على الورق فقط تمتلك روسيا دستورا ً مثل بقية الأمم , كما تقام فيها الإنتخابات , والبرلمان يوافق على القوانين , والرئيس ورئيس الوزراء يؤدون واجبهم , والشعب ينعم بالديمقراطيه , كل هذا على الورق فقط لأن الحقيقة شيء مختلف تماما ً .
منذ عام 1993 حين بدأ العمل بالدستور الروسي الجديد تنحسر السلطة يوما ً بعد يوم لتصبح في يد رئيس البلاد وحده ولا أحد سواه .. الى الحد الذي وصلت فيه روسيا اليوم الى مرحلة حكم الفرد الواحد .
من مرحلة ما قيل أنهاكانت تمثل الحالة الديمقراطيه عند الإستقلال عن الإتحاد السوفييتي وحتى مرحلة الديكتاتوريه الواقعه بالفعل في روسيا اليوم , تحولات أحدثها فلاديمير بوتين خلال 8 سنوات من عمله كرئيس لروسيا , ورغم أنه يشغل الآن منصب رئيس الوزراء لكنه في الحقيقة هو الرئيس الفعلي للبلاد .
حين وصل ميخائيل غورباتشوف الى رئاسة الإتحاد السوفييتي إعتمد سياسة الإنفتاح ( غلاسنوست ) وإعادة البناء ( بريستوريكا ) وفي عهده قلت صرامة الرقابه على الإعلام . تظاهر سكان دول البلطيق ودول القوقاز مطالبين بالإستقلال عن الإتحاد السوفييتي .
فيدرالة روسيا التي كان يحكمها بوريس يالتسن هي الأخرى إعترضت على السلطه السوفييته وأدت تداعيات الموقف الى إعلان روسيا إستقلالها عن الإتحاد السوفييتي تاركة غورباتشوف رئيسا ً بلا دوله مما إضطره الى حل الإتحاد السوفييتي عام 1991 .
حين إستقلت روسيا عن الإتحاد السوفييتي خسرت الكثير من الأراضي التي كانت تابعة لها يوم كانت تحت حكم القيصر , خسرت معظم سواحلها على بحر البلطيق الى كل من أستونيا ولا تفيا وليتوانيا ثم أوكرانيا وبيلا روسيا .
الإتحاد السوفييتي الذي كان دولة واحده تقاسمه 15 وريث , وإنهياره تسبب على الفور بالعديد من المشاكل . أراضي بروسيا الألمانيه التي سيطرت عليها روسيا عند نهاية الحرب العالمية الثانيه إنفصلت عن روسيا لتصبح بيلا روسيا .
ملايين الروس الذين كانوا يعيشون في مختلف أرجاء الإتحاد السوفييتي وجدوا أنفسهم بعد الإنهيار وقد أصبحوا مواطنين في دول أجنبيه وليست روسيا التي هم منها .
الأسلحه النوويه السوفييتيه لم تخزن في روسيا وحدها , لكنها انتشرت في بيلا روسيا وكازاخستان واوكرانيا , وجميع هذه الدول طالبت برفع هذه المعدات عن أراضيها بعد الإستقلال .
المحطه الفضائيه بيكنور التي تنطلق منها الفعاليات الروسيه الفضائيه أصبحت مشكلة هي الأخرى بسبب وجودها في كازاخستان . أما الصناعات الروسية الثقيله والتي كانت مواقعها موزعه على جمهوريات الإتحاد السوفييتي السابق فقد أصبحت صناعات روسيه قائمة في دول أجنبيه , وتطالب هذه الدول بضرائب عاليه على إستمرار إنتاجها .
الحكومه الروسيه بزعامة بوريس يالتسن واجهت بعد الإستقلال عن الإتحاد السوفييتي مواقف حاده من الشيوعيين المعارضين لحركة يالتسين , مثلما واجه يالتسن معارك في القوقاز بعد إعلان جمهورية الشيشان إستقلالها عام 1994 فدخل الجيش الروسي الى الشيشان وخاض حربا ً طاحنه إستمرت حتى عام 1996 .
على الجانب الإقتصادي باع يالتسن الكثير من أسهم الحكومه في الصناعات الثقيله كالنفط والألمنيوم والمناجم فإشترها منه موظفون حكوميون كبار فاسدون بأموال الحكومه وتمت سرقة الأموال التي دفعها الحكوميون الفاسدون من قبل موظفين ماليين كبار في عملية فساد تاليه . بوصولنا الى عام 1998 إنهار الإقتصاد الروسي وفقد الروبل قيمته فعم الفساد عموم المجتمع .
لم يتحمل يالتسن مقارعة كل هذه المشاكل ولهذا قام نهاية العام 1999 بتسليم السلطه الى فلاديمير بوتين العضو السابق في الكي جي بي . يمتاز بوتين بصرمة عاليه فقد إستحوذ على البلاد وجرد الخصوم السياسيين من قوتهم .
تصاعد أسعار النفط والغاز اللذين يشكلان أهم صادرات روسيا وفّر للبلاد عملة جيده سمحت لبوتين بترميم إقتصاد بلاده المنهار , كذلك إنتصر بوتين في حرب الشيشان الثانيه وتعامل بسياسة خارجية فظه لدعم تطلعات روسيا في الخارج .
في الدورة الإنتخابيه التاليه في 2004 بقي بوتين في منصبه كرئيس للدوله , لكنه مُنِع دستوريا ً وبشده من الإستمرار في حكم البلاد لفترة رئاسية ثالثه , عندها أوجد لنفسه طريقة للإستمرار في الحكم , ولكن من مقعد رئيس وزراء للبلد ومن خلال رئيس لروسيا إختاره هو بنفسه وهو ديمتري ميدفيديف .
عند إنهيار الإتحاد السوفييتي 1991 إجتمع رؤساء روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا لِلَمّ شمل العِقْد السوفييتي الذي إنفرط فقاموا بتشكيل الكومن ويلث الروسي .
لا يمتلك هذا الكومون ويلث إلا سلطات محدوده خارج حدوده لكن الدول الداخله فيه تتعاون فيما بينها إقتصاديا ً وتجاريا ً وأمنيا ً وتشريعيا ً وفي نظام الحد من الجريمه , وكذلك تنظيم إرسال جيوش تشارك في مهمات حفظ السلام مع الأمم المتحده .
قامت 12 دوله من أصل 15 دوله من دول الإتحاد السوفييتي السابق بالدخول في هذا الكومون ويلث عدا بيلاروسيا وليثوانيا ولاتفيا اللواتي فضلن الإنضمام الى الإتحاد الأوربي وحلف شمال الأطلسي عام 2004 . أما بعد قيام الجيش الروسي بالإجتياح العسكري لجمهورية جورجيا عام 2008 فقد أعلنت جورجيا إنسحابها من الكومون ويلث .
ينص الدستور الروسي على أن رئيس الدوله هو رئيسها الذي ينتخب من قبل الشعب ليحكم 4 سنوات , بعد 2012 رفعت المده الى 6 سنوات . ويحرم دستوريا ً على الرئيس أن يحكم أكثر من فترتين رئاسيتين , وهنا سنعرف لماذا غادر بوتين مكتبه الرئاسي ليمنح الكرسي الى شخص إختاره بنفسه هو ديمتري ميديفيديف ليصبح رئيس الدوله والقائد العام للقوات المسلحه ويحدد الإتجاهات الأساسيه للسياسه الروسيه ويعين السفراء ويوقع المعاهدات الدوليه ويمثل روسيا في الخارج . كما يمتلك مديفيديف صلاحية تعيين رئيس الوزراء فلاديمير بوتين ( ولكن هل يملك صلاحية عزل بوتين ؟ )
رئيس الوزراء حسب الدستور الروسي هو رئيس مجلس الوزراء وله نائبين أولين , و6 نواب عاديين إضافه الى 17 وزير بمختلف الإختصاصات . وهذا الفريق كله يشكل الحكومه التي تدير البلاد .
السلطه التشريعيه في البلاد عباره عن جمعيه فيدراليه مكونه من مجلسين :
# مجلس الدوما الذي يضم 450 عضواً يشكلون المجلس الأدنى في الجمعيه الفيدراليه
# المجلس الفيدرالي الذي يضم 168 عضواً يشكلون المجلس الأعلى في الجمعيه الفيدراليه .
كان إنتخاب أعضاء مجلس الدوما يتم كل 4 سنوات ولكن بعد 2011 أصبح كل 5 سنوات . يتوزع عدد مقاعد مجلس الدوما بحسب الأصوات التي يحصل عليها كل حزب , ثم يقوم الحزب بعد ذلك بترشيح من يختاره من أعضائه لشغل هذه المقاعد , كما أن على الحزب أن يفوز ب 7% من عدد أصوات الناخبين الكلي لكي يحق له أن يكون له ممثل في مجلس الدوما . عام 2007 فشلت 7 أحزاب في الحصول على مقعد واحد في مجلس الدوما لأنها لم تتمكن من الحصول على نسبة 7%
مهام مجلس الدوما هي الموافقه على القوانين والميزانيه العامه والمصادقه على تعيين رئيس الوزراء والسفراء العاملين في الخارج , كما له سلطه على البنك المركزي والمنظمات , وله حق الإقتراع على سحب الثقه وإجبار الحكومه على الإستقاله .
تتكون الفيدراليه الروسيه من 83 كيان فيدرالي مختلف النظام موزعين بالشكل التالي :
منطقه عدد 46 , جمهوريه عدد 21 , مقاطعه عدد 9 , حي عدد 4 , منطقة حكم ذاتي عدد 1 , فيدرالية مدينة موسكو , فيدرالية مدينة سان بطرسبرغ = 83 .
المجلس الفيدرالي يضم 166 سيناتور . عن كل فيدراليه روسيه من الفيدراليات أعلاه يترشح إثنان , أحدهما يختاره برلمان فيدراليته , والثاني يختاره حاكم فيدراليته . محرم دستوريا ً على السياسيين الدخول الى المجلس الفيدرالي كأعضاء لأن هذا المجلس له مهمه محدده هي وضع القوانين للبلاد بعيداً عن الصراعات السياسيه .
دور المجلس الفيدرالي هو العمل مع مجلس الدوما على إصدار القرارات القانونيه والموافقه على القرارات الحكوميه وفي حالات الضروره فالمجلس الفيدرالي له صلاحية عزل رئيس البلاد اذا أخل بواجبه لأي سبب من الأسباب .
رئيس الدوله الذي هو ديمتري ميدفيديف قام بتعيين رئيس الوزراء فلاديمير بوتين , فقام بوتين بتعيين أفراد حكومته .. النواب والوزراء , أضف على ذلك أنه عين 83 حاكم إقليمي على الفيدراليات ال 83 , وهذه الصلاحيات أعطته السيطره على مقدرات البلد مركزا ً وأقاليم مثلما منحته السيطره على المجلس الفيدرالي لأن الحكام الفيدراليون المعينون من قبله يرشحون نصف أعضاء هذا المجلس مثلما أسلفنا .
الأهم من كل ذلك أن بوتين يسيطر على مجلس الدوما فحين كان قبل عدة سنوات يشغل منصب رئيس الدوله ورئيس حزب روسيا الموحد , قام بوتين يومها بترقية هذا الحزب من حزب عادي المنزله الى حزب حاكم للبلاد , ولكي يتأكد أن الأحزاب الأخرى لن تتمكن من الوصول الى مجلس الدوما كان يضع في طريقها العراقيل . مثلاً في العام 2005 تغير نظام الترشح للإنتخابات من نظام ترشيح فردي الى نظام ترشيح قوائم وهذا معناه أن شخصيات البلاد من خارج التنظيمات والتحالفات الحزبيه لن تتمكن من ترشيح أنفسها .
الأحزاب نفسها تم تضييق الخناق عليها فبعد أن كان مطلوبا ً منها الفوز ب 5% من العدد الكلي لأصوات الناخبين لكي يكون من حقها شغل مقعد في مجلس الدوما رفعت النسبة الى 7% . بوصولنا الى عام 2007 لم تنطبق شروط الترشح إلا على 14 حزب فقط من جميع الفيدراليات الروسيه ال 83
من هذه ال 14 حزب التي يحق لها الترشح تم طرد 3 لأسباب مختلفه , 7 أحزاب خرجت لأنها لم تحصل على نسبة 7% من المجموع الكلي للأصوات , ووصلت 4 أحزاب فقط الى مجلس الدوما .
حزب روسيا الموحد الذي يرأسه بوتين تحالف مع الحزب الليبرالي الديمقراطي وحزب العداله الروسي وبهذه الطريقه سيطر بوتين على 412 مقعد في مجلس الدوما من أصل 450 مقعد
38 مقعد المتبقيه شغلها الحزب الشيوعي الروسي الذي لم يعد له صوت في مجلس الدوما أمام أصوات الأغلبية الساحقه التي يسيطر عليها بوتين .