأنزع قميصا ألبسنيه الله سبحانه وتعالى)). وعليه، فالذين تعاملوا مع حركة الإخوان المسلمين بخشية وريبة لهم ما يبرر مواقفهم، ذلك أننا لا نجد في أدبيات الإخوان المسلمين ما يشير إلى تبنيهم التام للديمقراطية العصرية بما تعنيه من انتخابات دورية وحق الأقلية في الممارسة السياسية وحق المواطنة التامة لجميع المواطنين مهما اختلفت أديانهم وطوائفهم وأجناسهم. لا شيء من هذا القبيل في فكر الإخوان. بل نجد عكسه تماما. ولهذا أنا أكثر عجبا من القرضاوي حين يختم هذا الفصل بالقول متعجبا: “إن موقف الكاتب (فؤاد زكريا) والله عجيب حقا، أنه ينادي بالديمقراطية ويرتضيها إذا كانت نتيجة التصويت في صالحه، فإذا كانت النتيجة في صف الإسلاميين، فهي مرفوضة بأي شبهة أو بغير شبهة، فأين العلم؟! وأين الإنصاف يا معشر العلمانيين، والتقدميين؟!؟!   عبدالقادر أنيس فيسبوك

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

هل العلمانية ضد الدستور؟ حوار مع القرضاي 10

عبد القادر أنيس

أتناول في هذه المقالة العاشرة هذا الفصل الذي عنونه الدكتور يوسف القرضاوي “العلمانية ضد الدستور”. يقول في مستهل هذا الفصل: “وأما أن العلمانية ضد الدستور، فبيان ذلك من أوجه ثلاثة: “الأول: أن الدستور ينص في مادته الثانية بصريح العبارة: أن الإسلام دين الدولة الرسمي، كما أن اللغة العربية لغتها الرسمية. وهذه مادة قديمة أصيلة في الدستور المصري، وقد كانت ثابتة في دستور 1923م، فهي من المواد الأساسية المميزة، والمبينة لشخصية مصر العربية المسلمة. فالمناداة بالعلمانية ـ إذن ـ منافاة صريحة لهذه العبارة، التي لم يخالف فيها يمين ولا يسار”. قبل عرض النقطتين التاليتين، نتوقف مع هذه النقطة بالذات. وبما أن القرضاوي يحتج علينا بالدستور المصري، وهو في الواقع لا يختلف عن الدساتير العربية الأخرى في هذا الباب، فبوسع العلمانيين أن يحتجوا عليه بمواد أخرى كانت ذات أهمية في بعض الفترات أكثر من الإسلام في نظر السياسيين. خاصة وأن الدساتير العربية عبارة عن كشكول غريب عجيب بوسع كل شخص من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار أن يجد فيها ما يأكل وما يشرب إذا قرأها بطريقة القرضاوي الانتقائية. تصنيف:دساتير مصر

لا نجد مثلا في الدستور المصري لسنة 1882 أية إشارة للإسلام كدين للدولة، وهذا يعني أن المادة التي يتخذها الإسلاميون مثل مسمار جحا كما في الحكاية الشعبية عندنا أو كقميص عثمان، ليست “مادة قديمة أصيلة في الدستور المصري” كما زعم الشيخ. هذه الضبابية في الدساتير العربية بالإضافة إلى النفاق الذي جعل الدولة كائنا متدينا لا نجد مثيله في الدساتير الحديثة وقد سمحت هذه الضبابية بكل أنواع التلاعبات والتنازلات فيما بعد. وطبعا هذا التنازل في الدساتير العربية لصالح الدين والخضوع لمؤسساته التقليدية تم على حساب تطلعاتنا نحو آمال الحداثة التي بعثتها النهضة العربية وأدى في النهاية إلى الفشل الذريع لكل المشاريع. وقد بدأ التراجع عنها مع مصر منذ دستور 1923 الذي نص على أن الإسلام دين الدولة في المادة 149، قبل أن يحتل الدين المادة الثانية في دستوري 1971 و2007 على قرار باقي الدساتير العربية، ثم أضيف إليها أن “مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسى للتشريع”. لا بد أن نشير إلى أن هذه الدساتير، خاصة في البلاد العربية ذات الأصول غير العربية، مثل مصر وبلدان شمال أفريقيا والسودان والعراق وغيرها، قد أهملت جوانب أخرى من مقومات هذه البلاد، نراها اليوم تطفو إلى السطح على حساب ما تتطلبه مشاريع التنمية من أمن واستقرار وتعايش سلمي وتحالف كل مكونات مجتمعاتنا ومقوماتها. عكس المادة العزيزة على القرضاوي نقرأ في الدستور المصري لسنة 1971 في المادة 3 أن “السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها ويصون الوحدة الوطنية على الوجه المبين في الدستور”. وفي المادة 4 نقرأ “الأساس الاقتصادي لجمهورية مصر العربية هو النظام الاشتراكي الديمقراطي القائم على الكفاية والعدل، بما يحول دون الاستغلال ويؤدى إلى تقريب الفوارق بين الدخول، ويحمى الكسب المشروع، ويكفل عدالة توزيع الأعباء والتكاليف العامة”. وطبعا واضح من المادة الثالثة أن مضمونها يتعارض مع معلوم القرضاوي من الدين الذي لا يقبل أية سيادة إلا لله، ولا يقبل إلا الشريعة الإسلامية مصدرا للكل تشريع، ولم يحدث للشعب في طول التاريخ الإسلامي وعرضه أن مارس السلطة والتشريع بالمعنى الذي نفهمه من الممارسة السياسية العصرية المستوحاة من التجربة الغربية شأنها شأن الدساتير العربية المستوحاة هي الأخرى من الدساتير الغربية الوضعية. أما المادة الرابعة فهي حديثة قلبا وقالبا كفكرة وضعية بامتياز. وحتى الإسلاميين ظلوا يكفرونها ويكفرون الداعين لها دائما، أما غيرهم من رجال الدين التقليديين التابعين للدولة ومؤسساتها فهم غالبا ما لجئوا إلى تبريرها مرغمين بناء على طلب من أولي الأمر عبر تخريجات ساذجة من قبيل الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار، بالنسبة للاشتراكية، ومن قبيل الشورى كمقابل للديمقراطية. مع ذلك يقول القرضاوي في النقطة الثانية بـ “أن الدستور ينص في مادته تلك “الثانية” على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع”. ويقول: “وهذه المادة تأكيد لتلك المادة وتفسير لها، وإعطاؤها مدلولا عمليا يتمثل في التشريع، الذي تصوغ به المجتمعات حياتها الدنيوية في قوالب قانونية”. وهو أسلوب مخادع لاستغفال الناس ليس إلا، وكنوع من الحيلة لتأليبهم ضد العلمانية. وهو يعرف أن إدراج عبارة “الإسلام دين الدولة” وعبارة “الشريعة الإسلامية مصدر التشريع” من قبل الأنظمة القومية كان نوعا من النفاق السياسي أبعد ما يكون عن نية حقيقية لأسلمة الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها. بينما يتخذه الإسلاميون كأسلوب للالتفاف على منجزات الحضارة كما هو ديدن الإسلاميين وتشويهها وتقديم الإسلام كبديل أرقى لها: هو في النهاية مسعى بائس ما أشبهه بتشبث الغريق بالطحلب. ذلك أن معظم القوانين المعمول بها في الاقتصاد والسياسة والإدارة والمال وغيرها مستوحاة من التجارب التشريعية الغربية، ولا أثر للإسلام فيها ولا عليها باستثناء قوانين الأحوال الشخصية المتعلقة أصلا بالمرأة كتنازل لهمجية مجتمع ذكوري متخلف.

