مخاوف الاقليات ومعالجتها!

وصلت ثورتنا السورية وعملية تحرير سوريا من الاستبداد الى مرحلة حرجة ومنعطفا خطرا, ويجب علينا التحرك باكبر سرعة ممكنة, لكي لا نطيل امد الثورة وبالتالي لكي لا نزيد من الشهداء والدم المهدور من ابناء شعبنا, وهذا مما يقتضيه علينا واجبنا الوطني تجاه اهلنا ووطننا.

سبب قلقنا هذا هو جدية ما يدور من الاحداث والتي لا تصب بمصلحة الثورة والتغيير بسوريا الحبيبة. لقد اطلقنا صفارة الانذار على تآمر الزعماء العرب على ثورتنا بعدة مقالات منها مقالتنا:” خونة جامعة الدول العربية” ومقالة : ” الزعماء العرب يتصنعون البلاهة لتقويض ثورات الشباب”. وقلنا بأن مؤامرة الزعماء العرب مدت حبل النجاة واعطت النظام الاستبدادي بسورية ما يلزمه من الوقت لكي يتنفس الصعداء من ضربات شعبنا الثائر. ولقد بدأ النظام الاستبدادي يحصد دبلوماسيا ثمرة ما يعمل عليه بحنكة سياسية من تخويف للاقليات, ونحن نخشى من ان سياسته الاخيرة بتصوير الوضع بسوريا على انه صراع دموي على السلطة بين طرفين هو خطير جدا على مسار الثورة السياسية. وهذا ما صرحت به الدبلوماسية الروسية وعلى لسان لسان وزير خارجيتها بان هناك صراع بين طرفين؟؟

لقد نجحت دبلوماسية الطاغية بشار الاسد بتخويف الاقليات من ديكتاتورية الاسلاميين, ونجحت بنقل مخاوف الاقليات للغرب والمجتمع الدولي والرأي العام العالمي. فمن خلال سيطرة نظام بشار الاسد على القرار السياسي اللبناني وعلى الكثير من الاطراف اللبنانية, نجحوا باقناع بطريرك المورانة اللبناني بشارة الراعي, بنقل مخاوف الاقليات بالمنطقة العربية من وصول الاسلاميين المتشددين الى السلطة في سوريا بعد الثورة.

ان مخاوف الاقليات بسوريا من الاسلاميين المتشددين هي مخاوف حقيقية, يجب معالجتها وعدم دفن الرؤوس بالرمال وتجاهلها! ونحن نحذر بانه اذا لم تعالج المعارضة السورية هذه المخاوف وتقوم بخطوات عملية وفعالة لتبديد مخاوف الاقليات, وتبديد مخاوف الغرب من الاسلام المتشدد, فأن امد الثورة سيطول اكثر من اللازم وسينتج عن هذا مزيدا من زهق الارواح لشبابنا الغالي.
تأتي شرعية مخاوف الاقليات, من حقائق واحداث تاريخية ومعاصرة, تبرر هذه المخاوف وتفرض علينا ايجاد الحلول لها, ولا سيما بان ايجاد الحلول من اسهل ما يكون, ويصب بمصلحة جميع المواطنين السوريين كما سنرى بهذه المقالة.

يمكن ان نلخص شرعية وواقعية اسباب مخاوف الاقليات بالتالي:

اولا: تاريخ التشدد الاسلامي والاحكام الفقهية الاسلامية تجاه المخالف والاخر,وعلى مدى اكثر من 1430 سنة يعطي كل الحق لهذه المخاوف ويبررها, وخاصة بانه من المعلوم بالدين الاسلامي بان الشريعة تصلح لكل زمان ومكان.

ثانيا: التاريخ الاجرامي للاخوان المسلمين في كل من مصر وسوريا والاردن وفلسطين يؤكد هذه المخاوف ويبررها.

ثالثا: الارهاب الذي يجري ضد المسيحيين بالعراق وما جرى لهم من تهجير وتهميش يبرر هذه المخاوف ويؤكدها.

رابعا: ما يتعرض له المسيحيون بمصر من معاملة كمواطنين من الدرجة الثانية يؤكد هذه المخاوف ويبررها.

اذا الاقليات خائفة وخوفهم مبرر, ويجب حل هذه المشكلة والتي حلها من اسهل ما يكون كما سنرى.

ولكن للاسف, فبدلا من تقوم المعاضة السورية بوضع الحلول العملية لهذه المشكلة, نجد بان الرد الوحيد الذي جاء على رفع مخاوف الاقليات من قبل البطريرك بشارة الراعي, كان رد الاخوان المسلمين بمجوعة من الهراءات والتي لا تحترم عقول القارئ المثقف, ولقد كان هذا الرد عن طريق كاتب اسلامي وعضو بالاخوان المسلمين وهو ياسر الزعاترة بواسطة مقالة بعنوان:” البطريرك الماروني إذ يؤيد بشار الأسد!!”, والتي نشرها بجريدة الدستور الاردنية.

قبل مناقشة رد الاخوان المسلمين على تصريحات البطريرك الماروني, نريد ان نونه باننا نختلف مع البطريرك بكثير من الامور ومن هذه الامور:

اولا: مطالبة البطريرك للمجتمع الدولي باعطاء فرصة لبشار الاسد لاجراء الاصلاحات, وهذا يدل على ان البطريرك قام بطلب ما يريده نظام بشار الأسد من المجتمع الدولي باسم المسيحيين ولا ندر ان كان قد قبض الثمن لهذه المهمة او هناك صفقة ما؟؟ وبهذا يكون قد ارتكب خطأ فادحا بحقنا كمسيحيين قبل كل شئ!! فنظام الاسد غير قابل للاصلاح والاكثر من هذا هو غير قادر على الاصلاح ولا بديل عن اسقاط النظام.

ثانيا: هو يصور بشار الاسد وكأنه حامي الاقليات؟؟ كلا يا قداسة البطريرك, نحن لا نريد ان يحمينا شخص او رئيس او حزب او جماعة او دين…! ومن يجب ان يحمي الجميع هو القانون والدستور لاننا مواطنين وهذا حقنا. ونحن نقول للبطريرك بان زمن الخوف قد ولى, لان العالم قد اصبح قرية صغيرة لا يستطيع اي انسان ان يؤذي الاخر لاي سبب. هذا رأيي الشخصي, وانا شخصيا لا اشارك الاقليات بمخاوفهم, واعتبرها غير مبررة, ولكني لا استطيع ان اجبر الاقليات بان يتبنوا رأيي الشخصي, فالاقليات فعلا خائفة ولديهم ما يبرر خوفهم ويجب معالجة هذه المشكلة.

نعود الآن لرد الاخوان المسلمين على مخاوف الاقليات التي رفعها البطرك وذلك من خلال مقالة الاخواني الزعاترة:

يقول الاخواني الزعاترة:”لا خلاف على أن الأقليات غالبا ما تصطف إلى جانب الأوضاع القائمة ما دام احتمال بقائها ممكنا، لاسيما إذا كانت جيدة بالنسبة إليها، لكن هذا الموقف لا يُعد مقبولا بالمقاييس الأخلاقية عندما تكون تلك الأوضاع من اللون الدكتاتوري، ولا أعتقد أن البطريرك الماروني، ومعه سائر المسيحيين يعتقدون أن بشار الأسد جاد في تحقيق إصلاحات حقيقية تمنح الشعب فرصة التعبير عن نفسه وتقرير مصيره بحرية كاملة.”

لا ندر كيف وصل الزعاترة الى ان وضع الاقليات بسوريا جيدا, فنحن نقول له حتى وضع الاقلية العلوية بسوريا غير جيد, لا بل من اسوء ما يكون , شأنهم شأن الجميع من المواطنين السوريين, وعلم الاقتصاد يقول: اذا كانت الاكثرية وضعها سئ فلا يمكن باي حال من الاحوال ان يكون وضع الاقلية جيدا. ونضيف له بأن الوضع الجيد هو فقط للمقربين من النظام والتجار ومعظمهم من المسلمين السنة وليسوا من الاقليات, فمن المعروف بان النظام كان يعطي هذه الميزات الاقتصادية لاصحاب الذوات من السنة لكي يضمن ولاء الاكثرية له, والا كيف تمكنت عائلته من حكم سورية لاكثر من اربعين عاما؟؟ اما عن الاخلاق والديكتاتورية فان الاخوان المسلمين اخر من يتكلم عنهم فتاريخكم معروف في كل من سوريا وفلسطين ومصر؟

يقول الاخواني الزعاترة: ” هنا ينبغي أن يُطرح سؤال بالغ الأهمية حول البديل المحتمل في سوريا، والذي يمكن أن يشكل تهديدا للأقلية المسيحية كما يعتقد البطريرك وسواه، والإجابة أن أحدا من قوى المعارضة، بمن فيها الإسلامية وفي مقدمتها جماعة الإخوان لم يطرح في يوم من الأيام خطابا يهدد تلك الأقلية، فيما هو يفعل العكس حيال جميع الأقليات، وليس صحيحا ما قاله عون عن موقفهم من الديمقراطية، ما يضع الموقف في خانة الخوف التقليدي من الإسلاميين، وربما الموقف الطائفي المسبق منهم بصرف النظر عن خطابهم وسياساتهم. ويبقى أن عاقلا في سوريا لا يصدق بالفعل حكاية القوى السلفية والإرهابية التي تهدد البلد وأقلياته المخالفة في المعتقد.”

ونحن نقول للاسلاميين بان الموضوع ليس موضوع قيل وقال, ومن يصدق ومن لا يصدق, والموضوع اكثر من ذلك, فهناك التاريخ الاسلامي وتراثه وادبياته الموثقة باطنان من المراجع وامهات الكتب, وهناك ايضا الاحداث والجرائم الموثقة والتي جرت مؤخرا, والاكثر من هذا هناك ادبيات الاسلاميين وعلى رأسهم الاخوان المسلمين ومشاريعهم وبرامجهم الانتخابية والموجودة بكتبهم وبياناتهم ومواقعهم؟؟

يقول الاخواني الزعاترة: “في مصر على سبيل المثال لم يكن الإخوان هم الذي يغذون الخطاب الطائفي ضد الأقباط، بل النظام نفسه، وهو الذي كان يميز ضدهم في الحالات التي يشتكون منها، وفي أي بلد عربي آخر لن يكون الموقف مختلفا.
أما العراق وما جرى فيه للمسحيين، فلا يبدو الموقف قابلا للقياس، ليس فقط بسبب ضآلة حضور التيار السلفي الجهادي (حتى هذا لا يطالب بالتمييز ضد المسيحيين وإن تناقضت ممارسته مع خطابه في بعض الأحيان)، وإنما لأن الحرب العبثية قد أصابت الجميع ومن قتل من السنة والشيعة، حتى بمنطق النسبة لعدد لسكان أكبر بكثير ممن قتل من المسيحيين.”

احترم عقولنا يا اخ زعاترة؟؟ لماذا يتم قتل اي مسيحي بالعراق او بمصر؟؟ نحن يمكن ان نفهم قتل السنة والشيعة لبعضهم البعض, وذلك لانهم يتصارعون دمويا على السلطة في العراق؟؟ اما المسيحيون فلا جمل ولا ناقة لهم بهذا الصراع الدموي لا من قريب اومن بعيد, فلماذا يتم قتل حتى شخص واحد من المسيحيين؟؟ وربما وطبقا للحسابات التي اجريتها والتي وجدت بنتيجتها بان نسبة القتلى من المسيحيين بالنسبة لعدد السكان هي اقل من قتلى المسلمين, فيمكن انك بهذا تريد ان توعز للارهابيين بقتل كمية أكبر واضافية من المسيحيين لكي يتم العدل وتتساوى النسب؟؟ اليس هذا ما كان يفعله العثمانيون بالمسيحيين السوريين, حيث من المعروف بانكم تسعون لاسترداد الخلافة التي ضاعت من العثمانيين؟؟ وحيث تقول الكتب التاريخية بانه عندما كان العثمانيون يخسرون بمعاركهم مع الجيش القيصري الروسي المسيحي ويقتل من جنودهم الكثيرين, كانوا يأتون الى سورية ويقتلون من المواطينين المسيحيين السوريين ضعف العدد الذي فقدوه من الجنود ؟؟ راجعوا مقالنا: مسيحيو سوريا وخرافة وضعهم المستقر.
فعلا كما يقولون اذا كنت لا تستح فقل ما تشاء.؟؟؟؟

يقول الاخواني الزعاترة: ” بقي مسألة الضمانات التي ينبغي أن تقدمها القوى الإسلامية، وفي مقدمتها الإخوان للأقليات بحسب ما يطالب البعض، والسؤال هو: هل لو خرج قادة الجماعة وأقسموا أغلظ الأيمان أنهم سيضعون جميع الأقليات على رؤوسهم بعد التحرر من الطاغوت سيغير الموقف؟ كلا بالتأكيد.

مرة ثانية يا اخ زعاترة, لا نريد اي قسم من قادة الجماعة أوغيرهم, ولكن نريد ان يكون لدينا دستور علماني عادل ويساوي بين الجميع دون تفريق او تمييز لاي دين, اي نريد دستورا فيه فصلا بين الدين والدولة كما فعلت الدول المتحضرة؟؟ فالشعب الاميركي عندما حرر السود لم يقسموا لهم بانهم سيجعلوهم مساوين بالحقوق للاكثرية البيضاء, بل وضعوا دستورا يساوي بين الجميع, وجعلوا القضاء مستقلا وعادلا, وهذه هي الطريقة الوحيدة لاقناع الاقليات بان مخاوفهم ستزول؟
اما القسم والحلفان, فيذكرنا تاريخيا بمعاوية بن ابي سفيان عندما رفع المصاحف على رؤوس الرماح واخترع سياسة ان اخلع صاحبي كما اخلع خاتمي و انا اضع صاحبي كما اضع هذا الخاتم بأصبعي!!
ونحن نقول للمعارضة الاسلامية, ان عصر معاوية ابن ابي سفيان وعلى ابن ابي طالب قد ولى , وأن رفع المصاحف على رؤوس الرماح لتكون المرجعية في التحكيم , حيث يخلع الحكم الفهلوي صاحبه كما يخلع الخاتم من اصبعه او يضعه كما يضع الخاتم باصبعه , هذه الخزعبلات ليس لها سوق في عصر الانترنت والاجواء المفتوحة. فنحن ننصحكم بان تجدوا شيئا افهم وافلح من ذلك فليس لبضاعتكم من يشتريها في هذا الوقت.

وفي الختام اريد ان الخص الخطوات المطلوبة لتبديد مخاوف الاقليات والغرب من ديكتاتورية وارهاب الاسلاميين, وبالتالي لتسريع نجاح الثورة والتقليل من تعرض شبابنا للقتل, وبالتالي الوصول الى سورية الحرة والمزدهرة. لتحقيق هذه الاهداف فيجب على المعارضة السورية انت تصدر بيانا فيه الوعود والخطوات التالية:

اولا :ان تعد المعارضة السورية ببيان صريح, بانها بعد نجاح الثورة ستقوم بتجريم ومحاكمة النظام ورموزه و معهم الاعضاء من حزب الاخوان المسلمين الذين اقترفوا جرائم ضد الابرياء من المواطنين السوريين, بمحاكمة عادلة ترقى لمستوى القضاء الموجود بالدول المتحضرة.

ثانيا: الوعد بتجريم الشيخ عدنان العرعور لما صدر عنه من تصريحات عنصرية وفاشية بحق المواطنين السوريين الوطنيين, لان كل مواطن سوري هو وطني بالفطرة, وتجريم المتظاهرين الذين ايدوا العرعور, حتى من استشهد منهم بالثورة؟ فنحن ننحني اجلالا لنضالهم وتضحياتهم ونقبل جبينهم, ثم بعد ذلك نقوم بمحاكمتهم بالعدل, لان سوريا بعد الثورة هي دولة القانون والعدل.

ثالثا: حل حزب الاخوان المسلمين, وانشاء حزب وطني له اهداف سياسية واضحة وله برنامج اقتصادي وطني واضح مشابه لحزب العدالة والتنمية التركي على سبيل المثال لا الحصر.

رابعا: منع مشاركة الاحزاب الدينية بالانتخابات بعد الثورة.

خامسا: تبني دستور جديد مواز للدساتير الحضارية الموجودة بالبلدان المتحضرة وتحديد السياسة الاقتصادية وتبني اقتصاد السوق الحر التنافسي.

يا ابها الاخوان المسلمين بسوريا, اذا لم تقوموا بواجبكم الوطني تجاه شعبكم, فانتم شركاء بجرائم النظام ضد شبابنا الثائر, ولقد كنتم السبب الرئيسي بتأخير تحرر سورية من الاستبداد لحد الان وذلك لانه هناك الكثير من شرائح شعبنا التي تخاف منكم, بما فيهم المتنورين والعلمانيين الوطنيين المسلمين! والمطلوب منكم ان تحددوا اولوياتكم ما هي؟؟ هل اولوياتكم هو الاسلام ومبادئ وشريعة الاسلام, والتي تولي الاولوية للاسلام ولو على حساب ارواح ودماء شبابنا الزكية التي تزهق بالآلة العسكرية للطاغية بشار الاسد؟؟ او ان تغييروا اولوياتكم وتجعلوها للوطن والشعب ومصالحه, هي التي لها الولوية القصوى لديكم, ويجب ان تتوقفوا عن تكفير الوطنية والتي هي كفر بمبادئكم؟؟ راجعوا مقالنا: الوطنية كفرا بالنسبة للمسلم

هوامش: مسيحيو سوريا وخرافة وضعهم المستقر

 

About طلال عبدالله الخوري

كاتب سوري مهتم بالحقوق المدنية للاقليات جعل من العلمانية, وحقوق الانسان, وتبني الاقتصاد التنافسي الحر هدف له يريد تحقيقه بوطنه سوريا. مهتم أيضابالاقتصاد والسياسة والتاريخ. دكتوراة :الرياضيات والالغوريثمات للتعرف على المعلومات بالصور الطبية ماستر : بالبرمجيات وقواعد المعطيات باكلريوس : هندسة الكترونية
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.