تأسيسية الدستور المصري وذنب الكلب

طلال عبدالله الخوري   29\11\2012  حصرياُ مفكر حر

هناك مثل عربي يقول: وضعنا ذنب الكلب اربعين عاماُ في القالب وبقي اعوجاُ ….. وهذه هي حالنا مع الجمعية التأسيسية للدستور المصري, حيث عشمنا, بعد الثورة المصرية, ورحى الربيع العربي الجاري على قدم وساق الان, والانفتاح على العالم في عصر الانترنت…… عشمنا بأن الاسلاميين قد تغيروا…, وقد تعلموا الدروس الحضارية من الشعوب الاخرى! ولكن للأسف خاب املنا…فالجمعية التأسيسية للدستور المصري والتي اغلبها من الإسلاميين, والتي أعدت مواد المسودة النهائية للدستور, قد أبقت على المادة الثانية التي تنص على ان “مبادئ الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع”, وهي مطابقة للمادة الثانية التي كانت موجودة في الدستور الذي كان ساريا في عهد حسني مبارك واسقط بعد اطاحته في 11 شباط/فبراير 2011.

أولاُ:

الدستور الذي اسقطته الثورة كانت به المادة الثانية والتي تقر بأن مبادئ الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع, وبأعتراف الازهر وكل المؤسسات والمرجعيات الاسلامية آنذاك, والتي لم تعترض قط على عدم مطابقته للشريعة الاسلامية؟ ولم تشر قط الى ان هناك اي مادة في الدستور غير مطابقة للشريعة الاسلامية! فهذا يعني بان الدستور الساقط كان مصدره مبادئ الشريعة الاسلامية, والدستور الجديد مصدره أيضاُ مبادئ الشريعة الاسلامية فما الفرق بين المصدرين, اللذين بالدستور القديم والجديد؟

هل هذا اعتراف صريح منكم بأن الشريعة الاسلامية هي حمالة اوجه؟ اذا كان الامر كذلك, فهذا اعتراف ضمني منكم بأن الشريعة الاسلامية لا تصلح لأن تكون مصدراُ لاي دستور حضاري محترم منذ اللحظة التي اسقطتم بها الدستور القديم! وإلا لماذا اسقطتموه اذُاُ؟

 ثانياُ:

عندما تقول بأن الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع, فأين هي هذه الشريعة؟ هل هناك مراجع محددة توضح لنا ما هي الشريعة الاسلامية, وذلك لكي نعود لها عند الاختلاف في تفسير مواد الدستور؟ أين هي هذه المراجع؟ الا يجب تحديدها وتوثيقها بالدستور بأعتبارها مصدراُ رئيسيا لهذا الدستور؟

الم يقل علي بن بي طالب (رض) بأن القرآن حمال اوجه, أي يجب ان لا تأخذ الشريعة كمصدرا لاي دستور وذلك لانها حمالة اوجه وهذا ما اثبتته التجربة من خلال 1400 عام من التناحر والاقتتال والاختلاف؟

هذا من جهة, ومن جهة ثانية عندما تقول بأن الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع, فهل هناك مصادر اخرى غير رئيسية؟ ما هي هذه المصادر الاخرى؟

ما هكذا تورد الابل يا تأسيسية؟ كما تعرفون واغلبكم من المتخصصين في القانون, ففي الدساتير المحترمة تكون عادة  كل كلمة واضحة ومعرفة ومحددة, فما فائدة الدستور الذي يحمل عدة وجوه؟

وفي الختام نحن ننصح بأن يكون هناك فصل بين الدين والسياسة, كما فعلت الدول المتحضرة لان السياسة تفسد الدين وتضعه في مواقف مسيئة للدين, فيما الدين يجب ان يكون بقلب المؤمن ووجدانه.

وخير مثال على اهانة الدين هو عندما تم اسقاط الدستور المصري والذي كان مصدره الشريعة الاسلامية, وهذه اهانة للشريعة الاسلامية بسبب اقحامها بالسياسة, والحل الامثل هو بفصل الدين عن الدولة لكي نحفظ وقار وروحانية الدين, فمن غير المنطقي ان نقع بنفس الحفرة على مدى اكثر من 1400 سنة.

نحن اكتفينا بهذا القدر من نقد الدستور الجديد, ولم نتكلم عن التمييز ضد الاديان الاخرى لاننا لا نعرف بقية مواد الدستور ولنا عودة الى هذا الموضوع حتما عندما تظهر بقية المواد.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

طمعه قتله

محمد الرديني

في الذاكرة العراقية مجموعة من الامثال هي في حقيقتها دعوة اما الى الكسل او الخنوع ولا احد يدري كيف تسربت الى الذاكرة واستقرت فيها منذ زمن بعيد وبات الناس يتداولوها على انها مسلمات.

ويبدو ان لكل مجموعة محافظات مجموعة من الامثال خاصة بها ولكنها تشترك في امثال طبعت سلوكهم.

والا ما معنى المثل القائل “امش ولاتعبر نهر” او “العصى لمن عصا” او “القناعة كنز لايفنى”.

عدا ذلك هناك امثال تخرب ضحك استعملت صيغة المبالغة كعادة اهل الجزيرة العربية ومنها “من علمني حرفا صرت له عبدا”.

من يتمعن في هذا المثل سيضحك ملء شدقيه لأنه سيكتشف ان الناس كلها عبيد بدون استثناء.

اما “لو جريت جري الوحوش غير رزقك ما تحوش” فهو يدعوك الى القناعة والقبول بالمقسوم وارفع شعار “خليها على الله”.

لكن الذي يحير هو المثل القائل “طمعه قتله”.. لاندري من اين جاء وماهو مصدره وكيف تسرب الى المناهج المدرسية.. اذ لو كان هذا المثل صحيحا وواقعيا لكان جميع من اتوا الى السلطة بالعراق قتلوا من زمان ولعل آخرهم افراد الحكومة الحالية، ويكفي ان نتذكر صفقة السلاح الروسية الاخيرة لنصل الى حقيقة انهم يجب ان ينتهوا بشكل او بآخر.

المشكلة ان هذا المثل لايقول لنا من هو القاتل ،هل هو الشعب ؟ هل هي القوى الشريفة؟ هل هي القوى التي تريد ان تزيح الآخر لتحل محله بالسرقة.

لو صح هذا المثل لوجدت ان جميع المسؤولين في مختلف مستوياتهم الوظيفية قد بلعتهم شبكة العدالة.

لنشطح بالخيال بعيدا “ماخسرانين شي” ونترك امثال “الزنابير ما ترفع أثقال”و”لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها”او إذا هذه مثل ذيج لا خوش بطه وخوش ديج” او “بخيرهم ماخيّروني وبشرهم عمّوا عليّة و”رضينه بالبين و البين ما رضى بينا”و”تحزم للواوي بحزام سبع”و”ناس تاكل دجاج وناس تتلكه العجاج”.

لنترك كل ذلك ونتعلق بالمثل المذكور سابقا وهو “طمعه قتله” ونجد انه ليس فقط غير حقيقي وانما يعبر عن سخرية من عقول الناس خصوصا هؤلاء الذين يريدون ان يرتقوا بمستويات حياتهم المعيشية والاجتماعية وحتى السياسية.

ولأني لااملك عقلية المؤامرة فليس من الحق القول ان اجندات خارجية هي التي فرضت علينا هذه الامثال وانها تدخل سافر في شوؤن حياتنا الخاصة ولا هي مؤامرة امبريالية او امريكية على وجه التحديد ولاهي ايضا من بقايا النظريات العلمانية ولكني سأكون بطرانا لأطلب من اهل المضيف،هؤلاء الشرفاء الا يستعملوها امام هذا الجيل الا من باب السخرية.. اطلب من الشرفاء ان يحتكموا الى ضمائرهم ويسالوا انفسهم، لو كان الطمع يقتل الانسان فهل يعقل ان يبقى في السلطة 9 سنوات وهو ينهب البلد وما زال؟.

فاصل لآخر نكتة: أكدت النائبة السابقة عمارة البلداوي ان اعطاء النفط لأي جهة دون اخذ رأي الشعب مخالفة دستورية لان النفط ملك الشعب العراقي وليس ملك مجلس الوزراء يهديه لمن يشاء. وتساءلت البلداوي في بيان صحفي وزعته على وسائل الإعلام “ما سبب اهداء {100} الف برميل من النفط الخام الى الاردن مجانا وهدية من غير جزية وماهو التزامنا بمشاكل الآخرين وبيتنا كله مشاكل”.

ياسلام.. والله انت يابلداوي امرأة رائعة بكل المقاييس ولكنك لم تقولي لنا من هو هذا الشعب الذي تريدون اخذ موافقته في أي قرار؟.

بمناسبة هذا الكلام اولاد الملحة راح يعزموك على “باجة”.     تواصل مع محمد الرديني فيسبوك

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

محاولة في نقد الفكر السياسي في العالم العربي

يوسف نور عوض   القدس العربي اللندنية

أحداث كثيرة تمر بالعالم العربي في هذه الأيام، خاصة بعد الثورات التي أطاحت أنظمة الحكم في تونس وليبيا ومصر واليمن وأشعلت الثورة في سوريا، ورغم ذلك لم يكن الفكر السياسي الذي تبع تلك الثورات في المستوى الذي يتلاءم مع هذه المرحلة الجديدة من تاريخ الأمة العربية، ذلك أن معظم الكتابات تركزت حول تغيير الأنظمة والبدائل المحتملة من منظور تقليدي يركز على كيفية الوصول إلى السلطة وليس كيفية إحداث التغيير في النظم السياسية، ولا ينفي ما ذهبنا إليه أن بعض المفهومات الحديثة طرحت دون أن تتم معالجتها بالمستوى المطلوب، ومن أهم هذه المفهومات مفهوم الديموقراطية الذي يعني عند الكثيرين ‘الانتخابوية’ التي تبرر للأحزاب أو الأفراد أن يصلوا إلى السلطة، إذ ظل الكثيرون يعتقدون أن مجرد انتخاب فرد أو جماعة يبرر له أو لها أن تفعل ما تريد بكون الديموقراطية في نظر الكثيرين هي مجرد عملية انتخاب فقط، ولا يقف هؤلاء ـ عادة ـ عند النظام الذي تتم فيه عملية الانتخاب، وتلك هي المشكلة الأساسية في العالم العربي، ذلك أنه إذا نظرنا إلى البلاد العربية التي توجد فيها برلمانات وجدنا هذه البرلمانات تتكون من مجموعات طائفية أو زعامات قبلية أو أصحاب وجاهة اجتماعية، وهم في معظم الأحوال لا يصلون إلى الحكم لأن لهم برنامجا خاصا يريدون تحقيقه لصالح المجتمع بصفة عامة بل لأن هدفهم الوصول إلى السلطة من أجل تحقيق نفوذهم وإقصاء الآخرين والاستفادة من مقدرات الدولة بصورة غير مشروعة ما يسبب انتشار الفساد بشكل واسع في هذه الأنظمة.