وثالثا نقرأ للشيخ “أن الدستور في مادته يكفل الحرية الدينية لكل مواطن”. ثم يقول: “والمسلم إذا فرضت عليه العلمانية، فقد فرض عليه أن يتحلل من دينه، وما يوجبه عليه ربه، وما تلزمه به شريعته، فأنت بالعلمانية تلزم المسلم ـ رغم أنفه ـ أن يعطل ما فرضه الله عليه، وأن يرتكب ما حرم الله عليه، فلا يستطيع إذا كان حاكما (رئيسا أو وزيرا أو عضو مجلس تشريعي أو قاضيا) أن يحكم بما أنزل الله، كما أمره الله. ومعنى هذا أننا بالعلمانية نفرض عليه أن يسخط ربه ويتحداه جهرة، بتعطيل أحكامه، فيوصم بالكفر، أو الظلم، أو الفسوق، بنص القرآن”. القرضاوي هنا لم ير إلا الحرية الدينية المقتصرة على المسلم، كمطلب جدير بالاحترام، ضاربا عرض الحائط الحريات الأخرى التي نصت عليها الدساتير المصرية. نقرأ مثلا في دستور مصر لعام 1923، في المادة 3 “المصريون لدى القانون سواء. وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الأصل أو اللغة أو الدين.. وفي مادة 12: “حرية الاعتقاد مطلقة”. وفي المادة 14 “حرية الرأي مكفولة. ولكل إنسان الإعراب عن فكرة بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير أو بغير ذلك في حدود القانون”. وهي مواد تتعارض أساسا مع هذا المعلوم الترهيبي التخويفي التخويني من الدين الذي يبدع القرضاوي في التعبير عنه في الفقرة السابقة وهو ما يوهم المسلم الذي يقبل بالعلمانية أو حتى يضطر للعيش في بلاد العلمانية في وضع بائس جدا، أنه يعيش وهو، حسب اعتقاد القرضاوي، “يسخط ربه ويتحداه جهرة، بتعطيل أحكامه، فيوصم بالكفر، أو الظلم، أو الفسوق، بنص القرآن”. ومع ذلك تفادى الالتفات إلى هذه المواد حتى لا يكشف لنا عن مواقفه القروسطية المتخلفة المعادية للحريات الفردية والجماعية. هو يعرف أن الشريعة الإسلامية لا تضع جميع المصريين على قدم المساواة كما نفهمها استنادا إلى المفهوم العصري للمساواة والحرية والمواطنة الحقة. الشريعة لا تسوّي المسلم بغير المسلم ولا تسوّي المرأة بالرجل أما إذا كشفنا عن ذلك الماضي العبودي البغيض الذي أباحه الإسلام وتعايشت معه المجتمعات الإسلامية على مدى قرون فلن يستقيم كلام القرضاوي أبدا. وهي لا تعترف بالمواطنة كمفهوم عصري دخيل على مجتمعاتنا. في شريعة القرضاوي لا مكان لعبارة مثل “حرية الاعتقاد مطلقة”، الواردة في الدستور، ولا مكان لعبارة “حرية الرأي مكفولة” وهو الذي وقف إلى جانب صديقه الغزالي عندما برر جريمة اغتيال فرج فودة. وهو في الأخير القائل في هذا الكتاب: ” العلماني الذي يرفض “مبدأ” تحكيم الشريعة من الأساس، ليس له من الإسلام إلا اسمه، وهو مرتد عن الإسلام بيقين، يجب أن يستتاب، وتزاح عنه الشبهة، وتقام عليه الحجة، وإلا حكم القضاء عليه بالردة، وجرد من انتمائه إلى الإسلام، أو سحبت منه “الجنسية الإسلامية” وفرق بينه وبين زوجه وولده، وجرت عليه أحكام المرتدين المارقين، في الحياة وبعد الوفاة”. وهو ما يضع القرضاوي في تناقض صارخ مع أغلب مواد هذا الدستور ولم ير منها إلا مادة يتيمة بنى عليها حكمه الخاطئ الذي حمله عنوان هذا الفصل: “العلمانية ضد الدستور”. ومن المفروض ألا يكون في أي قانون مواد متعارضة متضاربة متنافرة يلغي بعضها البعض كما هو حال دساتيرنا العربية وتبيح لأعداء الحق والحرية العبث بها وتسفيهها في أعين المواطنين، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. ثم نقرأ له أيضا: “وإذا كان محكوما لم تمكنه العلمانية أن يحتكم إلى ما أنزل الله، وهو فرض عليه، لا خيار له فيه شرعا. وكذلك لا يستطيع أن يمارس إسلامه بحرية كافية، فالمعاملات الربوية المحرمة تحيط به من كل جانب، وراتبه نفسه مشوب بالربا، ومواقيت الصلاة لا تراعى في عمله، وهو إذا رأى منكرا شائعا، لا يستطيع أن يغيره أو ينهى عنه، إذا كانت القوانين الوضعية تحميه، وكذلك إذا رأى فرضا مضيعا من فروض العين، أو فروض الكفاية، لا يستطيع أن يأمر به. وهو لا يستطيع أن يوالي أو يعادي على أساس العقيدة، لأن العلمانية ترفض العقيدة، أساسا للولاء والانتماء. ومن هنا يحرم المسلم، الذي يريد أن يرضي ربه، ويعمل بدينه، من التدين المفروض عليه، ولا يباح له إلا التدين الشعائري، التقليدي المعروف في النصرانية وما شابهها، بل إن هذا التدين ـ أحيانا ـ تحوطه قيود وأغلال لا تمكن المسلم من أدائه على الوجه المطلوب”. نخرج من هذا الكلام أنه إذا خضعت مجتمعاتنا لهذه الفتاوى البغيضة، فتاوى الولاء والبراء والجنسية الإسلامية والحب في الله والبغض في الله فلن يعرف الناس بجميع انتماءاتهم الطائفية والمذهبية والدينية مزايا المواطنة والمساواة والحرية والاختلاط والتبادل المثمر والتعايش السلمي. فهل هذا هو شعور الناس عندنا حكاما ومحكومين؟ أو بالأحرى هل موقف الإسلاميين كما يعبر عنه القرضاوي هو الموقف السليم الممثل حقا لمصالح أممنا ومشاعر شعوبنا؟ يعجبني هنا قول طه حسين من أن الناس عموما كانوا عكس ما يزعم شيخنا بوصفهم كانوا”مستعدين أحسن الاستعداد وأقواه للاتصال بأزمنتهم وأمكنتهم…. وهم يعلمون أن الإسلام بخير وأن الصلوات ستقام وأن رمضان سيصام وأن الحج سيؤدى، لا هم بالمسرفين في التدين ولا هم بالمسرفين في العصيان والفسوق”. هذا كان حالنا عندما كان المثقفون العرب في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين يحملون مشاريع حداثية قبل أن تنتكس تلك المسيرة الواعدة بعد أن تحالفت ضدها قوى الاستبداد والأصولية. لكن القرضاوي يصر مرة أخرى أن العلمانية: “… ضد الدستور نصا وروحا، بيقين فالدستور يكفل الحريات، وأولها الحرية الدينية، وأدنى دلائل الحرية الدينية أن تعمل بما يفرضه عليك دينك، بلا ضغط ولا تنازلات”. وهو تجاهل مفزع لما تعنيه الحرية الدينية في المجتمعات الراقية وما نصبو إليه في مجتمعاتنا من حق كل فرد في ممارسة الدين الذي يرتضيه لنفسه أو تغيير الدين أو حتى عدن اعتناق أي دين، بشرط أن يتم التعبير عن المعتقدات المعنية دون تعكير صفو النظام العام”. هذا ما جاء في إعلان حقوق الإنسان كما صيغت ووافقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948.   عبدالقادر أنيس فيسبوك

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

السيد أحمد أبو رتيمة….وجرائم النظام “العلوي” في سوريا

وفاء سلطان

بقدر ما نستفيد من التكنولوجيا، بقدر ما ندفع الثمن باهظا.

تغزو بريدي يوميا مئات الرسائل غير المرحب بها، والتي لا أستطيع أن أضحي بثانية لأحذفها، ناهيك عن دقائق لأقرأها!

هذا الغزو يغنم وقتنا، ويحاول أن يسبي قدراتنا العقلية على التفكير والمحاكاة، ولذلك يجب أن نقف له بالمرصاد.

لم أشأ يوما أن أعمم مقالاتي على أحد، بما فيهم من يحبني من قرائي ويناشدني أن أرسل له كل جديد لي.

لا أفعل ذلك من منطلق ايماني بأن القارئ العطشان للكلمة الجميلة والمقنعة سيبحث عنها حتى يجدها، وعدد الرسائل التي تصلني من قرائي، والتي تتناول مقالات قديمة لي يؤكد لي صحة ما اؤمن به حيال تلك القضية، علما بأنني لا أنشر مقالاتي إلا في موقع واحد.

على كل حال، ومن منطلق حرصي على وقتي الثمين، أقوم يوميا بجرد سريع لعناوين الرسائل التي تصلني، في محاولة للتمييز بين الغث والثمين، وخوفا من أن أضحي برسالة لقارئ محتاج لأن يتواصل معي .

ثم وبعد الجرد، أحذف بلا شفقة الكثير من تلك الرسائل، احتراما لوقتي ولعقلي .

……

البارحة، وضمن هذا الروتين الصباحي، عثرت على رسالة بعنوان : من ملفات جرائم النظام العلوي في سوريا !

أثارني العنوان، ففتحت الرسالة لأجدها مرسلة من السيد أحمد أبو رتيمة، الذي لم يسبق لي أن تعرفت عليه.

كبست بضعة أزرار لأكتشف بأنه كاتب يتواجد على صفحات موقع “إيلاف” بثقل لا بأس به.

هالني الأمر وأرعبني، وزاد من هولي ورعبي قرائتي لمحتوى الرسالة.

يصل التطرف أعلى درجات خطورته عندما يتناول أصحاب القلم، ومن يحشر نفسه في خانة الكتاب والمفكرين، ويلبس قفاز الإنسانية ليغطي يديه الملوثتين بدماء غيره.

