سميح إيديز: الشرق الأوسط
التدبر في المحاولات الدبلوماسية الأخيرة الرامية إلى التوصل إلى حل للأزمة السورية يظهر بجلاء أن المهمة الحالية للأخضر الإبراهيمي، المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية لسوريا، لا تروق في طبيعتها لأنقرة. وقد سربت مصادر بوزارة الخارجية التركية للصحافة ما يكفي لتعزيز هذه الفكرة.
وكما أشرت في السابق في هذا العمود، فقد غيرت تركيا من وجهة نظرها، وبدت مترددة نوعا ما، في قبول مشاركة أي عناصر من النظام الحالي في الإدارة الانتقالية في فترة ما بعد الأسد. لكن فكرة أن يكون الأسد ذاته جزءا من أي صيغة تسوية لا تزال غير مطروقة.
من ناحية أخرى أشارت تقارير إعلامية، إلى أن مهمة الإبراهيمي الحالية تتضمن إقناع الجانبين في سوريا بقبول الخطة المدعومة من قبل روسيا والولايات المتحدة، التي تتضمن بقاء الأسد حتى عام 2014 على رأس السلطة، على رأس إدارة انتقالية ذات قاعدة عريضة، حتى وإن لم يتم تجديد ولايته بعد هذا التاريخ.
لكن النقطة الرئيسية هنا ليست في أن الخطة تتضمن بقاء الأسد حتى عام 2014. الأمر الذي يصعب تقبله من جانب الأطراف المتشددة في المعارضة السورية التي حولت الأزمة في سوريا إلى حرب طائفية، بل فيما بدا اتفاقا بين واشنطن وموسكو لدفع خطة تسوية مشتركة.
وقد أكدتُ في عدد من المناسبات هنا، أن أي تسوية بشأن القضية السورية ينبغي أن تتضمن لا محالة تعاون العضوين الدائمين في مجلس الأمن. وبدا الاجتماع في دبلن الذي عقد في وقت مبكر من هذا الشهر بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون خطوة في سبيل تحقيق تقديم اتفاق محدود بشأن سوريا.
لكن مهمة الإبراهيمي الحالية تشير إلى أن ذلك قد لا يمثل القصة برمتها. فرغم المنافسة على المصالح الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وروسيا في الشرق الأوسط، الحقيقة التي اتضحت حتى في الأزمة السورية، هناك مخاوف تشترك فيها كلا القوتين قد تدفعهما إلى التعاون في النهاية. حقيقة الأمر أن روسيا كانت تؤكد منذ البداية على أن سوريا ستصبح أرضا خصبة للجهاديين الأجانب من كل الأطياف، وكانت تبرر دعمها الواسع لنظام الأسد على هذا الأساس.
من ناحية أخرى بدأت واشنطن في التخلي عن موقفها القريب من تركيا، في الالتزام برواية قريبة لرواية أنقرة، ومن ثم اعتبرت في البداية المعارضة السورية المسلحة قوة موحدة لمقاومة ديكتاتور بغيض والصراع من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ورغم صحة هذا دون شك بالنسبة لبعض عناصر المعارضة، لكن خلفية بعض المقاتلين المعارضين للأسد تشير بوضوح إلى أن هدفهم النهائي لا يمكن أن يكون الديمقراطية أو حقوق الإنسان، بل نظام سني ثيوقراطي يتشابه بصورة أو بأخرى مع ذلك الذي يقوده الإخوان المسلمون.
وهذا هو السبب الواضح وراء تدخل واشنطن لتوسيع قاعدة المعارضة السورية، بهدف عزل العناصر الجهادية، سواء كان ذلك داخل سوريا أو خارجها. إن الدعم الذي تقدمه تركيا للمعارضة السورية التي ينتمي معظم قادتها للتيار السني يتضمن عناصر قد تنظر إليها واشنطن وموسكو على أنها أشياء لا تتسم بالحكمة أو بغيضة من الناحية الأخلاقية.
والأكثر من ذلك، تُظهر مهمة الأخضر الإبراهيمي مرة أخرى أن تركيا لم تعد في مركز الجهود الدبلوماسية الرامية إلى حل الأزمة في سوريا. وعلى العكس من ذلك، تسعى تركيا بهذه الطريقة لأن تكون قوة معرقلة تحاول منع التوصل إلى تسوية لا تتفق مع رؤية حكومة أردوغان لسوريا في المستقبل.
ويتعين على أردوغان ووزير خارجيته داود أوغلو أن يفهما أن سوريا المستقبل من غير المرجح أن تتشكل وفق رؤيتهم الآيديولوجية المشتركة، ولكن من المرجح أن تكون قائمة على عوامل موضوعية نتيجة للتعاون بين القوى الرئيسية في مجلس الأمن.
ويبدو أن واشنطن وموسكو يفهمان هذا جيدا، وقد حان الوقت لأنقرة لكي تفهم ذلك أيضا.