قراءة في إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام

 عبد القادر أنيس 

تبنى مجلس وزراء خارجية منظمة مؤتمر العالم الإسلامي هذا الإعلان في القاهرة يوم 5 أغسطس 1990

http://www1.umn.edu/humanrts/arab/a004.html

جاء في الديباجة:

((تأكيدا للدور الحضاري والتاريخي للأمة الإسلامية التي جعلها الله خير أمة أورثت البشرية حضارة عالمية متوازنة ربطت الدنيا بالآخرة وجمعت بين العلم والإيمان، وما يرجى أن تقوم به هذه الأمة اليوم لهداية البشرية الحائرة بين التيارات والمذاهب المتناقضة وتقديم الحلول لمشكلات الحضارة المادية المزمنة)).

ولا يخفى على القارئ النبيه ما في هذا الكلام من غرور ونرجسية تصل حد المرض، خاصة عندما يزعم ممثلو عالم إسلامي أغلب بلدانه متخلفة في جميع الميادين وتعيش عالة على الحضارة الإنسانية ولا تنتج إلا الإرهاب، لأمتهم الإسلامية هذا الدور الخارق ((لهداية البشرية الحائرة بين التيارات والمذاهب المتناقضة وتقديم الحلول لمشكلات الحضارة المادية المزمنة)). بينما المسلمون حكومات وشعوبا هم أحوج أمم الأرض للهداية والخروج من مذاهبهم القروسطية المتناقضة وتلقي الحلول لمشكلاتهم الروحية والمادية المزمنة.

وتواصل الديباجة:

((ومساهمة في الجهود البشرية المتعلقة بحقوق الإنسان التي تهدف إلي حمايته من الاستغلال والاضطهاد وتهدف إلي تأكيد حريته وحقوقه في الحياة الكريمة التي تتفق مع الشريعة الإسلامية)).

وهذا كلام آخر موغل في الغرور والكذب على التاريخ عندما تزعم هذه الأمة صفات عصرية لا تستحقها لأنها من إبداعات الحداثة، مثل الادعاء بأن حقوق الإنسان كما صاغتها الحضارة الإنسانية الحديثة تتفق مع الشريعة الإسلامية بينما يعرف الناس أن الشريعة الإسلامية، شأنها شأن أغلب الشرائع القديمة التي اخترعها الإنسان وطبعها بطابع مقدس تلاءمت مع كل الأنظمة البشرية البغيضة من العبودية إلى الإقطاع إلى الاستعمار والاحتلال والاغتصاب والغزو.

ثم يقول محررو الإعلان والمصادقون عليه بلا حياء: ((وثقة منها بأن البشرية التي بلغت في مدارج العلم المادي شأنا بعيدا، لا تزال، وستبقى في حاجة ماسة إلي سند إيماني لحضارتها وإلي وازع ذاتي يحرس حقوقها)).

وطبعا هذا السند الإيماني لا يمكن أن يكون إلا الإسلام في نظر هؤلاء بعد أن تخلت شعوب الأرض عن هذه المزاعم الكاذبة ما عدا الحكومات الإسلامية ورجال دينها، وبينما الواقع التاريخي عندنا وعند جميع الشعوب التي هيمنت عليها الأديان يخبرنا أن البشرية لم تعرف أبدا احترام حقوق الإنسان في ظل هذه الهيمنة الدينية.

وأخيرا تختم الديباجة بهذا البهتان: (( وإيمانا بأن الحقوق الأساسية والحريات العامة في الإسلام جزء من دين المسلمين لا يملك أحد بشكل مبدئي تعطيلها كليا أو جزئيا، أو خرقها أو تجاهلها في أحكام إلهية تكليفية أنزل الله بها كتبه، وبعث بها خاتم رسله وتمم بها ما جاءت به الرسالات السماوية وأصبحت رعايتها عبادة، وإهمالها أو العدوان عليها منكرا في الدين وكل إنسان مسؤول عنها بمفرده، والأمة مسؤولة عنها بالتضامن، وأن الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي تأسيسا علي ذلك تعلن ما يلي((.

من هنا أصبح واضحا أن المقصود بإخراج هذا البيان هو معارضة مواثيق حقوق الإنسان الدولية التي لا بد أن حكومات العالم الإسلامي قد رأت فيها خطرا عليها وإحراجا كبيرا لو تبنتها بدون تحفظ وبدون التخفي وراء هكذا إعلان منافق.

فهل وجدت في تاريخ الإسلام وفي شريعته حقوق أساسية وحريات عامة ماعدا حقوق الله وحقوق أولي الأمر وأوليائه وحقوق الزوج على زوجاته وحقوق السيد على عبده؟ ثم لماذا تأخر المسلمون قرونا قبل أن يعلنوا ما أعلنوا إلا كصدى لما أبدع الآخرون وهلعا من المواثيق العالمية لحقوق الإنسان ومحاولات مكشوفة للتملص من التزاماتها بهذه المواثيق بحجة أن عندنا أفضل وأن الإسلام قد سبقها في ذلك. ألا يشبه هذا الكلام المقيت، ذلك الكلام الأكثر مقتا حول احتواء النصوص الإسلامية على العلوم الحديثة مثلما برع في ذلك المفكر المغوار زغلول النجار؟

المادة 1

((أ- البشر جميعا أسرة واحدة جمعت بينهم العبودية لله والنبوة لآدم وجميع الناس متساوون في أصل الكرامة الإنسانية وفي أصل التكليف والمسؤولية دون تمييز بينهم بسبب العرق أو اللون أو اللغة أو الجنس أو المعتقد الديني أو الانتماء السياسي أو الوضع الاجتماعي أو غير ذلك من الاعتبارات. وأن العقيدة الصحيحة هي الضمان لنمو هذه الكرامة علي طريق تكامل الإنسان.

ب- أن الخلق كلهم عيال الله وأن أحبهم إليه أنفعهم لعياله وأنه لا فضل لأحد منهم علي الآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح)). انتهى

هذه المادة الأولى في هذا الميثاق النفاق هي أبعد شيء عن حقوق الإنسان بعد أن عممت النظرة الدينية الشرق أوسطية (آدم) على باقي البشر في القارات الأخرى بالإضافة إلى تجاهل آخرين ممن لا يؤمنون بأي دين وهي نظرة انغلاقية استبدادية تعبر تعبيرا دقيقا عن العقلية الإسلامية. ولو كان مؤسسو هذا الإعلان صادقين لبدؤوا، قبل كل شيء، بإقامة هذه الأسرة الواحدة في ديارهم قبل التنطع لترويجها في العالم.

المادة 2

((أ-الحياة هبة الله وهي مكفولة لكل إنسان، وعلي الأفراد والمجتمعات والدول حماية هذا الحق من كل اعتداء عليه، ولا يجوز إزهاق روح دون مقتض شرعي…..))

لو كان محررو هذا الميثاق والمواقعون عليه صادقين مع أنفسهم ومع غيرهم لكان عليهم أولا أن يبدءوا بالاعتذار لكل البشر الذين أصيبوا في حياتهم وشرفهم وكرامتهم وطمأنينة وهم في بلدانهم بالغزوات التي دعا إليها الإسلام من أجل أسلمة وتعريب الناس بالقوة واحتلال أراضيهم واغتصابهم واسترقاقهم وجعل الذين قاوموهم أقليات ما زالت تعاني الأمرين من كل أشكال التمييز التي ما زالت تمارسها الأنظمة الإسلامية. لقد اعتذرت الأمم الأوربية عن الاستعمار واعتذرت الكنيسة الكاثوليكية عن المآسي التي تسببت فيها للبشرية. أما المسلمون فمازالوا في غيهم يعمهون.

المادة 5

((أ- الأسرة هي الأساس في بناء المجتمع، والزواج أساس تكوينها وللرجال والنساء الحق في الزواج ولا تحول دون تمتعهم بهذا الحق قيود منشؤها العرق أو اللون أو الجنسية)).

نلاحظ هنا كيف تعمد محررو الميثاق التحايل على حقوق الإنسان في هذا المجال والمرور عليها بخبث، ((ولا تحول دون تمتعهم بهذا الحق قيود منشؤها العرق أو اللون أو الجنسية)). فماذا عن القيود التي منشأها الدين الإسلامي يا سادة؟ لماذا يحق للرجل المسلم ما لا يحق للمرأة المسلمة؟ ولماذا يحق للرجل المسلم ما لا يحق للرجل غير المسلم في وطن واحد ودولة واحدة؟

بينما يقول ميثاق حقوق الإنسان العالمي: ((للرجل والمرأة، متى أدركا سن البلوغ، حق التزوج وتأسيس أسرة، دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين.)). فلماذا تجنب محررو الإعلان المسلمون الإشارة إلى التمييز على أساس الدين في الإسلام؟

المادة 6

((أ-المرأة مساوية للرجل في الكرامة الإنسانية، ولها من الحق مثل ما عليها من الواجبات ولها شخصيتها المدنية وذمتها المالية المستقلة وحق الاحتفاظ باسمها ونسبها.

ب- على الرجل عبء الإنفاق علي الأسرة ومسئولية رعايتها.))

طبعا لا يخفى على القارئ الحصيف ما في هذه المادة من كذب حول المساواة في الكرامة الإنسانية بين الرجل والمرأة بينما الواقع والشرع في أغلب البلاد الإسلامية يكذب ذلك إلا تلك البلاد التي عرفت تحسنا بفضل تبنيها للعلمانية.

المادة 7

((أ- لكل طفل عند ولادته حق علي الأبوين والمجتمع والدولة في الحضانة والتربية والرعاية المادية والصحية والأدبية كما تجب حماية الجنين والأم وإعطاؤهما عناية خاصة.))

هذا الكلام التعميمي لا يفي بالغرض مقارنة بما جاء في ميثاق حقوق الإنسان… ((ولجميع الأطفال حق التمتع بذات الحماية الاجتماعية سواء ولدوا في إطار الزواج أو خارج هذا الإطار)). بينما هناك ملايين الأطفال في العالم الإسلامي يولدون خارج مؤسسة الزواج الشرعية المستندة إلى الشرع الإسلامي ويقضون حياتهم منبوذين بلا اسم ولا عنوان بعد أن سد أمامهم باب التبني والعيش في حماية أسرة تمنحهم الدفء والاسم والكرامة.

((ب- للآباء ومن يحكمهم، الحق في اختيار نوع التربية التي يريدون لأولادهم مع وجوب مراعاة مصلحتهم ومستقبلهم في ضوء القيم الأخلاقية والأحكام الشرعية)).

هذا الكلام نفاق تكذبه أحكام الشريعة الإسلامية المعمول بها والتي تحتكم إليها أغلب الأنظمة العربية والإسلامية. فالولد للفراش حسب هذه الشريعة والأولاد من تبع للأب المسلم الذي عليه أن يربيهم مسلمين مهما كانت ديانة أمهم التي ليس من حقها أن تربي أولادها على دينها ولا حتى تعريفهم به ثم يكون عليهم عند البلوغ أن يختاروا معتقدهم على بينة كما هو الحال في البلاد العلمانية التي تلتزم بحقوق الإنسان حقا.

المادة 9

((أ- طلب العلم فريضة والتعليم واجب علي المجتمع والدولة وعليها تأمين سبله ووسائله وضمان تنوعه بما يحقق مصلحة المجتمع ويتيح للإنسان معرفة دين الإسلام وحقائق الكون وتسخيرها لخير البشرية)).

((ب- من حق كل إنسان على مؤسسات التربية والتوجيه المختلفة من الأسرة والمدرسة وأجهزة الإعلام وغيرها أن تعمل على تربية الإنسان دينيا ودنيويا تربية متكاملة متوازنة تنمي شخصيته وتعزز إيمانه بالله واحترامه للحقوق والواجبات وحمايتها)).

الواقع عندنا يؤكد إفلاس هذه التربية الدينية المؤدلجة التي لا تكتفي بالجانب الروحي العبادي بل تحقن الأطفال منذ نعومة أظافرهم بتربية منغلقة إقصائية تضعهم في تضاد تام مع الآخر المختلف دينيا بل مع العالم بل تضعهم في تضاد مذهبيا وطائفيا حتى في إطار الفضاء الإسلامي وغير خاف ما لهذه التربية من آثار سلبية مدمرة.

