المقدمة :
كلمات لا بد من البدأ بها :-
أن عدم القدرة على معرفة حقيقة الأشياء ليس دليلا على عدم وجودها ..
ومعرفة الأشياء ، أيضا ، ليس قرينة على حقيقة وجودها الفعلي ..
تبقى الحقيقة ، في مسألة الوجود من عدمه ، في كثير من الأحيان رمادية ..
ويبقى البحث عن الحقيقة ، المنطقي العقلاني هو الفيصل ، وهو مقرونا دوما بطريقة وبنهج باحثي تلك الحقبة الزمنية ، هذا من جانب ، ومرتبطا بظروف المكان والزمان من جانب أخر ..
لكنه ، بكل الأحوال يخضع عموما الى سلطة وقوة الحكام ..
وأيضا الى تأثير الأصل الديني للأشياء ..
هذه هي طبيعة الحقيقة في التأريخ العربي الأسلامي ..
( كاتب المقال )
الموضوع : ” تقول ” المراجع ، أن الرسول وهو أبن 25 سنة ، تزوج من خديجة بنت خويلد وهي بالأبعين ، (( عند مراجعة كتب السيرة والتاريخ نجد أن هناك تفاوتاً كبيراً في الروايات التي ذكرت عمر خديجة حين اقترانها بالرسول ، فكان العمر الذي ابتدأت به هذه الروايات ( خمساً وعشرين سنة ) / دلائل النبوة للبيهقي : ج2، ص71 ، بينما العمر الذي انتهت به كان ( ستاً وأربعين سنة ) / انساب الأشراف للبلاذري: ص98 )) ، وتقول مصادر الشيعة أن خديجة عندما تزوجها الرسول كانت بكرا ، وهو كان أول زوج لها ، أي أنه كان الزوج الوحيد لها ، بينما هذه ” الحقيقة ” لا تتفق مع مراجع أخرى للسنة ، فقد جاء في – المجلسي ، بحار الأنوار ، ج 22 ، ص 191 ، مۆسسة الوفاء ، بيروت – لبنان ، ما يلي ( وجد اختلاف بين الطوائف الإسلامية حول زواج خديجة ، فذهب أهل السنة إلى أن خديجة كانت قد تزوجت قبل زواجها من النبي مرتين فيكون النبي هو الزوج الثالث لها ، بينما عارض ذلك الشيعة وذهبوا إلى كون الرسول محمد هو أول زوج لخديجة وأنها زوجته البكر الأولى ! ) ، وكان وكيلا خديجة في الزواج هما : عمها عمرو بن أسد وأبن عمها ورقة بن نوفل ، ووكيل الرسول عمّه أبو طالب ( هذا حسب الموقع التالي :
https://ar-ar.facebook.com )
، وقد خطبوا كل منهم قبل الزواج خطبة حول الحدث / الزواج ، وكان ورقة بن نوفل ، أبن عمها ، قسا ( .. ورقة قد تنصر وقرأ ما وجد من كتب الأقدمين فاستقر على النصرانية وكان من علمائها .. / نقل من موقع أسلام ويب ) و” المنطق ” يقول مادام أبن العم قسا ، فتكون خديجة على دين أبن عمها ، وعن قصة الزواج ، هناك بعضا من ” الحقائق ” منها ما جاء ، مثلا ، في موقع / ملتقى أهل الحديث ( حدثنا أبو كامل حدثنا حماد بن سلمة عن عمار بن أبى عمار عن ابن عباس فيما يحسب حماد أن الرسول ذكر خديجة وكان أبوها يرغب أن يزوجه فصنعت طعاما وشرابا فدعت أباها وزمرا من قريش فطعموا وشربوا حتى ثملوا فقالت خديجة لأبيها إن محمد بن عبد الله يخطبني فزوجني إياه فزوجها إياه فخلعته وألبسته حلة وكذلك كانوا يفعلون بالأباء فلما سري عنه سكره نظر فإذا هو مخلق وعليه حلة فقال ما شأني ما هذا قالت زوجتني محمد بن عبد الله قال أنا أزوج يتيم أبي طالب لا لعمري فقالت خديجة أما تستحي تريد أن تسفه نفسك عند قريش تخبر الناس أنك كنت سكران فلم تزل به حتى رضي . حدثنا عفان حدثنا حماد قال أخبرنا عمار بن أبي عمار عن ابن عباس فيما يحسب أن الرسول ذكر خديجة بنت خويلد فذكر معناه / هذه الرواية التي ذكرت قد أخرجها الإمام أحمد في مسنده والبيهقي في السنن والطبراني في الكبير بأسانيد مختلفة ) ، وهناك ” حقيقة ” تقول أن خديجة كانت أولى زوجات الرسول ، فقد جاء في موقع / ويكي شيعة ، التالي ( أن السيدة خديجة هي أولى زوجات النبي جاء في الخصال ، عن الإمام الصادق: تزوج رسول الله بخمس عشرة امرأة ، ودخل بثلاث عشرة منهن ، وقبض عن تسع ، فأمّا اللتان لم يدخل بهما فعمرة والسني ، وأما الثلاث عشرة اللاتي دخل بهن فأولهن خديجة بنت خويلد ) . وكانت خديجة ذا جاه ومال وسمعة ، وتعمل بالتجارة ، أما محمد فكان يرعى الغنم ، وقد جاء في موقع / نداء الروح ، ما يلي ( تذكر كتب السير أن أول مهنة امتهنها محمد كانت رعي الغنم ؛ حيث كان يرعى غنم أبي طالب وذلك من باب شعوره بالمسؤولية وحرصه على تخفيف العبء على عمه الذي كفله ، وورد عنه أنه كان يرعى الغنم أيضاً لمكة لقاء أجر ) ، ولكنه عندما عمل لدى خديجة أشتغل بالتجارة الخارجية ! ، وقد جاء في موقع / قناة المنار ، التالي ( كما أن الرسول عمل في التجارة الخارجية مع السيدة خديجة عندما أصبح شابا في عمر الخامسة والعشرين .. ) .
القراءة :
لا يحتاج زواج الرسول وخديجة كموضوع ، أكثر مما ذكر في أعلاه ، ولكن الحقائق التي ذكرت تحتاج الى تأكيد : 1. أولا – وردت عدة روايات عن عمري الرسول وخديجة ، ولا أحد يدري أي الأعمار أصح ! وأنا ذكرت بعضها في المقال . ثانيا – أكانت خديجة بكرا عند زواجها من الرسول ، وهل كان الرسول أول أزواجها ، فهذا مختلف عليه بين السنة والشيعة !! ، وليس من رواية مؤكدة متفق عليها ، ولكن أكثر المصادر تقول أنها ثيب . ثالثا – أما حديث الطعام والشراب الذي صنع من قبل خديجة لأبيها وأهلها حتى يقبلوا بمحمد ، هذا أيضا به أشكال كبير ! لأن خديجة خدعت ذويها حتى يقبلوا بمحمد . رابعا – والأمر الخاص حول عدد زوجات الرسول هل هو 15 زوجة ! أم أقل أو أكثر ، وما هوعدد الزوجات الذي دخل بهن .. ! هذه أيضا ” حقيقة ” لا يمكن البت بها مطلقا . خامسا – وتساؤل كيف لشاب يعمل في رعي الغنم أن يكون تاجرا ، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب . ما ورد في أعلاه ، كلها ” حقائق ” ليس من السهل التأكد منها وفق المنطق العقلي ، أما حسب نهج وتفسير وطرق الفقهاء والشيوخ والمفسرين ، فكل أمر ممكن وجائز !! . 2 . أولا – أن القضية المثيرة للجدل ، هي طريقة الزواج نفسها ، فكما هو معروف لا يوجد في تلك الحقبة أي توثيق للعقود ، وتقول المصادر الأسلامية / فيما بعد ، عن عدم مشروطية كتابة عقد الزواج ، فقد جاء في موقع / أسلام ويب ( أن الزواج إذا توفرت فيه شروط الصحة وانتفت عنه الموانع ، كان زواجا شرعيا صحيحا حتى إذا لم يوثق ، وكذلك إذا طلق الرجل زوجته وهو مختار .. ) ، ثانيا – السؤال ، بأي طريقة كان الزواج ، وعلى أي معتقد وأية ملة ، خاصة أن الحدث كان قبل الدعوة المحمدية ! ، أكان زواجا على الطريقة الوثنية الجاهلية ، والرسول لم يركع لصنم ! ، أم كان زواجا حسب العقيدة اليهودية ، وهنا الجواب مستحيل ، لأن أبن عم خديجة قس ! ، وبالرغم من عدم وجود مصادر عن معتقد خديجة الديني ، للتعتيم عليه ، ولكني أرى أن الأحتمال الأغلب : أنه كان زواجا مسيحيا ، خاصة أن الرسول لم يتزوج عليها طيلة تلك الفترة التي تمتد الى 25 سنة ( أستمر زواج النبي من السيدة خديجة قرابة خمسة وعشرين عاما وتوفيت عنه وسنها خمسة وستون سنة وكان عمر النبي وقتئذ خمسين سنة / نقل من موقع مركز الفتوى ) ، ومن المؤكد ، منطقيا أن أهل الرسول ، سوف لا يمانعون بمثل هكذا زواج ، حتى لو كان الزواج مسيحيا ، وذلك لمكانة وسمعة ومال خديجة وأهلها . ثالثا – أما القول أن الرسول لم يتزوج عليها لأسباب منها ، ( الْغَيْرَة وَمِنْ نَكَد الضَّرَائِر ) ، كمثل ما جاء في موقع / الاسلام سؤال وجواب ( روى مسلم في صحيحه (2426) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ :”لَمْ يَتَزَوَّجْ النَّبِيُّ عَلَى خَدِيجَةَ حَتَّى مَاتَتْ ” .قال الحافظ ابن حجر: وَهَذَا مِمَّا لَا اِخْتِلَاف فِيهِ بَيْن أَهْل الْعِلْم بِالْأَخْبَارِ ، وَفِيهِ دَلِيل عَلَى عِظَمِ قَدْرهَا عِنْده وَعَلَى مَزِيد فَضْلهَا ، لِأَنَّهَا أَغْنَتْهُ عَنْ غَيْرهَا ، وَاخْتَصَّتْ بِهِ بِقَدْرِ مَا اِشْتَرَكَ فِيهِ غَيْرهَا مَرَّتَيْنِ ، لِأَنَّهُ عَاشَ بَعْد أَنْ تَزَوَّجَهَا ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ عَامًا ، اِنْفَرَدَتْ خَدِيجَة مِنْهَا بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ عَامًا وَهِيَ نَحْو الثُّلُثَيْنِ مِنْ الْمَجْمُوع ، وَمَعَ طُول الْمُدَّة فَصَانَ قَلْبهَا فِيهَا مِنْ الْغَيْرَة وَمِنْ نَكَد الضَّرَائِر الَّذِي رُبَّمَا حَصَلَ لَهُ هُوَ مِنْهُ مَا يُشَوِّش عَلَيْهِ بِذَلِكَ ، وَهِيَ فَضِيلَة لَمْ يُشَارِكهَا فِيهَا غَيْرهَا ) ، رابعا – أن الحديث الأخير غير مقنع ، لأنه تزوج على عائشة ، بأكثر من 10 زوجات ، وكان الرسول يجلها كثيرا ، ويفضلها ، ولها دورا كبيرا في الاسلام ، فقد جاء في موقع / مركز الفتوى حول عائشة ، التالي ( أحب زوجات النبي هي عائشة بنت أبي بكر ، وعن أبيها فعن عمرو بن العاص أن النبي : بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته فقلت : أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة ) ، خامسا – أرى أن لخديجة وعائشة ، تمام الأهمية لدى الرسول ، ولكنه تزوج على الثانية دون أن يفعل ذلك مع الأولى ، فقد قال أبن القيم عن شيخه – بدائع الفوائد ج: 3 ص: 684 ( ومنها أنه سئل عن خديجة وعائشة ايهما أفضل فأجاب بأن سبق خديجة وتأثيرها في أول الإسلام ونصرها وقيامها في الدين لم تشركها فيه عائشة ولا غيرها من امهات المؤمنين وتأثير عائشة في آخر الإسلام وحمل الدين وتبليغه إلى الأمة وإدراكها من العلم ما لم تشركها فيه خديجة ولا غيرها مما تميزت به غيرها ) ، سادسا – نتيجة لما سبق ، أرى أنه كانت هناك قوة معينة رادعة منعت الرسول من أن يتزوج على خديجة ، أعمق وأبلغ من مجرد ما ذكر من أسباب سطحية ! ، وهذه القوة هي سلطة ومال أهل خديجة ، أضافة الى عقد الزواج المسيحي بأشراف القس ورقة بن نوفل ، والأخير له الدور الاكبر في حياة الرسول ، كما أنه ساهم مساهمة كبيرة فيما بعد ببدأ الدعوة المحمدية !! ، خاصة في أستمرار نزول الوحي ، حيث فتر بعد موت ورقة ، ( فإن الوحي لم ينقطع نهائيا عن النبي في الفترة المشار إليها وإنما فتر كما هو التعبير في الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما . وقد ظل الملك ينزل على النبي ، ولكنه لا ينزل بالقرآن ولهذا جاء في الأحاديث ” ثم فتر الوحي” أي تأخر نزول القرآن في تلك الفترة .. / نقل من أسلام ويب ) !! .
أين الحقيقة : كل ما كتب في التأريخ الأسلامي ، منذ عهد الرسالة المحمدية ، مرورا بالخلفاء الراشدين ، الدولة الأموية ، الدولة العباسية ، السلطنة العثمانية .. وغير ذلك من العهود والأزمان ، لا يمكن التأكد تماما من حقيقة الأحداث والوقائع التي حدثت ووقعت فعلا خلال فترة حكمها ! ، فالحقيقة كانت ، أما محورة ، أو مزيفة ، أو مغيبة ، أو مشوهة ، أو متناقضة ، أو غير كاملة ، أو الحقيقة أصلا كانت غير موجودة ، وأن وجدت ، فستكون قد كتبت تحت سلطة الدين ، أو وفق أهواء وسيف الحكام ، أو الأثنين معا ، أما حقائق العهد المحمدي ، فقد وضعت معظمها من قبل كتاب ” السيرة النبوية ” ، المتداولة ، وكلها كتبت بعد موت الرسول بأكثر من قرن الى قرنين من الزمن ، فالرسول توفى عام 11 للهجرة ، بينما أهم كتاب السيير ، قد توفوا ، كما يلي : بن أسحاق توفى 120 للهجرة ، البكائي 183 للهجرة ، بن هشام 218 للهجرة . أما البخاري ، والذي له مصنّفات كثيرة أبرزها كتاب الجامع الصحيح ، المشهور باسم ” صحيح البخاري ” ، الذي يعد أوثق الكتب الستة الصحاح ، والذي أجمع ” علماء أهل السنة والجماعة ” أنه أصح الكتب بعد القرآن ، فأنه توفى عام 256 هجرية .. فأين الحقيقة يا ترى ، أذا كان كل الكتاب لم يعيشوا الحقيقة وقت حدوثها !! ، أو حتى بعد حدوثها بسنوات ، هذا هو السؤال الأهم !! . لأجله أرى أن نبحث عن ” الحقيقة ” بنهج عقلاني ومنطقي مرة أخرى ، لغرض التأكد ” تماما ” من حقيقة كل ما ورد في أعلاه من أخبار وأحداث ووقائع !! .