الشرق الاوسط
ليس الانضباط الأخلاقي والوطني ترفا ترفضه الشعوب. وليس أمرا يتعارض مع الثورات وأهدافها، كما يظن كثير من الثوار، بل هو روح الثورة وحاملها المعنوي ووسيلتها لتحقيق الانتصار، بما أنه يؤكد من جهة تفوقها على الأمر القائم، ويقدم من جهة أخرى نموذجها المختلف جذريا عن نموذجه المعادي للإنسان والمواطن. لثلم هذا التفوق والتشكيك فيه، سعى النظام منذ بدء الحراك لإجبار الثورة على انتهاج سلوك يشبه سلوكه، يقوم على ممارسة أقصى عنف ممكن ضد الآخر، مواطنا أعزل كان أم مسلحا مقاوما، طفلا أم امرأة أم شيخا أم شابا. وهناك قصص كثيرة تؤكد أن قسما من الاعتقالات التي قامت الأجهزة القمعية بها كان الهدف زرع الحقد في نفوس المعتقلين لإرغامهم على تبني مواقف انتقامية تفتقر إلى المقومات الأخلاقية والوطنية، التي تدين رؤية الآخر كعدو، وتمنع رفع الغطاء الإنساني عنه والتعامل معه بقسوة لا تمييز فيها.
وقد فاخرت الثورة بتفوقها الأخلاقي والوطني خلال الأشهر السبعة الأولى من قيامها، حين كان المشاركون فيها يتعرضون للرصاص وهم يرددون: سلمية، سلمية، أو كانوا يقدمون الماء البارد والورود للجنود الذين يشهرون بنادقهم في وجوههم ويطلقون النار عليهم، كما كان يحدث يوميا في بلدة داريا القريبة من دمشق، التي مكنها تفوقها الأخلاقي والوطني من تحقيق تفوق معنوي ووطني يقف اليوم وراء صمودها الأسطوري في وجه من أتوا لسحقها بالوحشية المعهودة عن النظام. في هذه المدينة البطلة، الهادئة والجميلة، يظهر تفوق الشعب الأخلاقي والمعنوي، الذي لا بد أن تحافظ الثورة بمختلف فصائلها عليه وتحميه ضد أي طرف يريد العبث به.
ليس ارتكاب الجرائم أو خطف الأبرياء وتعذيبهم من شيم مقاتلين يقاومون الظلم وأهله. إنه بالأحرى دليل دامغ على الافتقار إلى الوطنية وعلامة على انعدام الحس الإنساني والرجولة، فالقوي هو من لا يستخدم سلاحه إن كان مسلحا وخصمه أعزل، بل يكتفي بإخراجه من المعركة كي يعتبره مشمولا بقانون الرحمة والتعامل الإنساني. هناك في لساننا الشعبي قول ينصح باتقاء ضربة الجبان لأنها تتصف بالعنف المفرط، حتى عندما لا يوجد داع لاستخدامه. وعلى كل حال، فإن العنف يكون أشد وحشية بقدر ما يكون مستخدمه أكثر ضعفا وجبنا. بهذا المعيار، ليس عنف النظام السوري علامة قوة بل علامة ضعف وجبن، ولم يكن هناك أي داع لاستخدامه، بوجود وسائل وأساليب سلمية وحوارية تغني عنه، لكن خوف النظام وجبن قادته أوهمهم أنه الحل، فكان كارثة تؤكدها النتائج المدمرة التي نراها في كل مكان. عطل الخوف والجبن عقول قادة النظام فتوهموا أن العنف هو الدواء، حتى إن تعلق الأمر بمواطنين يطالبون بحقوق مشروعة، أو يحتجون ضد ظلم وقع عليهم أو يردون الأذى عن أنفسهم.
من المفهوم أن يتبنى نظام ظالم العنف وسيلة للتعامل مع مواطنيه. وليس من المقبول أو المفهوم أن تتبنى قوة تقاتله الأساليب التي يعتمدها، ليس فقط للأسباب الأخلاقية والوطنية، التي هي ركيزة أي سلوك تنتهجه جهة تريد الحرية والعدالة، وإنما لاعتبارات أخرى أيضا، أهمها أن القانون الدولي يحاسب من يطبقونها بأثر رجعي، بغض النظر عن الفترة الزمنية التي تمر عليها، وأن محاسبة مرتكبيها لا تتوقف عند عدالة المقاومة، بل عند ما تعتمده من أساليب في التعامل مع مواطنين يجب أن تحدد موقفها منهم بمعايير تنبع من صفتهم الإنسانية غير السياسية، هم في نظرها بشر لهم حقوق وليسوا خصوما يستحقون القتل أو التعذيب أو الاحتجاز… إلخ. لذا، تلاحق القوانين الدولية من ينتهك حقوقهم الإنسانية أو يقتلهم، إن هم استسلموا أو جردوا من سلاحهم أو أصيبوا إلى الحد الذي يعطل قدرتهم على القتال… إلخ، حتى إن كانوا من مرتكبي جرائم موصوفة. لا يبرر القانون سلوك الأفراد في فترات الحرب بمعتقداتهم السياسية، بل يراه انطلاقا من حقوق الإنسان، التي يتساوى أمامها وفيها البشر جميعهم، وتطبق على الجميع، بغض النظر عن الطرف الذي يقاتلون إلى جانبه، وليس لأحد محاسبتهم على جرائمهم غير محاكم تعطيهم حق الدفاع عن أنفسهم، وتعاملهم بما يحفظ كرامتهم خلال فترة احتجازهم: قبل إصدار الحكم وبعده.
من الضروري أن يولي مقاومو الظلم أهمية خاصة لهذه المسألة الحساسة، وأن لا يسجلوا على أنفسهم أي فعل يناقض المدونة الأخلاقية والوطنية التي تجعل المقاومة عملا يتفق مع حقوق الإنسان وكرامته، وإلا شوهت أخطاؤهم نبل بطولاتهم ووجدوا أنفسهم ذات يوم أمام محاكم دولية خاصة بمجرمي الحرب، ليس معيار عملها سياسيا بل هو إنساني ويرفض الانطلاق من السياسات التي سوغت الجرائم المقترفة، ولا يأبه لما إذا كانت عادلة أو ظالمة، فلا بد أن ينتبه المقاومون إلى هذا الجانب من أفعالهم، التي لا يجوز أن يحكمها الانفعال أو التسرع أو النزوع إلى الانتقام، وأن تتقيد بمعايير السلوك الوطني، الذي ستقوم عليه سوريا الحرة.
يفرط النظام في استخدام الوحشية كي يدفع المقاومة إلى ارتكاب أعمال شبيهة بأعماله تضعها على سوية واحدة معه، فلا تفيد من رفعتها الإنسانية وتفوقها الأخلاقي والوطني، وتتوهم قطاعات من الشعب أن الثورة لم تقم من أجل الحرية، وأن التقاتل يدور بين قوتين متماثلتين في العنف: واحدة مع النظام وأخرى ضده، وأن أعمال المقاومة إرهابية وإجرامية كأعماله.
سيذهب رجال النظام ذات يوم إلى محكمة جرائم الحرب لينالوا جزاءهم العادل. بالمقابل، لا بد أن يدخل رجال المقاومة التاريخ بأيد بيضاء تصنع الحرية لشعبها، والحرية إما أن تكون بمنأى عن سفك دماء البشر، أو لا تكون حرية بأي حال من الأحوال!
لماذا الحديث الان عن الانضباط الاخلاقي؟ فاي اخلاق والعروبة هي هوية المنطقة واسلامها هو الدين. ولماذا البكاء عن انضباط اخلاقي عند الثوار بينما كثير منهم كانوا ضمن القوي السياسية والاجتماعية التي حكمت حتي وصلت الامور الي منتهاها. اليست نفس قيمهم ضد العالم التي رفعت في ظل الاستقلال هي ذاتها التي يرفعها الثوار وخاصة القوي الاسلامية التي اصبحت عمود الثورة؟ من يريد الفخر فعليه فحص الجديد الذي يرفعه الاخوان ومعهم نظم العرب الخليجية المؤيدة للاسلام السياسي ولماذا لم يقف بجدية من هم ثوار ضد تاييد الخليجيين الجديد، الم يكن الخليجين جزءا من المنظومة القديمة، عروبة واسلاما. فما الذي تبدل حتي ندعي السمو الاخلاقي؟