المادة 10

((الإسلام هو دين الفطرة، ولا يجوز ممارسة أي لون من الإكراه على الإنسان أو استغلال فقره أو جهله على تغيير دينه إلي دين آخر أو إلي الإلحاد)).

التطبيل على فكرة أن الإسلام دين الفطرة بما يعني أن الإنسان يولد مسلما بطبعه، هو تعد صارخ على المعتقدات الأخرى، وعلى حق الفرد والمواطن والأسرة في اختيار دينهم بحرية. بالإضافة إلى تجريم قوانين البلدان الإسلامية للمسلم الملحد أو الراغب في تغيير دينيه باعتناق دين آخر غير الإسلام، بينما يتم تشجيع معتنقي الأديان الأخرى على اعتناق الإسلام وتحظى العمليات بكرنفالات مثيرة مضحكة.

المادة 11

((أ- يولد الإنسان حرا وليس لأحد أن يستعبده أو يذله أو يقهره أو يستغله ولا عبودية لغير الله تعالي)).

هنا أيضا كان يجب على منظمة المؤتمر الإسلامي كممثلة للعالم الإسلام أن تعتذر على ما جرى تاريخيا وعلى النصوص الإسلامية التي لا تزال قائمة حول الرق وحول ملايين البشر الذين كانوا يولدون عبيدا لأن آباءهم أو أمهاتهم كانوا في وضع عبودي في البلاد الإسلامية، بل لا تزال كتب الفقه الإسلامي المقننة للاسترقاق تدرس في مؤسسات التكوين الديني في طول العالم الإسلامي وعرضه.

المادة 13

((العمل حق تكفله الدولة والمجتمع لكل قادر عليه، وللإنسان حرية اختيار العمل اللائق به مما تتحقق به مصلحته ومصلحة المجتمع، وللعامل حقه في الأمن والسلامة وفي كافة الضمانات الاجتماعية الأخرى. ولا يجوز تكليفه بما لا يطيقه، أو إكراهه، أو استغلاله، أو الإضرار به، وله -دون تمييز بين الذكر والأنثى- أن يتقاضى أجرا عادلا مقابل عمله دون تأخير وله الأجارات والعلاوات والفروقات التي يستحقها، وهو مطالب بالإخلاص والإتقان، وإذا اختلف العمال وأصحاب العمل فعلي الدولة أن تتدخل لفض النزاع ورفع الظلم وإقرار الحق والإلزام بالعدل دون تحيز)).

هنا أيضا إغفال متعمد لحق عمال البلاد الإسلامية ومختلف شرائح المجتمع في التنظيم النقابي وفي الاحتجاج والإضرابات، بينما يشير الإعلان العالمي لحقوق العمال إلى أنه ((لكل شخص حق إنشاء النقابات مع آخرين والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه)). الكثير من الدولة العربية مازالت تمنع التنظيم النقابي والإضرابات وحتى تلك التي تبيح ذلك فهي تعمل المستحيل لعرقلته.

المادة 16

((لكل إنسان الحق في الانتفاع بثمرات إنتاجه العلمي أو الأدبي أو الفني أو التقني. وله الحق في حماية مصالحه الأدبية والمالية العائدة له علي أن يكون هذا الإنتاج غير مناف لأحكام الشريعة)).

إن إخضاع الفكر والإبداع والفن لأحكام الشريعة يفتح الباب واسعا لكل أنواع القمع والمصادرة والملاحقة والتكفير والترهيب والإرهاب، وقد دفع الكثيرون من المبدعين في البلاد الإسلامية ثمن باهظا نفيا وسجنا وحصارا وإرهابا.

المادة 19

((أ- الناس سواسية أمام الشرع، يستوي في ذلك الحاكم والمحكوم)).

أي شرع يا سادة؟ فشرع الإسلام لا يسوي بين الناس نساء ورجالا، مسلمين وذميين مثلا وإلا توجب عليكم الإعلان صراحة عن تعطيل النصوص الشرعية المعروفة، أما المساواة بين الحاكم والمحكوم فهي من قبيل الخرافة في بلاد يفتقد فيها المواطن لكل ضمانات الدفاع عن نفسه من عدالة محايدة ومجتمع مدني حر وأحزاب حرة ونقابات وجمعيات وحريات فكرية وسياسية….

المادة 22

((أ- لكل إنسان الحق في التعبير بحرية عن رأيه بشكل لا يتعارض مع المبادئ الشرعية.

ب- لكل إنسان الحق في الدعوة إلي الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفقا لضوابط الشريعة الإسلامية.

ج- الإعلام ضرورة حيوية للمجتمع، ويحرم استغلاله وسوء استعماله والتعرض للمقدسات وكرامة الأنبياء فيه، وممارسة كل ما من شأنه الإخلال بالقيم أو إصابة المجتمع بالتفكك أو الانحلال أو الضرر أو زعزعة الاعتقاد.

د- لا يجوز إثارة الكراهية القومية والمذهبية وكل ما يؤدي إلي التحريض علي التمييز العنصري بكافة أشكاله)).

طبعا هنا يرفع مرة أخرى وأخرى سيف الاحتكام إلى المبادئ الشرعية التي تخضع لنزوات الحكام وتؤدي حتما إلى مصادرة كل هذه الحقوق وجعلها مجرد حبر على ورق.

المادة 23

((أ- الولاية أمانة يحرم الاستبداد فيها وسوء استغلالها تحريما مؤكدا ضمانا للحقوق الأساسية للإنسان.

ب- لكل إنسان حق الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كما أن له الحق في تقلد الوظائف العامة وفقا لأحكام الشريعة)).

هنا أيضا يطاح بالمبدأ وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، فما للمرأة والذمي مثلا من حقوق تختلف عما للرجل المسلم، ومازالت معظم القوانين والدساتير العربية والإسلامية مثلا تفرض تمييزا مقيتا في هذا المجال وتحرم المرأة وغير المسلم من تولي مناصب ظلت دائما حكرا على المسلمين الرجال. كذلك لا زالت الكثير من البلدان العربية خاضعة لحكم أسر توارثت السلطة أبا عن جد بغير حق إلا سلطان القوة والغلبة القروسطية، بالإضافة إلى ما نشهده من سير حثيث للجمهوريات الاستبدادية نحو توريث الآباء الرؤساء لأبنائهم.

المادة 24

((كل الحقوق والحريات المقررة في هذا الإعلان مقيدة بأحكام الشريعة الإسلامية)).

وأخيرا توجه لهذا الميثاق الضربة القاصمة الأخيرة عندما يقرر ((كل الحقوق والحريات المقررة في هذا الإعلان مقيدة بأحكام الشريعة الإسلامية)). كوننا نعرف ما تعنيه هذه الشريعة في واقع الحال عندنا.

المادة 25

((الشريعة الإسلامية هي المرجع الوحيد لتفسير أو توضيح أي مادة من مواد هذه الوثيقة)).

ويعود مسمار جحا المتمثل في الشريعة الإسلامية ليلغي كل هذه الكلام المعسول وطبعا المخول الوحيد للتفسير والتوضيح هم رجال الدين، وهو ما يعني أن هذا الإعلان ما هو إلا ذر للرماد في العيون.   عبدالقادر أنيس فيسبوك

Posted in فكر حر | Leave a comment

قراءة في الميثاق العربي لحقوق الإنسان

عبد القادر أنيس 

بعد قراءتي لهذا الميثاق توصلت إلى قناعة راسخة وهي أنه لو استبدلنا كلمة الميثاق في العنوان الآنف الذكر بكلمة النفاق لجاز لنا ذلك تماما: (النفاق العربي لحقوق الإنسان).

 صار هذا الميثاق ساري المفعول ابتداء من 15 مارس 2008 بعد أن صادقت عليه سبع دول عربية هي: الأردن ولبنان والبحرين وسورية وفلسطين وليبيا ودولة الإمارات العربية. وشخصيا لست أدري لماذا تأخرت الدولة العربية الأخرى عن المصادقة عليه؟ هل لأنه لا يعبر عن رؤيتها السامية لحقوق الإنسان العربي؟ أم لأنه متقدم جدا على قوانينها المحلية وقد يضعها في حرج كبير؟

قبل ذلك مر هذا الميثاق بمرحلة مخاض طويلة وعسيرة يصح فيها قول القائل: تمخض الجبل فولد فأرا. لكن المولود جاء مشوها يحمل في صلبه كل أسباب عواره.

أقرته القمة العربية المنعقدة في تونس يوم 23 مايو 2004.

واجه إقرار هذا الميثاق العربي لحقوق الإنسان اعتراضات وتحفظات وتحايلات رمت إلى تجريده من أية صفة محرجة أو إلزامية، (حتى تم إبرامه بصيغته الجديدة في العام 2004، بعد تعديلات جوهرية أدخلها خبراء عرب وعدد من مؤسسات المجتمع المدني على الصيغة الأولى التي أقرت في 12 سبتمبر 1994 بعد رحلة طويلة ومضنية دامت نحو 23 عاماً، حين تقرر وضع ميثاق عربي لحقوق الانسان في العام 1971 بتكليف من جامعة الدول العربية( كما كتب السيد عبد الحسين شعبان.

http://www.babil-nl.org/b15x024ash.htm

 وأضاف: (وتعود فكرة الميثاق إلى أن اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان التي تم تشكيلها في 3 سبتمبر 1968 اختصت بحقوق الانسان الفلسطيني، ولاسيما بعد العام 1967، كانت قد اقترحت عام 1969 وضع ميثاق عربي لحقوق الانسان، واستمرت تلك الرحلة الشائكة لتنجز مشروعاً لم تتم المصادقة عليه ولم يدخل حيّز النفاذ إضافة الى تحفظات العديد من البلدان عليه، رغم أنها صيغة لا ترتقي إلى معايير الحد الأدنى للشرعة الدولي)) انتهى.

 نلاحظ هنا أن أوربا خلال هذه الفترة قد أنجزت وحدة مدهشة في مختلف الميادين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتشريعية رغم اختلاف الأعراق والأديان واللغات وتمكنت من إصدار عشرات المواثيق الملزمة ومئات المجلدات من القوانين التنظيمية في شتى المجالات.

احتوى الميثاق على 53 مادة، بينما احتوى الميثاق العالمي لحقوق الإنسان على 30 مادة فقط. أليس العرب ظاهرة كلامية؟

هيا نقرأ هذا النفاق العربي لحقوق الإنسان.

أهم ملاحظة أحب التنويه إليها هي أنه رغم الكم الهائل من العبارات الرنانة الطنانة حول حقوق الإنسان فقد جرى الالتفاف عليها بإخضاعها لتحفظات تضع القوانين المحلية للدول العربية فوقها وهو ما يقنعنا أن هذا الجهد هو مضيعة للوقت لولا أنه محاولة عربية مثل غيرها من المحاولات الكثيرة الخبيثة للالتفاف على حريات الناس وسعي ساذج مكشوف لاستغفال الآخرين من أجل التملص من الالتزامات بالمواثيق الدولية المحرجة.

 الميثاق العربي لحقوق الإنسان

النسخة الأحدث

اعتمد من قبل القمة العربية السادسة عشرة التي استضافتها تونس

23 مايو/أيار 2004

http://www1.umn.edu/humanrts/arab/a003-2.html

جاء في الديباجة: (انطلاقاً من إيمان الأمة العربية بكرامة الإنسان الذي أعزه الله منذ بدء الخليقة وبأن الوطن العربي مهد الديانات وموطن الحضارات ذات القيم الإنسانية السامية التي أكدت حقه في حياة كريمة على أسس من الحرية والعدل والمساواة). الله أكبر… أليست لغتنا العربية معجزة حقا؟

لاحظوا سادتي القراء، ما أسرع ما يدخلنا هذا الميثاق في صلب النفاق بهذا الكلام الطنان الرنان الذي لا يحسنه إلا العرب. ثم يتواصل النفاق”:

(وتحقيقا للمبادئ الخالدة للدين الإسلامي الحنيف والديانات السماوية الأخرى في الأخوة والمساواة والتسامح بين البشر. واعتزازاً منها بما أرسته عبر تاريخها الطويل من قيم ومبادئ إنسانية كان لها الدور الكبير في نشر مراكز العمل بين الشرق والغرب ما جعلها مقصداً لأهل الأرض والباحثين عن المعرفة والحكمة)) ما شاء الله !!!.

