وفاء سلطان
لا شيء أخطر على الحقيقة من أن نجرّد الناس من قدرتهم على طرح السؤال.
يقول بابلو بيكاسو: الناس المبرمجون لا فائدة منهم، يجيبون على الأسئلة لكنهم لا يعرفون كيف يطرحونها.
ما الفائدة التي جناها العالم من وجود ما يزيد عن بليون مسلم مبرمج على أجوبة جاهزة وغير قادر على أن يسأل، لأن السؤال بناء على القرآن قد يقودهم إلى ما لا تحمد عواقبه؟!!
لم يجن أية فائدة!
فلقد ابتلى العالم بمجمتعات إسلامية تعج بشعوب جائعة جاهلة مريضة هائمة، تستكين لوضعها وتقدس التعاليم التي آلت إلى ذلك الوضع.
هناك مثل صيني يقول: من يسأل سؤالا يبدو غبيا لمدة خمس دقائق، ومن لم يسأل يظل غبيا مدى الدهر.
ولذلك، وعلى مدى أربعة عشر قرنا من الزمن، ظل الغباء الطابع المميّز لتلك المجتمعات دون غيرها.
لم يستطيع العالم أن يتجاوز حدود برمجته إلا عندما امتلك القدرة على أن يطرح أسئلة تشكك بجدوى تلك البرمجة، وسعى فوجد أجوبة لها. لو أتيح للمسلمين أن يفعلوا ما فعله الآخرين لطرحوا مئات الأسئلة حول كل معلومة وردت في كتبهم، وبالتالي لتحرورا من السجن الذي أسقطتهم به تلك التعاليم.
لا يستطيع الإنسان أن يواكب متطلبات اللحظة الراهنة مالم يطرح أسئلة عن مدى صلاحية تعاليم اللحظة التي سبقتها، ولذلك عجز المسلم عن مواكبة زمنه وظل رهينة اللحظة التي تبرمج عندها.
………………..
نردد كثيرا عبارة ” غسيل دماغ” ولا نعرف بالتحديد ماذا نقصد.
شخصيا أعتبر الإنسان مغسول الدماغ عندما يُجرد من قدرته على طرح السؤال.
في تلك الحالة يتقبل كلّ ما يُلقن به منفعلا وليس فاعلا. لا يلعب أي دور في اختيار ما يدخل اللاوعي عنده ليصبح مع الوقت جزءا من تركيبته العقائدية.
لا يختلف عندها الإنسان عن كونه برميل قمامة يتسع لكلّ ما يُلقى به من هبّ ودب، دون أن تلعب إرادته دورا في اختيار ما يتشربه.
يؤكد عالم النفس الأمريكي Robert Jay Lifton بأن أبشع أنواع الغسيل الدماغي تحدث في البيئات القمعية التي تنجح في عزل بشرها عن كافة المصادر المعلوماتية التي يمكن أن تتعارض مع المعلومات التي يراد بها غسيل الدماغ، ولذلك يكثر هذا النوع بين السجناء وأتباع العقائد المنغلقة على نفسها وفي المجتمعات السياسية الشمولية القمعية.
هذا لا يعني بأن عملية الغسل لا تتم في المجتمعات الحرّة، لكنّها لا تصل في حدتها إلى ما يحدث في البيئات الإنعزالية القمعية، وتكون عملية فكّ الغسيل أسهل عادة لدى البشر في تلك البيئات.
هناك عامل آخر، بناء على رأي العالم ليفتون، يساهم في إنجاح تلك العملية وفي إزادياد حدتها وهو تهديد حياة وسلامة البشر الذين يراد غسل دماغهم.
عندما ننظر إلى المجتمعات الإسلامية على ضوء تلك الحقائق نرى بأن العزل الذي فرضه الإسلام على أتباعه من جهة، والسيف الذي سلطه على رقابهم من جهة أخرى كانا عاملين أساسين في تجريد الإنسان المسلم من قدرته على طرح الأسئلة وبالتالي حرمانه من إمكانية التطور عبر الزمن.
عندما يتعرض الإنسان إلى مصادر مختلفة من المعلومات لا بد وأن يستخدم ملكاته العقلية لتصفية تلك المعلومات واختيار ما يساعده على التطور وتحسين وضعه. لكن عندما يبقى رهينة مصدر واحد للمعلومات لا يمتلك في تلك الحالة بديلا آخر كي يقارن به ذلك المصدر ويتأكد من سلامته وصلاحيته.
القمامة التي تعثر عليها عندما تسبر أغوار الكتب والمراجع الإسلامية تضعك دوما أمام سؤال لا تستطيع أن تهرب منه: هل يُعقل وعبر مئات السنين أن لا يوجد مسلم واحد يطرح سؤالا واحدا عن مدى صلاحية وجدوى تلك القمامة؟!!
والجواب على ذلك السؤال يبرهن على مدى خطورة وفعالية الغسيل الدماغي عندما يتمّ في بيئة معزولة ثقافيا ومحمية تحت حدّ السيف.
ولذلك إن كان هناك من أمل في إعادة فك تلك العملية لدى المسلم، فالأمل يكمن في الإنترنيت التي فتحت منفذا، مهما بدا ضيئلا، لا بد وأن يساهم على المد البعيد بإعادة فك تلك البرمجة.
زارت عالم نفس بريطانية أحد صفوف المرحلة الإبتدائية لتدرس سلوك بعض الطلبة. وزعت عليهم ورقا أبيض وأقلام تلوين وطلبت من كل منهم أن يرسم منظرا من وحي خياله ويلونه كما يشاء.
على مدى اسبوع، لاحظت بأن طفلا يتناول دائما القلم الأسود ويلطخ به الصفحة كلها باستثناء بقعة بيضاء لا تتجاوز مساحة قطعة نقدية صغيرة في أعلى الصفحة.
رأت العالمة أنه من الضروري أن تتعمق أكثر في حياة ذلك الطفل علها تستطيع أن تجد تفسيرا لسلوكه المحيّر، فقررت أن تزوره في بيته.
دُهشت عندما أكتشفت أنه يعيش مع أمه المريضة في قبو داخل إحدى البنايات لا تتدخل منه أشعة الشمس إلا من خلال طاقة صغيرة في السقف.
أعتقد بأن الإنسان مبرمج بيولوجيا على أن ينشد الحرية ويرفض القمع، ولذلك يرى أملا ولو في ثقب صغير ويرغب دوما، وفي أحلك لحظاته، بالتطلع عبر ذلك الثقب.
لقد غاب ذلك الثقب من جدران السجن الإسلامي على مدى أربعة عشر قرنا من الزمن، ولذلك بدت حياتنا سوداء داكنة إنعكاسا للظلام الذي كنا نعيشه.
أما اليوم، فعصر الإنترنيت قد أحدث ثقبا في سجننا الإسلامي، ورغم صغره تتسرب منه أشعة كافية لتبدد بعض ذلك الظلام مهما بدا حالكا.
لم يطرح مسلم واحد في تاريخ الإسلام كله سؤالا واحدا عن جدوى الإيمان بعقيدة تصرّ على أن المرأة مخلوق قاصر عقليا، ولذلك لم تستطع المرأة في المجتمعات الإسلامية أن تتجاوز حدود تلك البرمجة.
الإنترنيت فكت إلى حد ما عزلة المرأة المسلمة، وستقرأ تلك المرأة عاجلا أم آجلا قصة السيدة الأمريكية Marilyn Hamptom وغيرها من القصص المشابهة، وتطرح عندها سؤالا عن مدى أخلاقية العقيدة التي اعتبرتها مخلوقا ناقص العقل.
السيدة هامبتون معلمة وملكة جمال أمريكية تعرضت لحادث وقعت خلاله من قمة جبلية فانكسر عمودها الفقري وانشل نصفها السفلي، فاضطرت أن تتحرك من خلال كرسي كهربائي.
في عمق اللاوعي عند كلّ انسان قناعة تقول: الشلل عاهة تقف حائلا بين الإنسان وبين ممارسته لحياة طبيعة. لكن مارلين لم تستسلم لتلك القناعة ورفعت مستوى وعيها إلى الحد الذي تساءلت عنده عن مدى صحة وأخلاقية تلك القناعة.
توماس جيفيرسون يقول: “اطرح سؤالك بحرية حتى ولو شكّك بوجود الله، فإن كان الله موجودا يجب عليه أن يدعو لإحترام العقل وليس للإستكانة للخوف”.
لم تستكن السيدة هامبتون لمخاوفها كمشلولة وقعيدة لكرسي كهربائي متحرك، فتساءلت: كيف يمكنني أن أتجاوز حدود برمجتي وأعيش حياة تليق بي كإنسان عاقل؟
وقع نظرها على كرسيها فلمعت في رأسها فكرة تطوير ذلك الكرسي نحو الأفضل ليزيد من إمكانية تنقلها وسهولة ذلك التنقل.
قادتها تساؤلاتها ومحاولتها البحث عن جواب لتلك التساؤلات إلى اختراع نوع جديد من الكراسي الكهربائية المصممة للمشلولين، وأسست شركة لإنتاج ذلك النوع أطلقت عليها Motion Disigns، رصيدها اليوم عدة ملايين من الدولارات وتعتبر ثورة في علم التكنولوجيا.
أول موظف التحق بتلك الشركة كان عام 1881، وفي عام 1984 وصل عدد موظيفها إلى ثمانين موظفا وحوالي 800 موزعا، وتصنف اليوم كواحدة من أكبر الشركات المنتجة في كاليفورنيا.
عجبا، لو اُتيح للمرأة المسلمة أن تطرح السؤال الذي طرحته مارلين هل كان وضع النساء في العالم الإسلامي كما هو عليه اليوم؟
يحدوني أمل كبير، ولا ينتابني أدنى شك، بأن الثقب الذي فتحته الإنترنيت في جدران السجن الإسلامي سيدفع يوما المرأة المسلمة لأن تحذو حذو مارلين وتجد حياة تليق بها كإنسان عاقل.
أفضل الطرق لتجاوز البرمجة العقلية هو إظهار مدى التأثير السلبي لتلك البرمجة على حياة صاحبها، ثم إيجاج البديل لها فالإنسان يفضل أن يبقى في قالبه العقائدي مالم يجد بديلا أفضل منه.
………….
لقد لعبت وتلعب دوما برمجتك العقلية دورا في الوضع الذي آلت إليه حياتك.
قد تحوي تلك البرمجة قناعة مطلقة بأنك ستصل إلى هدفك، أو ربما قناعة مطلقة بأنك ستفشل.
في كل حالة ستحدد تلك القناعة النتيجة التي تصل اليها، ولا تستطيع أن تغيّر تلك النتيجة مالم ترفع مستوى وعيك ليعي خطورة تلك القناعة، فتطرح سؤالا عن مدى صحتها ثم تحاول أن تجد جوابا له.
عندما تهيمن عليك قناعة بأنك عاجر عن النجاح في حياتك سترى كلّ عثرة في طريقك مهما كانت صغيرة مبررا لفشلك. الإعتقاد هو الذي يترجم لك الواقع، ويترجمه بطريقة تتماشى مع البرمجة فلا يسمح لك أن ترى إلاّ العثرات التي تعترض طريقك، ويفوت عليك رؤية المهارات التي تتمتع بها.
ربما قالت لك أمك يوم كنت طفلا: أنت ولد غبيّ!
الأطفال يتشربون دون أن يعترضوا على السم المدسوس في شرابهم لعجزهم عن اكتشاف ذلك السم من طرف ولضعفهم الذي لا يمكنهم من الإعتراض من طرف آخر.
استقرت عبارة أمك كقناعة مطلقة في اللاوعي عندك، وما زالت تفعل فعلها الساحر لتحول بينك وبين نجاحك.
أو ربما قطب استاذك يوما حاجبه في وجهك، فتحولت تلك الإشارة إلى قناعة بأنك لا تستحق احترامه. ومنذ ذلك اليوم تتحكم تلك القناعة في سلوكك فلا تسلك إلا ما يُثبت أنك لا تستحق الإحترام.
تمارس البرمجة على صاحبها نوعا من الهيمنة العقلية، فلا يستطيع أن يهرب من سيطرتها سوى من امتلك القدرة على أن يشك بصحتها وسعى لإستبدالها بافضل منها.
يتفاوت الأشخاص في إنجازاتهم بمقدار تحررهم من الهيمنة التي تمارسها برمجتهم العقلية.
George Danzing كان طالبا يدرس الرياضيات في جامعة ستانفورد في الثلاثينات من القرن المنصرم، وكانت العلامة النهاية للتخرج تحدد يومها فرصة العمل بعد التخرج.
وصل متأخرا إلى الفحص النهائي فوجد في ورقة الأسئلة ثمانية مسائل وعلى السبورة مسألتين تحتاج إلى حلول. بدأ بحلّ المسائل الموجودة على ورقة الإمتحان، لكنه لم يكد ينتهي من حلها حتى انتهى الوقت المخصص.
سلّم ورقة الإجابة للإستاذ وهو يقول: لم أنته بعد، لم يعد هناك وقت لحل المسألتين اللتين على السبورة، إنني أشعر بألم فظيع!
فردّ الإستاذ: لا ضير من ذلك! خذ يومين لتحلهما، وإذا قمت بذلك سأعطيك العلامة التامة.
لم يصدق جورج ما سمعه من شدّة الفرح، وذهب إلى بيته كي يقوم بواجبه. حاول جاهدا خلال يومين لكنه لم يستطع أن يحل سوى مسألة واحدة. عاد إلى استاذه ليسلمه الحل وليعتذر عن عدم قدرته على حلّ الأخرى، فأعطاه الورقة وانصرف.
في مساء ذلك اليوم، سمع جورج طرقا عنيفا على باب بيته ففتح ليفاجئ باستاذه يصيح:
جورج… جورج لقد فتحت بابا جديدا في علم الرياضيات، لقد استطعت حل مسألة عجر انشتاين عن حلها!
في حقيقة الأمر كان الإستاذ قد قال للطلاب عنما وزع عليهم أسئلة الإمتحان: “حاولوا حل ما استطعتم من الأسئلة، ولا تشعروا بالإحباط إذا تعثرتم في حل بعضها. تذكروا بأن انشتاين قد عجز عن حل مسألتين في الرياضيات”، ثم كتب تلك المسألتين على السبورة كمثال على استحالة حل بعض التمارين الحسابية.
من حسن حظّ جورج أنه وصل إلى قاعة الإمتحان متأخرا يومها، ولم يسمع استاذه يعلن ذلك، فتوهم إنه يتسطيع حلها وتحول وهمه إلى حقيقة!
دخل جورج التاريخ، باعتباره قد حلّ معضلة معلقة منذ زمن انشتاين، وعيّن فور تخرجه مساعد برفسور في الجامعة نفسها.
لقد شاءت الصدفة المحضة أن تفوت على جورج الهيمنة العقلية التي مارسها استاذه على الطلاب من حيث لا يدري، عندما أقنعهم بأن بعض المسائل في علم الرياضيات مستعصية على الحلّ!
تحولت عبارة الإستاذ إلى قناعة مطلقة دخلت حيّز اللاوعي عند الطلاب ومنعتهم من محاولة ايجاد حل لتلك المسألتين، وحده جورج استطاع وبالصدفة أن ينجو من هيمنة تلك القناعة.
“شاورا النساء وخالفوهن، ففي مخالفتهن بركة”
لو فوتت الحياة على المسلم، رجلا كان أم امرأة، فرصة الهيمنة التي فرضتها تلك القناعة المطلقة – ناهيك عن قناعات اخرى أشد إيلاما – لاستطاعت المرأة المسلمة أن تكون أكثر فعالية في بناء مجتمعها، وكنتيجة لذلك لأصبح ذلك المجتمع أفضل حالا مما هو عليه اليوم.
لا أمل في تحسين تلك المجتمعات مالم يضع إنسانها عقائده التي برمجته على محك السؤال، ثم يتجاوز لاحقا تلك البرمجة.
اسحق بيرلمان Yitzhak Perlman عازف كمان أمريكي من أصل اسرائيلي، ويُعتبر من أشهر عازفي الغيتار في العصر الحديث. هو مشلول من نصفه السفلي ويجد صعوبة بالغة في الحركة، وخصوصا عندما يعتلي المسرح. يلبس جهاز حديدي مربوط برجليه ويحمل عكازتين أينما حلّ.
في عام 1995 أعتلى المسرح ليبدأ إحدى حفلاته. وضع عكازتيه إلى جانبه، وكان على وشك أن يعزف، وإذا بصوت قوي وكأنه طلق ناري يصدر في الصالة.
عرف الجميع بأنّ الصوت قد نجم عن انقطاع أحد أوتار الكمان، وتوقعوا أنه سيعيد ربط قدميه بالجهاز الحديدي وسيمسك بعكازتيه ويقف ليعتذر لهم عما حدث ثم يرحل، مالم يجد غيتارا آخر يعزف عليه.
تصبب عرقا وأغمض عينيه برهة، ثم أوعز للأوركسترا أن تبدأ. لقد عزف بالأوتار التي بقيت له ولكن برغبة وحب لم يشهد له أن تمتع بهما من قبل.
كل من يلّم، ولو قليلا، بالموسيقا يعرف بأنه من المستحيل أن تقوم بأي عمل سيمفوني بثلاثة أوتار فقط. لكن السيّد بيرلمان رفض أن يصدق ذلك، ودوزن غيتاره كي يعزف بأوتاره الثلاثة الباقية، وكان قد أبدع في عزفه.
عندما انتهي ساد صمت رهيب في القاعة، ثم وقف الجمهور واستمروا بالتصفيق لوقت زاد كل التوقعات.
ابتسم ومسح عرقه وقال بتواضع: إنها مسؤوليتنا أن نقوم بأعمالنا ضمن الإمكانيات المتوفرة لدينا، وهذا ما حاولت أن أفعله.
هذا هو ذلك الرجل الذي تبرمج خلال حياته الموسيقية على أن يعزف على أربعة أوتار، فواجه لحظة جديدة في حياته لن تخدمه بها تلك البرمجة. خلال ثوان اتخذ قررا بأن يتجاوز قناعاته ويعزف بما لديه، وكان عزفه تلك المرة أجمل من كل مرة سبقت.
فمتى نقتنع بأن برمجتنا العقائدية لم تعد صالحة لمواجهة اللحظة الراهنة التي نعيشها؟!! ومتى سنسعى لفكّ تلك البرمجة واستبدالها بأصلح منها؟!!
كيف سيصلح رجل نفسه، وقد تبرمج على أن الصلاة تغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟!!
………………………..
يقول فولتير: قيّم الناس من خلال أسئلتهم ولا تقيمهم من خلال أجوبتهم.
ألف وأربعمائة عام والمسلم يقرأ الآية التي تقول: “ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين” دون أن يمتلك القدرة على أن يطرح سؤالا: هل يعقل أن يصف الله نفسه بالمكر؟!!
لكنه في الوقت نفسه مبرمج على أن يجيبك عندما تلقي في وجهة ذلك السؤال بقوله: ولكن مكر الله يختلف عن مكر الناس!
لو أردت أن تحرق المزيد من أعصابك وتسأل: لكن لم تميّز الآية بين مكر الله ومكرهم، فعندما يؤمن الرجل بأن الله ماكر يسعى باللاوعي لأن يتشرب إلهه كمثل أعلى فيخرج إلى الحياة هو الآخر ماكرا.
عندها يحاول أن يجرّك إلى دوامة من الجدل لاتستطيع أمامها إلى أن تهرب علّك تنجو بما تبقى من أعصابك!
لا تستطيع أن تكون ماكرا مالم تكن غشاشا كذابا منافقا مجردا من كلّ قيمة أخلاقية.
إذا أخذنا بعين الإعتبار تلك الحقيقة وأضفنا اليها الحقيقة العلمية التي تؤكد بأن الرجل هو الإله الذي يعبده نستطيع أن نجد تفسيرا للواقع المأساوي الذي تعيشه اليوم جميع المجتمعات الإسلامية.
مالم يسترجع المسلم قدرته على طرح الأسئلة التي تفضح هشاشية تعاليمه لن يتمكن من بناء مجتمع انساني متحضر. أمّا الأجوبة الجاهزة التي ألقتها تعاليمه في برميل قمامته العقلي، والتي يلقيها بدوره وبدون أدنى تفكير في سلة الآخرين عندما يواجهونه بأسئلتهم، فستفشل هي الأخرى في تحسين ذلك المجتمع الذي يعيش فبه.
**********************************************************