مابين الموتى وشط العرب.. سنة حلوة ياجميل

محمد الرديني

ثمة قرابة لم تنفصم عراها منذ سنوات طويلة بين مقبرة الانكليز بالبصرة وشط العرب.

الاولى تتجول فيها الحيوانات السائبة باحثة في المزابل المرمية فيها عن لقمة سائغة بعد ان اصبحت خرابا لايسر الناظر وشط العرب اصبح نهرا تصب فيه عبادان كل قاذورات مصانعها الكيمياوية.

ولا أحد يرفع يده احتجاجا.. لماذا الاحتجاج واولاد العم لهم حق علينا فهو اولياء نعمتنا وسبب وجودنا في هذه البقعة من الارض.

ومابين الاثنين برزت امس مسؤولة الملف العراقي في إدارة الرئيس الأميركي السابق بوش لتقول أن الحكومة العراقية تنتظرها أياما عصيبة، وأن العام الحالي لن يكون سهلا عليها،خصوصا وان الشارع العراقي اصبح اليوم أقوى من البرلمان.

وقالت ميغان اوسوليفان ايضا ان الامر يقتضي ايضا التعامل مع القوى الإقليمية التي ستكون كافية لتحدي التقدم الحاصل في العراق،

فالمالكي يتعرض لضغط كبير ليس من السنة والأكراد فقط، بل من الشيعة ايضا بقيادة مقتدى الصدر الذي يعارض الكثير من سياساته،ومما

يزيد من الأيام العصيبة بالنسبة للمالكي هو عدم تحسن الأوضاع المعيشية للعراقيين”.

كلام يثلج الصدر رغم انه صادر من امرأة امبريالية،مو؟.

نعود الى شط العرب ونقرأ ماقاله الخبير البحري الكابتن كاظم فنجان: ان الجميع لم يتوقعوا أن تكون نهاية شط العرب بهذه الصورة المأساوية وتؤول الى هذا الحد من الإهمال، موضحا بان إنقاذ الشط بحاجة إلى جهود ضخمة جدا لاعادة الحياة له والخروج به من أزماته، وتقديم المساعدة له في ردهة العناية المركزة التي يرقد فيها منذ عام 1980، فقد سُدت شرايينه بكولسترول الأطيان التي سببتها له ظاهرة الترسيب والإرساب، وتضخم كبده من تراكمات سموم مصفى عبادان، وتمزقت أحشاؤه ببقايا أشلاء السفن الغارقة

التي تكدست في جوفه، وتساقطت أشجاره التي كانت تتباهى بغابات عمتنا النخلة، وعبثت ببساتينه الخنازير البرية الهائجة، وتعطلت مراكبه المخصصة لصيد الأسماك، وغمرت جداوله المياه المالحة، فامتلأت مثانته بالملوثات والنفايات، وهكذا فَقَدَ حيويته، وخسر نضارته، وتدهورت صحته، وساءت أحواله، وبدت عليه علامات العجز والشيخوخة”.

لا اريد ان اتغنى بزهو شط العرب وكيف كان الملهم لكثير من الشعراء وكم من الادباء تربى على يديه لأني بهذا سوف اوصم بالسلفية او بالطائفية في ابسط الاحوال.

ترى لماذا هذا الاهمال؟

نفهم الخراب الذي حل بالمقبرة الانكليزية لأن الميتين ناس كفرة وزنادقة ومآلهم الناررغم انها معلم تاريخي شئنا ام ابينا ولكننا لانفهم هذا الاهمال المتعمد بشط له تاريخه المجيد ،فهو من بين شطآن العالم مد يديه الى طلبة جامعة التنومة وضم ذكريات الفقراء وهو يعبرون “بالطبكة” يوميا وعلى ضفتيه يرتاح القوم في العصاري اما تحت تمثال بدر شاكر السياب او في المقاهي العديدة.

لا اعتقد ان بصريا لايحمل ذكريات هي الاجمل في حياته عن شط العرب.

دعونا من الذكريات ونتفحص ماقالته ميغان حول الايام العصيبة للمالكي في هذه السنة.. فهل يعني هذا ان اولاد الملحة سيغنون على ضفاف شط العرب “سنة حلوة ياجميل”؟وهل يستعد مجلس محافظة البصرة مع الدكتور خلف عبد الصمد في مغادرة حفل عيد الميلاد؟.

قولوا آمين.  

تواصل مع محمد الرديني فيسبوك

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

المداخن الشمسية – لانقاذ مصر من عصر جليدي يبدو قادماّ

صلاح الدين محسن

للعام الثاني علي التوالي . تتعرض مصر – ومنطقة الشرق الأوسط – لصقيع غير معتاد . يشبه جو أوربا . بالاضافة لسقوط الثلوج بالاسكندرية . في العام الماضي

وهذا العام ثلوج بالسعودية – وهو المثير للدهشة حقا – :

وهذا العام ثلوج بالسعودية

لابد من الاستعداد لمواجهة تلك الظاهرة التي قد تستمر , وربما تتضاعف . ويكون ذلك نذيرا بدخول المنطقة علي عصر مناخ جديد – انقلاب المناخ لما هو عليه حال شمال الكرة الأرضية . بأوربا – .

تحتاج البلاد الي كهرباء وافرة , رخيصة التكلفة علي المواطنين لحمايتهم . فالتدفئة الكافية يجب الاستعداد لها بالوقود النظيف – الكهرباء- الذي ستحتاجه مصر في كل بيت وفي كل مؤسسة , وكل سيارة , وكل محل كبير أو صغير ..

الحل هو في مشروع قرأت عنه في مصر تحت اسم ” المداخن الشمسية “

نشرته جريدة الأهرام المصرية في صفحة كاملة . عام 2001 – منذ قرابة 12 عاما مضي – تحدثت الدراسة عن تجربة عظيمة هي الوحيدة من نوعها في العالم – حتي ذاك الوقت – أقيمت في اسبانيا . عبارة عن عدة أبراج ضخمة جدا لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية .

وقالت ان مثل ذلك المشروع . أفضل مكان لتطبيقه في توشكا – جنوب مصر – . حيث أعلي سطوع للشمس . وهو يكفي لامداد البلاد بأكملها بالكهرباء .

وفي وقت صار الشعب يعاني من كثرة انقطاع التيار الكهربائي . الذي غالبيته يعتمد علي السد العالي .. ذاك السد الذي يعتمد بدوره علي مياه النيل , التي تواجه مصر مشاكل مع دول المنبع , بشأن حصتها فيها ..

بات من الضروري جدا . اقامة مشروع المداخن الشمسية – مع تحفظنا علي الاسم . الذي اختير عنوانا للدراسة التي نشرتها جريدة الأهرام – كما أشرنا – لعل الأفضل أن نسميها ” الأبراج الشمسية ” .

اذا انقلب المناخ في مصر – والمنطقة – فالتدفئة العالية واليسيرة التكلفة توفر للشعب ثمن شراء أغاطية كثيرة وثقيلة تحصنا من البرد – مثال لذلك : عندما جئت لكندا منذ سنوات . كان قبيل دخول فصل الشتاء . أدهشني أن كل الأغطية اللازمة للبيوت في الشتاء . خفيفة للغاية ! في بلد قد تنزل درجة الحرارة فيه الي ما تحت الصفر بأكثر من 40 درجة !! ثم عرفت أن السبب هو تأمين التدفئة الكافية لكل مكان . وهذا عائد لوفرة ولقلة أسعار استهلاك الكهرباء .

المشروع – المداخن – أو الأبراج – الشمسية – سيتكلف حسبما أتذكر بضعة مليارات . وسوف يوفر 10 آلاف فرصة عمل .

هذا المبلغ يمكن تدبيره بحملة يتبناها الاعلاميون والاعلاميات . المؤثرن – عمرو أديب , محمود سعد , مني الشاذلي , باسم يوسف . ابراهيم عيسي . وعمرو الليثي . وغيرهم من أسماء محترمة كثيرة – لدعوة رجال الأعمال . للتبرع للمشروع . ولاسيما السادة المتهمون بالكسب غير المشروع , ويريدون التكفير عما اقترفوه . والتصالح مع الوطن .

أتمني أخذ هذا المشروع بعين الاعتبار . ليس وحسب لأجل مواجهة – محتملة – مع شتاء رهيب في قسوته . بل أيضا لأجل مصانع . يتعطل الانتاج فيها , لكثرة انقطاع التيار الكهربائي , ولأجل مستشفيات يموت فيها المرضي في الحالات الحرجة – والأطفال خاصة – بسبب كثيرة انقطاع الكهرباء .

ليس جديدا القول بأن الطاقة الشمسية هي المستقبل . ولكن الجديد هو أن الوقت والحاجة لتلك الطاقة في مصر . بات ملحاّ للغاية . ولا يحتاج لتأخير .   صلاح محسن فيسبوك

************************************

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | 1 Comment

لا خوف على سوريا من التطرف والمتطرفين!

فيصل القاسم: الشرق القطرية

كل من يصدّق خرافة أن المتطرفين سيحكمون سوريا فيما لو سقط النظام الحالي إما مغفل، أو ابن ستين ألف مغفل. فلا مكان للتطرف في سوريا، لأن تركيبتها الاجتماعية والقومية والحضارية لا تسمح للمتطرفين بأن يحكموها. فالعاصمة دمشق يسكنها منذ زمن طويل أناس محافظون دينياً، لكنهم لم يكونوا يوماً متطرفين أو متزمتين أو ظلاميين. كيف لا، وهم من أبرع وأمهر العاملين في المجال التجاري في العالم العربي، إن لم يكونوا في العالم، وبالتالي، فلا يمكن الجمع عملياً بين التجارة والتطرف. ناهيك عن أن دمشق قلب سوريا النابض لا يمكن أن تعيش من دون التعامل التجاري اليومي مع بقية أطياف المجتمع السوري بمختلف توجهاته. وعندما تنظر إلى حركة البيع والشراء في “سوق الحميدية” رمز دمشق التجاري الأهم ستجد المسلم والعلوي والشيعي والدرزي والمسيحي والإسماعيلي وبقية مكونات المجتمع السوري التي تعايشت وتعاضدت على مدى زمن طويل.

