حرّان ،مدينة لعبادة الاله القمر سين ، وعرفت بهذا الوصف للتعبير للفترة ماقبل الميلاد وبعده لعدة قرون ، او بتوصيف اخر يعود الى القرون الوسطى وفق مسميات المصادر العربية بوصفها مدينة الصابئة ، ولدينا القليل عن دين الحرانيين في القرون الاولى للميلاد ،وكل مايعرف من ذلك الوقت بعض المعلومات عن بانثيون الالهة وهياكلهم وبعض طقوسهم ، حيث عثر على بعض المواد الاثرية القديمة من لوحات مسمارية وكتابات سريانية منقوشة وبعض الشواهد الاثرية من خرائب الهياكل والقبور ، ففي سنة 1906 اكتشف الباحث الاثاري[ بوغنون] بعض الكتابات المسمارية من زمن نابونائيد (555 ـــ 538ق.م)ملك بابل في حرّان القديمة ،وبعد ذلك عثر الباحث الاثاري [رايس] في سنة 1956م على ثلاث لمسلات تحمل كتابات بابلية ،حين كان منغمسا في فحص التصميم المعماري للمسجد الكبير المدمر في ذلك المكان ، وكانت هذه المكتشفات ايضا هي من فترة حكم الملك نابونائيد ،وكل هذه المعلومات تخص ديانة حرّان وخاصة عبادة سين الاله القمر ,,وإي حُل حُل هيكل سين,,، وفي سنة 1951 عثر رايس عل كتابين كتبا باللغة الارامية لشمال بلاد الرافدين،صنفهما الباحث الاثاري والمتخصص بعلم الاديان[سيغال] لاحدهما الى القرن الثاني الميلادي والاخر الى القرن الرابع او الخامس الميلادي ،وعثر ايضاعلى بعض النصب التذكارية وعدة كتابات سريانية حولها ،بعض منها يعود الى قرون عديدة ماقبل الميلاد في اطلال سوماتار الكائنة على جبال التكتك شمال شرقي حرّان ، وهذه المصادر تعطينا بعض التفاصيل عن ديانة هذه المدينة في ذلك الوقت، كما توجد في المنطقة المجاورة لحرّان بقايا اثرية لمباني يعتقد على مايبدو هياكل حرّانية ،حيث هناك مكان للصلاة او مكان عبادة وقصر مشيد على تلة قريبة ،وهناك ايضا بناية حجرية ضخمة جدا اشبه بالقلعة من حيث التصميم والبناء وتوجد كتابة مسمارية منقوشة في اسفل الجدران ،علاوة على ذلك هناك بعض بقايا متناثرة من الابنية الى الشمال من المدينة ..
إنّ الكتابات المنقوشة والصور الحجرية في اطلال سوماتار من القرن الثاني الميلادي تبرهن على أنّه في ذلك العصر كان مذهب سين في حرّان منتشراً ليس في مدينة حرّان وحسب بل في جميع المنطقة. فاطلال سوماتار هي على جبال التكتك، وهي هضبة وعرة على شرقي سهل حرّان، 40-50 كيلو متراً شمال شرقي حرّان. ففي سوماتار توجد أطلال منتصبة في شبه قوس على رابية إلى شمال وغرب جبل مركزي وحوله مغاور. ونتيجة للدراسات على هذا الموقع وجد عدد من الكتابات المنقوشة وبعض الصور الحجرية . زار المكان أولاً العالم بوغنون في بداية القرن وسجل بعض الكتابات والصور في كهف. وبعد ان صرف ج.ب. سيغال في سنة 1952 بعض الوقت في سوماتار اكتشف سلسلة كاملة من الكتابات السرّيانية المنقوشة على صخرة ملساء على الجبل المركزي. وأخيراً نشر دريجيفرز بعض الكتابات المنقوشة والصور الحجرية الإضافية من سوماتار في سنة 1973. وقد أعاد دريجيفرز أيضاً ونشر معظم الكتابات المنقوشة في سوماتار التي كان قد نشرها من قبل بوغنون وسيغال ولكن بدون ترجمة في كتابه “كتابات سريانية (رهاوية) منقوشة قديمة”.