ويختلف هذا النظام عما هو سائد في الديموقراطيات الحقيقية في العالم .وأذكر في هذا السياق أن أحد الأشخاص من الذين حصلوا على الجنسية البريطانية قال لي أنه صوت في ستة انتخابات برلمانية أعطى فيها صوته لأشخاص لا يعرفهم، وعندما سألته لماذا؟ قال لأن المرشحين في الانتخابات البريطانية لا يستندون إلى نظم قبلية أو وجاهات اجتماعية إذ هم أشخاص يعملون في إطار نظام حزبي معترف به، وبالتالي فإن المواطن يصوت للمبادئ أو البرامج التي يعلنها الحزب ولا يهم من الذي يقوم بتنفيذها، ذلك أن الحزب له آليته التي يضبط بها سلوك نوابه، وبذلك لا يضع الحزب عبئا على المواطن. ولا يقتصر النظام الديموقراطي في بريطانيا على عملية انتخاب النواب فقط إذ هو نظام يستند أيضا على أسس اقتصادية قوية، ذلك أن الأغنياء في النظام الديموقراطي يحققون ثراءهم عن طريق العمل والجد وهم بعد أن يحققوا الثروة لا يرحلونها إلى العالم الخارجي بل يضعونها في المصارف الداخلية أو يوظفونها في مشاريع العمل بحيث يستفيد الجميع منها، ويوجد في النظم الديموقراطية كذلك نظام للضمان الاجتماعي الذي يوفر الحياة الكريمة لكل من يجد نفسه خارج الوظيفة أو العمل، وذلك ما يجعل الكثيرين يقبلون على دفع ضرائبهم ولا يتهربون منها، بكونهم يعلمون أن هذه الضرائب ستعود عليهم بالفائدة حين يتعطلون عن العمل أوحين يصلون إلى سن التقاعد. ولا يقتصر الأمر على ذلك، إذ نجد في النظام الديموقراطي أيضا نظام قضاء نزيه ومحايد لا يأتمر بأمر السلطة ولا يتدخل السياسيون في عمله، وذلك ما يجعل سائر المواطنين يحسون بالأمان لأنهم قادرون على أخذ حقوقهم كاملة إذا ما تعرضوا لظلم. ولا أريد هنا أن أقول إن هذه المفاهيم غائبة في العالم العربي لأنها موجودة كما تقول هالة مصطفى في كتابها القيم أزمة الليبرالية العربية، ولكنها موجودة في إطار فردي، ذلك أن العالم العربي لا يعدم الأشخاص الذين كتبوا كتابات مستنيرة في مفهوم الدولة من زوايا مختلفة، لكن تبقى معظم هذه الكتابات فردية التوجه ولم تتحول إلى نظم اجتماعية حقيقية كما تقول الكاتبة.

ويشعر الكثيرون بالأسف لأن الناس في العالم العربي كانوا يتطلعون دائما إلى مصر ويرون أنها القلعة التي سيحدث منها التحول، فقد انفتحت مصر منذ عهد محمد علي باشا على العالم العريض وبدأت تدق باب الحداثة بعنف وكان العالم العربي ينظر بإعجاب لما يحدث فيها ويتمنى أن تكتمل تجربتها وتكون أنموذجا يحتذيه العالم العربي، وبدأت مصر تضع أولى خطواتها في طريق الديموقراطية من خلال التعددية الحزبية التي لا تستند إلى أسس طائفية أو عرقية، ولكن جاءت ثورة يوليو وأوقفت كل هذا المد، وحولت البلاد في عهد عبد الناصر والسادات ومبارك إلى دولة بوليسية تعادي الشعب وتفتح له المعتقلات وتطارده بأجهزة المخابرات، وحتى بعد أن سقط هذا النظام وظن الكثيرون أن مصر مقبلة على عهد جديد خاب ظن الكثيرين عندما رأوا أن البلاد تدخل في جدل عقيم حول قضية واضحة المعالم ولا تحتاج لأن يختلف الناس حولها في إطار نظام ديموقراطي سليم.

ويبدو المشهد العربي في ضوء ذلك مشهدا يتسم بالفوضى والقصور الفكري، ذلك أن المطلوب في هذه المرحلة ليس تزاحم التيارات التي تريد أن تصل إلى السلطة بل بدء التفكير في كيفية إنشاء الدولة الحديثة.

وفي ضوء ذلك لابد أن يقلع الكثيرون عن التفكير بالأساليب الطائفية والعرقية والعقدية بكون هذه الأساليب لن تقيم نظام الدولة القويم، وهو النظام الذي يحتاج إلى تفكير عريض يستند إلى الأسس التي تبنى عليها الدول الحديثة، ولا شك أن هناك نماذج كثيرة في عالم اليوم يمكن الاستفادة منها مثل النموذج البريطاني والنموذج الفرنسي والنموذج الأمريكي، وهنا يجب أن يتوقف التفكير التقليدي في العالم العربي الذي لا يرى في النظم المتقدمة إلا نظم استعمار واحتلال، إذ يجب أن تعرف الشعوب العربية أن مواقف الدول الغربية منها ليس بسبب رغبتها في المصالح والتحيز فقط بل أيضا بسبب الواقع العربي ذاته الذي يشجع على مثل هذا التعامل، وقد رأينا في نموذج مقاومة حماس للاعتداءات الإسرائيلية دليلا على ذلك، إذ عندما صمدت حماس وأدرك العالم أن صمودها سيكلف الطرف الآخر كثيرا وقف العالم معها من أجل أن ينهي تلك الحرب، وذلك ما يجب أن يحدث في المواقف العربية كلها لأن حالة الضعف والتشرذم السائدة في العالم العربي هي التي تشجع على مواقف العالم الغربي من العرب وتجعل الخصومة حاجزا دون إقامة الدولة الحديثة في هذا المكان من العالم، ولا شك أن الكثيرين يعتقدون أن التغيير يعني فقط قلب أنظمة الحكم وذلك خطأ كبير لأن العالم فيه النظم الجمهورية والنظم الملكية وغيرها، وليس المهم أن يكون الحاكم رئيسا أو ملكا بل المهم أن يكون هناك نظام يحقق الأسس الديموقراطية التي تحدثنا عنها، وبالتالي يجب أن تكون المرحلة المقبلة هي مرحلة التفكير السوي بحيث لا يصبح مشروع إقامة الدولة الحديثة في العالم العربي مشروعا محدودا في أذهان بعض الأشخاص يسطرونه بأقلامهم في كتبهم، لأن المطلوب هو أن يتحول المشروع إلى واقع بحيث يحدث التغيير الحقيقي في العالم العربي.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

حزب الله” يغرق في ريف دمشق؟”

علي حماده        النهار اللبنانية

في معلومات من دمشق، ان القيادة العسكرية في النظام قررت تقليص درجة الاعتماد على القوات النظامية في الجيش من اجل القيام بمهمات قتالية، اذ دلت التجربة خلال الاشهر الاخيرة ولا سيما في الاسابيع الماضية ان المهمات التي تكلف بها القوات النظامية نادرا ما تحقق اهدافها لاسباب كثيرة، وغالبا ما تنتهي بإنشقاق العديد من الجنود والضباط المتوسطي الرتبة. وفي المعلومات ايضا ان النظام يستعين اكثر بالميليشيات التي انشأها (الشبيحة) وايضا بميليشيات “حزب الله” الذين ارتفعت اعدادهم كثيرا في المرحلة الاخيرة، وهم منتشرون في المناطق المحيطة بدمشق ذات البيئة السكانية العلوية او الشيعية او حتى المسيحية والكردية، ويشكلون الدرع ما قبل الاخير للنظام في دمشق. فخلف هؤلاء تنتشر قوات فرقة الحرس الجمهوري وحامية دمشق (اللواء ١٠٥)، وتجري استعادة آلاف الجنود من الحرس الجمهوري الى دمشق. بالفعل بدأت معركة دمشق من دون اعلان رسمي.

بالنسبة الى “حزب الله” ارتفعت وتيرة التورط العسكري المباشر ولا سيما في المناطق الى الغرب من دمشق والتي تمتد لغاية الحدود مع لبنان، هي تعتبر شريانا حيويا للحزب وايران وترتبط بمخازن سلاح، وبتسهيلات مطار دمشق الدولي. وفي مطلق الاحوال وبالرغم من قدرات مقاتلي الحزب وكفاءاتهم القتالية فالتقدير العام انهم لا يشكلون وزنا يعتد به للتأثير على المآل الاخير للصراع في سوريا. فالصدام بين الثورة والنظام يتجاوز طاقات “حزب الله”. وكلما عادت جثث مقاتلي الحزب الى البلدات والقرى في البقاع والجنوب، سرت بلبلة اضافية في البيئة الحاضنة لأنه مهما قيل في “الواجب الجهادي”، يبقى على ارض الاخرين.

ما تقدم يعيدنا الى ما قاله النائب وليد جنبلاط اخيرا عند تقديمه مبادرته الوفاقية، حيث دعا فريقي الصراع السياسي في لبنان الى تجنب الانغماس في ميدانيات الازمة السورية. فأين “حزب الله” من نصائح جنبلاط؟ علما ان فريق ١٤ آذار لا يملك قدرات قتالية، ولو امتلكها فعلا لكانت تغيرت امور كثيرة عندنا.

قبل يومين اتصل بي وزير “وسطي” قال: “لماذا تصرون هكذا على استقالة الحكومة؟ فالحكومة اشبه ما تكون بالمستقيلة وتصرف الاعمال، والرئيس ميقاتي حرص على ان يكون خلال توليه السلطة حاميا لتركيبة المعارضة في الادارة. وقام سياسيا بكل الخطوات التي كان ليقوم بها الرئيسان الحريري والسنيورة”. اجبت: “عزيزي اوافقك الرأي بالنسبة الى تصريف الاعمال. انتم الجزء الذي يصرف الاعمال في الحكومة، ولا وزن لكم في مواجهة الجزء الآخر الذي يحكم بالفعل وهو لا يصرف الاعمال بتاتا. ومثال بسيط على ما اقول، ان “حزب الله” طيّر طائرة “ايوب” مباشرة بعد “اعلان بعبدا” حول مرجعية الدولة للسلاح، وفي الوقت نفسه اعلن عن “الواجب الجهادي ” في سوريا فألغى بند تحييد لبنان عن ازمة سوريا”. في الخلاصة : ان “حزب الله” الى مزيد من التورط بدماء السوريين، و”الوسطية” الى المزيد من التنظير الاكاديمي.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

آن أوان التدخل الأميركي في سورية

كوندوليزا رايس

الحياة اللندنية

الحرب الأهلية في سورية ربما تكون الفصل الأخير من فصول تفكك الشرق الأوسط القديم على الوجه الذي يألفه العالم. وتكاد تضيع فرصة الحفاظ على تماسك المنطقة وإعادة بنائها على أسس مختلفة تعلي شأن التسامح والحرية وترسي الاستقرار الديموقراطي. والهويات القومية في مصر وإيران راسخة على مد التاريخ. وهذه حال تركيا، على رغم أن عملية دمج الأكراد متعثرة وتعاظم ارتياب أنقرة بميولهم الانفصالية.

وعلى خلاف الدول هذه، تبدو الدول الأخرى في المنطقة طرية العود وهي في مثابة بناء حديث التشييد وضع البريطانيون والفرنسيون أسسه من غير مراعاة الاختلافات الإثنية والطائفية. وطوال عقود، تماسكت هشاشة بنية الدول في الشرق الأوسط على يد أنظمة ملكية وأخرى استبدادية. ومع تفشي عدوى الحرية من تونس إلى القاهرة ودمشق، ضعفت قبضة الحكام المستبدين وخرجت الأمور عن ارادتهم. والخطر الداهم اليوم هو تفكك الدول المصطنعة الحدود وتناثرها إلى أجزاء. وإثر إطاحة صدام حسين في العراق، أملت الولايات المتحدة بنشوء دولة ديموقراطية متعددة الإثنيات والطوائف تنجز ما ليس في مقدور المستبدين: منح الجماعات مصلحة في المصير المشترك والمستقبل الواحد. وأفلحت في ذلك إلى حد ما. فالانتخابات ولدت أكثر من مرة حكومات تمثل الجماعات المختلفة، لكن المؤسسات العراقية طرية العود وهشة، وهي تهتز على وقع الانفجارات الطائفية الإقـــليمية الأوســـــع. والنزاع في سورية يودي بالعراق وغيره من الدول إلى شفير التفكك. وإثر الانسحاب الأميركي، اتكأ السياسيون العراقيون على تحالفات طائفية للحفاظ على مكانتهم. فإذا لم يعد في وسع رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، التعويل على الدعم الأميركي، لن يغامر في جبه طهران.

 إن اعظم خطأ وقعت فيه واشنطن في العام الأخير هو تعريف النزاع مع نظام بشار الأسد على أنه نزاع إنساني. فنظام دمشق لم يتورع عن توسل العنف، وراحت ضحية المجازر أعداد كبيرة من الأبرياء. وأوجه الشبه ضعيفة بين ما يجري في سورية وحوادث ليبيا في 2011.

 ولا يستهان بما هو على المحك في سورية. فمع تفتتها، تستقطب السنة والشيعة والأكراد شبكة من الولاءات الطائفية. وفي الماضي، دعا كارل ماركس عمال العالم إلى الاتحاد وتجاوز الحدود الوطنية والانعتاق من «الوعي الكاذب» لهوياتها، ونبههم إلى أن ما يجمعهم يفوق ما يشدهم إلى الطبقات الحاكمة التي تقمعهم باسم القومية والوطنية. واليوم، تؤدي إيران دور ماركس. فهي تسعى إلى بسط نفوذها على الشيعة وجمعهم تحت عباءة ثيوقراطية طهران، وترمي إلى تفكيك وحدة البحرين والعراق ولبنان… وهي أوكلت هذه المهمة إلى مجموعات إرهابية، منها «حزب الله» والميليشيات الشيعية جنوب العراق. وسورية هي السد في وجه هذا المخطط. فهي الجسر إلى الشرق الأوسط العربي. ولم تعد طهران تخفي أن قواتها تدعم نظام الأسد في سورية وتشد عوده. وفي مثل هذا السياق، يبرز اتجاه إيران إلى حيازة السلاح النووي مشكلة تواجه المنطقة كلها وليس إسرائيل فحسب.

 لم تقف الدول العربية ودول الجوار موقف المتفرج من التدخل الإيراني في سورية. وانزلق الأتراك إلى النزاع، وتعاظمت خشيتهم من انفصال الأكراد في سورية وتحفيزه إخوتهم في تركيا على احتذاء مثالهم. وصارت الهجمات الصاروخية والمدفعية الحدودية شائعة في كل من إسرائيل وتركيا. ولا يجوز الوقوف موقف المتفرج إزاء طلب أنقرة مساعدة من «الناتو». ولكن ماذا فعلت الولايات المتحدة في الأثناء؟ انصرفت طوال اشهر إلى إقناع الصين وروسيا بالإجماع على اتفاق أممي «لوقف إراقة الدماء»، وكأنها تصدق أن ثمة أملاً بعزوف موسكو عن دعم الأسد وانشغال بكين باستشراء الفوضى في الشرق الأوسط. وليس فلاديمير بوتين رجلاً عاطفياً، ولن يتخلى عن الأسد إذا شعر انه يملك حظوظاً في النجاة.

 وفي الأيام الأخيرة، بادرت فرنسا وبريطانيا وتركيا إلى ردم هوة الفراغ الديبلوماسي والاعتراف بائتلاف المعارضة الجديد الذي يمثل شطراً راجحاً من السوريين. وحري بالولايات المتحدة أن تسير على خطى الدول الثلاث، وأن تـــرهن تسليح الجماعات المعارضــة الموحــدة بعتــاد دفــاعي بانتهاج سياسة «دمجية» لا تستأثر بالسلطة في مرحلة ما بعد الأسد. وأميركا وحلفاؤها مدعوون إلى فرض منطقة جوية عازلة لحماية الأبرياء. فالحاجة تمس إلى النفوذ الأميركي، ويترتب استشراء النزاع الطائــفي وتــــفاقمه على ترك إدارة النزاع إلى القوى الإقليمية التي تختلف أهدافها عن الأهداف الأميركية.

 ليس التدخل في المنطقة من غير أخــطار. فالنـــزاع الدموي في سورية متواصل منذ أكثر من سنة، واشتد عود اكثر الشرائح تطرفاً في المعارضــة السورية. فـــالحروب الأهليــة تميل إلى تعزيز نفوذ غيـــر المعتـــدلين و «أسوأ» القـــــــوى. وإطاحة الأسد في مثل هذه الظروف قد تفضي إلى بلوغ المجموعات الخطيرة السلطة، لكن خطر تداعي نظام الدول في الشرق الأوسط أفدح من خطر «القاعدة» وأخواتها. فكفة إيران ستغلب كفة حلفاء أميركا، وطوال عقود ستغرق المنطقة في دوامة عنف ومعاناة عاصفة. ومد الحرب لا يتجه إلى الانحسار في الشرق الأوسط، بل يعلو ويتجه إلى بلوغ ذروته. والانتخابات الأميركية انتهت، وآن الأوان كي تبادر أميركا إلى التدخل.

 * وزيرة الخارجية الأميركية بين عامي 2005 و2009، عن «واشنطن بوست» الأميركية، 24/11/2012، إعداد منال نحاس

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | 1 Comment

حكم مرسي الأخواني مقابل المجرم بشار الأسد

طلال عبدالله الخوري   حصرياً مفكر حر  28\11\2012

يقوم الموالين للمجرم بشار الاسد والجيوش الاعلامية التي يسخرها النظام بتخويف السوريين من وصول الاخوان المسلمين الى حكم سوريا, وبالرغم من أن السوريين لا يناسبهم حكم الأخوان المسلمين, وليس للإسلاميين شعبية كافية توصلهم للحكم بانتخابات ديمقراطية نزيهة, لأن السوريين شعب متحضر ومنفتح على العالم, وهو اقرب للتجربة الليبية منها للمصرية حيث وصل الى الحكم بليبيا الليبراليين وليس الإسلاميين؟

بالرغم من اننا نعتبر بأن حكم عائلة الاسد هو حكم اسلامي سني, ولا يختلف باي شئ عن حكم مبارك بمصر او عبدلله بالسعودية, او صدام حسين بالعراق, او اي زعيم سني بأي بلد اسلامي, وهذا ما اثبتناه بمقال سابق لنا بعنوان (خرافة الأحزاب السياسية العربية) وقلنا بانه لا وجود للاحزاب السياسية العربية, وقلنا بان البلاد العربية ومنها سورية, تم حكمها بحزب واحد وهو حزب الاخوان المسلمين ولكن باسماء مختلفة واشكال مختلفة, وقلنا بان النظام الحالي في سورية انما هو حزب الاخوان المسلين فرع الاسد, وأنه لا علاقة للنظام الحاكم في سورية بالطالئفة العلوية لا من قريب او بعيد سوى ان الرئيس السوري ولد لابوين علويين, وان الاسد كان يحكم سوريا بحكم اسلامي لا يختلف باي شئ عن الحكم الاسلامي السائد بالبلدان العربية الاخرى منذ 1430 سنة وحتى الآن.