ولو نظرت إلى ثاني أكبر مدينة في سوريا، ألا وهي حلب عاصمة سوريا الاقتصادية، لوجدت أنها لا يمكن، في أي حال من الأحوال، أن تكون مدينة متطرفة، ولن تقبل بأن يحكمها المتطرفون. فبحكم موقعها الجغرافي وطبيعة أهلها الكرام المشهورين بمهارتهم العالية في التجارة والمهن والفن والطرب لا يمكن أن تكون حلب إلا مدينة حضارية منفتحة على الجميع.

وبما أن أكبر وأهم حاضرتين في سوريا لا يمكن أن تقبلا بالتطرف، فلا مستقبل للتطرف في سوريا كما يحذر بعض الأبواق، خاصة العلمانجيين منهم. لا مكان أيضاً للمتطرفين في سوريا في المناطق التي غالبية سكانها من الأقليات الدينية. ولا خوف أبداً على تلك الأقليات التي تعيش في سوريا منذ مئات السنين معززة مكرمة قبل أن يأتي آل الأسد وبعثهم إلى السلطة بقرون. ومن الجدير بالذكر أن النظام السوري يحتمي بالأقليات ولا يحميها. باختصار، فإن التطرف الذي يحذر منه النظام في سوريا ليس أصيلاً، بل هو دخيل أو مفبرك ولا محل له من الإعراب على الأرض السورية، وهو من صنع يدي النظام الذي يحرض على ضرب مكونات المجتمع السوري ببعضها البعض على مبدأ “فرّق تسد” لأغراض سلطوية حقيرة ولتخويف السوريين من بعضهم البعض. ويذكر أحد المراسلين أنه حتى سكان المناطق الشمالية في سوريا المعروفين بأنهم محافظون أكثر من غيرهم دينياً اشتبكوا مع العناصر المتشددة التي ولجت إلى مناطقهم، لأن النسخة الإسلامية التي تروج لها تلك الجماعات تتعارض مع النسخة الموجودة في تلك المناطق والمصبوغة بالصبغة السورية الإسلامية المعتدلة. بعبارة أخرى فإنه ليست هناك حاضنة شعبية واسعة أو عامة لقوى التطرف في سوريا، حتى في المناطق التي تعتبر أكثر تشدداً من غيرها داخل البلاد. ومقاتلة بعض الجماعات المتشددة إلى جانب الجيش السوري الحر لا تعني أبداً أنها ستحكم المشهد السياسي فيما لو تغير النظام، خاصة أنها لا تشكل سوى نزر يسير جداً من المقاتلين، غير أن النظام يحاول تضخيم دورها في الثورة كي يصور الثورة على أنها ثورة متطرفين لتخويف الداخل والخارج بالخطر “القاعدي” المزعوم على سوريا تماماً كما فعل القذافي من قبل. وبالتالي، فإن كل من يحاول أن يخوّف السوريين بالمتطرفين فيما لو سقط النظام، إما أنه سخيف، أو أنه خبيث يحاول الالتفاف على مطالب الثورة وتشويهها لتمديد عمر النظام المتساقط، أو إحباط آمال السوريين في التحرر والانعتاق من الطغيان.

ولنتذكر أن جماعة الإخوان المسلمين السورية لم تحصل على أكثر من عشرة بالمائة من الأصوات في خمسينيات القرن الماضي عندما كانت الديمقراطية في سوريا تعيش أزهى عصورها. وحتى لو فاز الإسلاميون في الانتخابات في سوريا، فإنهم سيكونون أقرب إلى النموذج التركي والتونسي. ويا مرحباً بالنموذج التركي، ناهيك عن أن صناديق الاقتراع ستكون الحكم في سوريا الجديدة، وليفز من يفز. وتذكر مجلة “إيكونومست” البريطانية المرموقة في تحقيق لها حول تركيبة المجتمع السوري بأن سوريا لم تشهد منذ أكثر من مائتي عام أي اعتداءات طائفية تذكر، مما يدحض تحذيرات أولئك الموتورين المأجورين الذين يحذرون الأقليات من تطرف الأكثرية ضدها فيما لو وصلت إلى السلطة. ولهذا، لا بد أن نقول لكل من يخوّف العالم والسوريين من أن المتطرفين سيحكمون فيما لو سقط النظام: كفاكم كذباً وفبركات. لا يمكن لجماعات لا يتجاوز أفرادها بضعة ألوف أن يحكموا بلداً كسوريا، خاصة بعد أن كسر شعبها جدار الخوف مرة وإلى الأبد. لم يضح السوريون بالغالي والنفيس لينتقلوا من الظلم إلى الظلام. لا خوف على الشام من التطرف والمتطرفين! العبوا غيرها

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | 2 Comments

دومنيـك ماتيليت: ماذا عن طائفة بشار؟

ترجمـة: سعيد بوخليط

غالبا، ما وصف العلويون بالطائفة. هي، فرع شيعي، أسس نظرية لاهوتية تلفيقية، موضعته على جنبات الإسلام. وبخضوعها لترابط عشائري متين، هيمن عناصر العلويين طيلة أربعين سنة على دواليب الدولة السورية. تقريبا، كالمسيحيين، يشكلون %10 من ساكنة البلد، والسنيين %70، بينما المجموعات الدينية الأخرى، فيناهز عددها %5.

منذ أن هزت سوريا، حناجر التغيير، التي تقمع صرخاتها بشراسة. اكتشف العالم، أن السلطة هناك، تستحوذ عليها أقلية دينية تسمى العلويين (لاصلة لهم، مع الأسرة الحاكمة في المغرب منذ أواسط القرن 17، ولو كان نفس الاسم مشتقا من علي. فالمغرب سني، مثل أغلب بلدان المغرب العربي)، تواجدوا تقليديا في الشمال الغربي لسوريا. وبمجموع 2,5 مليون مناصر، يمثلون نسبة %10 من الساكنة (1).

لفهم أصل هذه الفئة، المصنفة باعتبارها ملة، تنبغي العودة ثانية إلى بدايات الإسلام، بعد وفاة محمد سنة 632، حينما برز تساؤل يتعلق بمعرفة، من سيؤول إليه أمر الإشراف على المسلمين. البعض، وهم أقلية جدا، لقبوا بالخوارج، تمسكوا بضرورة أن يكون الخليفة أكثر ورعا وجدارة. بالنسبة لآخرين، أو السنة، فقد أكدوا على انتقائه من صفوة قريش، قبيلة الرسول. بينما، تيار ثالث، مقتنع بمبدأ السلالة الحاكمة، اعتقد بأن مشروعية الخليفة تعود إلى أنساب علي، صهر الرسول.

هكذا، حدثت فجوة بين السنة والشيعة (الذين شايعوا علي). أيضا، لن يتأخر الشيعة، كي ينقسموا إلى جماعات متعددة. الفريق الأكثر أهمية ـ نعثر عليه في إيران والعراق ـ يعرف بالإثني عشر، ويظن أصحابه بأن ذرية النبي، تنتهي باختفاء، خليفته الثاني عشر أو الإمام المنتظر عودته. أما، الإسماعيليون أو أنصار الإمام السابع، (زعيمهم الروحي هو الأغا خان) فينتهي لديهم خيط الأئمة الشرعيين عند العدد سبعة. في حين، يكتفي “الزايديون”، وهو فصيل آخر، بخمسة أئمة.

إذا صنفنا أحيانا العلويين، ضمن الشيعة (2) ، بناء على الإجلال الذي يكنونه إلى علي، فقد ابتعدوا جدا عن المذهب، منذ أكثر من ألف سنة، حينما وضعوا نظرية لاهوتية توفيقية، تمزج بين عناصر الأفلاطونية المحدثة والغنوصية والمسيحية والإسلام والزرادشتية. قبل القرن العشرين، لقبوا “بالنصيريين”، إحالة على زعيمهم “ابن نصير” الذي عاش خلال القرن التاسع بالعراق. بينما، يعتبر “عبد الله الخصيبي” المتوفى سنة 957، مفكرهم التيولوجي الأساسي. باقي، الشيعة يحترمون الرجل، لكنهم لا يحبونه. دافع عن مبدأ ألوهية علي، ابن عم الرسول وصهره. ومثل أغلب، الشيعة الذين تأثروا بالتعاليم الغنوصية السابقة عن الإسلام، آمن النصيريون بطريق للخلاص، يحدده تتالي صدور تدفقات إلهية. أقرّوا بتعاقب للأنبياء أو تجسيدات، تبدأ مع آدم وتبلغ أوجها مع المسيح ومحمد. كما تضم منظومة عظمائهم، شخصيات تنتسب إلى اليونان القديمة كسقراط وأفلاطون، وأساتذة من فارس ينتمون إلى فترة ما قبل الإسلام.

على غرار الدروز وبعض الإسماعيليين، يؤمنون بالتناسخ. لذلك، لم يكن غريبا، استبعاد هذا الجسم المذهبي، من قبل باقي المسلمين، سواء سنّة أو شيعة، والحكم على دعاته بالكفر. لكننا سندرك أيضا، أن اعتقادات كهذه، رسختها هذه الجماعة، لما يزيد عن ألف سنة، ووطدها وجوب الزواج بين أفراد العلويين أنفسهم (أما الأطفال الذين ينجبهم زواج بين العلويين وغيرهم، فلا يمكنهم الإطلاع على الأسرار) كي يخلقوا شعورا صلبا بالانتماء.

ومثل الأقليات الدينية الأخرى، طوروا ممارسة تعرف باسم التقية، وتعني: حقك في إخفاء قناعاتك الحقيقية، كي تنجو من المضايقات. لذا، كي يصير بوسعك العمل ضمن المخابرات، جهاز الاستعلامات والأمن، الذي اعتمد عليه النظام السوري طيلة أربعين سنة، يقدم سلوك التقية أفضل التدابير.