وهناك بعض المصادر العربية للمسعودي وابن النديم والبيروني والشهرستاني وشيخ الاسلام السلفي احمد بن تيمية(1263 ـــ1328م) ،والذي كان مولودا في حران ونسبه يعود الى قبيلة بنو نمير العربية ، ، والمصادر السريانية دينسيوس ،وابن العبري ،والمصدر اليهودي فهو مايمونيدس ، لكن لابد وان نبدأ بالمرور على اهم المحطات التاريخية للمعتقدات الحرانية المصنفة لثلاث فئات -;-
أولاُ ـــ( من الزمن الاشوري البابلي حتى العصر المسيحي )
في الممالك الاشورية البابلية،كان الاله القمر,,سين,,بين الهة حرّان ،كان الاله الاعظم منذ القرون الاولى للالف الثالث ق.م على الاقل ، وكان ولدا الاله سين هما ابنته عشتاروت ، وابنه شمش ، ويذكران معه في احدى كتابات حرّان ، ويبدو كان هناك ثالوث من الالهة ، ولربما يعود بذلك الى عادة ذكر الالهة الثلاثية ،وكانا يعبدان في حران ذلك الوقت ، كما انهما يظهران على مسلة منحوتة (واحدة من المسلات التي عثر عليها رايس) شعار الشمس[قرص بداخله نموذج من اربعة رؤوس واشعة منتشرة بينها] وعشتاروت ,, الزهرة,, [نجمة من سبعة رؤوس في دائرة] .
تحت سلطة الاله القمر سين الجبارة ، نرى من الكتابات المنقوشة لثلاثة الهة اخرى ، نينغال زوجة سين ، ونوسكو الاله النار ، وسادارنونا زوجة نوسكو ، وفي نقش اخر عن الملك نابونائيد تذكر الالهة الثلاث مرارا مع الاله القمر سين،ويتحدث عن ارجاعها الى حران ليقيموا في هيكل سين إي حُل حُل .وكذلك نجد ان عددا من الالهة التي اقل مقاما كانت تعبد ،وكثيرا ماتظهر باسماء متواضعة ، مثل اله الكتابة والحكمة والقدر ,, نابو ,, واله المطر,, وتر ,, والرعد,, وسر,, والبرق ,, وآلاي,, ،ويطرح المؤرخ (سمث) ان الالهة اشور وإبا ومردوخ كانوا يُعبدون في حرّان في زمن الاشوريين ، ولو ان بعض علماء الاشوريات لايوافقونه الرأي ، لكنه يبقى احتمالا واردا ..
ثانياً-;- من بداية ظهور المسيحية حتى الاسلام
تعلق الحرّانيون بعناد واصرار بمذهبهم التاريخي في عبادة القمر سين والكواكب الاخرى،بالرغم من المحيط المسيحي ، ففي القرنين الثاني والثالث الميلاديين ،يتكلم,, ابن ديصان,,ــ السرياني ـــ وهو مسيحي عرفاني من الرُها عن مذهب الكواكب السبعة ،وهو مذهب البابليين والكلدانيين،وعن كتبهم ومؤلفاتهم ،ويطرح فكرة ما للنجوم من تاثير في مجموعتها على طالع البشر ، وكذلك عقيدة ,, أداي ,, 400م ،تخبرنا عن الحرّاننيين في مذاهبهم . تذكر ان الشمس والقمر اللذين كان يعبدهما
الناس في حرّان ، والنجوم والكواكب وخاصة ,, النجم المضيء,, اي الزهرة ــ نجم الصباح والمساء ــ ويظهر الرأي عند ,,أداي,, ان عبادة الاله القمر من قبل شعب حرّان ، ماهي الّا تقديس وعبادة الاله ,, سين ,, و,, بث نيكال,, ـــ ابنة نيكال ـــ ونيكال هوالاسم الآرامي لينغال ،زوجة الاله سين ، لذا فمن الواضح فان بث نيكال ،هي تسمية محلية لعشتاروت ــ الزهرة ،لان عشتاروت هي ابنة القمر الاله سين وزوجته نينغال.