 سنحاول في هذه المقالة بأخذ احتمال وقوع اسوء السيناريوهات! ولنفرض جدلاً بأن الاسلاميون وصلوا للحكم بسوريا, وهو كما قلنا اسوء السيناريوهات الممكنة, ولنقارن بين حكم الاخوان المسلمين في مصر مع حكم عائلة الأسد في سوريا:

أولاُ :

 تمت بمصر تحت حكم الاخوان انتخابات الرئاسة ومجلس الشعب بأجواء ديمقراطية ونزيهة, وهذا ما لم يعرفه الشعب السوري منذ أكثر من اربعين عاماُ, (فرئيس الجمهورية) او الرئيس الوراثي يتم انتخابة بأنتخابات صورية, ونتيجتها معروفة مسبقاُ وهي عادة أعلى من نتائج انتخاب الإله بذاته, أما انتخابات مجلس الشعب فحدث ولا حرج, فهي عملية تعيين موظفين بمنصب عاطل عن العمل, اصعب مهامه هو التصفيق لكلمات الرئيس والرقص بالاحتفالات والمناسبات التي يقيمها الرئيس.

ثانياُ:

 حاول الرئيس مرسي ان يقيل النائب العام, وتم رفض هذا القرار, واجبر الرئيس مرسي على سحب قراره, وهو ما يؤكد احترام استقلالية القضاء تحت حكم الاخوان, اما في حكم عائلة الأسد فلا احترام لاستقلالية القضاء, وحتى لا احترام لاي قانون او اي دستور وإذا احتاج الامر فانه يتم تعديل الدساتير والقوانين وتفصيليها لتناسب مقاس الرئيس او الوريث.

 ثالثاُ:

 لم يصادر تحت حكم الاخوان اي كتاب, ولم يفرضوا الحجاب على احد, بينما تحت حكم عائلة الاسد فلا احد يستطيع ان ينشر كتابا يعترض عليه البوطي فقيه عائلة الاسد.

 تحت حكم الاخوان, لم يتم الصرف على الجماعات اسلامية من مال دافعي الضرائب وهم يحاولون تطوير الاقتصاد, بينما عائلة الاسد كانت تصرف بسخاء على المدارس الدينية من اموال السوريين,وذلك لكي تنافس المعارضة الاسلامية على الاسلام, ولكي تظهر بمظهر المدافع عن الاسلام اكثر من المعارضة الاسلامية, فماذا استفاد الشعب السوري من ادعاء عائلة الاسد بالعلمانية اذا كانت بنهاية الامر تحكم بحكم اكثر اسلامية من الاسلاميين انفسهم؟

رابعاُ:

 تحت حكم الاخوان المسلمين فان الجيش المصري هو جيش وطني يستخدم لحماية المصالح العليا للشعب المصري, بينما في المقابل تحت حكم عائلة الاسد فأن الجيش السوري هو جيش طائفي, هدفه حماية نظام عائلة الاسد ولو اقتضى الامر الى تدمير سوريا وتشريد شعبها, وقتل أبنائها ونسائها واطفالها ودفنهم بمقابر جماعية تحت وابل من براميل الديناميت, والقنابل المحرمة دولياُ من عنقودية وفراغية.

وفي الختام نحن السوريون بكل اطيافنا والواننا, من سنة ومسيحيين واكراد ودروز وعلويين نفضل ان نخرج بمظاهرات لاسقاط حكم الاخوان المسلمين بسوريا, اذا وصلوا للحكم وتجاوزوا الدستور, او اذا لم يفوا بوعودهم الانتخابية, على ان يدمر المجرم بشار الاسد سوريا, وان يموت شعبها تحت وابل من براميل الديناميت والقنابل العنقودية, وأن يدفن شعبها بمقابر جماعية. 

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

العراق للجميع وليس لطائفة واحدة

محمد الرديني

واخيرا تدخلت اعلى مؤسسة دينية لتلجم طائفية بعض المسوؤلين الذين بالغوا في المراسم الدينية بمناسبة ايام عاشور.

فبعد ان تفاجأ الجمهور برؤية قوات امنية يراسها احد الضباط وهم يلطمون في الساحة المخصصة للعروض العسكرية.كشفت الكثير من التجاوزات في ممارسة شعائر عاشوراء.

لم يكن هذا العنوان من بنات افكاري بل كان من ضمن ماقاله الشيخ حسين آل ياسين معتمد آية الله العظمى السيد علي السيستاني في خطبته امس الاول امام حشد من الزوار في كربلاء.

صرخ هذا الشيخ الذي انحني له احتراما رغم ان صرخته كانت متأخرة بعض الشيء الا ان الاوان لم يفت بعد ولابد لهؤلاء اللطامة الذين ذكرهم ان يقفوا عند حدهم.

قال هذا الرجل الجليل:

“مو صحيح يسوي المسؤول تعزية بالدائرة التي يديرها فهي ملك لكل العراقيين وليست وقفا على الشيعة.. ومو صحيح تعلق الرايات السود، فوق المدارس والجامعات لا الجامعة ولا المدارس هي ملك لحزب ما انها ملك كل العراقيين وبالتالي هي اماكن علم، على أي اساس ضابط شرطة يشغّل شريط تعزية في سيارة الدولة.. لماذا يستغل هذا الضابط او ذاك سيارة الدولة في اغراض خاصة ولماذا بعض اصحاب السيارات الخاصة والاجرة يتباهون في اطلاق شرائط التعزية باعلى صوت حين يمرون من الاماكن العامة، هذه ليست اخلاق الشيعة”(انتهى كلام الشيخ).

اعتقد كل الطوائف والمذاهب الدينية التي تحترم نفسها لاتلجأ الى هذه الممارسات، انهم “اللكامة” وما اكثرهم بالعراق.

ان هؤلاء متخصصون في التطبيل وراء أي مطبّل يقودهم وهم الذين ارسلوا العراق الى الجحيم.

لايهمهم من المقدس ومن هو القاتل ، المهم عندهم ان يسيروا مع موكب النعاقين، وذاكرة العراقيين الشرفاء تحفل بقصص يندى لها الجبين منذ ان تأسست الدولة العراقية وحتى كتابة هذه السطور.

من يرغب في مشاهدة وسماع الخطبة فهذا هو الرابط.

فاصل: اتذكرون زهى حديد ،تلك الفنانة الرائعة التي يكن لها كل العراقيين ماعدا حكومة المحاصصة كل التقدير انجزت مؤخرا تصميما راقيا لملعب رياضي في طوكيو.

ومن يرغب في رؤية هذا التصميم الاعجوبة فلدي الاستعداد لارسال الصور بالكامل.   تواصل مع محمد الرديني فيسبوك

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

وفاء سلطان….كيف ولماذا تكتب؟ ١

وفاء سلطان

أنت حكيم عندما تستطيع أن تكشف النقاب عن اللامعقول في المألوف!

**********

حدث ذلك في نهاية السبعينات، كنت يومها طالبة في كلية الطب بجامعة حلب. اجتمعنا نحن الطلاب حول رئيس قسم التوليد والأمراض النسائية في مستشفى حلب الجامعي.

دخلت السيدة فاطمة إلى العيادة مبرقعة بالسواد من قمة رأسها حتى أخمص قدميها، وهي تئن بصوت يلامس شغاف قلبك، وكأنها على حافة الموت.

سألها الدكتور عبد الرزاق: ما القضية؟!

ردت وهي تحاول أن تمسح دموعا انهمرت على خديها: التهابات….التهابات يا دكتور!

وبصعوبة بالغة تسلقت طاولة الفحص النسائي.

اقتربت والقيت نظرة على المسافة الممتدة بين فخذيها، شعرت بالدوار فألصقت جسدي بالحائط المجاور خوفا من الانهيار.

سألها الدكتور: ما هذا؟

ردت بصوت منخفض بالكاد يُسمع: زوجي يا دكتور يُطفئ سجائره على جسدي!

هبطت عليّ صاعقة من السماء عندما سمعت الدكتور عبد الرزاق يقول: يبدو أنك تستحقين!

قهقه الطلاب تعاطفا مع رئيسهم الدكتور، فرحت أجسّ نبضي كي أتأكد من أن الحياة مازلت تنبض في عروقي!

(يبدو أنك تستحقين!)

هي العبارة الأولى في حياتي التي شرختني نصفين، ومنذ يومها لم تسطع كفارة في الأرض، ولن تستطيع، أن تجمع أشلائي!

بين ساقيها وحيث تنبع الحياة، انتشرت حروق بحجم القطع المعدنية الصغيرة، تستطيع كطبيب أن تميز بين جديدها وقديمها وما بينهما!

تقيحت تلك الحروق بطريقة تثير الشفقة في قلب هتلر!

لم يؤلمني ذلك المنظر بقدر ما آلمتني عبارة أبيقراط: يبدو أنك تستحقين!

………….

رن جرس الهاتف في غرفة الإسعاف في المشفى الوطني بمدينة اللاذقية، وكنت الطبيبة المناوبة في ذلك اليوم.

ـ آلو

ـ أنا الدكتور أحمد…باعتلك قحبة….افتحي كـ….ها ونظفيه!

شعرت بالدوار، أمسكت بطاولة الفحص خشية من أن أقع، وبرجلي دفشت الكرسي تحت جسدي المشرف على الهلاك.

الدكتور أحمد هو مدير صحة المحافظة، وجميعنا نشتغل عبيدا في مزرعته!

لم أكد استرد بعضا من أنفاسي، التي أخمدتها وقاحة رجل لم يتعلم في حياته قيمة الإنسان، حتى دخلت الغرفة طفلة لم تتجاوز بعد ربيعها السادس عشر، تميل على الجانبين وكأنها بطة قد أشرفت على الموت!

بصعوبة بالغة جدا تسلقت طاولة الفحص النسائي.

نظرت بين ساقيها حيث تنبع الحياة، ثم سألت: ماهذا؟!!

