فاطمة ناعوت
سعيدةٌ بالتفاعل الراقي الرصين البعيد عن الإسفاف، الدائر في خانات التعليقات، بين الدكتور طبيب الأسنان هاني شنودة (صاحب الرسالة التي أنشرها بنافذتي هنا)، وبين قراء “اليوم السابع” الأجلاء. ولاضطراري في المقال السابق، بسبب ضيق المساحة، لاجتزاء النقطة رقم (6) بسبب طولها، ما أحدث نقصًا في المعنى، فإنني أنشرها اليوم كاملة.
***
6- يستنكر القرآنُ الكريم قول َاليهود إنهم قتلوا يقينًا السيدَ المسيحَ عليه السلام. جاء في سورة النساء على لسان اليهود: “وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ۚ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا.” النساء 157. تتمحور كتبُ التفسير حول ما أسموه: “الشبيه”. واقتبس المفسرون في هذا الكثيرَ من أقوال الصحابة والتابعين. وكيف لهؤلاء أن يعرفوا شيئًا عن حدثٍ جرى قبل ميلادهم بحوالي ستة قرون؟ إلا إذا قال أحدٌ إنما كان يوحى إليهم. وتتعدد الرواياتُ في هذا الأمر، وتتضارب.
فمنهم من قال إن عيسى قال لأصحابه: “مَن يشترى نفسَه منكم اليومَ بالجنة؟” فقال رجلٌ منهم: “أنا.” فخرج إليهم فقال: “أنا عيسى”؛ وقد صورّه الُله على صورة عيسى فأخذوه وقتلوه وصلبوه. لاحِظوا أن العرب كانوا يصلبون القتلى تشفّيًا فيهم؛ ولهذا يقول القرآن: “وما قتلوه وما صلبوه”، بينما كان الرومانُ في عهد السيد المسيح يصلبون المحكومَ عليه وهو مازال حيًّا، فيموت بعدئذ على الصليب. ولهذا قال بطرس لليهود: “وبأيدٍ أثمةٍ صلبتموه وقتلتموه.” أعمال 23:2.
وقال آخرون: “صلبوا رجلا شبّهوه بعيسى يحسبونه إياه.” وقال آخرون: “إن الله ألقى بشبه عيسى على رجل كان ينافقه. فلما أرادوا قتله قال: أنا أدلّكم عليه فدخل بيت عيسى فرُفِع عيسى وأُلقى شبهُه على المنافق؛ فدخلوا عليه وقتلوه وهم يظنون أنه عيسى.” نلاحظ أن الآية 157 من سورة “النساء”، هي الآية الوحيدة في القرآن كّله التي تتحدث عن صلب السيد المسيح. بينما يشغل هذا الموضوع أربعةَ عشرة إصحاحًا في “العهد الجديد” (الإنجيل)، بخلاف ما ورد عن واقعة الصلب في بقية “الكتاب المقدس” (الذي يضمُّ التوراة والإنجيل معًا)، بما في ذلك النبوءات بواقعة الصلب في “العهد القديم” (التوراة). لقد كتب العهدَ الجديد أناسٌ معاصرون للحدث، وقد أسهبوا في تفاصيل المحاكمات، ونقلوا أقوال السيد المسيح التي نطق بها قبل تلك الأحداث، وذكروا تنبؤه بها، وأقواله أثناء الأحداث، بل والأقوال السبعة التي نطق بها وهو مُعلقٌ على الصليب، ومنها حديثه إلى أمّه، السيدة مريم العذراء عليها السلام. فلو كان هناك شبيهٌ لكانت له جثةٌ، ولكان اليهود سارعوا بإبرازها حتى يقضوا على المسيحية في مهدها. فأين جثمانُ الشبيه؟ لقد قتل اليهودُ أنبياءَ عدّة بحسب القرآن: “وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ” البقرة 61، وكذلك: “ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ الله وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ الله وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بأنهمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ الله وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ.” آل عمران 112. وهذا يؤكد ما سبق وقاله السيدُ المسيح لليهود: “لِذلِكَ هَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ أَنْبِيَاءَ وَحُكَمَاءَ وَكَتَبَةً، فَمِنْهُمْ تَقْتُلُونَ وَتَصْلِبُونَ، وَمِنْهُمْ تَجْلِدُونَ فِي مَجَامِعِكُمْ، وَتَطْرُدُونَ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ.” متى 23:34. ولقد توفي ّاللهُ السيدَ المسيحَ بحسب القرآن أيضًا في آيتي: المائدة 120، وآل عمران 55. والوفاةُ تأتى بمعنى “الموت” في القرآن الكريم خمسًا وعشرين مرةً، وبمعنى “النوم” مرتين فقط، الأنعام 60، والزمر 42. والقرينةُ في سورتي: “المائدة” 120، و”آل عمران” 55، لا تؤيد تفسيرَ الوفاة بمعنى: “النوم.” إذن فإن تفسير “الوفاة” بمعنى “الموت” في سورة “النساء” 157، يُبرئ القرآنَ الكريم هنا من شبهة التناقض؛ خصوصًا وأن القرآنَ نفسه يُلمح إلى قتل السيد المسيح في سورة البقرة 87: “وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ۖ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ.”
أما بخصوص رفع السيد المسيح إلى السماء حيًّا، فهذا يؤكد ما جاء في الإنجيل أيضًا:” “وَلَمَّا قَالَ هذَا ارْتَفَعَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ.” أعمال 9:1. إن التفسير الأكثر معقولية للآية 157 من سورة النساء، والذى يستقيم مع بقية آيات القرآن الكريم، هو أن قول اليهود بأنهم قتلوا السيد المسيح وقضوا عليه وعلى رسالته قضاءً مبرمًا، إنما هو ادعاءٌ يستنكره القرآنُ بقوله إنهم لم يقتلوه يقينًا بل شبه لهم.
وللرسالة بقية.
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلامية
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :