وجه الطفلة والملعقة!

ثريا الشهري

من فتوى شيخ بلزوم جلوس الفتاة بعيدة من أبيها، لئلا يشتهيها، إلى أخرى لشيخ بتغطية وجه الطفلة الفتنة، لئلا تُشتهى… علينا -والمنطق هذا- أن نطالب أهل الطفل الفاتن بحجب وجه صبيهم حتى لا يشتهيه المتحرشون، الذين ربما كان أبو الطفل من ضمنهم. ولكن كيف نمنعه عنه في البيت؟ إلاّ أن نحجب كل من البيت بمن فيهم القطة الفتنة البيضاء.

ومن عالَم الفتنة إلى عالم الأدب، حيث تقول أحلام مستغانمي في إحدى رواياتها: «قادتني أفكاري إلى مشهد شاهدته يوماً في تونس لجمل مغمض العينين، يدور دون توقف في ساحة سيدي بوسعيد، ليستخرج الماء من بئر أمام متعة السواح ودهشتهم. استوقفتني يومها عيناه، اللتان وضعوا عليهما غمامة ليتوهم أنه يمشي إلى الأمام دائماً. ويموت دون أن يكتشف أنه كان يدور في حلقة مفرغة، وأنه قضى عمره دائراً حول نفسه! أترانا أصبحنا ذلك الجمل الذي لا يكاد ينتهي من دورة حتى يبدأ أخرى، تدور به بطريقة أو بأخرى حول همومه الصغيرة اليومية؟ وهذا الوطن من أين له هذه القدرة الخارقة على لَيِّ المستقيمات وتحويلها إلى دوائر… وأصفار».

لو نظرت إلى طقم الشوَكِ والملاعق والسكاكين الموقع باسم المهندسة المعمارية زها حديد، ستعقدك الدهشة من إبداع المرأة في أمر بدهي كالشوكة والسكين! ذلك أنها مسلّمات اعتدنا عليها في شكلها المتعارف عليه، ولا تتوقع أن يكون لها ابتكار مختلف. ولكنْ لعقل زها رأي آخر. فما الشيء المشترك بين أقوال الشيخين وملاعق وشوك زها؟ كلاهما أعادا صياغة البدهي ولكن باتجاهين مختلفين، فكما لا يخطر في بالك أن الملعقة يمكن أن تخلّق بصورة أخرى، كذلك الأمر مع فكرة اشتهاء الرجل للمرأة، فليس من الطبيعي أن يمر ببالك أن يشتهي الأب ابنته، وأن يحجب وجه الطفلة الصغيرة فلا يشتهيها الذكر، فإن فكرت فأنت كمن يعيد صياغة البدهي، وهو هنا مرتبط بالفطرة. وهو ابتكار أيضاً، ولكن في التخلّف طبعاً.

هل يمنع أن يكون الرجل زوجاً ورب أسرة وصاحب أعمال اقتصادية ولكنه في الأصل مريض بنفسه؟ هل يمنع أن تكون المرأة أماً وزوجة ومحاضرة في الجامعة أو سيدة في الأعمال التجارية، ولكن في الأصل عليلة بنفسها؟ الأكيد أنه لا يمنع كونُك شيئاً أن تكون شيئاً آخر، فما المانع إذاً أن يكون المرء مشتغلاً بأمور الدين ولكنه مصاب بابتلاء هذا المرض النفسي؟ فمن منّا محصن من العلل النفسية؟ ومن منّا خالٍ من عقدها على اختلافها وأحجامها؟ فلِمَ وهذه حقيقة إنسانية تسري على جميع البشر، نأتي على فئة بعينها ونستثنيها من السُنّة العامة؟ فهذا شيخ دنيا، ولكنه مريض نفسياً بواقع أقواله وتصرفاته، وهذا شيخ دين ولكنه مريض نفسياً، وأيضاً بواقع ما يصدر عنه، وهو لا ينتقص من هيبة الدين شيئاً، لأنه لا يتعلق بالدين أصلاً، وإنما يمس الإنسان من حيث هو بشر، ولو لم يكن شيخ دين ومريضاً نفسياً، فسينحو منحى آخر في الحياة «وبرضو» سيكون مريضاً نفسياً.

كلما ارتفع وعي المرء ونضجه في استيعاب الأمور، تخفّف من حساسيته في التقويم، وكان «فلتره» أفضل فاعلية وتمحيصاً من «فلتر» غيره، فلا يعني وفاؤنا أن نعمى عن العيوب ونتجاوز الأخطاء، لأننا بذلك إنما نخون أمانة الوفاء، ولكل الأوفياء لهذين الشيخين، عليهم تقديم النصح الخالص لهما، وأول بنوده أن الاستعراض ومسرحيات الشهرة لا تكون على حساب الدين، ولكن على حساب رصيدهما -ومن كان على شاكلتهما- لدى جمهورهما، وعلى حساب اختلاط الصالح بالطالح فيضيع هذا بذاك!

يوافق الفيلسوف مسكويه موقف الكندي في أن معرفة الذات تمرّ من خلال معرفة الآخرين لنا، فالإنسان ميّال بطبيعته إلى حب النفس وطمأنتها، ولذاك يحاول مجاملتها، فلا يدينها ولا يكاشفها بأخطائها (إلاّ من رحم ربي)، بل قد يقلل منها ومن نواقصه إلى حد عدم الاعتراف بهما. أمّا فضيلة الشجاعة والصدق مع النفس، فتكون نتيجة التقدير الصحيح لمواضع الأمور. وفي كل الأحوال، فمبدأ الشفاء يتلخص في كلمتين: الرصانة العقلية!

*نقلاً عن “الحياة” اللندنية

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | Leave a comment

مقبرة «الزواج المدني»

سوسن الأبطح: الشرق الاوسط

الفتوى الاستباقية لمفتي الجمهورية اللبنانية محمد رشيد قباني، التي أطلقها الأسبوع الماضي، إن كان الهدف منها، فرملة الزواج المدني، فقد جاءت بنتائج عكسية. ليس فقط أن مجموعة كبيرة من الشباب اللبناني، ثارت وفارت تريد أن تتزوج مدنيا، مهاجمة المفتي ومطلقة حملات ضده، بل إن السياسيين أنفسهم الذين كفرهم الرجل في فتواه سلفا، تمرد بعضهم حد المجازفة وركوب المغامرة، في سبيل الرد عليه. فقد حكم سماحته على أي مسؤول يوافق على الزواج المدني – ولو اختياريا – بأنه «مرتد وخارج عن دين الإسلام، ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين». مشكلة الفتوى ليست في مضمونها الأساس الذي سبق أن سمعناه تكرارا من رجال الدين، وإنما بتوقيتها، وبلوغها حد التكفير والحرمان من الغسل والتكفين، اللذين أثارا جل التعليقات وأكثرها حدة. فأحد من المسؤولين المسلمين لم يكن قد تفوه بكلمة بعد – سلبا أو إيجابا – ردا على حماسة رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان لإقرار قانون بهذا الشأن، لحظة أطلق قباني فتواه الصاخبة. وما كان من المتوقع أصلا من رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، أن يكون أشجع من سابقه رفيق الحريري الذي أجهض مشروعا مماثلا، بعد أن وصل إلى طاولة مجلس الوزراء للتصويت عليه عام 1998، رغم حماسة إلياس الهراوي الجامحة له يومها. المفتي قباني، المقبل على انتخابات كاسرة وحاسمة، والمتأزم من خلافاته الحادة مع مجلس الإفتاء، لا بد وجدها فرصة، لإثبات أنه حامي حمى الطائفة، قبل أن تخمد عاصفة الزواج المدني. وهي هبت وقويت إثر إقبال الشابين نضال وخلود على عقد زواج مدني في لبنان، طالبين تسجيله رسميا، ولا يزالان ينتظران الموافقة من عدمها. وكان هذا الحدث، الذي سوق إعلاميا، مناسبة مواتية، ربما، لرئيس الجمهورية ليبدي رأيه، ويذكر بأن ثمة ملفا قديما لم يبت ويتوجب طرحه من جديد، فإذا بسماحة المفتي يتلقفها طازجة، ويصدر فتواه الصادمة.