أثناء حكم الإمبراطورية العثمانية، مكث النصيريون في أطراف المجتمع، لأن الحكومة رأتهم غير مؤمنين، يحركهم الشيعة الفارسيون. بعد الحرب العالمية الأولى، احتل الفرنسيون سوريا الكبرى (تضم لبنان الحديث وجزء من تركيا الحالية)، ففكروا خلال فترة من الفترات في تأسيس دولة جبلية للعلويين، تنفصل عن مدن السهول المنبسطة مثل حمص وحماه ودمشق وحلب ذات الأغلبية السنية. لقد استحضر الفرنسيون، جيدا درجة المقاومة التي ستواجه بها الأغلبية السنية، هيمنتهم.

سنة 1936، أرسل ستة من وجهاء العلويين، مذكرة إلى “ليون بلوم”، رئيس حكومة الجبهة الشعبية. بعد ارتيابهم في مجرى المفاوضات المهيئة للاستقلال : نظام برلماني، تسوده قطعا الأكثرية السنية. من بين الموقعين على الوثيقة، نجد اسم “سليمان الأسد” أب حافظ الأسد. ضمن لهم الفرنسيون، تكوينا عسكريا، وجندوهم بكثافة في وحدات خاصة بالمشرق. خلال، السنوات المضطربة، التي تلت الاستقلال النهائي سنة 1946، صارت المهارة العسكرية ثمينة.

هكذا، فإن بعض الشباب من صنف حافظ الأسد، ينتمون إلى الأقلية العلوية، وأسرهم لم تكن تملك إمكانيات إرسالهم إلى الجامعة، فقد انخرطوا في الجيش، ثم اقتربوا من الأحزاب اللائكية، لاسيما البعث، الذي توخى مشروعه القضاء على الانقسامات الطائفية.

للسبب ذاته أيضا، ستلتحق أقليات أخرى كالمسيحيين والدروز والإسماعيليين، بتنظيم البعث. وإذا تمكن أخيرا، العلويون من السيطرة على أجهزته، فالسبب يعود في جانب كبير منه إلى تجربتهم كجنود جبليين.

الانقلابات العسكرية الثلاث، التي أعقبت الاستقلال، خطط لها ضباط سنيون، ثم جاء، الاتحاد السلبي مع مصر عبد الناصر سنة 1958، فتضخمت مخاوف الضباط العلويين الذين انضموا سابقا إلى البعث : وبالرغم من خطابه العلماني، ظلوا يعتقدون بأن القومية العربية توظف فقط بغية التستر على السيادة السنية، فشكلوا هيئة عسكرية سرية، يشرف عليها صلاح جديد الذي استولى على الحكم سنة 1963، وأصبح حافظ الأسد ربان الطائرات المطارِدة، قائدا للجيش الجوي.

سنة 1966، وقع انقلاب آخر، انتقل بالأسد إلى منصب وزير الدفاع. ثم ناور بمهارة، بعد هزيمة سوريا المهينة أمام إسرائيل خلال حرب الستة أيام سنة 1967، فوصل إلى رأس هرم الدولة سنة 1970، بعد ثورة داخل القصر الرئاسي.

بعد ذلك، تمركزت السلطة بقوة بين أيادي العلويين. الجنود، الذين أشرفوا على الفرقة 47 المدرعة، هم ضباط ينتسب %70 منهم إلى العلويين، تكفلوا بالقضاء على انتفاضة الإخوان المسلمين في حماه سنة 1982، حيث بلغ عدد القتلى 20 ألف شخص.

حينما توفي حافظ الأسد شهر يونيو 2000، سيتم بسرعة تصويب بعض التدقيقات الدستورية قصد ضمان انتقال الحكم إلى ابنه بشار، الذي درس طب العيون بالمملكة المتحدة.

اليوم، يقف بشار سدا منيعا، ويرفض الاستجابة للمطالب الديمقراطية. موقف يفسره جانب كبير منه، خصوصية العلويين، الخاضعين لترابط عشائري متين. يتمسكون بسلطة، يعرضهم ضياعها، إلى انتقام تتعطش له الأغلبية السنية.

نشر المقال في –

La revue n° 17, PP 76-77.

1 ـ يربط البعض العلويين، ب “العلاهيون” أو “العلويون الأتراك” الذين يشكلون أكثر، من %20 من سكان تركيا.

2 تنطبق الملاحظة أيضا، على الدروز الذين يقطنون أساسا جبل لبنان، وتمزج عقيدتهم عدة عناصر فلسفية يونانية وهندية.

boukhlet10@gmail.com

المغرب.

المصدر ايلاف

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | Leave a comment

قلق من احتمال تحول سوريا إلى «دولة فاشلة»

ديفيد إغناتيوس – الشرق الاوسط

يقنع تزايد الفوضى في المناطق المحررة بشمال سوريا بعض عناصر قوى المعارضة السورية بأن الدولة ستصبح «دولة فاشلة» ما لم تبدأ مرحلة انتقالية سياسية منظمة تخلو من الرئيس بشار الأسد قريبا. وجاء هذا التحليل الصادم في تقرير استخباراتي قدمته مصادر سورية تعمل مع الجيش السوري الحر إلى وزارة الخارجية الأميركية الأسبوع الماضي. ويستعرض التقرير الوضع في المنطقة الممتدة من حلب إلى الحدود التركية التي اختفى منها جيش الأسد إلى حد كبير. كذلك يرسم التقرير صورة لمقاتلين يفتقرون إلى التنظيم، وتجار سلاح طماعين، وأمراء حروب استغلاليين.

ويبدو أن هذا الفراغ الأمني في حلب ساعد جبهة النصرة، المتحالفة مع تنظيم القاعدة. ولا تستفيد هذه الجماعة من براعتها في ساحة المعركة فحسب، بل من رفضها التورط في أعمال النهب والممارسات العدوانية الأخرى. وتحاكي جبهة النصرة، في تركيزها على العدل والمساواة والخدمات الاجتماعية، المنظمات الإسلامية المتطرفة الأخرى مثل حزب الله في لبنان وحركة طالبان في أفغانستان.

الوضع الأمني ليس سيئا في المناطق الريفية مثل محافظة إدلب، جنوب غربي حلب، بحسب مصادر سورية. وعلى عكس المدن التي تتسم بالتنوع العرقي، تعد البلدات والقرى الريفية أكثر ترابطا وتماسكا، حيث تشغل مراكز السلطة القبلية والتقليدية الفراغ الذي خلفه جيش الأسد المتفكك. ويوضح الاضطراب، الذي تشهده سوريا، مشكلة ظهرت في الحروب والثورات التي شهدها العالم العربي خلال العقد الماضي، ولم تحظ بقدر كبير من المناقشة، وهي أنه عندما تسقط الدول البوليسية القمعية بسبب غزو أجنبي أو حرب أهلية، قد يسقط معها الإطار الأساسي للقانون والنظام. وكانت هذه هي حالة العراق وليبيا وسوريا حاليا. إذا فكرنا في المستقبل سنجد أنه من الضروري أن تشجع الولايات المتحدة وحلفاؤها انتقالا للسلطة أكثر استقرارا إن أمكن، مع الحفاظ على المؤسسات الوطنية مثل الخدمات الحكومية والجيش، مع نقل سلطة إدارتها إلى قيادة جديدة أكثر ديمقراطية. وهذا ما حدث في الثورات التي لم تكن دموية إلى حد كبير في مصر واليمن، حيث حثّت الولايات المتحدة قادة الجيش على التخلي عن الحاكم الديكتاتوري.

ولم تحاول الولايات المتحدة بجد وحماس كبير التعامل مع مشكلة انتقال السلطة في سوريا من خلال تشجيع «المجالس العسكرية» في حلب وإدلب ومناطق أخرى على ذلك. وكانت الفكرة هي أن تدعم هذه المجموعات قيادة منضبطة ونظام بين صفوف الثوار، مما يساعدهم في التغلب على الأسد، وتمدهم ببعض البنية اللازمة للانتقال المنظم والإدارة الحكيمة. مع ذلك تقول مصادر سورية إن أغلب المجالس العسكرية تم حلها لأن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يستغلوها بشكل فعال في توصيل المساعدات إلى الثوار.

ويشير التقييم المتشائم، الذي قُدم إلى وزارة الخارجية، إلى انتشار المئات من المجموعات الصغيرة، التي يتراوح عدد أفرادها بين 10 و20 مقاتلا، في مختلف أنحاء حلب. وذكر التقرير «تحول الجيش السوري الحر إلى مجموعات غير منظمة من الثوار مخترقة من عدد كبير من المجرمين. وضاع كل ما نبذله من جهد مع المجالس العسكرية. أمراء الحروب ظاهرة موجودة على أرض الواقع الآن. ستكون النتيجة المرجحة للوضع الراهن هي تحول سوريا إلى دولة فاشلة إلا إذا حدث تطور ما».

وأوضح التقرير السوري أن هدف أغلب المعارك التي تدور رحاها في الشمال هذه الأيام هو الغنائم، حيث ذكر «أصبحت الانتهاكات التي يرتكبها الثوار ظاهرة يومية معتادة، خاصة ضد المدنيين، بما في ذلك نهب وسلب المصانع العامة والخاصة والمخازن والمنازل وسرقة السيارات». ويشير التقرير، على سبيل المثال، إلى نهب مخزن مملوك لشركة نفط سورية وبيع حبوب مهربة إلى وسطاء أتراك.

ويعاني المدنيون السوريون كثيرا؛ ففي حلب لا يجد الناس احتياجات الحياة الأساسية بسهولة، بحسب ما يشير التقرير. وارتفع سعر غاز البروبان والخبز بمقدار ثمانية أمثال، وارتفع وقود التسخين والبنزين بمقدار عشرة أمثال. ويقطع الفقراء، الذين يحتاجون بشدة إلى الحطب، الأشجار من الحدائق والمتنزهات العامة أو يستخدمون مقاعد التلاميذ في المدارس، بحسب ما جاء في التقرير.

