عدالةٌ من زجاج
في اليومين الماضيين ، كان الحدث الذي تندر حوله الكثيرون في وسائل التواصل الاجتماعي ، علي تضارب ميولهم ، هو وضع الدكتور “محمد مرسي” أثناء محاكمته ، ولأول مرة في مصر ، في قفص من زجاج ..
وأن يوضع أثناء محاكمته في “صوبة” ، أول رئيس مصري أتته الرئاسة منقادة من خلال انتخابات ، لأول مرة في تاريخ مصر ، لا تشوبها شائبة ، لهو حدث من الغرابة بمكان طليعيِّ ، ومن السخرية التي تتابع ترهلها بمكان أيضاً ..
وتماشياً مع أبواق النظام سوف أفترض جدلاً أن الدكتور “مرسي” قد ارتكب في عام واحد كل هذه الجرائم الباهظة ، فماذا إذاً عن ذاكرة المصريين التي لم ينطفئ فيها بعدُ تلك العناية الشديدة بـ “مبارك” وحاشية “مبارك” الذي سرق طفولة عدة أجيال كاملة ، أثناء محاكمته ؟!
سؤالٌ يجري في يقين السخافة ..
ولأن الوطن الممتد من الماء إلي الماء ، أو من المحيط إلي الخليج ، هو بالأساس وطنٌ من سخرية ، ومنظومة من أشياء الكوميديا السوداء ، فإن العثور في الظلال السهلة علي مبررات الإذعان للضحك الذي كالبكاء ميسر جداً ، ومتصل !!
ولقد كان أحد الأحداث التي تندر بها عقلاء العرب مؤخراً هو حصول أحد (الباحثين) في “مملكة آل سعود” علي درجة الدكتوراة ، أعز الله القارئين ، في “فقه الضراط” ، أو أحكام ما يخرج من الإنسان من أصوات عن طريق غير الفم ، نفس المعني ، وهذا الباحث ، أعزه الله ، واحد من علماءنا الأجلاء الذين سيكونون ، حين يرحلون عن العالم إلي الخندق الآخر ، قد تركوا لمن بعدهم عالماً أفضل مما كان عليه قبل أن يولدوا ، تماماً كما فعل “آينشتاين” ، ذلك اليهودي القادم من سلالة القردة والخنازير ، كما سيكونون ، جزاهم الله خيراً ، قد وضعوا حلولاً ناجعة لقضايا جوهرية ستغير وجه التاريخ ، مثل ، أحكام الحيض ، وأحكام بلع النخامة في رمضان ، معذرة ، فإني لا أريد والله أن أحرك غثيان أحد ..
ومما ضاعف من عصبية السخرية من هذا الحدث عمقاً ومرارة أنه تزامن مع حدث آخر وفاضح ، وهو أن بعض الباحثين الكفار ، الذين غضب الله عليهم وروسوله والمؤمنون ، توصلوا لآلية أكيدة لعزل مكونات الخلايا الجذعية ، وهو حدث سوف يجعل الكثير من الأمراض الضالعة في العصيان علي الطب تنسحب إلي ركنها المهجور !!
وبين الحدثين علاقة وثيقة ، فكما أن لـ “آل سعود” رغبة في الاستفادة من حصانة الغفلة ، لذلك هم يشجعون مراوحة العقول في مكانها الخاطئ ، هم يشجعون أيضاً إجهاض أي نقطة ضوء في الجوار يمكن أن يبصر فيها القطيع جمال الحرية في إطاره ، ربما لإدراكهم التام أن هذا من شأنه أن يرج الريح في قامة عروشهم !!
مقاربة أخري تضئ هذه العلاقة بين الحدثين ، ألا وهي بالأساس إحداث صوت ، مع الأخذ في الاعتبار الفارق الرحب بين ما يخرج من صوت عن طريق الفم وما يضل ذاك الطريق ويسلك الطرق الخلفية !!
فكما أن رسالة (الباحث السعوديِّ) تدور حول أحكام ما يصدر عن الإنسان من أصوات عن غير طريق الفم ، كذلك ، فحروف العلة في وضع الدكتور مرسي في قفص من زجاج ترتفع إلي الخوف من أي صوت يخرج من فمه ، وهذه شهادة له لا عليه !!