لكن قبل تلقف المفتي للقضية وتسخيرها انتخابيا وسياسيا، لا بد من التذكير بأن العروس خلود تعترف بأن هذا العقد أبرم بتشجيع ودفع من إحدى جمعيات المجتمع المدني في لبنان، ولم يأت عفو الخاطر. وبصرف النظر عما إذا كنا مع هذا الصنف المدني من الارتباط الزوجي أو ضده، فإن إجراء العقد لم يأت بمحض مغامرة ذاتية، وإنما بدفع من هيئات ممولة من الخارج، كما أن الوقوف معه أو ضده، من قبل السياسيين وحتى رجال الدين، يأتي محمولا على مصالح آنية، وغايات انتهازية.

رئيس الوزراء، نجيب ميقاتي، الذي لا يريد أن يخسر صوتا واحدا في انتخابات مطلع الصيف المقبل، وجد حيلة ذكية، كي يتهرب من الجواب الصعب حين قال إن «أولويات المرحلة لا تسمح بفتح مواضيع سجالية وخلافية جديدة، وإن موضوع الزواج المدني لا يمكن أن يتم التعامل معه كمقاربة من أعلى إلى أسفل، بل هو يحتاج نيل إجماع كل المكونات الوطنية حوله». أما النائب سعد الحريري الذي يحضر لعودته إلى لبنان، فضرب عصفورين بحجر واحد، وهو يقول إنه شخصيا مع الزواج المدني، لكنه لا يتزوج مدنيا ولا يقبل بأن يتزوج أولاده مدنيا. وقال الحريري: «تكفير الناس ممنوع. ففي إندونيسيا وتركيا وماليزيا، التي هي دول مسلمة، وملايين المسلمين فيها تحت الزواج المدني، هل يكفرهم المفتي؟ كيف ذلك؟»، هكذا أرضى الحريري كل الأطراف، وسدد سهما للمفتي المرتد عن حلفه الحريري القديم. لكن، لم يجب الحريري عن السؤال الجوهري التالي: «هل يقبل بإقرار قانون الزواج المدني رسميا لو كان رئيسا للوزراء؟»، بطبيعة الحال هكذا خطوة ستفقد أي مغوار يقبل عليها ربما نصف شعبيته، وهو ما يعقد مهمة أي رئيس وزراء تسول له نفسه مشاكسة طائفته.

يعرف سماحة المفتي، لا شك، أن الطائفة الشيعية لا تقبل بالزواج المدني، وأن الكنيسة المارونية لا ترضى بإقراره من دون أن تسبقه موافقة على قانون مدني للأحوال الشخصية (وهو أمر بعيد المنال)، لذلك ربما، سبق الجميع وأفتى. فثمة فرص لا تتكرر مرتين.

قد يبدو الزواج المدني تفصيلا صغيرا، أمام الغارة الإسرائيلية على سوريا، أو المعركة الدموية ضد الجيش اللبناني في عرسال، أو حتى إقرار قانون انتخابي ينقذ لبنان من بحر الدماء المحيط به، إلا أن الوسائل الإعلامية اللبنانية، تتمسك بإبقاء زوبعة الزواج المدني مستمرة وعاتية. أمر يشجع أنصاره، على السير قدما، وتصعيد خطواتهم، مستغلين ضعف ساستهم في الموسم الانتخابي، معلنين لائحة سوداء، تظهر أسماء السياسيين المعادين للمشروع لحرمانهم من أصواتهم الانتخابية.

الـ«فيس بوك» كشف ازدواجية البعض، فآلاف اللبنانيين الذين تزوجوا مدنيا خارج لبنان، ويحق لهم تسجيل زيجاتهم في وطنهم، بدأوا بوضع صورهم على صفحة «تزوجنا مدني… ع قبالكن». فما هو بيت القصيد، إذن، من كل هذه المعركة المفتعلة؟ إما أن الزواج المدني ممنوع على اللبنانيين أو أنه مقبول؟ وبما أن أكثر من عشرة ملايين لبناني يعيشون خارج وطنهم وغالبيتهم في دول أجنبية تعتمد الزواج المدني، بينما أربعة ملايين فقط في لبنان، قد تظهر إحصاءات جدية تجري، أن الغالبية الساحقة من هؤلاء يتزوجون مدنيا. هذا النفاق يصبح أكثر حدة، حين نعرف أن وزيرين في حكومة سابقة صوتا ضد الزواج المدني رغم أنهما يعيشان زوجيا في ظله. ونواب كما وزراء حاليون، متزوجون هم أو أولادهم مدنيا ومع ذلك يرفضون تأييد صدور قانون يبيحه لغيرهم.

بدأ التحضير لعرس جماعي، يشارك فيه فنانون كبار، وتموله شخصيات معروفة، يوم ذكرى الحرب الأهلية اللبنانية في 13 أبريل (نيسان) المقبل وسط بيروت، حيث سيرتبط الأحبة بعقود مدنية، ويطلب من الدولة اللبنانية تسجيلها. القصد إحراج المسؤولين وإسقاط الأقنعة على مسافة أقل من شهرين من بدء عملية الاقتراع. الظريف أن قضية المناداة بالزواج المدني لم تعد مجرد قناعات مدنية، بقدر ما هي موضة شبابية يريد أن يلتحق بها كثيرون، لا مشكلة لهم مع الزواج الديني، بقدر ما هم محمولون بفكرة يروج لها باحتراف. هذا التيار يكبر في لبنان ويتحد مدفوعا من هيئات المجتمع المدني الممولة أوروبيا وأميركيا في غالبيتها الساحقة، مقابل تكتلات دينية مختلفة المشارب لا تنقصها التمويلات الخارجية هي الأخرى. فمن يدفع ويمول باتجاه وضع الطرفين المتناقضين في مواجهة مفتوحة؟ إنها حرب على هامش حروب كثيرة، منها الظاهر والخفي، تبدو في ظاهرها ظريفة خفيفة، لكنها تخفي غابة من التعقيدات والدلالات الخطيرة. ألم ينتصر المفتي، بفتواه، من حيث لا يعلم، للزواج المدني ويمنح أنصاره الحجج والبراهين على أن رجال الدين يتحكمون فيهم؟ أما كان من الذكاء أن ينتظر مواقف السياسيين التي لن تجرؤ على تخطي أمزجة طوائفها؟ أم أن كل شيء يجب أن يستغل وتفوح منه رائحة السياسة غير المستحبة، بما في ذلك الزواج وإنجاب الأطفال والتغسيل والتكفين ودفن الموتى؟

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | 1 Comment

الأسد وجليلي.. ومعاذ وبايدن!

 طارق الحميد: الشرق الاوسط

يبدو أننا ندخل مرحلة سياسية جديدة في الأزمة السورية، ستكون معقدة كما سبقها من مراحل، لكنها مهمة جدا، ويمكن قراءتها من خلال الاجتماعات الأخيرة، والصور، بالنسبة لكافة الأطراف السورية، سواء من المعارضة، أو النظام.

 ففي الوقت الذي يظهر فيه بشار الأسد مع الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد جليلي نجد رئيس الائتلاف السوري الوطني معاذ الخطيب يلتقي نائب الرئيس الأميركي، ووزير خارجية روسيا، وكذلك وزير الخارجية الإيراني، وهنا يظهر أن المعارضة السورية تحقق انفراجة دولية كبيرة سواء مع أميركا، أو مع حلفاء الأسد، ومنهم إيران وروسيا، بينما لا يزال الأسد يتقوقع يوما بعد الآخر مع الإيرانيين، حيث لا يلتقي غيرهم، ولقاءاته معهم شبه منحسرة على مستشارين، وأمنيين، وكما كان نظام الأسد نفسه يفعل مع اللبنانيين، حيث كان يبعث لهم رستم غزالي، أو غيره من رجال مخابراته، يوم كان يدير اللعبة بشكل كامل في لبنان، حيث باتت سوريا اليوم لإيران كما كان لبنان للنظام الأسدي.

 وبالنسبة للقاءات الخطيب فإنها لا تعني بالطبع أن المعارضة تحصل على كل ما تريد، لكنها تحرز تقدما حقيقيا، ولا نعلم ما إذا كانت تصريحات الخطيب حول مفاوضة النظام مجرد لعبة سياسية، بمعنى عمل سياسي صرف، أم أنها تخبط، خصوصا أن وزيرة الخارجية الأميركية المنتهية فترتها هيلاري كلينتون قد أشادت بموقف الخطيب وقالت إنه «ليس شجاعا فحسب، وإنما ذكي أيضا».