يتواصل النفاق: ((وإيماناً منها بوحدة الوطن العربي مناضلاً دون حريته، مدافعاً عن حق الأمم في تقرير مصيرها والمحافظة على ثرواتها وتنميتها، وإيمانا بسيادة القانون ودوره في حماية حقوق الإنسان في مفهومها الشامل والمتكامل، وإيماناً بأن تمتع الإنسان بالحرية والعدالة وتكافؤ الفرص هو معيار أصالة أي مجتمع. ورفضاً لأشكال العنصرية والصهيونية كافة التي تشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان وتهديداً للسلم والأمن العالميين، وإقراراً بالارتباط الوثيق بين حقوق الإنسان والسلم والأمن العالميين، وتأكيداً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأحكام العهدين الدوليين للأمم المتحدة بشأن الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومع الأخذ في الاعتبار إعلان القاهرة بشأن حقوق الإنسان في الإسلام…)) انتهى

طبعا بوسع من يريد الاطلاع على هذا النفاق أن يعود إلى المصدر في الرابط المذكور أعلاه. أما أنا فسوف أكتفي بالإشارة إلى المواضع الكثيرة التي جرى فيها التحايل والالتفاف على مبادئ حقوق الإنسان التي استوحاها محررو الميثاق من المواثيق الدولية قبل تشويهها وإفراغها من محتواها الأصيل. ولعل سبب التشويه بل سبب إصدار هكذا ميثاق مرده إلى سعي الحكومات العربية إلى التحفظ على الالتزام بالمواثيق الدولية في هذا الشأن ليس إلا.

ورغم أن المادة الأولى قد احتوت من النوايا الحسنة الشيء الكثير من قبيل:

((يهدف هذا الميثاق في إطار الهوية الوطنية للدول العربية والشعور بالانتماء الحضاري المشترك إلى تحقيق الغايات الآتية:

1- وضع حقوق الإنسان في الدول العربية ضمن الاهتمامات الوطنية الأساسية التي تجعل من حقوق الإنسان مثلاً سامية وأساسية توجه إرادة الإنسان في الدول العربية وتمكنه من الارتقاء نحو الأفضل وفقاً لما ترتضيه القيم الإنسانية النبيلة.

2- تنشئة الإنسان في الدول العربية على الاعتزاز بهويته وعلى الوفاء لوطنه أرضا وتاريخا ومصالح مشتركة مع التشبع بثقافة التآخي البشري والتسامح والانفتاح على الآخر وفقا لما تقتضيه المبادئ والقيم الإنسانية وتلك المعلنة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

3- إعداد الأجيال في الدول العربية لحياة حرة مسئولة في مجتمع مدني متضامن وقائم على التلازم بين الوعي بالحقوق والالتزام بالواجبات وتسوده قيم المساواة والتسامح والاعتدال.

4- ترسيخ المبدأ القاضي بأن جميع حقوق الإنسان عالمية وغير قابلة للتجزئة ومترابطة ومتشابكة)). انتهى

إلا أن وضع هذا الميثاق (في إطار الهوية الوطنية… ) وفي إطار (تنشئة الإنسان في الدول العربية على الاعتزاز بهويته…)) قد وجه أول ضربة قاصمة له نظرا لما نعرفه عن قضايا الهويات القاتلة عندنا وما سببته من انسداد حضاري وتمييز عنصري وغبن عانى منه الجميع خاصة الأقلية اللغوية والدينية والعرقية والمذهبية والطائفية.

في المادة الثانية جاء: (( للشعوب كافة الحق في تقرير مصيرها والسيطرة على ثرواتها ومواردها ولها الحق في أن تقرر بحرية اختيار نمط نظامها السياسي وأن تواصل بحرية تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.)) انتهى.

النفاق هنا يزكم الأنوف. فبالإضافة إلى أن الشعوب العربية هي أبعد الشعوب تمتعا بحق تقرير مصيرها والسيطرة على ثرواتها ومواردها بالنظر إلى أن أغلب الأنظمة العربية تمارس تعتيما كليا على مواردها المالية وميزانياتها ويتصرف الحكام فيها كما يحلو لهم، فلم يكف هذا فأضافت المادة: ((الحق في أن تقرر الشعوب بحرية اختيار نمط نظامها السياسي..)) وهو ما يعني للأعمى والبصير أن لكل حاكم عربي الحق في الحفاظ على نظامه السياسي الاستبدادي باسم الأصالة والخصوصية، وكأن هناك أنظمة سياسية راشدة لا حصر لها يمكن المفاضلة بينها بينما الواقع العالمي يفصح لنا عن نظامين فقط: ديمقراطي أو استبدادي.

 وفي المادة الثالثة جاء: ((3- الرجل والمرأة متساويان في الكرامة الإنسانية والحقوق والواجبات في ظل التمييز الايجابي الذي أقرته الشريعة الإسلامية والشرائع السماوية الأخرى والتشريعات والمواثيق النافذة لصالح المرأة)). انتهى

ما هو هذا التمييز الإيجابي بين الرجل والمرأة الذي أقرته الشريعة الإسلامية لصالح المرأة؟ هل هو تعدد الزوجات؟ هل هو ملك اليمين؟ هو حق الرجل في الطلاق دون المرأة؟ هل القوامة التي منحت للرجل إلى الأبد وحقها في تأديبها وضربها؟ هل هو أهلية المرأة المنقوصة باسم الإسلام إلى الأبد؟ هل هو الوضعية الهمجية التي فرضها الإسلام على النساء على مدى القرون؟

 في المادة السابعة ورد: ((1- لا يجوز الحكم بالإعدام على أشخاص دون الثمانية عشر عاماً ما لم تنص التشريعات النافذة وقت ارتكاب الجريمة على خلاف ذلك. ))

عبارة التشريعات النافذة والقانون الداخلي والمحلي سوف يلجأ إليها هذا الميثاق عدة مرات لتغليب القوانين المحلية على هذا الميثاق وهو ما سوف يفرغه من محتواه إلى الأبد.

المواد من 8 إلى 23 مستوحاة من التشريعات الغربية الحديثة ولا أصالة لها في حضارتنا عكس ما زعمه محررو الميثاق.

المادة 24 جاء فيها: لكل مواطن الحق في:

1- حرية الممارسة السياسية.

2- المشاركة في إدارة الشئون العامة إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون بحرية.

3- ترشيح نفسه أو اختيار من يمثله بطريقة حرة ونزيهة وعلى قدم المساواة بين جميع المواطنين بحيث تضمن التعبير الحر عن إرادة المواطن.

4- أن تتاح له على قدم المساواة مع الجميع فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده على أساس تكافؤ الفرص.

5- حرية تكوين الجمعيات مع الآخرين والانضمام إليها.

6- حرية الاجتماع وحرية التجمع بصورة سلمية.

وهي مبادئ سامية حقا ولكنها منعدمة تماما في أغلب الدولة العربية، ومع ذلك يأبى الميثاق إلا أن يجرد المواطن من الحلم بها عندما يورد : ((7- لا يجوز تقييد ممارسة هذه الحقوق بأي قيود غير القيود المفروضة طبقاً للقانون والتي تقتضيها الضرورة في مجتمع يحترم الحريات وحقوق الإنسان لصيانة الأمن الوطني أو النظام العام أو السلامة العامة أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو لحماية حقوق الغير وحرياتهم)). وهنا وبشطارة لغوية وفهلوة بارعة يفتح الباب على مصراعيه للتأويلات وللإخضاع للقوانين المحلية ليحرم المواطن العربي نهائيا من المبادئ الستة السابقة. ماذا يعني ((لا يجوز تقييد ممارسة هذه الحقوق بأي قيود غير القيود المفروضة طبقاً للقانون)) وأي قانون هذا الذي يخضع له هذا الميثاق، بينما المواثيق الدولية لها الأولوية على القوانين المحلية التي يتوجب عليها التكيف معها لا العكس وتحت ذريعة ((القيود المفروضة طبقاً للقانون والتي تقتضيها الضرورة في مجتمع يحترم الحريات وحقوق الإنسان لصيانة الأمن الوطني أو النظام العام أو السلامة العامة أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو لحماية حقوق الغير وحرياتهم)) يمكن الالتفاف على كل هذه المبادئ النبيلة.

المادة 25: ((لا يجوز حرمان الأشخاص المنتمين إلى الأقليات من التمتع بثقافاتها واستخدام لغتها وممارسة تعاليم دينها وينظم القانون التمتع بهذه الحقوق)). هل توجد دولة عربية واحدة تحترم هذا الكلام؟ ومع ذلك يغرز الخنجر في الجرح عندما تنص المادة على أنه ((ينظم القانون التمتع بهذه الحقوق))، وطبعا القانون المقصود هو القانون المحلي المعمول به في الدول العربية المتخلفة.

المادة 27: ((2- لا يجوز نفي أي شخص من بلده أو منعه من العودة إليه)). طبعا ما عدا أمينتو حيدر الصحراوية !!!!!.

المادة 30: ((1- لكل شخص الحق في حرية الفكر والعقيدة والدين ولا يجوز فرض أية قيود عليها إلا بما ينص عليه التشريع النافذ)). فما فائدة هذا الكلام مادام التشريع النافذ المعمول به محليا هو المرجع؟

((2- لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده أو ممارسة شعائره الدينية بمفرده أو مع غيره إلا للقيود التي ينص عليها القانون والتي تكون ضرورية في مجتمع متسامح يحترم الحريات وحقوق الإنسان لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.)) هنا أيضا تلاعب مقيت ومضحك بمبدأ نبيل يتم الالتفاف عليه بشطارة لغوية لا يحسنها إلا العرب.

المادة 33: ((1- الأسرة هي الوحدة الطبيعية والأساسية للمجتمع. والزواج بين الرجل والمرأة أساس تكوينها وللرجل والمرأة ابتداء من بلوغ سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة وفق شروط وأركان الزواج، ولا ينعقد الزواج إلا برضا الطرفين رضاً كاملاً لا إكراه فيه وينظم التشريع النافذ حقوق وواجبات الرجل والمرأة عند انعقاد الزواج وخلال قيامه ولدى انحلاله.)) انتهى

مرة أخرى يأتي التشريع النافذ ليغتصب هذا المبدأ ويفرغه من محتواه.

 المادة 35: ((1- لكل شخص الحق في حرية تكوين الجمعيات أو النقابات المهنية والانضمام إليها وحرية ممارسة العمل النقابي من أجل حماية مصالحه.

2- لا يجوز فرض أي من القيود على ممارسة هذه الحقوق والحريات إلا تلك التي ينص عليها التشريع النافذ وتشكل تدابير ضرورية لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.

3- تكفل كل دولة طرف الحق في الإضراب في الحدود التي ينص عليها التشريع النافذ.)) انتهى

مرة أخرى يتدخل التشريع النافذ لينتزع باليسرى ما قدمته اليمنى.

المادة 43: ((لا يجوز تفسير هذا الميثاق أو تأويله على نحو ينتقص من الحقوق والحريات التي تحميها القوانين الداخلية للدول الأطراف أو القوانين المنصوص عليها في المواثيق الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها أو أقرتها بما فيها حقوق المرأة والطفل والأشخاص المنتمين إلى الأقليات)).

ماذا نفهم من ((لا يجوز تفسير هذا الميثاق أو تأويله على نحو ينتقص من الحقوق والحريات التي تحميها القوانين الداخلية للدول الأطراف))؟ هل محررو هذا الميثاق مقتنعون حقا أن ميثاقهم أسوأ من القوانين الداخلية للدول العربية؟ لماذا إذن أصدروا هذا الميثاق البائس؟

المادة 44: ((تتعهد الدول الأطراف بأن تتخذ طبقاً لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا الميثاق ما يكون ضرورياً لأعمال الحقوق المنصوص عليها من تدابير تشريعية أو غير تشريعية)).

ماذا نفهم من هذا الكلام الغامض الذي ورد في ميثاق استغرق تحريره 23 سنة؟

المادة 53 ((1- يجوز لأي دولة -عند توقيع هذا الميثاق أو عند إيداع وثائق التصديق عليه أو الانضمام إليه – أن تتحفظ على أي مادة في الميثاق على ألا يتعارض هذا التحفظ مع هدف الميثاق وغرضه الأساسي)). انتهى

هل هذا كلام يصدر عن عاقل؟ لماذا إبداء التحفظ إذا كان يشترط عدم التعارض مع هدف الميثاق وغرضه؟

تتبع قراءة في ((إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام)).   عبدالقادر أنيس فيسبوك

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية | Leave a comment

حوار مع القرضاوي 16: العلمانية والعبادة

عبد القادر أنيس 

يقول الدكتور القرضاوي: ((والعلمانية قد لا ترفض الإسلام، باعتباره عبادة وشعائر، يتقرب بها الإنسان إلى ربه، بناء على أن ذلك جزء من الحرية الدينية ولكنها لا تجعل لهذه العبادة أهميتها، باعتبارها غاية الحياة، والمهمة الأولى للإنسان (وما خلقت الجن والإنس، إلا ليعبدون) (سورة الذاريات: 56). ولا تقيم نظامها التربوي والثقافي والإعلامي على غرس هذا المعنى، وتثبيته، وتعهده، حتى يؤتي أكله)).

طبعا بغض النظر عن جدوى هذه ((المهمة الأولى للإنسان (وما خلقت الجن والإنس، إلا ليعبدون))، التي لا يستسيغها المنطق العقلي السليم وهو يتساءل: ما فائدة عمل نقوم به تجاه كائن آخر لا يحتاجه؟ بينما يتفق الفقهاء أن هذا الكائن لا ينفعه إيماننا ولا يضرّه كفرنا وهو غني عن العالمين. بغض النظر عن هذا فإن قول القرضاوي ((العلمانية قد لا ترفض الإسلام)) فيه تضليل لا يسنده دليل. لماذا قد؟ رغم أن “قد” حرف تقليل كما يقول النحاة أي فيه تشكيك. مع أن العلمانية كما تمارسها البلدان التي استقرت فيها مع الديمقراطية كأسلوب حياة لا ترفض أي دين يعتنقه المؤمن إذا كان لا يلحق ضررا بغيره بل وحتى بنفسه. ذلك أن سلامة الفرد خاصة القاصر في مجتمع عصري علماني من مسؤولية الدولة العلمانية لأنها هي التي تسهر على صحته وأمنه بما تنفقه عليه من أموال الشعب. لهذا يحق لنا أن نتساءل حول مشروعية ومعقولية بعض الطرق التعبدية عندنا من وجهة نظر حقوق الإنسان:

ما هو الموقف السليم من أب يجبر طفله، وهو في سن مبكرة، على صوم رمضان مع العلم أن الصوم في مثل هذه السن مضر بصحته وعلى مرافقته لصلاة الفجر في عز الشتاء وعلى إسماعه آيات العنف والقتل والغزو والتكفير وعلى حضور مشاهد الذبح أيام الحفلات والأعياد؟ ما هو الموقف السليم من مشاهد الجلد التي تقوم بها بعض طوائف الشيعة أمام الملأ؟ ثم نتساءل: متى أتت العبادة في مجتمعاتنا الإسلامية بأُكْلِها كما يرى الشيخ؟ هل نستطيع أن نجزم أن العبادات عندنا لها إيجابيات على حياتنا الاقتصادية مثلا؟ لقد تداول على المسلمين عصور من الازدهار وعصور من الانحطاط، وعصور من الاستبداد، فهل كان لعبادة المتعبدين دور فيها سلبا أم إيجابا؟)

ثم يقول الشيخ ((ولا تنظم (أي العلمانية) الحياة الاجتماعية والاقتصادية تنظيما، ييسر على المسلم أداء عبادته، بغير عوائق، ولا ضغوط، بحيث لا تتعارض أنظمة العمل والدراسة وغيرها، ومواقيتها مع مواقيت العبادة المفروضة)).

صحيح أن العلمانية كسياسة دولة لا يجب أن تُعْنَى بعبادات الناس إلا من حيث توفير الحريات والأمن للناس ليمارسوا حياتهم الروحية والثقافية بغير عوائق خارج أوقات العمل حتى يتساوى الجميع بمختلف أديانهم أمام قانون واحد: مؤمنين وغير مؤمنين. فلا يعقل مثلا أن تتعدد العطل في مؤسسة واحدة أخذا بعين الاعتبار بدين كل واحد. أما عندما تتدخل الدولة وشرطتها لملاحقة الناس بسبب المعتقد في العبادة واللباس والقول والفعل فهذه هي الفاشية. وهذا أيضا مطلب مضر عندما يتحول الدين إلى سياسة دولة رغم أن المسلمين ظلوا طوال قرون يؤدون شعائرهم الدينية دون الحاجة إلى تدخل الدولة لتنظيم هذه العبادات بل حتى في الفترات التي غابت فيها الدولة وحلت محلها الجماعات المحلية الطائفية أو القبلية حافظ الناس على هذا الدين. فكيف نصدق الشيخ وهو يقول بأن العلمانية تهدد الدين؟ الراجح أنها تهدد نفوذ رجال الدين الذين تماهوا مع الدين وحتى مع الله، حتى تحولت معارضتهم إلى معارضة الدين والله بعد أن نصبوا أنفسهم بغير وجه حق وكلاء على مصير الأمة.

أما عندما تدخلت الدولة الهجينة عندنا، وفي غالب الأحيان تقوم بذلك كنوع من المنافسة مع رجال الدين حول من هو الأكثر تدينا بهدف تملق العامة واستغفالها فقد أدى ذلك إلى خسائر جسيمة. لنأخذ مثال الجزائر في مسألة بسيطة مثل يومي العطلة الأسبوعية:

لقد احتدم صراع دونكيشوتي حولها: هل يجب أن تكون هذه العطلة يومي الخميس والجمعة أم يومي الجمعة والسبت أم يومي السبت والأحد. وجهات نظر الخصوم الجزائريين من سياسيين واقتصاديين وإداريين بلغت حدودا مهولة مضحكة خاصة من طرف الإسلاميين الذين نظروا إليها نظرة دينية فتحول خصومهم إلى أعداء للدين والأصالة بين عشية وضحاها.

لنتعرف أولا على رأي المطالبين بجعل العطلة الأسبوعية يومي السبت والأحد تماشيا مع أغلب بلدان العالم. هؤلاء لاحظوا أن الجزائر تتوقف في تعاملها مع العالم، خاصة في مجالات المصارف والتأمينات والتجارة ونشاط الموانئ لمدة أربعة أيام في الأسبوع. فالجزائر تتوقف عن العمل يومي الخميس والجمعة، ثم يتوقف العالم خاصة المؤسسات الاقتصادية والمالية يومي السبت والأحد.

يقول بهذا الصدد رئيس منتدى رؤساء المؤسسات ((إن الخسائر السنوية التي يتحملها الاقتصاد الجزائري بسبب عدم تطبيق نظام العطلة الأسبوعية العالمية (السبت والأحد) تفوق 750 مليون دولار، وهو ما يعادل مجموع الصادرات الجزائرية خارج قطاع المحروقات، مشيراً إلى أن شرائح المجتمع كافة ينبغي عليها مناقشة العطلة الأسبوعية بطريقة جادة لوضع حد للانعكاسات السلبية لتغيير عطلة نهاية الأسبوع منذ سنة 1976 لأسباب غير اقتصادية)).

http://www.alrroya.com/node/24201

((وبررت الحكومة، القرار (أي قرار تحويل العطلة الأسبوعية من الخميس والجمعة إلى الجمعة والسبت) بضرورة الاندماج في المحيط الاقتصادي العالمي وشروط الانفتاح، المفروضة على الجزائر، في إشارة إلى اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وسعي الجزائر للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، فضلاً عن الخسائر المترتبة عن تعطيل قطاعات حساسة مثل البنوك وشركات التأمينات وقطاع الجمارك والموانئ، لمدة نصف أسبوع منذ سنة 1976)) .

((وأشار تقرير للبنك العالمي وفرعها مؤسسة التمويل الدولية، إلى أن الجزائر ستربح ما بين 1 إلى 3 بالمئة من الناتج الداخلي سنوياً في حال العودة إلى وضع ما قبل 1976)).

ولهذا كانت بعض الشركات الأجنبية قد بادرت ((إلى العمل بعطلة الجمعة والسبت، من أجل مطابقة عملياتها بنظام العمل الدولي والحد من الخسائر الناجمة عن عدم انسجام الجزائر وبقية العالم)). بدل يومي الخميس والجمعة.

رغم ترك يوم الجمعة عطلة فقد ثارت ثائرة الإسلاميين تجاه مطلب اتخاذ يومي السبت والأحد كعطلة أسبوعية:

(( أكد نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني عن حركة مجتمع السلم (حزب إسلامي) أن الأمر خطير ويعد تجاوزا للقانون، حيث يفترض في الشركات الخاصة والأجنبية الخضوع لدفتر أعباء يتلاءم والتشريع الجزائري، كما اعتبره تجاوزا للأعراف الجزائرية‮ ‬التي‮ ‬تجعل‮ ‬من‮ ‬يوم‮ ‬الجمعة‮ ‬يوما‮ ‬مقدسا‮ ‬يخصص‮ ‬للعبادة‮ ‬والراحة،‮ ‬حتى‮ ‬أن‮ ‬الله،‮ ‬حسب‮ ‬تصريحه،‮ ‬لم‮ ‬يشرع‮ ‬العمل‮ ‬فيه‮ ‬إلا‮ ‬بعد‮ ‬صلاة‮ ‬الجمعة‮)).

هل هذا رأي معقول؟ هل يوم الجمعة يوم مقدس؟ ألم يقل القرآن ((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(9)فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)).‬ وهو ما يعني أن المسلمين الأوائل لم يكونوا يعرفون العطلة الأسبوعية ولا العطلة السنوية ولا نظام التقاعد، وهي كلها بدع حديثة غربية كان على الإسلاميين المطالبة بالتخلي عنها لو كانوا صادقي النية مع دينهم ولو لم تكن سياستهم كلها قائمة على شعبوية مقيتة هدفها جر الناس وراء مشاريعهم. دينيا طولب الناس بترك العمل في وقت أداء صلاة الجمعة، ساعة أو ساعتين على الأكثر. فلماذا صارت المطالبة بالعمل يوم الجمعة خطيرة، ولماذا يكذب هذا النائب على ربه وهو يقول ((حتى‮ ‬أن‮ ‬الله ‬لم‮ ‬يشرع‮ ‬العمل‮ ‬فيه‮ ‬إلا‮ ‬بعد‮ ‬صلاة‮ ‬الجمعة‮)). بينما الآية واضحة (ذروا البيع) وهو ما يعني أن الناس كانوا يبيعون قبل الصلاة وبعد الصلاة (فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ).

ويقول هذا النائب الإسلامي أيضا ((وإذا‮ ‬ثبت‮ ‬اختراق‮ ‬بعض‮ ‬الشركات‮ ‬للعطلة‮ ‬الرسمية،‮ ‬فسيقوم‮ ‬البرلمان‮ ‬بمساءلة‮ ‬الحكومة،‮ ‬خاصة‮ ‬الوزراء‮ ‬المشرفون (المشرفين)‮ ‬على‮ ‬قطاعات‮ ‬العمل‮ ‬والشؤون‮ ‬الاجتماعية))‮.‬

ويعني بذلك اضطرار بعض الشركات للعمل يوم الجمعة بحثا عن النجاعة الاقتصادية. فهل يحتاج هذا إلى مساءلة الحكومة؟ لعلم قراء الموقع فقط: يبلغ أجر النائب حسب بعض التقديرات ما يعادل 30 مرة الأجر القاعدي. وكان الأجدر بهذا النائب أن يطالب بتخفيض أجور النواب، خاصة أن غيابهم عن الجلسات أكثر من حضورهم. أما جدوى وجودهم ففيها نظر.

((وفي نفس السياق ذهب الأمين العام لحركة النهضة (حزب إسلامي هو الآخر)، الذي اعتبر ذلك تعديا للقانون وفوضى تبثها الشركات الخاصة، مثلما تعمل في مجال الأسعار، بل أكد أن العطلة الرسمية هي من القضايا الوطنية الحساسة، مضيفا ((نخشى من أن يكون من ورائها نية أخرى للقضاء على شعيرة صلاة الجمعة))، لكنه بالمقابل لم ير مانعا من اختيار أي يوم آخر من أيام الأسبوع دون الجمعة)).

وهذا تهويل آخر: (تعديا على القانون، فوضى، وراءها نية أخرى للقضاء على شعيرة صلاة الجمعة..). هل يعقل أن يصدر كلام كهذا من رئيس حزب؟

ليكن في علم القرضاوي أنه من المحزن والمضحك في الأمر أن الناس عندنا يكادون يتفقون على أن الإقبال على العبادات وارتياد المساجد في هذه السنين الأخيرة، ليس له نظير. حتى إن وزارة الشؤون الدينية قدرت عدد المصلين يوم الجمعة بـحوالي 16 مليون (أي الأغلبية الساحقة). ولعلم القراء يقدر عدد مساجد الجزائر اليوم 16000 مسجدا ومع ذلك يتهمها الإسلاميون بتعطيل بنائها. كان عددها 150 سنة 1830، عشية الغزو الفرنسي، وعددها غداة الاستقلال 2000 مسجدا. فهل عدد المساجد والإقبال عليها له علاقة بتدين الناس؟ كيف نفسر إذن وقوف الجزائريين في وجه الغزو الفرنسي تحت راية الدين؟

ومع ذلك، وهو المحزن والمبكي، فالكل عندنا اليوم يشتكون من انحطاط الأخلاق والمعاملات في جميع المجالات، ويتذكر كبار السن بحسرة زمانا (حتى في عهد الاستعمار) كان المصلون أقلية بينما المتخلقون كانوا أغلبية. ألا تكفي ساعتان بين منتصف النهار والساعة الثانية زوالا (وقت أداء صلاة الجمعة عندنا) لأداء هذه الشعيرة؟

ولا داعي للاستمرار في سرد هذه المهاترات الموجهة أصلا لاستغفال الناس والظهور بمظهر من يدافع عن مصالح الشعب وعن مقدساتهم. بينما كان الأولى المطالبة بتحقيقات جدية حول ما يراه الاقتصاديون من أضرار تصيب اقتصادنا النامي.

هل صحيح أم خطأ ما يقوله أرباب العمل من أن ((سبب اتخاذهم مثل هذا القرار (يعود) إلى الخسائر التي يتكبدونها جراء غياب تنسيق مع المتعاملين معهم في الخارج، حيث يستدل هؤلاء بتقرير أعدته المؤسسة المصرفية العالمية التابعة للبنك الدولي، حيث أشارت إلى أن الجزائر تخسر سنويا ما مقداره مليار دولار جراء‮ ‬التباين‮ ‬بين‮ ‬عطلتي‮ ‬نهاية‮ ‬الأسبوع‮ ‬في‮ ‬الجزائر‮ ‬وباقي‮ ‬دول‮ ‬العالم))‮؟

هل كل المتعاملين الاقتصاديين الذين يؤكدون جدوى العمل بعطلة أسبوعية تساير نظيرتها في البلدان الغربية التي نتعامل معها بنسبة 90 في المائة يريدون بالإسلام شرا؟

مع ذلك فلن أتجاوز هذه النقطة دون أن أقدم رأيا مختلفا ومكملا في نفس الوقت: ((من جانب آخر، أصرت بعض المصادر البنكية والمصرفية على ألا تعطي أهمية كبيرة لتغيير عطلة الأسبوع، مشيرة إلى أن عدم نجاعة الاقتصاد الوطني يعود إلى غياب مؤسسات وطنية تنافسية مقارنة بنظيراتها الأجنبية. وحسب نفس المسؤولين، فإن أكبر المؤسسات الوطنية وهي سوناطراك تقوم ببيع بترولها وغازها في البورصات العالمية دون الأخذ بعين الاعتبار أيام العطل الوطني)) !!

لاحظوا ((عدم نجاعة الاقتصاد الوطني يعود إلى غياب مؤسسات وطنية تنافسية مقارنة بنظيراتها الأجنبية)). وطبعا من مسؤولية نوابنا التفكير في سبب غياب هذه النجاعة وتقديم الأجوبة الشافية. إلا إذا كانوا يرون أن الشعب قد انتخبهم للتفكير في آخرتهم لا في دنياهم.

بالإضافة إلى هذا فإن نسبة صادرات الجزائر خارج المحروقات تقدر فقط بـ 4 في المائة. وهو ما يعني أن البلاد كلها تعيش على ريع البترول وهو ثروة غير متجددة كما نعرف، وهو ما كان يجب أن يدعونا جميعا، خاصة نوابنا، بوصفهم ممثلين للشعب، إلى التفكير في مصير الأجيال القادمة عندما تنضب آبار البترول.

لكن على من تقرأ زابورك يا داوود !

هل ابتعدنا عن الشيخ القرضاوي في خضم هذه المهازل؟ كلا، فهذه المهازل ما كان لها أن تحدث لو أن بلادنا تحيا حياة ديمقراطية علمانية لا مقدس فيها إلا الذكاء والجهد والعمل والإخلاص وحقوق الإنسان. وهي عملات لا يمكن تقديرها حق قدرها في مجتمع ريعي يعيش الناس فيه اقتصاديا على ريع باطن الأرض ولا يتوقفون عن التكاثر المخيف فوقها، وبلداننا جميعا تشتهر بتصدير الإرهاب في المقال الأول قبل أي منتج مفيد عدا البترول طبعا، وهو في الحقيقة يتم بجهد الغربيين وابتكاراتهم. هل يعقل أن نواصل العيش فكريا على تراث أنتجه الأسلاف بناء على مطالب فرضتها عليهم ظروفهم ومستوى المعرفة المتراكمة يومئذ؟ إنه لمن السخف أن نبحث عندهم عن حلول لمشاكلنا والإجابة عن أسئلة تطرحها علينا حياتنا المعاصرة، ونحن أولى وأجدر بالإجابة عنها لأننا أعلم بها من سلفنا وأكثر تحصيلا من حيث الخبرة والتجربة والعلم والتكنولوجيا.

يعادي القرضاوي العلمانية لأنها حسب قوله ((لا تجعل للالتزام بفرائض العبادات، أو إهمالها، مكانا في تقديم الناس وتأخيرهم، وخصوصا عند الترشيح لمناصب القيادة، وجلائل الأعمال، على أساس مقولة خاطئة: هي التفرقة بين السلوك الشخصي والسلوك الاجتماعي للإنسان، وهو ما لا يقول به الإسلام)).

فهل يجهل شيخنا أنه من السهل الضحك على الناس واستغفالهم بالعبادات، وهذا ما يفعله أغلب سياسيينا؟ أما أن نطالب الشيخ بالاعتراف بحق الناس في حرية الاعتقاد فهذا طلب تعجيزي خاصة وأنه يعرف أن سيادة الحريات الدينية بدون قمع سوف يدفع الكثير من الناس إلى التوقف عن الالتزام بكثير من العبادات لولا الخوف والتقية والنفاق الاجتماعي والانتهازية السياسية.

معاداة القرضاوي للعلمانية تتصاعد حتى تبلغ ما يمكن اعتباره فاشية حقيقية عندما يقول: (( وهي ـ كذلك ـ لا ترى المجاهرة بترك العبادات، التي هي أركان الإسلام العملية، شيئا يوجب المحاسبة أو المؤاخذة، بله العقوبة، التي أجمع عليها فقهاء الإسلام، فيمن يصر على ترك الصلاة أو منع الزكاة، أو إفطار رمضان، حتى أنهم اتفقوا على تكفير من ترك شيئا منها، استخفافا بحرمتها، أو إنكارا لفرضيتها، لإنكاره ما هو معلوم من الدين بالضرورة)).

أليس من الفاشية أن يدعو الشيخ إلى ملاحقة الناس وتقتيلهم إذا لم يلتزموا بالعبادات ، وقد جرى فعلا ملاحقة مواطنين عندنا ألقي عليهم القبض متلبسين (بجريمة) أكل رمضان كما نقول هنا؟ وحوكموا ولولا وقوف الناس معهم وتكفل محامين قديرين بالدفاع عنهم لما كانت النهايات سعيدة، ولن تكون أسعد خاصة بالنسبة لأولئك المواطنين الذين تحلوا بقدر كبير من نبل النفس والشجاعة والصدق مع الذات فعبروا عن قناعاتهم الروحية الحقيقية أمام الملأ؟ أليس هذا دافعا حقيقيا لقيام مجتمع منافق بأتم معنى الكلمة؟ ألا نعتبر رجال الدين أعوانا على إشاعة هذا النفاق الاجتماعي على نطاق واسع في العالم الإسلامي؟

يتبع    عبدالقادر أنيس فيسبوك

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

هكذا يكتب المصريّون العُقلاء / علي سالم نموذجاً !

الفنان هو المعبّر الأوضح والأقرب عن ضمير الأمّة في عموم العالم . فما بالكم بمصر اُمّ الدنيا والفنّ والأدب والطرب والأصالة ؟

علي سالم / الكاتب والمفكر والمؤلف المسرحي المصري الليبرالي المعروف , أشهر من نار على علم .إنّهُ يبّث الحكمة والعقلانية لكلّ المصريين !

هو عندي أفضل من كلّ إخوان مصر المسلمين ( هكذا حزمة واحدة بربطة المعلم على حدّ التعبير المصري ) .

صديقي ( الباشا / محمد البدري ) ربّما يعلم ولعي بأفكارهِ وكتاباتهِ فيحرص على إرسال كلّ جديد .

أحياناً لشّدة إعجابي أقوم بإعادة نشرها ( كما الآن ) علّ بعض من لا يقرأ لهذا الرجل , يطلّع على أفكارهِ الرائعة وإسلوبهِ الجميل وكلامهِ المشوّق الموزون , فنصل معاً الى منتصف الطريق في الحوار الجاد النافع لمجتمعاتنا البائسة .

لا تنسوا الإصغاء أيضاً فنّ , ليس الجميع يُتقنهُ , ما أحوجنا لتعلّمهِ !

نعم الفنان المصري عموماً هو خير سفير للشعب المصري ,يعرف مشاكلهِ عن كثب فيعالجها عن طريق الدراما أو الكوميديا أو الأغنية أو باقي وسائل الفنّ .

خذوا عندكم الأسماء التالية , ستجدونها أرقى قولاً وفعلاً في نقل هموم المصريين .

المخرج / خالد يوسف , مخرج أفلام / حين ميسرة والريس عمر حرب وهي فوضى ؟ وغيرها كثير .

السيناريست / وحيد حامد , كاتب سيناريو أفلام شهيرة كالراقصة والسياسي وإرهاب وكباب والمنسي وعمارة يعقوبيان … الخ

الفنانة / شريهان ( خصوصاً في وقفتها الشجاعة الأخيرة مع القضاء رغم تعرضها لظلم هذا القضاء طيلة حياتها )

الفنانة / إلهام شاهين ( إستطاعت مؤخراً بإصرارها على حقّها ,إيصال أحد المنافقين الهاتكين لكل القيّم الى السجن والغرامة )

والأمثلة أكثر من أن تُحصى .

يكفي تذكرنا الأغاني الوطنية لكوكب الشرق / اُم كلثوم والعندليب الأسمر / عبد الحليم , وموسيقار الأجيال / عبد الوهاب , وشادية وغيرهم , لنعرف كيف فعلت فعلها في ميدان التحرير في القاهرة منذُ 25 يناير 2011 ومازالت تفعل .

على كلٍ لن أطيل عليكم بمقدمتي هذهِ فالقصد واضح منها .

والآن أعزائي القرّاء أترككم لتتمتعوا مع كلام علي سالم , الذي يساوي وزنهُ ذهباً .

ستجدون أصل المقال في صحيفة الشرق الأوسط / الرابط أدناه .

 ****************

 زحامٌ أمام شباك التذاكر ,لكن الفيلم رديء !

 شتاء عام 1954، السنة النهائية في مدرسة دمياط الثانوية

لن أحضر الحصة السادسة ولا السابعة، على أن أذهب إلى سينما «اللبّان» فوراً .

