فيلم وثائقي بعنوان “لغز مومياء التبت”، يتناول دراسة أجراها البروفيسور فيكتور إتش مائير من متحف الآثار وعلم الإنسان التابع لجامعة بنسلفانيا الأمريكية, يلفت الانتباه إلى أوجه الشبه بين الراهب سانغا تنزين والرهبان البوذيين في منطقة ياماغاتا الواقعة شمالي اليابان، جامعاً مؤشرات وأدلة بشأن عملية التحنيط الذاتي، التي كان يقدم عليها بعض هؤلاء الرهبان، وهي مؤشرات مستمدة من الحالة الوحيدة المعروفة والموثقة لتلك العملية التي تُعرف في البوذية باسم “سوكوشينبوتسو”, ويشير هذا الاسم إلى طقس كان مُتبعاً في الفترة ما بين القرنين الحادي عشر والتاسع عشر، من قِبَلِ من هم أكثر تفانيا وإخلاصاً ومقدرة بدنية بين أبرز القادة الروحيين للبوذيين في منطقة ياماغاتا، أولئك ممن كانوا يُقْدمون على تجويع أنفسهم حتى الموت على نحو تدريجي وبوتيرة بطيئة للغاية، وذلك للسمو بأنفسهم بغرض الوصول إلى أعلى ذرى التبصر والتنور.
وكان النظام الغذائي لرهبان ياماغاتا يعتمد على الأغذية ذات الأصل النباتي فحسب، إذ لم يكونوا يتناولون سوى الجذور والمكسرات والبذور والأعشاب، بهدف التخلص تماما من كل ما تختزنه أجسادهم من دهون, تتراوح المدة التي تستغرقها هذه العملية من عدة شهور إلى 10 سنوات. وخلال تلك الفترة، يُعتقد أن أولئك الرهبان كانوا يتناولون بذورا استوائية سامة، وكذلك عصارة أشجار الـ”توكسي كودندرون فرنيسي فلم” السامة، التي تُعرف باسم أشجار الورنيش اليابانية. ويساعد تناول هذه المواد على تسهيل عملية القيء، مما يزيل أي أثر للماء والرطوبة من الجسم، كما يردع الحشرات التي تتغذى على أجساد البشر بعد موتهم.
وبحلول وقت وفاة هذا الراهب أو ذاك؛ يكون جسده قد صار خاليا تماما من الدهون، كما تنكمش أجهزته الداخلية بشكل كبير للغاية، مما يحول دون أن يبدأ جسده – المتيبس من قلة المياه أو انعدامها – في التحلل. ويؤدي ذلك إلى الحفاظ على الهيئة الجسدية للمتوفى، وإلى إطلاق شرارة بدء تلك العملية المحيرة المتعلقة بالتحنيط الطبيعي. ومن المفترض أن يكون الراهب تنزين قد اتبع ذات الخطوات التي كان يتبعها الرهبان البوذيون اليابانيون، وهو ما تبرهن على صحته تلك المستويات العالية للنيتروجين، التي وجدها فريق الباحثين بقيادة مائير متبقية في جسده المحنط، في مؤشر على صيامه لفترة طويلة. كما أن التأمل ربما يكون قد لعب دورا مهما بدوره، إذ أن بوسع المرء رؤية ما يُعرف بـ”غومتاغ”، وهو حزام كان يُستخدم خلال فترات التأمل الطويلة، وقد التف حول عنق تنزين وساقيه لمساعدته على الإبقاء على وضعية جسده ثابتة إلى أن يفارق الحياة.
وقد غمرتني مشاعر الإعجاب والرهبة معا إزاء ذاك القدر من المعرفة والتصميم اللازميّن لتخيل وتصور طقس غريب على هذه الشاكلة، وكذلك وضعه موضع التنفيذ. وبعد شهور من تلك الرحلة، سمعت بوجود اثنين من المومياوات تعودان لراهبيّن بوذييّن آخريّن في دير ثيكسي بمنطقة لاداخ الهندية. وقد أخضع الراهبان نفسيهما لتجربة التحنيط الذاتي تلك، والتي يطلق العامة على من يخوضها من الرهبان اسم “بوذا الحي”. وفي الآونة الأخيرة؛ تحديدا في فبراير/شباط الماضي، عُثر في منغوليا – وهي معقل آخر لـ”البوذية التبتية”- على راهب مُحنّط ذاتيا منذ نحو 200 عام، وقد وُجدت مومياؤه في حالة جيدة.
وحتى الآن، لم يجد العلماء أي “بوذا حي” في منطقة التبت. رغم أنه من المرجح أن تكون الثورة الثقافية التي شهدتها الصين (بين عامي 1966 و1976) وما تلاها من عمليات تدمير للمعالم الثقافية، قد قادت على الأرجح إلى إتلاف أي مومياوات حُنطت بشكل طبيعي وكانت تحظى بالقداسة، وأي أدبيات ذات طابع ديني، وكذلك إلى تخريب عدة آلاف من الأديرة. لكن لحسن الحظ، وجدت رفات سانغا تنزين ذات الطابع غير المألوف ملاذا آمنا لها في سبيتي؛ تلك البقعة النائية الباردة والمعزولة في الجانب الهندي من جبال الهيمالايا.