ويشير كل من ابن ديصان وأداي الى الهة ,,ترعاثا,, الاول ينسبها على انها الهة رهوية ،في حين ان الاخر يذكر ترعاثا كالهة ,, منبج,, ـــ مدينة قديمة ومقدسة في محافظة حلب السورية ـــ وترعاثا هي تهجئة مختلفة للالهة السورية الشهيرة ,, اتارغاتيس,, والتي هي بدورها نسخة محلية للالهة السامية عشتاروت ، ويقول العالم الاثاري [دريجفرز] ان اسمها في حقيقة الامر يتكون من كلمتين ,, استارت و انات,, وكان مكان عبادة اتارغاتمس المقدس في منبج ـــ هيرابولس، كما ذكر في,, عقيدة أداي ,,
ان اسماء الالهة التي تنتمي الى البانثيون الحرّاني كانت تتغير من وقت لاخر ،وتعتمد على مدى تاثير الحضارات والظروف المحيطة المختلفة ، وخصوصا هنلك ثلاثة عوامل يبدو انها اثرت في اللاهوت الحرّاني، واهمها التاثير الاشوري ـــ البابلي ، والذي يظهر بشكل خاص في عبادة الكواكب ومعتقداتهم التي تقترن بالسحر والغموض ، فالالهة سين ونينغال وتموز هي نفسها كالتي تجدها في المعابد البابلية ـــ الاشورية ،وكذلك نفس الشيء بما له صلة بامور الزراعة و الارواء والمطر والى ما ذلك .
اما العامل الثاني، بعد غزو الاسكندر الاكبر المقدوني ،دخلت المطقة المفاهيم اليونانية ، والتي كانت لها الدور المهم في تغيير اسماء الكثير من الالهة مثل اليبوس ولاريس وقرقيس ، وكذلك تغيير الكثير من اعتقادات تخص الكون والكواكب والعناصر الالهية التي لها صلة وثيقة في الفلسفة اليونانية القديمة .
اما العامل الثالث ،نجد ان تاثير الديانات ومذاهب الاعتقاد في اله واحد ،وهو يظهر كاله مقدس ،وهذا لايلقى قبولا لدى حرّان ،والذين امنو بتعدد الالهة لاختلاف المذاهب والاعتقاد ،لذا كان مناخا قاسيا عليهم في تقبل فكرة الاله الواحد ،وهذا الاعتقاد قد يكون يهوديا او مسيحيا او اسلاميا ،وكما اشار المؤرخ ,,مارغوليت,, يبدو ان التاثير الاسلامي اكثر احتمالا،لان هذا الاعتقاد يظهر فقط في القرون الوسطى ، وعاش الحرّانيون تحت حكم المسلمين منذ القرن السابع الميلادي ..
ثالثاـــ في العصر الاسلامي ــــ
في زمن الخليفة الثاني عمر ، اجتاح جيش المسلمين بقيادة ,, عياض بن غنم ,, كل انحاء شمال بلاد ما بين النهرين من دون قتال بعد هزيمة الروم البيزنطيين ،وبضمنها الرُها ونصيبين وحرّان سنة 639م ، وكما هو معروف كانت حرّان في ذلك الوقت تحت التاثير السياسي الرهاوي ، وعندما دخل المسلمون تلك الاماكن ، عقد القائد العسكري عياض بن غنم اتفاق سلام مع الحرّانيين ، وفرض عليهم الجزية .
وعرف الحرّانيون على انهم قوة سياسية فكرية معرفية ثقافية اقتصادية لايمكن تجاهلها وفق منظور خلفاء الدولة الاموية الحاكمة وقتذاك ، حيث امر الخليفة الاموي الثامن ,,عمر بن عبدالعزيز ,, (682ــ720م ) بنقل مدرسة الطب من الاسكندرية في مصر الى حرّان ، وفي الفترة الاخيرة من الحكم الاموي قام الخليفة ,,مروان الثاني,,(744ـــ 750م) بنقل مقر الخلافة الاموية من دمشق الى حرّان ،وبها انهارت الدولة الاموية. اما من الاحداث المهمة في زمن الخلافة العباسية ، الا وهي مرور الخليفة المأمون(813ـــ833م) في مدينة حران في طريقه لملاقاة جيش الروم ،وقضى نحبه خلال المعركة مع الروم بعد توعده لاهل حران بالويل والثبور ما لم يتركوا دينهم ،دين الاباء والاجداد الاولين ،ويعتنقوا الاسلام ،او يتخذوا دينا له ذكراً في القرآن ، وسناتي على هذا الموضوع فيما بعد بشيء من التفصيل ..
اذن من هو الاله سين ؟
كانت عبادة سين الاله القمر ، الديانة الرئيسة والمركزية في حرّان منذ زمن بعيد جدا وحتى هدم اخر هيكل للرب سين فيها ، وحرّان منذ القدم كانت مدينة مهمة ولربما ليست لموقعها الاستراتيجي و محطة هامة على الطريق التجاري بين الشرق والغرب فحسب بل بسبب اهمية معبودهم الاله سين عند شعوب المنطقة باسرها ، وعلى مايقوله البروفسور ,,ليوي,,[ لم يكن المتعبدون للقمر المزارعين الذين حرثوا الارض ، بل كانوا الاراميين والاراميين الاوائل الرّحل الذين كانوا يتنقلون في الصحراء السورية ، وكان الاله القمر يعتبر في بلاد مابين النهرين القديمة ،على ان القمر اقدم الكواكب ، وكان يتقدم على الشمس ، وعلى الليل والنهار ،وكانوا يقدسونه على انه والدا للشمس (شمش) الاله ولعشتاروت ـــ الزهرة ــ ايضا ،ولمركزه القيادي في العائلة ، لذا استحق الاولوية في العبادة] .
ان اسم سين الاله القمر ، هو اسماً مستعارا من اللغة السومرية مفترضا ،وكان يدعى في السومرية ,, آنزو,,ـــ اي رب المعرفة ـــ الذي قد يكون الاسم سين مستمدا منه ، اما المظهر السامي لاسمه فهو ,, نانار المضيء المنير,, ، وفي رأي المؤرخ جاسترو [ ان هذا لدليل واضح على ان سين هو نفس الاله المقدس في حرّان] . وفي اثناء الحكم السومري ،كان سين يقدس غالبا مع زوجته,, نينغال,, السيدة العظيمة في اور ،المركز الرئيسي للسلالة السومرية الشهيرة ، وكما بينت النقوش الاثرية السومرية بتراتيلها تعتبر سين من ابرز الالهة ، وكان ايضا يلقب ,,بالملك,, او,, والد الالهة ,,مثل,, أنو,,الذي يدعى ايضا ــ الابن البكر لأنيل ــ الذي هو اله السماء والارض ، وعلاوة على هذا فان الاله ممثّل بالمسلة المعروفة ـــ اورنمو ــ مؤسس السلالة الثالثة في اور ــ 2112 ــ 2095ق.م ـــ وهو جالس على العرش والعصا والصولجان في يده اليمنى ، ونينغال جالسة الى يمينه والملك امامهما ، فالعصا والصولجان هما يشيران الى السلطة التي يمنحها الاله الملك ، وفي الميثولوجيا السومرية ايضا يجوب سين الاله القمر السماوات وياتي بالنور اليها .
كانت هناك في العصر الاشوري البابلي مدينتان ، أور و حرْان ، وهما المركزان المهمان لعبادة القمر بشكل خاص ، وكان الاله القمر يعتبر الرب السامي والمالك للبلاد ،ليس في أور وحرّان فحسب ، بل في المقاطعات الشاسعة الموصوفة بالاصطلاح الجغرافي ,, أمورو ,, وفي زمن السلالة الأمورية البابلية الاولى ، كان الاله الاكثر شهرة ، وكانت سلالة لارسا المخلصة بشكل خاص لسين في اور ، وكانت شقيقة ام سين قد خدمت ككاهنة للالهة نينغال ، وكان الحاكم الذي عينه اشوربانيبال على الارض والبحر ، قد اعاد بناء هيكل في ,, إي ـــ عيش ـــ شير ــ غال ,, هيكل سين العظيم في اور ، وايضا في زمن نابونائيد(555ــــ 539ق.م) كان الاله القمر يبجل في كل ارجاء بابل ، ومن الكتابات المنقوشة على اسطوانة نابونائيد ، انه اعاد بناء ,, إيغيبار,, وهو كرسي قديم للكهانة وكانت له خصوصية في هيكل ,, إي ــ غيش ــ شير ــ غال .
كانت هناك روابط وثيقة بين سين الاله القمر الذي يوصف بانه ـــ الاله ذو الجلال الذي كلمته ثابتة ـــ بحسب نابونائيد ،وبين الرتبة الملكية في مابين النهرين القديم ، فالظهر الطبيعي للهلال يشبه تاجاً للملكة ،ولذلك يدعى سين ,,رب التاج,, في ملحمة الخليقة البابلية ,, اينوما اليش,, وتنص شريعة حمورابي بان سين سيجرد المعتدي على قوانين حمورابي من تاج العرش الملكي ، وحمورابي نفسه يوصف ,,البذرة الملكية التي خلقها الاله سين ,, وفي انشودة لحمورابي منها,, عيْن سين الاولوية لك,,
وكذلك فان عددا من الاسماء الشخصية من اشور مثل ــ سينشاراديف ــ اي,, سين خلق الملك,, و سينا شارا يشكون ،اي,, ثبّت سين الملك,, و سينشار أو سور ،اي,, سين يحمي الملك,, ويدل ذلك على انه في ذلك العصر كان سين الاله القمر يعتبر الهاً له سلطة عظيمة على الملوك في آشور ..
كان سين الاله القمر في الحقبة الاشورية البابلية يدعى ,, نانار,,ايضا ،واما القابه الاكدية فكانت,, الهة الالهة,, و,,رب الالهة,, علاوة على الاسماء الشخصية الآشورية مثل ـــ سين اشاريد ــ اي,, سين هو الاول في المكان ,, و ــ سين كابتي يلاني ــ اي ,, سين هو اقوى الالهة ,, و ــ سينشار ايلاني ــ اي ,,سين هو ملك الالهة,, ويظهر لنا بوضوح ان سين قد نال اعلى مرتبة في سلم الالهة ، وما عدا هذه الميزات كما نرى من الاسماء الشخصية والكتابات المنقوشة ، كان الاله القمر سين يعتبر الطبيب والخالق وحارس البشر جميعا ..
كان الاله القمر في اور يمثل في شكلين، اولهما ــ يصوّر على الاختام الاسطوانية ،كرجل مُسن بلحية منسابة كما توصف بقصائد الشعر ،بانها من اللازورد ـــ السماوي الازرق ــ وغطاء رأسه ، يتكون من قبعة عليها قرنا هلال ، ويبدوان واضحين على الاسطوانة . وثانيهما ــ كان سين يمثّل بثور ، ويبدو ان المتعبد ،يؤدي الصلاة الى الاله ويتضرع له بصفته حامي الديار وهيكلها الرئيسي ، ويثني عليه كـ ,, ثور يافع مشاكس بقرنين ثخينين ، وبكامل الاطراف ولحية من اللازورد,, ..
ومن ناحية اخرى ، هناك قطعة اثرية قديمة تم اكتشافها مؤخرا ، تحمل شكلا بوصف الاله سين على انه ثور يافع راسه مصنوع من صفيحة رقيقة من الذهب مطروقة على كتلة خشبية ، في حين تتكون اللحية من قطعة صغيرة من اللازورد المنقوش ، وهذه القطعة الاثرية عثر عليها في القبر الملكي ، وهو احد القبور الخاصة بالملوك في اور ..
يعتقد المؤرخ جاسترو ،فيما يخص اصل مذهب القمر في حرّان، انه نقل من اور الى حرّان ، ولكن الباحث سميث ، يعتقد ان المذهب في حران كان قديما ،وهو نتاج بيئته ،وربما كان اقدم من كل الديانات في بابل واشور ، ويظن على انه كان قائما منذ الالف الثالث ق.م ،ولربما اقدم من ذلك ، حيث كانت مدينة حرّان مركز عبادة القمر في زمن ,, امريليم,,في ماري ,, القرن الثامن عشر ق.م,, كان هناك للمدينة معبد سين .
وكما في اور ، كان سين اكثر الالهة شيوعا في حرْان اثناء العصر الاشوري البابلي ، وكما ان الاسماء الشخصية من منطقة حرّان في ذلك الوقت ، يلحق بها حرف,, السين ,, او ,,سي,, مثل ــ سي بابا ، سي اكايا ، سي ديكير .
منذ الالف الثاني قبل الميلاد ، كان سين حرّان يؤتى على ذكره في المعاهدات في مناطق واسعة ، ففي رسالة منذ زمن امريليم ملك ماري (1777 ـــ 1746ق.م) ياتي ذكره في معاهدة ابرمتها قبيلة ,, بنو ايامينا,, مع ملوك صغار لولايات مجاورة في هيكل سين الحراني ، وهناك شاهد اخر عل ان سين حران كان ضامنا مناسبا للمعاهدات السياسية ، ففي معاهدة بين ,, شوبيلوليوما ملك هاني,, حوالي,, 1385ـــ1345ق.م,, وشاتيوازا الميثاني ، كان سين وشمش الحرانيان يذكران فيها .
كان سين يعبد بصورة عامة على انه رب حران في الالف الاول قبل الميلاد ، حيث هناك كتابة منقوشة بالارامية على بلاطة من زنجرلي في شمال سوريا يعود تاريخها الى حوالي 730 ق.م ،تذكر,, بعل حران ,,مشيرة ال سين الحراني ( انا بارراكاب بر ينامو) اي,, ربي هو بعل حرّان,, …
إنّ اسم هيكل سين الشهير في حرّان كان إي حُل حُل (ترجمة أكدية: شباط حيداتي ) “بيت الفرح” رغم أنّنا لا نعرف من بنى هذا الهيكل، وليس لدينا أيّ معلومات عنه, فإنّه قد يرجع إلى عهد بابلي قديم…((يتبع))
المصادر
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
مدينة اله القمر ـــ تمارا . م. غرين ــ ليدن هولندا .1992
حرّان في العصور الوسطى ـــ ديفيد ستورم ــ 1952
حـــرّان ـــ سيتون لويد و وليم بريس ـــ دراسات الاناضول ــ 1951
شظايا من حرْان ـــ ه.و. ساجس ـــ 1969
بيزنطة والفتوحات الاسلامية ــــ كايجي والتر ـــ لندن ــ 1992
الاشورية والبابلية ــ سقوط نينوى ـــ اي.كي.غرسون ــ نيويورك ــ1975
فصول التأريخ البابلي ـــ س.سمث ــ لندن 1924