ليس لأَحضر فيلماً ,لكن لأفتح شباك التذاكر,فأنا عامل الشباك المسؤول !

صاحب السينما ومديرها هو / سي عبده اللبان .

إنّهُ شخص صارم لا يكف عن الحركة , في طريقه إلى داخل السينما يقول لي بصوت مسموع : «راجع النِمَر»..

النِمَر جمع نِمْرة، والمقصود بالطبع هو أرقام التذاكر.. هذا ما قد يفهمه أي شخص، أما أنا فأعرف المعنى المطلوب والمتفق عليه.. المطلوب هو أن أبطئ حركة بيع التذاكر لكي يتجمع عدد من الزبائن أمام الشباك، وبذلك يرى المارة في الشارع أن هناك جمعا من البشر حول شباك التذاكر مما يعطيهم انطباعا قويا بأن الفيلم المعروض فيلم جيد يتزاحم الناس لمشاهدته. أعتقد أن عملية الخداع هذه كانت أحد تدريباتي الأولى لصنع الدراما.. لا بد أن أتباطأ في عملي بغير أن يكون ذلك واضحا للمتفرج، وذلك بافتعال حوار يبدو سببا مقنعا للبطء في قطع التذاكر.. قلت لي عاوز كام تذكرة؟ تذكرة واحدة.. هو حضرتك دفعت كام؟ مش دفعت عشرة صاغ؟ لأ دفعت ربع جنيه. متأكد إنك دفعت ربع جنيه؟ أيوة. طب ما تزعلش.. أنا بسألك بس.. إنت فاكر لا سمح الله إني بَشُكّ فيك؟ عاوز تذكرة بلكون؟ لأ صالة. أُمّال قلت بلكون ليه؟ والله يا أخي أنا ما قلت بلكون، أنا قلت لك صالة.. فيه إيه مالك؟ مماليش ولا حاجة.. تفتكر مالي يعني.. اتفضل خد التذكرة أهي.

ولكن حتى هذه الحكاية لن تنجح في إنقاذ الفيلم الرديء الذي تعرضه السينما، لأن هذه الحشود نفسها التي ظنت أنه فيلم جيد، ستخرج منه ساخطة تحذر الآخرين من مشاهدته.

في الفن والسياسة لا يمكن إخفاء العروض الرديئة. كما أن مراجعة النمر في الفن والسياسة بأكثر الوسائل خداعا ستنجح فقط في تأجيل الاعتراف بالفشل. بعدها على أصحاب الفيلم أن يتفرغوا لمعالجة آثاره على المتفرجين.

إن فيلم «الدستور» الذي يعرض منذ شهور طويلة، لم يكن فيلما رديئا فقط؛ بل تسبب في حالة من الغضب والعصبية دفعت المتفرجين جميعا لأن ينهالوا ضربا بعضهم على بعض. كاتب سيناريو فيلم «الدستور»، أو بالأحرى كتّابه، ومخرجه أو مخرجوه، يستحقون دخول موسوعة «غينيس» بوصفهم أول مجموعة في التاريخ تقدم عملا قادرا على تحويل الناس جميعا إلى أعداء بعضهم لبعض. كل ذلك حدث من أجل تحقيق هدف واحد اسمه «اللاشيء». أنا على استعداد – صادقا وجادا – لأن أراهن من يشاء بأي مبلغ يشاء – في حدود مرتبي الشهري من هذه الجريدة – على أن مواد الدستور المعترض عليها، لا تحقق لرجال السلطة في مصر ما يتوهمونه من مكاسب سيتمكنون من تحقيقها مستقبلا، كما أن المخاوف التي تثيرها في قلوب المتخوفين منها هي أيضا أوهام.. لنأخذ على سبيل المثال مادة واحدة؛ وهي تلك التي تشرك الدستور مع القانون في العقوبة الجنائية، فالأصل في الأمور أنه لا عقوبة إلا بنص في القانون، وأن الدستور لا شأن له بذلك. والمعترضون هنا يقولون إن المادة بشكلها الراهن تتيح للسلطة أن تعاقب من تشاء مستندة لمواد في الدستور، خاصة تلك التي تتعلق بالدين، وهو ما يتيح لها عمل شرطة أخلاق، أو ميليشيات تابعة لبعض الأحزاب تحت ستار أنها تابعة للمجتمع. ربما يكون هذا هو ما يفكر فيه كتاب السيناريو بالفعل، وربما يكونون قد خاضوا معركتهم وما زالوا يخوضونها لتحقيق ذلك. ولكن، واقعيا وفعليا، كل هذه الأمور غير قابلة للتحقق لسبب بسيط هو أن المخرج سيذهب إلى البلاتوه فلا يجد ممثلا أو ممثلة واحدة ولن يجد الديكور منصوبا، كما لن يجد المصورين ولا مدير التصوير.. لن يجد أحدا ينفذ له السيناريو. لم يحدث في التاريخ أن تمكنت سلطة من حكم شعب ما بغير قوى اجتماعية تستند إليها، لا أحد من قبل حكم شعبا مستندا إلى جماعة أو جماعات دينية. لا بد من مخازن إمداد وتموين لكل سلطة، كان لدى عبد الناصر العمال والفلاحون، والسادات كان لديه مشروعه للسلام، وطبقة رجال الأعمال، والاتجاه نحو الديمقراطية والحرية الاقتصادية، أما مبارك فقد انشغل فقط بأن «يبقى الحال على ما هو عليه»، وكان من الممكن أن يحكم إلى أن يتوفاه الله لو أنه لم يقترب من حكاية التوريث التي فجرت الغضب في قلوب المصريين جميعا.. ولكن إلى أي قوى اجتماعية تستند السلطة الحالية في حكمها للبلاد؟ هل هم رجال الأعمال الذين يصفّون مشاريعهم كل يوم؟ هل هم العمال الذين لا يجدون عملا؟ هل هم الفلاحون العاجزون عن الفلاحة؟ هل هي ما كنا نسميه «الرأسمالية الوطنية»؟ هل هم المثقفون؟ حتى من انضم منهم لتشكيلات السلطة في إطار العمل الثوري، خرج عليها بعد أن اكتشف عجزها عن تحقيق أية مكاسب له أو لمصر؛ البلد والشعب. السلطة الحاكمة الآن لمصر تستند في وجودها لشرعية صندوق الانتخابات فقط، وهو الأمر الذي ما زال المصريون يحترمونه حتى الآن. لقد اختارت الناس الرئيس مرسي ليحكمها وليس لهدف آخر، والحكم هو الوصول إلى السلطة والاضطلاع بها، فهل استطاع الحكم في مصر الاضطلاع بالسلطة؟ هل استطاع أن يمسك بأصابعه الخيوط التي توجه كل سلطات المجتمع في نعومة وانسجام.

الرئيس المصري عضو جماعة الإخوان المسلمين المصرية، ربما تجد أن الجماعة ستكون سندا له في الحكم، ولكني أطالبك بأن تدقق في الصورة جيدا فربما تكتشف أن وجود الجماعة كان السبب الوحيد في عجز الرئيس عن الاضطلاع بالسلطة.. أي خطأ ترتكبه أي قيادة في الجماعة يتم تحويله فورا على الرئيس.. هكذا أصبح مطالبا بالدفاع عن نفسه ليس ضد الغير فقط؛ بل ضد الجماعة أو في مواجهة الجماعة.

على الرئيس المصري أن ينسى أنه عضو في الجماعة أو كان عضوا بها.. لو أنه فكر في ذلك للحظات، لذهب بنفسه بصحبة حرسه الجمهوري ودخل مع قضاة المحكمة الدستورية إلى مبنى المحكمة. شرعية الرئيس لا تفوقها شرعية في البلاد، وعليه أن يستخدم هذه الشرعية في إعادة الشرعية إلى البلاد. وإذا لم يكن هناك في مصر من هو قادر على فك الحصار حول مدينة الإعلام والإعلاميين، فمن المؤكد أنه يوجد الرئيس، رأس البلاد ورأس الشرعية، ولو أنني كنت أعمل مستشارا له ولو لخمس دقائق فقط، إذن لأشرت عليه بأن يقف في البلاتوه في التلفزيون المصري أمام الكاميرات، وأن يطلب الشيخ حازم تليفونيا ويقول له: «بوصفي رئيسا لهذا البلد.. أنا أصدر لك الآن أمرا بأن تصرف رجالك الموجودين الآن أمام مدينة الإنتاج الإعلامي».. وأعتقد أن ساعة واحدة كافية لتنفيذ ذلك.

كلمة أخيرة عن علاقة الرئيس بالجماعة.. لا مفر من الاستعانة بمقولة شعبية قديمة وهي أن «المصايب ما بتجيش إلا من القرايب»

وهناك بالطبع ذلك الدعاء القديم الذي نطلب فيه من الله سبحانه وتعالى

(( أن يحمينا من أصدقائنا ,أما أعداؤنا فنحن كفيلون بهم ! )) إنتهى

 ألم أقل لكم / علي سالم , أفضل من الإخوان المُتأسلمين ؟

 الرابط

http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=710006&issueno=12444

 تحياتي لكم

كل عام والجميع بخير بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة المجيدة .

 رعد الحافظ   رعد الحافظ(مفكر حر)؟  

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

مصر.. المرشد والعسكر

طارق الحميد    الشرق الاوسط 

هل قول المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر عن «جنود طيعين يحتاجون إلى قيادة، ولما كانت هناك قيادات فاسدة تبعها هؤلاء الجنود، فيحتاج إلى قيادة رشيدة مع توعية الجنود» مجرد زلة لسان، أم حديث أُخذ خارج سياقه، كما قال المرشد نفسه الذي نفى تهمة التطاول على المؤسسة العسكرية المصرية؟

أعتقد أن الإجابة يجب أن تأتي أيضا وفق السياق العام لتصرفات، وأفعال، الإخوان منذ تسنمهم السلطة في مصر، والسياق العام يقول إن من يريد «تطويع» الأزهر، و«تطهير» القضاء، والإعلام، ورجال الأعمال، وإقصاء الخصوم السياسيين بالاغتيال المعنوي، وتشويه سمعتهم، كما يحدث بحق قيادات جبهة الإنقاذ، يجب ألا يستبعد أن من خططهم، ونياتهم، أيضا، تصفية المؤسسة العسكرية المصرية التي تعتبر اليوم المؤسسة الوحيدة المتماسكة بمصر.. فالقصة هنا ليست قصة كلام أُخذ خارج سياقه، أو وعود تطلق، بل نحن أمام عمل منظم تصعيدي من قبل الإخوان في مصر، وذروته هي السيطرة على البلاد بدستور يقسم ولا يجمع أبناء الوطن الواحد. والإشكالية التي لم يستوعبها الإخوان اليوم أن جل من كانوا مخدوعين بهم، في مصر أو خارجها، باتوا لا يثقون بهم، ولذا فلم يعد لأعذار مثل «خارج السياق»، أو عبارة «الإعلام الفاسد»، أي قيمة تذكر، حيث اهتزت الثقة تماما.

 ولذا، فمن الأجدى أن يكون النقاش بمصر، والمنطقة عموما، الآن، على خلفية الضجة التي دارت في مصر بين المرشد والعسكر؛ يجب أن يكون النقاش عن طبيعة السمع والطاعة، ودلالاته.. فهل يمكن، مثلا، أن يكون السمع والطاعة عسكريا أمرا خاطئا، بينما السمع والطاعة للمرشد صوابا؟ فإذا كانت العسكرية أساسا تقوم على السمع والطاعة، منذ فجر التاريخ، وتجييش الجيوش، وعلى مر العصور، وحتى في أعتى الدول الديمقراطية، فكيف يصبح خطأ في نظر الإخوان الذين يفترضون بمن ينتمي لهم السمع والطاعة للمرشد، رغم وجود مؤسسات الدولة، من قضاء ورئاسة وغيرهما؟ بل كيف يستقيم موضوع البيعة للحاكم، أو التصويت لرئيس منتخب، مع بيعة تعطى في الوقت نفسه للمرشد؟ أمر يصعب فهمه حقا، ومخالف تماما لمفهوم الدولة، أيا كان نوعها!

 هذا التساؤل، أو النقاش، حول مفهوم السمع والطاعة، يعني أن الحوار سيقود الجميع إلى نقطة مهمة، وهي إظهار الفارق بين من يؤمن بأهمية الدولة، ومؤسساتها، وبين من يريد ابتلاع الدولة، وتحريف أداء مؤسساتها، ومفاهيمها الأساسية، فالسمع والطاعة في الجيش يعني ببساطة أن هناك دولة، ومؤسسات، وهو ما يحدث في كل الدول، حتى الديمقراطية منها، مثل أميركا وبريطانيا وفرنسا، بينما السمع والطاعة لدى الجماعة، أيا كانت، ومنها الإخوان المسلمون، يعني إلغاء مفهوم الدولة، ومؤسساتها، ودستورها، وكل قوانينها، بل وإلغاء قيمة ومكانة رئيس الدولة نفسه.

 وعليه، فهذا هو النقاش الذي يجب أن يفتح الآن، وليس الالتفات للشتائم، والتخوين، التي يراد منها تشتيت وتضليل الرأي العام، نقاش يجب أن يكون بسؤال محدد، هو: ما الفارق بين مفهوم السمع والطاعة في الجيش، والسمع والطاعة في الجماعة؟ وذلك ليعي الجميع خطورة ما يحدث في مصر، ومنطقتنا.

مراسلة طارق الحميد

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | 1 Comment

امثال مصلاوية

سرسبيندار السندي

تتميز ألامثال المصلاوية بانها تقال حصرا بـاللهجة المصلاوية, وفيما يلي أبرزها:

املقايين من سلة بيض: يقال للمجموعة رديئة

بيت السكيفي حيفي وبيت السقا عطشان: يؤدون الخدمات لغيرهم ولايفيدون أهلهم

 ثمي أقغب من أمي: يفضل نفسه على غيره

عطينانو وج بقى يغيدلو بطاني: احسنا اليه ولكنه يتطلب المزيد

من حبك ليشاك من بغضك فات وخلاك:  المرح البريء دليل المحبة

 يعملوها الزغاغ وتقع بيها الكباغ: الخلاف بين الكبار سببه الصغار

لابالمسغجتين ولابالعتمي: يقال في عدم التوسط في الأمور

يضغب عصفوغين بحجغ ويحد: عمل عملا واحد يحقق غايتين

يازغع لاتتمندل ….غدا يجيك المنجل: ماطار طيـــر وارتفع إلاّ كما طار وقع

القغعا تتباهى بشعغ اختا الطويل: يعني ان الانسان يتباهى بما ليس لديه

حجغة اللي ماتنرضي تفچخ: يعني لاتستهين بصغائر الامور ولاتستهين بأي إنسان

ايبوق الكحل من العين: شاطر واسع الحيلة

خوما قتطلع بقغ عالسطوح : يقال لمن يتثاقل في قضاء عمله

طرطميس لا جمعة ولا خميس:  جاهل مغفل

يتنقع قبل المطغ: يتأثر بالحوادث قبل وقوعها

عبالك لعب كعوب: إذا استهان شخص بأمر مهم، قالوا له هذا القول

يعمل الدقـــة ويطلع من حقـــــــــة: يعمل بسوء ويتخلص منه بلباقة

خبز الشعيغ عالفقيغ كثيغ:  الفقير يقتنع بالقليل

الطبل مايندق تحت البساط: لايخفى شي على الناس

يطلع من نقغا يقع بدحديغة: يعني يطلع من مصيبة يقع بالأخرى

من حب عبدي عبدا ومن حب عقوقا عبد الشط:  هذا المثل مأخوذ من قصة موصلية قديمة خلاصتها شخص من اعيان الموصل وقع في غرام جارية من جواريه وكان حديث الناس حين ذاك فضحّى بمكانته لاجل محبوبته.

نيس بنعيم ونيس بجحيم: يضرب في من ينعم على حساب بؤس غيره

دودْنا من عودنْا: يضرب في الفساد اذا عم واساسه من الراس

الما يعغف يغقص يقول الاغض عوجا: الي ما يعرف يرقص يقول الارض مائلة و صعب ارقص

حبي حبي يصير كبي: يعني شوية شوية تجمع و يصير شي كبير

الحمي اذا حبت الكني ابليس يدخل الجني: يعني العمة لو حبت زوجة ابنها أ بليس يدخل الجنة لإستحالة الموضوع

تيتي تيتي مثل ما غحتي جيتي: مثل الي يروح على الشط و يرجع عطشان

اقللكي يابنتي واسمعك يا كنتي: اي تتكلم مع بنتها حتى تسمع زوجة الابن الكلام وتنفذه

الي ما يفتح زنبيلو محد يعبيلو: الي ما يضع نفسه في موضع شك يبقى بعيد عن الشبهات

اعطي الخبز لخبازو حتى لو اكل نصو: اي اعطي العجين للمخبز حتى وان سرق نصفه مع جودة الخبز

أسمو بالحصاد ومنجلو مكسوغ: اي انه لا يعمل و ياخذ راتب- هذا موظف عنده واسطة هههههههه

امشي شهغ ولا تعبغ نهغ: امشي لمسافة طويلة و لا تعبر النهر و تموت دلالة على السلامة و التاني

يامن تعب يامن شقى يا من على الحاضغ لقى: عادة تقال لمن يحصل على الشيء بدون تعب

جا العصغ بنالوا قصغ: اي تحول به الحال بسرعة- هذا اكيد حواسم هههههه-

ابوي ما يقدغ الا على امي: دلالة على ضعف الحال والقوة لاي اثنين بينهما نزاع

واتكندغ الدست لقا قبغو: اي الطيور على اشكالها تقع و الدست هو الجدرية و القبغ هو ما يغطى به

و يا حمي ما كنتي كني!: اذا ما حصلت مشكلة بين العمة و ز وجة الابن يقال هذا المثل للصلح بينهما لتذكير العمة بانها كانت چنة يوما ما.

أحد يطيق يحصل من الاقغع شعغاي ؟: استحالة حصول الشيء

اش معلّم الجحش بأكل النعناع: اي عدم معرفة المرء بالشيء الجيد فيقول سيء

اش ما تمسك اتطيغ بركتو: اي عدم النجاح في الشيء من باب الرزق- يعني فگر-

اشتعل بيت الكذاب محد صدّقو: اي عندما يصدق الكذاب بكلامه لا يصدقه احد

اشقد ما يموت من الشويطين تستغيح الملائكه: اي عندما يموت السيء يرتاح الجيد

اصبر عالحصغم تاكلو عنب: الصبر على العنب الصغير حتى ينضج

الزواج اولو عسل وتالينو بصل: مشاكل الزواج

أعوغ ببلاد العميين ملك: اي قلة معنى الشيء في الايام السوداء ترفع قيمته

جا ديكحلا عماها: اي اتى ليصلح الامور فدمرها

الما يعغف تدابيغا حنطتا تاكل شعيغا: اي الذي لايدبر اموره يضيع اولها وتاليها  

سرسبيندار السندي

Posted in الأدب والفن, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية | Leave a comment

علياء المهدي: أي حدود على الحرية لم تعد حرية

عندما نضع أي حدود على الحرية فلم تعد حرية (علياء المهدي تحتج على دستور الشريعة المصري)

Posted in فكر حر, كاريكاتور | Leave a comment

خريف الإخوان!

جمال خاشقجي *   الحياة اللندنية

المتربص بالإخوان، المتوجس منهم، سيسمي ما يجري الآن في مصر وتونس من أحداث «خريف الإخوان». لقد فشلوا أخيراً. لفظهم الشارع. نجحت الخطة في محاصرتهم. لو تركناهم لحوّلوا مصر وتونس إلى إيران، ولامتدوا إلى غيرهما، وأدخلونا جميعاً في مغامراتهم وأحلامهم، بإقامة دولة الخلافة، ليحكمها مرشدهم في مصر.

أما المحلل الموضوعي، الذي يرى الربيع العربي في صورته الكلية، كحركة تحول تاريخي، فسيرى ما جرى أنه مجرد فصل من فصول الولادة الصعبة لعالم عربي جديد، وإن ما من ثورة إلا ومرت بصعوبات كهذه، وإن «الحكومة المنتخبة» وليس «الإخوان» – الذين تصادف أنهم الحكومة المنتخبة – هي من تواجه «ثورة مضادة» كانت متوقعة يقودها النظام القديم الذي يرفض الاستسلام للتحوّلات التاريخية المحتومة، فتحالف فيها مع «البورجوازية» المنتفعة من العهد السابق، الغاضبة من صعود طبقة جديدة يراها «دنيا» للحكم والسيادة، وللأسف سقط في هذا الحلف الثوار، الذين خسروا في لعبة الديموقراطية، فتدثروا بقميص عثمان، وصرخوا «لقد سرقوا الثورة منا».

يجب أن نبتعد عن دخان الحرائق التي تشتعل في الميادين، والغازات المسيلة للدموع، وضجيج إضرابات النقابات واحتجاجات شباب الثورة، ومليونيات المعارضة والموالاة، وقبل ذلك من الصخب الإعلامي حين يتكلم الجميع، ويرفضون أن يستمعوا لبعض.

لنخرج من كل هذا، ولنرجع للوراء، ما الذي حصل؟ ومن الذي انتصر؟ حصلت ثورة وليس انقلاباً، جرت انتخابات وفاز فيها من فاز. الذي انتصر في الربيع العربي ليس الإخوان المسلمين وإنما الديموقراطية.

إنها تلك القوة الكامنة التي تنتظر فرصتها كلما تخلخل جدار الاستبداد الذي ترسخ عبر آلاف السنين من حكم الإنسان للإنسان، إنها الطاقة المحركة لقوة التاريخ، هل تذكرون الحاكم الإله؟ إنه الفرعون وكسرى وقيصر، بعضهم كان يقول صراحة إنه إله، وبعضهم يقول إنه من سلالة الآلهة، ألطفهم الذي يقول إنه يحكم باسم الله، لقد حكمنا نحن المسلمين خلفاء يقولون قولاً كهذا، على رغم أن أعرابياً صادقاً سبقهم للإسلام وتلقاه من مصدره الأول وقف أمام كسرى يجيبه عن سؤال رمزي «ما أخرجكم؟ ماذا تريدون؟»، قال كسرى وهو ينظر باستعلاء لهؤلاء العرب الذين لم يتخيل لحظة أن يكونوا لاعبين على مسرح التاريخ والحضارات، فجاءه رد يختصر الإسلام السياسي «جئنا لنخرجكم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد».

بعد قرون وليس بعيداً عن المكان ذاته الذي جرى فيه الحوار السابق، زعم الخليفة والفقيه بجواره أنه يحكم باسم الله.

للديموقراطية موجات، تسارعت في العصر الحديث، كانت موجتها الأولى قوية بعد الحرب العالمية الثانية، وجد فيها الخاسرون نجاتهم وصلاحهم، ألمانيا واليابان، أما المنتصرون فكانت لهم تصحيحاً وتجديداً، بريطانيا وفرنسا، ولكنها أصيبت بانتكاسة وتهديد بصعود الشيوعية، غير أنها وبعد عجز الأخيرة عن تقديم بديل، عاد زخمها من جديد، بحثت عن موطئ قدم في عالمنا بدساتير وبرلمانات منتخبة، لكن انقض عليها العسكر، مع تراث قديم ورثناه نحن المسلمين يشرعن قبول «حكم المتغلب»، فانهارت تماماً في عالمنا، فخرجنا من التاريخ لأكثر من نصف قرن.

أثناءها ضربت موجة من الديموقراطية الأطراف الأوروبية التي نجت من الشيوعية، ولكنها وقعت تحت حكم العسكر، فكانت اليونان ثم إسبانيا والبرتغال، من هناك امتدت نحو أميركا اللاتينية التي شهدت ربيعاً ديموقراطياً في الثمانينات بنكهة لاتينية، ومع سقوط الاتحاد السوفياتي، جاء دور أوروبا الشرقية لتسقط واحدة بعد الأخرى في موجة ديموقراطية ثالثة.

يجب أن ننظر إلى ما جرى في العالم العربي إلى أنه الموجة الرابعة للديموقراطية، وليس موجة «إخوانية»، ولكم يجب أن ندرك أنها تتأثر بمحيطها، ففي أميركا اللاتينية لا يمكن للديموقراطية فيها إلا أن تتطعم بمذاق يساري. في عالمنا العربي جاء المذاق «إسلامياً» حتى الآن.

الموجة الخامسة قد تكون في آسيا الوسطى الحزام الرخو لروسيا والصين معاً، إدراك ذلك سيفسر موقفهما «الأحمق» والعنيد الرافض للثورة السورية ومن قبلها الليبية، فتلك الدول تحكمها أنظمة شمولية تشبه لحد كبير ما كان سائداً في العالم العربي قبيل الربيع، ولعل المشترك الإسلامي التراثي وليس الشرعي بقبول حكم المتغلب يفسر التشابه الكبير بيننا، ويجعل إسلام كريموف (رئيس جمهورية أوزبكستان) بمثابة التوأم المفقود لحسني مبارك.

أزمة الدستور في مصر والاحتجاجات النقابية في تونس غير موجهة نحو «الإخوان» لذاتهم، إنها موجهة نحو الحكومة الجديدة «المنتخبة» من دون أن يلغي ذلك شخصنة الصراع الذي سيستخدم نقاط ضعف الخصم وقوته، فيضخ هنا بحديث حول الإخوان والدين والدولة الدينية والمدنية والخلاقة والمرشد، ولن يتوقف استجلاب أدوات الصراع، حتى تصل إلى المسلسل التركي «حريم السلطان»، واتهام الرئيس المصري محمد مرسي أنه يحرّض نظيره التركي على منعه.

ما يجري ما هو إلا صراع استيعاب القوة الجديدة للوضع الذي لم تتعود هي أيضاً عليه، فالثورة فاجأت الجميع في صحراء سياسية، ومدى قدرة مختلف الأطراف على القبول بالأدوات الديموقراطية لضبط الصراع والتي لن يجدوا غيرها، وأخيراً مدى استعداد النظام القديم للقبول بالهزيمة، فيرسل خفية للقوة الجديدة مسودة مشروع «لجنة الحقيقة والمصالحة» مستوحى مما فعل السود والبيض في جنوب أفريقيا، يذكرونها بما يستطيعون فعله معاً للنهوض ببلدانهم إن قبلوا بمبدأ العيش المشترك. أجزم بأن الإخوان، هل قلت الإخوان؟ أقصد أن القوة الجديدة المنتخبة مستعدة لذلك.

* كاتب سعودي

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

الاقتصاد اللبناني بين الستينات واليوم

د . لويس حبيقة      الخليج الإماراتية

الاقتصاد اللبناني في الستينات مختلف جداً عن اليوم لأسباب داخلية وإقليمية ودولية، كما لأسباب مرتبطة بالتغير الهيكلي والديموغرافي للشعب اللبناني الذي مر ويمر بحروب مؤذية مدمرة ما زالت توقع الخسائر الكبيرة في المادة والانسان . لا شك في أن الحرب اللبنانية واستمرارها أثرا سلباً في مستوى المعيشة ومؤشرات التنمية ودفعا بمئات آلاف اللبنانيين إلى الهجرة . تؤثر الأوضاع سلباً في الاستثمارات والنمو والبطالة التي تطال الجامعيين من مختلف الاختصاصات . استفاد لبنان كثيراً من الاقتصادات العربية التي اعتمدت الاشتراكية في الستينات، فهجر الينا آلاف المتمولين من مختلف البقاع المجاورة . استفاد لبنان من الوجود الفلسطيني المؤسساتي حيث تدفقت الأموال العربية اليها، فوضعت في المصارف كما في الاقتصاد بشكل عام . استطاع لبنان التواصل مع الغرب بفضل الثقافة التي تميز بها والتي افتقدتها الدول المجاورة . يتنافس لبنان اليوم مع دول ومناطق لم تكن تنعم في الماضي بالمواصفات الحديثة المتطورة، كدبي وقطر والعراق وقريباً ليبيا . لم يعد لبنان اليوم النموذج الذي كان عليه، بل أصبح واحدا من عدد من الاقتصادات العربية المرنة التي تستقطب الاستثمارات الخارجية .

في الواقع نمو فترة الطائف اعتمد على العقارات والمضاربات مما سبب ارتفاعاً كبيراً في أسعار الشقق والمنازل، كما اعتمد على بعض القطاعات الخدماتية . لم نحسن كمجتمع الحفاظ على الزراعة والصناعة من نواحي الانتاجية والتنافسية والنوعية . ها هو لبنان اليوم أحد مؤسسي “الغات” ممنوع من دخول منظمة التجارة العالمية التي تضم 157 عضوا بينهم 11 دولة عربية منها مصر والأردن، بل يحصل فقط على مقعد مراقب . لبنان قائد الاقتصاد الحر في المنطقة العربية منذ الأربعينات يراقب اليوم فقط التجارة العالمية ولا يشارك في تحديد القواعد الدولية . في سنة 1960 بلغ الناتج المحلي الاجمالي اللبناني 830 مليون دولار، أي مثلاً أعلى من سنغافورة (700 مليون دولار ) . أما اليوم، فيبلغ الناتج اللبناني 5 .38 مليار دولار مقارنة ب 210 مليارات دولار لسنغافورة حيث يتقارب عدد السكان .

لا شك في أن المؤشرات الانسانية تطورت ونعني بها الصحية، فانعكست على مستوى العمر المرتقب الذي يصل إلى حدود 70 سنة للرجل و 74 سنة للمرأة . أما المؤشرات المالية والنقدية، فكانت أسلم، اذ لم يصل ماضياً عجز الموازنات كما مستوى الدين العام إلى ما نحن عليه اليوم . كان دور الدولة في الاقتصاد قوياً من دون أن يمس بالحريات وكانت الليرة اللبنانية قوية، بل من أفضل النقد العالمي . أما اليوم، فدولرنا الليرة ولم تعد تتمتع بالوهج والصدقية المطلوبة . كانت هنالك ثقة كبيرة بالدولة وأجهزتها والمسؤولين عنها، أما اليوم يقع العكس تماماً . ينتشر الفساد أفقياً وعمودياً مما يؤثر سلباً في مستوى ومحتوى الإنفاق . أفقد الفساد لبنان جاذبيته في الاستثمار التي كان ينعم بها لعقود . كان ميزان المدفوعات في العموم فائضا، مما ساهم في رفع مستوى الاحتياطي النقدي إلى أرقام غير مسبوقة . هذه السنة سيتحقق عجز كبير في ميزان المدفوعات يفوق الملياري دولار من دون أن تكون الأفق واضحة من ناحية حجم رؤوس الأموال المتوجهة إلى لبنان للايداع أو الاستثمار .

كان مستوى التعليم في لبنان من أفضله عالمياً، وكان مقدماً من عدد قليل من المؤسسات النوعية خاصة الجامعية . تدنى المستوى التعليمي اللبناني من نواحي اللغات والآداب والعلوم بسبب تكاثر المؤسسات وهجرة الكفاءات وعدم وجود أجهزة رقابة متخصصة فاعلة وصارمة . تدنت قيمة الشهادات الجامعية في السوق بسبب افتقادها إلى النوعية .

كانت الإدارة العامة في الستينات تعمل بإنتاجية عالية بسبب فعالية أجهزة الرقابة، أما اليوم فهي غير فاعلة مما يسمح للفاسد بالهرب . رفع الانتاجية ضروري لكنه صعب في الظروف الحالية . نعيش اليوم في أزمات لحوم وأدوية ومأكولات وحبوب فاسدة، كما لم نشهد تنفيذ عقوبات جدية تسهم في توقف هذه الأعمال المشينة . في الستينات، كان هنالك احترام للمواطن وكان السياسي يخدم المواطن أكثر بكثير مما هو عليه اليوم . حالياً وفي العديد من الأحيان، يقع المواطن في خدمة السياسي للحصول على الحقوق والخدمات البديهية، مما يفقد البلد أي أمل جدي في التغيير والإنقاذ والاصلاح .

* خبير اقتصادي

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

تقويم «المايا»

سمير عطا الله    الشرق الأوسط

قال لي السائق الذي ينقلني من مطار نيويورك قبل أسابيع إن العالم سوف ينتهي في 21 ديسمبر (كانون الأول)، وإن المدينة هنا هي الأكثر تعرضا لأنها على البحر، والتوقع هو أن يسقط نيزك ضخم في بحر العالم ويرمي اليابسة خارجا. قلت للسائق العربي، بعد ثماني ساعات سفر، إنه إذا كانت المسألة كبيرة إلى هذا الحد، فالحقيقة أنني لا أستطيع المساعدة في شيء. في الزمن القديم كان ظهور نجم مذنب يعتبر مقدمة لحدث هائل ما. لكن منذ أوائل القرن التاسع عشر صار المذنب نفسه هو الذي سوف يدمر الأرض. عام 1832 تنبأ الفلكيون بأن كوكبا هابطا سوف يغطي أوروبا كلها، ويرخي بثقله فوق ألمانيا. أوقف كثيرون أعمالهم ذلك العام وجلسوا ينتظرون لحظة تحول القارة إلى ذرات.

كان الرعب البشري يزداد مع اقتراب نهاية العالم في أزمان الأوبئة. خلال السنوات التي ضرب فيها الطاعون أوروبا (1345 – 1350) ظهر العرافون في مدن ألمانيا وفرنسا وإيطاليا يعلنون أن نهاية العالم خلال عقد. عام 1536 تنبأ عراف بريطاني أن النهاية واقعة في 13 أكتوبر (تشرين الأول) من ذلك العام. ذهب الألوف من الناس إلى تلال لندن ليشاهدوا كيف ستدمر المدينة. في حالات اليأس والخوف يصغي الناس إلى العرافين من دون أي تساؤل. عام 1628 ظهر مذنب في سماء ميلانو فقال عرافون إن الطاعون قادم وفعلا هذا ما وقع بعد عامين. وكانت قصيدة شعبية قديمة تقول إن الشيطان سوف يظهر في ميلانو ذلك العام ويسمم أهل المدينة. وضرب الجنون الجميع. وصار عشرات الرجال يسلمون أنفسهم للموت والحرق، على أنهم التقوا الشيطان وكلفهم توزيع السم. واعتقد كثيرون آخرون أن مبعوثين من الجحيم جاءوا يهلكون المدينة. لقد سمم الشيطان كل شيء: المياه والذرة في الحقول والثمار على الشجر. وكل ما تلمسه مسمم: جدران المنازل، بلاط الأرصفة، وحتى مسكات الأبواب. أقيمت لجان حراسة خاصة لمراقبة مبعوثي الشيطان. وكل من كان لديه عدو يريد الخلاص منه، يزعم أنه شاهده يلوث مسكة الباب بالسم. وشوهد رجل تجاوز الثمانين يمسح المقعد الحجري في الساحة العامة ليجلس عليه، فقالت شاهدة إنه كان يضع عليه السم. هجمت الغوغاء على الرجل وأحرقته.

عام 999 باع ألوف الأوروبيين كل ما يملكون واتجهوا نحو القدس لانتظار القيامة فيها، مع اقتراب نهاية الألفية الأولى. كانت مظاهر الجنون الجماعي لا توصف. لا أذكر مرور فترة قصيرة لم يظهر فيها عراف ليعلن نهاية العالم، محددا الوقت والساعة.

وبسبب شعور اليأس الذي يحيط بنا، كان السائق العربي واثقا من أن سنة «المايا» سوف تصح، موضحا في الوقت نفسه أنه رجل مؤمن وليس من المايا.

وسألته إن كان يستقبل جميع المسافرين بأخبار ظريفة من هذا النوع، فقال إنه يحب أن يعمم المعلومات التي لديه. وعدت أسأله إن كان يشتغل ذلك اليوم لكي أستفيد من خدماته، فقال لم يقرر بعد. الأمر يتوقف. الأمر يتوقف على ماذا؟ على حركة المذنب، هل سوف يسقط أم لن يسقط. وكان الرجل مقتنعا لدرجة ألا يناقش، ولكنني لا أعرف لماذا يصر على إقناعي أنا أيضا. فأنا، في الحقيقة، لا أتبع تقويم المايا. والحمد لله.

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment