إن كانت الملابس التي نرتدها متعلقة بالدين وبالثقافة المجتمعية وبالعادات وبالتقاليد فمن الصعب علينا تغييرها من خلال مندوب مبيعات نرسل به إلى من نريد منه أن يغير من ملابسه بل هذه مسالة تحتاج إلى تثقيف مدتها عشرات السنين, أما إن لم تكن ملابسه متعلقة بتراثه وبدينه فيكفينا أن نرسل له مندوب مبيعات يعرض له بضاعتنا الجديدة أو أن نقطع عليه مشاهدة فيلم تلفزيوني لنبث له دعاية إعلانية مدفوعة الأجر تتعلق بقميص وبنطال, وفي اليوم التالي تحصل عملية الانقلاب الأبيض بدون سفك دماء أو حتى صندوق اقتراع , وبما أن التكنولوجيا الصناعية لا تتعلق بالدين فمن السهل جدا على المسلم وعلى المسيحي أن يغيرا من سياراتهم التي يركبونها شريطة توفر المال وقطع الغيار في الأسواق الصناعية, من ناحية صناعية الكل يبحث عن الأفضل والأحدث ومن ناحية فكرية وثقافية الكل ثابت على ما هو عليه حتى لو عاش 1000 عام.
مشكلة الإنسان مع التطور الاجتماعي والتطور التقني مشكلة متضادة جدا ليست معقدة ولا هي سهلة جدا بل هي تتعلق بمجموعة من الأشياء التي تربط بين ذاكرة الإنسان وذاكرة المكان وذاكرة الزمان, أي أن الزمان والمكان عنصران متداخلان تداخلا فطريا, فمثلا يقبل أي إنسان بأن يطور تلفونه النقال أو الكمبيوتر الخاص به شريطة توفر المال ولكنه من الصعب عليه جدا أن يقبل بأن يغير من دينه أو من عاداته وتقاليده , فحتى ننقل المسلم من المسجد إلى الكنيسة نحتاج إلى مائة سنة من التطويع لتقبل مسألة الانقلاب الذهني وأنا أعرف أناسا لا يقبلوا بأن يغيروا من عاداتهم وتقاليدهم ولا حتى بأن يطوروها للأفضل مع العلم من أنهم يعلمون بأن هنالك عادات وتقاليد أفضل من عاداتهم وتقاليدهم التي هم عليها الآن ومع علمهم بذلك إلا أنه من الصعب عليهم جدا أن يتركوا ما ألفوا عليه آباءهم وأجدادهم, وهذه المسألة حدثت مع محمد نفسه حين أراد إقناع قومه بالدين الإسلامي الجديد فقالوا له: تريدنا أن نترك ما ألفينا عليه أبائنا وأجدادنا؟ وقال له أبو لهب: تبا لك ألهذا جمعتنا!!, فرد عليهم: ستصبحون ملوك العرب والعالم أجمع, فسخروا منه, وتذكر هذه الحادثة المغيرة بن شعبة في معركة اليرموك وأدمعت عيناه, وهذه المسألة لم تحدث مع محمد نفسه بل حدثت مع كافة الأنبياء والرسل الذين مكثوا طوال عمرهم ولم يؤمن بدعوتهم إلا نفرٌ قليل من الناس القابلين لتغيير نوعية دمائهم وعقولهم, وكذلك هي المشكلة مع الدين, فليس من السهل على المسلم أن يتحول من الإسلام إلى المسيحية حتى ولو كان مقتنعا بأن المسيحية أفضل من الإسلام, التطور الثقافي يحتاج إلى مئات السنين وإلى تغيير في بنية العقل الفردي والجمعي ومرتبط بالشعور وباللاشعور وإذا أردنا أن نستعجل أكثر فعلينا أن نقدم الكثير من الشهداء والمضحين والأبطال وإلى الخوض في حوض من الدماء بحجم بركة سباحة ألومبية, ليس من السهل أن يغير الإنسان من عاداته وتقاليده فحتى نغير عادات وتقاليد أي فرد علينا أن نواجه مشكلة تغيير مناهج التدريس الإلزامي والابتدائي والإعدادي والجامعي, وهذه المسألة وضعت المؤرخ ( آرنولد توينب ) أمام ظاهرة قال فيها: استجاب الشرق للتطور التقني الصناعي الغربي ولم يستجب للتطور التقني الاجتماعي,وحتى نغير عقولنا علينا أن نغير من طبيعة البناء الفكري للمؤسسات المجتمع مدنية الحاكمة كالقبيلة والعشيرة والأسرة وكل ذلك يبدأ من مناهج التدريس, وهذا يحتاج على الأقل إلى 25 خمسة وعشرين عام أو مائة عام على الأقل.