نبيّك هو أنت.. لا تعش داخل جبّته! (7)؟

وفاء سلطان

الطلقة التي تراها لا تصيبك، والفكرة كالطلقة!
عندما نرفع مستوى وعينا لندرك أبعاد أية فكرة ترقص في ساحة وعينا وآثارها على سلوكنا سنكون قادرين على أن نقرر بعقلانية هل نسمح لها بدخول حيّز اللاوعي أو نمنعها!
للتكرار سطوته، ومتى سمحت لفكرة ما أن ترقص طويلا في ساحة الوعي تزداد فرصة تسللها إلى اللاوعي مهما تعارضت تلك الفكرة مع البرمجة الأولية للاوعي.
كما تنتعش الأسواق بكثرة العروض وتنافسها كذلك تنتعش العقول بكثرة الأفكار وتفاعلها.
عندما تنفرد بضاعة ما في سوق ما تفقده جودته وتحدد نشاطه وتصيبه بالكساد ولاحقا بالإنهيار، وكذلك عندما تنفرد فكرة ما في حيّز العقل تحدد نشاطه وتصيبه بالكساد ولاحقا بالجمود.
في حلبة التنافس الحر والمقونن تسود الفكرة الجيدة كما تسود البضاعة الجيدة، ويكون البقاء دوما للأفضل.
احتكر الإسلام عقول معتنقيه ولم يسمح لهم بتبني أيّ فكر آخر، فساهم في تقزيم تلك العقول وأصابها بالكساد وأدى به إلى الجمود.
تكررت لغة الإسلام، المليئة بخرافات وأخلاقيات اللحظة التي أنجبته، على مسامع أتباعه لمدة أربعة عشر قرنا من الزمن ولم تسمح للغة المنطق والعلم من أن تنافسها.
أقصى بارفيز Aqsa Parvez شابة كنديّة من أصل باكستاني، لم تتجاوز بعد ربيعها السادس عشر، قتلها والدها المسلم منذ حوالي ثلاثة أسابيع بلا رحمة لأنها رفضت أن ترتدي الحجاب.
لا شئ على سطح الأرض يبرر أن يتجرد الإنسان من عاطفته تُجاه فلذة كبده فيقدم على قتلها، إنّها البرمجة العقلية التي تهبط به إلى مستوى حيوان يدوس في بطن وليده ولا يعي ما فعل!
هذا ما فعله الإسلام!
عندما تناول الإعلام الغربي الحادثة جن جنون المسلمين في أمريكا وراحوا يزعمون بأنه لا علاقة لتلك الجريمة بالتعاليم الإسلاميّة، وإنّما الأمر قضيّة عادات وتقاليد فالإسلام لا يأمر الآباء بقتل بناتهن عندما يرفضن لبس الحجاب.
والسؤال الذي يطرح نفسه في وجه ذلك الإدّعاء الكاذب:
لماذا تقتصر جريمة القتل “دفاعا عن الشرف” على البلاد الإسلامية دون غيرها، علما بأن لتلك البلاد عادات وتقاليد تختلف بإختلافها؟
ما الذي يجعل معدل تلك الجريمة في الباكستان هو نفسه في الضفة الغربية، ولكلّ من المنطقتين تاريخ وعادات وتقاليد تختلف عن الأخرى؟
أليست التعاليم الإسلامية هي العامل المشترك بين جميع البلاد التي تعتمد القتل “دفاعا عن الشرف”؟
أليست اللغة التي تبناها الإسلام هي المحرّض الأول والأخير لإرتكاب تلك الجريمة؟
لغة الإسلام التي تتناول العلاقة بين الذكر والإنثى هي لغة مشحونة بالحقد والكراهية، وتبرمج الذكر على الرغبة في الإنتقام من اُنثاه بسبب أو بلا سبب.
لا أحد يستطيع أن يتصور قوة الكلمة وتأثيرها على برمجة العقول والتحكم بالسلوك!
عندما قال المسيح لأتباعه:”من كان منكم بلا خطيئة فليرميها بحجر”، برمجت عبارته تلك عقولهم وتحكّمت بسلوكهم منذ اللحظة الأولى وحتى تاريخ اليوم، فلم يُرتكب ذلك النوع من الجرائم في بلدان مسيحيّة!
يبعد لبنان عن الضفة الغربية ضربة حجر ويربطه بها نفس العادات والتقاليد والتاريخ، ولكن كم عائلة مسيحيّة في لبنان قتلت بناتها دفاعا عن الشرف؟!!
يتهمونني بأنني أبشّر بالمسيحية؟ وجوابي على اتهاماتهم: بل اُبشر بكل كلمة جميلة، أيا كان قائلها، طالما تساهم في الإرتقاء بالإنسان إلى مستوى انسانيّته!
………..
قال محمّد نبيّ الإسلام: “يا معشر النساء إنكن أكثر أهل النار لأنكن إذا اعطيتن لم تشكرن وإذا ابتليتن لم تصبرن وإذا أمسك عنكن شكوتن”.
ألف وأربعة مائة عام وذلك الحديث يرقص في ساحة الوعي عند الرجل المسلم، فهل من عاقل يشكّ بأن الرجل المسلم مبرمج على أن يقتل بناته لأتفه سبب يتخيله؟!!
النساء أكثر أهل النار؟ ما أعدل الإسلام، وما أبعد رجاله عن الإنتقام!!
لا يمكن، وفي أي حال من الأحوال، أن تعمم صفة على كافة الجنس البشري أنثى، كان ذلك الجنس، أم ذكرا!
الصفات البشرية هي إمّا وراثية وإمّا مكتسبة. إذا كانت المرأة بطبعها الموروث في جيناتها عاقة وكثيرة الشكوى ولا تعترف بالجميل، إذن لا حول لها ولا قوة! المفروض أن لا يحاسبها “الله” على تلك الصفة، فهل يحاسب الله إنسانا على لون عينيه أو جلده أو طول قامته؟!!
أما إذا كانت صفة مكتسبة فهذا يعني بأن البيئة هي التي برمجت النساء لإكتساب تلك الصفات.
إن المرأة في تكوينها البيولوجي والنفسي مجهّزة لأن تصبر وتسامح ولا تشكو، وإلا كيف ستحافظ على غريزة التناسل وتتحمل آلام الحمل والولادة؟
تصوروا مخلوقا مبرمجا بيولوجيا على أن لا يتحمل ولا يصبر، هل سيتمكن من أن يمرّ بمصاعب الحمل والولادة، ناهيك عن الإعتناء بالطفل وتربيته؟
هذا من جهة، أما من جهة أخرى وإذا اعتبرنا تلك الصفات مكتسبة فالمجتمع الذي أفرز تلك القناعة بأن المرأة كثيرة الشكوى قليلة الشكر، ثم زرعها في اللاوعي عند المرأة عليه أن يُعيد النظر في تلك القناعة ويحاول تنظيف اللاوعي عند نسائه، كي يُفلح في إنتاج امرأة أكثر فعالية وإيجابية.
………….
ماذا أنتجت تلك القناعة منذ أن زرعها محمد في اللاوعي عند أتباعه وحتى تاريخ اليوم؟!
أنتجت امرأة معتوهة ورجلا أشدّ عتها، وبالتالي مجتمعا عقيما مريضا عاجزا على أن يجاري المجتمعات البشرية الأخرى في انسانيتها وتطورها.
عندما تُبرمج المجتمع على قناعة تُسيء إلى نصفه، سيدفع النصفان ثمن تلك القناعة.
هذه القناعة هي التي أنجبت المرأة المسلمة، والمرأة المسلمة بدورها هي التي أنجبت الرجل المسلم، وكلاهما بالتالي مخلوقان عاجزان….!
وما تبقى لدى الرجل المسلم من عقل قضى عليه حديث محمّدي آخر:
“لا تطعم المرأة أحدا دون اذن الزوج إلا إذا كان طعاما قارب على الفساد. فإن أطعمت عن رضاه كان لها مثل أجره وإن أطعمت بغير رضاه كان له الأجر وعليها الوزر”
عندما تتولّد لدى المرأة قناعة بأنها غير مؤهلة عقليا لأن تتبرع بصحن طعام دون أن يضرّ الأمر باسرتها، هل سيبقى لدى تلك المرأة أثر لعقل يتحكم في تربيتها لأطفالها؟
المرأة المبرمجة وفق تلك القناعة لا تستطيع أن تمنح أولادها أبسط ما يحتاجون إليه. فالمرأة غير المؤهلة عقليّا لأن تتبرع بلقمة لجائع، هل هي مؤهلة عقليّا لتربي أولادها؟!
عندما تتولد لدى الرجل قناعة بأن زوجته غير مؤهلة عقليا لتطعم جائعا، وبأنه مؤهل “إلهيا” ليسرق أجرها لو فعلت ذلك دون اذنه، لن يبقى لدى ذلك الرجل مثقال ذرة من تواضع كي يُعيد النظر في أفعاله وتصرفاته؟
لذلك كانت ولم تزل الحياة في المجتمعات الإسلامية نتيجة حتمية لقناعة سلبت المرأة عقلها وسلبت الرجل تواضعه. فدفعت الحياة في تلك المجتمعات ثمن عته المرأة وغرور الرجل بالإضافة إلى عتهه هو الآخر.
…………
لم ألتق في حياتي برجل مسلم أو امرأة مسلمة، مهما اتسعت مداركه أو مداركها، إلا ولمست لديه ولديها آثار تلك القناعات الدفينة التي تسللت من محمد إلى اللاوعي عندهما.
في بداية نشري لمقالاتي على صفحات المواقع الإلكترونية تلقيّت رسالة تقدير من رجل مسلم، يُعتبر حتى تاريخ اليوم واحد من أكبر شيوخ “الليبرالية” في العالم العربي. طبعا رددت على رسالته برسالة شكر، ثم بدأنا منذ يومها نتبادل الرسائل والآراء، وإذ بي اُفاجئ ذات يوم برسالة منه تقول:
عزيزتي وفاء:
“يقولون بأنك رجل مسيحي يتخفى تحت اسم امرأة مسلمة، ولا أخيفك سرا بأنني أنا الآخر بدأت أشكّ بذلك”
نزلت رسالته على رأسي كالصاعقة، لا لأنه شكّ بمصداقيّة هويتي، بل لأنه اعتبرني رجلا. لو قال لي: أنت امرأة مسيحيّة متخفية تحت اسم امرأة مسلمة، لغفرت له لأنه على الأقلّ احترم كينونتي كامرأة. ولكن أن يظن بأنني رجل كانت القشة التي قصمت ظهر ذلك “الليبرالي”، فكتبت له أقول:
عزيزي فلان:
“هناك مثل روسيّ يقول: الإنسان كالنهر، تراه أحيانا عميقا كالبحر وأحيانا أخرى ضحلا كالساقية. كنت أعتقد بأنك بحر، ولكنك تبدو في رسالتك الأخيرة وكأنك تمرّ بطور الساقية”
فجن جنونه وأرسل لي بعدها رسالة حادة اللهجة يطالبني فيها أن أعتذر منه، فأسقطتها وأسقطته في سلة مهملاتي!
مرّة، وخلال مؤتمر الأقباط الذي عُقد في العاصمة الأمريكية واشنطن، التقيت به وجهها لوجه. مددت يدي مصافحة وبشجاعة، لم يعهدها عند امرأة، قدّمت نفسي: أنا وفاء سلطان…أتشرف بمعرفتك أستاذ فلان…
مدّ يده وهو يرتجف، وصافحني دون أن ينبس ببنت شفة، ثم هرب متواريا بين الحضور.
لقد وقف غروره، الذي اكتسبه من القناعة التي تخوله أن يسرق أجر زوجته إن هي تصدٌقت على جائع دون اذنه، وقف حائلا أمامه فلم يسمح له أن يعترف بخطأه ويعتذر لي عن إهانته؟
هل سمعتم رجلا مسلما يوما يعتذر عن إهانة وجهها لغيره؟ طبعا لا!
فالرجل، المؤهل “إلهيا” أن يسرق أجر زوجته إن تبرعت برغيف خبز لجائع، هو رجل متغطرس إلى حد يفوق قدرته على الإعتذار!
لا أمل يُرجى في إعادته تأهيل ذلك الرجل، مالم يرتقي بمستوى وعيه كي ينبش تلك القناعات المريضة من اللاوعي عنده ويلقيها في سلّة مهملاته، ثم يتبنى قناعات أكثر منطقيّة وإنسانية.
تصوروا لو نبدأ اليوم بتنبي قناعات مغايرة، قناعات تقول بأن المرأة مخلوق مؤهل عقليّا ونفسيّا لأن يربي أجيال المستقبل وهي المسؤولة عن سلامة تلك الأجيال، ما الذي سنجنيه بعد جيلين من الآن؟!!
****
كل شعب هو نتاج عقائده. برمجته العقلية تقوده إلى مستقبله.
Eileen Collins كانت أول امرأة أمريكية تقود مركبة فضائية، وترأس في الوقت نفسه فريقها.
أعتقد، ولست متأكدة، أنها هي المرأة التي كانت تتحكم بهبوط المركبة الفضائية الأمريكية Discovery عام 2005 في ولاية كاليفورنيا ومن مخبرها في وكالة ناسا. كانت أخبارها يومها تملأ كل الصحف الأمريكية.
قرأت مقالة لكاتب أمريكي لم أعد أذكر اسمه في صحيفة لوس انجلوس تايمز، يحكي فيها عن الدور الرائد لتلك المرأة.
يقول في مقالته: “كنت وطفلي البالغ من العمر خمس سنوات نتابع أخبار المركبة الفضائية أثناء هبوطها، ونراقب كيف تتحكم تلك المرأة بها. بدا طفلي أكثر غبطة مني وهو يراقب ما تعرضه شاشات التلفزيون.
سألته، وهو في غمرة غبطته: هل تحلم أن تصبح يوما قائدا للمركبة الفضائية؟
وبدهشة لا مثيل لها، سألني: ولكنني لست امرأة، هل تعتقد بأننّي أستطيع أن أفعل ذلك؟”
…………….
بمجرد رؤية ذلك الطفل لتلك المرأة، تشكلت لديه قناعة بأن المرأة هي وحدها القادرة على أن تقود مركبة فضائية!
هنيئا له! لم يسمع نبيّه يوما يقول: إذا مرّ كلب أو امرأة قبالة رجل يصلي ستفسد صلاته!
عندما يكبر ذلك الطفل هل تتوقعون بأنه سيشكّ يوما في هوية امرأة لمجرد كونها قادرة على الكتابة؟ وهل تتوقعون بأنه سيكون عاجزا عن الإعتذار عندما يُسيء لتلك المرأة؟
لنتصوّر معا طفلين: أحدهما ولد في مجتمع المرأة فيه رائدة فضاء، والآخر ولد في مجتمع المرأة فيه عشر عورات. هل سيخرج هذان الطفلان إلى الحياة رجلان يحملان نفس القيم والمبادئ، وبالتالي هل سيصلان إلى نفس المستقبل؟
أعرفتم الآن الفرق بين إنسانهم وإنساننا؟
أعرفتم الآن لماذا هم روّاد فضاء، ولماذا نحن روّاد الهاوية؟ أعرفتم ماذا فعلت عقيدة محمد بأتباعه؟!!
المرأة في تلك العقيدة لا تصلح أن تتحكم إلاّ بطبق طعام فاسد تغشّ به فقيرا يبحث عن لقمة!
والرجل في تلك العقيدة مهووس بحقه “الإلهي” الذي يخوّله أن يسرق أجر امرأة أطعمت جائعا بدون إذنه!
المرأة كالكلب تفسد صلاة الرجل، والرجل أطهر من أن تمرّ بجانبه امرأة وهو يصلي!
هذه الهوة الساحقة التي تفصل بين الرجل والمرأة كقطبين للحياة، لن تسمح لهذين القطبين بالإلتقاء من أجل تحسين نوعية تلك الحياة.
لذلك يتباهى المسلمون اليوم، وخصوصا هنا في الغرب، بعددهم ولا يكترسون لنوعيتهم. يذكّرني ذلك التباهي بقول انشتاين:
ليس كل شيء قابل للعد يجب أن نعدّه، وليس كل شيء نعدّه ذي قيمة!
……
يقول الغزالي نقلا عن نبيّه: إنّ المرأة عشر عورات فإذا تزوجت ستر الزوج واحدة، وإذا ماتت ستر القبر التسع عورات!
هل استطاعت امرأة مسلمة منذ محمّد وحتى اليوم، أن تتجاوز حدود قناعتها بأنها عورة؟ فهي تنتظر من يطرق الباب أملا في إخفاء عورة من عوراتها، ثم تنتظر حتفها كي يخفي القبر ما تبقى من تلك العورات.
هل بإمكانكم أن تتصورا وضع مجمتع لا هدف لنسائه في الحياة سوى الزواج وإنتظار الحتف؟!
على مدى أربعة عشر قرنا من الزمن لم يسمح المسلم لنفسه بأن يرتقي إلى مستوى السؤال: لماذا خلق الله المرأة عورة، وأين الحكمة من ذلك؟
يقول مثل صيني: عندما تسأل سؤالا تبدو غبيا لبضع ثوان، وعندما لا تسأل تظلّ غبيا مدى الحياة.
فهل قدر المسلم أن يرفض السؤال ويظل يدفع ثمن غبائه مدى الحياة؟!
متى سيرتفع بمستوى وعيه إلى الحدّ الذي ينبش عنده تلك القناعات، ثم يرميها في سلة مهملاته ويستبدلها بقناعات تعيد إليه إنسانيته؟!!
لا يستطيع أن يفعل ذلك ما لم ينبش “إلهه ونبيّه” ويلقيهما خارج حيّز اللاوعي عنده ثمّ يستبدلهما بمصدر آخر لقناعاته، مصدر أكثر مصداقيةأخلاقية!
**********
في كتابه The power of intention يقول المفكّر الأمريكي ويين داير:
“في الأيام التي أعقبت حوادث الحادي عشر من أيلول كنت مارا في أحد شوارع نيويورك، وإذ بي أسمع رجلا مسنا يقول لحفيده:
“في داخل كل منّا، يا بنيّ، كائنان أحدهما مملوء بالغضب والحقد والألم ويتمنى أن ينتقم، والآخر مملوء بالحب واللطف والشفقة ويتمنى أن يسامح.
سأل الطفل جده: ومن فيهما سينتصر؟ فقال الجدّ: الكائن الذي تطعمه وتسقيه”.
وهنا يحقّ لنا أن نتساءل:
أيّ كائن منهما ذلك الذي يُطعمه الإسلام ويُسقيه في داخل الرجل المسلم؟
لو لم يغذي الإسلام ذلك الوحش في داخله، لما استطاع والد الشابة أقصى بارفيز أن يقدم على قتل فلذة كبده!
عندما نغذي الخير في أعماقنا يطغى جماله على كلّ مظاهر الحياة لدينا، وعندما نغذي الشر تتطغى قباحته على كل مظاهر الحياة أيضا.
……….
القناعة، أيّة قناعة، تموت مالم نطعمها ونسقيها. القناعة التي تسللت إلى عقل المسلم بأن المرأة عورة، لا تستطيع أن تبقى هناك وتتحكم بسلوكه مالم يرحّب بها ويدغدغها!
صار يفرض على الأنثى في حظيرته متى ومن تتزوج، ويقفل عليها الباب حتى تموت!
بأيّ حق يقول الأب للزوج: زوّجتك ابنتي؟ فعندما لا تكون المرأة مؤهلة عقليا لتزوّج نفسها، هي ليست مؤهلة عقليّا كي تتزوج؟
يحق للأب أن يبارك زواج ابنته، لا أن يربطها بحبل من رقبتها ويعتقها لمن ومتى شاء، كي ترتبط بحبل ذلك الزوج حتى مماتها.
إحدى الآيات القرآنية تقول:
“وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا”.
لن أناقش هذا الحكم من حيث وحشيّته وجوره، بل يحق لي أن أتساءل: أين العدل في سجن اللاواتي يأتين الفاحشة، بينما يُترك الرجال الذين آتوا الفاحشة معهن حريّن طليقين؟
هل تستطيع المرأة أن تأتي الفاحشة بدون رجل؟
هذا هو حكمها، فلماذا لا يُمسك الرجل معها حتى يجعل الله لكليهما سبيلا؟
هذا من جهة، أما من جهة أخرى فالقاعدة العامة تقول: إذا أخذ الله ما وهب أسقط ما أوجب!
فالمجنون لا يعاقب على عدم القيام بواجباته، وقياسا على ذلك يجب أن يعاقب الإنسان حسب ملكاته العقلية، فإذا كانت إمكانيات المرأة العقلية أقل من الرجل ألا يُفترض أن يكون عقابها أخف؟
طالما أنقص إله الإسلام ملكات المرأة العقلية، لماذا لم يُسقط عنها جزءا من العقاب، بدلا من أن يفرض عقابا أشد؟ ولماذا لم يفرض على الرجل عقابا أشد طالما خصّه بعقل أرجح؟
لماذا راعى ذلك الإله محدوديّة إمكانياتها العقليّة عندما اعتبر شهادة الرجل مقابل شهادة امرأتين، ولم يُراع ذلك عندما قال: “وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا”؟!

تلك الأحكام الجائرة هي التي غزّت قناعة الرجل والمرأة على حد سواء بأن المرأة مخلوق دونيّ، وكتبت لتلك القناعة أن تعيش أربعة عشر قرنا، وأن تتحكم خلسة بسلوك معتنيقها.
الإنسان سجين جهازه العقائدي، ولن يستطيع أن يخرج منه مالم يُدرك حدود جدرانه.
فمتى يُدرك الرجل المسلم جدران سجنه كي يتجاوزها وينطلق بنفسه إلى فضاء إنسانيّته الأرحب؟!!

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.