غطت سهى وجهها بيديها وحشرجت: أحدهم دفشها في مهبلي!

ـ ومن هو هذا الـ أحدهم؟!!

ـ فلان الفلاني….أنظف له مكتبه كل يوم مقابل أجر أساعد به والدي المريض كي يعيل أخواتي الستة!

ـ ولماذا فعل ذلك؟

ـ قال لي بأنني قذرة ولا يريد أن يلمس جسده جسدي!

ـ وما رأيك؟

ـ أنا أقذر من القذارة!

أخرجت كأسا مخروطيّ الشكل من مهبلها وهي تصرخ، وصراخها مازال حتى تاريخ تلك اللحظة ينشب كالطلقة في كل خلية من خلاياي!

ليست القضية في انتهاك عرض طفلة وحسب، بل في إقناعها بأنها أقذر من الرجل الذي انتهك عرضها!

الجريمة الأكبر هي أن تؤمن المرأة بأنها مسؤولة عن جرائم رجل لم تهذبه شريعة ولم تردعه أخلاق!

………………..

كنت طبيبة في قرية نائية، كان ذلك أثناء تأديتي للخدمة الريفية بعد تخرجي من كلية الطب.

دخلت عيادتي المنزلية امرأة في أواخر الثلاثين من عمرها تشكو من بعض الأعراض.

أثناء الفحص النسائي تبين بأن حجم الرحم يقابل حجم حمل في الشهر الثالث. لم أكد أزف لها النبأ حتى ثارت كوحش اُصيب لتوه بطلق ناري.

راحت تركض في الغرفة وترمي الأشياء بطريقة هستريائية وتضرب رأسها بالحائط وتنتف شعرها بكلتا يديها.

صحت لزوجي كي يساعدني على ضبطها، فمسكها وأجبرها على الجلوس، ثم هددتها بالإتصال بالشرطة مالم تهدأ وتخبرني القصة بحذافيرها.

ـ أنا امرأة أرملة…مات زوجي منذ أربعة أعوام وترك معي أربعة أطفال. أخو زوجي يغتصبني كلما شاء مقابل أن يطعمني وأطفالي. لو عرف أنني حامل سيحرض ابني المراهق على قتلي، وتابعت:

ـ لا تهمني حياتي فأنا أستحق الموت، ولكن لا أريد لابني أن يوسخ يديه بدمي!

الجريمة الأكبر هي أن تقتنع المرأة بأنها تستحق الموت، وبأن دمها قذر لأنها لم تستطع أن تحمي نفسها من براثن وحش لا يعرف الله!

الجريمة الأكبر أن تقتنع بأنها هي التي أثارت غرائزه الإلهية “المقدسة”، وبأنها مسؤولة عن جرائمه!

أحلت خديجة إلى طبيب مختص بالتوليد والأمراض النسائية، فعادت إليّ بعد اسبوعين شاحبة نحيلة تصارع الموت.

ـ ما الأمر يا خديجة؟

ـ تخلصت من الجنين، ولكن أثناء التجريف رأيت ملك الموت بعينيّ!

ـ لماذا؟

ـ لم يخدرني الطبيب، لم أكن أملك من النقود ما يكفي لشراء أدوية التخدير فاضطر أن يجري العملية بلا تخدير!

بلا تخدير…..؟ ألم أقل لكم بأن الرجل في شريعتنا وحش؟!!

………………………….

أمل طبيبة وضابطة برتبة عالية، كانت تشتغل في المشفى العسكري الذي كنت أتلقى به تدريبي.

نقلت ذات يوم بحالة إسعاف إلى المشفى نفسه نتيجة تعرضها لحروق كيماوية شملت وجهها وأصابت عينيها.

انتشر الخبر على أنها تزحلقت فوق أرض الحمام وهي تحاول أن تملأ طاسة الموقد بالمازوت، فوقع سطل المازوت على رأسها وأصاب عينيها بحروق بالغة.

ولكن في لقاء شخصي معها، أباحت لي بسرّ الحادثة:

ـ كنت على وشك أن أغادر البيت لأحضر عرس زميلة لي، اعترضني أخي الذي يصغرني بخمسة عشر عاما ومنعني من المغادرة. حاولت أن أدفعه بيدي فألقى بسطل المازوت في وجهي وفوق رأسي!

نظرت إلى النسر والنجوم التي تزين به كتفيها، وتساءلت في سريّ: ماقيمة تلك الرتبة، وما قيمة علوم تلك المرأة مادامت تعيش في مجمتع ذكوري غارق حتى قمة رأسه في هوسه الديني، مجتمع مازال يؤمن بنبي اوتي من الجنس قوة أربعين رجلا، وبأن الله سيكافئه بحوريات عرض مؤخرة كل منهن أكثر من ميل؟!!

تابعت أمل: “أخي لم يتخرج من الثانوية العامة، ولكنه ينصب نفسه دائما وليا علي. أمي تقف إلى جانبه ـ ناهيك عن أبي ـ ودائما تقول لي: عليك أن تحترمي رغبة أخيك، فهو ولي أمرك!

أحلم أن أتزوج كي أهرب من هذا الجحيم، ولكن ما الذي يضمن أن يكون زوجي أفضل من أبي أو أخي؟!!”

لا…لا أحد يضمن بأن مخلوقا مسلما يستطيع أن يهرب من براثن نبيه، مالم يكن له قلب الحمام وكلاليب العقرب!

……………………………….

لقد حباني الكون بذلك القلب وأمدني بتلك الكلاليب!

لو استطعنا أن نلتقي اليوم بالدكتور عبد الرزاق أو أحد طلابه الذين يمارسون أقدس مهنة على سطح الأرض، هل تتوقعون بأن أحدا منهم سيتذكر الجريمة التي ارتكبت بحق امرأة، والتي شهدوها على طاولة الفحص أمام أبصارهم؟!

طبعا لا!

لو استطعنا أن نلتقي اليوم بفلان الفلاني الذي دفش الكأس داخل مهبل الطفلة سهى، كي لا تلامس نطافه “المقدسة” جسدها “القذر”، أو لو استطعنا أن نلتقي بالدكتور أحمد مدير صحة محافظة اللاذقية يومها، هل تتوقعون بأن أحدا منهما سيتذكر الجريمة التي ارتكبها بحق سهى؟!

طبعا لا!

لو استطعنا أن نلتقي بالرجل الذي اغتصب امرأة أخيه مئات المرات مقابل أن يطعمها وأطفالها، أو أن نلتقي بالطبيب الذي جرّف لها الجنين بلا تخدير، هل تتوقعون بأن أحدا منهما سيعترف بجريمته؟!

طبعا لا!!

لو استطعنا أن نلتقي اليوم بأخ الدكتورة أمل أو أبيها أو أيّ من الرجال الذين شهدوا الجريمة التي اُرتكبت بحقها، هل تتوقعون بأن أحدا منهم سيتذكر تلك الجريمة؟!

طبعا لا!!

ولماذا لا؟!!

عندما تصبح الجريمة في مجتمع حدثا مألوفا بل طريقة حياة، تتبلد أحاسيس الناس ويفقدون قدرتهم على كشف النقاب عن اللامعقول لأنه صار بالمطلق مألوفا!

في مجتمع يعتبر المرأة حرثا يؤتى متى ومن حيث شاء الرجل، ما الخلل في أن يحرق رجل سجائره على جسد امرأة في لحظة نشوة؟!

في مجتمع يعتبر المرأة أقذر من الكلب والحمار، ما الخلل في أن يدفش رجل كأسا في مهبل طفلة كي يتجنب أن يلامس جسدها “القذر” في لحظة نشوة؟!!

في مجتمع يؤمن بنبي يفترس سبيته في نفس اليوم الذي قتل فيه أباها وأخاها وزوجها، مالخلل في أن يفترس رجل ارملة أخيه مقابل أن يطعمها وأطفالها؟!

في مجتمع يؤمن بنبي يفسخ عجوز فوق المائة لأنها هجته، ما الخلل في أن يحرق رجل وجه وعينيّ أخته كي يضمن سلامة شرفها؟!!

*******

يتهمونني بأنني أتشنج وأغضب وتنعكس عواطفي تلك على اسلوب كتاباتي، ولكنهم لا يدركون بأن قدرتي على أن أتشنج وأغضب في مجتمع صارت الجريمة فيه طريقة حياة هي المعجزة التي ميزتني وجعلتني “وفاء سلطان” التي أعتز بها اليوم!

من يشهد الجرائم التي اُرتكبت بحق سهى وفاطمة وخديجة وأمل والملايين غيرهن ولا يغضب أو يتشنج هو مخلوق فقد حسه الإنساني، وفقد معه قدرته على كشف النقاب عن اللامعقول في المألوف!

اسلوبي هو بصمات أصابعي، ولن أضحي بتلك البصمات لأنها وحدها ما يميزني.

من يحتج على اسلوبي يفعل ذلك من منطلق الغيرة، وليس خوفا على مصداقيتي.

يريدني أن أغيّره كي أخسر هويتي وأنزوي تحت جبة غيري.

مهما اختلفت مشاربنا وأفكارنا جميعنا ننشد أن نكون أحرارا، لكن مفهوم الحرية يختلف باختلاف عدد الأشخاص الذين يؤمنون بها.

الحرية بالنسبة لي تعني أن أكون نفسي، أن أكون وفاء سلطان بشحمها ولحمها وفكرها واسلوبها، وعندما أتنازل عن شعرة في رأسها أخسر بعضا من حريتي، وبالتالي أساهم في تشويه هويتي!

لا أريد أن أكون نسخة عن غيري، بل أريد وأسعى دائما لأن أكون الصورة الحقيقة لذاتي.

إنني أفضل مليون مرّة أن تكرهوني لأنني وفاء سلطان على أن تحبوني لأني سمكة ميتة يجرفها التيار، عندما أكون وفاء أمارس حريتي وعندما أسمح لغيري أن يجرفني أكون قد خسرت هويتي!

كل إنسان بحد ذاته معجزة، ولكنه لا يستطيع أن يُظهر معجزته مالم ينجح في أن يكون نفسه.

معجزتي تكمن في قدرتي على كشف النقاب عن اللامعقول في المألوف، ولقد أظهرت تلك المعجزة عندما استخدمت قدراتي ومارست حريتي!

حريتي تكمن في قوتي، وقوتي تكمن في حريتي، ومتى تخليت عن أي منهما أكون قد انسخلت عن ذاتي!

………………..

الكاتب هو ضمير أمته، وعندما يفشل في التمييز بين المقبول والمرفوض أخلاقيا وإنسانيا لا يمكن أن يكون ضميرا حيّا.

إنها مهمة صعبة، وتزداد صعوبة في مجتمع اختلطت فيه المتناقضات وصار المرفوض كالمقبول مألوفا، ولم يعد بإمكان إنسان ذلك المجتمع أن يتفاعل مع سلبياته بطريقة تختلف عن تفاعله مع إيجابياته!

لقد تبلدت مشاعر ذلك الإنسان ولم يعد يميّز بين ما يثير غضبه وما يثير فرحه، فصار الأمر عنده سيّان!

عندما يقول طبيب لإمرأة اُنتهكت: “يبدو أنك تستحقين”……..

عندما يطلق مدير الصحة على طفلة اُغتصبت صفة قحبة….

عندما يغتصب رجل امرأة أخيه مقابل أن يُطعمها وأطفالها….

عندما يحرق رجل أميّ أبله وجه أخته الطبيبة…

ولا أحد يرتكس….

عندها يجب أن نعلن بأن المجتمع بأكمله قد دخل حالة من” الموت الحسيّ”!

كيف يموت المجتمع حسيّا؟!!

تؤكد الإحصائيات على أن عدد الأطباء في مصر بالنسبة لمجموع سكانها يزيد عن عدد الأطباء في بريطانيا بالنسبة لعدد سكانها، ولكن شتان بين

طبيب مصر وطبيب بريطانيا؟!

يقرأ طبيب مصر بأن نبيه قد سأل أبي بكر الصديق أن يزوجه ابنته عائشة وهي في الخامسة وكان في الخمسين، ولا يتفاعل مع ما يقرأ!

هذا يدل على أنه تلّقن العلوم الطبية ولم يتعلمها!

كان تلقينه لها حشوا ولم يكن استيعابا، وإلا لأدرك أن الطب يؤكد على أن الرجل الذي يُثار جنسيا أمام طفلة في الخامسة وهو في الخمسين إنما هو شاذ جنسيا ويجب أن يُحجر!

إذا كان هذا هو وضع الطبيب المسلم، فما بالك برجل الدين المهوس بقوة نبيه الجنسية وبرجل الشارع عموما؟!

على مدى أربعة عشر قرنا من الزمن تمْسَح جلد المسلم (صار كجلد التمساح) وتبلدت أحاسيسه، ولم يعد يحس بالرصاصة عندما تخترق ذلك الجلد!

حالة اللامبالاة التي يعيشها ذلك المخلوق هي وحدها المسؤولة عن وضعه المزري، وهي وحدها التي يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار عند أية محاولة لإصلاح ذلك الوضع!

من غير الطبيعي أن لا يغضب المسلم ولا يتشنج حيال جرائم كتلك، ومن الطبيعي جدا أن تغضب وفاء سلطان وتتشنج عندما تشهد بأم عينيها تلك الجرائم!

لا تستطيع أن تكون معتدلا ومهذبا عندما تواجه أمرا شرسا ووقحا!

هل هناك أمر يفوق شراسة ووقاحة ماجاء في السيرة الذاتية لمحمد؟!

هل هناك أمر يفوق شراسة ووقاحة أن يصلي طبيب مسلم على محمد ويسلّم؟!

وهل هناك أمر يفوق شراسة ووقاحة أن يشهد مسلم الجرائم الآنفة الذكر ولا يغضب أو يتشنج؟!!

لا أستطيع أن أكون مهذبة في صراعي ضد الشر الذي يواجه أمتي، وإن فعلت لن أكون سوى امرأة منافقة، وأخلاقي تقول: الطبيب لا ينافق!

لو كنت مهذبة في اسلوبي لكنت أكثر قبولا في مجتمع مسلم يسمي النفاق أدبا!

ولكنني أرفض التلاعب بالكلمات وقلب المفاهيم، وأرفض أن أكون مقبولة على حساب أمانتي العلمية!

يقول الرئيس الأمريكي السابق ابراهام لينكون:

How many legs does a dog have if you call the tail a leg? Four; Calling a tail a leg doesn t make it a leg.

كم رِجْلا يملك الكلب إذا اعتبرت الذيل رجلا؟ طبعا أربعة، فالذيل لن يصبح رجلا لمجرد أن تعتبره رجلا!

فالنفاق نفاق، ولن يصبح أدبا لمجرد أن تسميه أدبا!

  وفاء سلطان (مفكر حر)؟………………

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

المرأة في شريعة نهرو الطنطاوي

وفاء سلطان

يبدو أن زوبعة الشيخ نهرو الطنطاوي قد هدأت ولم يعد في جعبته سهم لم يضربني به. شفقت على أعصابه المهترئة كأفكاره، فأعطيته وقتا كي يستعيد عافيته قبل أن أصدمه بردّ آخر.

جرت عادتي، وتمسكا بأخلاق النقد، أن أذكر ما ذكره الآخر ثم أعقبه بردّي. ولكن هذه المرّة سأتجاوز حدود تلك العادة دون خوف من أن أتجاوز أخلاق النقد، بل على العكس تماما خوفا من المساس بها. كيف أستطيع أن أذكر شتائم واتهامات وأردّ عليها؟ هل هناك من عاقل خلوق على سطح الأرض يستطيع أن يردّ على من لا يملك حجة سوى الشتم والإتهام؟

إحتراما لعقل القارئ ووقته آثرت أن أكتب هذه المرة لا لأفند شتائمه واتهاماته، إذ أعترف بأنني لا أستطيع، لكنني أردت أن أكتب لأشرح للقراء الأسباب الكامنة وراء ظاهرة الطنطاوي وغيره من الرجال المسلمين، سواء من كان منهم على شاكلة الطنطاوي أو متبرقعا ببدلة كارول ماركس، فلو حكّ الماركسي المسلم جلده لوجد جلد محمد تحته!

لماذا ثارت ثائرة هؤلاء الرجال عندما سمعوا صوت وفاء سلطان كقطيع من الغنم فقد صوابه وراح يدوس على بعضه لمجرّد أنه سمع صوتا هادرا من بعيد وهو في طريقه إلى السلخ!!

ما الذي يثير خوف هؤلاء الرجال من وفاء سلطان؟

هم لم يسمعوا في حياتهم صوت امرأة إلاّ من خلف الباب مقهورا مهزوما وذليلا، فارتعدوا عندما دوى ذلك الصوت في عالمهم قويّا عاليا وجليّا!

………………………….

تبنى عالم نفس أمريكي شمبانزي منذ ولادتها وجلبها إلى بيته كي تعيش مع عائلته كفرد من أفرادها. تعامل العالم وزوجته مع الشمبانزي كطفل من أطفالهما. كانت تنام في غرف الأولاد وتستيقظ لتستحم وتفرشي أسنانها وتستخدم المرحاض وتجلس معهم على طاولة الطعام. تعلمت كيف تلتزم بقواعد السلوك ونظام العائلة، وكانت تكافئ عندما تحسن عملا وتعاقب عندما تسيء إلى روتين البيت.

في سنوات بلوغها أجرى العالم على ابنته الشمبانزي بعض التجارب كي يتأكد من صحّة بعض النظريات والفرضيّات في علم النفس والسلوك.

من ضمن تلك التجارب، قام العالم بإعطاء الشمبانزي مجموعة كبيرة من الصور التي تضم من الأشياء والكائنات الحية بما فيها الإنسان ما هبّ ودبّ. على سبيل المثال لا الحصر، صور لنباتات واشجار وأزهار وحيونات وطيور وأثاث منزل وكتب وأقلام وحقول وبيوت وأكواخ ووجوه بشرية وما إلى ذلك. ثم طلب منها أن تقوم بتصنيف تلك الصور في مجموعتين إحداهما تضم وجوها بشرية فقط والأخرى كل ما عدا ذلك.

كم كانت دهشته كبيرة عندما أكتشف أنها أبدعت في قدرتها على التصنيف، بل وكانت دهشته أكبر عندما قامت بوضع صورتها الشخصية ضمن المجموعة التي تضم الوجوه البشرية!

……………………

يؤكّد علم النفس والسلوك على أنّ الإنسان يقع وفي سنوات عمره الأولى في مصيدة ينصبها له القائمون على تربيته.

لا يستطيع، مهما حاول، وخلال حياته كلّها أن يتحرر كليّا من براثن تلك المصيدة.

يولد الإنسان ليرى بقجته الفكريّة حاضرة. رتبّها له مربّّوه وحشروا فيها كل ما يستطيعون من بنات أفكارهم فكرة من هنا وفكرة من هناك. يفتحون البقجة منذ اللحظة الأولى ويبدأون بإلباسه ما فيها ثوبا إثر ثوب أخاطوه على ذوقهم.

خلال السنوات الأولى تتبلور في ذهن الإنسان ملامح هويته الذاتية وتتشكل في بواطن عقله صورته الشخصية.

هو من قالوا له بأنه هو!

كما يعاملوه خلال تلك السنوات يعامل نفسه، ثمّ يثبت لهم بسلوكه صحّة تقييمهم له.

إن عاملوه على أنه حمار لن يخرج إلى الحياة سوى حمار وسيكون له ذيل طويل، وإن أقنعوه بأنه أنشتاين قد يخرج إلى الحياة أفضل من أنشتاين.

والبقجات تتفاوت لتخرج لنا أنماطا بشرية تتراوح بين الطنطاوي وبين أنشتاين!

…………….

قام عالم نفس أمريكي آخر بتجربة أخرى. نقل طفلين إلى أحد الصفوف الإبتدائية بعد أن تأكد من أن مستوى الذكاء والقدرة على ضبط النفس لدى الطفلين يكاد يكون نفسه.