في هذا الموقف الفوضوي، تكتسب جبهة النصرة المنظمة شعبية، لأن خطواتها للصالح العام ولا تتورط في عمليات نهب لممتلكات المدنيين كما يوضح التقرير. كذلك تشارك في المعارك مشاركة كبيرة، ولا تهتم بأن يُنسب إليها الفضل، وإذا حصل أفرادها على المواد الأساسية مثل غاز البروبان فإنهم يوزعونها على المواطنين مجانا. وإذا استمر الحال على هذا المنوال فسوف تصبح الجماعات المتطرفة في نظر الشعب السوري هي «المنقذ» من أمراء الحروب. وفي الوقت الذي توضح فيه آخر التقارير الواردة من سوريا مخاطر الموقف السلبي الذي تتخذه الولايات المتحدة، فإنها تشير في الوقت ذاته إلى أن التدخل العسكري الأجنبي قد يتسبب في مشكلات مشابهة مثل تلك التي شهدناها في ليبيا والعراق بعد إسقاط الحاكمين المستبدين. ويتمثل الحل في سوريا في دعم القوات العسكرية المعتدلة المنتمية إلى الثوار، والمساعدة في انتقال مستقر، مع الحفاظ على تماسك مؤسسات الدولة المهمة على أن تخضع لقيادة سياسية جديدة.

* خدمة «واشنطن بوست»

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

«فقاعات» سوريا والعراق وشكسبير

سمير عطا الله : الشرق الاوسط

ثمة قاسم مشترك بين طبيب العيون، الدكتور بشار الأسد، وصاحب «دولة القانون»، الدكتور نوري المالكي. الأول تطلع إلى مواطنيه غارقين في ثلوج الأردن ولبنان، فذهب إلى الأوبرا ليعلن أنهم مجرد «فقاعات». الثاني، صاحب «دولة القانون»، تطلع إلى 700 ألف متظاهر من مواطنيه وقال: «فقاعات».

ما هو القاسم المشترك إذن؟ كلاهما متبحر في قراءة شكسبير. ففي «ماكبث» يقول صديقه، الجنرال بلانكو هازئا: «للأرض فقاعات، كما للمياه». أما ماكبث فهو – في المسرحية – اللورد الاسكوتلندي الذي لا يتورع عن شيء في سبيل السلطة، فيقحم البلاد في حرب أهلية، ومن ثم يخسر كل شيء، وتبقى من بعده الفقاعات. الناس والبشر والأهل والأرض. لا أحد يأخذ الأرض معه، فقد اعتادت هي أن تأخذ الناس.

يصاب ماكبث بالبارانويا ويأخذ في معالجة خوفه بالقتل ثم بالمزيد من القتل. الباقي مسرح وكوابيس، وزوجة ماكبث تحثه على إلصاق الجرائم بسواه. تلك هي الاستعارات الشكسبيرية من التاريخ. وكم وعدت جنابكم بعدم العودة إلى الصعلوك الذي أصبح أشهر أسماء الإنجليز، حتى إنه صار صفة لا اسما. ولكن ماذا أفعل؟.. للضرورة أحكام. وقد استخدم الدكتور الأسد وصاحب «دولة القانون» وجنة العدل مصطلح «فقاعات» في أقل من أسبوع، ما بين عاصمة الأمويين وعاصمة العباسيين.

من معالم وظواهر وعناوين «دولة القانون» أن الزعيم المالكي ذهب إلى الأردن قبل أيام وعاد ليعلن إغلاق الحدود معه. من يمارس هذا العقاب الذي لم يعد قائما منذ أيام شكسبير؟ دمشق.. كلما «عصّبها» لبنان، سدت الحدود في وجهه.. بوابته الأرضية الوحيدة إلى العالم العربي ولقمة عيشه الأولى.

استقبل الأردن مئات آلاف العراقيين، أغنياء وفقراء، مستثمرين يسهمون في إنعاش اقتصاده وبائسين لا حول ولا قوة. بغداد ودمشق أكثر وأول من رفع شعار الوحدة العربية، ووحدهما تستخدمان هذا السلاح الجائر: معاقبة الناس من أجل معاقبة الحاكم. وأكثر من يتأذى بقرار نوري القانوني هم العراقيون، خلف الحدود وأمامها.

ربما يحسن بنا تذكير عاصمتي الوحدة العربية بأن الأردن استوعب أكثر بكثير من طاقته، من الذين هرعوا إليه هربا من دولهم. وهؤلاء، في الفنادق أو المنازل أو مخيمات الصقيع والعذاب، لا يزالون مواطنين عراقيين وسوريين.. لا تغلقوا الحدود خلفهم.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

الصلاة ببدلة الرقص

ميسون البياتي

عثرت على فضيحة ثقافية كبيرة بجميع المقاييس أنوي إضحاككم بالكتابة عنها , ولكني سأبدأ الحديث أولاً بإستعراض بعض الفتاوى التي صدرت في مصر خلال السنوات الأخيرة والتي أثارت زوابع من التهريج على الإسلام والمسلمين حول العالم .

ذات يوم أفتى الشيخ العلامة الدكتور على جمعة مفتي مصر بجواز صلاة المرأة ببدلة الرقص وذلك من مبدأ العمل بمقولة ( ساعة لربك وساعة لقلبك ) وأحيانا تكون الساعتان متلاصقتان أو تأتي الواحدة منهما داخل الأخرى , لذلك يصعب إعطاء كل ساعة حقها من الشروط , وعليه يتم الجواز أو تتم الإباحة من باب ( الضرورات تبيح المحظورات ) وهكذا جاز للراقصة أن تصلي ( إذا كانت تصلي أصلاً ! ) بملابس الشغل … بركة يا جامع .

يعني ممكن الآن الرقاصة لما يكون عندها إستراحة بين وصلتين رقص .. تدخل تصلي من غير ما تنزعج بتبديل ملابس الشغل مرتين علشان ترجع بعدين تكمل رقصتها ,,, شفتوا الإسلام كم هو دين سماح ووسع صدر !! يا سلام ويا سلام .

أهل الجزائر ( بلد المليون شهيد ) وبعد فضيحة كرة القدم الأخيرة بينهم وبين المصريين , أصبح بعضهم يسمي مصر ( بلد المليون رقاصة ) فإن صحَّت هذه الإحصائية وكانت في مصر مليون رقاصة .. فإن ذلك صدقاً يبرر للشيخ الدكتور علي جمعة إطلاق مثل هذه الفتوى .. فهي لإفادة شريحة واسعة من المجتمع .

ولكن كما تمت إباحة الصلاة أثناء الرقص فإن جل ما أخشاه أن تكون الفتوى التاليه في هذا الباب هي إباحة الرقص أثناء الصلاة , خصوصا في الصلاوات كثيرة عدد الركعات حيث ستقسم الصلاة الى أجزاء تتخللها فواصل موسيقية راقصة للترفيه عن المصليات من دون أن يكون ذلك داعياً لإبطال الصلاة أو الإخلال بشروطها .. والله أعلم .

قنبلة الفتاوي الثانية التي أطلقها الشيخ العلامة الدكتور علي جمعة مفتي مصر , في كتابه المعنون ( الدين والحياة _ الفتاوي اليومية العصرية ) هو جواز التبرك ببول النبي ونخامته بل حتى ليقال بأن النبي كان يحتار أين يقضي حاجته الى التبرز خوفاً من أن يقوم بقية المسلمين بأكل ما يصدر عنه .

أضحكتني هذه الفتوى لسببين : الأول أنها وردت في كتاب الفتاوي اليومية العصرية الذي يفترض أن يحتوي على فتاوي تهم المصري في واقع يومه الحالي . وليس على فتاوي في أمور إنتهت وإنقطعت منذ قرون خلت بموت النبي وإستحالة العثور ولا على قطرة لا من بوله ولا من نخامته أو غيرها .

أما السبب الثاني فهو تساؤلي مع نفسي : من هم المسلمون الذين كانوا يتبركون ببول النبي وأشيائه الأخرى ؟ هل هم عامة المسلمين ؟ هل هم خاصة النبي ؟ أم هن نساؤه ؟

تخصصي كباحثة تاريخية وعلمانيتي , تجعلاني لا أستطيع الركون الى حديث إو واقعة رواها فلان عن فلان عن فلان لا تدري لأي قصد أو غرض , لكني أقرأ التاريخ من ظواهره الكبرى لأتعرف من خلالها على الأدلة الصغرى , فإن كان عامة المسلمين هم الذين كانوا يتبركون بتلك الأشياء , فلماذا وقعت حروب الردة بعد موت النبي مباشرة وإستمرت 20 عاماً ؟ ولولا نجاح أبي بكر في محاربة المرتدين لرأينا اليوم قبائل كثيرة من العرب ما زالت تعبد الأصنام حتى داخل مكة نفسها . فهل الردة , دليل على أخلاقية ناس كانوا يتبركون بالبول ؟

أما إذا كان خاصة المسلمين هم الذين كانوا يتبركون بتلك الأشياء فتعالوا نستعرض أخص هؤلاء الخاصة : جنازة النبي لم تدفن بعد وحصل إجتماع السقيفة .

فاز بخلافة النبي صديقه الصدوق أبو بكر والد زوجته الصغرى الأثيرة لديه عائشة . بموته ترشح والد حفصة الذي كان يدعوا النبي ربه أن يعز الإسلام به . بمقتل عمر عرضت الخلافة على علي ومعها سؤال : لو واجهتك مشكلة يا علي فهل ستلتزم نهج النبي وما إلتزم به الخليفتان قبلك ؟ الرجل ولإدراكه أن الحياة في تبدل ولن يصح اليوم ماكان صحيحاً بالأمس قال : لا لن ألتزم وسأعمل بعقلي .

حين عرض السؤال نفسه بعد ذلك على عثمان قال : نعم سألتزم . وهكذا فاز بكرسي الخلافة الثالث , وعثمان إضافة لكونه ( ذي النورين ) فإن محبة محمد له جعلته لا يكتفي بهذه المصاهرة معه .. بل تعداها محمد الى الزواج من ( أم حبيبة – رملة بنت أبو سفيان ) وهي بنت ( صفية بنت العاص ) عمة عثمان وزوجة أبو سفيان , بمعنى أن معاوية بن أبي سفيان هو الآخر متصاهر مع محمد في هذه الزيجة التي جهزها النجاشي ملك الحبشة لأن أم حبيبة كانت تعيش في الحبشة يوم عرض عليها النبي الزواج . وحين جاءت العروس الى مكة محملة بكنوز ملك الحبشة فهي لم تضع الكنوز في حسابها في البنك , لكن زوجها إستفاد من ذلك المال بطريقة أو أخرى ترتب لمعاوية حقاً معلوماً للفوز بمقعد خلافة النبي فيما بعد.

حين إندلع خلاف عرب العراق ضد عثمان , لم يتمكن عثمان من لجم ذلك الخلاف بالطريقة التي كان سيفعلها النبي أو الخليفتان .. بل تصرف من عقله وحل نفسه مما ألزمها به وكانت هذه هي نقطة الخلاف الوحيدة بين عثمان وعلي , وحين عم التمرد الى الشام ومنها وصل الى مصر , إنتهت الحكاية بقتل عثمان .

بمقتل عثمان أصبح علياً إبن عم النبي وزوج إبنته فاطمة الخليفة الرابع , لكن مقتل عثمان وهو من بني أمية التي ينتسب إليها معاوية .. إضافة الى رغبة معاوية في تولي الخلافة بالسرعة الممكنة .. إضافة الى أنه ومنذ عهد عثمان كان والياً على الشام , كل هذه الأسباب جعلته ينشق عن طاعة خليفة المسلمين , ذلك الإنشقاق الذي لم يزل المسلمون يدفعون ثمنه حتى اليوم .

وسؤالنا الى الشيخ العلامة الدكتور علي جمعة : أي واحد من خاصة النبي هؤلاء كان يتبرك بأشياء النبي سالفة الذكر؟

أم القصد أن زوجات النبي هن اللواتي كانت تحل عليهن تلك البركة ؟ إذن دعوني أحكي لكم هذه الحكاية لنتعرف بها على نوعية الأخلاقيات التي كانت سائدة بين ( أمهات المؤمنين ) : المعروف أن ( محمد بن أبو بكر ) و ( عمار بن ياسر ) هما اللذان قاما بقتل عثمان لا طعناً بالسيوف أو الرماح أو الخناجر , ولكن بأسياخ من حديد وجداها موضوعة في المكان لا تدري لأي غرض . بعد موت عثمان قتل عمار بن ياسر في معركة صفين في جيش علي وضد معاوية .

ثم لاحق بنو أمية محمد بن أبي بكر الى مصر التي كان والياً عليها أيام خلافة علي , وحين ظفروا به ربطوه بجلد حمار لأن هذا الجلد عصي على الحرق , ثم أشعلوا ناراً وشووه عليها . والى هنا والحكاية حكاية خصومات سياسية وعشائرية , ولكن تعالوا نذهب الى الجانب الآخر لنشاهد ماالذي وقع بين أرملات النبي .

رملة بنت أبو سفيان وهي من بني أمية , هي ضرة عائشة أخت محمد بن أبو بكر قاتل عثمان , وبينهن إضافة لعداوة العائلتين , عداوة الضرتين . أمرت رملة بنت أبو سفيان بكبش , وتم شواؤه ثم بعثت به الى عائشة وقالت : ((هكذا قد شوي أخوك )) . فلم تأكل عائشة الشواء بعد ذلك حتى ماتت .

لو وقع هذا الفعل بين ضرتين من عامة الناس لكان فعلاً يثير الإستغراب والإستهجان والتعجب . ولكن أن يقع بين أمهات المؤمنين فذلك أدل على مكانه زوجهن الراحل في نفوسهن وعلى مكانة دينه وربه , هل نساء بهذه الأخلاقيات ممن يمكن أن يتبركن بالبول ؟

وأخيراً إنتهت فتوى التبرك بالبول الى إجبار سماحة الشيخ الدكتور المفتي من قبل ( مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر ) الى سحب كتابه من الأسواق , وإنتهت الفتوى .

لكن الشيخ مفتي مصر لم يتوقف عن الفتوى فها هو يصرح لوكالة قدس برس من القاهرة ما نشر نصاً : (( أجاز الدكتور علي جمعة ، مفتي مصر، إجراء عملية ترقيع غشاء البكارة للنساء اللاتي فقدن عذريتهن “لأي سبب كان” ، قبل الإقدام على الزواج ، مؤكدا أن الترقيع أمر مباح . وأكد جمعة ، لبرنامج “البيت بيتك” على القناة الثانية للتلفزيون المصري ، مساء أمس الثلاثاء ، في تفصيله لهذه الفتوى ، أن الدين الإسلامي يدعو إلى الستر ، وإذا كان إجراء الفتاة ، التي فقدت عذريتها لأي سبب كان ، لعملية ترقيع غشاء البكارة سيؤدي إلى سترها ، فإن الإسلام يبيح ذلك . وأضاف مفتي مصر: “على تلك الفتاة ألا تخبر خطيبها بأنها فقدت عذريتها ، كما أن الأمر ينطبق كذلك على المرأة الزانية ، حيث لا يجوز لها أن تخبر زوجها بأنها ارتكبت جريمة الزنا . وأكد الدكتور جمعة أن ذلك الأمر يأتي في إطار السعي للحفاظ على وحدة الأسرة ، وبهدف مساعدة الفتيات المخطئات على التوبة والزواج ، ولا يعد من قبيل الغش والخداع )) . إنتهى

ليس لدي على هذه الفتوى غير تعقيبات صغيرة سأكتبها على شكل أسئلة تقول : أي مجتمع ذكوري زائف القيم هذا الذي تربون الناس للعيش فيه بهكذا فتاوى ؟ بحيث يقبل الرجل على نفسه أن يُخدع طول العمر بإمرأة ( مرقوعة ) , على مواجهة حقيقة أن تلك المرأة قد مرت بتجربة سابقة .. برضاها أو غصباً عنها ؟ وأي علاقات إنسانية تدعون الى تأسيسها تحت شعار ( الستر ) وهي في حقيقة الأمر مبنية على التدليس ؟ ثم هل تحتاج الزانية الى فتوى لكي تكذب ؟ وهل تحتاج المرأة التي لا سبيل لها لحل مشكلتها بغير اللجوء للطبيب .. أن تمر على المفتي لتسأله قبلها : هل إن ما سأقوم به حلال أم حرام ؟ ولو إفترضنا أن الأستاذة الدكتورة الطبيبة نوال السعداوي كانت قد طالبت الأزهر بإستصدار فتوى مشابهة لما أفتى به الدكتور علي جمعة , أما كان مجلس الأفتاء سيفرقها عن زوجها شريف حتاتة .. تمهيداً لإقامة الحد عليها ؟ فلماذا يكيل الأزهر بمكيالين ؟ وبعدين يا سيدنا الشيخ .. بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان ومن نجد الى يمن الى مصر فتطوان .. كلها مليئة بالثقوب الكبيرة جدا التي تستطيع حتى التلسكوبات الفضائية رصدها من الجو والتي تحتاج أطنان من الفتاوي لترقيعها فلماذا تركت كل تلك الثقوب المهولة الحجم , ولم تشمل رعايتك بفتوى الترقيع إلا ثقباً صغيراً منزويا في مكان لا يراه إلا واحد ؟ هل هذا من باب على قدر أهل العزم تأتي العزائم ؟ أم من باب النفوس الكبيرة التي تعبت في مرادها الأجسام ؟

قد يعترض أحدهم ويقول لي : لماذا هجومك هذا يا دكتورة على الشيخ العلامة علي جمعة وفتاويه هذه أصبحت قديمة الآن تقريبا ً وهي ليست جديدة لتثوري عليها بهذا الشكل ؟ وجوابي هو : والله أنا بحالي .. ولم يكن في نيتي حتى لما قبل أسبوع واحد أن أكتب عن هذه الفتاوي أو عن الشيخ . لكن كثر الإلحاح ( يفك اللحيم ) كما نقول باللهجة العراقية .

أقيم في مدينة أوكلاند في نيوزيلندا , وأزور المكتبة المركزية بشكل شبه يومي بحكم كوني طالبة من جديد في جامعة أوكلاند .. لكني نادرا ما أزور القسم العربي في المكتبة بصراحة لأني نفضت يدي من كل ما يكتب باللغة العربية .

قبل حوالي عشرة أيام وبدون تخطيط نزلت الى القسم العربي في المكتبة .. فعثرت على كتاب عنوانه ( صدام حسين _ من الميلاد للإستشهاد ) .

حقيقة .. أنا لن تهمني بعد القراءة عن صدام , فالرجل أدى الدور المرسوم له ومات وإنتهى عهده ليفسح المجال للاعبين جدد أن ينزلوا الى الساحة في الحقبة التاريخية الجديدة من بعده , لكن الذي جذب إنتباهي الى الكتاب أن مؤلفه هو الكاتب والصحفي البريطاني روبرت فيسك الذي يمتلك مواقف أكثر شهامة ورجولة وإنسانية من مواقف الكثير من العرب إزاء قضايا لبنان وفلسطين والعراق . ثم جذبت إنتباهي كلمة ( الإستشهاد ) التي وردت في العنوان .. لهذا قررت أن أستعير الكتاب لتصفحه في البيت أو قراءته إن كانت مخرجاته تدل على شيء يستحق الجهد , لا أدري , ربما أناقة الطباعة ونوع ورق طبع الكتاب وإسم روبرت فيسك ثم ( الإستشهاد ) كل هذا وكما تقول الأغنية جعلني أشعر : حاسس بمصيبة جيالي .. يا لطيف يا لطيف .

يقع الاكتاب في 272 صفحة من حجم كبير المتوسط وهو من إصدار دار إبداع للنشر والتوزيع _ وهناك إشارة على الغلاف تقول (( عرض وتحليل مركز ترجمة الدار )) ويحمل رقم الإيداع 11802 للعام 2007

بما إني قرأت كثيراً من كتابات فيسك لذلك شعرت للوهلة الأولى أن كلام الكتاب ليس أسلوبه , لكني عدت وتذكرت عبارة ( عرض وتحليل مركز ترجمة الدار ) قلت مع نفسي فلأتابع لنرى كيف يعرضون ويحللون .. لكني بدأت أكتشف معلومات خاطئة بالكامل في الأسماء والمواقع والتواريخ من المستحيل أن تصدر عن كاتب محترف مثل روبرت فيسك .. لذلك ذهبت في اليوم التالي الى المكتبة ووضعت إسم روبرت فيسك باللغة الإنكليزية على كومبيوتر المكتبة فلم أعثر له على كتاب أو كراس عن صدام حسين .

حين عدت الى البيت إتصلت هاتفيا بالناشر في القاهرة لأسأله عن عنوان الكتاب باللغة الإنكليزية على رقميه المثبتين على غلاف الكتاب وهما : 0107690018 والرقم الآخر 0124828040 فلم يرد علي أحد . عندها إتصلت بأصدقاء يقيمون في مدينة 6 أكتوبر في ضواحي القاهرة وطلبت منهم الإتصال بدار النشر وسؤالهم عن عنوان كتاب فيسك باللغة الإنكليزية .. فجاءني الرد الصاعق بأن الكتاب مجرد تلفيق ولا علاقة لروبرت فيسك به . وأن مجدي شكري صاحب دار النشر ( إبداع للنشر والتوزيع ) هو ناشر كتب فضائحية مطلوبة في السوق , غرضه منها جمع المال , فقد نشر كتاب عودة الشيخ الى صباه , ونشر شيئا عن المذيعة هالة سرحان , وهو الآن ينشر كتاباً ملفقاً عن صدام حسين .. وهكذا . المضحك في الأمر أن بعض القراء إتصلوا بروبرت فيسك وأخبروه بموضوع هذا الكتاب فجاء الرجل الى القاهرة وبحث عن مجدي شكري دون جدوى لأن الحكاية كلها مجرد ( أونطه ) وحين عاد الى بريطانيا نشر الحكاية في صحيفة الأندبندنت البريطانية تحت عنوان ( أم الفضائح في قلب القاهرة ) وختم فيسك مقالته بعبارة : (( إن المدعو مجدي شكري لابد أنه سيكتب كتابا آخر لينسبه الى أي إسم شهير يكتبه بحروف مذهبة علي الغلاف )) .

فكرت أكتب رسالة لوزارة الثقافة المصرية أهنيهم فيها على المستوى الحضاري الرفيع الذي بلغته دور النشر في مصر , لكني قلت مع نفسي ( وعلى إيه ؟ ) فإذا كان مفتي الديار ( بالدف ناقر ) فشيمة دور النشر كلهم ( رقص ) بس رقص إيه !!؟ كله متوضي وحياتكم وبهدوم الشغل .. ودقي يا مزيكا .

ميسون البياتي – مفكر حر؟

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

أوباما يدق أول مسمار في نعش عظمة اميركا السوبر 3

طلال عبدالله الخوري  12\1\2012

هذه مقالتنا الثالثة حول موضوع سياسات أوباما البائسة كرئيس للولايات المتحدة الأميركية, وهي الدولة السوبر الوحيدة في العالم, والتي تحتاج الى رئيس سوبر وسياسة سوبر, وصانع قرار سوبر, وليس لصانع قرار على مستوى رئيس دولة من دول العالم الثالث؟

في مقالنا الاول “أوباما يدق أول مسمار في نعش عظمة اميركا السوبر” بينا أن قرارت اوباما الاقتصادية لم تكن بمستوى دولة السوبر, واوضحنا أن قرارت اوباما الاقتصادية وضعت اميركا في اول طريق للتحول الى الاقتصد الحكومي والذى ادى الى انهيار المنظومة الاشتراكية, وفي مقالنا الثاني ” أوباما يدق أول مسمار في نعش عظمة اميركا السوبر 2  ” بينا كيف ان اوباما قسم المجتمع الاميركي الى قسمين: الاول يريد المحافظة على سياسة الحلم الأميركي والتي جعلت من اميركا دولة عظمى باستخدام الاقتصاد التنافسي, وقسم ثاني يحب الكسل والاعتماد على المساعدات الحكومية والتي تؤدي الى اقتصاد غير تنافسي وهو ذاته الذي اودى الى انهيار المنظومة الاشتراكية.

في هذه المقالة سنبين كيف ان اوباما قوض صفتين اساسيتين من صفات الدولة السوبر وهما التحلي بالقيم الرفيعة, والسياسة الشفافة.

من صفات الدولة السوبر هو التحلي بالقيم المجتمعية الرفيعة مثل المحافظة على حقوق الانسان, و حقوق الاقليات, حقوق المرأة, وحقوق الطفل, حرية العقيدة, المساواة بين الناس وعدم التسامح مع التمييز العنصري, ويجب على دولة السوبر المحافظة على هذه القيم داخلياً وخارجياُ أيضاُ, حيث تكون المحافظة على هذه القيم داخلياُ عن طريق سن القوانين اللازمة لكي تخيم مبادئ القيم الرفيعة في المجتمع, أما خارجيا فتكون عن طريق فضح وإدانة الدول التي لا تلتزم بالقيم المجتمعية الرفيعة, وقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية معها, والأكثر من هذا تقوم بحماية الشعوب الاخرى عسكرياُ فيما إذا تعرضت الى محن تنتج عن عدم التزام حكوماتهم بالقيم الرفيعة مثل ممارسة التمييز العنصري والابادة الجماعية.

من استقرائنا للتاريخ, نلاحظ بأن الولايات المتحدة الاميركية, التزمت بمعايير القيم المجتمعية الرفيعة داخلياُ, ولكن أثناء الحرب الباردة مع منظومة المعسكر الاشتراكي كانت تتساهل بهذه المعايير خارجياُ, وذلك من اجل كسب الولاءات الخارجية لها في صراعها مع المعسكر الاشتراكي, فعلى سبيل المثال كانت تتساهل بموضوع حقوق الانسان في دول الشرق الاوسط وخاصة في المملكة العربية السعودية من اجل المحافظة على الاستقرار بهذه المنطقة واستمرار تدفق النفط الرخيص من هذه المنطقة, والذي تحتاجه أميركا من اجل التنمية الاقتصادية في مواجهة المعسكر الاشتراكي, و كانت اميركا ايضاً  تغض الطرف عن انتهاكات حقوق الانسان في البلدان الموالية للمعسكر الاشتراكي مثل سورية, وذلك لكي تبقي الحرب بين المعسكرين باردة وعدم جعلها تسير للمنحى الساخن.

ولكن بعد انهاء الحرب الباردة بالاتفاق التاريخي الذي تم بين ميخائيل جورباتشيوف وجورج بوش سينيور, وبعد انهيار المنظومة الشيوعية, اصبح العالم احادي القطبية واصبحت اميركا دولة السوبر الوحيدة في العالم, فرفعت الولايات المتحدة الاميركية من مستوى حرصها على القيم المجتمعية الرفيعة في البلدان الخارجية التي تنتهك حقوق الانسان فيها, فعلى سبيل المثال أدانت انتهاكات حقوق الانسان في الصين وفي البلدان ذات الحكم الشمولي, وتدخلت حتى عسكرياُ في تحرير المسلمين في البوسنة من الابادة العرقية, وتدخلت عسكريا في الصومال ضد انتهاكات المجاهدين هناك ضد عمليات الاغاثة, التي كانت تقودها الامم المتحدة, وخاضت حرب تحرير الكويت, وحرب ضد ارهاب طالبان والقاعدة في افعانستان, وحرب لتحرير العراق من وحشية الطاغية صدام حسين.

في الحقيقة بالرغم من ان اميركا دولة سوبر, ولكن حرصها على القيم الرفيعة خارجياُ ومعقاطعة البلدان التي تجري فيها انتهاكات لحقوق الانسان في الشؤون الاقتصادية, وخوض حروب تحرير ضد القوى الخارجية التي تمارس الارهاب, كان له كلفه عالية على الاقتصاد الاميركي, مما ادى الى ارتفاع نسبة البطالة في اميركا وهذا بدوره أدى الى سقوط رؤساء في الانتخابات مثل سقوط الرئيس الجمهوري جورج بوش سينيور على يد الديمقراطي بيل كلينتون, والذي اغمض عينية عن حقوق الانسان في الخارج وخاصة في الصين والشرق الاوسط, مما أدى الى حصول الشركات الاميركية على عقود تسيل لها اللعاب في كل من الصين والشرق الاوسط, فتقلصت البطالة وارتفع دخل المواطن الاميركي, فارتفعت شعبية بيل كلينتون عند غالبية الشعب الاميركي, وأصبح الرئيس الاميركي بيل كلينتون الرئيس المفضل لدى الطغاة العرب والحكم الشمولي في الصين, ولكن هذه السياسة كانت ضربة موجعة لتطلعات الشعوب من اجل الحصول على الحرية وحقوق الانسان ومنها الشعوب العربية.

ومن الامثلة التي نوردها على تساهل بيل كلينتون في حقوق الانسان من اجل الحصول على فوائد اقتصادية هو السماح للشركات الاميركية بتوقيع عقود نفطية في السودان الذي كان يدير حرب ابادة عرقية في دارفور, قبل ان تحظرها حكومة جورج بوش جينيور الجمهورية.

نلاحظ بأن الرئيس باراك اوباما يسير على خطى سلفه بيل كلينتون الديمقراطي, في التساهل بحقوق الانسان خارجيا, والتملص من التدخل العسكري خارجياُ لمساعدة الشعوب المقهورة, والاكثر من هذا نرى بأن باراك اوباما خطى في هذا الاتجاه بعيداُ, وخير دليل على هذا هو قيادته لاسقاط الطاغية معمر القذافي من الخلف, وتخلفه سنتين حتى الآن في مساعدة الشعب السوري الأبي في ثورته من اجل الكرامة ضد اسوء طاغية في العالم وهو الديكتاتور بشار الاسد.

من هنا نرى بأن تساهل الرئيس الاميركي باراك اوباما في مناصرة القيم الرفيعة في دول العالم الخارجي, والتهرب من مناصرة الشعوب المقهورة في نيل حريتها عسكرياُ لهو مسمار في نعش عظمة اميركا الدولة السوبر ونحن نتسآل ما الفرق بينها وبين دول العالم الثالث اذا لم تناصر قيمها وتحافظ عليها مع الشعوب الاخرى؟

اما في موضوع الشفافية, فإن دولة السوبر تكون كل سياساتها علنية, ويتم عرضها على مجلس النواب لكي يتم البت فيها والموافقة عليها بالعلن, على عكس الدول الاستبدادية ومنها الدول العربية والتي يكون لها سياستان, سياسة علنية كاذبة وليس لها علاقة بالواقع تستخدم فقط لخداع الشعب, وسياسة سرية يتم تنفيذها عملياً تحت جنح الظلام ومن خلال اجهزة المخابرات.

نلاحظ بأن الرئيس اوباما في سياساته الخارجية ينهج سياسة التدخل الباطني في عمليات سرية تقودها وكالة الاستخبارات المركزية ودوائر خاصة في البيت الأبيض سوية مع وزارات تعنى بالأمن الوطني وكذلك وزارة المالية. وبموازاة ذلك، تعتمد وزارة الخارجية ووزارة الدفاع، سياسة ظاهرية ترفض التدخل العسكري المباشر الواسع النطاق وتنخرط في ديبلوماسية إيجاد المخرج, حيث تكمن مساوئ وخطورة هذه الإستراتيجية في تشجّع الطغاة العرب في دول الشرق الأوسط على تبني سياسات قوامها العلاقات الاستخبارية والشراكة العسكرية السرية مع الولايات المتحدة، بدلاً من اعتماد الشفافية.

أن نهج اوباما الى السياسات السرية الغير شفافة وابرام اتفاقيات سرية مع الحكام وعلى حساب الشعوب ستثير الكراهية على اميركا لدى شعوبنا الطامحة الى الحرية والكرامة والتي اشعلتها ثورات الربيع العربي.

أن هذا النهج من اوباما هو نهج رخيص, حيث سيجد حلول غير حقيقية لمشكلاته الرئاسية وخاصة الاقتصادية منها في الوقت الحالي, ولكن سيصعب من السياسة الاميركية الخارجية على المدى البعيد, وسيقوض سياسة نشر الحرية والديمقراطية في بلدان الشرق الوسط والتي وضعتها كونداليزا رايس اثناء فترة حكم جورج بوش جينيور..

إن اختيار اوباما لتشاك هايغل للدفاع وجون برينن للاستخبارات من اجل تعزيز سياساته الغير شفافة وتعزيز ما يسمى بـ “عمليات خاصة”  سرية, لكي تحتل موقعاً مركزياً أقوى وأوسع في عهد إدارة أوباما الثانية, مثل الاغتيالات السرية والقتل السري – مباشرة أو غير مباشر, والتي كانت ممنوعة في اميركا قبل احداث سبتمبر الارهابية, وكذلك الاكثار من استخدام الطائرات بلا طيار الذي وضعه برنامج درون.

ان هذه السياسة الغير شفافة لباراك اوباما تدق او مسمار في نعش عظمة اميركا دولة السوبر الوحيدة في العالم فما الفرق بين سياساته الغير شفافة هذه  وسياسة ديكتاتور رخيص مثل بشار الاسد؟

طبعا اوباما يحتاج الى شركاء بالعالم يشاطرونه نفس المبادئ مثل المجرم بشار الاسد, ونحن لدينا الكثير من الاسباب لتجعلنا بأن نعزي احد اسباب الخطاب البائس الذي القاه مؤخرا المجرم بشار الاسد في دار الاوبرا بدمشق هو نتيجة لقرائته المستقبلة لسياسات اوباما البائسة, حيث انه من المعروف بأن عائلة الاسد ابلت بلائا منقطع النظير في العمليات المخابراتية السرية وربما يعتبر نفسه شريكا مهما لباراك اوباما؟

هوامش

أوباما يدق أول مسمار في نعش عظمة اميركا السوبر 

أوباما يدق أول مسمار في نعش عظمة اميركا السوبر 2

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | 1 Comment

إمام الحرم يستطيع إنقاذ باكستان!

جمال خاشقجي: الحياة اللندنية

تشعر السعودية باطمئنان أكثر عندما يكون جناحاها بخير، أو هكذا يجب أن تفعل. «الأمن السعودي» يقوم على استراتيجية قديمة، صمدت بتغيّر الأزمان والزعماء والعالم من حولها، وهي أنها دوماً بحاجة إلى باكستان قوية شرقاً، ومصر لا تقل قوة واستقراراً غرباً، ثم تحافظ على علاقات جيدة ومميزة معهما، كي تستطيع أن تحلّق بأمان في علاقاتها الخارجية.

يفسر هذا الموقف الإيجابي للحكومة السعودية حيال مصر. لم تلتفت إلى حملات التهويل والتشكيك التي يضخها بعض الكُتاب، وربما بعض الرسميين القلقين والمتأثرين بحال «منعزلة» في المنطقة، لديها حساسية من صعود «الإخوان المسلمين» لحكم أكبر دولة عربية. لم تلتفت السعودية الرسمية إلى كل ذلك، وحرصت وأكدت رغبتها فعلاً وقولاً في علاقات جيدة مع مصر. من الواضح أنها ترى مصر أولاً ثم من يحكمها، بينما يرى أولئك «الإخوان»، فتختل حساباتهم وقراراتهم، ولو على حساب مصالحهم المباشرة ومصلحة المنطقة.

مصر بخير وتتعافى، إذاً جناحنا الغربي بخير، ولكن ماذا عن باكستان؟

هناك أسباب كثيرة للقلق، وثمة ما تستطيع السعودية فعله هناك، باكستان ليست بحاجة إلى الدعم المالي، فكل مال يذهب إليها الآن سيضيع. الولايات المتحدة مثلاً تعبت مع باكستان، فهي تنفق هناك منذ أعوام عدة أكثر من بليوني دولار سنوياً، ولم تحصل معجزة هناك. لا تزال باكستان في دائرة العنف والفقر والفساد والفشل المستمر، تكفي مقارنتها مع الهند لندرك حال باكستان المتردي، والمشكلة أنه بينما تمكن رؤية ضوء في نهاية النفق المصري، فلا ضوء في أي نفق باكستاني غير كتلة من لهب يحدثها أحدث تفجير انتحاري عبثي هناك.

المشكلة في العقل الباكستاني (آسف.. أعلم أن أصدقائي هناك سيغضبهم قولي هذا) أنه الأكثر تصديقاً لنظريات المؤامرة بكل أشكالها وألوانها، فالباكستانيون لا يستخدمون ملح الطعام مثلاً، لأنهم يؤمنون بأن اليود الموجود فيه هو محلول كيماوي سيؤدي بهم إلى العقم حتى ينقطع نسل المسلمين، في مؤامرة غربية هندية. هذه ليست نكتة ولا مبالغة، بل كارثة صحية تحاول وزارة الصحة الباكستانية ومنظمة الصحة العالمية معالجتها، كل ذلك بدأ بإشاعة قبل عقدين من الزمان، ولم تستطع الحكومات المتعاقبة هناك تفنيدها، إذ لا يثق الشعب الباكستاني عادة في المسؤولين الرسميين، أما رجال الدين فكان دورهم ترويج الإشاعة وإضافة بُعد مؤامراتيّ عليها، وأنها جزء من الحرب التي لا تتوقف، ولا يريدونها أن تتوقف على المسلمين، لا أن ينفوها كما كان ينبغي أن يكون دورهم، ويحذروا مواطنيهم من أضرار خلو طعامهم من اليود.

إنها قضية جادة، فلقد أثبت مسح أجرته جهات أكاديمية علمية في باكستان و«اليونيسيف» ووزارة الصحة الباكستانية أن نقص اليود من غذاء الباكستانيين، أحد أسباب معاناة نصف عدد السكان البالغ 200 مليون من اضطرابات صحية خطرة، كالإجهاض وتضخم الغدة الدرقية والتخلف العقلي. تقارير عدة ربطت بين ظهور أعراض، مثل الخمول وانخفاض معدلات الذكاء وانخفاض معدل الإنتاجية على مستوى باكستان مع انتشار هذه الإشاعة، ما تسبب في مزيد من الأضرار لاقتصاد هشّ في دولة كباكستان.

لقاحات شلل الأطفال مؤامرة أخرى لنشر العقم بين المسلمين، بل بلغ فقدان العقل والجهل والفقه ببعض الباكستانيين «المتدينين» إلى قتل باكستانيين مثلهم لا يقلون تديناً عنهم لمجرد أنهم يشاركون في حملات «اليونيسيف» و «الصحة الباكستانية»! إنها الحملات نفسها التي جرت في السعودية ومصر وكل بلد مسلم، حتى نجح بعضها في استئصال المرض رحمة بأبنائها وبناتها، ولكن «طالبان» الباكستانية ترى غير ذلك، فقتلت 9 رجال وسيدات ممن ينفذن الحملة النبيلة الأهداف، ما دعا وزارة الصحة و «اليونيسيف» والجمعيات التطوعية لإيقافها أسابيع عدة، وقد استؤنفت أوائل الشهر الجاري تحت حماية شرطة مسلحة وأنصار متطوعين. إنها قصص لا تصدق، ولكن هذا ما يحصل عندما يترك التطرف من دون أن يجد من يلجمه، حينما يطل برأسه على أي مجتمع.

كثيرون يلومون الرئيس الراحل ضياء الحق، لأنه أخرج جنّياً من قمقمه، حين سمح بل شجّع الأفكار الجهادية الأصولية ذات الجذور القديمة في القارة الهندية، منذ الثورة الشهيرة ضدّ الإنكليز في القرن الـ18، والتي استقرت في المناطق الحدودية مع أفغانستان بعدما ضيّق الإنكليز عليها. أفكارها ظلت كامنة تبحث عمن يحييها، فكان الجهاد الأفغاني ضدّ الروس موقظاً لها، فأبلت بلاء حسناً هناك، فتشجع ضياء الحق لتكرار تجربتها في كشمير. شخصياً زرت أواخر التسعينات معسكراً لتدريب الكشميريين، كان هدف ضياء الحق وجهازه الفعال «الاستخبارات العسكرية» أن يطلقهم على الهند، عقدة باكستان التاريخية، تحت ذريعة تحرير كشمير، ولكن تحوّل هؤلاء ومعهم «الحقانيون» في مناطق الحدود بعد كارثة 11 سبتمبر من أصدقاء «سريين» إلى أعداء لكل النظام.

