القاعدة وأخواتها

باسم يوسفbasem
ما الذى تعرفه عن تنظيم القاعدة؟

حين تأتى سيرة «تنظيم القاعدة» يسرى فينا إحساس بعدم الراحة والخوف والقلق. فالتاريخ الإجرامى لهذا التنظيم يمتد من هجمات 11 سبتمبر إلى جرائم تفجير مدارس البنات فى باكستان، بل برفع أعلام القاعدة السوداء فى وسط القاهرة فى بعض المظاهرات التى كانت تجرى وقت رئاسة محمد مرسى كنوع من استعراض القوة ضد معارضى الإخوان والتيار الإسلامى.

ولكن بالرغم من وجود الكثير من المصريين والعرب على رأس هذا التنظيم فإننا لا نعرف أى شىء عن الهيكل التنظيمى ومشكلات هذه الجماعة الإرهابية.

قررت هذا الأسبوع أن أبتعد عن مشكلات الدستور والمظاهرات وما يحدث فى مصر من مصادمات فى الجامعة، فضلت أن أقرأ عن شىء مختلف.

قررت أن أعرف أكثر عن تنظيم القاعدة من زاوية أخرى. هذا التنظيم الذى تضخم وتمدد فى العالم كله قد أصابته أمراض المؤسسات الكبرى من بيروقراطية وعقم إدارى وخلاف على أولوية القيادة بين «موظفيها».

فتعال معى عزيزى القارئ و«فضى دماغك معايا» وتعال نتعرف على ما يكتب عن هذا التنظيم فى الصحافة العالمية.

فى مقاله بمجلة «فورين آفيرز»

«Foreign Affair»

يلقى «جاكوب شابيرو» الضوء على أهم نقاط الضعف للمنظمات الإرهابية وهى الحاجة لتسجيل كل شىء واستخدام السجلات والجداول لتتبع المصاريف والنقود التى تنفقها هذه الجماعات.

فمن الطبيعى لجماعات تستخدم المال لشراء السلاح والولاء أن تكون هناك رقابة صارمة على اقتصادات هذه الجماعات مثلها مثل شركة قطاع عام.

يضرب شابيرو المثل بمنظمة الألوية الحمراء فى إيطاليا التى كان أعضاؤها يقضون وقتا أطول فى الإشراف على الميزانية ومتابعة السجلات أكثر من التدريب على عمليات التفجير.

وكان المعروف عن منظمة القاعدة فى العراق أنهم من سنة 2005 إلى 2010 كانوا يحتفظون بسجلات دقيقة تحتوى على أسماء ورواتب أعضائها.

ويضرب «شابيرو» مثلا آخر بذكره لخلافات «مالية» حدثت فى التسعينيات وأظهرتها سجلات التحقيقات الأمنية. وكانت هذه الخلافات بين محمد عاطف وهو قائد بارز فى تنظيم القاعدة وبين «مدحت مرسى السيد عمر» وهو خبير مفرقعات فى تنظيم الجهاد المصرى. وهاجم عاطف تصرفات مدحت غير المسئولة لأنه فشل فى تقديم فواتير رحلة عائلية قام بها على حساب التنظيم!!!!

ومن المفارقات التى يتندرون بها على تنظيم القاعدة هو الخطاب شديد اللهجة الذى بعث به أيمن الظواهرى سنة 2010 حين كان الرجل الثانى بعد بن لادن إلى قادة القاعدة فى اليمن. وفى هذا الخطاب وجه لهم اللوم لأنهم قاموا بشراء ماكينة فاكس جديدة بالرغم من وجود ماكينة فاكس لديهم فى حالة جيدة!!!!

ربما تظن أن هذه القصص كل هدفها هو التندر والتنكيت ولكن فى الواقع فإن تنظيم القاعدة بالذات يعانى من مشكلات تنظيمية جمة وخاصة منذ تولى أيمن الظواهرى المسئولية بعد بن لادن.

فأيمن الظواهرى يتم انتقاده علنا بأنه «مدير فاشل» ولا يستطيع السيطرة على التنظيم الذى تشعب فى العالم كله من العراق إلى المغرب ومن الصومال إلى سوريا.

وما يؤكد ذلك تقرير مهم «لويليام ماكنتس» الباحث فى مركز بروكينجز فى واشنطن حيث ألقى الضوء على فشل أيمن الظواهرى فى إدارته لتنظيم القاعدة. بل ويوضح «ماكنتس» أن بعض الفصائل التى من المفترض أن تدين بالولاء للقاعدة قد خرجت عن طاعته.

يبدأ «ويليام ماكنتس»من سوريا حيث يخبرنا عن أبوبكر البغدادى أمير ما يسمى الدولة الاسلامية بالعراق وهى جبهة منبثقة عن تنظيم القاعدة فى العراق. فقد قرر البغدادى تغيير الاسم فى التاسع من إبريل إلى «الدولة الاسلامية فى العراق والشام». وذلك ليعطى رسالة ضمنية بتوسيع نطاق عمليات التنظيم لتشمل الشام كله. بل وأعلن أن جبهة النصرة وقائدها أبومحمد الجولانى تابعون له ويحاربون تحت قيادته.

فما كان من الجولانى الا أنه «اشتكى» إلى أيمن الظواهرى الذى قام بدوره بتعنيف الاثنين. الجولانى لأنه لم ينضم إلى «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» وأبوبكر البغدادى لأنه قام بتغيير الاسم بدون الرجوع إلى الظواهرى.

وكانت النتيجة إحراجا علنيا للظواهرى حيث أصدر البغدادى بيانا يرفض فيه توجيهات الظواهرى ويصرح بأنه يفضل اتباع تعليمات «رب العالمين» على اتباع أحد من خلقه. واتهم الظواهرى بتفتيت صف المسلمين واستخدم أدلة شرعية لإثبات صحة موقفه.

كانت هذه ربما المرة الأولى فى تاريخ القاعدة أن يكون هناك خروج علنى على القيادة المركزية للقاعدة. ولكن ذلك لا يعكس مجرد خلاف بيروقراطى يتعلق بتبعية أحد الفصائل المنتمية للقاعدة لفصيل آخر. بل هناك خلاف أعمق من ذلك.

فجبهة «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» تتميز بعملياتها الدموية وتفخر بتصوير أعدائها وهم يذبحون ويقتلون أمام الكاميرات. فى حين تسعى جبهة النصرة إلى التعاون مع الفصائل السورية المعارضة، حتى لو كان ذلك بصورة مؤقتة، حيث إنهم فى النهاية يعتبرون أن الكل كفار يجب قتلهم.

وهنا تكمن المشكلة فى التعامل داخل منظمة إرهابية ذات غطاء دينى مثل القاعدة. ففى النهاية أنت تتعامل مع مجموعات من القتلة. وتتسابق كل مجموعة فى إظهار قوتها بقتل بشر آخرين. ولكن فى بعض الأحيان يزيد القتل عن حده حتى بالنسبة لجماعة إرهابية مثلما حدث فى عام 2006 حين إنقلب الاهالى بولاية الأنبار فى العراق على تنظيم القاعدة هناك بقيادة «أبو مصعب الزرقاوى» بسبب جرائم التكفير والقتل المبالغ فيه وقتها. مما دعا أيمن الظواهرى (الرجل الثانى وقتها) أن يوجه اللوم لتنظيم القاعدة هناك. الآن وبعد مرور سبع سنوات تتكرر نفس أخطاء القاعدة مرة أخرى فى حين يحاول فصيل آخر (النصرة) أن يظهر بمظهر أكثر تحضرا.

هل يمكن أن ينتهى الأمر بتقاتل الفصائل الإرهابية؟ الإجابة فى ذلك تكمن فيما حدث مع تنظيم الشباب فى الصومال. فقد رفض بن لادن أن يضم رسميا تنظيم «الشباب» تحت مسمى القاعدة. وذلك لأن تنظيم «الشباب» كانت لديه سمعة سيئة فيما يتعلق بشئون الحكم، وكانوا يطبقون أحكام الشريعة بقسوة. (هل تتخيل أن يكون هذا رأى بن لادن؟) مما قد يفقد تعاطف الأهالى هناك مع القاعدة.

ولكن بعد تسعة أشهر من مقتل بن لادن وافق الظواهرى على إعلان الدمج بين منظمة القاعدة وتنظيم «الشباب» بعد أن تلقى البيعة من قائد التنظيم فى الصومال «أحمد عبدى جودان».استغل «جودان» هذا الدمج واعتبره اعترافا دوليا من القاعدة فأخرس معارضيه وقام بقتلهم وسجنهم، مما أدى إلى انشقاقات حادة فى تنظيم الشباب وفقد التنظيم الكثير من الولايات والأراضى التى كان يستحوذ عليها فى الصومال. ووصل الامر بالرجل الثانى فى تنظيم «الشباب» وهو «إبراهيم الأفغانى» بكتابة خطاب مفتوح على المواقع الجهادية المعروفة لأيمن الظواهرى يلومه على سوء إدارته للأزمة ويتهم «جودان» بأنه السبب فى شق صف المجاهدين فى الصومال وتراجع شعبيتهم بين الأهالى.

لذلك فبعد سنتين من ترأس الظواهرى لتنظيم القاعدة، يعانى التنظيم من الانشقاقات والخلافات مثل أى حزب سياسى وتتراجع شعبيته فى اكثر الأماكن فقرا وجهلا. يعطى هذا مؤشرا قويا أن أكثر أعداء الإرهابيين هم الإرهابيون أنفسهم وأن وجودهم فى تنظيم بكل ما فيه من أمور إدارية وتنظيمية ومالية قد يعجل بنهاية هذا التنظيم.

أو ربما يؤدى ذلك إلى خروج جماعات إرهابية صغيرة تتنافس فى تفجير نفسها فى كل أركان العالم مع التركيز على قتل المسلمين والعرب مع بعدهم التقليدى عن إسرائيل فى مفارقة عجيبة!!!!

لكن ما هى أهمية هذا المقال فى وسط ما يحدث فى مصر الآن؟

فى اعتقادى أننا فى مصر اعتدنا على النظر إلى الأمور السياسية فى العالم من ثقب الباب. نحن لا نعرف من السياسة الأمريكية إلا القشور. ولا نعرف عن القاعدة غير بن لادن والظواهرى. وبالرغم من تأثرنا نحن العرب بالجماعات الإرهابية فى منطقتنا العربية نجد أن أكثر الكتابات دقة عما يحدث هنا هى كتابات أمريكية صرفة. فعذرا إن كان المقال يحمل الطابع الخبرى. فأنا مثل كثير من المصريين أجد صعوبة فى العثور على الأخبار بطريقة مهنية فى إعلامنا المصرى. فأردت أن أشارككم بما قرأت.

ربما تخرج بنتيجة أن القاعدة فى طريقها إلى الانهيار. أو ربما تخرج بحقيقة أن ليس لدينا منافذ أخبار حقيقية لأن كلنا ننقل من الأمريكان. ولكن فى النهاية إن خرجت بحدوتة لطيفة عن القاعدة فذلك بالنسبة لى يكفينى جدا.

صباح الفل.

نقلاً عن صحيفة “الشروق”

Posted in فكر حر | Leave a comment

4 المَمْلكَةُ المَنْحوسَة

كانَ الملكُ صَفْوُ الأثيرِ مشهوراً بين رعيَّته بقوَّةِ الريحِ المركَّزَةِ التي يُطْلِقُها بشكلٍ مستمرٍّ و بصمتٍ كاملٍٍ لدرجةِ أنّ صاحبَ kusedالسموِ الملكيِّ لا يعرفُ أنّهُ هوَ مصدرُها .
رائحةٌ كريهةٌ عابقة تَسْقُطُ من قُوَّتِها طيورُ الشجرْ و تَذْبُلُ لِفَظاعَتِها غُصونُ الزَّهر، مما انعَكَسَ على سِماتِ وَجْهِهِ فهو دائماً عديمُ الابتسام، مُكْفَهِرُّ الوجه.
لذا فقد اعتادَتْ حاشيَتَهُ الكريمةُ و رعيتهُ المصونة على تحويلِ أيِّ لقاءٍ بهِ الى احتفالٍ و ابتهاجٍ بِحِكْمَتِهِ و قوَّتِهِ ، عطَاآتِهِ و بركاتِه، فيبدؤون بالغناءِ و الرَّقْصِ هاتفينَ بحياتهِ ، فرحينَ ومُتَجاهِلينَ الرّائحةَ المقيتة القادمةَ من اتِّجاهِهِ مُسْبِغينَ وجْوههم بضحكاتٍ كاذبةٍ و ابتساماتٍ متملقةٍ.
فَهُمْ و في محاولةٍ يائسةٍ للتغلبِ على تلكَ الرائحةِ الكريهةِ، يُبْقونَ مسافةً مِنْهُ بِحِجَّةِ التبجيلِ و الاحترامِ بينما يقومونَ برمي موكِبِهِ بكلِّ ما ضاعَتْ منه رائحةٌ ذكيّة و عَبُقَ فيه شذى أخّاذْ من عُطورٍ و بُخُورْ، ورودٍ و رياحين ، حَبّات حَبَقٍ و أوراق غارْ.
أمّا المَلِكْ ، فَيَمُرُّ مُحَيِّياً بابتسامةٍ متبادلة لا تَقِلُّ نفاقاً عن ابتساماتِهِم محاولاً إخفاءَ اشمئذاذه من تلك الرائحة الشَّنيعة و المتركزة حوله باستمرار، فأنفُهُ الحسّاسُ هو الاقربُ باستمرار لمصدر تلك الرّيحِ الصّامِتَةِ النَّتِنَة .
ها هو الملكُ صَفْوُ الأثيرِ يجتازُ جموعَ الشَّعْبِ بِسُرْعَةٍ للتخلُّصِ من مصدرِ تلكَ الرائحةِ العفنة فهي لا بُدَّ آتيةً من جموعِ عامةِ الشعبِ، خاصَّةً الفُقَراء و المُشَرَّدين بثيابِهِم الرثَّةِ القذرة و اجسادِهِم الوَسِخَة .
لقد كانَت تلكَ الرائحةِِ المُقَزِّزَة تُعَكِّرُ صفوَ الملكِ و تسلُبُ نَشْوَتَهُ مُسَبِّبَةً لهُ وَجَعَ رأسٍ مستمرّ.
أمَرَ الملكُ بعقدِ اجتماعٍ عاجِلٍ للحاشيةِ لمناقشةِ الأمرِ، وها هم كلُّ مُسْتَشاريْهِِ من أصحابِ السموِّ و الرِّفْعَةِ و بكلِّ تملُّقٍ ونفاق يشاطرونَهُ الرأي حول سَبَبِ تِلْكَ الرّائحَةِ المُسْتَديمَة فلا أحد يجرؤ على مجابهته بالحقيقة و التي هنا ليسَتْ مُرَّةً ، بَل كانت كريهة حيث الكُلُّ يؤيِّدُ جلالتهُ بضرورةِ غسلِ و تنظيفِ الطبقةِ العامةِ منَ الشعب .
بعدَ عِدَّةِ مداخلاتٍ و سماعِ الكثيرِ من الاقتراحات ، أصْدَرَ الملكُ قراراً يقضي بوجوبِ الاستحمامِ اليوميِّ لعامةِ الشَّعْبِ مرتينِ يومياً، قبيل شروقِ الشَّمْسِ و عندَ جُنوحِ الظلام كما أمَرَ ببناءِ حَمّاماتٍ في كلِّ بقاعِ المملكة ، و مُصادَرَةِ كُلِّ الثيابِ الملوَّثةِ الوَسِخَة و استبدالِها بثيابٍ جديدةٍ تُوَزَّعُ على عامةِ الشعبِ .
بَعْدَ أن أبدى أصحابُ السُّموِّ من أركانِ البلاطِ الملكيِّ ارتياحَهُم و إعجابَهُم بقراراتِ المَلِكِِ الحكيمة، قاموا بتنفيذِ أوامرِ الملكِ بعد إسباغها بطابع العناية الفائقة و الود الكبير الذي يكنُّه جلالتُهُ للشعب، فأعلنوا للملأِ أنَّ تلك الحَمّاماتِ إنّما هيَ مِن أجلِ صِحَّتِهِم و عافيَتِهِم فهي تَدْحَرُ الامراضَ و الأوبئةَ أمّا الملابس فهي من عطاآت الملك المباركة لشعبه الكريم.
و مع تنفيذ تلك الإجراآت الجهنَّميّةِ، فمازال مَلِكُنا الجليلُ يُبْخِرُ تلك الرائحة المقيتة بٍصَمْتٍ فتواكبه أينما حَلَّ، فباتَتْ تُؤَرِّقُهُ و بدأت تُفْقِدُهُ صَبّْرَه، مُسَبِّبَةً له هاجساً مستمراً فهو دائم التساؤل عن مَصْدَرِ تِلْكَ الرائحة الكريهة، و عمّا يُمْكِنُهُ أن يَفْعَلَ أكثر ممّا فَعَل للخلاصِ منها.
عندما جابه حاشيته بفشلِ القراراتِ السابقة و التي أثنوا له فيها على حنكته و رشْدِه، أبدى مستشاره الخاص رأيه بأن الرائحةَ لا بُدَّ مُعَشْعِشَةٌ بالقصرِ و جُدرانِهِ فهوَ قَصْرٌ عامرٌ لكنَّهُ قديمٌ و مُزَيَّنٌ بالعديدِ من النوافذِ الكبيرةِ و التي على مرِّ السّنينِ سَمَحَتْ للرائحةِ القادمةِ من الشعبِ بالانتشارِ و التسرُّبِ إلى باطنِ الجدرانِ و التغلغلِ فيها.
اقتنع الملك صَفوُ الأثيرِ بالأمرِ، فأصدَرَ أمراً ببناء قصرٍ منيفٍ بأعلى الجبلِ المطلِّ على المملكة، بعيدٍ عن القصرِ القديمِ و طَلَبَ أن يكون خاليَ النوافذِ و الشرُفات.
سُخِّرَتْ كلُّ قدراتِ المملكة لبناء القصرِ الجديدِ فاستَنْفَرَ للعمل فيه أغلبُ الرعيّةِ بكلِّ حبٍّ و تفانٍ خاصَّةً بعد أن أخذ الملك برأي أحدِ مستشاريهِ فأسماهُ قصرَ الرعيّة.
و ما بين ليلةٍ و ضحاها، إذ بصرحٍ حجريٍ هائلٍ بدون نوافذ يُطِلُّ من فوقِ الجبل ، كَفيلٍ ماردٍ كسولٍ بدونِ عيونٍ ، أما خرطومَهُ الطويل فكان طريقاً مُلْتَوياً يَصٍلُ بوّابَة القصْرِ بالمملكة .
ها هو الملكُ صَفْوُّ الأثيرِ يجمعُ كلَّ أملاكِهِ و أموالِه، صكوكَِ المملكةِ و أختامِها، تيجانَهُ و وصولجاناتِه، عَرْشَهُ المُبَرَّجْ و كراسيه المخمليَّة، يُحَمِّلُها على عرباتِهِ و خيولِه و يزحف بها بكلِّ خِلسَةٍ و تأنّية مع سوادِ الليلِ إلى قصرِ الرعيَّةِ، فالملك قرَّرَ أن يكون انتقاله خفيّاً فهو يريد القصرَ الجديدَ أن يكونَ خالياً من دَنَس شَعْبه و مشبعاً بالهواءِ العليلِ الذي تَنْشَرِحُ له الصُّدور و الذي لَمْ يَعْرِفْهُ مُنْذُ وقتٍ طويل .
تَمَّ للملكِ ما أراد، و مع وُصولِ مَوْكِبِهِ إلى مدخلِ القَصْرِ، علا وَجْهَهُ ابتسامةٌ عفويةٌ مُريحة نَسيَها مُنذُ زَمَنٍ بعيدٍ بينما تَبِعَه خلفهُ مَوكِبُهُ و حاشيَتَه، فهوَ يَمْشي مُتَطَلِّعاً لهواءٍ نقيٍ بعيد ما أمْكَن عن نَتَنِ و وَسَخِ الأهالي .
غير أن تلك الابتسامةِ و للأسفِ لَمْ تَدُمْ سوى بِضْعُ خُطواتٍ ، فقد أُصيْبَ المَلِكُ الجَليلُ بإحباطٍ كبيرٍ عندما فتحَ رئتيهِ على مصراعيهما و أخَذَ نفساً عميقاً داخلَ القَصْرِ، و إذْ بِتِلْكَ الرّائحَةِ المشؤومة ما بَرِحَتْ تُداهِمُهُ مَرَّةً أُخرى.
تَوَقَّفَ الملكُ لِبُرْهَةٍ و نَظَرَ خَلْفَهُ ، فإذ بوجوهِ كلِّ الحاشيةِ المرافقة و قد بدا عليها منظرُ الاشمئزازِ و الغثيان.
عندها استدار الملك غاضباً و صاحَ بمستشاره الخاص موبخاً : لقد كان اقتراحك ببناءِ القصرِ بعيداً عن مصدر الرائحة الكريهة صائباً، لكنك أخطأتَ التنفيذِ فَقَد جَلَبْتَ أبناءَ الرعيةِ أنفسَهُم لبنائِهِ بأجسادِهِم القذرةِ و التي أُشْبِعَتْ عَرَقاً كريهاً فاضَ بسببِ كَدِّهِم الشاقِّ بنقلِ و رَصْفِ حِجارةِ القَصْرِ .
كانَ عليكَ أن تَجْلُبَ أُناساً مِن ممالِكَ أُخْرى لبِناءِ القصرِ بدلاً من الأهالي ذوي الرائحةِ النتنة.
ضاقَ صَدْرُ الملك صَفو الأثير و فقدَ صبره بعد أن حاولَ بكلِّ الوسائلِ التَخَلُّصَ من هذا الشؤمِ الذي لَبِسَه ، و ما زالَ يُطارِدَهُ قادماً من هذا الشعب المقزز الرائحة.
سارَعَ المَلِكُ خُطواته مُبْتَعِداً عَن كلا القَصْرَين تاركاً وَراءَهْ مَمْلَكَتَهُ و شعبهُ و لاحظَ أنَّه كُلَّما أسْرَعَ خَطَواته ، كُلَّما خَفَّتْ الرائحةُ اللاحقةُ بِه، فبدأ يعدو سريعاً مسروراً صائِحاً بِمَوْكِبِهِ من ورائهِ بضرورةِ تركِ قصر الرعيّة الجديد فهو الآخَرُ منحوسٌ ، هلُمُّوا هيّا اتبعوني بالمسيرِ مع جناحِ اللَّيلِ عَلَّه مع قُدومِ الصَّباحِ نلتقي شعباً زكيَّ الرائحةِ خاليَ القذارَةِ، أُغْدِقُ عليهِ أموالي و بركاتي فيُبايُعُني مَلِكاً عليه فأنا أستحِقُّ شَعْباً أفضلَ من هذا الشعبِ البائس، فطالما هو حَولي سَتَظَلُّ تِلْكَ الرائِحَةِ اللَّعينَة تُطارِدُني.

الأرقش

آب / 2012 /

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا | Leave a comment

DNA 17/12/2013 مؤامرة السعودية

في هذه الحلقة يتناول نديم موضوع الأحداث الأمنية الأخيرة بحسب تفسير محور الممانعة

Posted in ربيع سوريا, كاريكاتور, يوتيوب | Leave a comment

نزيف الثلج …والمنفى

ينزف الثلج في بلادنا برداً وفقراً ودماً . وهنا في منفانا الجميل ننزف حزناً وحسرة ،
على ما آلت اليه حالة أوطاننا . وكيف إبتلع العنف الراهن ،المستقبل . وحول البشر الى وقود لألهة مغيبة في حرب مأزومة مشبعة ، برائحة النفط والمصالح .
كيف لا تحزن .؟ والصورة القاتلة للشرق تطرق ذاكرتك عبر مختلف وسائل الميديا .فوجئنا بحجم العنف والقتل العشوائي . صدمتنا وعرتنا الصورة . فالأنظمة بلغت سن اليأس السياسي ، بيد أن القوى المعارضة لم تبلغ سن النضج السياسي . توهم البعض أنهم قبضوا على التاريخ والمستقبل معاً . من خلال بعث الماضي الذي لم يكن أكثر من كلام . فتحول التراث الى خطاب أثري إبتلعته رؤى مغايرة للعصر ، توهمت أنها هي المستقبل . في الوقت الذي قتلت فيه الفرح والانسان معاً. قوى جيشت العواطف وصحرتها ، وحالت دون إستثمار موسم الربيع ، بل وأدته . على من تراهن ..؟!
****** ****** ******
للمرة الاولى تنهال كافة اللعنات على ويتحول رمز السلام والمحبة الى ناقل للبرد والجوع والموت في شرقنا المنكوب بأنظمته ومعارضيه .
وشئ مأساوي حقاً ، ان يتحول رمز الفرح الى رمزاً للموت والبرد والجوع معاً. وتجري عملية تشويه لصورتة المحببة للأطفال . ماذا بقي لأطفالنا ..؟
ففي هذا الشرق تتحول كافة الطقوس الى أصدق شاهد غائب عن الحالة المآساوية لشعوبنا في هذا الزمن الماضوي الذي يغلب عليه . وتتحول حوارات المنفيين واللاجئين الى مراسيم عزاء للفرح . وإجترار ذكريات الماضي ، والسؤال عمن تبقى حياً . ولم يبتلعة بحر ما أو مكان تيهه الجديد. وليس الحلم بديمقراطية قادمة على حد السيف .
ترى عندما تغيب ثقافة الفرح ..ماذا سيتبقى للإنسان . ؟
هل قادم الأيام يمكن لها أن تنهض خالصة من أذيال الماضي . وهل الذاكرة يمكن لها أن تحلق خارج تراكمات الصورة الراهنة ..؟ ثم ذاكرة الأطفال ..؟! معارك وقذائف وقتلى بالجملة …. وفيضانات. ومراكب غرقى ، وهواجس وأحلام وآمال وخيبات .
ونحاول التغلب على آلام الغربة واللجوء القسري بالكلام . ودائماً الغربة ومشاعر الحنين تفتح الشهية على الكلام . لكن أي كلام ..؟ كلام لا يوفر أحداً من رب الثلج الى رب الموت.
عاش جيلنا رعب أكثر من حرب واحدة . ورعب القهر والفقر والإستبداد . تعرفنا على معنى ان تكون لاجئاً بلا وطن . ولم تغادرنا صورة مخيمات اللجوء والوعود بالعودة . حتى < كرت > الإعاشة أحطناه بإطار وعلقناه على الجدار كشاهد على نكبة ساهمت بها ذات القوى التي تساهم الأن بقتل الفرح . بيد أنه لا عودة حصلت وضاع ما تبقى مما تبقى لك . ولم يبقى سوى الذاكرة تحتفظ ببعض الصور المهشمة بسبب الرحيل والتهجير الدائم . صورة كيس الطحين ، ووابور الكاز وبطانية التضامن الأمريكي مع الشعب الفلسطيني. صورة تطرد صورة لكي تحل محلها وليس لكي تنهيها من الوجود . . وتمسكنا بايديولوجية تستحضر أرواح الماضي كما في جلسات تحضير الأرواح في فيلم سينمائي قديم ؟، بيد أن تحقيق تلك الأيديولوجية عبرت عن حالة فصامية ومنفصلة عن الواقع . ولا زال الجيل الحاضر يعيش ذات الحالة إضافة الى رعب ممثلي وعاظ السلاطين . الذين إحتكروا لأنفسهم مبدأ الحقيقة والصواب على أساس الإقتناع الذاتي .ومارسوا جميعاً أنظمة واحزاباً وديانات عجائبية خارج التاريخ وصاية على عقل الفرد . الحاكم ورجل الدين وقائد الحزب أو الجماعة جميعهم بائعي كلام .
ترى ماذا لو إستنطق الأطفال وعامة الناس ما رأيهم بكلمة < ثورة > …؟ لاسيما في تلك البلدان التي تعتاش على ما ينتجه الأخرين أو في بلدان التغيير من السئ الى الأسوء ..؟!
يخيل لي أن النتيجة ، والجواب أصبح معروفاً . فهي النتيجة التي أرادها الفاعلون الأقليميون في المنطقة ، وأدت الى تحول في أدوار الفاعلين الصغار..؟ الباحثين عن وهم الجنة التعويضية كبديلاً عن بؤس واقعهم . لكي تبقى المنطقة أسيرة مفهوم الراعي القطيعي . لأن سياسة القطيع لا تحتاج إلا الى راع وحمار وكلب .
لذا عندما يتوقف القتال بين ممثلي الفاعلين الإقليميين ، سينتهي هذا الإله الذي يمارس فيه القتل تحت رايته . وما هو مستقر في الأذهان من ثوابت. وتوأد سياسة القطيع ، منذ الزمن الذي تحول فيه الراهن الى مغارة للماضي .فيما تعيش الشعوب الاخرى زمن الصورة والمعلوماتية. وزمن إعادة النظر في معنى الموت ذاته.
ما نخشاه حقاً هو تآكل هذه المجتمعات بسبب ما يمكن اعتباره صداماً ثقافياً بين الماضي والمستقبل .وتحوله الى سلسلة من الصراعات تدفع مجتمعاتنا نحو مزيد من الانفجار الكارثي وتفتت الجغرافية وتنهي حالة التنوع الأثني .
****** ****** ******

مسكين الثلج .. هنا احتفلنا به . أنتظره الأطفال ككل عام . إحتفلنا به في جاليتنا الفلسطينية في اليونان . والجاليات العربية الأخرى . فرح الأطفال . بيد أن قلوبنا كانت مع أطفال بلادنا اللاجئين في مخيمات الذل في الاردن ولبنان وتركيا والعراق . وفي سجون البلدان < العربية > الأخرى ومع الأطفال المهجرين داخل بلادهم . وتمنينا أن تكون أخر الحروب والمآسي . حتى اصبح شعار حق العودة الفلسطيني مطلباً وشعاراً عربياً. حق عودة كافة اللاجئين والمهجرين والمنفيين الى بلادهم .
< بابا نويل > أو أيوس فاسيلي ، لم يهبط من مدخنة المنزل حاملاً هداياه للصغار . بل إن الصغار في العديد من المدن اليونانية قدموا هداياهم ، لتوزيعها على الأطفال المنكوبين بأنظمتهم ، وأحزابهم التي أخفقت في معركة الحفاظ على الهوية والوطن والإنسان معاً. وخلفت حالة مريعة من القهر النفسي . والإحساس بالعجز واللاجدوى. وصورة سوداوية لمفهوم التغيير.

Posted in الأدب والفن, ربيع سوريا | Leave a comment

لاتزوروا قبور موتاكم رجاءا

يتسائل اولاد الملحة في بعض الاحيان عما اذا كانت هناك علاقة مشبوهة بين بعض المسؤولين في الحكومة وقيادات القاعدة.
قد يكون السؤال مشروعا وما لم نقم الدليل عليه سيصبح في خبر كان.
الادلة الافتراضية بين هؤلاء الاولاد هي محافظة ديالى، فهي محافظة منكوبة بحق ولم نسمع ان قوات دجلة قامت بعمل حاسم خلال السنوات الماضية عدا القاء القبض على بعض “القياديين” لتودعهم السجون ثم يهربون بعد ذلك.
قد تكون الحكومة عاجزة بسبب صراع الكتل السياسية على الكراسي، ولكن دماء العراقيين اغلى من أي كرسي في العالم.. اليس كذلك؟.
كل يوم يبتدع الارهاب شكلا جديدا من اشكال الموت بحق الابرياء، ولعل آخرها تفخيخ كل من تسول له نفسه زيارة ذويه في مقابر ديالى.
“ذوو الموتى وهم في حيرة من امرهم من مجريات ماحصل، دفعهم الى ابتكار طريقة وقائية لتأمين مسارات المشيعيين وسط المقابر لتلافي المزيد من الاحزان والمصائب”.
يقول الخبير الأمني سليم الحيالي إن “تفخيخ القبور اسلوب جديد برز في المشهد الامني بديالى خلال شهر كانون الاول الحالي بحادثين الاول وقع في مقبرة قرب ناحية الوجيهية، (25كم شمال شرق بعقوبة)، واسفر عن مقتل واصابة نحو 60 مدنيا والثاني حدث في مقبرة ابو ادريس، (3كم جنوب بعقوبة)، واسفر عن مقتل واصابة اكثر من 30 مدنيا”.
هل من المعقول ان تقف الحكومة عاجزة عن محاربة مثل هذا الاسلوب… مليون ونصف جندي في الحكومة ومثلهم في الشرطة وبعد كل هذا يأتينا الموت المجاني من داخل القبور؟.
أي حكومة هذه؟.
ويصف الحيالي تفخيخ القبور بأنه “اخر موضات الموت المجاني للعراقيين”، متهما “جماعات مسلحة مختلفة توحدت رؤياها في هدف واحد هو المزيد من دماء الابرياء”.
ويؤكد الحيالي أن “ذوي الموتى اصبحوا في مأزق حقيقي بالوقت الحالي وحيرة صعبة للغاية في تأمين طريقة لدفن الاحبة والاصدقاء دون وقوع المزيد من الضحايا في ظل وجود تربص واضح تكرر في حادثين وربما يصبح استراتيجية لاصطياد المزيد من الابرياء في الفترة القادمة”.
بعد كل هذا يأتي احد المنظرين ليقول ان تفخيخ القبور هو لخلق الفتنة الطائفية.
ولكم ياعمي استحوا واختشوا الفتنة الطائفية برزت منذ سنوات عديدة والدليل مايحدث في تعيين الوزارات لموظفين اما يكونوا اقارب الوزير او المدير العام،اما اولاد الملحةمن الطوائف الاخرى “فياكلوا” تبن.
هل يعقل ان يتنازل الابن عن فتح مجلس عزاء لأبيه الذي مات بنوبة قلبية خوفا من التفخيخ؟.
ويأتينا محافظ ديالى ليقول أن “ديالى تمر في موقف امني حرج و “الخروقات الدامية باتت مشهد شبه يومي يسقط خلاله العشرات من الابرياء”.
و “نحن مكتوفي الايادي لعدم وجود صلاحيات حقيقية في ادارة دفة الملف الامني ما يدفعنا الى التنديد والتحذير وتسليط الاضواء على الاخطاء”، وأن “هذا بات غير مقبول لاننا اصحاب ضمائر حية لايمكنها الصمت حيال مجازر حقيقية تضرب المناطق الامنة بين الحين والاخر”.
شوف خويه الحميري اذا كنت صاحب ضمير حي فلا تعتمد على الحكومة المركزية لأنها حكومة فاشلة وربما متواطئة… تصرف بالذي يوزع لك ضميرك الحي.

Posted in الأدب والفن, كاريكاتور | Leave a comment

محاورة بين شاعرة سورية وشاعر سعودي

Posted in الأدب والفن, يوتيوب | Leave a comment

المطربة المتألقة فيروز تكمل ثمانية وسبعين عاما من عمرها المديد

اتمت السيدة فيروز يوم الخميس 11/21/ 2013 ثمان وسبعين عاما من عمرها المديد الذي امضت ستين عاما منه في 5142673346_1b731bef35_zالشدو بصوتها المخملي لاكثر من 800 اغنية كانت معينا لا ينضب لرفع الذوق الفني للاغنية الطربية في الوطن العربي وساهمت بكل جدارة في اشاعة مفردات تعبر عن حب البشر للطبيعة بالاضافة الى الارتقاء بمستوى التعبير عن العلاقات العاطفية وغيرها من الامور التي تتغنى بحب الوطن وتمجيد السلام بين الامم والشعوب

ولدت فيروز باسم( نهاد حداد), كأول مولود لوديع حداد وليزا البستاني, في الحادي والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر لعام 1935. كانت عائلة حداد تعيش في بيت متواضع مؤلف من غرفة واحدة في زقاق البلاط , الحي القديم المجاور لبيروت, حيث عاش الفقراء من جميع الطوائف, ولأجيال, حياة مشتركة وآمنة.
بضعة عائلات أخرى كانت تعيش في تلك الدار وكانوا يتشاركون المطبخ والأدوات الأخرى. لقد كان ذلك زمن الهجرة إلى المدينة, ففجأة, كان يمكن أن تأتي عائلة من أي مكان لتبدأ بالبحث عن أقرباء مقربين أو حتى مجرد معارف من نفس الضيعة ممن وصلوا قبلاً إلى المدينة الكبيرة. وديع, الذي اشتغل كعامل مطبعة في مطبعة

(le Jour)

القريبة,كان هادئاً, حسن الأخلاق وسرعان ما اعتبره الجيران كواحد منهم.
نهاد, التي ستصبح فيما بعد فيروز, والتي تعتبر واحدة من أشهر المطربات في الوسط العربي والعالم أجمع, وأسطورة زمانها, كان لديها نزعة عفوية إلى الغناء منذ نعومة أظفارها. في ليالي الشتاء, ومع جمعة الجيران, كثيراً ما كانت تدهش الجميع برندحة أغنية ما. كانوا فقراء الحال ,كما تتذكر فيروز, لكنها تصر على أن حياتهم كانت سعيدة, دون تطلّب.
لم يكن بمقدور العائلة الدفع للحصول على جهاز الراديو, هذا الجهاز السحري الذي كانت تمتلكه قلّة محظوظة. لقد كان ذلك من ضروب الخيال, كان يعطي بيوت الفقراء شحنة من عزاء ومن شعور مبهم بالانتماء إلى ما كان ينبض بعيداً خلف حدود الوصول. اعتادت نهاد على الجلوس على حافة الشباك لتستمع إلى الأغاني التي فتنت بها من راديو أحد الجيران. بعض من هذه الأغاني التي طالما أحبت أن تغنيها في تلك الفترة المبكرة كانت أغاني ليلى مراد وأسمهان, المطربتان المصريتان المشهورتان في ذلك الوقت.
كانت تفعل ذلك أثناء الغسيل خلف البيت, أو العجن لتحضير المرقوق (الخبز الريفي في لبنان), أو أثناء مساعدة أمها في الصباح. في نفس الوقت, كان عليها الاعتناء بأختيها هدى وأمال وأخيها جوزيف, كونها الأكبر سناً. تعتبر المشاركة عنواناً للثقة. كان هذا ولا يزال مبدأً بين الفقراء. مرة بالأسبوع, كانت إحدى الجارات تدعو أولاد حداد للاستحمام, وتقوم بذلك بنفسها, وقبل أن يخلد الأطفال للنوم, كان لا بد للفتاة, ابنة عائلة حداد, أن تغني لهم أغنية أو اثنتين لنوم طيب وهانئ.
كانت نهاد معروفة بحبها الكبير للزهور. فقد كانت تمضي الكثير من وقتها بجمع الزهور البرية, تنسقها في باقات لتزيّن البيت بها. كانت تحبها لدرجة أن أمها اعتادت على مضايقتها بفكرة أنها ستزوجها إلى بستاني. كانت فتاة خجولة, تخجل من الآخرين حتى من الأصدقاء. في نفس الوقت كانت جدية, ومسؤولة في تعاملها. المرات الوحيدة التي كانت تتغلب فيها على الخجل, كانت في التجمعات, عندما يطلب منها أن تغني, إذ كانت معروفة بجمال صوتها منذ أيامها المبكرة.
حبها للزهور لم يكن ينافسه سوى حبها لجدتها التي كانت تعيش في ضيعة الدبيّة. كانت تمضي نهاد معظم عطلاتها الصيفية في بيت جدتها, تساعدها في أعمال البيت نهاراً, وتستمع إلى حكاياتها في الليل.
وفّر الأب بعضاً من دخله الضئيل من أجل تعليم أولاده. لذلك حظيت نهاد بفرصة الالتحاق بالمدرسة, وهناك استطاع صوتها أن يجذب الانتباه فوراً, بوصفه يتمتع بنوعية فريدة, حيث كان يمكنها تحويل الأناشيد العادية الوطنية إلى شيء مدهش بجماله. كانت تلميذة نجيبة, مع أنها كانت تكره الحساب كثيراً, لم تكن لتستوعب مفهوم جمع وطرح الأعداد, ناهيك عن ضربها, ويقال أنها لم تكن قادرة على حفظ جدول الضرب غيباً, حتى يومنا هذا.
في حفلة المدرسة عام 1946, سمعها أستاذ في المعهد الموسيقي اللبناني, الذي صرح بأنه حقق اكتشافاً. هذا الرجل, محمد فليفل (أحد الأخوين فليفل اللذين لحنا النشيد الوطني السوري), كان يبحث عن مواهب جديدة في ذلك الوقت في مدارس الأولاد لغناء الأناشيد الوطنية في الإذاعة اللبنانية المؤسسة حديثاً. لكن والد نهاد ,الذي ينتمي إلى بيئة محافظة, كان مستاءً من فكرة أن ابنته ستغني للعامة. لذلك رفض منح موافقته لفليفل في البداية, لكن هذا الأخير نجح في النهاية في إقناع السيد حداد بأن طمأنه أن نهاد سوف تشارك فقط في غناء الأغاني الوطنية وأنه, أي فليفل, سوف يتحمل نفقات تعليمها في المعهد الموسيقي. بعد الموافقة, طلب والد نهاد أن يرافقها أخوها جوزيف.
كان يرأس المعهد الموسيقي في ذلك الوقت وديع صبرا, ملحن النشيد الوطني اللبناني, والذي بدوره رفض تقاضي أي مبلغ من نهاد ومن بقية الطلاب المشار إليهم من قبل فليفل. فليفل الذي اعتنى بصوتها عناية أبوية, لإيمانه بذلك الصوت الذهبي المخبأ في حنايا حنجرة المغنية الصغيرة, فقد أوعز إليها بعدم تناول الطعام المبهّر, الحمضيات, أو أي شيء آخر يمكن أن يؤذي حبالها الصوتية. كما حذرها من غناء الطبقات العالية أو المقاطع التي تتطلب جهداً شديداً. بعد ذلك أكمل معروفه بأن ساعدها لأن تدخل المعهد الموسيقي الوطني. ربما كان أبرز ما ساهم به فليفل هو تعليم نهاد علم التجويد في القرآن الكريم, الذي يعتبر الأسلوب الأكثر رفعةً في تلاوة الآيات في الموروث العربي.
استمرت دراستها في المعهد الموسيقي مدة أربع سنوات. بعدئذ, ساعدها فليفل في المثول أمام لجنة مؤلفة من: حليم الرومي, خالد أبو النصر, نقولا المني وآخرين ممن عينوا لفحص الأصوات لصالح الإذاعة اللبنانية. لقد كان يوماً مصيرياً في حياة نهاد, وقفت هناك بنوع ثيابها الأبدي الذي طالما فرضته على نفسها (بلوزة وتنورة) وبمصاحبة عود حليم الرومي, غنت “يا ديرتي” لأسمهان. ذهل حليم الرومي بصوتها لدرجة أنه توقف عن العزف في منتصف الأغنية. استمرت نهاد فغنت مطلع “يا زهرة في خيالي” لفريد الأطرش, ثم ما لبثت أن أحيطت بأعضاء اللجنة الذين هنؤوها بحرارة وأظهروا تقديرهم لصوتها الفريد.
الرومي, بشكل خاص, كان شديد الإعجاب بصوتها حيث وجد أنه شرقي أصيل وبنفس الوقت مرن كفاية لأن يحمّل النمط الغربي بشكل مثير للإعجاب. اختيرت كمغنية في جوقة الإذاعة في بيروت بعد الحصول على موافقة والديها ومدير الإذاعة اللبنانية السيد: فايز مكارم. في البداية عارض والدها فكرة ذهابها إلى الإذاعة. إذ تطلبت موافقته الكثير من الإقناع وبعض التدخل القاسي من قبل معارف مقربين, اشترط الأب أن ترافقها أمها أو أخوها جوزيف, أو ابن الجيران عند ذهابها إلى الإذاعة.
أمنيتي كانت أن أغني في الإذاعة, تتذكر فيروز. “أخبروني أنني سوف أتقاضى مبلغ 100 ليرة (21 دولار) في الشهر. كانت فرحتي لا توصف, لكن في نهاية الشهر لم أكن محظوظة كفاية لأن أشبع عيني برؤية الورقة من فئة المئة ليرة, بسبب خصم الضريبة (كانت تقبض 95 ليرة فقط بعد اقتطاع الضريبة). استغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى تمكنت من الحصول على ورقة كاملة من فئة المئة ليرة”. راتبها الأول أنفق في شراء حاجيات لها ولأشقائها, الذين أرادت أن تدللهم ولو قليلاً, وأن تعوض عليهم الحرمان المادي الذي عاشوه طوال حياتهم.
كانت هذه المرحلة هي فترة الممارسة والملاحظة بالنسبة لفيروز, درست عن كثب أسلوب العطاء الغنائي عند كل مغنٍ في الجوقة, وكان غالباً ما يحدث أن يتم استبدال مغنية تأخرت أو فشلت في الأداء, بفيروز. كانت تمتلك إحساساً فنياً عالياً وذاكرة حادة حيث أنها كانت تمتلك القدرة على حفظ أربع صفحات من الشعر عن ظهر قلب, خلال ساعتين, أو خمس صفحات منوّطة. مهمة نهاد في الجوقة دامت حوالي الشهرين, بعدها صارت تؤدي بشكل انفرادي.
أولى أغانيها الخاصة كانت من ألحان حليم الرومي وكلمات ميشيل عوض, بعنوان: (تركت قلبي وطاوعت حبك). عند التحضير لبث الأغنية على الهواء, اقترح حليم الرومي أن تحمل نهاد أحد اسمين كان قد اختارهما لها: شهرزاد أو فيروز. في البداية لم تأخذ الأمر على محمل الجد, لكن أخيراً عملت بنصيحته واختارت اسم: فيروز. بثت الأغنية في الأول من نيسان/أبريل لعام 1950. الأغنية الثانية: في جو سحر وجمال كانت باللهجة المصرية, الثالثة: عاشق الورد غنتها مع حليم الرومي كثنائي. تلا ذلك أغنيتي: يا حمام و أحبك مهما أشوف منك, اللتين سوقتا تجارياً في العام 1952.
ثم تبع ذلك العديد من الأغاني القصيرة الخفيفة ذات الأهواء المختلفة, خاصة تلك التي اختيرت من قبل حليم الرومي في محاولة منه لتجنب حصر فيروز في نمط غنائي واحد. في العام 1951, كانت قد غنت أغانٍ من ألحان الرومي, مدحت عاصم, نقولا المني, سليم الحلو , محمد محسن, توفيق الباشا, خالد أبو النصر وآخرين.
كان حليم الرومي متحمساً جداً للموهبة التي اكتشفها لكنه كان كثير الانشغال لأن يعطيها ما تستحق, لذلك اقترح أن يقدم فيروز لعاصي الرحباني, الشرطي, عازف الكمان في الإذاعة والملحن الطموح. رأيها المبدئي كان أنها لا تود التكلم مع عاصي, إذ أنها لم تكن تتوقع الكثير من هذا اللقاء, لكنه نجح في أن يغير رأيها. عاصي من جهته كان رأيه الأولي أن صوت فيروز مناسب لغناء الأغاني الشرقية فقط, وليس مناسباً للأغاني العصرية, والتي كان مهتماً بها. احتج الرومي بقوله أن صوت فيروز غير محدود الإمكانيات , فهو قادر على أداء الأغاني الحديثة كما الأغاني الفلكلورية, وهذا ما سوف تثبته الأيام المقبلة, وسيشهد المستقبل على أنه أكثر صوت في العالم قادر على غناء الموسيقى العصرية. ولقد تحققت نبوءته.
كانت أول أغنية غنتها لعاصي, لما ولمياء, ثنائية غنائية بالاشتراك مع مغنية تدعى حنان. أما أول أغنية خاصة لحنها عاصي لفيروز فكانت (غروب) من شعر قبلان مكرزل, تلتها ماروشكا, ثم جاءت أغنية سوف تشكل علامة فارقة في تاريخهما الفني, والتي تعتبر فاتحة الاحتراف, هذه الأغنية هي عتاب, أغنية حزينة تقول في مطلعها:
حاجي تعاتبني, يئست من العتاب
ومن كتر ما حمّلتني, هالجسم داب
حاجي تعاتبني, وإذا بدّك تروح ..
روح, روح, روح وأنا قلبي تعوّد عالعذاب
بين ليلة وضحاها, صنعت (عتاب )من فيروز مطربة كبيرة في العالم العربي. ومن أسباب نجاح هذه الأغنية كانت تجهيزات إذاعة دمشق المتميزة حيث سجلت الأغنية هناك في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 1952. ثم في وقت لاحق طبعت على اسطوانة في باريس, أغنيتهما الرابعة كانت (راجعة). ثم عدة أغان أخرى مثل بلمح ظلال الحب في عيونه, و قوي حبك. ثم تبع تلك المرحلة المبكرة, انضمام منصور الرحباني, الشقيق الأصغر لعاصي, إليهما ليشكلوا الثلاثي الرحباني, والذي استمر ليصنع تاريخاً.
في البداية, انصبت جهودهما بشكل رئيسي في صياغة الألحان الخفيفة الراقصة. في ذلك الوقت, كانت بيروت تستقطب الفرق الفنية الكبيرة القادمة من وراء البحار لتعزف التانغو والرومبا لشريحة واسعة ذات الأهواء الغربية في العاصمة اللبنانية. إحدى هذه الفرق كانت فرقة إدواردو بيانكو الأرجنتينية. أثناء التسجيل في استوديوهات إذاعة الشرق الأدنى, اقترح صبري الشريف الذي كان يدير القسم الموسيقي فيها, أن يتم تنفيذ تجربة غير مسبوقة في الموسيقى الشرقية حتى ذلك الوقت. وهي أن تغني فيروز مع أوركسترا بيانكو ألحاناً وضعت بالأصل لرقصات, مثل

“la compersita”

وتانغو

“”la boheme .

كان ذلك في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 1951, يوم ذو أهمية خاصة في حياة فيروز والأخوين رحباني, عاصي ومنصور اللذين آمنوا بأنها كانت البداية الحقيقية للأغنية الراقصة في الموسيقى العربية, والتي لم تكن مسبوقة من قبل باستثناء أغاني الملحن المصري مدحت عاصم.
في ذلك الوقت, كانت برامج الإذاعة تبث على الهواء مباشرة, دون أن تسجل. بانتظار أن يأتي دورهما, فيروز وعاصي, ملحنها ومرافقها الدائم, اعتادا على الجلوس تحت شجرة قرب بركة ماء في الفناء الخلفي للاستوديو والدردشة لتمضية الوقت وأحياناً أخرى كانت فيروز تطلق العنان لأحلامها. لم تكن تتوقع مستقبلاً باهراً لنفسها كمطربة. بالأحرى كان حلمها الحقيقي أن تصبح معلمة. كثيراً ما صرحت في مناسبات عديدة بأنها لن تتزوج في حياتها أبداً. فيروز التي نشأت ضمن عائلة تقية, أقرب إلى الزهد في أخلاقها واحتمالها, كانت مثالية بالمقارنة مع الفتيات اللبنانيات من عمرها. الكثير ممن عرفوها أخبروا كيف كانت أثناء الاستراحات غالباً ما تصلي راكعة في مكان ما في جوار الاستوديو.
مرة, أخبرت فيروز عاصي وبشكل عابر, أنها لم تستسغ الطريقة التي اهتم فبها بإحدى الفتيات في المحطة. هذه الملاحظة البريئة لم تذهب سدىً. بينما كانت لا تزال تحتفظ بذلك الرفض العنيد لفكرة الزواج. ولكن في ذلك الربيع من العام 1954, وبينما كانا يتمرنان سوية على حافة نفس البركة, تحت نفس الشجرة, كرر عاصي عرضاً كان قد عرضه سابقاً للزواج, هذه المرة ردّت فيروز بالإيجاب.
تزوجا في كانون الثاني/يناير من العام 1955. تجمعت في العرس حشود كبيرة من البيروتيين في مساء ذلك الأحد لمشاهدة هذه الاحتفالية. بالنسبة للبنانيين, يعتبر فندق مسابكي في شتورة المحاط بشجيرات الصبار, مكان الأحلام الذي يغفو في قلب جبال لبنان. في ذلك المكان, ذهب العريس والعروس لقضاء شهر العسل.
مع أغانٍ مثل عتاب, بدأت فيروز والأخوين رحباني مرحلة الشهرة في كثير من البلدان حول العالم العربي وكانوا كثيراً ما يدعون إلى إذاعة دمشق لتقديم أعمالهم. محطة إذاعية أخرى, هي صوت العرب من القاهرة, أوفدت المعتمد الرئيسي لديها: أحمد سعيد, ليعقد اتفاقاً مع الثلاثي. في العام 1955 ذهب الأخوان رحباني وفيروز إلى القاهرة, وهناك كتبوا أهم عمل موسيقي على الإطلاق في ذلك الوقت: راجعون . كما غنت فيروز العديد من الأغاني الأخرى, منها ثنائيات بالاشتراك مع المطرب المصري كارم محمود.

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

” مسابقة “

تم تخصيص جائزة كبرى .. المتسابق الفائز يتم الإعلان عنه فى نهاية المسابقة و المسابقة حصرياً للنساء فقط!

من هى الدولة التى يحيطها بحر و خليج و شمالها العراق و الأردن و سورية و الكويت و جنوبها اليمن و شرقها الإمارات و قطر و لها جسر يربطها بالبحرين؟

هى مملكة مشهورة و يزورها الحجاج كل سنة و يذهب اليها المسلمين للعمرة و تقوم بتصدير النفط و لها دورا مهم فى العالم العربى و الإسلامى و الأمم المتحدة و علاقتها جيدة مع العالم و خصوصا الولايات المتحدة و تجد شعبها متواجد فى اوروبا و العالم و خصوصاً فى الصيف و هذا يعنى بأنهم ميسورين الحال, و تصرف الدولة على التعليم و الطب كثيراً, جزاها الله كل خير …

و لديهم واردات خيالية من موسم الحج و العمرة و يلبسون ملابس عربية نظيفة و سيارات فارهة و يملكون الكثير من القصور و الاستثمارات فى الخليج خصوصاً فى الولايات المتحدة و أوروبا.

السؤال هو: أرجو من المتسابقات اثبات صورة فقط لقيادة سيارة!

أما الجائزة .. فهى إجازة قيادة سيارة جولدن + موتوسيكل.

و تعيشون و تسلمون,

‎هيثم هاشم – مفكر حر؟‎

Posted in الأدب والفن, كاريكاتور | Leave a comment

الراكب والمركوب والكامخ بينهما : (فقه) نظرية المؤامرة 8

صلاح المختار

في كبرنا نكتب بقلم رصاص لاننا تعلمنا ان الكتابة بالحبر ليس سهلا محوها

حكمة من يريد تجنب الخطأ

لقد اضطررنا لتناول العديد من الافكار والملاحظات لاجل تصفية اي شك او تشكيك بحقيقة واضحة جدا وهي ان هناك خللا كارثيا في فهم بعض الوطنيين لما يجري لنا منذ عام 2011 تحديدا، فمنذ ذلك العام ابتدأ تنفيذ خطة صهيوامريكية بديلة بعد فشل خطة الغزو والتدمير المباشرين على يد قوات الاحتلال الامريكية للدولة والمجتمع كما حصل في العراق، وضعتها امريكا والكيان الصهيوني، بالتعاون المباشر او بالتقاء الستراتيجيات مع ايران واطراف اخرى، وهي خطة تدمير الدول العربية بمؤسساتها التقليدية كافة، وجعل ازالة الهوية القومية العربية الغاية الستراتيجية الاساسية والتي لابد من الوصول اليها في نهاية المطاف.

اما الوسيلة الجديدة فبدلا من دعم انظمة فاسدة ومستبدة لتحقيق الهدف المذكور وفشلت في تحقيقه فان البديل هو استغلال الظلم الفادح الذي تعاني منه الجماهير،والذي كانت الصهيوامريكية احد اسبابه الجوهرية، ودغدغة مشاعرها الانسانية بشعارات ووعود جذابة مثل الديمقراطية وحقوق الانسان والاستقرار والامن والسلام…الخ، فتفجر انتفاضات منتظرة منذ عقود بلهفة مشروعة وتجر الجماهير الى الساحات لاجل استخدام قوتها الجبارة لاسقاط الانظمة لكنها تبقى بعيدة جدا عن الامساك بزمام القيادة، فمن يقود، اذن، انتفاضة الشعب المقهور والمستغل؟

حسب التطبيق الميداني الذي رأيناه فان من يقود نخب اعدتها امريكا مسبقا، بالاضافة لنخب وطنية وجدت الحدث قد وقع فاندفعت لاسقاط النظام لانه هدفها القديم لكن هذه العناصر الوطنية بلا اطار تنظيمي جماهيري وبدون خبرات عميقة ووعي ستراتيجي ضروري فاصبحت عمليا مجرد داعم ومنفذ ومنساق وراء من يقود فعلا وله صلة بمن خطط! ونتيجة لهذه الحقيقة، وجوهرها غياب الطليعة الواعية والمقتدرة وذات الافق الستراتيجي، تتحول الانتفاضة من عمل شعبي مشروع الى الغام تفجر الدولة والمجتمع وتدفع بالقطر الى هاوية التشرذم والتقسيم والحروب الاهلية. هذا ما رأيناه وهو امامنا بكل كوارثة ويظهر للجميع بابرز سماته وهي سمة انه عمل لا تحكمه ستراتيجية وطنية واضحة ولا تقوده قوى وطنية لديها خبرات ومشروع شامل للتغيير ومن يقود فعلا نشطاء اغلبهم عدميون افقهم غرفة مغلقة كغرف الانترنيت، وتلك اهم متطلبات اشعال فوضى هلاكة لا تبقي ولا تذر.

لقد ذكرّنا خلفيات المؤامرة وتعاقب خطواتها واعدنا التذكير باهم محطات التطور في الوطن العربي خلال اكثر من قرن، لاننا بتلك النظرة الشمولية نرى ما لم نكن نراه عندما نتعامل مع الاحداث بصفتها تحولات معزولة ومنفردة لاصلة لها بما سبقها، فوجدنا امامنا الفزع الاكبر وهو ان ما يجري ليس سوى خطوات مترابطة في اكبر مؤامرة على الامة العربية:

1- ابتدأت المؤامرة بعقد المؤتمر الصهيوني الاول في عام 1897 وفيه اتخذ القرار الذي مازلنا نواجه تواصل تنفيذ حلقاته المتكاملة وهو اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وما يفرضه ذلك من تغييرات جذرية في الوطن العربي لصالح الصهيونية.

2- تقرير لجنة بنرمان الذي وضع خطة شاملة تضمنت اهدافا خطيرة ابرزها منع العرب من تحقيق وحدتهم، وحرمانهم من حيازة التكنولوجيا والعلوم الحديثة، وانشاء كيان عازل بين مشرق الوطن العربي ومغربه وهو الكيان الصهيوني.

3- اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت العرب ووضعت الحدود المصطنعة الحالية.

4- صدور وعد بلفور بمنح فلسطين لليهود.

5- احتلت بريطانيا فلسطين لاجل تنفيذ وعد بلفور.

6- اعطت بريطانيا الاحواز العربية لدولة فارس (Persia) وهو اسم ايران حتى منتصف العشرينيات من القرن 20 كي تكمل مقومات نشوء دولة قوية واصبحت بريطانيا تستطيع وضع العرب لاحقا بين المطرقة الصهيونية والسندان الايراني.

7- اقيم الكيان الصهيوني.

8- بدأ رد الفعل القومي العربي قويا مزلزلا : تظاهرات، فوران شعبي ايقظ الروح القومية في كل الوطن العربي.

9 – ثورة 23 تموز 1952 في مصر وانطلاق المارد العربي.

10- وكان اقوى رد على قيام اسرائيل هو تحقيق الوحدة العربية بين مصر وسوريا في عام 1958 وحدوث الرد الاستعماري المتوقع وهو الانفصال في عام 1961.

11- بدأ الحرب الاهلية العربية في العراق في عام 1959 والتي اشعل شرارتها الدكتاتور الشعوبي عبدالكريم قاسم بدعم كامل وتشجيع عاطفي فعال من الحزب الشيوعي العراقي، وانتشرت الصراعات العربية – العربية على المستوى الشعبي في الوطن العربي.

12- انتصار القوى القومية في العراق في 8 شباط 1963 وفي سوريا في 8 اذار 1963 وبدأ حوارها مع ناصر لاجل تجديد الوحدة، العربية، لكن القوى القومية بسبب سذاجتها وقلة خبرتها فشلت في تحقيق خطوة فعلية فاجهضت المحاولة ثم اسقط نظام البعث في العراق بانقلاب عارف، اما في سوريا فقد استولى حافظ اسد وزمرته على الحكم بانقلاب دموي (23-2-1966) ضد البعث وبدأ عملية تخريبه من الداخل وتدمير سوريا.

13- نشوب حروب وفتن القوى القومية في الوطن العربي وموت ناصر بطريقة مشبوهة، 14- وقوع حرب عام 1967 واخطر وابرز مؤشراتها تسليم حافظ اسد الجولان لاسرائيل بلا قتال واحتلال الصفة الغربية وغزة.

15- صعود البعث الى السلطة مجددا في عام 1968 وبدأ اعظم تجارب النهوض القومي العربي علميا وتكنولوجيا وستراتيجيا واجتماعيا.

16- تأميم النفط العراقي (1972) وبدأ اخطر واهم معارك العالم بعد الحرب العالمية الثانية بين العراق والغرب الاستعماري المتحالف مع الصهيونية، فالغرب فقد اهم مصالحه في العراق (النفط) والصهيونية ادركت ان العراق الذي يتقدم علميا وتكنولوجيا وينجح في اعادة بناء الانسان العراقي ليكون قادرا على الابداع والدفاع هو الخطر الاكبر عليها لانه ذكرها بالاسر البابلي ووعود التوراة بمعاقبة اهل بابل.

17- حرب اكتوبر 1973 التي صممت لتحقيق هدف الاعتراف باسرائيل وتهديم مقدسات العرب والتفريط بمصالحهم، لذلك احدثت شقا اخطر مما سبق عموديا وافقيا في صفوف العرب وفتحت ابواب الاعتراف العربي باسرائيل والتطبيع معها.

18- نتيجة استخدام النفط سلاحا فعالا في حرب 1973 حدث تحول ستراتيجي خطير في العالم وهو انتقال مركز الصراع العالمي مع الاتحاد السوفيتي من اوربا الى الخليج العربي مع العراق والمقاومة الفلسطينية التي انطلقت في عام 1965 وحصل ذلك التحول في عهد كارتر واعلن (مبدأ كارتر) وهو اساس ما نواجهه الان.

19- ولم يكن العرب قد فاقوا من هول صدمة السادات حتى جاءتهم صدمة اكبر بوصول خميني للحكم ورفعه شعارات معادية لاسرائيل وامريكا ولكنه لم يطبقها بل طبق خططا معادية للعرب وفرض حربا مدمرة على العراق، وهكذا بدأت رحلة الامة العربية نحو الغروب والتدهور والتفكك.

20- حصل اخطر انقلاب ستراتيجي عالمي في نهاية السبعينيات فقد تغير الصراع ببدأ صراعات دينية وطائفية وعرقية بعد ان كان الصراع الرئيس منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بين الرأسمالية والشيوعية وحركات التحرر، فقدم ذلك اكبر هدية لامريكا واسرائيل. 21- افتعال ازمة الكويت والتمهيد للعدوان الثلاثيني على العراق وفرض الحصار بعد فشل الغزو العسكري ليكون وسيلة تجريد العراق تدريجيا من مصادر القوة والصمود تمهيدا لغزوها.

22- غزو العراق في عام 2003 وبدأ مرحلة جديدة هي الاخطر في تاريخ العرب.

هذه ابرز مراحل تغيير الوضع العربي ونقله من حالة الدفاع عن فلسطين وحقوق العرب والتحديد الدقيق للعدو وهو الكيان الصهيوني وداعميه الدوليين والعرب الى حالة الانغماس الاجباري في صراعات داخلية دموية فككت وحدة الاقطار العربية الوطنية واستنزفت مواردها وجعلتها تواجه تدهورا مستمرا لا يمكن ايقافه! وفي هذه المرحلة برزت اسماء الشؤوم الثلاثة انور السادات حافظ اسد وخميني، فهذه الاسماء هي التي تقف خلف كوارث العرب الحالية بلا شك وهي التي نفذت المخطط الصهيوامريكي – ايراني ضد الامة العربية وما نواجهه الان هو نتاج انحرافات السادات واسد ومطامع خميني القومية التوسعية وعداءه المتجذر للعرب.

اذا ظن احدا ان كل تلك الاحداث الكارثية، التي وضعت العرب في قلب الجحيم بتعاقبها وترابطها واكمال اللاحق للسابق لها وخدمتها المباشرة او غير المباشرة للصهيونية والغرب وايران وتركيا وانظمة عربية، كانت عفوية ولا رابط بينها فان هذا الظن هو ابو وام وجذر كل الاثام. انها خطوات متعاقبة في مخطط ستراتيجي شامل هدفه النهائي انهاء الامة العربية ومحو الهوية العربية بتقسيم الاقطار العربية في سايكس بيكو الثانية والتي ابتدأت بوصول خميني للحكم وتوليه مسؤولية نشر الفتن لطائفية في الوطن العربية.

في مطلع الثمانينيات اعادت فلورا لويس الصحفية الامريكية الصهيونية تأكيد اهم ضرورات الحركة الصهيونية وهي انهاء الامة العربية ودفنها، وبنفس الوقت اعاد عوديد ينون الكاتب الاسرائيلي تلك الثوابت الصهيونية بطرحة في عام 1982 (خطة لاسرائيل في الثمانينيات) تقوم على مبدأين الاول نشر الفتن الطائفية والعرقية في الاقطار العربية واعتبار العراق هو الخطر الاكبر على الكيان الصهيوني، والثاني تطبيق نظرية (شد الاطراف) وهي تعني كسب اسرائيل دعم الدول غير العربية المحيطة بالعرب خصوصا تركيا وايران ودول افريقيا المحاذية للسودان والمغرب العربي.

من يريد تفسير ما يجري خصوصا منذ وصول خميني للحكم وحتى الان سيجد تطابقا تاما وحرفيا وتفصيليا بينه وبين المخططات الصهيوامريكية والفارسية منذ المؤتمر الصهوني الاول، فهذه الاطراف الثلاثة لا تخفي مطامعها في ارض العرب وهي تحتل بعضها وتقوم بتدمير الكيانات الوطنية العربية بفتن طائفية وعرقية او ازمات متنوعة مفتعلة، وتفكيك المجتمعات العربية، كما انها تظهر عداء صريحا للعرب وتستند الى التاريخ مثل اليهود وبلاد فارس. ورغم وضوح الصورة وتوفر الادلة المادية الكاملة على وجود المؤامرة وتطبيقها فعلا فان هناك من يستخدم نظرية المؤامرة لتسخيف هذا الربط! ماذا يشبه ذلك؟ حينما تذبح وترى دمك يتدفق ويقول لك شخص ما انك لم تذبح وانما تتخيل ذلك فمن المؤكد ان سوف تلكمه في وجهه بلا نقاش.

Posted in فكر حر | Leave a comment

حملات القمع والاعتقال ضد القساوسة والمسيحيين في العام الميلادي الجاري في ايران

أعطى نظام الملالي الحاكم في ايران أبعادا جديدة لحملات الاعتقال وقمع القساوسة والمسيحيين في ايران على طول عام 2013.

الجهاز القضائي للملالي الحاكمين في ايران قد أدان القس وروير آوانسيان 61 عاما من كنيسة الربانية في ايران بالحبس لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة بتهمة «الاقدام ضد الأمن الوطني» المختلقة من قبل الملالي وكذلك بسبب «التنصير والدعاية للمسيحية بين المسلمين». انه عمل قسا رسميا لأكثر من 17 عاما في الكنائس المتكلمة باللغتين الأرمنية والفارسية واعتقل في 27 كانون الأول/ديسمبر الماضي سوية مع 50 مواطنا مسيحيين آخرين أثناء مراسيم عيد الميلاد. وبعد نشاطات دولية واسعة أرغم النظام على اطلاق سراح القس آونسيان الذي مصاب بمرض قلبي والسكري ومشكلة حادة في الكلية بعد اسبوعين من اعتقاله وبكفالة باهظة. وعقب ذلك وفي 7 ايلول/سبتمبر حكمت «محكمة الثورة» للملالي في طهران عليه غيابا بينما كانت العملية تفتقر الى سير عمل قضائي عادل.

محمد هادي بوردبار معتقل آخر في مراسيم عيد الميلاد 2012 ادين بالحبس لمدة 10 سنوات بتهمة «العضوية في جمعية ضد الأمن والاجتماع والتواطؤ بهدف ارتكاب جرائم ضد أمن البلاد». وكان في عام 2009 قد اعتقل من قبل رجال الأمن واتهم باعتناق المسيحية والحضور في كنيسة بيتية في مدينة رشت وهو متهم بـ «الارتداد».

القس فرهاد سبك روح مع زوجته السيده شهناز جيزان من زعماء كنيسة جماعة الربانية في أهوز وناصر ضامن دزفولي وداوود علي جاني اثنين من خدام الكنيسة اعتقلوا في 4 أيار/مايس2013 وهم محبوسون في سجن كارون في أهواز. وكانوا قد اعتقلوا في وقت سابق في يوم 23 كانون الأول/ديسمبر2011 في مراسيم عيد الميلاد في كنيسه جماعة الربانية في أهواز.

القس روبرت آسريان من زعماء مجلس كنيسة جماعة الربانية اعتقل سوية مع الحاضرين في جلسه الصلاة الاسبوعية في طهران يوم 21 أيار/مايس2013 ونقلوا الى سجن ايفين. وتم اخلاء سبيله بعد ستة أشهر بكفالة.

والقس آسريان متهم بـ «الترويج للمسيحية بين المسلمين والاقدام ضد الأمن الوطني». وبعد توقيف القس آسريان أغلق نظام الملالي الحاكم في ايران كنيسة جماعة الربانية في شارع طالقاني بطهران وحرم المواطنين المسيحيين من أداء طقوسهم الدينية في هذه الكنيسة.

في هذا العام اعتقل عدد كبير ممن اعتنقوا المسيحية في محافظات فارس واصفهان وأذربيجان. كما اعتقل في 1 آب/أغسطس 2013 عدد من المشاركين في كنيسة بيتية في اصفهان خلال عملية مداهمة عليها.

وضغطت وزارة المخابرات أيضا على عدد من القساوسة الأرمن الذين كانو على ارتباط بالمسيحيين الآخرين لكي ينهوا نشاطاتهم الدينية أو يتركون البلاد في غضون ثلاثة أشهر.

وفي اكتوبر/تشرين الأول 2012 سعيد عابديني وهو قس أمريكي من اصل ايراني اعتقل خلال زيارته لايران وحكم عليه بالحبس لمدة 8 سنوات بتهمة «تشكيل كنائس بيتية بهدف الاخلال في الأمن الوطني».

القس بهنام ايراني عضو هيئة رئاسه الكنائس الايرانية يقبع في السجن منذ 4 أعوام. انه اعتقل في كنيسة بيتية في كرج في 14 نيسان/ابريل 2010 وتم اقتياده بعد الاعتداء عليه بالضرب الى زنزانات انفرادية في قفص قوات الحرس في سجن كوهردشت بمدينة كرج وحكم عليه بالحبس لمدة 5 أعوام و 8 أشهر وهو يعاني من أمراض عديدة ناجمة عن التعذيب وظروف السجن القاسية وهو محروم من أية عناية طبية.

القس يوسف ندرخاني الذي اعتقل مرات عديدة في السنوات 2008 الى 2012 وحكم عليه بالموت، تم اطلاق سراحه في ايلول/سبتمبر 2012 اثر النشاطات الدولية المكثفة.

وهناك عدد آخر من زعماء الكنيسة ومواطنون مسيحيون لاسيما حديثو الاعتناق محبوسون في سجون مختلفة ويمنع نظام الملالي الحاكم في ايران من نشر أي خبر بشأنهم.

المقاومة الايرانية اذ تعرب عن شجبها القوي تجاه قمع القساوسة والمسيحيين، تدعو عشية عيد الميلاد مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة والمفوضة السامية لحقوق الانسان والمقرر الخاص المعني بحرية الدين والاعتقاد والمقرر الخاص المعني بانتهاك حقوق الانسان في ايران والمدافعين الآخرين عن حقوق الانسان الى اتخاذ خطوات عاجلة للتوصل الى قرار حازم وملزم بوقف هذه العملية الاجرامية.

أمانة المجلس الوطني للمقاومة الايرانية – باريس

15 كانون الأول/ديسمبر

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | 1 Comment