قال لمعلمة الصف على انفراد: هذان طفلان مختلفان في مستوى ذكائهما، مايك طفل غبي وغير قادر على ضبط نفسه وجون طفل ذكي ومنضبط، أتمنى لك التوفيق في مهمتك معهما.

لم تستطع المعلمة، وخلا ل عام دراسي كامل، أن تتحرر من المصيدة التي أوقعها بها عالم النفس. تعاملت مع مايك على أنه طفل غبي وغير قادر على ضبط نفسه ومع جون على أنه طفل ذكي ومنضبط.

في نهاية العام الدراسي راجع العالم إنجازات الطفلين وأجرى بعض التجارب على سلوكهما فاكتشف بأن مايك طفل في منتهى الغباء وخارج حدود أي انضباط وجون طفل ذكي وخلوق وفي قمة الإنضباط.

المعلمة صدّقت ما أوحى لها به عالم النفس، والطفلان مايك وجون صدّقا ما أوحت لهما به معلمة الصف.

خرجا بعد عام دراسي كامل ليثبتا صحة ما أوحى به العالم للمعلمة وما أوحت به المعلمة لهما.

وكانت النهاية المحزنة أن خرج الى الحياة حمار آخر( ما لم يكن العالم قد قام بإعادة برمجته وتقييمه وهذا ما أتوقع) وأنشتاين آخر!

……………….

من هي المرأة التي أنجبت الرجل المسلم طنطاويّا كان أم ماركسيّا؟ وهل تستطيع امرأة مسلمة فعلا أن تنجب رجلا يستطيع أن يسلخ جلده الطنطاوي ويتقمص الجلد الماركسي؟

الشمبانزي التي عوملت في سنوات حياتها الأولى كبشر صدقت بأنها بشر وصنفت نفسها في مجموعة البشر. والسؤال الذي يطرح نفسه:

من هي المرٍأة المسلمة، ليس من خلال قناعات الغير بها وحسب، وإنما من خلال قناعاتها هي بنفسها أيضا؟

لكي نعرف الجواب على ذلك السؤال دعونا نفتح بقجتها والتي انتقلت إليها من نبيّها نزولا إلى أبيها!!

كيف يقيم الإسلام المرأة، ومن هي ذلك المخلوق من خلال مقياسه؟

في رحلة البحث عن جواب علمي ومنطقيّ قدر الإمكان، تساءلت من هي أفضل امرأة في سجلّ الإسلام وتاريخه؟ رأيت أن باستطاعتي، إلى حدّ ما، أن أعتبر مريم أمّ المسيح ضالتي المنشودة. وعندما عثرت على تلك الضالة رحت أتساءل: وكيف اختار الإسلام السيدة مريم لتكون خير نسائه وعلى أيّ مقياس أعتمد؟

تقول الآية:

“والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا….”

مريم، وحسب ما جاء في الإسلام، هي المرأة الوحيدة التي نفخ الله بها، ولقد نفخ فيها لأنها أحصنت فرجها!

يبدو أنها المرأة الوحيدة أيضا التي أحصنت فرجها، وإلاّ لكانت عدالة السماء واحدة ولنفخ الله في كلّ النساء اللاتي أحصنّ هذا الكنز الثمين!!

لقد تعامل إله الإسلام مع المرأة كفرج، ولم يستطع أن يراها أكبر من حدود ذلك الثقب الصغير!

لم يقل: أحصنت جسدها (ناهيك عن عقلها)، وإنّما أحصنت فرجها….!

استاء الشيخ الطنطاوي لأن “وفاء سلطان مغرمة بالبحث عن الله في سراويل المسلمين”، ولم يشعر يوما بالعار لأن إلهه يسكن داخل تلك السراويل!

……………………

قضيت خدمتي الريفية كطبيبة غرّة في إحدى المناطق الجبلية النائية في سورية.

وكان أغلب زواري نساء، أكلت الحاجة فروجهن وأجسادهن وعقولهن. الواحدة منهن أم لجيش من الأطفال ولا تملك في الوقت نفسه ما يسمح لها أن تلتزم بأبسط قواعد الحفاظ على فرجها، إن لم يكن جسدها، ناهيك عن سلامتها العقلية والفكرية!!

كانت معظم هؤلاء المنحوسات يستخدمن أوراق الجرائد وأكياس الورق كمحارم لمص دماء الطمث، وكانت الإنتانات المهبلية تشكل أحد وأهم أسباب مراجعة العيادة الطبيّة، فتلجأ الواحدة منهن إلى الحمل كي يحميها من مشاكل الطمث لمدة تسعة أشهر.

لم تتعلم تلك المرأة في حياتها طرق الحفاظ حتى على فرجها! فالحفاظ عليه من خلال مفهومها الإسلامي يتم بقفله لا بتنظيفه!!

سقطت تلك المرأة في الفخ الذي نصبه لها دينها. على مدى أربعة عشر قرنا من الزمن لم تستطع أن ترى نفسها أكبر من فرجها!

ولم يستطع الرجل، كضحية لذلك المفهوم، أن يراها أكبر مما ترى نفسها!

……………………..

الإنسان عقل وجسد، وكلّ البحوث الطبية والنفسية قد أثبت بما لا يدع مجالا للشّك قوة العلاقة بين هذين الحيزين الذين يشكلان معا الكيان البشري، ألا وهو الإنسان.

العقل هو موقع القيادة، وسلوك الجسد يعتمد اعتمادا كليّا على أوامر تلك القيادة.

الأوامر تأتي على شكل أفكار والسلوك، كردة فعل لتلك الأوامر، هو حركة فيزيائية.

الفكرة هي طاقة. عندما يرسل العقل تلك الطاقة باتجاه الجسد تحركه باتجاه وضع جديد.

تستقر الفكرة أية فكرة في أعماق العقل، وتبدأ من هناك بتحريك الجسد وفقا لحجم ونوع وسرعة واتجاه طاقتها الموجهة اليه.

…………

المرأة ليست مجرد فرج إنها عقل وجسد. عقلها يحدّد مستوى حياتها باعتباره موقع القيادة لديها.

لم أقرأ عبارة في حياتي تهين المرأة أكثر من عبارة تقيّمها من خلال فرجها.

ماهذه اللغة المهينة؟

هل نحن قادرون لو تبنيناها أن نخلق امرأة قادرة على تربية رجل جدير بالحياة؟

المعرفة لا تصدر من الفرج، بل من العقل. لا تستطيع المرأة أن ترضع الطفل لبان العلم والمعرفة ما لم تعتني أولا بعقلها!

إذا افترضنا جدلا بأن الله هو الذي خلق الإنسان عقلا وجسدا، أي إله ذلك الذي ينكر جمال ذلك الخلق؟

سقط الرجل المسلم، كما يسقط كلّ انسان، في المصيدة التي نصبها له القائمون على تربيته منذ ولادته.

أقنعته تلك المصيدة بأن المرأة فرج، فلم يستطع أن يتعامل معها، ولن يستطيع، إلا حسب تلك القناعة.

…………………………..

كلّ ما تحتاجه المرأة في الإسلام كي تكون أهلا لإنوثتها وموضع إرضاء الله والرجل أن تلزم بحدود ما أمرها به ربّها:

وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ…..

في عرف الرجل المسلم كل امرأة تلتزم بحدود تلك الآية هي امرأة عاقلة، وتخرج من عقلها من تحاول أن تضع مقياسا جديدا لقيمتها.

وفاء سلطان امرأة تحترم عقلها وتقيم نفسها من خلال ذلك العقل، لذلك خافها رجال الإسلام المتمشيخين منهم والمتمركسين.

…………

لا ينجب الفرج رجلا كاملا، والعقل يصل به إلى حدود ذلك الكمال.

عندما تعامل المرأة طيلة حياتها على أنها عورة لن ترى نفسها أكبر من حدود تلك العورة.

والعورة تنجب رجلا أعور العقل! العقل الأعور عاجز على أن يقودنا إلى حياة كريمة، ولنا مثال في المجتمعات الإسلامية التي قادها إلى الهلاك أعور دجّال أنجبته امرأة عورة!

……………………

لا أعرف الماركسيّة إلا من خلال الماركسيّن العرب (ونعم المعرفة!)، لكنني أفترض أنها عقيدة علمانية تتعامل مع المرأة كعقل.

يحاول الإنسان، في وعيه وفي اللاوعي عنده، أن يقفز بين الحين والآخر خارج حدود مصيدته التي أوقعه بها القائمون على تربيته وخصوصا عندما تعقيه تلك المصيدة عن السير باتجاه حياة أفضل.

قد يستطيع وقد لا يستطيع، ودرجة قدرته على التحرر ترتبط بدرجة وعيه لحدود تلك المصيدة ورغبته في تحطيم تلك الحدود.

أمّا عندما يضع قدما داخلها وقدما خارجها ويتأرجح كلّ الوقت بين قدم وأخرى سيبقى في مكانه مراوحا.

عندما يتمركس الرجل المسلم ينط على قدمه التي تخدم مصالحه، فهو ماركسيّ بين الشيوخ وشيخ بين الماركسيين.

كاتب، يحاول بإدعائه الماركسية أن يقنعنا بأنه تجاوز حدود مصيدته، ردّ علي بمقال جاء في مطلعه:

رغم ان معرفتي بوفاء سلطان حديثة العهد جدا الا ان معرفتي بكلب بافلوف تعود الى بداية السبعينات حين درسنا علم النفس في معهد اعداد المعلمين. ومن غرائب الصدف انني كنت حينها مغرما بصبية فاتنة اسمها وفاء. كانت تجلس امامي كالفجر وتجتاحني كما تجتاح الامواج شاطئا مقفرا. مرت الاعوام ولم يبق من وفاء غير صدى قبلات تعبث بذاكرتي.

لم تستطع وفاء سلطان أن تذكّر كاتبنا الماركسي إلا بعشيقته وفاء؟!! هل هي مجرّد ذكرى أم أنها رؤية الكاتب الحقيقة للمرأة؟!!

 على أيّ قدم كان سيادته ينط عندما ردّ على وفاء سلطان، على القدم الماركسية أم الطنطاوية؟

 لا يستطيع الإنسان أن يخرج من مصيدته إلا عندما يدرك مأساوية وضعه داخل تلك المصيدة، وعندما ينظف اللاوعي عنده من قاذورات تلك المصيدة.

 عندما يختار الماركسية كعقيدة يجب أن ينظف خزّان عقيدته من رواسب إسلامه أولا. أمّا أن يتخفى تحت عباءة ماركس وهو طنطاوي حتى النخاع، لهو نفاق يكشف وبسهولة حقيقته.

 …………………

 لقد هستر هذا القطيع من الرجال وراح مذعورا يدوس على بعضه البعض عندما سمع لأول مرّة في حياته صوتا لم يعتد على سماعه، صوتا تجاوز حدود المصيدة ليثبت للعالم أنه عقل وليس مجرّد فرج!

 …………………..

 الإنسان ولد حرا ليحلق بنفسه إلى حيث يتخيل نفسه. إيمانه بقدرته على التحليق تحدد مستوى ارتفاعه.

 السماء هي حدودي، وأنا قادرة على أن أصل بنفسي إلى تلك الحدود. فهل يستطيع الرجل المسلم؟!!!     وفاء سلطان (مفكر حر)؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

لماذا يفضّل العرب الكذب على الحقيقة؟

د سلمان مصالحة 

 لا شكّ أن الجميع يتذكّرون كيف خرجت وسائل إعلام عربية قبل سنوات قليلة، وأشاعت أخبارًا عن مؤامرة إسرائيلية غريبة الأطوار. لقد نشرت الصحافة العربية أنّ الموساد أرسل أسماك القرش المدرّبة لمهاجمة السيّاح على شواطئ سيناء، وهاكم ما ذكرت الصحافة: ”بعد تكرّر هذه الاعتداءات، خرجت محافظة جنوب سيناء عن صمتها وصرّح رئيس البلدية بأنّ سمك القرش يعتدي على السائحين بإيعاز من المخابرات الإسرائيلية، الموساد”. ليس هذا فحسب، بل وصرّح بعض المسؤولين عن القطاع السياحي في ”أمّ الدنيا“ أنّ هذه القضيّة مرتبطة بـ”مؤامرة إسرائيلية” تهدف إلى ضرب السياحة في مصر.

 وقبل ذلك أيضًا خرجت وسائل إعلام مصريّة بأخبار مثيرة من نوع آخر. ولكن هذه المرّة أيضًا تفيد بوجود ”مؤامرة مصدرها الموساد“. لقد أشيعت الأخبار وتنوقلت في الصحافة العربية؛ حيث ذكر الخبر آنئذ أنّ الموساد أدخل إلى الأسواق المصريّة كميّات كبيرة من العلكة التي تثير الشهوات الجنسية لدى النّساء. وقد عزت الصحافة ذلك إلى خطّة ”موساديّة“ تهدف إلى ضعضعة أركان المجتمع المصري والعائلة المصرية.

 من الجدير بالذكر في هذا السياق، أنّ التقارير الدوريّة التي تصدر بين فينة وأخرى وتتطرّق إلى إحصاءات مرتبطة بشبكة الإنترنت تشير إلى أنّ العرب هم أكثر شعوب العالم بحثًا عن مفردة ”جنس“ ومشتّقاتها في هذه الشبكة. إنّ هذه الإحصائيّات هي أكبر برهان على هذا الهوس العربي بكلّ ما يتعلّق بموضوع الجنس وما يتعلّق به. قد تكون هذه الحال العربية بحاجة إلى أبحاث يقوم بها مختّصون بهذه المجالات النفسيّة والاجتماعية، وأعترف أنّي لا أملك هذه الأدوات لمتابعة الموضوع بصورة علميّة. كلّ ما أستطيع عمله في هذا المضمار هو التنويه إلى هذه المعضلة المزمنة التي تنخر في عظام هذه المجتمعات. فيكفي أن نشير إلى تلك الفتاوى التي تنمّ عن هذا المرض المزمن، كمثال ما أشيع مؤخّرًا عن إجازة ممارسة الجنس مع الجثث، وقد قرأ العرب والعجم عن هذه الفتاوى في المشرق والمغرب، ولا حاجة إلى تفصيل الكلام في هذه النيكروفيليا.

 لقد خطرت هذه الأخبار الآن على بالي، بسبب ما أشاعته الصحافة المصريّة مؤخّرًا من أخبار مفبركة عن ”مؤامرة جنسيّة“ جديدة ومن الوزن الثقيل. وكالعادة، فإنّ بطل هذه المؤامرة هو الموساد مجدّدًا. بل وأكثر من ذلك، فقد دار الحديث هذه المرّة عن بطلة، هي تسيبي ليڤني، وزيرة خارجية إسرائيل السابقة. لقد نشرت صحيفة ”المصري اليوم“ تقريرًا ادّعت أنّه يستند إلى مقابلة مع ليفني أجرتها صحيفة ”التايمز“ اللندنية سنة 2009، كما نشر أيضًا في صحيفة ”يديعوت أحرونوت“، وفيه كشفت عن علاقات جنسية مع شحصيات عربية بغية ابتزازهم سياسيًّا. ولقد عنونت الصحيفة المصرية تقريرها بـ”مارست الجنس مع عرب مقابل تنازلات سياسية“.

 ولأنّ العرب مهووسون على العموم بقضايا المؤامرات وبالقضايا الجنسية على وجه التحديد، فقد انتقل الخبر المفبرك في الصحيفة المصرية كانتقال النّار في هشيم العرب وصحافتهم. فقد تناقلته الصحافة والمواقع العربية الأخرى، كما لو أنّه حقيقة لا يرقى إليها الشكّ.

 ليس هذا فحسب، بل وتنطّح الكتّاب والـ”محلّلون“ والـ”مفكّرون“ العرب في التعرّض للخبر وكتابة الـ”تحليلات“ وما إلى ذلك من كلام مؤسّس أصلاً على دجل صحفي. لم يكلّف أحد من كلّ هؤلاء الـ”جهابذة“، بمن فيهم كتّاب في هذا الموقع، أنفسهم بفحص صدقيّة الخبر والتقرير. فعلى سبيل المثال دبّج أحد الكتّاب هنا مقالة بعنوان ”تمارس الجنس وتقتل من أجل إسرائيل“، كما تفتّقت عنه قريحة نجم عبد الكريم. ليس هذا فحسب، بل أضحى مقاله هذا مصدرًا لكاتب آخر من كتّاب إيلاف. وهاكم ما كتبه هذا الآخر: ”وحسب المعلومة التي أوردها عبد الكريم نجم في موقع إيلاف أن (تسبني) الصهيونية (بنت مؤسس عصابات الهاجاناه) أبدت استعدادها لتسليم جسدها لأي راغب، شريطة خدمة القضية الصهيونية، وقد فعلت ذلك ولم تخجل وتستحي“، كما سطّر خالص جلبي في مقالة بعنوان: ”السرطان الصهيوني، مقربة سوسيولوجية بيولوجية“، كاشفًا عن ذهنية كاتبها.

 الحقيقة، على ما يبدو، ليست من مجالات اهتمامات الصحافة العربيّة، وليست من مجالات اهتمام الكثير من الكتّاب العرب. فما دامت الأخبار والتقارير المفبركة والكاذبة تندرج ضمن الإطار الذي تترعرع عليه الذهنية العربية، فهي لا تحتاج إلى فحص لأنّ القارئ العربي يتقبّلها كما هي وعلى علاّتها، وكما لو أنّها حقيقة مثبتة لا يرقى إليها شكّ.

 والآن، وبعد أن خرجت خيول الدجل الصحفي العربي من اصطبلاتها وانتشرت في مشارق العرب ومغاربهم، وبعد أن دغدغت هذه الأخبار عن المؤامرات الجنسية عواطفهم التي هي دائمًا على أتمّ الاستعداد لتقبُّل هذه الأخبار المفبركة. هاي صحيفة ”المصري اليوم“ تعتذر للقرّاء عمّا نشرته دون تحقّق من صحّة الخبر. إليكم اعتذار الصحيفة، كما ورد في موقعها: ”تبين لـ”المصري اليوم” أن تلك التصريحات لم ترد في صحيفة “تايمز” أو “يديعوت أحرونوت” وتم نقلها من مصادر غير موثوقة “اصطنعت الخبر” الذي تناقلته مواقع عربية واسعة الانتشار، لذا لزم الاعتذار والتوضيح للقارئ.“

 إذن، ماذا بشأن اعتذار الكتّاب؟ بعد هذا التوضيح والاعتذار للقارئ من الصحيفة التي روجت الخبر المفبرك، أرى أنّ من واجب كلّ هؤلاء الـ”كتّاب“ والـ ”محلّلين“ والـ”مفكّرين“، كما يحلو لهم توصيف أنفسهم، أن يعتذروا كتابيًّا للقارئ العربي عن كلّ كتاباتهم، تحليلاتهم وأفكارهم التي أشاعوها في صفوف القرّاء العرب. إذ أنّ كُلّ ما بُني على دجل هو باطل ويجب أن يُلقى في سلّة المهملات.

 إنّ أمثال هؤلاء الذين يتلقفّون الأكاذيب ويشيعونها كما لو أنّها حقائق هم جزء لا يتجزّأ من مأساة العرب في هذا العصر. إنّهم يركنون إلى راحة البال التي لا تتطلّب بذل مجهود في مواجهة حقيقة العالم المتطوّر والمتغيّر من حولهم. إنّهم يتعاملون مع وهم، أو مع بعبع متحكّم في ذهنيّاتهم لا يستطيعون منه فكاكًا.

 لقد آن الأوان لاحترام مهنة الكتابة، وفوق كلّ ذلك احترام القارئ العربي الأكثر احتياجًا من بين شعوب العالم في هذا الأوان إلى التعرّف على الحقائق، ودون لفّ أو دوران.  أليس كذلك؟

 المصدر ايلاف

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | 2 Comments