أصبح التطرف الكارثة الأكبر في باكستان، فهو حال متقدمة فيها، ويحظى بانتشار فكري وعملي أكثر من أي بلد مسلم آخر، فالعمليات الانتحارية تجري هناك بوتيرة أعلى من أي بلد إسلامي آخر (ربما ينافسه العراق)، وثمة موقع مؤلم، ولكنه دقيق ويوثق أرقامه على الشبكة يدعى: «عداد القتلى في الباكستان»، يذكر أنه حتى الأسبوع الماضي وقع في البلاد 369 هجوماً انتحارياً، قتل فيها 5329 شخصاً! هذه العمليات تحصل في المساجد والأسواق والأماكن العامة، وليس فقط ضدّ مواقع الجيش. من الواضح أن مفتي «طالبان باكستان» لا يرى بأساً أن يفجر الانتحاري الشاب نفسه في سوق عامة لقتل المسؤول المستهدف، أو وسط اجتماعه بعامة الناس، أو حتى في مسجد. أي عقل يجيز عملاً كهذا؟

علماء الدين في باكستان عاجزون عن فعل شيء، مَن تحدث منهم وانتقد «طالبان» يُقتل، ومجموعة كبيرة منهم انتهازية وتوظف الدين في السياسة، فتسكت عن جرائم «طالبان» لتوظيفها في صراعها مع الحكومة، ومجموعة ثالثة اختارت السلامة وصمتت.

هنا يأتي الدور السعودي، فلأئمة الحرمين الشريفين مقام في باكستان لا يتمتع به غيرهم، ربما لا يعرف الباكستاني اسم الشيخ، أو حظه من العلم، يكفيه أنه إمام الحرم، وسوف يستمع إليه ويطمئن لرأيه، لذلك أدعو الحكومة السعودية بالتعاون مع حكومة باكستان أن تنظم جولة لبعض أئمة الحرم، تخطب في تجمعات خطابية في أطراف البلاد، فتنقل الإذاعة والتلفزيون الباكستاني خطبهم مترجمة إلى الأوردية لعموم الشعب، يؤكدون لهم كذب إشاعات ملح اليود، ويفتون لهم بضرورة إعطاء أبنائهم لقاحات شلل الأطفال، ويشرحون لهم حرمة قتل النفس والعمليات الانتحارية، ويترجمون لهم فتاوى الشيخين ابن باز وابن عثيمين ومفتي البلاد الحالي، في تحريم هذه العمليات، حينها سنساهم بالتأكيد في إنقاذ باكستان من تدميرها الذاتي.

هذا مع أخذ الحيطة والحذر، وتوفير الحماية اللازمة، فـ «طالبان» هناك ستقتل حتى أئمة الحرمين إن خالفوا هواها!

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

الإسلام واليهودية.. تشابه وتعايش.. تراحم وتحاور

نبيل الحيدرى: موقع إيلاف

القرآن الكريم يعتبر البشر متساوين من حيث الخلقة والمصدر وكلهم من آدم وحواء وإلههم هو الله سبحانه وتعالى. وقد جاءت آيات كثيرة فى ذلك منها (إنّ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) وغيرها.

 ثم اعتبر الأنبياء على خط واحد وهدف واحد ومبادئ واحدة لأنها من مصدر واحد هو الله تعالى فقد قال سبحانه (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان…) وغيرها.

 وقد كان إبراهيم أبا للديانات الثلاث اليهودية أولا ثم المسيحية بعدها زمانا ثم لاحقا الإسلام ومن إبراهيم جاء ولداه إسحق وإسماعيل ليكون اليهود والعرب أولاد عم رحما وقربى. قال تعالى (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى وما أوتى النبيون من ربهم لانفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) وباعتبار أنهم انبياء ورسل من عنده سبحانه فهو لايفرّق بين أحد منهم وفق النص القرآنى الأخير.

 لاشك أن المشتركات كثيرة جدا بين الإسلام واليهودية ومن هنا تجد المشتركات فى التشريعات والمبادئ والقيم مثلا تحريم قتل النفس البريئة فقد جاء فى القرآن (كتبنا على بنى إسرائيل أنّه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنّما قتل الناس جميعا) وقد ربطها فى القرآن بتحريمه السابق على بنى إسرائيل فى التوراة.

وقد تشابهت القصص الكثيرة بين التوراة والقرآن منها قصة الخلق الأول من الطين (إذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من طين). قصة آدم وحواء ومعها قصة الشيطان والنزول إلى الأرض (وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين. وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين. فوسوس لهما الشيطان ليبدى لهما ماورى عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكم عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين. وقاسمهما إنى لكما لمن الناصحين. فدلّهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربّهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إنّ الشيطان لكما عدوّ مبين. قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين. قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين. قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون. يابنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوءاتكم وريشا…) وهكذا كانت الخطيئة الأولى كما فى القرآن (وعصى آدم ربه فغوى) وكان نزول آدم وحواء إلى الأرض (قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو). وكانت الخطيئة الثانية فى ابنيهما قابيل وهابيل حتى يقتل الأخ أخاه (فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين) وهذه جريمة القتل لتكون لونا من الفساد العظيم الذى قاله الملائكة كما حكى القرآن ذلك (وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة. قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) وكأن الملائكة يعرضون أنفسهم بدلاء عن الناس لأنهم لايعصون الله ما أمرهم كما جاء فى القرآن فى آيات أخرى.

 كذلك قصة نوح والسفينة حيث جاء فى القرآن الكريم (وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون. واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولاتخاطبنى فى الذين ظلموا إنهم مغرقون. ويصنع الفلك وكلما مرّ عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون. فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم)

كذلك قصة إبراهيم كما جاء فى القرآن (وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين. فلما جنّ عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربى فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأى قمرا بازغا قال هذا ربى فلما أفل قال لئن لم يهدنى ربى لأكونن من القوم الضالين. فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربى هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إنى برئ مما تشركون. إنى وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين) وقصة مولد إسماعيل من هاجر وهجرتها وقصة مولد إسحق من سارة وكذلك قصة محاولة الذبح لولده ثم فداؤه وغيرها

 وقصص لوط وسليمان ويعقوب وداود ويوسف وغيرهم

 القرآن الكريم يعتبر اليهود من أهل الكتاب كما يعتبر نبيهم موسى من أنبياء الله ورسله وأولى العزم حيث أنزل عليه التوراة ويطلق عليه لقب كليم الله (وكلّم الله موسى تكليما) وهذا لقب اختص به موسى فى الأحاديث النبوية والقرآن.

 وقد جاء ذكر التوراة مرارا وتكرارا فى القرآن حتى وصفها بأنها نور وهداية للناس، والآية القرآنية (ٌقل من أنزل الكتاب الذى جاء به موسى نورا وهدى للناس) وغيرها من الأوصاف الرائعة حيث اعتبر القرآن تصديقا وامتدادا طبيعيا من روح التوراة ومبادئها.

وقد جاء مدح بنى إسرائيل بإعطائهم الحكم والكتاب السماوى والنبوة ورزقهم من الطيبات وغيرها وتفضيلهم مرارا فى القرآن مثل الآية القرآنية (ولقد آتينا بنى إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على العالمين) كما ورد تفضيلهم على العالمين والناس جميعا فى آيات أخرى عديدة فى القرآن الكريم مثل (وفضلناهم على العالمين) حيث جاءت أكثر من مرة فى آيات القرآن بهذا النص الصريح والواضح، حتى حار المفسّرون وأصحاب المذاهب الإسلامية المختلفة فى قصة تفضيل بنى إسرائيل على العالمين والناس جميعا ومحاولات تأويلها وتفسيرها رغم أنه نص صريح واضح فى القرآن لاغبار عليه ولايمكن لهم التشكيك فى النص القرآنى لكنهم يتجنّبون ذكره والحديث عنه وجاء القرآن على مدح اليهود مرارا ومنها (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) وغير ذلك من الآيات المعروفة

 إعتبر القرآن اليهود من أهل الكتاب الذى تجمعنا معه المشتركات الكثيرة والتى تجعلها أساسا لحوار بنّاء فى المشتركات حتى قال تعالى (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) وغيرها من الآيات المعروفة لأنها ديانات إبراهيمية ذات أصل واحد ومبادئ واحدة من إله واحد ومصدر واحد كما جاء فى القرآن (قل كلّ من عند الله) (لانفرّق بين أحد منهم) فلا يعقل التناقض بينها.

وقد أطلق القرآن لفظ الإسلام على الديانات الإبراهيمية حتى سمّى النبى ابراهيم مسلما وفق النص القرآنى وهى تعنى أن يسلم لله تعالى حيث كان الأنبياء جميعا يسلمون لله تعالى.

 وقد سأل بعض الصحابة النبى عن مصير اليهود والنصارى والصابئة وهل يدخلون الجنة فانتظر الوحى لينزل صريحا واضحا لالبس فيه بقوله تعالى (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون) وقد نزلت غير مرة فى القرآن ليثبت تعالى أن العمل الصالح والمشتركات تجعل اليهود فى منزلة عالية فى الجنة (لاخوف عليهم ولا هم يحزنون) وهو ما أثبته النبى نفسه عمليا فى قصة المعراج عند زيارته الجنة ورؤيته مجموعة من اليهود خالدين فى الجنة لأن أعمالهم كانت صالحة

جاء فى القرآن (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا فى السلم كافة) وجاء فى سفر أرميا (سلام البلد الذى أوعزت بنقلكم إلبه أسرى وصلّوا إلى الله من أجله ففى سلامه سلام لكم) وعلينا نشر ثقافة السلام والعايش والمحبة والبناء والتواصل والتفاهم والحوار فهى خير من ثقافة الكراهية والبغضاء والعداوة والإنتقام لأن الدين جاء رحمة للناس كلهم وقد لخّص الله رسالة نبيه قائلا (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ولم يقل للمسلمين خاصة بل للعالمين جميعا ليكون الدين رحمة ومحبة فى التعايش والتراحم والتآلف والإنسانية.

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | Leave a comment