العريف الذي قاد الرايش الثالث

سمير عطا الله : الشرق الاوسط

 هناك عادة حسنة في القراءة. أو في إعادة القراءة. وهي أن تعود إلى ما كتب عن رجال التاريخ وهم أحياء، وليس بعد زمن. وفي دهشة اقرأ ما كتبته جانيت فلانر، عميدة مراسلي القرن الماضي، من برلين العام 1936. كان هتلر في أوج عزه، وقد استطاع خلال 15 عاما أن يحول نفسه من عريف سابق في الجيش إلى «الفوهرر»، القائد. لم يجر الرجل النمساوي خلفه بلدا متخلفا، بل الشعب الألماني «خيرة الشعوب الشمالية» التي أراد لها أن تحكم العالم، بعنصرها الصافي الدماء وخلاياها المتفوقة على سائر البشر. بالقدرة الخطابية سحر أهم الشعوب الصناعية في العالم. أنقذ ألمانيا من الإفلاس ثم قادها إلى الدمار. رسام نمساوي فاشل يعمل دهانا في النهار ورساما في الليل. تائه في مدينة ميونيخ، يقرأ في الفكر ويصغي إلى الموسيقى ولا يكاد يسد رمقه. رجل بلا ثقافة يؤسس فكرا بدائيا ومتناقضا قائما على «عبادة» ألمانيا وكره الشيوعية واحتقار الطبقة الخاملة.

 رجل بلا هوايات، بلا ترف، يفضل العزلة والعمل وله صديق مقرب واحد، نائبه رودولف هس. ولا ضرورة لأن أحزركم أين ولد هس. مثل جميع مشاهير القرن الماضي، ولد في الإسكندرية. لا يمزح الفوهرر ولا يهذر، بعكس جنراله الأول، غورينغ، الذي كان يكافئ سائقه كلما روى له نكتة تسخر منه. الفوهرر كان يكره هذا النوع من النكات. وكتاب الكاريكاتير الوحيد الذي سمح به في المرحلة النازية كان مجموعة الرسوم الساخرة التي وضعها أيام الفقر.

 ناداه مرة أحد رفاق النازية «أيها القائد»، فأصدر مرسوما بتبني اللقب. ليس هو فقط القائد الأعلى، بل القائد المطلق. طاعة لا حوار. وقد اقترح عليه مرة أحد مستشاريه أن تتضمن النازية إشادة بالأحزاب الأخرى، فقال: «لماذا؟ هل رأيت مرة شركة صابون تعلن عن نتاجها ونتاج غيرها؟».

 قبل علاقته بإيفا براون، التي انتحرت معه يوم وصل السوفيات إلى برلين، لم يعرف عن هتلر تعلقه بالنساء. جميع صديقاته كن ممن عرفهن أيام الفقر. وبعد 15 عاما من الخطابة من أجل الوصول، اضطر لدى وصوله إلى عملية جراحية في حنجرته، في وترين من الأوتار الصوتية. كان يغمى عليه من منظر الدماء لكنه لم يمانع في إسالة دماء الكرة الأرضية. وكان يعوض عن قسوته بحب المسرح والموسيقى. ولم يتخلَّ عن الذهاب إلى مطاعم الدرجة الثانية التي اعتادها شابا. كما كان يتمتع بطاقة جسدية هائلة على احتمال مشاق السفر، وأفضل الأنواع لديه السفر بالطائرة.

 كان يحب ميونيخ أكثر من برلين. يروى أنها تجسد الثقافة الألمانية. وفي هذا، على الأقل، يشاركه كثيرون. أحب بافاريا أكثر من برلين البروسية. لماذا؟ لأن بروسيا كانت محبة للحرب.

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | Leave a comment

مقترح سوري للخروج من مأزق الحرب الأهلية

ديفيد إغناتيوس : الشرق الاوسط

 سعيا نحو خلع الرئيس بشار الأسد، وضعت إحدى جماعات المعارضة خطة لنظام عدالة انتقالي يتم بموجبه فرض عقوبات شديدة قاسية على الأفراد المتشبثين بمواقفهم من دائرة الأسد المقربة، ومنح عفو لأكثر أنصار الطائفة العلوية. الهدف من ذلك هو تقديم إطار قانوني يطمئن العلويين بأن هذا ليس صراعا حتى الموت، وأن لهم مكانا في حقبة ما بعد الأسد. من شأن هذه الخطة أن تشجع سيادة القانون في المناطق التي تم تحريرها من قبضة الأسد للحيلولة دون ظهور أمراء الحروب وارتكاب الأعمال الانتقامية.

 تبدو خطة الانتقال القانوني هذه بالنسبة لي أفضل فكرة قدمها الثوار السوريون حتى هذه اللحظة، لأنها لا تعالج فقط وحشية نظام الأسد، بل أيضا الخطر الحقيقي المتمثل في انزلاق سوريا نحو مستنقع من الفوضى والفشل، في ظل استمرار الحرب وتعمق الكراهية. وتدعم الحكومتان الأميركية والبريطانية الأفكار المتعلقة بالمساءلة والمصالحة بوجه عام، لكنهما لم تدعما أي صيغة محددة خاصة بسوريا.

 وأعدت مجموعة الدعم السورية، التي تدعم العناصر المعتدلة داخل الجيش السوري الحر، الخطة بمساعدة محامين دوليين. وتم عرض المقترح على قادة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، الذي ينضوي تحت لوائه الثوار المعارضون للأسد. ويأمل مؤيدو الخطة أن تحظى بدعم المجتمع الدولي خلال الاجتماع المقبل لمجموعة أصدقاء سوريا المزمع عقده في إيطاليا.

 تشبه هذه الفكرة عملية «الحقيقة والمصالحة» التي ساعدت في حل صراعات مريرة في جنوب أفريقيا ورواندا وشمال آيرلندا.

 وجاء في مذكرة قانونية أعدتها شركة «ماكيو أند بارتنرز» التي توجد في لندن وتقدم استشارات لمجموعة الدعم السورية: «إن هذا يرسل إشارة إيجابية قوية إلى الشعب السوري بأن نصر الثوار حتمي» وأن النظام الجديد «سوف يرسي العدل» ويعوض الضحايا ويتعاطف مع الجميع.

 سوف تبدأ العملية الانتقالية بتحديد 100 شخصية من داخل النظام يمكن أن يعجل انشقاقها بسقوط الأسد. قد يُعرض على بعض هؤلاء الداعمين للأسد عفو جزئي في حال موافقتهم على التعاون. وكلما كان انشقاقهم أسرع، زادت الفوائد والامتيازات التي يمكن أن يحصلوا عليها خلال فترة حكم النظام الجديد في المستقبل. وفي إطار مرحلة الانتقال السياسي، سيتم تأسيس صندوق للتعويضات من أجل مساعدة ضحايا الحرب. وسيُعرض على العلويين، الذين ليسوا ضمن الدائرة المقربة من الأسد، «خروج آمن»، على نحو ما جاء في المذكرة السالف ذكرها، التي تحتوي على الخطوط الرئيسية للخطة. وأوضحت المذكرة: «التقارير الاستخباراتية توضح أن الكثير من العلويين يساندون الأسد من أجل بقائهم، لأنهم يسيئون فهم خطط (المعارضة) المتعلقة بنظام العدالة الانتقالي في حقبة ما بعد الأسد. ويشعر الكثيرون بأنهم سيُعدمون جماعيا، ويساعد ذلك الأسد على تسليح طائفة بأكملها في معركة حياة أو موت في دمشق، مما قد يعرّض دمشق لدمار شامل وخسارة أرواح كثيرة».

