الجريدة الكويتية
تلقى العقيد حسين هرموش، واحد من أوائل الضباط السوريين الذين انشقوا عن النظام، اتصالاً من “الإخوان المسلمين” بعد فترة قصيرة من وصوله إلى مخيم اللاجئين في محافظة هاتاي التركية في يونيو 2011، وكان واحداً من مجموعة صغيرة من المنشقين الذين حملوا اسم “الضباط الأحرار”.
زاره أعضاء من جماعة “الإخوان” مرات عدة ووعدوه بتقديم الدعم اللوجستي والمالي والمادي مقابل “التعاون”.
فأجابهم العقيد هرموش: “أخبروني بما تريدونه وسأتخذ قراري بناءً على ذلك”. ثم قال لي الملازم باسم خالد الذي تحدث باسم “الضباط الأحرار” خلال إحدى المقابلات: “أرادوا منه أن ينفذ تعليماتهم وأن يدعمهم سياسياً”.
لم يتم التوصل إلى أي اتفاق بين الفريقين، لكن بقي أعضاء جماعة “الإخوان” على تواصل مع العقيد هرموش. كما أنهم تواصلوا مع منشق آخر رفيع المستوى وقد وافق هذا الأخير على التعاون معهم.
أنشأ ذلك الضابط (وهو العقيد رياض الأسعد) كياناً جديداً باسم “الجيش السوري الحر”، لكن من دون إبلاغ “الضباط الأحرار”. ثم أوقف “الإخوان” فجأةً تواصلهم مع العقيد هرموش الذي اعتُقل على يد السلطات السورية في ظل ظروف غامضة في أغسطس 2011 قبل أن يختفي في تركيا.
تثبت هذه القصة أن “الإخوان المسلمين” (جماعة إسلامية لديها تمثيل محدود في المجتمع السوري نتيجة عقود من التطهير المنهجي على يد نظام البعث) نجحوا في زيادة نفوذهم وفرضه على قوى المعارضة الناشئة.
ينظر معظم السوريين إلى “الإخوان المسلمين” بعين الشك والريبة، ورغم مرور 20 شهراً على بدء أعمال العنف المشينة من جانب النظام المجرم، يفضل عدد كبير من السوريين حتى الآن بقاء النظام الراهن لأنهم يخشون “الإخوان” أكثر منه. لكن يقلل الناشطون من أهمية تلك المخاوف لأن “الإخوان” كانوا يتحركون أصلاً من وراء الكواليس، لكن أصبح رفض الجماعة ضم فئات متنوعة قد تتحدى نزعتها الاحتكارية أكثر وضوحاً خلال اجتماعات المعارضة في الدوحة.
كان “الإخوان” يرفضون مبادرة مدعومة من الولايات المتحدة لتشكيل كيان سياسي يمثل شرائح أوسع من الشعب، وهي الخطة التي يحتاج إليها السوريون بشدة لكبح هيمنة “الإخوان” على العملية السياسية.
لا شك أن “الإخوان” سيتمسكون بالنفوذ الذي كسبوه خلال الأشهر العشرين الماضية لأنهم يدركون حدود قوتهم الشعبية ويسعون إلى التعويض عن ذلك النقص من خلال تغيير مسار العملية السياسية، أقله خلال الانتفاضة والعملية الانتقالية المرتقبة. انتقد بعض المراقبين الخطة التي دعمتها الولايات المتحدة والتي كانت تشمل قوى سياسية وإقليمية متنوعة لم تكن ممثَّلة حتى الآن، وكان الكيان الجديد ليحل مكان المجلس الوطني السوري.
لكن الادعاء القائل إن التدخل الخارجي سيُضعف الشرعية الشعبية التي تحظى بها هذه الكيانات غير صحيح: أصبح الاحتكار السياسي الذي يفرضه “الإخوان” ممكناً أصلاً بسبب ذلك التدخل الخارجي من جهة (فقد تشكل المجلس في تركيا المرتبطة بجماعة “الإخوان”) وبسبب الاعتراف الدولي من جهة أخرى. يجب أن تكبح الدول المعنية ذلك الاحتكار.
احتاج المجلس الوطني السوري إلى أكثر من ستة أشهر كي ينشأ، وحصل ذلك عموماً نتيجة الخلافات السائدة حول دور “الإخوان” فيه. حين تشكّل المجلس أخيراً في أكتوبر 2011، حصل “الإخوان” على حصة تمثيلية أكبر من “إعلان دمشق” مثلاً (جماعة من المفكرين الإصلاحيين تشكلت في عام 2005)، وقد اعتُبرت تلك الخطوة إنجازاً كبيراً بالنسبة إلى “الإخوان”. وفق محمد علي، محلل سوري مقيم في اسطنبول، انضم بعض أعضاء “الإخوان” إلى المجلس الوطني السوري كأعضاء مستقلين لضمان سيطرة الجماعة على المجلس. لهذا السبب، لا يزال “الإخوان” الجزء الأساسي من المجلس مع أنهم خفّضوا نسبة تمثيلهم فيه من 25 إلى 20% بموجب بعض “الإصلاحات” الجديدة.
يصعب تقدير حجم شعبية “الإخوان”، لكن تقدم الأدلة التاريخية والمعطيات الاجتماعية المترسخة رؤية مفيدة في هذا المجال.
تضم المناطق القبلية والكردية أكثر من 30% من الشعب وهي موالية لقادتها المحليين وتميل بشكل متزايد إلى الإسلام السلفي. يشكل السكان غير السنّة 30% من الشعب السوري بينما تقتصر نسبة الأكراد على 9%.
بقيت تلك الفئات المؤلفة من الأقليات الإثنية والدينية، بالإضافة إلى القبائل (يشكلون جميعهم 70% على الأقل من الشعب)، خارج نطاق نفوذ “الإخوان” في الماضي وستبقى كذلك.
يُضاف إلى تلك الفئات قطاع الأعمال في حلب ودمشق، فهو يقيم تاريخياً روابط اجتماعية مع رجال الدين المعتدلين وتكمن مصلحته في نشوء نظام حكم علماني.
حين كان “الإخوان” جزءاً من السياسة الديمقراطية السورية خلال الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، لم ترتفع نسبة تأييدهم فوق عتبة الستة في المئة (حتى عندما تحالفوا مع جماعات إسلامية أخرى).
في تلك الفترة، اعتُبرت جماعة “الإخوان” معتدلة وكانت تنشر أفكاراً عن الاشتراكية أكثر من الإسلام، لكن سرعان ما همّشت الأقليات حين دعت إلى تغيير الدستور وتوسيع الأحكام الإسلامية فيه وانخرطت في أعمال عنف طائفية. أخيراً، تعرضت الجماعة لحملة تطهير منهجية لأكثر من ثلاثة عقود على يد النظام البعثي.
على أي أساس إذن يسيطر “الإخوان” اليوم على المجالس السياسية والعسكرية؟
في سورية الديمقراطية، سيحصل “الإخوان” على حق الانخراط في معترك السياسة وحشد الدعم، لكن لا يمكن تبرير هيمنتهم الراهنة بحجة التمثيل الصحيح للشعب: إنه أحد الأسباب الرئيسة للانقسام والتردد بين القوى السياسية والاجتماعية السورية. يجب أن يعالج الناشطون والدول التي تملك النفوذ في سورية مشكلة هيمنة هذه الجماعة بشكل عاجل.