 واللافت أنه في الوقت الذي يلتقي فيه وزير خارجية إيران الخطيب تقوم طهران بالرد على الإسرائيليين، إعلاميا، بعد الغارة الأخيرة، وبحدة تفوق حدة الأسد نفسه الذي اكتفى بالقول إن نظامه قادر «على التصدي لأي عدوان إسرائيلي»، بينما يقول المساعد الإعلامي لرئيس هيئة الأركان الإيرانية العميد مسعود جزائري إن رد سوريا على الغارة الإسرائيلية «سيدخل الكيان الصهيوني في حالة غيبوبة»، وهو ما لم يقله الأسد نفسه، مما يظهر أن الأسد بات مرتميا بأحضان الإيرانيين لدرجة أنهم هم من يصرحون عنه، وحتى في الوقت الذي يلتقون فيه الخطيب.

 ومن دون شك فإننا أمام عملية تفاوض، وبيع وشراء، جادة تتم بالملف السوري، وبمشاركة أميركا وروسيا وإيران، والإشكالية هنا، وتحديدا مع موقف إدارة أوباما المتماهي، أن تكون عملية البيع والشراء هذه قائمة على أن تضمن روسيا وإيران مصالحهما لتتم عملية الانتقال السياسي في سوريا، وهنا تكمن الخطورة، خصوصا أن ليس لإيران مصالح حقيقية بسوريا، وإنما مطامع لتعزيز نفوذها في المنطقة، وعلينا هنا أن نتذكر أن طهران تتحرك بملفين متوازيين؛ الملف النووي، وملف الأزمة السورية، أي عملية مساومة واضحة.

 ولذلك فإن الأزمة السورية تدخل مرحلة سياسية جديدة لا شك، خصوصا مع الغارة الإسرائيلية، لكنها مرحلة حرجة قد ينتج عنها رحيل الأسد صحيح، لكن الخوف هو من مرحلة ما بعد الأسد، خصوصا أن الطبخة تتم بحضور روسي قوي وغياب عربي واضح.

 tariq@asharqalawsat.com

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | 1 Comment

The Islamic Dilemma – 01


The Islamic Dilemma – 01 – Introduction to the Show
The Islamic Dilemma – 02 – Backgrounds of the Quran – Ep1

Posted in English, يوتيوب | Leave a comment

دمشق عبد القادر الجزائري والضمان ضد الفتنة

هاني فحص

 سرت نار الفتنة عام 1860 من لبنان الى دمشق، وابتدأت في شوارع دمشق ممارسات مثيرة من قبل الغوغاء، فاغتمّ الأمير عبد القادر الجزائري لخراب البلاد، وحاول مع الوالي أن يجنّب دمشق هذا المنزلق فلم يوفق. وتفاقمت الأمور ونادت الدهماء بالجهاد وشرعوا بالقتل والنهب والإحراق. فركب الأمير الى محلة النصارى ناصحاً ولكن عاد فاشلاً، فأخذ يرسل المغاربة الى المحلة لإخلاء الناس من الكنائس والأقبية، فحاول السفهاء الهجوم على قصره فصدهم، فتحولوا عنه الى الأعيان الذين اقتدوا به وجمعوا النصارى عندهم، لأخذهم منهم، فأرسل المغاربة لمنعهم، ولما غصت دوره بالنصارى أخذ بإرسالهم الى القلعة بالتفاهم مع الحكومة، وكان عددهم الإجمالي 15 ألفاً يقوم بنفقاتهم جميعاً، وعندما ضاقت الأمور أرسلهم جماعات جماعات الى بيروت بناء على طلبهم، الى حضرة فؤاد باشا وزير الخارجية العثماني، فأنشأ محكمة عرفية فامتلأت السجون بالمطلوبين، وردت المسلوبات وقُتِل من ثبت عليه القتل أو قامت البينة على دوره في اثارة الفتنة، ونفيت جماعة من الأعيان والعلماء لتقصيرها في كف أيدي الغوغاء، وأشخَصَ عامةُ الزعماء وأعوانُهم الى الأستانة، وحُكم على أحمد باشا والي دمشق ورؤساء الجند بالقتل ونفذ فيهم ذلك. وعندما وصلت صورة ما فعله الأمير الى السلطان، أنعم عليه بالنيشان المجيدي بفرمان صورته: «قد أحاط علمي الشريف السلطاني بحال الحمية الدينية الثابتة في أصل فطرة الأمير… قد اضطره إخلاصه لاستعمال الهمة والغيرة في تخليص عدد كثير من تبعية دولتي العلية في الشام، من بعض ذوي التوحش الجاهلين بالوظائف العلية الاسلامية والأحكام الجليلة الشرعية… وأحسنت اليه بنيشاني المجيدي الهمايوني من الرتبة الأولى (صفر الخبر سنة 1277)» .

ثم وصل الأمير مكتوب من الصدر الأعظم، عالي باشا، جاء فيه: «لما طرق المسامع السلطانية خبر الفتنة التي وقعت من أراذل الناس في الشام الشريف بهجومهم على الأهالي النصارى الطائعين الذين نفوسهم وأعراضهم وأموالهم ـ بمقتضى الشريعة الغراء الاسلامية – نفوسنا وأعراضنا وأموالنا، وتجاسرهم على حركات مخالفة للشرع كسفك الدماء وهتك الأعراض ونهب الأموال… فالتأثر العظيم… كان في الدرجة القصوى، ولذلك اقتضى الأمر ارسال دولتلو ناظر الخارجية، ابتغاء اجراء التأديبات القانونية وعمل ترضية للملة ولأهل الانسانية، وبما أنه قد تحقق أن ذاتكم قد توفقتم لتخليص الألوف المظلومين من أيدي القتلة الخاسرين فاستحقيتم لدى الحضرة الملوكية فرط المحظوظية والتحسين وقد أُرسل ـ الوسام – لطرفكم الشريف، وقد غدوت بغاية الممنونية لوجودي واسطة… واختتم مقالتي بالتهنئة الخالصة والتأمينات الاحترامية… أفندم 7 صفر 1277».

وتواترت على الأمير رسائل التهنئة والشكر من سائر الدول مع النياشين، فكتب وزير خارجية فرنسا يخبره بأن الامبراطور «يشعر بداعٍ ذاتي يدعوه الى أن يخبركم عن فرحه الشديد بإجراء ما أجريتموه، وأنا أرجوكم قبول التهاني الشخصية مني. 31 أغسطس 1860». ثم حضر كبير المترجمين في الحكومة الفرنسية مبعوثاً من الامبراطور وقدم الى الأمير نيشان «الليجون دونور» المرصع من الرتبة الأولى. وأرسل غليوم ملك بروسيا نيشان «صليب النسر الأحمر» من الطبقة الأولى مع ختمه الملوكي 12 أكتوبر 1861. وكذلك أرسل اسكندر الثاني قيصر روسيا نيشان «النسر الأبيض» أعظم نياشين القيصرية مشيداً بشهامته، مؤكداً محبته له – في كانون الثاني 1860.

وأرسل ملك ايطاليا فكتور عمانوئيل رسالة مطولة امتدح فيها محبة الحرية واعتبره في عداد المقاتلين لاستقلال الشعوب، وأرسل مع اثنين من ضباطه «نيشان موريس واليعازر» أقدم نياشين الفروسية مع تمام محبتي – تورين ايلول 1860.

وأرسل «اوتون» ملك اليونان الى الأميرِ نيشانَ المخلص من الرتبة الأولى الملوكية، والمؤرخ في تموز 1833. أثينا ـ أيلول 1860.

وأرسل قنصل انكلترا في دمشق برسالة تقدير وشهادة مستفيضة الى الأمير. وبعدها بعثت الملكةُ بندقيةً كتب على ظهر صندوقها: «من حضرة جلالة ملكة المملكة المتحدة الى صاحب السمو… تذكاراً للمساعدة الخيرية المبذولة للمسيحيين في دمشق… سنة 1860… وانه ليؤسفنا ان يعوزنا السفهاء منا لهذه الشهادات، وكأن أهل الخير والحمية والاعتدال والشهامة فينا استثناءات تستحق التنويه، في حين انهم خلاصة مركزة لمزاجنا الشعبي وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا وثقافتنا… والآخرين من أهل الفتنة والوقيعة والجريمة هم الاستثناء المرذول الذين لا تلبث حالة السلم الأهلي أن تكشف حجمهم وقيمتهم المتدنية… ونحن نتذكر الأمير وشهامته، نتحسر على الدم الجزائري المستباح الذي لم يتيسر له حتى الآن أمير يمنع هدره لصالح الشيطان».

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | Leave a comment

خامنئي والانتخابات الحرة

محمد إقبال

لا يجب عليهم ان يقولوا بشكل متواصل أن الانتخابات يجب أن تكون حرة، فمنذ الثورة كانت لدينا 34 عملية انتخابية وايا منها لم تكن حرة؟!». هذا كلام علي خامنئي في خضم “حرب الذئاب” المستعرة داخل نظامه على الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران في يونيو المقبل.

ان كاتب هذه السطور كان قبل 33 عاما احد الاعضاء السبعة في اللجنة المركزية لمراقبة اول انتخابات برلمانية في إيران بعد الثورة، ويذكر جيدا بالتفاصيل عمليات الغش والتزوير في عملية فرز الاصوات في هذه الانتخابات.

وقبل أول انتخابات برلمانية في إيران كان لدينا أول انتخابات رئاسية، حيث اضطر الخميني الى اصدار فتوى تمنع رسميا ترشيح السيد مسعود رجوي قائد مجاهدي خلق، خوفا وفزعا من الترحيب الشعبي الواسع بمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية والذي كان يزيد من احتمال انتخاب السيد رجوي ولا سيما أن الحزب الحاكم التابع للخميني أي الحزب الجمهوري الاسلامي بزعامة خامنئي آنذاك لم يكن يتمكن من تقديم مرشح واحد للانتخابات.

غير أنه وفي أول انتخابات برلمانية في إيران اضطر الخميني هذه المرة أيضا وخوفا من الترحيب الشعبي الواسع بمجاهدي خلق أن يقبل مشاركة مرشحي المعارضة في الانتخابات.. وفي حينها كانت هناك صحف تنشر بحرية وكان يوجد هناك بعضا من الحرية النسبية، ولم يكن اخطبوط الخميني بعد قد تمكن من السيطرة على جميع الاجهزة. اذن كان مرشحو مجاهدي خلق وسائر التيارات المعارضة تكسب الاصوات. وكان إجمالي اصوات مجاهدي خلق وحسب الاحصائيات الرسمية المعلنة من قبل وزارة الداخلية اكثر من 25 بالمئة من اصوات المقترعين، غير أنه وخلافا للسياقات الموجودة في جميع البلدان التي لها نظام برلماني، لم يسمح الخميني أبدا بدخول نائب وممثل واحد من مجاهدي خلق الى البرلمان. وكاتب هذه السطور وعند زياراته المفاجئة وتفقده لمراكز الاقتراع بصفته عضوا للجنة المركزية لمراقبة الانتخابات البرلمانية يذكر مشاهد صناديق الاقتراع من المقرات التابعة كيف كانت تحل محل الصناديق الرسمية وسط الاحتجاجات المتكررة على عمليات التزوير والغش الموسع التي كانت تؤدي بالنتيجة النهائية الى انتخابات غير شرعية وغير قانونية، وهذا موثق ومنشور في وسائل الاعلام آنذاك وبشكل موسع.

وبالرغم عمليات الغش والتزوير هذه كانت الاصوات المعلنة لصالح السيد مسعود رجوي من قبل وزارة الداخلية اكثر من 532 ألف صوت، حيث كان متقدما وفي صدارة المرشحين في اليومين الأولين لفرز الاصوات وتم اعلان هذا ايضا. غير أن الخميني لم يفكر ابدا في أن يرى في البرلمان زعيم المعارضة الديمقراطية آنذاك الذي كان يحظى بتأييد جميع الاقليات الدينية والقومية، الامر الذي جعله يمنع وصوله إلى مجلس الشورى وبشتى انواع الغش والتزوير.

ونعود إلى كلام خامنئي، حيث وبشهادة جميع الذين كان لديهم معرفة ولو بسيطة خلال الاعوام الـ34 الماضية في الشؤون الإيرانية لم تكن تجري في إيران ولو انتخابات واحدة حرة، ولم تكن تقبل الدكتاتورية الحاكمة في ايران ولو لمرة واحدة مراقبا دوليا واحدا.. والفضيحة التي كشفت أمر النظام في مهزلة الانتخابات الرئاسية في العام 2009 ولم تكن إلا صراعا بين اجنحة في داخله، حيث تدفق المواطنون إلى الشوارع مستغلين الشرخ الذي حدث في رأس النظام رافعين شعارات اسقاط النظام برمته، نعم هذه الفضيحة لا تحاج إلى ايضاح، وادعاء الولي الفقيه بأن الانتخابات في إيران بعد الثورة «كانت جميعها حرة» لا يثير الا استهزاء الإيرانيين والمعنيين بالشأن الإيراني.

ولكن صلب الموضوع في الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران يعبر عن عجز فاضح للنظام في إيران. فهناك احتمالان في الانتخابات المقبلة: الأول هو أن الولي الفقيه ومثلما فعل في العام 2005 سيأتي بعنصر تابع له كأحمدي نجاد وهذا الشخص لن يكون لديه “رفسات” مثل رفسات أحمدي نجاد، غير أن الخصوصية البارزة لمنصب رئاسة الجمهورية في إيران هي أنه من يجلس على كرسي الرئاسة سيضطر حتما الى مواجهة مع الولي الفقيه مثل ما يحدث اليوم بين نجاد والولي الفقيه.

والاحتمال الثاني أن خامنئي سيقبل لنظامه أن يكون ذو رأسين أو ثلاثي الرأس ويتراجع من نظام احادي القاعدة له.. وواضح جدا إن هذا التراجع في حالة وقوعه سيؤدي إلى الشرخ والانشقاق في رأس النظام والانتفاضة الشعبية العارمة بشكل سريع.

والوجه المشترك للاحتمالين المذكورين هو عجز وضعف الولي الفقيه وهو الامر الذي نتج عن المرحلة الصعبة التي يعيشها النظام الإيراني الان، أي مرحلة السقوط. إن هذا النظام يقترب من نهايته. وإن الأزمات الداخلية المستعصية التي تحيط بهذا النظام وقرب انهيار النظام الحليف له في سوريا جميعها تؤكد أن ايام هذا النظام باتت معدودة. إذن يجب وبكل قوة من المجتمع الدولي ان يسير باتجاه الاعتراف بالبديل الديمقراطي لهذا النظام أي المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية وعموده الفقري منظمة مجاهدي خلق.

* خبير إستراتيجي إيراني

m.eghbal2003@gmail.com

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

ها أني انضم الى اتباعك يامولانا النجفي

منذ سنوات طويلة والحزن يلف بي ويدور.. التجأت الى اصدقاء الفيسبوك علهم يسمعوني خبرا مفرحا فكانوا اكثر حزنا مني.. لجأت الى دفتري القديم حيث كتابات الانشاء والتعبير،عمرها الان 40 سنة، لعلي استمد منها بعض الفرح ولكن لاسبيل.

طويت حزني وقررت الاعتكاف حين يفعل الله امرا كان مكتوبا.

في هذا الصباح زّف لي احد رجال المرجعية الدينية في النجف الاشرف خبرا جعلني ارقص فرحا واهلهل رغم اني لم اجرب الهلهولة من قبل.

انه الشيخ بشير النجفي،حماه الله واكرم مثواه، فقد صب ماءا قراحا على قلوب الفقراء والغلبانين واصحاب المشاحيف واهالي قرية “جهنم” التي تبعد 40 ميلا عن مركز البصرة.

صدقا سأزيد عدد اتباعك واحدا، فلي الفخر الان ان اكون احد اتباعك وليذهب اللصوص الى الجحيم.

اليوم سيبتهجون اتباعك وسيحسوا بالفخر حين يرون ان مرجعيتهم كسرت كل الحواجز واعلنت موقفها من هؤلاء اللصوص وهي اول مرجعية تفعل ذلك.

فتواك مولانا الكريم سيكون لها صدى رائع فقد افتيت “بحرمة أنتخاب من هم الان بموقع المسوؤلية” ووصفتهم “بشلة من الفاسدين والمفسدين والمجرمين والظالمين ,وأنهم لم يقدموا للشعب شئ يذكر سوى النهب لخيرات العراق وازدياد أعداد المظلومين والمعدمين من الشعب”.

ولأني عراقي ،مولانا الكريم” واعتنق مثل غيري نظرية المؤامرة فاريد من سماحتكم ان يتسع صدركم لأسال سؤالين لاثالث لهما:

1-اخاف على خزينة الدولة ان تفرغ تماما قبل ان يودع هؤلاء اللصوص كراسيهم.. فاحد اولاد الملحة قال لي امس ان معظم المسؤولين سيجدون عشرات الطرق” الفنية” لسرقة اكبر كمية من الدولارات قبل الرحيل.. فهل احتاط سماحتكم لهذا الامر.

2-هل تعتقدون سماحتكم ان بقية المرجعيات ستحذو حذوكم وماهو موقفكم لو انها افتت بعكس ذلك؟.

تخيل سماحتكم مدى فرحة اولاد الملحة وهم يرون اصحاب الكروش يغادرون زرافات بوابة المنطقة الخضراء التي ستصبح اكثر اخضرارا برجوعهم الى بلدان المهجر ليعيشوا على الاعانات الحكومية رغم ان حسابهم المصرفي متخم جدا.

دعني “احشم” اتباعكم وادعوهم للتظاهر تأييدا لفتواكم واذا تحججوا بأي عذر فسأخرج وحدي في ساحة التحرير ممسكا بيافطة كبيرة تحمل نص فتواك.

جدة احد اصدقائي رأتني اضحك لاول مرة منذ سنوات فهمست في اذن ابنها”اللهم اجعله خير”.

صحت: كل الخير ياجدتي فالتظاهرات وفتوى مولانا النجفي اتت ثمارها.

“ولك ابني ماقريت شنو كال السيد المدرسي؟”.

شنو كال جدة؟.

هاك الجريدة اقرأ..”إن الحكمة والرجولة لا تعني الوقوف في الشارع والتحريض ضد هذا وذاك تحت مـُسمى التظاهر، وإنما هي في اساسها وصميمها بالتعاون على بناء البلد والإسهام في تقدمه وازدهاره والتواصي بالتعاون و بالعمل المشترك”.

خلي يطير جدة.. احنا عدنه مولانا بشير النجفي.

فاصل حزروة: قال الدكتور صلاح عبد الرزاق محافظ بغداد ان” المحافظة ليست دائرة بلدية بل دائرة قانونية وادارية تعمل على تنفيذ القوانين والتعويضات عبر الوحدات الادارية بالاضافة الى انها جهة ساندة لعمل مديريات وزارة البلديات وتقوم بتزويدهم بالاليات ومبالغ التنظيف في العاصمة والدعم اللوجستي والمادي من اجل تقليل معاناة المواطنين وتحسين الخدمات “.

اذا بيكم واحد افتهم شي ارجو ان يفهمني. لأني ببساطة لا افهم مدى صلاحيات محافظة بغداد وعلاقتها بامانة بغداد. ووزارة البلديات التي مقرها بغداد.

في جنوب العراق قرية اسمها جهنم، محرومة ٌ من المرافق والخدمات الأساسية، وبالرغم وجودها في محافظة البصرة، التي يوجد فيها بعض من أكبر احتياطيات النفط في العالم، فإن القرية لا تصلها الكهرباء ولا مياه شرب نظيفة ولا خدمات صحية.

تقع قرية جهنم على بعد أربعين ميلاً من البصرة وتتألف من بضعة منازل مبنية من الطين، وتستخدم نساؤها روث الماشية الجاف وقودا للنار، يطهين عليها ويخبزن، ويعتقد سكانها أن اسمها هو الذي جلب عليها كل تلك المعاناة.

 تواصل مع محمد الرديني فيسبوك

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

عمل شاق بانتظار جون كيري في الملف السوري

ديفيد إغناتيوس : الشرق الاوسط

* نعم

* ستكون أولى مهام جون كيري كوزير للخارجية الأميركية بلورة سياسة واضحة ومتناغمة إزاء سوريا، حيث تبدو العقوبات الأميركية المفروضة على نظام دمشق ذات مردود مناقض للغاية منها، وسط المراوحة الميدانية الطاغية على مواجهات دمشق وريفها، وانهيار الاقتصاد وانحدار البلاد نحو هاوية الانقسام الطائفي.

 هذا التشخيص المأساوي للوضع السوري يستند إلى أحدث التقارير الحاصلة عليها وزارة الخارجية الأميركية من قوى المعارضة العاملة بالتفاهم مع «الجيش السوري الحر».

 إن الوضع الميداني في دمشق هو حقا في حالة مراوحة بلا حسم، فالنظام يسيطر على وسط المدينة وضواحيها الشمالية، بينما يتمتع ثوار «الجيش السوري الحر» بحضور قوي في الضواحي الشرقية والجنوبية والغربية، لكن الفساد يضرب أطنابه في الضواحي الجنوبية المحررة. واليوم، تبعا لتلخيص التقرير، حيث يمر السوريون عبر نقاط التفتيش التابعة للنظام أو تلك التابعة للجيش الحر، فإنه «يصعب أحيانا التمييز بينهما، وتضطر للتساؤل عما يريد الجيش الحر تحقيقه».

 واستطرادا، وسط تداخل خطوط الفصل وغموضها تنساب المواجهات خلسة على امتداد مناطق المدينة. وهنا تتولى القوات الموالية للرئيس بشار الأسد حراسة الحواجز ونقاط التفتيش في الشوارع الرئيسية. لكن، حسب التقرير مجددا «تظل هناك على الدوام بدائل أمام المعارضة (الثوار) لبلوغ أي نقطة داخل دمشق تقريبا». وأنا شخصيا اكتشفت يسرا وسهولة في التحرك مشابهين لذلك الحال في شمال سوريا حيث تنقلّت مع الجيش السوري الحر في أكتوبر (تشرين الأول).

 وبينما تسعى كتائب الجيش الحر للحصول على مزيد من المجندين، يقول موجز التقرير إن «الشراء بالمال» هو ما تفعله جبهة النصرة «لزيادة أعداد مناصريها وأتباعها. لقد بات الناس سوقا مفتوحة، حيث تدفع وتبيع آيديولوجيتك.. والناس ينضوون بسرعة في صفوف ما كانوا يتجرأون على الالتحاق بها من قبل».

 ويتابع التقرير ليقول إن الأطباء العاملين في المستشفيات الميدانية يشيرون إلى أن غالبية الإصابات تحدث في صفوف قوات النظام، مما يفيد بأن النظام ما زال يبقي خيرة قوات النخبة في الحرس الجمهوري كقوة احتياطية يلجأ إليها كخيار أخير.

 في هذه الأثناء يبدو أن العقوبات الاقتصادية التي دفعت الولايات المتحدة لفرضها كانت لها نتيجة معاكسة، فمثلما حصل مع العراق في عقد التسعينات، آذت العقوبات الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، بينما تركت أنصار النظام والمستفيدين منه أكثر ثراء. وهنا يصف التقرير ما حصل ويحصل بأنه «مثال ناطق للفشل»، ويشرح أنه بمقدور النظام تجاوز معظم العقوبات عبر استعمال منتجات غير أميركية وغير أوروبية.. وكبار شخصيات النظام يمتلكون وسائل وشبكات متطورة للغاية لتحريك حساباتهم ونقلها»، وبالتالي، فإن السوريين العاديين يعانون لأنهم لا يتمتعون بهذه الميزة. ويتابع التقرير «هذا الوضع أدى لنقل ثروات ضخمة من الناس العاديين إلى أنصار الحكم وأتباعه. وفي خضم الشح الاقتصادي والتمويني وارتفاع الأسعار لا يستطيع الصمود والنجاح من رجال الأعمال إلا أولئك الذين تسنادهم قوة عسكرية لحماية قوافلهم.. الطبقة الوسطى وغالبية الأثرياء خسروا سيولتهم المالية».

 في السياق نفسه، فإن نظام الأسد يفرض تقنين الكهرباء والوقود لكي يكافئ المحسوبين عليه ويعاقب خصومه. وحسب التقرير «فإن عدد ساعات الكهرباء المتوافرة لكل حي أو منطقة يتناسب مباشرة مع مستوى ولاء سكان ذلك الحي وتلك المنطقة للنظام.. المحظوظون يحصلون على التيار الكهربائي لمدة 18 ساعة يوميا، والأقل حظا يحصلون على الكهرباء لمدة ثلاث ساعات، أما أولئك الذين يجابهون النظام فليس لديهم لا تيار كهربائي ولا تغطية لهواتفهم الجوالة».

 أيضا على صعيد الوقود، فإن الحظر الأميركي على استيراد المازوت (وقود الديزل) بحسب وصف التقرير «قليل الفعالية»، ذلك أنه «لدى جيش النظام الحصة الأكبر بينما يرفع إقبال المدنيين الأسعار المدفوعة لما يتبقى منه»، وبسبب شح المازوت يضطر المواطنون الفقراء لإحراق البلاستيك وأوراق الشجر والحطب للتدفئة وحاجاتهم الأخرى.

 إن السياسة الأميركية للتعامل مع الكارثة السورية تختصر باللافعل لشهور، بينما انشغلت الإدارة بحملة الانتخابات الرئاسية، ولاحقا تعيين وزيري الخارجية والدفاع الجديدين والمدير الجديد لـ«سي آي إيه». إلا أنه ينظر إلى جون كيري على أنه الرجل الأكثر أهلية لصياغة سياسة أميركية أكثر وضوحا وأكثر حزما وصرامة، بيد أنه يقال إن الرئيس أوباما متشكك، وها هو يقول في حواره مع الـ«نيو ريبابليك» متسائلا «هل باستطاعتنا أن نغير شيئا؟».

 في رأي الثوار السوريين فإن أفعل خطوة يمكن أن تأخذها واشنطن هي تدريب مئات من عناصر الكوماندوز، الذين يصار في ما بعد إلى تسليحهم تسليحا جيدا، وبناء بنية الإمرة والتحكم التي ما زال الجيش الحر يفتقر إليها. إن من شأن قوات نخبة من هذا النوع الذي سبق لـ«سي آي إيه» إعداده وتدريبه في العراق ولبنان وأفغانستان تغيير ميزان القوى على الأرض، ليس فقط بعيدا عن قوات الأسد بل أيضا بعيدا عن جبهة النصرة.

 ولقد أبلغني أحد مصادري السوريين مؤخرا بأن «كثرة من السوريين فقدت الأمل في كل شيء، كثيرون يكرهون الأسد، لكنهم يكرهون الجيش الحر أيضا. وكل ما يرجون هو الخروج من هذا الوضع».

 * خدمة «واشنطن بوست»

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

مقعد فى المجلس.. ومقعد فى الجنة!

  أحمد عبدالمعطى حجازى : المصري اليوم

 يجب أن نعرف أن مشكلتنا الجوهرية هى الثقافة. ثقافتنا المتخلفة هى أم مشاكلنا. ونحن نعانى من التخلف فى كل مجال. فى السياسة والاقتصاد، وفى التعليم والصحة، وفى الإدارة والمجتمع، وفى القرية والمدينة، والبيت والشارع. نحن نعانى من التخلف فى هذه كلها، لأن السبب واحد. سبب الفقر الذى نعانى منه هو سبب الأمية، وسبب الأمية هو سبب الطغيان.

 ما هو إذن هذا السبب الأصلى؟

 هذا السبب الأصلى هو ثقافتنا الموروثة من الماضى الذى كنا فيه فقراء وأميين ومستعبدين دون أن نجد فى الفقر عيباً، أو فى الأمية مشكلة، أو فى الطغيان غرابة. لأن هذه الأمراض كلها كانت فى الماضى قدراً ينزل بالناس جميعاً، ولم تكن اختياراً. فالاختيار لا يكون إلا مع الحرية. والناس فى الماضى لم يكونوا أحراراً، لأن الحرية لا تكون إلا مع المعرفة. والمعرفة لم تكن متاحة فى الماضى إلا للقلة النادرة. وهى مع ذلك معرفة ظنية لا تصدقها التجربة دائماً ولا تصل إلى حد اليقين. لأن اليقين لا يكون بمنهج نخرج به من الظن إلى العلم. والعلم كان لا يزال فى الماضى طفلاً يحبو. ميراثه خرافى، وأدواته ساذجة، وأفقه محدود.

 وقد أصبحنا الآن نضيق بهذه الأمراض الموروثة التى تمكنت عندنا وتوطنت، لأننا نرى الناس من حولنا يضيقون بها. ونراهم فى الغرب والشرق يكافحونها، وينجحون فى الخلاص منها. ونحن نحاول مثلهم لكننا لا ننجح، لأننا نواجه أمراضنا الموروثة بثقافتنا الموروثة، أى بالثقافة التى أنتجتها، ومكنت لها فى حياتنا، ولهذا لا نستطيع التغلب عليها. والكثيرون منا يستسلمون لها ويرضون بها ولا يرون لأنفسهم حقاً إلا فى لقمة يسدون بها جوعهم، وهدمة يسترون بها عريهم- هدمة كلمة فصيحة، وهى الثوب الخلق، وجمعها هدوم- فإن توفر لهم هذا الحق فللحاكم أن يأمر وعليهم أن يطيعوا، أى أن يظلوا رازحين تحت وطأة هذه المشاكل التى يأخذنا كل منها على انفراد، وتصرفنا عما عداها، كأنما هى مشكلتنا الوحيدة، ولهذا نتوه فى تفاصيلها فنتصدى للجانب الذى نراه وننسى الجوانب التى لا نراها، ولا نستطيع بالتالى أن نتخلص منها، ولا نستطيع أن نسيطر عليها ونمنعها من أن تستفحل وتتفاقم هى وغيرها إلى الحد الذى نصبح فيه محاصرين بها من كل جانب غارقين فيها.

 كيف ننقذ أنفسنا من الفقر إذا كنا نعرف كيف ننجب ولا نعرف كيف ننتج؟ لا نعرف كيف نكتشف ثرواتنا، كما يكتشف الآخرون ثرواتهم، وكيف نستغلها، وكيف نضاعفها، وكيف نحرسها ونحميها من السرقة والتبديد؟

 وهل نستطيع أن نحقق التنمية الاقتصادية إذا كنا نعانى من الاستبداد السياسى؟ وإذا لم يكن من حقنا أن نختار السلطة التى تحكمنا، وأن نقيدها بقوانيننا، وأن نراقبها، وأن نحاسبها. كيف نحمى حياتنا من الأخطار، وحرياتنا من المصادرة، وثرواتنا من الفساد والسرقة والتبديد؟

 وهل نستطيع أن نحقق الديمقراطية إذا كنا لا نعرف معنى الديمقراطية، ولا نلمس حاجتنا إليها، ولا نؤمن بحقنا فيها؟ فإذا خرج علينا من يخلطون الدين بالسياسة ويحاربون الديمقراطية ويكفرون أنصارها، فهل نصدقهم فى هذه الحالة أم نكذبهم؟

 وإذا ظهر لنا مرشح يخيرنا بين هذه الديمقراطية التى نجهل معناها ولا ندرك فائدتها، وبين خمسين جنيهاً أو زجاجة زيت وكيلو سكر، هل نختار الديمقراطية أم نعض بالنواجذ على الزيت والسكر وعلى الجنيهات الخمسين والجنيهات المائة؟ فإذا خيّرنا بين الديمقراطية والجنة فهل نضحى بالمقعد المحجوز لنا فى الفردوس أم نضحى بالديمقراطية؟ وهل نستطيع أن نخرج من هذا الحصار ونحصل على المقعدين معاً، مقعدنا فى مجلس النواب، ومقعدنا فى الجنة؟ نعم بالتأكيد، ولكن بشرط هو أن نراجع ثقافتنا الموروثة وننقيها ونصححها ونزودها بالحقائق التى اهتدى لها العلم الحديث والمبادئ التى آمنت بها البشرية المتقدمة.

 وأنا أوجه الخطاب هنا للمصريين جميعاً، لأن المصريين جميعاً فى أمس الحاجة للتخلص من أوهامهم الموروثة، وفى أمس الحاجة لتبنى ثقافة هذا العصر والإيمان بقيمه ومبادئه.

