الأكراد في مصر… من الأيوبيين إلى محمد علي باشا

 هيثم مزاحم : الحياة اللندنية

 صدر في القاهرة كتاب «الأكراد في مصر عبر العصور»، وشارك في تأليفه درية عوني ومحمود زايد ومصطفى محمد عوض، وكشف عن الوجود التاريخي للأكراد في مصر ودورهم في نهضتها. فقد هاجر الكثير من الأكراد إلى مصر وانقطعت جذورهم مع موطنهم الأول، ولم يبقَ لهم من تلك الصلة سوى الإسم. ومن أبنائهم وأحفادهم خرج الكثير من القادة العسكريين ورجال الإدارة والأدباء والشعراء والفقهاء والفنانين، وأسدوا خدمات جليلة لوطنهم مصر، لكنهم لم ينكروا كرديتهم.

يرى باحثون أكراد أن مصر من أكثر البلدان العربية التي كانت لها علاقات وثيقة وقديمة بالأكراد. بدأت هذه العلاقات بين الميتانيين، أجداد الأكراد، وبين الملوك الفراعنة منذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد.

بعد الفتح الإسلامي لكردستان ودخول الأكراد كمكوّن جديد للأمة الإسلامية، ساهم الكرد مع إخوانهم من المسلمين في صنع الحضارة الإسلامية الزاهية، وأخذوا يتوافدون على مصر كرجال حكم وإدارة وقادة عسكريين وجنود وتجار وطلبة علم في الجامع الأزهر طوال التاريخ الإسلامي.

كانت كردستان تسمّى بالقلاع الأمامية للبلاد الإسلامية؛ لأنها كانت الحصن المنيع للخلافة في مواجهة الروم المتاخمين للبلاد الإسلامية، ومن أشهر حصونها حصن كيفا. وأنشأ الأكراد دولاً كالدولة المروانية التي أسسها أحمد بن مروان، والدولة الأيوبية التي أسسها صلاح الدين الأيوبي، ومصر الحديثة التي أسسها محمد علي باشا.

ومن الشخصيات الكردية التي برزت في مصر أحمد بن ضحاك أحد الأمراء الأكراد الذي تولى في عهد الخليفة الفاطمي القادر بالله مناصب مهمة في الجيش المصري. وساهم الضحاك في هزيمة الجيش الرومي عندما هاجم قلعة آفاميا قرب نهر العاصي.

وبرز أيضاً أبو الحسن سيف الدين علي بن سالار، وزير الظافر العبيدي صاحب مصر. وكان كردياً من عشيرة زرزائي الساكنة في إيران. تولّى الوزارة في القاهرة سنة 543 هـ، واستمر فيها إلى أن قتل سنة (548 هـ/ 1152م). وقد عمّر المساجد في القاهرة وبنى مدرسة للشافعية في الإسكندرية.

الأيوبيون هم سلالة كردية الأصل تولّت الحكم في مصر وسورية والعراق من 1171م حتى 1260/1250 م. أسس الأسرة أيوب الذي كان قائداً كردياً في خدمة الزنكيين. عُيّن والياً على تكريت، ثم والياً على دمشق. صار أخوه شيركوه وإبنه صلاح الدين من قادة الفاطميين.

أصبح صلاح الدين (1138-1193) – الذي كان من أبطال الحروب الصليبية – سنة 1169 وزيراً لآخر الخلفاء الفاطميين، ثم قضى عليهم سنة 1171 وأتم توحيد مصر والشام تحت رايته. تلقب بالسلطان عام 1174 م، واستولى على حلب عام 1181 م. امتد سلطانه إلى مناطق شمال النهرين، قاد بعدها الجهاد ضد الصليبيين واستطاع أن يسترد القدس عام 1187م بعد انتصاره في حطين.

 محمد علي باشا من أصل كردي؟

تقول بعض المصادر الكردية إن محمد علي باشا الكبير، مؤسس مصر الحديثة وصانع نهضتها العلمية والزراعية والعسكرية والصناعية في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، أصله كردي من ديار بكر، بينما كان شائعاً أن أصله ألباني. حفيده الأمير محمد علي قال لمجلة «المصور» المصرية عام 1949 إن أصلهم أكراد من ديار بكر.

في عام 1801 التحق محمد الكاشف بن إسماعيل بن علي، وهو من سلالة كردية من شمال العراق، بجيش الوالي محمد علي باشا الذي عيّنه محافظاً للمدينة المنورة 1837، فمديراً للشرقية إلى أن توفي عام 1848، ليتولّى ابنه إسماعيل رشدي باشا بعض مناصب الدولة، فكان مديراً لبعض المديريات ورئيساً لديوان الخديوي. ونبغت في مجال الأدب إبنته عائشة التيمورية وإبنه أحمد تيمور، لينطلق بعدهما ولدا أحمد أعمدة للأدب والقصة وهما محمد ومحمود تيمور.

وكان للأكراد رواق في جامع الأزهر خاص بالطلبة الكرد، وكانت له أوقاف قديمة ترجع إلى نحو ثلاثمئة سنة. والرواق عبارة عن مكان واسع، يضم عدداً من الغرف للطعام والمنامة، ومكتبة، والطلبة يحصلون على الطعام والكساء من الأغنياء والمحسنين، ومن الأوقاف المسجلة عليه.

ويقال إن الأميرة الكردية خاتون خان من الأسرة الأيوبية وقفت ثروتها في خدمة العلم والدين وإنشاء المدارس، ومن هذا الوقف أنشئ رواق الأكراد في الجامع الأزهر منذ مئات السنين، وتخرج منه مئات العلماء من الكرد من العراق وتركيا وسورية وإيران وروسيا.

في القرن العشرين، نبغ في مصر عباقرة وشخصيات كردية كانوا من رواد حركة الإصلاح والفكر والأدب والفن في مصر والعالم العربي، أمثال: الإمام المصلح محمد عبده، والمفكر قاسم أمين، والأديب عباس العقاد، وأمير الشعراء أحمد شوقي، والشيخ القارئ الشهير للقرآن عبدالباسط عبدالصمد، والباحث حسن ظاظا، وعامر العقاد، وأحمد أمين، والإعلامية درية عوني (يطلق عليها لقب أم الاكراد في القاهرة)، والفنانان التشكيليان أدهم ومحمد سيف الدين وانلي.

ومن الفنانين ذوي الأصول الكردية الممثلون محمود المليجي، وعادل أدهم، وصلاح السعدني، وأحمد رمزي، وسعاد حسني وأختها نجاة الصغيرة، والمخرج السينمائي أحمد بدرخان وابنه علي، وعمر خورشيد وشيرين وشريهان.

 الوجود الكردي في مصر اليوم

يعيش الكثير من الكرد اليوم في مصر، وهم منتشرون في أماكن مختلفة تمتد من الإسكندرية شمالاً إلى أسوان جنوباً، وقد انصهر القسم الأكبر منهم في البوتقة المصرية، ولا يزال الكرد القاطنون في المدن المصرية معروفين بأصولهم الكردية، ومنهم من يشغل مواقع بارزة، ومنهم الحكام والمحامون والصحافيون والمديرون والفنانون.

وهناك عائلات كردية استقرت في صعيد مصر، وهناك جمعية في حي شبرا في القاهرة باسم «الجمعية الكردية» أسسها أكراد الصعيد. ومن العائلات الكردية المعروفة في مصر عائلة «تيمور باشا» وعائلة بدرخان، الأورفلي، ظاظا، الكردي، وانلي، عوني، خورشيد، آغا، شوقي، وأمين… الخ.

ويحمل بعض القرى المصرية لفظ الأكراد، مثل «كفر الأكراد»، و «منية الكردي»، و «قرية الكردي» مركز دكرنس في محافظة الدقهلية في الوجه البحري. وقرب أسيوط، عاصمة الصعيد جنوب مصر، هناك قرية الأكراد وبني زيد الأكراد وجزيرة الأكراد.

وجاءت هجرة بعض الأكراد إلى المدن الكبرى كالقاهرة والإسكندرية وأسيوط وغيرها بدافع الوظيفة أو الدراسة أو الأعمال الحرة. ومن أكثر الأحياء التي قطنوها حي شبرا في القاهرة. أما مجموع تعدادهم في القرى والمدن الكبرى فهو نحو عشرين ألفاً.

تقول المؤلفة درية عوني إن كلمة الزمالك، وهي منطقة راقية في القاهرة، هي كلمة كردية تعني مصيف الملوك، ويقال إنها كانت المكان الذي يصيّف فيه الملوك الأيوبيون أيام حكمهم لمصر.

 * باحث في الفكر العربي والإسلامي

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر. Bookmark the permalink.

2 Responses to الأكراد في مصر… من الأيوبيين إلى محمد علي باشا

  1. صلاح الدين محسن says:

    شكرا لكاتب المقال أ . هيثم مزاحم . بالطبع مصر تعتز بأبنانها المبدعين . من أصل كردي
    بالنسبة للفنان صلاح السعدني . أتذكر مقالا قرأته لشقيقه الكاتب الكبير الراحل محمود السعدني . قال فيه ان أصلهم من اليمن – آل سعدني – وهذا لا ينفي امكانية وجود بحث يؤكد انتماء هذين المبدعين االرائعين للأصل الكردي .
    شكرا

  2. che says:

    الأبحاث ودراسات النسب العربية تعتمد على الروايات فقط وهي غير موثقة تاريخياً ولا علمياً كما في الغرب, لذا تبقى محلّ جدل وموضع تكهنات وشكوك. لم يثبت أصول الأشخاص المذكورين نسبهم الكردي بالوثيقة أو بشجرة نسب, ومن المعروف أن الفرس أكثر عدداً وأعظم تأثيراً حضارياً وعسكرياً في حوض المتوسط القديم, فلما تلجأ مصر الفرعونية لبناء علاقات مع قوميات أقلية وتهمل قومية الفرس آنذاك, فهل كان لدى قوم الميدانيين (Medes) حضارة أهمّ من حضارة الفرس واليونان؟ ومن زوّر التاريخ وقال أن الميديين أو المادانيين هم أجداد الأكراد؟ مادان أو مدين هي منطقة في غرب إيران إلى جبال زاغروس وسكانها تعاقبوا عليها من قوميات مختلفة, قسمهم المؤرخ اليوناني هيرودوت إلى أكثر من خمس قوميات منهم البوصيون والبوديّون (قوميات بائدة والتسميات معرّبة حسب مصارد غربية) حتى الكيمريون والسكوثيون عرفوا في بعض الفترات بالميديين وهي بعض القبائل القوقازية التي نزحت لهذه المنطقة .

    يعتمد الكاتب على مصادر كردية وهي محلّ طعن وتحيّز ولا ينفى عنها التزوير شأن المصادر الصهيونية. وهناك حقد تاريخي في العالم العربي على الفرس – إيران اليوم – مردّه إلى حادثة قتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب على يد أبو لؤلؤة الفارسي ثم تأجج هذا الحقد بعهد الأمويين فجعلوا الشعوبية سياسة الدولة (التمييز العنصري “الإسلامي”). وأعيد إحياء هذا الحقد زمن صراع الدولة العثمانية (حامية الخلافة السنيّة) والدولة الصفوية (حامية المذهب الشيعي), فمن كان سنياً لكن من أصل فارسي سُجل في قيد النفوس “كردياً” – والكرد كانوا يخدمون لدى العثمانيين مقابل منحهم أراضٍ ليست لهم – نكيّة بالفرس الشيعة. الأصح في بحوث النسب الإعتماد على البصمات والخارطات الجينية أما الروايات, شأنها شأن كتب الحديث, منها ضعيف ومنها إسرائيلي ومنها مختلق وأغلبها يرفضه العقل!

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.