لن أخوض كثيرا في تلك النقطة، لأنني منكبة على كتابة مقالة أو سلسلة مقالات بعنوان ” على ضوء الأحداث ” ، وسأتناول من خلالها الحركات الجماهرية الثورية (إن صح التعبير) التي شهدها العالم العربي مؤخرا، كأسباب وكنتائج محتملة، ولن أتسرع اليوم في تسريب بعض محتوياتها، لأن الموضوع الذي أنا بصدده الآن لا يقل أهمية، ويحتاج إلى توضيح نقاط في غاية الأهمية.

حملت رسالة السيد أبو رتيمة والتي هي بعنوان: “ملفات من جرائم النظام العلوي في سوريا”، حملت مقالة له بعنوان “شهيدة الإسلام بنان طنطاوي” بيت القصيد فيها هذا السطر:

“إنها شهيدة الإسلام السورية بنان الطنطاوي ابنة العالم الفقيه علي الطنطاوي وزوجة المفكر عصام العطار والتي اغتالتها مخابرات الطاغوت في بلاد الغربة ألمانيا سنة 1981”

…….

لم أسمع بالسيدة بنان من قبل، وهزتني جريمة اغتيالها كما هزني أن يعتبرني السيد أبو رتيمة مسؤولة عن اغتيالها، فقط لأنه شاء قدري أن أولد علوية !

لم أسمع بالسيدة بنان، ولست متأكدة من نبأ اغتيالها من قبل رجالات الديكتاتور حافظ الأسد .

لست متأكدة، لا لأنني اؤمن بنظافة ذلك النظام، فتاريخه يشهد عليه ولا أستطيع أن أكذب التاريخ .

ولكن، لأنني لا أثق بالأنباء التي يوردها متطرفون قد أعمت الطائفية بصرهم وبصيرتهم .

لا أعرف السيدة بنان، وأنا من أنصار أن يقام لها تمثال في ساحة المرجة بدمشق على أنقاض تمثال الديكتاتور حافظ الأسد ، لا لأنها شهيدة الإسلام ـ فالكل يعرف موقفي من تلك العقيدة ـ بل لأنها شهيدة الرأي، شهيدة حق الإنسان في أن يؤمن بما يشاء ويقول ما يشاء!

لا أعرف السيدة بنان، ويؤسفني أنني لم أقابلها في حياتي، فأنا متأكدة أن ما يجمعني بها كامرأة سورية أكثر بكثير مما يفرقنا، ولكنني أعرف السيد زوجها والذي اعتبره الكاتب أحمد أبو رتيمة “مفكرا” سوريا!

أعرف السيد عصام العطار، لأن اسمه محفورا في ذاكرتي، كما هي محفورة الحقبة التي صنعها حزب الإخوان المسلمين وحزب البعث الحاكم في اواخر السبيعنيات وأوائل الثمانينيات، والتي ستبقى وصمة عار في جبين هذين الحزبين ـ لا بارك الله فيهما ـ وفي تاريخ سوريا.

عندما كنت ألملم كطالبة طب في مستشفيات حلب أشلاء البشر، الذين مزقتهم قنابل الإخوان المسلمين المزروعة في وسائل النقل الداخلي، كنت أعرف بأن العقل المدبر لهذه الجرائم هو عقل “المفكر” السوري عصام العطار، والذي فتحت ألمانيا أبوابها له ولأمثاله وتدفع الآن ثمن جريمتها تلك!

كنت أعرف أنه “مفكر” من الطراز الإسلامي الأول!

وكنت أعرف بأن الخليفة الإسلامي جمال عبد الناصر ـ الذي هو أيضا من الطراز الأول، فكل صناعة إسلامية يعتبرونها من الطراز الأول ـ قد شنق زعيم الإخوان المسلمين سيد قطب ولاحق أتباعه بلا رحمة، ناصبا نفسه قدوة “حسنة” لكل ديكتاتور عربي آخر علويا كان أما سنيا!

وكنت أعرف أيضا بأن السيدة نجاح العطار وزيرة الثقافة السورية آنذاك ونائبة الرئيس السوري لاحقا هي أخت السيد “المفكر” عصام العطار.

لقد استمعت مرارا لخطابات السيدة العطار في مجلس الشعب السوري، والتي أثارت غثياني إلى حد الإقياء.

كانت خطابات مليئة بلغة التملق والمديح المزيف الذي يصدمك كونه صادر عن امرأة، فالمرأة خلقت لأن تكون سيدة لا لأن تكون عبدة وتقبل يد سيدها.

في كثير من الأحيان، وأمام تملقها المفتعل والرخيص، كان الأمر يختلط على المشاهد السوري فلا يعرف إن كانت تمدح حافظ الأسد أم نبيها محمد!

إنني أتحدى أي إنسان يواجهني بخطابات رجل علوي، ناهيك عن امرأة علوية ـ بما فيهم المعتوهة بثينة شعبان ـ تمدح الأسد وزبانيته بهذا الشكل المقزز!

السيد عصام العطار والسيدة نجاح العطار ولدا في نفس البيت وشربا من نفس المنهل، وكلاهما يتشابهان في منهجهما.

كلاهما متطرفان، مهما اختلفت الجهة التي يتطرف كل منهما لصالحها.

فالأسباب التربوية والنفسية التي تدفع إلى التطرف هي نفسها، بغض النظر عن العقيدة الفكرية التي يتطرف لها الشخص، وهنا نواجه مثالا رائعا على تلك الحقيقة.

فالسيد عصام تطرف إلى الحد الذي لم يعد يميز عنده بين حافظ الأسد وبين جندي علوي يؤدي خدمة العلم، أو التحق بالجيش بحثا عن لقمة يسد بها رمقه، ولذلك لم يتورع أن يصدر أوامره إلى زبانيته بتدمير وسائل النقل المتجهة من المدن السورية الكبرى إلى المدن الساحلية أملا في قتل أكبر عدد ممكن من هؤلاء الجنود المتوجهين يوم العطلة الرسمية لزيارة أهاليهم ، وذلك بغية تحقيق مآربه السياسية.

وكذلك السيدة نجاح العطار، تطرفت إلى حد لم تعد تميز عنده بين حافظ الأسد وبين نبيها محمد، ولذلك تفانت في مدحه غير آبهة بجرائمه، وذلك بغية تحقيق مآربها السياسية على طريقة السيد أخيها.

سأتطرق بالتفصيل إلى تلك النقطة في مقالتي القادمة “على ضوء الأحداث”.

……….

عندما وصلتني رسالة السيد أحمد أبو رتيمة، أرسلت له هذا الجواب:

لا أريد أن أستلم رسائل من ناس طائفين يعمي الحقد قلوبهم

ولذلك أرجو أن تتوقفوا عن تلويث ايميلي بحقدكم

مع خالص شكري

وفاء سلطان

تفاجئت في اليوم الثاني برسالة منه تحمل مقالة له بعنوان: الإعلام الشعبي…خطوة في طريق التقدم الإنساني!

الإعلام الشعبي…خطوة في طريق التقدم الإنساني

ذلك العنوان الذي يفترض ـ وقبل أن تقرأ المقالة ـ أن يقدم لك كاتبا يعي قيمة الإعلام، ويعي في الوقت نفسه ضرورة التقدم الإنساني.

تساءلت : كيف يكون السيد أحمد أبو رتيمة ملما بما يحمله عنوان مقالته، ولا يتورع في الوقت نفسه أن يحمل طائفة تشكل خيطا في نسيج مجتمعه السوري، مسؤولية جرائم طغمة

تكرمت الطائفة السنية بانجاب الكثيرين من أمثالها؟

وهنا تكمن الخطورة، التي تنطوي عليها الحركات التي شهدها العالم العربي مؤخرا، والتي سأخوض في حيثياتها قريبا .

هنا تكمن الخطورة، تكمن في أصحاب أقلام، محسوبين على المفكرين، يظهرون مالا يضمرون !

لم يتورع القرضاوي أن يخرج إلى الملأ ليحرض على الجهاد ضد العلويين في سوريا، ولا أرى في تحريضه هذا الخطورة التي أراها في قلم كاتب ـ ومفكر إن أجاز التعبير ـ يظهر خلاف ما يضمر !

القرضاوي رجل دين سني متطرف وإرهابي، وأغلب السنة ـ خصوصا النخبة المثقفة منهم في سوريا ـ يعون تماما خطورة وجود أمثال القرضاوي في مجتمع مميز بنسيجه الإجتماعي المزركش، كالمجتع السوري .

إيماني بوجود هذه النخبة يخفف من حدة هولي ورعبي من فتاوي القرضاوي المليئة بالحقد والدعوة إلى الإرهاب وسفك الدماء .

ولكن وجود كاتب ينمق كتاباته مدعيا بأنه من أنصار التقدم الإنساني، ثم لا يتورع أن يسمي النظام الحاكم في سوريا بـ ” العلوي ” ، هو ما يهولني ويرعبني إلى حد الموت .

