بقلم د. توفيق حميد/
بعد العديد من المحاولات لإنهاء ظاهرة الإرهاب، عجزت المواجهات العسكرية والحلول الأمنية وحدها عن علاج ما يسمى بالإرهاب الإسلامي، والسبب في ذلك هو أن الإرهاب هو “العرض” وليس “المرض”.
وطالما كان الاهتمام هو فقط بمعالجة أعراض المرض من دون مواجهة فعلية له فلا يمكن علاج المشكلة أو اقتلاعها من جذورها.
وإن كان “الإرهاب” هو العرض فإن “التطرف الديني” (أو الفكري) هو المرض الحقيقي الذي علينا أن نواجهه إن أردنا علاج المشكلة بصورة فعالة، وذلك بالطبع لا يقلل على الإطلاق من ضرورة بل وحتمية المواجهة المسلحة والأمنية للمشكلة خاصة مع الإرهابيين المسلحين.
وحل مشكلة التطرف الإسلامي على المستوى الفكري يحتاج إلى استراتيجية كاملة تعمل على الأقل من خلال خمسة محاور رئيسية.
والمحور أو البعد الأول في علاج هذه المشكلة هو إيجاد مفهوم ديني بديل يدعو حقا للسلام والتسامح والمحبة.
فالمفاهيم الدينية الحالية والتي تهيمن على الفكر الإسلامي للأسف الشديد تكرس للعنف والغل والكراهية وتشعل نيران التطرف الديني، وليس أدل على ذلك من وقوف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وبقوة ليطالب رجال الدين الإسلامي وشيوخ الأزهر بعرض مفهوم أو خطاب ديني جديد ووصفه بأننا نحتاج إلى “ثورة دينية”.
أما المحور الثاني في علاج المشكلة فيكمن في تبني وسائل تعليمية فعالة لمواجهة طرق التفكير البشرية الداعية للتطرف مثل النظرة المطلقة للأشياء والحرفية في الفهم وإصدار الأحكام على الآخرين، وهذه ثلاثة أمثلة من العديد من “طرق التفكير” التي تتسبب في التطرف وكراهية الآخر بغض النظر عن المفاهيم الدينية والعقائدية.
وهناك وسائل عديدة من خلال استخدام علم النفس السيكولوجي وأدوات فكرية ومنهجية أخرى لتغيير وسائل التفكير العقلي المتسببة في التطرف.
أما العامل الثالث في مواجهة التطرف الديني فهو مواجهة العوامل النفسية المصاحبة للتطرف الديني مثل كراهية الآخر، وإماتة (أو إحباط) الضمير البشري، والتعود على (أو قبول) العنف كوسيلة للتعامل مع الآخرين، وهذه المواجهة تحتاج إلى وسائل متعددة موجهة لعلاج هذه النقاط بعينها، وتتم من خلال المدارس أو من خلال وسائل الإعلام المختلفة.
يأتي بعد ذلك البعد أو المحور الرابع في علاج المشكلة ألا وهو استخدام وسائل نفسية ناجعة للردع الفكري للإرهابيين.
فبالنسبة للإرهابي فإن الموت لا يردعه فهو بالحقيقة يريد أن يموت ظنا منه أن ذلك سيجعله شهيدا وسيضمن له الجنة الموعودة، فهو لا ينتظر (كما يرى) إلا إحدى الحسنيين “إما النصر وإما الشهادة”، فإن انتصر في الدنيا فسيقيم “دولة الشريعة” التي ينشدها وإن مات فهو في “عليين”، أما إذا وقع كأسير في يد “أعدائه” فسيجد دعاة حقوق الإنسان يستميتون دفاعا عنه وعن حقه في معاملة كريمة.
فباختصار شديد لا يوجد أي ردع فكري “تقليدي” للإرهابي لكي يردعه عن الضلوع في عمليات إرهابية أخرى.
وقد يظن القارئ أن ذلك يعني أنه لا يوجد ردع فكري للإرهابيين الإسلاميين، وذلك ليس صحيحا فتوجد وسائل أخرى (ولكن غير تقليدية) للردع الفكري للمتطرفين الإسلاميين (وللحفاظ على فاعلية هذه الوسائل سأعرض عن نشرها علانية).
أما البعد الخامس والأخير في هذا المقال فهو الاهتمام بالفن والموسيقى وتقديس الجمال والإبداع في فكر المجتمع.
فكما هو واضح فإن الجماعات الإسلامية المتطرفة تقوم جميعها – وبدون استثناء – بإحباط مظاهر الفن والجمال والموسيقى كخطوة أساسية لنشر فكر التطرف.
والأمر ليس مصادفة فإحباط التذوق الفني في العقل يتشابه مع إحباط قدرة الإنسان على تذوق الطعام وبالتالي قدرته على أن يميز بين الجميل والقبيح من الأشياء.
وفي حالة إحباط القدرة على تذوق الطعام ومعرفة إن كان جميلا أم لا، يكون بالإمكان وضع أي شيء بشع في فم الإنسان وسيتقبله لأنه أصبح غير قادر على أن يميز بين الجميل والقبيح.
وكذلك الحال في إحباط قدرة الإنسان على تذوق الموسيقى الجميلة والفن، فإن عقله يصبح في هذه اللحظة عاجزا عن التمييز بين الجميل والقبيح فيصبح من الأسهل ملء عقله بغثاء فكري وبشاعات وسيتقبلها لأنه عاجز عن التمييز.
ولذا فإن كراهية الفن وإحباط مظاهر الجمال ومنع الموسيقى هو صفة مميزة لكل الجماعات الإسلامية المتطرفة (وبدون استثناء واحد)، لأن الفن والجمال والموسيقى هي في أغلب الأحوال عوامل مقاومة التطرف الفكري والعنف في المجتمع.
ولا يسعني هنا إلا أن أشيد بالعمق الفكري لنائب رئيس دولة الإمارات ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حينما قال إن متحف اللوفر أبوظبي يمثل “قدرتنا على محاربة التطرف الفكري بالجمال الفني”.
شبكة الشرق الأوسط للإرسال