يتركز وجود يهود الفلاشا بشكل رئيسي حول مدينة ( جوندر ) في منطقة المترفعات الأثيوبية المحيطة ببحيرة ( تانا ) . لكنهم ليسوا وحدهم في المنطقة بل يحيون مع بعض أقوام الإقليم الأخرى . يتراوح عددهم ما بين 40 ألف الى 45 ألف نسمة , ويعيش أغلب يهود الفلاشا اليوم في إسرائيل.
إسمهم : ( فلاشا ) مشتق من كلمة أثيوبية قديمة تعني : ( منفي ) أو ( غريب ) وهم يهود يعتبرون أنفسهم من ( بيت إسرائيل ) وعلى الرغم من تسمية هؤلاء القوم في أدبيات العالم بإسم فلاشا .. إلا أنهم يعتبرون هذا الإسم مهينا لهم
يرجع الفلاشا نسبهم الى جنود حماية الملك ( منليك الأول ) _ إبن النبي الملك سيدنا سليمان عليه السلام من زوجته بلقيس ملكة سبأ , ويرون أن ( منليك الأول ) هو مؤسس سلالتهم اليهودية في أثيوبيا
في الحقيقة , كان الإغريق هم أول من أشار الى وجود اليهود في أثيوبيا في حدود عام 200
ق . م كما أشار الإغريق الى أن الديانة اليهودية كانت قد بدأت تنتشر في المنطقة بحدود عام 300 ق . م ويرجع بعض المؤرخين أصلهم أما الى يهود فلسطين الذين هربوا من التطهير الديني قبل ألفي عام مضت , فوصلوا الى هذه المنطقة من أفريقيا . وإما الى أنهم يهود كانوا قد تاجروا مع أقوام البحر الحمر , ثم إنضموا إليها وجعلوها تعتنق اليهودية , والفلاشا من أنسال أولئك المعتنقين , خصوصا في الساحل الأثيوبي , أو يرجحون أن الفلاشا قد يكونون إحدى القبائل اليهودية التي ضاعت أثناء التيه
كان الفلاشا قوما مجتهدين في أثيوبيا , وكانت لهم عصور مزدهرة من الإستقلال والقوة , ففي حوالي عام 960 ميلادية قادتهم الملكة جوديث والتي تعرف أيضا بإسم ( أستير ) للتمرد على حكم مملكة أكسوم . ثم واصلوا تمردهم تحت حكم سلالة ( زاغوا ) وكذلك تحت حكم الإمبراطورية الأثيوبية المسيحية التي حكمت خلال القرن 13 لذلك كانوا غالبا ما يتعرضون الى الإضطهاد . أما في القرن 16 فقد شن عليهم الإمبراطور ( سارسا دنغل ) حربا شرسة , وحين وصل خليفته الإمبراطور ( سوس ينوس ) الى الحكم قام بكسر مقاومتهم وقتل أعدادا كبيرة منهم في مجزرة عام 1616 ميلادية . ومنذ ذلك الوقت فإن أعداد الفلاشا التي كانت تقدر بمئات الآلاف أصبحت تتناقص أما بالقتل أو بإعتناق بعض أفرادها للديانة المسيحية خوفا من البطش , فلم يتبق منهم غير عددهم الضئيل اليوم
منذ بداية القرن 19 قام بعض المبشرين الأوربيين بتقديم أنفسهم الى هذه الجماعات من الفلاشا السود على أنهم من ( الفلاشا البيض ) وأقنعوا هؤلاء الفلاشا السود بأن ( عيسى الحي ) أو المسيح المنتظريعيش حاليا فعلا على أرض فلسطين في القدس , من أجل حثهم على إعتناق المسيحية , ولهذا خرجت أعداد كبيرة من الفلاشا السود ذاهبة الى حج القدس سيرا على الأقدام عند العام 1862 ميلادية , فمات عدد كبير منهم في الطريق بسبب الجوع والمرض
مثل العديد من الجماعات اليهودية فإن الفلاشا مجتمع قائم على أساس الدين , ففي كل قرية كبيرة هناك رجل دين يقود المؤمنين , ويستعملون كلمة عربية لتسميته بالقس
أما كتابهم فهو التوراة الذي يحوي الكتب الخمسة الأولى من العهد القديم , يشرحه لهم رجل دين يقوم أيضا بتقديم الإستشارات الدينية وتستعمل كلمة عربية أيضا لتسميته ب ( كاهن ) يساعده شخص آخر يدعى ( البيبتارا ) أثناء تأدية واجبات الصلاة . أما مكان العبادة فتستعمل كلمة عربية إسلامية لتسميته بالمسجد
كتاب الصلاة الذي يستخدمه المصلي مكتوب بلغة ( الجيز ) وهي لغة أثيوبية قديمة نادرا ما تستخدم اليوم ولا يفهما غير الكاهن . وتؤدى الصلاة بالقبلة الى القدس في يوم السبت ثم تتم قراءة ( الأوريت ) وهو كتاب التوراة المترجم الى اللغة المحلية , ثم يقوم الكاهن بتقديم كلمة في أحد أمور الإيمان
في الماضي كان الفلاشا يتحدثون اللغة الأغاوية , لكنهم ومنذ القرن التاسع عشر بدأو بإستعمال اللغة التيجيرانية , أو اللغة الرسمية الأثيوبية الأمهرية المستعملة في كل البلاد , لكنهم ومنذ تأسيس الوطن العبري أخذوا يتحدثون العبرية المحكية في إسرائيل
بعد الحروب العربية الإسرائيلية , وشعور الدولة العبرية بأنها بحاجة الى المزيد من المهاجرين إليها , ليقوموا بتعمير البلد وشغل وظائف الخدمات , والإنخراط في الجندية . لهذا كان يجب عمل ما يدفع هؤلاء الفلاشا الى الهجرة الى إسرائيل تاركين وطنهم ومصالحهم خلفهم
يوم 12 أيلول 1974 قام الماركسيون الأثيوبيون بالإطاحة بحكم الإمبراطور هيلاسيلاسي الذي يحبه شعبه , فإندلعت الحرب الأهلية الأثيوبية ودامت منذ عام 1974 وحتى عام 1991 محولة أثيوبيا الى جحيم أجبر الفلاشا على الهرب من أثيوبيا الى السودان حيث إستقروا كلاجئين
عام 1975 قامت إسرائيل بإعلان أن الفلاشا لهم حق المواطنة فيها , فتمكن حوالي 6 آلاف من الفلاشا الوصول الى إسرائيل بطريقتهم الخاصة , لكن بقية الفلاشا لم يتمكنوا من ذلك , ولهذا نفذت 3 عمليات على التوالي لترحيل جماعي لهؤلاء الفلاشا الى إسرائيل : العملية موسى و العملية يوشع و العملية سليمان
العملية موسى وهي عملية سرية بدأت يوم 18 نوفمبر 1984 وإستمرت 6 أسابيع تم فيها وضع اللاجئين الفلاشا الموجودين في المخيمات السودانية في طائرات حمل ونقلهم الى إسرائيل , وبعد أن تم نقل حوالي 8 آلاف شخص , وصل خبر هذه العملية الى الإعلام مما أدى الى إيقافها
عام 1985 قام بوش الأب وكان وقتها نائبا للرئيس بالإيعاز الى وكالة السي آي أي بتقديم دعم جديد لعملية نقل هؤلاء الفلاشا الى إسرائيل فتمت العملية يوشع . حيث تم نقل حوالي ألف منهم فقط , وبعد إنهائها لم تقع عملية نقل جديدة لأن الرئيس الأثيوبي ( منغيستو هيلا ميريام ) الذي يوصف بالديكتاتور , كان يعارض عملية تهريب مواطنيه خارج بلدهم بهذا الشكل
لأن عمليات ترحيل الفلاشا الى إسرائيل كان من المؤمل لها أن تقوم بنقلهم جميعا , لذلك كان نقلهم بشكل غير منظم في عوائل أو جماعات متجانسة فيما بينها , بإعتبار أن الجميع سيلتقون فيما بعد في إسرائيل . لهذا فإن توقف عمليات النقل سببت مشاكل كثيرة لعوائل تم فصل أبنائها وهم أطفال عن ذويهم الذين لا يعرفون أي معلومات عنهم أو عن سلامتهم , مما دفع الكثيرين الى الإنتحار أو العنف . أما مشكلة المشاكل التي حلت على إسرائيل بوصول هؤلاء الفلاشا فهي أنهم بشر غير متحضرين بالمرة .. وكان ينبغي تعليمهم كل شيء : الكهرباء وركوب السيارة وإستعمال الأدوات .. إضافة الى اللغة العبرية
خلال السنوات الخمس التالية كانت هناك أعداد قليلة جدا من الفلاشا يغادرون اثيوبيا , كما أن الرئيس منغيستو هيلا ميريام أبدى عدم إستعداد حكومته لمناقشة إسرائيل في موضوع سحب الأطفال الفلاشا الموجدين في إسرائيل لذويهم من أثيوبيا , وبعد عدة مفاوضات تمت موافقة الحكومة الأثيوبية على السماح لبعض الفلاشا بالمغادرة الى إسرائيل ما دام هناك ما يثبت أن أولادهم فيها فعلا , مع معارضة تامة لمغادرة جميع الفلاشا الى إسرائيل
عندها كان يجب إستغلال مشاكل أثيوبيا الداخلية من أجل تسقيط النظام , فما الذي حصل ؟
أثيوبيا ورغبة منها في الحصول على ساحل على البحر الأحمر كانت قد إحتلت أرتيريا عام 1962 , معتبرة إحتلالها ( ضم لمحافظتها الرابعة عشرة ) . تم فرض اللغة الأثيوبية الأمهرية بشكل إجباري للتعليم في جميع المدارس , وهذه القضية مر عليها 30 عام من دون أن تنفجر .. لكن سيتم تفجيرها الآن لحل مشكلة الفلاشا
تمرد الأرتيريون وقبائل التايجير المجاورة لهم في داخل أثيوبيا على القوات الحكومية الأثيوبية عام 1991 . ولأن التمرد كان مدعوما من الخارج فقد نجح نجاحا فائقا أجبر حكومة منغيستو هيلا ميريام على الهرب خارج البلاد . عند هرب الحكومة , طالبت أرتيريا بإستقلالها عن أثيوبيا فمنحت عام1993 ذلك الإستقلال
المفصل الأهم بالنسبة لإسرائيل في هذه العملية برمتها هو الفراغ الذي سيتركه غياب الحكومة الأثيوبية , حيث إندفع التايجيريون للسيطرة على العاصمة أديس أبابا وبالتنسيق مع حكومة الليكود في إسرائيل قامت 34 طائرة إلعال ( جمبو جيت ) ترافقها طائرات هركلويز ( سي _ 130 ) بمغادرة إسرائيل رغم أن ذلك اليوم كان ( يوم سبت ) ووصلت الى مطار أديس أبابا ونقلت في 6 ساعات ومن دون توقف 15 ألف شخص من الفلاشا الى إسرائيل فيما يعرف بإسم : ( العملية سليمان ) التي نقلت الى تل أبيب ضعف عدد ما نقلته كلتا العملتين موسى ويوشع .
أصبح عدد الفلاشا الموجودين في إسرائيل 36 ألف نسمة .. وهنا سنأتي الى الزبدة , وهي مالذي جناه الفلاشا من هجرتهم الى إسرائيل ؟ فرغم أنهم مواطنون يهود مثل غيرهم في هذا البلد العبري إلا أنهم يعاملون بعنصرية شديدة بسبب لونهم وبسبب تخلفهم , مما دفعهم في العام 2007 الى الإحتجاج أمام مكتب رئيس الوزراء الإسرائلي فكانت النتيجة الإشتباك بينهم وبين الشرطة وعناصر الأمن عند بوابة مكتب رئيس الوزراء
أما في العام 2009 فقد كتب الصحفي الإسرائيلي ( شموليك حداد ) في صحيفة ( إسرائيل نيوز ) مقالة بعنوان : ( تفرقة عنصرية قبيحة في أشكلون ) تحدث فيها عن تفرقة عنصرية كبيرة تقع على هؤلاء الفلاشا في مدينة أشكلون المحاذية تماما لقطاع غزة الفلسطيني . حيث يمنع منعا باتا بيع أو إيجار أي عقار أو سكن لهم أسوة ببقية اليهود الإسرائيليين
يختم شموليك حداد المقال بقوله : ومن غير المتصور أن تحدث مثل هذه الاشياء في عام 2009 فكلما سمعت عن مثل هذه التصرفات العنصرية أسأل نفسي ما هي الخطيئة التي إرتكبها هؤلاء البشر ؟ هل تغيير لون جلد هؤلاء الناس كفاية لعلاج مشكلتهم وجعلهم يعيشون مثل غيرهم ؟ إنهم ليسوا مجرمين أو أشرار ، وإنما بشر مثلكم ومثلي . ولن نسكت على هذه القضية