……….

كنت أتناول طعام الغداء منذ حوالي اسبوع مع سيدة علوية لجأت إلى أمريكا هاربة من ملاحقة السلطة لزوجها وأولادها على أمل أن تجلبهم لاحقا، بعد أن تقدمت بطلب لجوء سياسي إلى أمريكا ، ودار بيننا حديث حول ما يدور في سوريا اليوم.

هي سيدة جامعية، ورغم ظروفها وتحصيلها العالي تفاجئت بها تقول: الله يحمي بشار الأسد، يا ويل العلويين إذا استولى الإخوان على السلطة في سوريا!

صعقتني عبارتها، رغم أنني أتقبل بسهولة ما أستطيع أن أجد له سببا!

هذه السيدة ـ وفي لحظة ضغط من الأحداث الجارية ـ لم تستطع أن تخفي ما يدرو في باطن وعيها ، فجاءت زلة لسانها لتعبر عما تخفيه في اللاوعي عندها على غرار السيد أبو رتيمة.

هي تقف مع عائلتها في الخندق المعارض للديكتاتور السوري حتى الموت، لكنها تعي في الوقت نفسه بأن موقفها هذا لن يبرر لها كونها علوية أمام طغمة الإخوان المسلمين.

هذا هو التطرف، وهذا هو الخوف الذي ينجم عنه!

النخبة السنية المثقفة تخاف أن تتهم بالطائفية في مواجهتها للأسد، ولذلك موقفها يبقى ضبابيا ولا تلام عليه.

الإخوان المسلمون متطرفون وتاريخهم الإجرامي يعكس حقيقتهم رغم كل ما يحاولون اليوم جاهدين أن يخفوه .

النخبة العلوية المثقفة تعي جرائم الأسد، ووقفت له بالمرصاد ونالت نصيبها من جرائمه، ولكنها لا تأمن الجانب الآخر، ولذلك موقفهم من هذا الجانب بالنسبة لهم قضية حياة أو موت، وليس من باب الدفاع عن السلطة .

الشريحة العريضة من الطائفة العلوية، وهي على غرار الشريحة العريضة من الشعب السوري، قد أنهكها الفقر والفاقة والجهل، ولكنها تبقى متعلقة بأذيال الأسد الذي نجح بإقناعها أنه الحامي الوحيد لها من الإنقراض، وأكد لها الأخوان المسلمون ـ بنواياهم الشريرة وتاريخهم الإجرامي ـ ” صحة ” إدعاء الأسد !

أما زبانية الأسد، فتركيبتها تعكس بلا شك التركيبة الفسيفسائية للشعب السوري، ولذلك منهم السني المتفاني بولائه للأسد ـ والسيدة العطار مثال حي ـ والعلوي والمسيحي والكردي والدرذي وغيره !

للأسف الشديد، لقد نجح النظام السوري في إقناع الأقليات بأنه الحامي الوحيد لها، وساهم الإخوان المسلمين في ترسيخ تلك القناعة!

لقد أكدت في أكثر من مناسبة بأنني لا أشتري علويتي بقرش أكله الصدأ، ولكن أليس من حقي أن أخاف على عائلتي عندما يحملها هؤلاء المتطرفون مسؤولية ديكتاتور، أعتبره إرثا اسلاميا صرفا بغض النظر عن الطائفة التي ينتمي إليها؟!!

لماذا لا يقال عن القذافي، الذي راحت دبابته تدهس الشعب كالذباب، أنه نظام سني؟ !!

لماذا لا يقال عن جمال عبد الناصر الذي شنق سيد قطب بأنه مجرم سني؟

لماذا لا يقال عن صدام حسين، الذي قبر أكثر من ثلاثمائة ألف شيعي وكردي أحياءا، سنيا؟

في الجزائر لا يوجد ديكتاتور علوي، فلماذا لا يُعتبر السنة مسؤولين عن قتل قرابة ربع مليون جزائري؟

ليتهم يعطوننا مثلا عن حاكم سني عادل، كي نطالب ديكتاتور سوريا ” العلوي ” بالإقتداء به ، وأعدهم بأنني سأكون من أوائل المنضمين تحت جوقته !

هذه الأسئلة، وبالنظر إلى تاريخ الإخوان المسلمين الإجرامي، تضع تصوراتي عن نتائج الثورات التي تجتاح العالم العربي اليوم على المحك، وتلزمني بحذر أن أحد من مستوى تفاؤلي !

………

عام 2007 التقيت بالمعارض السوري السيد فريد الغادري في العاصمة واشنطن، ولمست لديه رغبة جامحة على دخول المعترك السياسي السوري كمعارض مؤمن بقضية شعبه .

بدا لي شابا مليئا بالحيوية والنشاط، منفتح العقل وسليم المنطق ، يضاف إلى ذلك إيماني المطلق بأن الرئيسي السوري يجب أن يكون سنيا، الأمر الذي شجعني على أن أدعم جهوده وأرفع رايته.

كانت محاولتي الأولى والأخيرة في خوض ميدان السياسة، وكانت تجربة فاشلة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، أقسمت أن لا أكررها ولوعشت دهرا!

صعقني عندما رد في إحدى المقابلات الصحفية على موضوع تعامله مع العلويين ، بقوله: “عليهم أن يتركوا المدن السورية وينحشروا في الجبال التي جاؤوا منها”

تصوروا رجلا بهذه العقلية، عاش معظم حياته في أمريكا، ومتزوج من سيدة درزية وهي غاية في الأخلاق والثقافة، كيف سيحكم بلدا مزقته الطائفية والحقد الطائفي؟

كان تصريحه هذا نهايته السياسية، أقولها بصدق وصراحة!

لكن، ولكي أكون منصفة، إيماني بمستوى وعي الشعب السوري بمختلف طوائفه، وخلافا لأي شعب عربي أو مسلم آخر، يخفف دوما من حدة هولي ورعبي عندما يتعلق الأمر بمستقبل سوريا السياسي .

تاريخ سورياـ اجمالاـ ليس تاريخا دمويا، والسوريون شعب يحب الحياة، ومن يحب الحياة يقدسها كقيمة ويسعى دوما لتحسينها .

الإخوان المسلمون وعائلة الأسد الحاكمة، كما هو السيد عصام العطار والسيدة نجاح العطار، قطبان متطرفان يشربان من نفس المنهل، ويجب أن يصنفا في نفس الخانة .

لقد حاول هذان القطبان، ونجحا إلى حد ما، أن يوهما الشعب السوري بأنه لا خيار أمامه سوى أن يختار أحدهما .

والطبقة المثقفة بما فيها المعارضة ـ للأسف ـ وحتى الآن فشلت في الكشف عن زيف هذا الوهم !

…………

المهم، عندما قرأت مقالة السيد أحمد أبو رتيمة عن دور الإعلام في التقدم الإنساني، راعني كيف يستطيع الإنسان أن يلعب دورين متناقضين ؟!!!

دورا يظهر من خلاله أنه رجل طائفي متطرف بامتياز، ودورا يتظاهر من خلاله بأنه مثقف كبير يعي أهمية دور الإعلام في التقدم الإنساني ؟!!

الأمر الذي دفعني أن أرسل له هذا الجواب :

…….

للمرة الثانية أطلب وبأدب أن تحذفوا عنواني من قائمتكم

تؤمنؤن بالتقدم الإنساني؟؟؟؟؟

وفي الوقت نفسه تحملون طائفة بأكملها جرائم ديكاتور

لم تبخل الطائفة السنية في إنجاب أمثاله؟؟؟؟

أرجوكم لا ترسلوا لي بعد اليوم خزعبلاتكم

التي تجملونها في مقالاتكم وتضمرون كل الشرور في قلوبكم

سأكون شاكرة لو استجبتم لطلبي

وفاء سلطان

……….

فجاءني رده ليتجاوز كل توقعاتي، وليثلج صدري الذي طالما حرقته نار الخوف على مستقبل بلدي :

أختي الفاضلة تحية طيبة وبعد

………………….

تقبلي تحيتي واحترامي واعتذاري

……..

أن يخاطبي السيد أبو رتيمة بـ ” أختي الفاضلة ” لأمر أقدره حق التقدير، وأن يعتذر بوضوح وبجرأة عن ماكتبه لأمر يفوقي قدرتي على تقديره كفاية .

شعرت، وأنا أقرأ رده، بقشعريرة باردة تسربت في كل خلاياي …

لقد منحني إحساسا بالأمان على بلد أعشقه حتى الثمالة .

لا أعرف نوايا السيد أبو رتيمة الحقيقة ولست معنية باثبات صحة تلك النوايا، ولكن اعتذاره ـ لا شك ـ يعكس سماحة أخلاقه، ويعكس قدرته على سماع الصوت الآخر مهما اختلف مع هذا الصوت .

بالصدفة المطلقة قرأت البارحة قولا للمفكر الأمريكي

Eugene Victor Debs

الذي كان مرشح الحزب الإشتراكي للرئاسة في أمريكا عدة مرات، ويعتبر أول من ساهم في تأسيس الإتحاد العمالي العالمي، جاء فيه :

“Years ago I recognized my kinship with all living things, and I made up my mind that I was not one bit better than the meanest on the earth. I said then and I say now, that while there is a lower class, I am in it; while there is a criminal element, I am of it; while there is a soul in prison, I am not free.”

” منذ سنوات مضت، لاحظت صلة القربي التي تربطني بكل الأحياء )أخيارهم وأشرارهم).

ولذلك اقتنعت بأنني لست أفضل من ألئمهم وأخسهم على سطح الأرض .

قلتها من قبل وأقولها الآن : إينما يوجد طبقة وضيعة أنا جزء منها، وأينما يوجد عنصر إجرامي أنا جزء منه، وطالما تنبض روح في إنسان أنا لست حرا “

…………

نعم، لا أحد فينا حرٌ من تعصبه…..

تلك هي الطبيعة البشرية، لكن ما يميزنا عن بعضنا البعض هو الدرجة التي ننصاع بها لهذا التعصب، والدرجة التي نسمح له بها أن يتحكم بقراراتنا وتصرفاتنا.

كما جمعتني بالسيد أحمد أبو رتيمة كلمة ود واعتذار كتبها لي، كذلك تفرقني عن السيد عصام العطار قنبلة زرعها متطرف تحت إشرافه في باص للنقل الداخلي، يغص بفقراء وطنه الذين لا ناقة لهم بالحكم ولا جمل، فأحالتهم أشلاءا.

حقا ، في البدء كانت الكلمة…

ولقد وجدت في كلمات السيد أبو رتيمة بصيص أمل، يعزز إيماني بقدرة النخبة المثقفة من المسلمين على تضميد جروح أمة….

أمة مقهورة حتى النخاع!  وفاء سلطان (مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

د. رجاء بن سلامة: جهل…. أم غيرة؟

وفاء سلطان

وقف رجل على ضفة النهر يستمتع بمراقبة المياه الصاخبة ويصغي إلى موسيقا هديرها. تناهى إلى سمعه صراخ امرأة تستجير خوفا من الغرق وهي تصارع التيار. ألقى بنفسه في لجح الماء وسبح بإتجاهها ثمّ جرّها إلى برّ الأمان، وقام ببعض الإسعافات الأولية كي ينفخ بها الحياة من جديد. لم يكد ينهي عمله حتى سمع صوت رجل آخر يستنجد بمن يستطيع أن ينقذه من الغرق، وخلال ثوان راح يسبح مرّة أخرى بإتجاه الغريق. عندما وصل به إلى الشاطئ سمع صوت غريق آخر يطلب النجدة فعاد لنجدته.

وهكذا دواليك، كان ينقذ الواحد بعد الآخر حتى وصل إلى وضع لم يعد عنده قادرا على إنقاذ نفسه لو حاول إنقاذ غيره.

يتابع مؤلف تلك القصة الرمزية قوله: لو سبح ذلك الرجل الشهم بضعة أمتار عكس التيار لرأى عند المنبع رجلا مجنونا يسحب الناس ويلقي بهم في لج الماء بلا شفقة أو رحمة، ومن ثمّ لو قام بمنع ذلك المجنون من الإستمرار في ارتكاب جريمته لوفر على نفسه استنزاف طاقته. فعلاج النتيجة دون السبب استنزاف لكل طاقة!

…………………

خلال بضعة ساعات من نشر أيّ مقال لأي كاتب يتناولني ببعض التجريح يمتلأ بريدي برسائل قرائي، يطالبونني من خلالها بأن أقرأ الردّ وأردّ عليه.

قرائي هم رصيدي ولولا ذلك الرصيد لولد قلمي ميتا ولأجهضت كل أفكاري قبل أن تبصر النور.

أحب وفاء سلطان من خلال محبتهم لها. أشعر بأنهم توحدوا فيّها وتوحدت فيهم حتى صارت هم وصاروا هي.

عندما يرميني أحد بسهم يدخل في جسدهم قبل أن يدخل في جسدي، فيتألمون قبل أن أتألم ويطالبونني بنزع السهم كي يستردوا عافيتهم قبل أن أسترد عافيتي.

يتخذ الإنسان مثلا أعلى له ويتوحد مع الزمن في مثله. يقترب العابد من إلهه رويدا رويدا حتى يتوحد مع ذلك الإله ويصبح هو نفسه.

تنطبق تلك الحقيقة على قرائي كما تنطبق على من يهاجمني.

……………………..

عمري الكتابي تجاوز عامه الثامن عشر، ولم أتناول خلاله كاتبا بالنقد علما بأنني اؤمن أن للنقد الخلوق مهمة مقدسة، إلا في سياق الدفاع عن نفسي. في عالمنا العربي مجرد أن يمسك أحد بالقلم ويعبر عن نفسه هو محاولة للخروج من شرنقته التي حاكتها ثقافته حوله. وهي محاولة تستحق التقدير أتفقنا مع أفكاره أم لم نتفق.

لم أصوب يوما بندقيتي بإتجاه إنسان، فالإنسان، اتفق معي أم لم يتفق، هو هدفي. كان الإسلام منذ بداياتي ولم يزل الدريئة التي أسدد سهمي بإتجاهها، وليس المسلمون أنفسهم. أميّز دائما بين الفكرة ومعتنقها، وأسعى لضبط المجرم الحقيقي بالجرم المشهود قبل أن أستنزف طاقاتي في إنقاذ ضحايا ذلك المجرم، فعلاج النتيجة دون السبب استنزاف لكل طاقة.

لقد نلت، شاء المبغضون أم أبوا، قصب السباق عندما أعلنت بكل وضوح وبلا خوف أو وجل: الإسلام هو من يلقي بضحاياه في لج الماء، وعلينا أن نحجر المجرم الحقيقي قبل أن نستنزف طاقاتنا في إنقاذ ضحاياه!

*******************

تحاول السيّدة “العلمانية” رجاء بن سلامة وفي مقالها الأخير- ملاحظات على آراء وفاء سلطان- أن تسلخ جلدي عن عظمي، لأن السهم الذي أطلقته دخل في لحمها قبل أن يصل إلى جسد نبيّها. ذلك النبيّ الذي صنفها كامرأة مع الكلب والحمار والغائط والروث، ولم تستطع أن تخرج حتى الآن من دائرة ذلك التصنيف.

تعطي لنفسها الحق في إحتكار العلمانية، وترفض بشدة وإصرار أن تسمح لوفاء سلطان بالإنضمام إلى خانة العلمانيين.

حجتها بأن وفاء ملحدة والعلمانية ليست إلحادا!

……………………………

للعقل عند الإنسان حيّزان: الوعي واللاوعي. الوعي هو صلة الوصل بين البيئة وبين اللاوعي، وبناء على تلك الصلة يعمل الحيّزان.

يصغي اللاوعي عند الإنسان إلى ما يقوله الوعي ويقوم، بناء على ما سمعه، بوضع خطة عمل ويلزم حيز الوعي أن يتصرف وفقا لها.

اللاوعي لا يمتلك القدرة على التمييز بين الحقيقة والوهم فيصدّق كلّ ما يسمعه من حيّز الوعي. والوعي لا يمتلك القدرة أن يرفض ما يأمره به اللاوعي فيسعى لتنفيذ خطته بحذافيرها. إذا استطاعت البيئة أن تقنع الإنسان بأنه غبي، يتلقف حيّز الوعي تلك القناعة ويخبر بها اللاوعي، الذي يقوم، وبناء على تلك القناعة، برسم خطة عمل وفرضها على حيّز الوعي. ينفذ الوعي الخطة بحذافيرها، ويقود صاحبه من خلالها إلى كلّ تصرف يثبت غبائه!!

……………..

الوعي عند تلك السيدة، وفي سنوات عمرها الأولى، اطلع على تصنيف النبي محمد للمرأة، حيث حشرها مع الكلب والحمار والغائط والروث، فأبلغ اللاوعي عندها بما اطلّع عليه.

رسم اللاوعي خطة العمل وألزم صاحبته “العلمانية” أن تسلك دربا قادها إلى حظيرة التصنيف فوجدت نفسها هناك. لم تستطع أن ترفع يوما وعيها إلى مستوى يعي عنده خطورة العلاقة بينه وبين اللاوعي، فظلت رهينة اللاوعي.

هي توحدت في نبيّها، فصارت هو وصار هي. ولذلك أحست بألم أسهمي التي وجهتها نحو نحره كما لو أنها أصابت نحرها.

…………………

إدعائها العلمانية محاولة تستحق التقدير. فما هذا الإدّعاء سوى محاولة للخروج من دائرة التصنيف التي وجدت نفسها بها، ولكن توحدها في نبيها يشدها إلى تلك الدائرة كلما حاولت الخروج منها.

والمضحك المبكي لدى هؤلاء الذين سقطوا رهائن حيّز اللاوعي عندهم، أنهم وفي محاولة لكسب رضى الشريحة العريضة من شعب قتله هوسه الديني، يحاولون اتهامي بالإلحاد. الإسلام في بواطن عقولهم هو الإيمان ومحمّد هو الله. من أنكر الإسلام، ببساطة، هو ملحد ومن انتقد محمّدا لا يعرف الله!

ترفض تلك السيّدة وباصرار أن تقبل وفاء سلطان داخل حرم العلمانيين، بحجة أنها ملحدة والعلمانية لا تعني الإلحاد!

لم تكلّف نفسها، احتراما لقارئها، أن تشرح كيف توصلت إلى إلحاد وفاء سلطان. ولم تتحفنا بتعريفها للعلمانية، ذلك التعريف الذي يبدو أنه يرفض من لا يصلي على النبي محمد ويسلم تسليما!

هي تفهم العلمانية كما يحلو لها فترفض من تريد وتقبل من تريد! رفضها وقبولها لا يخرج قيد أنملة عن خطة العمل الذي بلاها بها حيّز اللاوعي عندها، ذلك الحيّز الذي اقتنع منذ نعومة أظفاره بأنّ المرأة جزء لا يتجزأ من كيان مقدس يضمّ الكلب والحمار والغائط والروث!

اللاوعي عندها يصرّ على أن تكون جزءا من ذلك التصنيف، لكنّ الوعي يتساءل: لماذا يفرضون عليّ أن ألتزم بذلك التصنيف بينما وفاء سلطان تمارس ملكاتها العقلية والإنسانية خارجه؟!!

ولا يجد ذلك الوعي من حيلة إلاّ أن يشدّ وفاء سلطان كي يعيدها إلى الحظيرة التي لا يستطيع هو أن يتحرر منها.

الغيرة عامل مهم، بل هي أهم عامل يكمن وراء إساءة الإنسان لأخيه الإنسان وخصوصا عندما يشعر المسيء بدونيّته أمام فوقيّة المساء إليه. الغيرة شعور طبيعي وهي جزء من التركيبة النفسية البشرية. ليست سيئة عندما تضبط، لكنها قاتلة عندما تفلت. عند الحدود المعقولة للغيرة يسعى المصاب بها إلى تحسين نفسه كي يقترب من الذي يغار منه، لكن عندما تتجاوز حدود المعقول تدفعه إلى إيذاء الغير.

…………………

الأذى الذي نالني من المرأة المسلمة، كان ولم يزل، أكبر بكثير من

الأذى الذي نالني من الرجل المسلم منذ أن بدأت مشوار الكتابة.

حاربتني بكل قواها، ولو استعملت جزءا من الطاقة التي صرفتها في شتمي لتحرير نفسها من حظيرة الكلب والحمار والغائط والروث لنالت ما نلت. عندما فشل بعضهن في الإرتقاء بأنفسهن إلى حيث وصلت لم يبق لديهم من حيلة إلا شدّي إلى الأسفل كي أبقى في مستواهم.

لا تستطيع امرأة مسلمة أن تعترف بأخرى، فوجود أيّة امرأة يهدد وجودها. ولتلك الغيرة سبب يكمن في DNA المرأة المسلمة وليس فقط في بيئتها، وتنقله من جيل إلى آخر ليس فقط عبر بيئتها وإنما في مادتها الوراثية.

كيف ولماذا؟

لقد أثبتت الدراسات العلمية على أن العوامل البيئية، وعندما تستمر لفترة من الزمن، تحدث تغييرات في المادة الوراثية وتنتقل تلك التغيرات من جيل إلى آخر.

أذكر مثالا كي أوضح الفكرة، وكي أخفف عن القارئ حدّة الملل:

عام 1976 قام العالمان البيولوجيان الأمريكيان بيتر غرانتز وزوجته روزميري من جامعة

Princeton

بدراسة تأثير العوامل البيئية على بعض الطيور في جذر الـ

Galapagos

في المحيط الهادي.

Aversion Conditioning

يصل الإنسان إلى تلك الحالة عندما يشعر بإحباط شديد بعد أن يفشل في تحقيق ثمرة جهده.

يبذل الإنسان العربي جهدا كبيرا كي يعثر على ما يستطيع أن يقرأ ويغني فكره دوى جدوى. تكرار المحاولة وعلى مدى زمن طويل يصيبه بحالة قرف مما ينشده فيتوقف عن مثابرة جهده.

هذا هو حالنا في العالم العربي، ولو انطبقت هشاشية السيدة رجاء على ما تكتبه وفاء سلطان لما امتلأ بريدي الإلكتروني بهذا الكم الزاخم من الرسائل.

في أمريكا، التي تكرهها سيدتنا “العلمانية” يقولون:

Statistics talk

أي الأرقام تتكلم. ويعنون بذلك أن الأرقام تعطيك معلومات موثقة عن أية حالة تريد دراستها.

وبهذا الخصوص، أود أن أضيف إلى معلومات السيدة رجاء بأنه وخلال الثلاثة أيام الأولى من مقابلتي الثانية على تلفزيون الجزيرة تم نقر اسمي على

Google

قرابة مائة وخمس وسبعين ألف مرّة وهو ัرقم قياسي، ويستطيع أن يعطيك فكرة عن مدى “هشاشيّة” أفكاري!

بينما تمّ نقر الرابط الذي يحوي تلك المقابلة حتى الآن 14 مليون مرة، وهذا دليل آخر يثبت صحة رأيك “بهشاشيّة” أفكاري!!

وإذا كان من الصعب أن تتأكد السيّدة رجاء من صحة تلك الإحصائيات بإمكانها، وخلال دقائق، أن تطلع على عدد قرائي في “الحوار المتمدن”.

وهنا قد تتهمني السيّدة رجاء، كما اتهمتني في ردّها على “خطابي الهشّ”، بالنرجسيّة وذلك بقولها:

“هل يمكن أن يجوز ( أعتقد بأنها تقصد يجيز) أي كاتب لنفسه هذا التضخم النرجسي الذي يجعله يرى نفسه زعيما أوحد يأتي ليخلص أمة غارقة في غياهب الإرهاب؟”

وكان ذلك في سياق ردها على قولي:

” أسامة بن لادن يمسك بأحد طرفي المسار ووفاء سلطان تمسك بالطرف الآخر والناس منقسمون بينهما، لايقف اثنان منهم على نقطة واحدة في هذا المسار، والسؤال: هل تستطيع أمة مشتتة كهذه أن تجد لها موقع قدم بين الأمم؟”.

أتساءل هنا كيف توصلت الدكتورة رجاء من خلال عبارتي تلك إلى استنتاجها بأنني أدعي الزعامة المطلقة التي تستطيع أن تخلص تلك الأمة من غياهب الإرهاب؟

أليس هذا هو التجني بعينه؟!!

هل تستطيع سيدتنا “العلمانية” أن تنكر بأن أسامة بن لادن هو الأكثر تطرفا في تطبيقه للشريعة الإسلامية، وهل تستطيع في الوقت نفسه أن تنكر بأن وفاء سلطان هي الأكثر تطرفا في دحضها لأخلاقية تلك الشريعة، وبأن الناس في أمتنا يتراوحون في مفهومهم للإسلام وطريقة تعاملهم معه بين الموقفين؟!!

أليست تلك حقيقة؟ أين النرجسية في ذلك القول؟

لا أعتقد بأن السيدة الدكتورة تعي ماذا يعني اتهام أحد بالنرجسيّة، وإٍلاّ لأبت أخلاقها أن تنعتني بها، إذ ليس لديّ شك بأنها تتمتع ولو بالحد الأدني من تلك الأخلاق الذي يحول دون ذلك!

النرجسية في حقيقة الأمر هي مرض نفسي أكثر مما هي مجرد تعبير يطلق على شخص ما لأنّه أبدى اعتزازه بنفسه.

من الناحية الطبيّة النفسيّة هي: اضطراب نفسي يتميّز بعشق شاذ للنفس، يتمركز العشق خلاله حول أعضاء الشخص التناسلية، بمعنى آخر هي عشق الإنسان لأعضائه التناسلية. ينجم هذا الخلل في مرحلة طفولية من مراحل تطور الإنسان يطلقون عليها Phallic stage

أي المرحلة التناسلية.

تمتد تلك المرحلة من السنة الثالثة حتى السنة السادسة وخلالها يكتشف الطفل أعضائه التناسلية ويحس بالمتعة عندما يداعبها.

هذا الإكتشاف والإحساس طبيعيان جدا في تلك المرحلة. لكن عند بعض الناس، ولأسباب لاداعي لذكرها في هذا المجال، يتوقف التطور النفسي التناسلي عند تلك المرحلة فتستمر تلك المرحلة في سنوات العمر اللاحقة ويظل الإنسان مفتونا بأعضائه التناسلية.

كان المفروض أن تلتزم الدكتورة رجاء، وخصوصا لكونها أكاديمية، بتعبير أكثر دقة وأدبا فتقول على سبيل المثال “التضخم الغروري” بدلا من قولها ” التضخم النرجسي”.

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، أعتقد بأن لهذا الإتهام جذوره في أعماق الثقافة الإسلاميّة. تلك الثقافة التي ذوبت انسانها غصبا عنه في محيطه، ولم تسمح له أن يبني كيانا خاصا به ثم يعتز بذاك الكيان.

الإعتزاز بالنفس ضرورة نفسيّة لا بدّ من إشباعها كي يكون صاحب تلك النفس قادرا على قبول نفسه.

للمرأة في مجتمعاتنا الإسلاميّة حصة الأسد من ذلك التذويب القسري للنفس البشرية في محيطها. يرفض الإنسان المسلم حقّ غيره في أن يعتزّ بنفسه مادام هو مسحوقا حتى العظم، ويتفاقم الرفض عندما يكون ذلك الإنسان إمرأة وعندما يكون المعتزّ بنفسه امرأة أخرى؟!!

نعم أنا أعتز بانجازاتي، وهذا حقي! يقول انشتاين:

The brain celebrates a little triumph every time it formulates a thought.

العقل يحتفل بالنصر في كل مرّة يبدع فكرة!

ولذلك احتفل عالم الرياضيات الإغريقي الشهير أرخميدس بإبداعه!

عاش أرخميدس ومات قبيل الميلاد بحوالي 200 عام في مدينة سيراكوس.

طلب منه الملك في ذلك الحين أن يتأكد من أن تاجه مصنوع من الذهب الخالص وليس مشوبا بالفضة.

فكر كثيرا ارخميدس فلم يتوصّل إلى تلك المعرفة. فجأة وذات يوم كان يستحمّ عاريا فلاحظ كيف يدفش أي جسم يقع في المغطس الماء إلى الأعلى وهنا أتته الفكرة. لم ينتظر حتى يرتدي ثيابه كي يحتفل بالنصر لإبداعه تلك الفكرة، فراح يركض عاريا في شوارع مدينته وهو يصيح: يوريكا….يوريكا، أي وجدتها…وجدتها.

من خلال تلك الفكرة فتح بابا عريضا للعقل البشري مازال مفتوحا في كل ميادين العلوم حتى الآن.

لقد توصل إلى مفهوم الوزن والكتلة والكثافة والعلاقة بينهم، وقال مرّة عبارته المشهورة: اعطني رافعة ونقطة أستطيع أن أثبّتها بها وسأزيح لكم الأرض.

لقد احتفل ارخميدس بإبداعه قبل أن يتسنى له أن يلبس ثيابه، وهذا أبسط حقّ من حقوقه!

ومات فداء لحقه في أن يعتزّ بنفسه. كان ذلك عندما اقتحم الرومان مدينته فتقدم منه جندي روماني وقال له: اتبعني! فردّ أرخميدس بعزّة نفس: إيّاك أن تقترب من كياني! وهنا ناوله الجندي طعنة أودت بحياته.

….

سنواتي العشرين في أمريكا، ياسيدتي، غسلت قمعي وقهري وعلمتني كيف أعتز بنفسي وبانجازاتي. شعار الولاية التي أعيش بها هو: يوريكا ..يوريكا، احتراما للعالم ارخميدس ولحق كلّ إنسان في أن يحتفل بنصره عندما يبدع عقله فكرة. أما أنت، وطالما تعيشين في بلاد تصنفك من حيث النجاسة مع الكلب والحمار، لن تتعلّمي كيف يعتز الإنسان بإبداعه، وسيختلط عليك الأمر بين النرجسيّة وتلك النعمة التي يسمونها، القدرة على الإعتزاز بالنفس!

…………………….

معظم الذين تناولوا كتاباتي بالطعن والتجريح، فعلوهم من خلال حقدهم الماركسي على أمريكا ومن يعتزّ بأمريكيته!

تتطالبني السيدة الدكتورة بأن أقرأ الإسلام في سياقه التاريخي، بينما ترفض في الوقت نفسه أن تقرأ أمريكا في سياقها التاريخي.

أمّا أنا فأقرأ أمريكا في سياقها التاريخي وأرفض أن أقرأ الإسلام في سياقه التاريخي. من منا على حق، ولماذا؟

الإسلام دين يدّعي مؤسسه بأنه من عند الله، ألم تقل الآية: “وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحي” ؟!!

فكيف تريدني أن أقرأ “الله” في سياقه التاريخي ويفترض أن لا يكون لله تاريخ!

ألم تقل الآية: لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة …” فكيف تستطيعن أن تبرري مفاخذة محمد لعائشة وهي في السادسة عبر سياقها التاريخي، بينما محمد اسوة لكلّ رجل مسلم في كل زمان ومكان؟!!

الله، يا سيدتي، في مفهومه البشري أزلي أبدي، ومن الخطأ أن يقرأ من خلال سياق تاريخي، وإلا لماذا لا تصرخين بوضوح وبأعلى صوتك: القرآن وجد لزمانه وليس لزماننا هذا، فضعوه على الرف وعاملوه ككتاب تاريخي وليس ككتاب قانوني وتشريعي؟!

قبل أن أردّ عليك عدت إلى بعض مقالاتك علنيّ أسمع صرختك تلك، لكنني، للأسف الشديد، رأيتك في كلّ مرة تلفيّن وتدورين حول الفكرة ثم ترقصين كديك مذبوح من الألم ولكن بحذر كي لا تدوسين في قلبها. لقد توحدّت في نبيك من حيث لا تدرين، ولذلك لا تستطيعين أن توجهي سهمك باتجاه نحره كي لا يصيب أولا نحرك!

أنت تحاولين أن تنقذي غرقى النهر، لكنك لم تمتلكي بعد الشجاعة الكافية كي تسبحي قليلا عكس التيار وباتجاه المنبع علك تضبطين رسولك بالجرم المشهود، وهو مازال بعد أربعة عشر قرنا من الزمن يرمي بضحاياه في لجّ الموت.

ستنزفين طاقتك عاجلا أم آجلا، فعلاج النتيجة دون السبب استنزاف لكل طاقة. لكن ليس من حقك أن تتطالبيني بهدر طاقتي، فهي أعزّ من أضحّي بها كي أقرأ أساطير رجل مجنون في سياقها التاريخ، طالما هناك أمّة تؤمن بأبدية وأزلية تلك الأساطير!

لنفترض جدلا بأن بدويّا يدعى بطيمان بن شنان فاخذ طفلة في عامها السادس وهو فوق الخمسين، وكان ذلك منذ أربعة عشر قرنا خلت. هل تتوقعين بأنني سأضيّع ثانية واحدة من وقتي الثمين كي أقف عند تلك الجريمة؟! طبعا لا!

فالتاريخ مليء بالجرائم، ومع القدم نلقيها في براميل القمامة. أما عندما يصبح ذلك البدوي هو الله وجريمته شريعة الحياة الأزليّة الأبديّة، سأحتفظ عندئذ بطاقاتي كي أصرفها في معركتي معه، ويحق لي أن أعتزّ بقراري هذا لأنني نلت قصب السبق عندما اتخذته!

……………………………………….

هذا من ناحية الإسلام الذي تفرض عليّ السيدة “العلمانية” أن أقرأه في سياقه التاريخي، أمّا عندما يتعلق الأمر بأمريكا فعلينا أن نقرأها كدولة بشريّة في سياقها التاريخي.

جميع الامبرطوريات في التاريخ قامت على الحروب، تلك حقيقة تاريخية لا أحد يستطيع إنكارها. لم تتجاوز الإمبراطورية الأمريكية، كما يحلو للرفاق الماركسيين أن يطلقوا عليها، حدود تلك الحقيقة. عندما نعترف بالحقائق لا يعني أننا نصفق لها، فالحروب كوارث بشرية يرفضها العقل والمنطق والعرف الأخلاقي، ولكن قد تكون ظاهرة كونية، من يدري؟ وإلا لماذا هي مستمرة منذ أن وجد الإنسان وحتى تاريخ اللحظة، كما هي الزلازل والفياضانات والجفاف وغيرها؟!!

يثير المسلمون شفقتي عندما يتباكون على الهنود الحمر الذين أبادتهم أمريكا! وكأنهم أفلاطونيون في تعاملهم مع الإنسان عبر تاريخهم، منذ مجزرة بني قريظة وحتى مجازر الجزائر في التسعينات من القرن المنصرم، ومرورا بمجازر الأرمن والسريان والمسيحيين في بلاد الشام ولم يسلموا هم أنفسهم من مجازرهم ضد بعضهم البعض حتى الآن.

السيدة الأكاديمية رجاء لا تريد، كما قلت، أن تقرأ التاريخ الأمريكي عبر سياقه لغاية في نفس يعقوب!

لكن بودي أن أضفي إلى معلوماتها ما يبدو أنها كأكاديمية تجهله. لقد اكتشف كريستوفر كولومبوس القارتين الأمريكيتين، وليس فقط أمريكا، عام 1492. لكنّ أمريكا كدولة، وكجزء من تلك القارتين، لم تقم حتى تاريخ 1776، ولم تضع دستورها بشكله الحالي حتى عام 1783، أي بعد حوالي ثلاثمائة عام. خلال تلك الحقبة لم يكن هناك مواطن أمريكي، بل كان خليط بشريّ من كل أصقاع الارض وأغلبه أوروبيّ. فلماذا لا نحمّل اوروبا مسؤولية إبادة الهنود الحمر، وليس أمريكا بشكلها الحالي؟ 80% من الهنود الحمر، كما تشير الدراسات، ماتوا بسبب الأمراض الوبائيّة التي نقلها لهم الأوربيون، والتي لم يكن عندهم مناعة ضدها كالحصبة والطاعون والحمى الصفراء.

لو كان اليهود والنصارى في شبه الجزيرة العربية يتمتعون اليوم بنفس الحقوق التي يتمتع بها الهنود الحمر في أمريكا، لكان عار عليّ أن لا أقرأ الإسلام في سياقه التاريخي!!

صحيح أن حرب الإستقلال التي نشبت لاحقا بين أمريكا وبريطانيا قد قتلت الكثير من الهنود الحمر الذي وقف معظمهم مع بريطانيا. لكن، وتكفيرا عن تلك الحروب والإبادات، يستمتع اليوم الهنود الحمر في أمريكا بإمتيازات خاصة. لهم حكم ذاتي، وهناك أكثر من خمسمائة حكومة قبليّة تحكم قرابة ثلاثة ملايين هندي أحمر. تعترف الحكومة الأمريكية الفيدرالية بشرعية تلك الحكومات وتعطيها الحرية الممنوحة لحكومات الولايات الأخرى. هم يسنّون القوانين التي تنظم حياتهم كقوانين الضريبة ومنح الرخص والزواج والأعياد ..الخ. يسيطرون على أراضيهم ويمتلكون الحق أن يطردوا أي إنسان من تلك الأراضي، ولهم متاحفهم الخاصة بتاريخهم وعاداتهم وتقاليدهيم. هناك اهتمام كبير من قبل الحكومة الفيدرالية للحفاظ على هويتهم، وتقوم الآن كثير من الدراسات التي تعتمد على علوم الـ DNA لتقفي أثرهم العرقي، وبناء على تلك الدراسات يعتبر القانون الأمريكي أي انسان يقترب في جذوره من إصولهم، مهما تضاءلت درجة القرابة، هنديا أحمر وله الحق أن يستمتع بالإمتيازات الممنوحة لهم.

صدقيني، ياسيدتي العلمانية، لو كنت تستمتعين في وطنك الأم بما يستمتع به الهنود الحمر اليوم في أمريكا من حقوق لكان فكرك أنقى ولكانت قدرتك على قراءة التاريخ أفضل من ذلك بكثير.

لا أقول ذلك دفاعا عن أمريكا، لكنه الواقع الذي لا أحد يستطيع أن يتجاهله. ولكي تتأكدي من صحّة ذلك الواقع ما عليك إلا المرور أمام السفارة الأمريكيّة في أية عاصمة إسلامية كي تري بأمّ عينيك قوافل المقهورين أطفالا ونساء وشبابا ومعمّرين تفترش الأرض، كما افترشتها يوما وفاء سلطان، يحلمون بالهرب من جحيم إسلامك إلى النعيم الأمريكي، فهل يشفع لهم نبيّهم ويستجيب لصلواتهم بالهجرة إلى بلاد القردة والخنازير؟!!

نعم، ياعزيزتي، حروب الإبادة جرائم بحق الإنسانية ويجب أن تتضافر جهود البشريّة كي تتلافى تكرارها. لكن لا يستطيع أحد أن يتلافيها قبل أن يعترف بما اقترفت يديه منها، ثم يكّفر عن تلك الجرائم.

فمتى يعترف الإسلام بجرائمه ويكفر عنها، حتى يعود النصارى واليهود إلى شبه الجزيرة العربية ويستمتعون بالإمتيازات الخاصة التي يستمتع بها الهنود الحمر في أمريكا اليوم؟!!

ومتى يستردّ الأقباط والكورد والسريان والآشوريون والأمازيغيون وغيرهم كثيرون حقهم في الحفاظ على حضاراتهم ولغاتهم وإعادة إيحاء تاريخهم الذي طمسته جحافل إسلامك؟!!

***************************

تعتب بروفسورتنا “العلمانية” على وفاء سلطان عتابا ممزوجا بالغضب والإستهزاء عندما تقول:

“وهي ـ أي وفاء سلطان ـ تلغي التاريخ بعزل النصوص القديمة عن سياقها ومحاكمتها بمعيار العصر الحديث، وكأنّ النبي الذي ظهر في القرن السابع يجب أن يكون مؤمنا بحقوق الإنسان وحقوق المرأة….”

يا للكارثة!

امرأة مدرّسة في جامعة ومسؤولة عن تنشأة أجيالنا الجديدة تؤمن بأن حقوق الإنسان والمرأة من إكتشافات القرن الواحد والعشرين، وليست قانونا يحكم الطبيعة منذ أن وجد الإنسان!!

هل تحاولين إقناعي بأن محمدا عندما كبّر وصاح، بعد أن دحرج رجاله رأس كعب بن أشرف بين يديه: قد أفلحت الوجوه ….قد أفلحت الوجوه، لم يكن يومها يدرك في غلالة نفسه أنه انتهك حقا من أبسط حقوق الإنسان، ألا وهو حق الحياة؟!!

حقوق الإنسان عامة والمرأة خاصة هي شيفرا عالمية، ياسيدتي العلمانيّة، موجودة في كلّ زمان ومكان وليست من بنات أفكار القرن الواحد والعشرين.

قال عنترة العبسيّ افتخارا بنفسه: وأعفّ عند المغنم…. كان يدرك في قرارة نفسه بأن الغنائم عمل يتعارض مع حق الإنسان، ولذلك عفّ عنها. ولد نبيّك في نفس البقعة ولكن بعده بمئات السنين فقال: “واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول”!

فلماذا لم يلتزم بالعفة أيضا، هل لأنه كان يجهل قيمتها كما تدّعيين؟!!

الفيلسوف الصيني TaoTze ولد وعاش قبل الميلاد بحوالي خمسمائة عام، وعلى يديه تتلمذ لاحقا كونفوشيوس مؤسس الديانة الكونفوشيوسية التي تبنت حقوق الإنسان كشريعة لها. تعالي نقرأ معا ما قاله يوما:

أفضل الجنود ذاك الذي لا يهاجم….

أقوى البواسل ذاك الذي لا يقاتل…

وأعظم المنتصرين ذاك الذي ينتصر بلا معركة….

وأقوى الحكام ذاك الذي لا يتسلّط…

وعندما يحدث ذلك نسميه سيادة الإنسان….!

هل كان نبيّك سيّدا وفقا لتلك الفلسفة؟ ولماذا لم يستطع أن ينتصر إلاّ بالسيف وقطع الرقاب؟!!

تنتهك أعراض آلاف النساء كل يوم في بلادنا باسم شريعة الإسلام. ونصيحتي، ياسيدتي، أن لا تستنزفي طاقتك في إنقاذ تلك الضحايا، بل عليك أن تسبحي ولو قليلا عكس التيار، لترين بأم عينيك المجرم الحقيقي فتحيليه إلى العدالة لأنه مسؤول عن كلّ ضحايانا.

***************************************

يقول مثل روسي: عندما تطارد أرنبين كلاهما سيهربان!

العلمانية والإسلام هدفان لا يلتقيان، ولذلك اشفق عليك عندما تحاولين أن تحتكري العلمانية وتدافعي عن الإسلام في آن واحد.

يقول المفكر السوري السيّد نبيل فيّاض: نكح الإسلاميّ رفيقه الماركسي فأنجبا، كثمرة لذلك النكاح، شعارا يقول: يا عمال العالم صلوا على النبي!

فإذا كان هذا هو شعار العلمانية التي تودّين أن تطردي وفاء سلطان من تحت لوائها، لا يسعني إلا أن أتنازل لك عنها، إذ لا يشرّفني أن أرفع ذلك الشعار!!

**************************************

ملاحظة للقراء الأعزاء: لديّ الكثير من النقاط الأخرى حول الموضوع والتي لم يسمح لي وقتي أن أتناولها، لكنني سأعود إليها لاحقا.  وفاء سلطان (مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment