الولايات المتحدة والعراق شريكان في السياسة الخارجية

نوري المالكي: الشرق الاوسط

مع حلول الذكرى العاشرة للإطاحة بنظام صدام حسين اليوم، نجد النقاشات المثارة حول توجهات العلاقة الأميركية – العراقية متأثرة بنظرة تشاؤمية ترى أن الولايات المتحدة خسرت العراق. وهذا ليس صحيحا، فرغم كل المشكلات التي واجهناها على مدى العقد الماضي، فإن غالبية العراقيين يتفقون على أننا اليوم في وضع أفضل مما كنا عليه في عهد الديكتاتورية الوحشية لصدام.

سيظل العراقيون مدينين للدور الذي لعبته الولايات المتحدة والخسائر التي تكبدتها في صفوف الجنود والموظفين المدنيين، والتي أسهمت في القضاء على حكم صدام، لكن هذه الخسائر ضئيلة إذا ما قورنت بالتضحيات التي قدمها الشعب العراقي، وخرجت حكومتنا من هذه التجربة لتؤكد على أن هذه التضحيات تسهم في مستقبل الحرية والرفاهية لبلدنا.

إن علاقتنا مع الولايات المتحدة لم تنتهِ برحيل القوات الأميركية، فقد أيدت الرئيس أوباما عندما تحدث عن «علاقات طبيعية» بين واشنطن و«عراق ديمقراطي مستقل ذي سيادة».

يبني العراق نظاما سياسيا شاملا، يقوم على انتخابات حرة وحكومة متعددة الأعراق وقضاء مستقل، وسط توقعات بنمو الناتج المحلي الإجمالي بمعدل يصل إلى 9.4 في المائة سنويا على الأقل في عام 2016. وقد تمكنا، العام الماضي، من تخطي إيران، وصرنا ثاني أضخم دول «أوبك» المصدرة للنفط الخام.

إن العراق ليس محمية للولايات المتحدة، بل هو شريك يتمتع بالسيادة، والشركاء دائما ما يجمعهم رأي واحد، لكنهم يفكرون ويحترمون وجهات نظر بعضهم بعضا. من هذا المنطلق، نطلب من الولايات المتحدة مراجعة وجهات نظر العراق بشأن القضايا الملحة، خاصة تلك التي تكتسب أهمية إقليمية.

إن العراق يبني سياسة خارجية مستقلة، لا تهدف إلى تكرار حروب صدام حسين، ونحن ملتزمون ببناء علاقات جيدة مع جيراننا. ونبسط يد الصداقة لأصدقائنا في الأردن وتركيا والسعودية والكويت، كما نتقاسم 376 ميلا من الحدود مع سوريا و906 أميال حدودية مع إيران، ولدينا مصلحة أساسية في إقامة علاقات سلمية مستقرة مع هذه الدول أيضا.

نحن نعتقد أن أي سيناريو يمكن من خلاله للحكومة أو المعارضة تحقيق نصر عسكري لن يتمكن من إرساء السلام والاستقرار، وأن الحل التفاوضي وحده هو السبيل الأمثل للوصول إلى هذه النتيجة، وبالتالي فنحن نرفض نقل الأسلحة إلى قوات الحكومة أو المعارضة، ونعمل لضمان أن لا يُستغل مجالنا الجوي لنقل مثل هذه الأسلحة.

إن اتساع نطاق عسكرة الصراع سيزيد فقط من معاناة المدنيين ويعزز من قوة المجموعات المتطرفة، بما في ذلك عدونا المشترك؛ «القاعدة». وقد أصابتنا الدهشة مما بدا اعتقادا شائعا في الولايات المتحدة أن أي نتائج في سوريا لرحيل الرئيس بشار الأسد عن السلطة ستكون أفضل من الوضع القائم. إن سيطرة «القاعدة» والجماعات الإرهابية التابعة لها على سوريا كليا أو جزئيا (الأمر الذي يتحقق يوما بعد يوم) ستكون أكثر خطورة على كلا الدولتين من أي شيء شهدناه حتى الآن. ينبغي على الأميركيين أن يدركوا أن إحدى النتائج غير المقصودة لتسليح المتمردين في أفغانستان لقتال السوفيات كانت تحول الدولة بيد طالبان و«القاعدة».

إن أطول حدود العراق تلك التي نتقاسمها مع إيران، ونحن لا نريد تقييم الحرب التي خلفت مئات الآلاف من القتلى على كلا الجانبين في الثمانينات. نحن نود أن نرى شرق أوسط خاليا من أسلحة الدمار الشامل، تلتزم فيه الحكومات بالتنمية والتعاون بدلا من الصراع والمنافسة على امتلاك السلاح النووي. لكننا، كما هو الحال بالنسبة لسوريا، نسعى إلى حل سلمي لهذه القضية.

يتقاسم العراق وإيران روابط ثقافية ودينية وتاريخية. وعلى الرغم من رغبتنا في أن تكون علاقتنا مع إيران مستقرة، فإنها لن تكون علاقة تبعية. نحن نسير وفق سياسة خارجية مستقلة تعتمد على مصالح واضحة. وقد ثبت ذلك من خلال قرارنا بتوقيع اتفاق إطار عمل استراتيجي مع الولايات المتحدة، والتزامنا بالحفاظ على شراكة قوية مع الولايات المتحدة على المستويات الاقتصادية والأمنية والسياسية.

سيظل تعاوننا مع الولايات المتحدة يؤتي ثماره، على الرغم من صعوبة رحلتنا من الاستبداد إلى الديمقراطية. وقد أظهر الربيع العربي أن الدول التي تمر بهذه التحولات تشهد اضطرابات. والاحتجاجات في مدن عديدة في العراق تعكس حقيقة أنه على الرغم من دعوة بعض العناصر الطائفية إلى العنف، فإن غالبية العراقيين يريدون التعبير عن مطالبهم بوسائل ديمقراطية. وسيتمكن العراقيون، عبر الانتخابات المحلية الشهر المقبل، والانتخابات العامة العام المقبل، من حل خلافاتهم عبر التصويت، لا الرصاص.

إن امتلاك العراق خامس أكبر احتياطي من النفط الخام في العالم، وأسرع نمو اقتصادي في المنطقة، يجعله مصدرا مهما للطاقة وشريكا تجاريا للولايات المتحدة. ومع حاجتنا لبنية تحتية لاستعادة الطاقة الكهربية وإمدادات المياه، يقدم العراق فرصا استثمارية للشركات الأميركية.

إن الولايات المتحدة لم تخسر العراق، بل إن الولايات المتحدة وجدت في العراق شريكا؛ لمخاوفنا الاستراتيجية المشتركة وجهودنا المشتركة بشأن الطاقة والاقتصاد وتعزيز السلام والديمقراطية.

* رئيس الوزراء العراقي

* خدمة «واشنطن بوست»

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.