ولا شك أن الدكتور “مرسي” روي لنا من القفص الزجاجيِّ ، علي غير ما يشتهون ، نَسَبَ الأسد ، وكانت حركاته تعكس في الذاكرة علي الفور حركات المصارع “الروك” علي الحلبة ، وأكاد أجزم أنه لو تمكن من الإفلات من قفصه لأوسع كل من في قاعة المحكمة “بودي سلام” ، وعضَّاً وركلاً ، وصفعاً ، و”مانشيتات” ، وضرباً بأي شئ تقع عليه يداه ..
كما لا شك أنه أكد لنا سلامة تصريحه الشهير بأنه ينتمي إلي عائلة “عبس” ، وأنه بالفعل من أحفاد “عنترة بن شداد” وأخيه “شيبوب” ، فإن هذا التحفز الطبيعي للقتال ، واهتزازات الجسد العصبية عند رؤية الأعداء كان من أهم ما نقلته لنا الروايات عن جده “عنترة” وشقيقه “شيبوب” !!
بالإضافة إلي هذا فهو من أبناء محافظة الشرقية ، وهذا بعد إضافي من أبعاد شخصيته لا يمكن إغفاله ، حيث لا يخفي علي أحد أن لكل إقليم في مصر شخصية تميزه ، وتنسحب بالضرورة علي ساكنيه ،،
كما لا يخفي علي أحد أن أهم ما يميز إنسان “الشرقية” هو صعوبة المراس كما الكرم ، وهو عنهم مشهور ، وليست من فراغ الحكاية الرائجة أنهم استضافوا القطار ، أو بالعامية الدارجة “عزموا القطر” ،،
ولأنه بضدها تتمايز الأشياء ، كما قال الشاعر ، كما لأنه لا يوجد في مصر من يؤدي وظيفته علي الوجه الأكمل كالحشاشين ، كان لابد أن تتطور الحكاية إلي نكتة من نكات القاع ، وأصبح ذلك القطار الذي استضافوه كان مأهولاً بأهل المنوفية ، وكل مصري يعرف بالتأكيد ماذا يعكس في الذاكرة ذكرُ إنسان “المنوفية” ،،
استضافوا أهل “المنوفية” الذين توقف بهم القطار لعطل ما في “الشرقية” ، ثم توقف القطار لعطل ما ، علي عهدة الحشاشين ،بعد أسبوع واحد بأهل الشرقية في المنوفية ، فما كان من “المنايفة” رداً للجميل ، وبدلاً من استضافتهم ، سوي أن تعاونوا جميعاً علي دفع القطار ، أو بالعامية ” زق القطر ” المعطل بالأيدي حتي الشرقية !!
بعد آخر من أشهر أبعاد شخصية “الشرقاوي” هو الاستعداد الدائم للدخول في عراك ، بل تربية الذرائع لاستدعاء العراك ، لذلك ، كان لهم وحدهم دون سائر أهل مصرعادة خاصة ، كأنهم اتفقوا عليها لخلق سبب وجيه للمعركة ،،
هي عادة “تحويد العروس” ، وهي عادة حكي عنها باستفاضة في إحدي روائعه ، أديبنا الكبير “يوسف إدريس” ، وهو من هناك ، وهي ببساطة أنهم كانوا إذا تزوجت عروس في ذلك الزمان في قرية بعيدة ، فعلي طول الطريق بين القريتين ، يخرج رجلٌ من أهل كل قرية أو كفر أو عزبة يمر بها موكب العروس لاعتراضه وتقديم عرض باستضافة الموكب في هذه البلدة ، وإذا قبل الموكب الاستضافة و “حوَّدوا” بالعروس علي هذه البلدة ، فهي وصمة عار تلطخ قريتهم إلي الأبد ، كما يعايرون بها فيما بعد ،،
لذلك كان أهل بلدة “العروس” يعدون العدة جيداً قبل خروجهم بالموكب ، ويحرصون علي أن يأخذوا معهم كل ذي ذراعين صالحين للعراك ..
لابد أن يرفض الموكبُ التحويد ، كما لابد أن يصر الرجل علي استضافتهم بالقوة ، ولابد أن تولد المعركة ثم تترهل إلي حد تصبح معه السيطرة عليها مستحيلة ، يستعرض فيها كل طرف قوته ومهاراته في الضرب ، ولابد أن تنتهي المعركة بعد إنهاك الطرفين وخسارة الكثير من الدم ، ثم يواصل الموكب المنهك سيره في النهاية ، تنتظره الكثير من المعارك القادمة ،،
وكان لابد أن يجئ يوم تنهار فيه هذه العادة تماماً ، حدث هذا علي يد المواطن الشرقاوي الشريف ” رجب أبو شمعة ” ، فقد خرج يتقدم ممتطياً حمارته القصيرة موكب عروس من بلدته ، واعترض الموكب عبدٌ أسود لسيد خسر ماله ، وأصر العبد علي تحويد الموكب لقصر سيده ، ورج الرعب قامته في قلب “رجب أبو شمعة” من منظر العبد ، ودفعاً لما لا تحمد عقباه التفت إلي الموكب خلفه وصاح :
– حوِّدْ !!
دون أن يدور بباله أنه بفعلته هذه كان السبب في طرد العبد من خدمة سيده الذي كان لا يعلم شيئاً عن نية عبده ، والذي فوجئ بالموكب يمرح في ساحة القصر بحميره وجماله وخيوله ، وأدرك أن عليه وهو المفلس إطعام كل هؤلاء ..
وراقت اللعبة للمواطن الشريف “رجب أبو شمعة” ، فراح كلما اعترض الموكب أحد ، أي أحد ، وإن كان طفلاً عابثاً يمسك في يده عوداً من ذرة ، يلتفت للخلف حتي قبل أن يتم الرجل كلامه :
– حوِّدْ !!
هذا جعل “العروس” تصل إلي بيت عريسها بعد أيام من بداية الرحلة التي لا تستغرق في غير هذه الظروف ساعات معدودة !!
لعل هذه كانت في ذلك الزمان تسليتهم الوحيدة ، ورياضتهم المحلية ، لعلها أيضاً كانت السبب في كثرة زواج الأقارب هناك ، فمن ذا الذي يجازف بالتضحية بنفسه وأهل قريته في سبيل رجل غريب لا تصل ابنته إليه إلا بعد آلام وأهوال ، إن لم يكن من مشجعي هذه الرياضة !!
ومادام الأمر هكذا ، فإن من سخف القول ، بل السقوط ، أن يفسر محللو البلاط تصرفات الدكتور”مرسي” بأنها ناجمة عن اضطرابات نفسية ،،
فإن شخصاً كالدكتور “مرسي ” تنخفض جذور سلالته إلي قبيلة عربية احترفت الغارة ، وكانت إحدي “جمرات العرب” ، كما ينتمي إلي هكذا قوم احترفوا لعبة “تحويد العروس” ، وربما كان واحد من أجداده قّتَلَ أو قُتِلَ لمجرد القتل المسلي في تلك اللعبة ، بالإضافة إلي ثقافته الإسلامية التي تعتمد القصاص كجوهر من الواجب أن يلجأ إليه المسلم إذا تهضم حقه جائر ، لابد أن يتصرف هكذا ، وأن يتصرف هكذا جداً !!
مع هذا ، يجب ألا يمنعني الإعجاب به عن القول أن اختيار الإخوان له ، وله علي وجه الخصوص ، كمرشحهم للرئاسة كان أكبر أخطائهم علي الإطلاق ، ولعلهم أرغموا علي اختياره تحت ضغط الآلهة البشرية الضالعة في سماء مزيفة ، ليوم له ما بعده ، وأكاد أقسم بالعطر أنهم لو اختاروا وسيماً كـ “باسم عودة” مثلاً ، ما دام إعجاب النساء بالحكام لا الصناديق هو المعيار الآن ، لما استطاعت حتي الريح الصرصر العاتية أن تزحزح سلطتهم !!
كيف ينظرون إلي الرجال في مصر ؟!
عدالةٌ من زجاج ،،
ليس القضاء وظيفة ، بل هو الضمانة المفصلية لوطن حر وكريم وللجميع ، والقاضي يجب أن يكون أبيض كوجه “هملايا” ، يجب أن يكون أبيض كوجه هملايا وعلي مسافة واحدة من الجميع ، بل أسافر في الأحلام أبعد لأقول يجب أن يكون أقرب إلي المستضعفين لا إلي ولاة الأمور ، فإن القاضي الذي ينظر من نوافذ الآخرين الشاهقة لا يمكن أن ينتبه إلي الشعير الذي يحجب الجبال البعيدة أمامها ،،
من السئ أن هذا القاضي الأبيض كوجه “هملايا” في تاريخ الوطن الممتد من الماء إلي الماء لا نعثر عليه كثيراً ، ولأنهم قليلون فالاحتفال بهم في التراث زائد عن الحد ، ولأنهم ، وفيما يشبه العرف الدارج ، اختاروا علي الدوام خندق الحاكم ، انزلقوا في شراك البسطاء التي لا يملكون غيرها من عتاد ، أقصد سخرية القاع لا أكثر!!
يقولون :
تقدم رجلان إلى “الشعبي” ، فقال أحدهما :
– لي عليه ، أعز الله القاضي ، كذا وكذا من المال ،،
فقال “الشعبي” للمتهم :
– ماذا تقول ؟
قال المتهم :
– يسخر بك أعزك الله !!
وما أشبه الليلة بالبارحة ،،
كان “عبد المرضي أبو بظيو” المرحوم ، وهو أحد أهل قريتي ، مجنداً فرَّ من معسكره وسافر إلي القاهرة ظناً منه أنه سيضيع في زحامها ، غير أنه ضبط ثم قدم لمحاكمة عسكرية ، وحين يروي أهل قريتي تفاصيل هذه المحاكمة ، تكتشف أنهم يروون تفاصيل محاكمة مدنية ، والحكاية حدثت بالفعل ، لكنهم كعادة الفارغين لابد أن يضيفوا لمساتهم الخاصة ، يقولون أن القاضي قال :
– حكمت المحكمة حضورياً علي المتهم “عبد المرضي عبد الشافي بظيو” بالسجن ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة المؤبدة !!
ويرتفع القانون عن الأرض أميالاً ، ويستأنفون، صاح “عبمرضي” في هياج :
– ليه يا سعات البيه ، الله يخرب بيت أبوك !!
ما أشبه الليلة بالبارحة ، ولا ينطوي هذا علي غرابة ، فالمياه آسنة ، وآثمة ، ولا جديد يمكن أن يولد في المستنقع سوي الطحالب الضارة !!
حكاية أخري ، أفرد لها “الثعالبي” عنواناً في كتابه “الموصوف والمنسوب” ، “قاضي جبل” ، يقول عن هذا القاضي :
” و”جبل” ، مدينة من طسوج كسكر ، وكان قاضيها أغر محجلاً في التخلف ، فرفع إلى “المأمون” أنه يعض الخصوم، فوقَّع ، “يُزنق” !!
هو يقول أن هذا القاضي كان يعض الخصوم ، فشكوه إلي الخليفة المأمون ، فماذا فعل أمير المؤمنين يا تري ؟ ، لقد ضحك حتي فحص برجله كما كانوا يقولون قديماً ، ثم كتب علي ظهر الرسالة “يُزنق” ، هو يعني ، يكمم فمه كما يفعلون مع الخيول حتي لا يتمكن من العض !!
بني وطني ، أما كان أجدي أن يعزل هذا القاضي لولا أن استمراره في منصبه وجد هوي في نفس الراعي كأداة موالية ضمن منظومة من الأدوات الضرورية للسيطرة علي نوازع الرعية ، وليذهب أهل “جبل” إلي الجحيم ؟!
و”جبل” مرة أخري ، هذا البلد المسكين ، ولكن أقدم لهجة ، فأمير المؤمنين هذه المرة هو “هارون الرشيد” ، والد “المأمون” الذي ورث الخلافة عنه بعد أن قتل أخاه ، أولئك المنحدرون من السلالة المباركة التي كأنها حدثت سهواً ،،
يقولون :
وَلَّى “يحيى بنُ أكثم” ، وهي القاضي المشهور باللواط ، وأفرد له “الثعالبي” في كتابه “الموصوف والمنسوب” فصلاً ببعنوان “لواط يحيي بن أكثم” ، وهو الذي قال فيه شاعر قديم :
متي تصلحُ الدنيا ويصلحُ أهلُها / وقاضي قضاة المسلمين يلوطُ
ولَّي قاضي قضاة المسلمين هذا ، قاضياً على أهلِ “جَبل” فبلغَ هذا الأخيرَ أنّ “الخليفةَ الرشيد” قد انحدرَ إلى البصرة ، فقال القاضي لأهلِ “جَبل” :
– إذا اجتازَ “الرشيد” هَا هُنَا فاذكروني عندَهُ بخيرٍ !!
فوعدوه بذلك ، غير أنّهم أخلفوه الموعد ، إذ لمّا جاء “الرشيد” ناحيتهم تقاعدوا عنه ولم يكن له ذكر بالمرة ، فما كان مِن “قاضي جبل” إلا أن سرَّحَ لحيتَه وكبَّر عمَّتَه ، وخرج فرأى “الرشيد” في الحراقة ومعه “أبو يوسف القاضي” فقالَ “قاضي جبل” مِن بعدِ ما غيّر سحنتَهُ :
– يا أمير المؤمنين ، نِعْمَ القاضي “قاضي جبل” ، عدل فينا ، وفعل كذا وكذا !!
وجعل يُثني على نفسه كثيراً بكلّ ما يُمكنُ أنْ يُمدح به قاضٍ !!
فلما رآهُ “أبو يوسف” حتى عرفه فضحِكَ كثيراً ، فقال له “الرشيد” :
– ممَّا تَضحك ؟
فقالَ “أبو يوسف” :
– يا أميرَ المؤمنين ، إنّما كانَ المُثْني على القاضي هو القاضي نفسه !!
فما كانَ من الخليفة “هارون الرشيد” إلاّ أن راحَ في نوبةٍ مِن ضحكٍ فَحَصَ على إثرِها الأرضَ برجلِه مِن شدّةِ نوبة ضحكه !!
رجل الدين أيضاً يجب أن يكون أكثر بياضاً ، ولا ينزع إلي طرف دون طرف ، أو يري في أقواله أو أفعاله سوي وجه الله الذي يصوره للبسطاء كضالع في السماء ، لكن للأسف ، الكثيرون من رجال الدين علي الدوام هم امتداد لـ “شهر بن حوشب” ، الذي كما يصوره لنا شاعر عاصره :
لقد باعَ شهرٌ دينَهُ بخريطةٍ / فمَنْ يأمن ِ القرَّاءَ بعدكَ يا شهرُ ؟!
لقد ذهب الشاعر ، وذهب “شهر” ، وذهبت الخريطة ، وهي حقيبة نقود بلهجة هذا الزمان ، وبقي البيت والإدانة الفادحة ..
بني وطني ، أعرف أنكم عبيد لهذا النداء ، الحق أقول لكم ، المشهد برمته مسرحية ركيكة الهدف منها هو وصل ما انقطع لبعض الوقت من أوصال وطن الحاكم الإله ، فهنيئاً للشاربين !!
وقفة مع النفس هي كل ما نحتاج ، قليل من التواصل بين الظاهر والباطن ، وبعض التساؤلات البريئة ، والتساؤلات ضرورية لبلوغ اليقظة كما يقول البوذيُّون ، ويسمونها “الكوان” ، ومن جهتي ، سأعطيك حزمة من التساؤلات ، مثل :
من الذي سرق من “ياسر برهامي” بهجته المذاعة عن عمد بتقييد الحريات في الدستور ؟
أين اختفي الضباط الملتحون بعد نهاية منتصف العام الماضي ؟
أين ذلك الترزيُّ غريب الأطوار الذي أبدي رغبته في تأسيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟
لا تنهك عقلك فيما لا طائل من ورائه ، فلا شئ يستحق ، ذلك أن الانطباع هو الإيمان بالإطار الوطنيِّ كلوحة رديئة ، مسكونة بأشباح لا تقيم وزناً لقواعد المنظور ، وتفضل عدالة القوة علي قوة العدالة ..
النفاق ، النفاق ، النفاق ، التكرار ..
وكما قال قديماً فيلسوفٌ رومانيٌّ ، عاتبه البعض علي إسرافه في نفاق أحد قادة روما :
“إن رجلاً يتحرك بإشارة من يده اثنا عشر فيلقاً هو دائماً علي حق “
ربما ، وربما هو المهديُّ المنتظر !!