 والكثيرون منا يظنون حتى الآن أن الثقافة حرفة تخص المنقطعين لها فحسب. وهذا وهم من أوهام الماضى الذى كان يخص البعض بالسلطة، ويخص البعض بالعلم، ويجعل الكدح والفاقة والقهر قدراً مفروضاً على الآخرين.

 نعم، فى الماضى لم يكن يحق للعامل أن يرشح نفسه، ولا للفلاح أن يستفتى على الدستور، فلماذا نطالبه بأن يقرأ ويفهم ويفكر ويناقش ويسأل ويجيب؟ وقد اختلف الوضع الآن، فالسلطة لم تعد احتكاراً، والعلم لم يعد أسراراً، وإنما الحياة، والحرية، والسلطة، والعلم، والكرامة، والعدل، والأمن، والسعادة حق للجميع، ولكى يحصل الجميع على هذا الحق يجب أن يعرفوه ويتبنوا ثقافته.

 عندئذ يستطيعون أن يجيبوا عن السؤال ويحصلوا على مقعدهم فى مجلس النواب ومقعدهم فى الجنة. فالجنة حق، والديمقراطية حق آخر، والحقوق لا تتناقض ولا يبطل بعضها بعضا، وإنما تتوافق الحقوق وتتكامل ويؤدى بعضها إلى بعض.

 الديمقراطية حق لأنها خير. والجنة حق لأنها الجزاء العادل للعمل الصالح. ونحن نستحقه معاً حين نعمل بالقول المأثور: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً»، فإذا كان الخير فى الدنيا لا يتحقق بالطغيان، وإنما يتحقق بالحرية، فالحرية خير والديمقراطية إذن خير.

 والديمقراطية هى أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، لأن الشعب يعرف واقعه ويرى ما فيه من عيب ونقص وما يحتاج إليه من تصحيح وتصويب، وقد أعطانا الله عقلاً نفكر به، وضميراً نرجع إليه، وذكاء يساعدنا على استخلاص العبرة والانتفاع بالخبرة، فإذا احتكمنا لعقولنا وضمائرنا وانتفعنا بذكائنا وثقافتنا فنحن نحتكم لما زودنا الله به من المواهب والطاقات. إن اخترنا نوابنا وحكامنا فنحن على حق، وإن وضعنا القوانين لأنفسنا فنحن على حق، وإن أصدرنا حكماً فى قضية من قضايانا فنحن على حق، لأن الطبيعة البشرية خيرة، ولأن العقل عدل، ولأن العلم نور.

 لكن الطغاة الذين توارثوا الطغيان جيلا بعد جيل يخافون من الديمقراطية ويشنون الحرب عليها ويزعمون أنها خروج على شرع الله، الذى يمثلونه هم ومن يستخدمونهم ويستأجرونهم من رجال الدين، فعلى الناس أن يمتثلوا لهم، وأن يسمعوا ويطيعوا. فإن كنا فى السياسة أميين، وفى الدين مقلدين، فكيف نواجه هذا المنطق؟

 ليس هناك إلا طريق واحد، أن نخرج من ثقافة الماضى وندخل فى ثقافة العصر الذى نعيش فيه.

 ثقافة الماضى هى ثقافة الطغاة وسلاحهم الموجه لصدورنا. هى أسماء الطغاة وأزياؤهم، ولغتهم ومنطقهم، ونظمهم وبرامجهم. وثقافة العصور الحديثة هى ثقافتنا التى نعرف بها الحق، ونمتلك الشجاعة، ونحصل على ما نريد

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

مـاذا يـريـد المـتـعـصـبـون والمتطرفـون من المسيحيين؟

 عبد الحسين شعبان: السفير

 لعلّ السؤال الذي واجهني بأشكال مختلفة ومتعدّدة وأنا أتحدّث أمام جمع من المسيحيين العراقيين في المنتدى الثقافي السرياني بعينكاوا في إربيل، أهو ربيع عربي حقاً؟ إذاً كيف يكون خريفاً للمسيحيين يستهدفهم في أمنهم وأمانهم وحياتهم وممتلكاتهم، ويدفع بهم لمغادرة بلادهم إلى المجهول؟

إن استهداف المسيحيين هو إحدى مفارقات الربيع العربي، فبعد إقصاء وتهميش مُزمِنَين، تجلّيا باللامساواة والتمييز والمواطنة الناقصة أو المبتورة، وإذا بهم يفاجأون ويؤخذون، ومعهم الجميع على حين غرّة، حين يتعرضون إلى حملة منفلتة لتغييبهم وإلغائهم هذه المرّة، لا سيما باجبارهم على الهجرة، وهم الذين كانوا الأكثر توقاً إلى التغيير والمساواة والكرامة الإنسانية، وأكبر أملاً في الحصول على المزيد من الحقوق والحريات.

مفاجأة أخرى غير سارّة للمسيحيين حملتها موجة التغيير، تلك التي جلبت التعصّب والتطرّف والغلو بدلاً من التسامح والتواصل والتفاعل، فإذا بهم أمام خذلان جديد وعذابات «مبتكرة»، لا سيما حين يقترن التغيير باستهداف المسيحية والمسيحيين الذين سبقوا الإسلام والمسلمين، بل والعرب أجمعين، في العيش والإبداع وبناء الحضارة على أرض هذه البلاد!

وإذا كانت الهوّية مسألة اشكالية، لا سيما إذا ما تعلق الأمر بالخصوصيات والاندماج، قد تعرّضت ما قبل الربيع العربي إلى التجاوز والاستتباع وفرض الارادة والهيمنة، فإنها اليوم تبدو وكأنها استمرار أكثر قسوة، وحرب لا ضفاف لها، خصوصاً بزعم الخضوع للأغلبية، والانصياع للأكبر وقبول الوصاية بحجة الأفضلية، ورفض التنوّع بدعاوى الوحدة، واستهجان الخصوصية بدلالة التقسيم، وهكذا.

فهل حقاً كان ربيع العرب مفارقة غير مريحة للمسيحيين؟ أم ثمة قراءات أخرى، أقلّها يمكن القول عنها: إن عملية التغيير لم تكتمل بعد وإن أعراضاً جانبية ترافق عادة عمليات التغيير الكبرى، لا سيما أن الأمر لا يتعلق بما حدث، فذلك تصوير للحدث فقط عبر عدسة مصوّر، وهي مهمة الاعلاميين، وحسب البير كامو، فإن الصحافي هو مؤرخ اللحظة، واللحظة لا تعني نهاية الحدث، بل هي بدايته.

صحيح ان الصورة خبرٌ بحد ذاته، وهو ما نردّده في الإعلام، مثلما نقول في العمل الأكاديمي ان الوثيقة خبرٌ هي الأخرى، لأنها تغني عن الكثير من المقالات والتعليقات، لتوصل إلى الدلالة والاستنتاج، لكن مثل هذه الوثيقة لا تزال في صفحتها الأولى، ولم تكتمل قراءتها الحقوقية، بشأن التجاوزات والانتهاكات أو قراءاتها التاريخية والاجتماعية، حتى وإن كان المكتوب يُقرأ من عنوانه، وان اختلفت زاوية النظر، لكن الأمر يحتاج إلى زمن لبحث ما قبله كما لبحث ما بعده، وإن كانت الفاصلة التاريخية حدثا استثنائيا بكل معنى الكلمة، والتاريخ بهذا القدر تاريخ مخادع حسب هيغل، فقد تمرّ فيه الكثير من اللحظات الماكرة.

وإذا نظرنا بعين السوسيولوجي فسيكون التحليل ناقصاً لحدث لم يكتمل أصلاً. ولعلّ وظيفة عالم الاجتماع هي التحليل ودراسة ما حدث فعلاً،، ومثل هذا سيكون قاصراً إنْ لم تنضج ظروف القراءة السليمة، لإمكانية مقاربتها بصورة صحيحة، سواء إزاء المسيحيين أم غيرهم!

القراءة الفكرية تعطي بعض الدلالات الأولية، إزاء كامل المشهد سواء لما حصل بشكل عام، أم ما تعرّض له المسيحيون بشكل خاص، من خلال تحقق، فامتلاء، وذلك عبر فرضـيات وبراهين تدعـمها معـطيات ووقائع، ليس بفصلها عن سياقها التاريخـي أو المجتمعي في لحظة من لحظات الانتقال الثوري، خصوصاً درجة الوعي وطبيعة القوى المجتمعية السياسية والدينية، لا سيما أن الثوراتِ تُخرِجُ ما في القاع من بشاعة وقبح وعنف، مثلما تُظهر ما فيه من جمال ونُبل وتسامح.

القراءة المفتوحة، لا سيّما ما حصل للمسيحيين، تجعلنا نتوقف عند أسئلة ساخنة: ماذا يريد المتطرفون والمتعصبون منهم، بعد تعايش تاريخي لآلاف السنين، وإنْ لم يكن التاريخ كلّه نظيفاً أو سليماً، فقد شهد عنفاً ضدهم مثلما عرف حالات من الإقصاء والتهميش. لكن سؤالاً مشروعاً يطرح نفسه اليوم: لماذا يرتبط غياب ديكتاتوريات وإزالة استبداد، باستهدافات خاصة «للجماعات الثقافية» ومنها المسيحيون، وهو ما يطلق عليه في الأدب السياسي المتداول إسم «الأقليات» التي لا أميل إلى استخداماتها لأنها تعني سلفاً الانتقاص من دين أو قومية أو سلالة أو لغة بحجة الأغلبية العددية، تلك التي لا تنطبق الاّ على الجماعات السياسية والحزبية والاستقطابات البرلمانية والنيابية، وليس بحساب الأديان المتكافئة والمتساوية مع بعضها، بغضّ النظر عن عدد معتنقيها.

وحتّى الأمم المتحدة التي أصدرت إعلاناً حول حقوق الأقليات العام 1992 وإعلانا آخر عن حقوق الشعوب الأصلية العام 2007 لا تزال نظرتها غير مستوفية البعد الإنساني ولا ترتقي إلى الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، بخصوص مبدأ المواطنة المتكافئة والمساواة التامة، تلك التي لا تزال شعوبنا تعاني من نقصها الفادح، وهو أمر يخص المسيحيين مثلما يخصّ الجماعات الثقافية الأخرى.

هل الهجرة هي الحل؟ ولكن لماذا يريد هؤلاء من المسيحيين أن يهاجروا؟ ثم ألا تعني هجرتُهم خسارةً لمكوّنٍ نوعيٍّ، ثقافي ومجتمعي قدّم خدماته لمجتمعه تاريخياً، سواء في التاريخ العربي – الإسلامي أم في حركة التنوير التي شهدتها المنطقة منذ القرن التاسع عشر وما بعده؟ فهل يريدون تمزيق النسيج الاجتماعي؟ وماذا يستهدفون من ذلك: هل استئصال دين أم إلغاء هوية أم إخضاع فئة بعينها؟ وهل هناك علاقة لمثل هذه التصرفات بالإسلام وتعاليمه، لا سيما ما يفعله هؤلاء المهووسون بالواحدية والإطلاقية من استنزاف للطاقات البشرية المتنوعة؟

وكيف السبيل للحيلولة دون هجرة المسيحيين؟ هل بواسطة سنّ قواعد قانونية أم بإقرار مبادئ المواطنة الكاملة والمساواة التامة أم بعقد سياسي مجتمعي؟ أم بكل ذلك وبمشاركة جماعية من القوى والتيارات المختلفة بما فيها من المجتمع المدني، لتأمين سياج قوي لحمايتهم ووضع حد لاستهدافهم، الذي لن يخدم سوى «إسرائيل» والقوى التي لا تريد خيراً للعرب ومستقبلهم، فـ«إسرائيل» منذ قيامها في العام 1948 وهي تسعى جاهدة لتصوير الصراع بأنه بين مسلمين ويهود، وبما أن عدد المسلمين في العالم يقارب المليار ونصف المليار، فإنهم إذاً يريدون «استئصال» اليهود الذين لا يزيد عددهم عن بضعة ملايين ورميهم بالبحر، وبالتالي على الغرب حماية الدولة العبرية، حسب الدعاية الصهيونية النافذة.

و«إسرائيل» لتأكيد فرضياتهـا تقوم بإجبار المسيحيين على الهجرة لتفريغ فلسطين من مكوّن أساس في مجتمعها قبل الاحتلال الإسرائيـلي، حـيث كان يربو عدد المسيحيين على 20% من سكان فلسطين، وإذا بهم اليوم أقل من 1,5% من السكان العرب في فلسطين. وفي القـدس وحـدها كان عدد المسـيحيين نحو 50 ألفا قبل الاحـتلال، في حين أن عـددهم لا يتـجاوز الخمسة آلاف بعد نحو ستة عقود ونـصف العقد من الزمان، حيث أجبرت الأغلبية الساحقة على الهجرة.

ومثل هذا الاستهداف حصل في العراق واضطرّت أعداد واسعة للهجرة إلى خارج البلاد، حيث وصل عددها نحو نصف السكان المسيحيين، خصوصاً خلال الحروب السالفة والحصار الدولي وبشكل كبير بعد الاحتلال، وهو ما حصل في لبنان حيث اضطر نحو 700 ألف مسيحي إلى الهجرة قبل اتفاق الطائف وبعده. واليوم يعاني المسيحيون في سوريا من استهداف خطير لوجودهم، خصوصاً العنف الذي تعرضوا له، مثلما تعرض له مسيحيو العراق وأقباط مصر، الأمر الذي يضع معادلة ربما أقرب إلى المفارقة بين ربيع العرب «المسلمين» وخريف المسيحيين.

استعدت في ذلك الحوار الساخن موقف البابا بنديكتوس السادس عشر الذي وقّع في بيروت «وثيقة الارشاد الرسولي» (أواخر تشرين الثاني/نوفمبر2012)، التي تضمنت مبادئ مهمة تتعلق بموضوع العلاقات الإسلامية ـ المسيحية، لا باعتبارها تاريخاًُ، بل كونها حاضراً وطموحاً مستقبلياً، سواء في الشرق أو بين دول الشرق التي أغلبيتها من المسلمين وبين دول الغرب المسيحي.

ما يحتاج إليه المسيحيون هو «التمتع بمواطنة كاملة» بحيث لا تتم معاملتهم كمواطنين أو مؤمنين من الدرجة الثانية، مثلما يحتاجون إلى مشاركة تامة، كما جاء في الوثيقة، إذْ كيف تستقيم الأخوة المنشودة التي يتغنّى بها البعض دون اعتماد مبادئ المساواة، تلك التي لا تزال غائبة ومفقودة في مجتمعاتنا العربية.

لا يكفي القول إن هناك تياراً سلفياً متعصباً لا يؤمن بحقوق المسيحيين، فالمسألة أبعد من ذلك بكثير، وعلينا الاعتراف بها ومواجهتها بشجاعة ونقد ذاتي، حيث يعود جزء منها إلى عدم قناعة أقسام واسعة من المسلمين: مؤمنين أو غير مؤمنين متدينين أو غير متدينين بمبدأ المساواة، وفي قسم آخر إلى قراءة خاطئة أو إغراضية للتعاليم الاسلامية، مصحوبة بتأويلات وتفسيرات، تعود إلى الموروث السلبي في النظر إلى الآخر تحت عناوين: «أهل الذمة» ولا «ولاية لذميّ»، بل هناك من وجّه رسائل لأعداد من المسيحيين في العراق طالباً منهم دفع الجزية أو الموت، ومثل هذه النظرة المتخلّفة لا تزال متفشية في أوساط واسعة ولدى قوى وتيارات مستفيدة من هذه المواقف.

أعتقد أن المسلم الحقيقي لن يكون مسلماً صادقاً ومؤمناً ما لم يحترم الآخر باعتباره بشراً نظيراً له في الخلق، وما يجمعهما هو الإيمان والمشترك الإنساني لا الاستعلاء أو فرض الرأي أو إملاء الارادة. ولا يهمّ العدد كثرة أو قلّة، فمسيحي واحد يمـثلّ مكوّناً، مثلمـا هو المكوّن الإسلامي، كما يمثل المسلم معادلاً للمكوّنات الأخرى. وهو الأمر الذي ظلّت مجتمعاتنا تعاني منه وهو مصدر شكوى مشروعة من لدن المسيحيين أفراداً وجماعات في المشرق العربي، سواء ما يتعلق بحقوق المواطنة أو بحق الاعتقاد وحق التعبير وحق المشاركة وغيرها.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment