المكان: عمّان. الزمان: أيلول 2013. وكان خط أحمر قد رُسم من قبل رئيس أعظم دولة في العالم. وكان العرب، مواطنين لا حكاماً، قد صدّقوا أن حماية المدنيين أولوية، وأن القتل الممنهج لا بدّ أن يتوقف. يومها استنفرت دول المنطقة على أساس أن الموت بقذيفة أو صاروخ أو قناص مسموح أم الموت بسلاح كيماوي فتماما محظور. ومرّ أيلول وعامان ليتضح أن الخط الأحمر ما هو إلا دماء السوريين، جميعا، من هم مع حكومة الأسد ومن هم ضدها.
أذكر الأمل في عيون ذلك اللاجئ في مخيم الزعتري في الأردن. قال لي: “لن يسمح أوباما أن تباح دماؤنا ونتشرد في أصقاع الأرض، سوف يتدخل ونعود إلى ديارنا”.
حتى اللحظة يقبع مئات الآلاف من اللاجئين في المخيمات، والحياة بالنسبة لهم تعود إلى الوراء.
تصوروا لو لم يحتضن بعض السوريين داعش وتنظيمات أخرى متطرفة؟ ماذا كان سيفعل الرئيس الأميركي والمجتمع الدولي؟ ربما كان اخترع ذريعة أخرى كي لا يفعل شيئاً.
تارة يقول المسؤولون الأميركيون لا بديل للأسد، وربما هنا هم محقون، فما يُسمى بالمعارضة السورية تكاد لا تُجتمع على قضية واحدة. وطورا نسمع أن التطرف الديني هو العدو الحقيقي، وهذا أيضا صحيح، فهو عدو العرب، مُسلميهم وأقلياتهم الإثنية والعرقية والدينية. ثم يُقال إن الأزمة في سوريا تدوّلت، وهو كذلك لأن تمييع القضية يُفسح الطريق للطامحين عبر الحدود بلعب الأدوار العسكرية والسياسية.
في الماضي كان أي رئيس أميركي، بالمطلَق يحاول أن يسجل هدفا ما في ملف السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فالقناعة كانت أن القضية الأم في العالم العربي هي قضية فلسطين المحتلة. في السنوات الماضية لم تعد فلسطين هي القضية الوحيدة، إذ انضم إليها مطالب الشعوب العربية بحياة أفضل وحريات وأنظمة سياسية عصرية. أصبح همّ العربي أن يعبّر عن مطالبه دون أن يُقتل أو يُسجن.
وهنا وعد أوباما وفشل، لم يسجل أي هدف في تونس وليبيا ومصر وسوريا والعراق.
يوم وقف في القاهرة خطيبا، استبشر المواطن العربي خيرا، وحَلُم باستيراد مبادئ الديمقراطية والعدالة إلى مصر والخليج وبلاد فارس والهلال الخصيب. صدّق كثيرون أن شرطي العالم يملك حلولا لمشاكل المنطقة المزمنة. ظنّوا أن رجلا جلده من جلدهم يفهم مشاكل المنطقة وينهي الحروب تماما، كما قلّص من حروب أميركا وتواجدها العسكري في أفغانستان والعراق. خاطب أوباما العربي دوما وقطع وعودا كثيرة ونفّذ منها القليل.
نظرة المواطن العربي للرئيس الأميركي بين خطاب القاهرة واليوم، وقفت عند خطوط حمراء لم يلتزم بها في سوريا، يوم وعد بإيقاف حمام الدم ولم يفعل. قد يكون القرار بعدم الانغماس في وحول بلاد الشام قد جنّب العالم حربا عالمية ثالثة شرارتها سوريا. أو ربما حربا إقليمية تغرق الأردن ولبنان وتركيا والعراق في دوامة حروب لا نهاية لها. أو ربما تفادى أوباما المزيد من المجازر المدنية. سيناريوهات كثيرة منها ما نعيشه اليوم من حرب إقليمية في سوريا.
كثيرون يدركون أن الولايات المتحدة الأميركية منهمكة بقضاياها الداخلية من الاقتصاد إلى الأمن الداخلي. لكن صورة أوباما أصبحت مرادفة لصورة ناكث بالوعود، بدأت في سوريا وانتهت في صفقة شبه غامضة مع إيران. لعل وعود أوباما درس للعرب، في أن الحل هنا، والخطوط الحمراء نحن من يرسمها ونلتزم بها. حان وقت التغيير ليس للمواطن الأميركي فقط بل للعرب أيضا.