 وحذرت مذكرة مجموعة الدعم السورية من أنه إذا لم يتم التعامل بشكل مباشر مع مخاوف العلويين من البقاء في المجتمع، لن تحل القضية بمجرد مغادرة الأسد السلطة، بل سيشكل هذا خطرا كبيرا على استقرار سوريا في السنوات المقبلة.

 لتنفيذ الخطة، ستعمل المعارضة على جمع فريق من الخبراء القانونيين السوريين. ومن بين الأسماء المحتمل اقتراحها سهير الأتاسي الناشطة البارزة في مجال حقوق الإنسان، ونائب رئيس ائتلاف المعارضة، وهيثم المالح القاضي السابق والمعارض العتيد، وأنور البني محامي حقوق الإنسان الذي دافع عن المتظاهرين الأكراد، فضلا عن قادة في المجموعات القانونية بـ«سوريا الحرة» في تركيا والأردن.

 سيكون لدى المحامين السوريين، من خلال استخدام وسائل قانونية عصرية لتتبع الأصول واسترداد الأموال، العصا والجزرة، من أجل تغيير النظام. يمكن للشخص المتعقَّب إنقاذ كرامته وماء وجهه (وربما ثروته) من خلال الانفصال عن الأسد والحصول على عفو جزئي، في حين أنه يمكن أن يخسر كل ذلك إذا ظل متعلقا ومتشبثا بالديكتاتور. وسوف تشبه المحاكمات، التي سيتم من خلالها الحكم على الموالين للنظام، الأنظمة القانونية التقليدية السورية.

 ومثل كل شيء يؤثر على سوريا، ينفد الوقت المتبقي على انهيار الدولة وغرقها في بحر من الفوضى. وفي ظل سيطرة الثوار على مناطق، مثل ضواحي حلب الشمالية، يتولى بعض قادة الكتائب تطبيق القانون بأنفسهم. ويتصرف بعض عناصر الجيش السوري الحر مثل الشبيحة الذين كانوا يقاتلونهم، بحسب أحد المصادر السورية. وحذر مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، الأخضر الإبراهيمي، الأسبوع الماضي، قائلا إن سوريا «ستتحول إلى جحيم» إذا لم يتم التوصل إلى تسوية سياسية.

 ما تحتاج إليه سوريا فورا هو طريق نحو نظام جديد يقوم على سيادة القانون. وتعد الخطة، التي أعدتها مجموعة الدعم السورية، أفضل خارطة طريق رأيتها حتى هذه اللحظة، وينبغي على المجتمع الدولي تبنيها سريعا.

 * خدمة «واشنطن بوست»

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | 1 Comment

وطني ..

أحب التسكع والبطالة ومقاهي الرصيف

 ولكنني أحب الرصيف أكثر

 …..

 أحب النظافة والاستحمام

 والعتبات الصقيلة وورق الجدران

 ولكني أحب الوحول أكثر.

 *****************

 فأنا أسهر كثيراً يا أبي‏

 أنا لا أنام‏

 حياتي سواد وعبوديّة وانتظار‏

 فأعطني طفولتي‏

 وضحكاتي القديمة على شجرة الكرز‏

 وصندلي المعلّق في عريشة العنب‏

 لأعطيك دموعي وحبيبتي وأشعاري

 *********

 المرأة هناك

 شعرها يطول كالعشب

 يزهر و يتجعّد

 يذوي و يصفرّ

 و يرخي بذوره على الكتفين

 و يسقط بين يديك كالدمع

 **** *****

 وطني

 …….

 على هذه الأرصفة الحنونة كأمي

 أضع يدي وأقسم بليالي الشتاء الطويلة

 سأنتزع علم بلادي عن ساريته

 وأخيط له أكماماً وأزراراً

 وأرتديه كالقميص

 إذا لم أعرف

 في أي خريف تسقط أسمالي

 وإنني مع أول عاصفة تهب على الوطن

 سأصعد أحد التلال

 القريبة من التاريخ

 وأقذف سيفي إلى قبضة طارق

 ورأسي إلى صدر الخنساء

 وقلمي إلى أصابع المتنبي

 وأجلس عارياً كالشجرة في الشتاء

 حتى أعرف متى تنبت لنا 

أهداب جديدة، ودموع جديدة

 في الربيع؟

 وطني أيها الذئب الملوي كالشجرة إلى الوراء

 إليك هذه “الصور الفوتوغرافية”

 ………..

 لماذا تنكيس الأعلام العربية فوق الدوائر الرسمية ،

 و السفارات ، و القنصليات في الخارج ، عند كل مصاب ؟

 إنها دائما منكسة !

 **** ****

 اتفقوا على توحيد الله و تقسيم الأوطان

 ********

مع تغريد البلابل وزقزقة العصافير

 أناشدك الله يا أبي:

 دع جمع الحطب والمعلومات عني

 وتعال لملم حطامي من الشوارع

 قبل أن تطمرني الريح

 أو يبعثرني الكنّاسون

 هذا القلم سيقودني إلى حتفي

 لم يترك سجناً إلا وقادني إليه

 ولا رصيفاً إلا ومرغني عليه

‎محمد الماغوط (مفكر حر )؟‎

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

أخبرتكـم أن الـدم سيصل إلـى الركـب فـي سـوريـا

 ميشيل كيلو:   السفير اللبنانية

 كما كنت اتوقع، أتت ردود كثيرة جداً على مقالتي في «السفير»، التي قلت فيها: ان البديل الإسلامي لن يكون ديموقراطيا. الغريب ان أيا منها لم يتضمن كلمة واحدة عن السؤالين اللذين طرحتهما وهما: في الوضع الراهن، وفي ظل الانزياح الذي احدثته سياسات بعض الإسلاميين عبر ما سمي «المجلس الوطني السوري»، هل كل قائل بسقوط او إسقاط بشار الأسد ثوري وديموقراطي؟ وهل يجب ان نضع يدنا في يده لمجرد انه عدو عدونا؟ كما لم يرد أحد أيضاً على تخوفي من ان يكون سقوط النظام مجرد مرحلة في الأزمة السورية، التي خشيت منذ أكثر من عام ونصف من ان تأخذنا إلى حال من الفوضى تجعل سوريا غير قابلة للحكم لفترة طويلة. وقلت منذ ذلك التاريخ مرات متعددة: إذا كان الخليج وإسرائيل لا يريدان الديموقراطية، وكان قسم من الخليج يخاف الحكم الإخواني، بينما يحبذه قسم آخر، اغرقه بالمال السياسي والسلاح وقلة العقل، هل سيسمح هؤلاء بإقامة ما يرفضونه؟ أليس من الأفضل لهم شطب سوريا من خريطة المنطقة وعلاقات القوى فيها ومنعها من استعادة وضعها الطبيعي، خاصة ان جاء كل ذلك على يد نظام ديموقراطي يهدد وجودهم ووجود إسرائيل، ويمكن ان يعيد طرح جميع المسائل الكبرى والخطيرة، التي سبق ان طرحتها ثورة قومية فعلوا المستحيل كي يقضوا عليها ونجحوا؟

جاء الرد من جهات مختلفة، اشدها سخفا وتفاهة تلك الجهة التي لم تعلن عن نفسها، وزعمت انني أدنت ما يقوم به الجيش الحر، وقلت انه يدفع البلاد نحو الحرب الأهلية. هذه الجهة استعادت من ارشيفها كلاما مشوها نسب إلي بعد قرارات مجلس وزراء الخارجية العرب بتسليح وتمويل المقاومة ردا على الفيتو الروسي الثاني في مجلس الأمن، وكذبته بكل وضوح في حينه، لكنه زور من جديد ما كنت قد قلته حول ان الجيش الحر لا يريد حربا غير متكافئة مع النظام، بسبب تفاوت الأعداد بين الجيش النظامي وبينه، وانه سيستعين بمئات آلاف المدافعين عن أنفسهم وأسرهم وممتلكاتهم، وانني سأفعل شخصيا كل ما هو ضروري كي لا يهزم، لان ذلك لن يعني فقط هزيمة المعارضة، التي صار قوتها الرئيسة على الأرض، وانما كذلك كارثة ستحل بأقسام كبيرة من الشعب السوري. واكدت في النهاية ان مصير الوطن والشعب والحرية يرتبط بمقاومة وانتصار الشعب والجيش الحر، مهما كانت ملاحظاتنا عليهما. تحاول هذه الجهة تحريض الجيش الحر ضدي، كأن معظمه يحترمها او لا يشاطرني الرأي حولها. والغريب انها تقدم نفسها للناس كجهة مؤمنة وتحتكر التحدث باسم الدين، لكنها تكذب على الطالعة والنازلة، وكنت قد ذكرتها في مقالتي عندما تحدثت عن «جهات إسلامية تحترف الكذب وتقتلها الرغبة في السلطة» (كان يجب ان اقول التسلط).

 لا ديموقراطية وإسلامية معا

 وقد رد عليّ صديق قديم من حلب انتقد موقفي المناوئ للإسلام والثقافة العربية/ الإسلامية، وذكرني بأنني كنت دوما أحد رموزها والرجل الذي احترمه الإسلاميون. هذا الصديق، حدثني أيضاً عن زيارة قام بها مع لفيف من انصاره إلى بيتي في دمشق العام 2009، بعد خروجي من السجن، حيث هنأني بالسلامة ولامني لأنني رفضت عرضا قدمه لي بشأن تشكيل خلية أزمة لإدارة الصراع ضد النظام. كما أشاد بتقديري للأمور، وقال انني اخبرته ومن معه ان الدم سيصل إلى الركب عند قيام الثورة في سوريا، وان ما حدث في تونس ومصر لن يتكرر عندنا. وقد رددت عبر البريد الالكتروني على هذا الصديق، وأكدت له ان المساواة التي يقيمها بين الإسلام والثقافة العربية الإسلامية وبين ما يقوله هو وبقية اتباع الإسلام السياسي يؤكد مخاوفي من ان لا تصير سوريا ديموقراطية في ظل البديل الإسلامي، وذكرته بالفارق الكبير بين الدين وقراءاته السياسية، خاصة عندما تكون عصبوية ومؤدلجة وموجهة ضد الآخرين، ولفتت نظره إلى انني اركز في مقالتي على نفي صفة الثورية عن المطالبين بسقوط بشار الأسد، ان كانوا سيعيدون انتاج الاستبداد في صيغ جديدة، موسعة وذات طابع مقدس، وانني لست مستعدا اليوم للدخول في تنظيم فضفاض يسيطرون عليه كالائتلاف الوطني السوري، فلا يعقل ان اقبل بتشكيل خلية أزمة معهم، كما لم يكن معقولا ان اقبل مشروعه لاسباب كثيرة، بينها ان رأيه يختلف عن رأيي في قضايا جوهرية، رغم اننا ننتمي كلانا إلى معارضة لم تتفق على شيء إلا وَقَوَّضَهُ «الإخوانيون»، منذ بدأ رقصهم الحائر حول دور، وتركوا ولم يتركوا اعلان دمشق كي ينضموا ولا ينضموا إلى الأستاذ خدام، قبل ان يغيروا رأيهم بالنظام ويكتشفوا بعد حرب غزة انه وطني ومقاوم ويعرضوا عليه شراكة استراتيجية كان من شأنها ان تضعهم اليوم في صفوف شبيحته، لو انه قبل آنذاك بها. اقول اليوم انني لست مستعدا للاتفاق مع كل من يزعم انه يريد اسقاط نظام الأسد، فتقول أنت لي انني رفضت الانخراط في خلية أزمة عام 2009، كان سيترتب على قيامها وضع مواقفي تحت رحمة أشخاص لا اعرف كثيرين منهم او لا اثق بقدرتهم على فهم ما يجري، لانطلاقهم من مواقف مؤدلجة لا صلة لها مع الواقع، تجعلهم غريبين عن العقلانية السياسية المطلوبة لسوريا في تلك الفترة.

 أقبل أن يعلمني الآخرون

 كما تصدى لمقالتي مناضل قديم سجن سنوات طويلة عندما كان عضوا في «حزب العمل الشيوعي»، أراد تصحيح كلامي وتصويبه، وذكر انه كان من الأفضل لو انني قلت: «البديل الديموقراطي لن يكون إسلاميا»، بدل القول «البديل الإسلامي لن يكون ديموقراطيا». أما السبب الذي دفعه إلى انتقادي على هذه الغلطة، فهو عدم وجود بديل إسلامي، والبرهان على ذلك جَلِيٌّ في ما قالته مقالتي حول خطورة اختلاف تيارات الإسلام السياسي، المسلحة منها وغير المسلحة، على البديل الإسلامي، فهذا الاختلاف يعني إقراري الضمني بعدم وجود بديل إسلامي. الحقيقة انني لم افهم ما يريده الأخ العزيز، ولا شك عندي في انه يعرف تمام المعرفة بوجود اختلافات وتيارات حول الديموقراطية، ومع ذلك فإنه ينصحني باستخدام كلمة البديل الديموقراطي. كما يعلم انني كنت أتحدث عن البديل الديموقراطي وعلاقته بالإسلام، وإلا لاختلف كلامي اختلافا كبيراً عن ما قلته في مقالتي. أخيراً، للأخ الكريم ان يؤمن بما يشاء، وان يكتب مقالة تنتقد وجهات نظري بالطريقة التي يريدها، لكنه لا جدوى من وضع نفسه مكاني لتصحيح ما اعوج من كلماتي وأفكاري. أنا اقبل ان يعلمني الآخرون، لكن التعليم شيء والتعالم شيء آخر، خاصة إن كانت حججهم على هذا القدر من الضعف، إن كان لديهم حجج أصلا في النهاية. قابلت شبانا إسلاميين في ندوة «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» في الدوحة، اتفقوا معي في معظم ما قلته، لكنهم أخذوا عليّ التعميم فيه، ووضع جميع الإسلاميين في سلة واحدة. كما انتقدوا قولي إن السيدات الثلاث اللواتي عينهن المجلس الوطني فيه آتيات من العصر الحجري. خلال الحوار معهم، وكان ودياً جداً وصريحاً، قلت: انني تحدثت عن «جهات إسلامية» حصرتها في «تلك التي تتقن الكذب وتتهافت على السلطة»، ولم أعمم، فنفوا ان تكون المقالة قد قصدت هؤلاء، لكن حسن الحظ ساق إلينا رجلا يحفظ النص على «آي باده»، عندئذ، انتقلنا إلى «العصر الحجري»، فقلت شارحا موقفي: انتم تعلمون ان «المجلس الوطني» لم ينتخب في دورته الأخيرة أي امرأة، وانني كنت من الذين انتقدوا ذلك ولفتوا الأنظار إلى تضحيات المرأة السورية التي تفوق أي وصف، وان من عينوا السيدات الثلاث بقرار لاحق لم يفكروا بالمرأة بل بنمط معين منها يتكون من نسائهم او من اللواتي ينتمين مثلهم إلى العصر الحجري، والدليل اختيارهم سيدات منقبات لأنهن منقبات، أي لان عقولهن مليئة بما يخدم نظرات هؤلاء ومعاييرهم، وليس لانها مليئة بما يخدم المرأة السورية، خاصة المسلمة منها، التي تَنَقَّبَ وتَحَجَّبَ قسمٌ منها، ولم يفعل ذلك قسم آخر نجده مثلا بين القرويات اللواتي يعانين الامرين من بطش النظام، وصرن يظهرن بكثافة على التلفاز ويتحدثن بجرأة ودقة عن الواقع السوري، بما في ذلك السياسي منه، لكن من عَيَّنَهُنَّ ممثلاتٍ للمرأة لا يرى ضرورة لان يتمثلن في مجلسهم الذي يريدونه وطنيا، وجاؤونا بسيدات يعبرن عن عقلهم الباقي في العصر الحجري.

لم يقتنع قسم من الشباب بهذا الكلام، ولفتوا نظري إلى الاستغلال التحريضي الذي يمارس ضدي بسبب هذا الوصف، الذي يعممونه ويزعمون ان ما قصدته به هو الإسلام وثقافته. قلت ان هؤلاء لا يردون على كتاباتي بغير التزوير، الذي ذكرت نمطا منه في مقدمة هذا النص، والتحريض بزعم انني لست خصمهم بل عدو الإسلام والثقافة الإسلامية.

هل أنا حقا ضد الإسلام وثقافته؟ اعتقد انه سيكون من الصعب على خصومي اثبات حرف واحد مما يزعمونه، ليس فقط لانني لعبت دوراً مفتاحيا في عودة «الاخوان المسلمين» إلى السياسة السورية بدءاً من العام 2001، بل كذلك لانني اعتبر سيدي ومولاي محمد بن عبد الله جدي وأرى في نفسي واحداً من أحفاده. اما النسوة اللواتي قلت إنهن من العصر الحجري، فأنا لا اعتبرهن ممثلات للمرأة السورية، حتى ان كن من العصر التكنوتروني، فإن اثبتت اعمالهن ومواقفهن انني كنت مخطئا، تقدمت منهن باعتذار علني وامتلأت نفسي بالاعتزاز بهن وبدورهن، سواء كن منقبات أم سافرات. ولعلم من لا يعلمون: أنا من الذين يؤمنون ان المرأة يجب ان تحدد مواقفها انطلاقا من العقل الذي في رأسها، وانها تغلط كثيرا بحق نفسها وبنات جنسها ان سمحت لأحد بإقناعها او إجبارها على تحديده بدلالة ما تضعه على وجهها!.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

قريباُ في مشافينا

  محمد البدري (مفكر حر)؟

Posted in ربيع سوريا, كاريكاتور | Leave a comment

دول الخليج… والتعامل مع الصين

عبدالله المدني:  الإتحاد الاماراتية 

في الآونة الأخيرة كتب «ويليام وان» المراسل الدبلوماسي لـ«واشنطن بوست» مقالا ورد فيه أن الصين تسعى إلى حماية وتعزيز وسائل وصولها إلى مصادر الطاقة في الشرق الأوسط، وذلك من أجل ضمان ازدهارها ونموها الاقتصادي. وبطبيعة الحال، فإنه لا جديد في هذه المقولة، لكنها تفتح باباً للتساؤل عما ينبغي على بكين أن تتبناه من مواقف سياسية تجاه المنطقة العربية عموماً، ومنطقة الخليج خصوصاً مقابل تدفق النفط والغاز إليها من دول الخليج العربية تحديداً.

 فالسياسة الخارجية الصينية تستند إلى براجماتية، تبعث على الحيرة، بل إنها تبدو في أحايين كثيرة كما لو كانت غير مكترثة بمصالح بلدها على المدى البعيد. ويمكن في هذا السياق طرح أمثلة عديدة، ابتداء من موقف بكين إزاء ثوار ليبيا في خضم وقوفهم ضد نظام القذافي، ثم موقفها الحالي في مساندة النظام السوري، دعك مما تقدمه لنظامي طهران وبيونج يانج من أسباب الحياة عبر الالتفاف على القرارات الدولية بطرق ملتوية.

 قد يبلع المراقب بمرارة مواقف بكين إزاء نظام آل كيم الستاليني في بيونج يانج، ويفهمه من باب التقاطع الأيديولوجي أو الخصومة المشتركة ضد واشنطن أو إغاظة الكوريين الجنوبيين، لكن كيف يمكن تفسير سياسة المناورة، التي تتبعها بكين إزاء دول الخليج العربية التي تمدها بالجل الأعظم من حاجاتها من الطاقة، بل التي يمثل استقرارها وسلامتها عاملا حيوياً لاستمرار نمو الصين اقتصادياً.

 وانطلاقاً من هذه الحقيقة، فإن على دول الخليج العربية الست القيام جماعياً باتخاذ موقف حيال سياسات بكين الخارجية ذات الصلة بإنقاذ إيران من ورطتها مع المجتمع الدولي، وبتسهيل الطريق أمامها للالتفاف على العقوبات الأممية المفروضة عليها. وبعبارة أخرى، تستطيع دول مجلس التعاون – إنْ أرادت – أن ترسل رسالة واضحة إلى الصينيين الباحثين عن كل قطرة من النفط وكل متر مكعب من الغاز، أنها لن تكون بديلة عن طهران لجهة إمدادات الطاقة، أو لجهة استقبال استثماراتهم ومشاريعهم وبضائعهم، إنْ لم يتخلوا بوضوح عن سياسات اللف والدوران فيما يتعلق ببرنامج طهران النووي والعقوبات الدولية المفروضة عليها، أو فيما يتعلق بالدفاع عن ممارسات حلفاء طهران في المنطقة العربية وعلى رأسهم نظام الأسد المترنح.

 ورغم أني أشك في إقدام دول التعاون الخليجي على مثل هذه الخطوة، هي التي لم تحرك ساكناً حينما رضخت بكين لمطلب إيراني بتغيير مسمى الخليج من عربي إلى فارسي أثناء أولمبياد 2008 التي استضافتها الصين، فإن اشتداد الخناق على النظام الإيراني بسبب تزايد العقوبات الدولية عليها وعلى من يشتري نفطه أو يساعده مادياً وتكنولوجيا من جهة، وتخوف الصينيين من انقطاع إمدادات الطاقة بسبب تهديدات طهران بإغلاق مضيق هرمز، قد خلق وضعاً جديداً بالإمكان استغلاله للضغط على بكين كي تغير سياساتها المؤيدة لإيران وحلفاء الأخيرة من دول إقليمية، خصوصاً مع وجود شبه حالة مستجدة من القلق والتذمر في أوساط القيادة الصينية إزاء التداعيات المستقبلية المحتملة لتصرفات النظام الإيراني. وتتجلى حالة القلق في قيام بكين في الأشهر الأخيرة من عام 2012 بإرسال وفود إلى دول الخليج العربية للاتفاق على صفقات نفطية طويلة الأجل كتعويض لانخفاضات قسرية في معدلات وارداتها النفطية من إيران. أما حالة التذمر فقد تجلت في إرسال الصينيين لرسالة إلى الإيرانيين مفادها ضرورة عدم المس باستقرار وأمن مضيق هرمز الحيوي لوارداتهم وصادراتهم، كما تجلت في حث الرئيس الصيني لنظيره الإيراني حينما التقيا في أواخر العام المنصرم على ضرورة تبني طهران لمواقف أقل حدة وتشدداً فيما يتعلق ببرنامجها النووي أثناء اجتماع ممثليها مع ممثلي وكالة الطاقة الدولية ومجموعة (5+1)، أي الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن وألمانيا.

 والمعروف أن إيران بمجرد نجاح ثورتها الخمينية أطلقت شعار «لاشرقية ولا غربية، بل جمهورية إسلامية» استجابة لأصوات جماهيرها التي كانت وقتذاك معترضة على سياسات الشاه الراحل المتماهية مع الاستراتيجيات الغربية. وهكذا عمدت إلى توطيد روابطها مع مجموعة من الدول النامية الكبرى، لكن مع إيلاء أهمية خاصة للصين، التي كان الشاه هو أول من سمح لها بموطئ قدم في منطقة الخليج. وقد تم كل ذلك وفق مبدأ التوجه شرقاً الذي صار ركناً من أركان السياسة الخارجية الإيرانية، خصوصاً مع تدهور علاقات طهران مع الغرب. وقد اتخذ هذا التوجه زخماً أكبر مع مجيء نجاد إلى السلطة، والذي خالف سلفيه رفسنجاني وخاتمي اللذين تفاديا حرق كل الجسور مع الغرب الصناعي، والذهاب بعيداً في معاداته.

 أما الصينيون، فقد غمرتهم السعادة جراء هذا التوجه الإيراني، لعلمهم أن إيران هي كبرى دول الشرق الأوسط لجهة الاحتياطات النفطية، وثاني أكبر دولة لجهة احتياطيات الغاز الطبيعي، فتمادوا في إطلاق مشاريعهم واستثماراتهم في إيران ولا سيما تلك المتصلة بالبحث والتنقيب عن النفط والغاز(خصوصاً في حقل بارس الضخم)، بل زادوا على ذلك بمد طهران بمساعدات تقنية وعلمية في مجالات تطوير القدرات النووية والصاروخية، وبناء السفن الحربية، وناقلات النفط، وتطوير البنى التحتية.

 وقتها لم تكن بكين تتوقع أن ترتكب طهران تصرفات تجعل المجتمع الدولي يقف لها بالمرصاد من خلال حزم متتالية من العقوبات التي باتت تطال أيضاً المتعاملين معها والمزودين لها بأسباب الحياة. لكن بما أن المستبعد في نظر الصينيين، ونعني به عقوبات أممية تحول دون وصول النفط والغاز الإيرانيين إلى الصين، قد صار حقيقة واقعة، وبما أن مخالفة الصين لتلك العقوبات تجعلها معرضة هي الأخرى لعقوبات معطوفة على غضب الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر أكبر مستورد عالمي للسلع الصينية المصنعة وأكبر مستثمر أجنبي في الأراضي الصينية، فإن الصينيين اليوم أمام مأزق، دفعهم – كما أسلفنا – إلى خطب ود دول الخليج العربية لتعويضهم عن وارداتهم النفطية من إيران. فهل تستجيب دول الخليج العربية للطلب الصيني دون مقابل سياسي؟ هذا هو السؤال!

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

النظام السوري والمتاجرة بالتطرف والمتطرفين

فيصل القاسم:   الشرق القطرية

كل الطواغيت العرب بدءاً بزين العابدين بن علي، مروراً بحسني مبارك وعلي عبد الله صالح والقذافي ثم بشار الأسد ونوري المالكي، حاولوا،عندما هبت الشعوب في وجوههم، تخويف العالم الخارجي أولاً ثم شعوبهم ثانياً بخطر التطرف الإسلامي، فراحوا يحذرون الناس من أن المتشددين الإسلاميين سيحلون محلهم فيما لو سقطوا. وكلنا يتذكر لعبة القذافي السخيفة، عندما حذر الغرب من أن “القاعدة” ستستولي على ليبيا من بعده، وستشكل خطراً رهيباً على الليبيين والخارج على حد سواء. لكن كذبته لم تمر على أحد، فتدخل حلف الناتو إلى جانب الشعب الليبي الثائر، وانتهى القذافي متخوزقاً، لا بل إن الإسلاميين لم يفوزوا حتى في الانتخابات اللاحقة بعد الثورة. أما مبارك فقد كان أكثر من تاجر بالخطر الإسلامي على مدى فترة حكمه، لكن الطوفان البشري في الساحات والميادين المصرية لم يسمح له ولا للعالم الخارجي أن يمرر كذبة التطرف الإسلامي لإجهاض الثورة. وعندما جرت الانتخابات بعد الثورة فاز الإسلاميون بشق الأنفس، ناهيك عن أنهم الآن يواجهون معارضة شرسة. وكلنا يتذكر ألاعيب علي عبد الله صالح المفضوحة وتهديد شعبه والعالم بخطر الجماعات الإرهابية. وحدث ولا حرج عن زين العابدين بن علي الذي كان وقوفه في وجه المد الإسلامي في شمال إفريقيا إحدى أهم أوراق اعتماده لدى الغرب. صحيح أن الإسلاميين فازوا في تونس بعد الثورة، لكنهم يؤكدون على الدوام على أنهم أقرب إلى المثال الإسلامي التركي المتعلمن.

واليوم يعود بعبع التطرف الإسلامي إلى الواجهة من جديد في سوريا، حيث لم تفلح كل الأساليب النازية والفاشية الرهيبة التي استخدمها النظام لإخضاع شعب ثائر عظيم، فقام باستدعاء العنصر الإسلامي بشكله الجهادي لتخويف شعبه في الداخل والعالم في الخارج. ومن المعروف أن النظام ماهر جداً في تصنيع الجماعات المتطرفة لاستخدامها ضد شعبه والعالم في الأوقات الحرجة. وكي لا نبدو أننا نفتري عليه، كلنا يتذكر اتهامات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي للنظام السوري في الماضي بأن الأخير كان يدرب جماعات إرهابية، ثم يرسلها إلى العراق للقيام بأعمال إرهابية رهيبة. وقد هدد المالكي وقتها بإرسال الوثائق والبيانات التي تثبت التهم التي وجهها للنظام السوري إلى الأمم المتحدة كدليل على تورط الأسد في الأعمال الإرهابية البشعة بحق الشعب العراقي. لكن المالكي تراجع عن اتهاماته للنظام السوري بضغط لا يخفى على أحد من إيران، لا بل راح يدفع المليارات لنظام دمشق لمساعدته في سحق الثورة السورية. ومعظمنا يتذكر أيضاً تصريحات السفير السوري في العراق نواف الفارس الذي أكد أن نظام الأسد كان متورطاً عبر المخابرات الجوية حتى أذنيه في تصنيع الجماعات الإرهابية ومن ثم إرسالها إلى العراق. من منا أيضاً لا يتذكر الداعية الإسلامي الشهير الشيخ محمود قول أغاسي المعروف بأبي القعقاع في مدينة حلب الذي كان يجند مجاهدين للقتال في العراق بتنسيق وأوامر من النظام السوري. وعندما انتهت مهمته جاءه شخص إلى المسجد الذي يصلي فيه، وأطلق عليه النار، ثم اختفى عن الأنظار لتسجل الجريمة ضد مجهول. وقد علق أحد المسؤولين السوريين يوماً على متاجرة النظام السوري بالمتطرفين قائلاً:” الجماعة يريدون الذهاب إلى الجنة ونحن نسهّل لهم المهمة”.

 يقول العارفون ببواطن العلاقة بين النظام السوري والمتطرفين إن النظام كان يحتفظ حتى وقت قريب بألوف المتطرفين في سجونه للمهمات الخاصة. وتتهم جهات لبنانية دمشق بأن المتورطين في أحداث نهر البارد كانوا في سجونه. ويؤكد آخرون بأن النظام أطلق سراح ألوف المتطرفين في العفو العام الأخير، وذلك ضمن الخطة (باء) من مخططه لسحق الثورة، فقد كان النظام يطمح من خلال دفع المتطرفين إلى الواجهة إلى تخويف الغرب والشعب السوري بهم، بحيث يقول للجميع:” إذا سقطت أنا، فهؤلاء من سيحكمونكم”. وقد بدأ النظام باستغلال وجود مقاتلين عقائديين في سوريا كبعبع في وجه الغرب بعد أن وجد أن الغرب بدأ يخل بالمعاهدات غير المعلنة مع النظام والقائمة على أن يفعل النظام ما يشاء بسوريا وشعبها شريطة أن يلتزم بحماية الحدود مع إسرائيل، كما يؤكد نائب وزير الخارجية الإيراني السابق محمد صدر بشكل غير مباشر في مقال له في موقع “دبلوماسي إيراني”. ويذكر الصدر أن الغرب غض الطرف تماماً عما فعله النظام بمدينة حماة عام 1982 طالما أنه يؤدي مهمته في استقرار الوضع حول إسرائيل على أكمل وجه. قد رأينا كيف أن النظام نبه الغرب منذ بدايات الأزمة إلى أن “أمن إسرائيل من أمن سوريا”، كما صرح رامي مخلوف في مقابلته الشهيرة مع صحيفة أمريكية.

 ومع بدء تخلي الغرب عن النظام بعد أن أصبح الدفاع عنه أو التستر على جرائمه صعباً للغاية، راح النظام يطبق الخطة الثانية من مشروعه لوأد الثورة، فبدأ يصور الصراع في سوريا على أنه صراع بين النظام العلماني الذي يدّعي تمثيله وبين جماعات “إرهابية جهادية تكفيرية” على حد زعمه، مع العلم أن عدد المقاتلين المتشددين لا يتجاوز خمسة آلاف من أصل أكثر من مائة ألف مقاتل معظمهم من الضباط والجنود البعثيين المنشقين عن الجيش. أضف إلى ذلك أن النظام اتبع أيضاً النموذج الجزائري، حيث راح يصنع جماعاته المتطرفة الخاصة به لاختراق الثورة بها وتشويهها وشيطنتها. ويذكر بعض العارفين أن بعض الجماعات التي كانت ترتدي ملابس أفغانية وتقوم بنهب الملات وتعتدي على الناس كانت في الواقع تابعة لبعض الفروع الأمنية.

 وفي الوقت الذي كان إعلام النظام يصور نفسه للسوريين والعالم الخارجي بأنه ضحية غزو جهادي قادم من الخارج، كان في أعماق أعماقه سعيداً جداً بحربه مع المتشددين الذي استدعاهم، لأن من شأن ذلك أن يدفع الغرب لإعادة النظر في موقفه من النظام، ويدفع السوريين إلى التمسك به خوفاً من الوقوع لاحقاً تحت سطوة جماعات متطرفة مزعومة. غير أن الخطة (باء) فشلت فشلاً ذريعاً بعد أن وصل الثوار إلى أبواب دمشق. لكن لا بد من التأكيد هنا على أن المقاتلين العقائديين الذين يقاتلون النظام الآن في إطار الثورة السورية ليسوا على علاقة بالنظام أبداً، بل هم أناس، اختلفت أو اتفقت معهم، يقاتلون إلى جانب شعب يتعرض للإبادة، كما يؤكدون. ومحاولة النظام استغلالهم إعلامياً وتخويف العالم والشعب بهم لا يقلل من قيمتهم حسبما يرى مؤيدوهم. ناهيك عن أن النظام السوري، كغيره ممن حاول أن يتلاعب بالجماعات المتشددة، وقع في شراكها لاحقاً، بحيث ينطبق عليه بيت المتنبي الشهير:” ومن يجعل الضرغام بازاً لصيده، يصيده الضرغام فيمن يصيدا”.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

عائلة الأسد التي لا تخجل

طلال عبدالله الخوري 6\1\2013

لقد قمنا بالسابق بكتابة مقال بعنوان: ” كيف حكمت عائلة الاسد سوريا” بينا فيه كيف عاملت عائلة الاسد الشعب السوري كما تعامل قطيع من الغنم, وقد قلنا في مقال سابق بعنوان:” الإنتخابات السورية في صور” بأن المناصب الحكومية تحت حكم عائلة الاسد هي عبارة عن مناصب صورية وهمية ليس لها اي صلاحية, من رئيس الحكومة والوزراء واعضاء مجلس الشعب الى أعضاء قيادة الحزب, وكل هذه المناصب مجتمعين واصحابها مع كل ضباط الجيش القادة, صلاحياتهم ودورهم في قيادة البلد اقل  بكثير من صلاحيات ودور رئيس فرع امني واحد.

في هذه المقالة سنبين لماذا عائلة الاسد بدون خجل, و سنثبت من جهة اخرى ما توصلنا له في مقالتنا السابقة بأن لاصلاحية لاي مسؤول تحت حكم عائلة الاسد, وأن المسؤلين السوريين هم عبارة عن رجل كرسي في مكاتبهم لا يحلون ولا يربطون, كما يقول المثل الشعبي السوري, وأن سوريا تم حكمها بواسطة فروع الامن, وان عائلة الاسد هي الحاكم المستبد الاوحد لسوريا ولا يشاركهم بالحكم اي مسؤول بسوريا, وسنثبت بأنه اذا استقال جميع المسؤولين والضباط فلن يتأثر حكم عائلة الاسد التي لا تخجل بأي شئ, وعند اللزوم يجلبون جنود وضباط و مستشارين ومسؤولين من ايران, ولا يهمهم من ينشق او يستقيل من الشعب السوري؟

في الدول المتحضرة, اذا تم موت مواطن واحد ولو بسبب خطأ ما, فأن مثل هذه الحادثة تكون سبباُ كافيا لاسقاط الحكومة, اما في حال حكم عائلة الاسد التي لا تخجل, فأن موت اكثر من مئة الف مواطن سوري, تحت وابل براميل الديناميت والقنابل العنقودية والفراغية المحرمة دولياُ, وصواريخ سكود الروسية وصواريخ الفجر الايرانية, كل هذا ليس سبباُ كافيا, حتى بان يفكر المجرم بشار الاسد بالتنحي او حتى بأجراء انتخابات دمقراطية حرة؟

ان هروب مواطن واحد بسبب عدم توفر الأمان له ولجوئة لبلد اخر, لهو سبب كاف لكي يستقيل اي رئيس لبلد متحضر, ولكن تحت حكم عائلة الاسد التي لا تخجل فان تشريد ملايين السوريين ولجوئهم الى دول الجوار وكل بقاع الارض, لا يحرك شعرة برأس المجرم بشار الاسد.

في الدول المتحضرة, اذا ارتفع معدل البطالة اجزاءاُ بالمئة هذا يكون اكثر من سبب لاسقاط الحكومة على اسس سوء الاحوال الاقتصادية, اما في حالة حكم عائلة الاسد التي لا تخجل فإن شل الاقتصاد السوري كلياً وتدمير ملايين الابنية, وارتفاع نسبة البطالة الى اضغاف مضاعفة, فان هذا كله ليس سبب كاف حتى لأن يفكر المجرم بشار الاسد بالاستقالة.

لقد انشق عن الحكومة السورية رئيسها المعين رياض حجاب, و قام معاون وزير النفط والثروة المعدنية السوري عبدو حسام الدين بإعلان انضمامه إلى صفوف المعارضة منددا بـ«وحشية» النظام، ليصبح بذلك أعلى مسؤول ينشق عن نظام المجرم بشار الأسد بعد سنة من بدء الحركة الاحتجاجية, وهذا اكثر من سبب لأن يستقيل المجرم بشار الاسد لو كان لدينا بسوريا حكم محترم, ولكن تحت حكم عائلة الاسد التي لا تخجل, فأن رئيس الحكومة والوزراء عبارة عن رجل كرسي ليس لهم اي صلاحية, واثرهم على حكم عائلة الاسد كما لو أن بواب (فراش) ترك عمله وهناك الكثيرون يملأون مراكزهم.

لقد تم انشقاق رئيس فرع المعلومات بالأمن السياسي في دمشق العقيد يعرب محمد الشرع، وهو ابن عم نائب ديكتاتور سوريا فاروق الشرع ، مع شقيقه الملازم أول كنان محمد الشرع من الفرع نفسه ولجوؤهما إلى الأردن. كما انشق العقيد ياسر الحاج علي من الفرع نفسه وانتقل أيضا إلى الأردن, كذلك لجأ اللواء محمد أحمد فارس الطيار في سلاح الجو الذي أصبح أول رائد فضاء سوري، إلى تركيا بعد إعلان انشقاقه,  وكذلك فعل العميد مناف طلاس صديق الديكتاتور بشار الأسد وأنشق عن النظام ليكون أهم الضباط السوريين الذين انشقوا منذ بدء حركة الاحتجاجات، وهو نجل وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس, الذي كان صديقا منذ أمد طويل للطاغية الراحل حافظ الأسد والدالطاغية الحالي, وهذه كلها أسباب كافية لان يستقيل المجرم بشار الاسد, ولكن تحت حكم عائلة الاسد التي لا تخجل فأن كل هؤلاء عبارة عن مراكز صورية و لا فرق بينهم وبين البواب بشئ؟.

لقد انشق السفير السوري في بغداد نواف الشيخ فارس وكان أول دبلوماسي يعلن انشقاقه, ثم انشق السفير السوري لدى الإمارات عبد اللطيف الدباغ، وزوجته القائمة بأعمال السفارة السورية في قبرص لمياء الحريري، ثم لحق بهما الملحق الأمني في السفارة السورية لدى سلطنة عمان محمد تحسين الفقير, ثم استقال القائم بالأعمال السوري في لندن خالد الأيوبي، تبعه غداة ذلك قنصل سوريا لدى أرمينيا محمد حسام حافظ, وكل من هذه الأنشقاقات لهو سبب أكثر من كاف لكي يستقيل الرئيس في البلدان المتحضرة, ولكن تحت حكم عائلة الاسد التي لا تخجل فان كل هؤلاء هم عبارة عن بوابين ليس لهم اي صلاحية وليس لهم اي اثر على حكم عائلة الاسد التي لا تخجل.

لقد قام أربعة نواب برلمانيين باعلان استقالتهم احتجاجا على قمع المعارضة، فقد أعلن نائبان مستقلان في أبريل (نيسان) 2011 استقالتهما، تبعهما في يناير (كانون الثاني) 2012 النائب عماد غليون العضو في لجنة الموازنة بمجلس الشعب والذي لجأ إلى مصر. وفي 26 يوليو أعلنت النائبة عن مدينة حلب إخلاص بدوي انشقاقها ولجأت مع أولادها الستة إلى تركيا. وكان ذلك أول انشقاق داخل مجلس الشعب (البرلمان) الجديد المنبثق عن الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو (أيار), وكل من هذه الانشقاقات هي اكثر من سبب كافي لان يستقيل رئيس الدولة ولكن تحت حكم عائلة الاسد التي لا تخجل فكل هؤلا عبارة عن جزء من القطيع الذي يحكموه لا اكثر ولا اقل.

لقد انشق العقيد رياض الأسعد عن الجيش السوري النظامي ولجأ إلى تركيا، وفي 30 يوليو 2011 قام بتأسيس «الجيش السوري الحر» ليبدأ معارضة مسلحة ضد النظام. ومنذ ذلك الحين لجأ 31 من كبار الضباط السوريين المنشقين إلى الأراضي التركية. وفي الأشهر الأخيرة عبر مئات العسكريين السوريين بشكل شبه يومي الحدود مع تركيا للالتحاق بالجيش السوري الحر، غالبا بصحبة جنود صف, ولقد فر قائد طائرة حربية سورية في 22 يونيو، هو العقيد طيار حسن مرعي الحمادة الذي لجأ بطائرته «الميغ» إلى الأردن, وكل هذه لهي اسباب كافية لان تنهار اي حكومة في الدول المتحضرة, أما تحت حكم عائلة الاسد التي لا تخجل فلن يغير شئ بسلوكها, فالشعب هو عبارة عن قطيع والضباط والجنود والوزوراء عبارة عن أجراء لا قيمة ولا وزن لهم , وعند الحاجة يتم جلب ضباط وعسكريين ومستشارين وحتى شعب من ايران ويستبدلون بهم الشعب السوري والذي لا قيمة له تحت حكم عائلة الأسد التي لا تخجل.

هوامش:

الإنتخابات السورية في صور

كيف حكمت عائلة الاسد سوريا

 
Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | 1 Comment

خطاب بشار الاسد المعتاد

Posted in ربيع سوريا, كاريكاتور, يوتيوب | Leave a comment

الأكراد في مصر… من الأيوبيين إلى محمد علي باشا

 هيثم مزاحم : الحياة اللندنية

 صدر في القاهرة كتاب «الأكراد في مصر عبر العصور»، وشارك في تأليفه درية عوني ومحمود زايد ومصطفى محمد عوض، وكشف عن الوجود التاريخي للأكراد في مصر ودورهم في نهضتها. فقد هاجر الكثير من الأكراد إلى مصر وانقطعت جذورهم مع موطنهم الأول، ولم يبقَ لهم من تلك الصلة سوى الإسم. ومن أبنائهم وأحفادهم خرج الكثير من القادة العسكريين ورجال الإدارة والأدباء والشعراء والفقهاء والفنانين، وأسدوا خدمات جليلة لوطنهم مصر، لكنهم لم ينكروا كرديتهم.

يرى باحثون أكراد أن مصر من أكثر البلدان العربية التي كانت لها علاقات وثيقة وقديمة بالأكراد. بدأت هذه العلاقات بين الميتانيين، أجداد الأكراد، وبين الملوك الفراعنة منذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد.

بعد الفتح الإسلامي لكردستان ودخول الأكراد كمكوّن جديد للأمة الإسلامية، ساهم الكرد مع إخوانهم من المسلمين في صنع الحضارة الإسلامية الزاهية، وأخذوا يتوافدون على مصر كرجال حكم وإدارة وقادة عسكريين وجنود وتجار وطلبة علم في الجامع الأزهر طوال التاريخ الإسلامي.

كانت كردستان تسمّى بالقلاع الأمامية للبلاد الإسلامية؛ لأنها كانت الحصن المنيع للخلافة في مواجهة الروم المتاخمين للبلاد الإسلامية، ومن أشهر حصونها حصن كيفا. وأنشأ الأكراد دولاً كالدولة المروانية التي أسسها أحمد بن مروان، والدولة الأيوبية التي أسسها صلاح الدين الأيوبي، ومصر الحديثة التي أسسها محمد علي باشا.

ومن الشخصيات الكردية التي برزت في مصر أحمد بن ضحاك أحد الأمراء الأكراد الذي تولى في عهد الخليفة الفاطمي القادر بالله مناصب مهمة في الجيش المصري. وساهم الضحاك في هزيمة الجيش الرومي عندما هاجم قلعة آفاميا قرب نهر العاصي.

وبرز أيضاً أبو الحسن سيف الدين علي بن سالار، وزير الظافر العبيدي صاحب مصر. وكان كردياً من عشيرة زرزائي الساكنة في إيران. تولّى الوزارة في القاهرة سنة 543 هـ، واستمر فيها إلى أن قتل سنة (548 هـ/ 1152م). وقد عمّر المساجد في القاهرة وبنى مدرسة للشافعية في الإسكندرية.

الأيوبيون هم سلالة كردية الأصل تولّت الحكم في مصر وسورية والعراق من 1171م حتى 1260/1250 م. أسس الأسرة أيوب الذي كان قائداً كردياً في خدمة الزنكيين. عُيّن والياً على تكريت، ثم والياً على دمشق. صار أخوه شيركوه وإبنه صلاح الدين من قادة الفاطميين.

أصبح صلاح الدين (1138-1193) – الذي كان من أبطال الحروب الصليبية – سنة 1169 وزيراً لآخر الخلفاء الفاطميين، ثم قضى عليهم سنة 1171 وأتم توحيد مصر والشام تحت رايته. تلقب بالسلطان عام 1174 م، واستولى على حلب عام 1181 م. امتد سلطانه إلى مناطق شمال النهرين، قاد بعدها الجهاد ضد الصليبيين واستطاع أن يسترد القدس عام 1187م بعد انتصاره في حطين.

 محمد علي باشا من أصل كردي؟

تقول بعض المصادر الكردية إن محمد علي باشا الكبير، مؤسس مصر الحديثة وصانع نهضتها العلمية والزراعية والعسكرية والصناعية في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، أصله كردي من ديار بكر، بينما كان شائعاً أن أصله ألباني. حفيده الأمير محمد علي قال لمجلة «المصور» المصرية عام 1949 إن أصلهم أكراد من ديار بكر.

في عام 1801 التحق محمد الكاشف بن إسماعيل بن علي، وهو من سلالة كردية من شمال العراق، بجيش الوالي محمد علي باشا الذي عيّنه محافظاً للمدينة المنورة 1837، فمديراً للشرقية إلى أن توفي عام 1848، ليتولّى ابنه إسماعيل رشدي باشا بعض مناصب الدولة، فكان مديراً لبعض المديريات ورئيساً لديوان الخديوي. ونبغت في مجال الأدب إبنته عائشة التيمورية وإبنه أحمد تيمور، لينطلق بعدهما ولدا أحمد أعمدة للأدب والقصة وهما محمد ومحمود تيمور.

وكان للأكراد رواق في جامع الأزهر خاص بالطلبة الكرد، وكانت له أوقاف قديمة ترجع إلى نحو ثلاثمئة سنة. والرواق عبارة عن مكان واسع، يضم عدداً من الغرف للطعام والمنامة، ومكتبة، والطلبة يحصلون على الطعام والكساء من الأغنياء والمحسنين، ومن الأوقاف المسجلة عليه.

ويقال إن الأميرة الكردية خاتون خان من الأسرة الأيوبية وقفت ثروتها في خدمة العلم والدين وإنشاء المدارس، ومن هذا الوقف أنشئ رواق الأكراد في الجامع الأزهر منذ مئات السنين، وتخرج منه مئات العلماء من الكرد من العراق وتركيا وسورية وإيران وروسيا.

في القرن العشرين، نبغ في مصر عباقرة وشخصيات كردية كانوا من رواد حركة الإصلاح والفكر والأدب والفن في مصر والعالم العربي، أمثال: الإمام المصلح محمد عبده، والمفكر قاسم أمين، والأديب عباس العقاد، وأمير الشعراء أحمد شوقي، والشيخ القارئ الشهير للقرآن عبدالباسط عبدالصمد، والباحث حسن ظاظا، وعامر العقاد، وأحمد أمين، والإعلامية درية عوني (يطلق عليها لقب أم الاكراد في القاهرة)، والفنانان التشكيليان أدهم ومحمد سيف الدين وانلي.

ومن الفنانين ذوي الأصول الكردية الممثلون محمود المليجي، وعادل أدهم، وصلاح السعدني، وأحمد رمزي، وسعاد حسني وأختها نجاة الصغيرة، والمخرج السينمائي أحمد بدرخان وابنه علي، وعمر خورشيد وشيرين وشريهان.

 الوجود الكردي في مصر اليوم

يعيش الكثير من الكرد اليوم في مصر، وهم منتشرون في أماكن مختلفة تمتد من الإسكندرية شمالاً إلى أسوان جنوباً، وقد انصهر القسم الأكبر منهم في البوتقة المصرية، ولا يزال الكرد القاطنون في المدن المصرية معروفين بأصولهم الكردية، ومنهم من يشغل مواقع بارزة، ومنهم الحكام والمحامون والصحافيون والمديرون والفنانون.

وهناك عائلات كردية استقرت في صعيد مصر، وهناك جمعية في حي شبرا في القاهرة باسم «الجمعية الكردية» أسسها أكراد الصعيد. ومن العائلات الكردية المعروفة في مصر عائلة «تيمور باشا» وعائلة بدرخان، الأورفلي، ظاظا، الكردي، وانلي، عوني، خورشيد، آغا، شوقي، وأمين… الخ.

ويحمل بعض القرى المصرية لفظ الأكراد، مثل «كفر الأكراد»، و «منية الكردي»، و «قرية الكردي» مركز دكرنس في محافظة الدقهلية في الوجه البحري. وقرب أسيوط، عاصمة الصعيد جنوب مصر، هناك قرية الأكراد وبني زيد الأكراد وجزيرة الأكراد.

وجاءت هجرة بعض الأكراد إلى المدن الكبرى كالقاهرة والإسكندرية وأسيوط وغيرها بدافع الوظيفة أو الدراسة أو الأعمال الحرة. ومن أكثر الأحياء التي قطنوها حي شبرا في القاهرة. أما مجموع تعدادهم في القرى والمدن الكبرى فهو نحو عشرين ألفاً.

تقول المؤلفة درية عوني إن كلمة الزمالك، وهي منطقة راقية في القاهرة، هي كلمة كردية تعني مصيف الملوك، ويقال إنها كانت المكان الذي يصيّف فيه الملوك الأيوبيون أيام حكمهم لمصر.

 * باحث في الفكر العربي والإسلامي

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر | 2 Comments