رسائل ملكية – كنسية من زواج ويليام وكيت والتغيير بالاقتداء

رسائل ملكية – كنسية من زواج ويليام وكيت والتغيير بالاقتداء

طلال عبدالله الخوري

لقد تم نشر هذه المقالة بتاريخ 30\4\2011 ونعيد نشرها بمناسبة الاحتفالات بمرور 60 عاما على تولي الملكة اليزابيث الثانية العرش البريطاني.

 التغيير مطلوب, وهو سنة الحياة وشريان التقدم والتطوير والانتقال للافضل, وكما قال الفيلسوف اليوناني هيرقليط:” التغيير هو قانون الوجود، وإن الاستقرار هو موت وعدم “, والتغير يشبه جريان الماء بالنهر, فعندما يكون جاريا يبقى نقيا, اما عندما يكون ساكنا فانه يأسن و يخرب. وكما قال مغني الروك الروسي فيكتور تسوي بأغنيته الشهيرة ( بيريمن) وتعني التغيير: التغيير ما تطالب به عيوننا … التغيير ما تطالب به قلوبنا…
هناك طرق عديدة للتغيير اتبعتها الشعوب والحضارات منها الطرق القسرية ,مثل التغيير بقوة السلاح وعن طريق الانقلابات العسكرية , وهذا ما حصل بالثورة البلشفية بروسيا, وبالانقلابات العسكرية العربية . وقد اثبتت هذه التجارب للتغيير فشلها وسببت باراقة الكثير من الدماء وادت الى التغيير للأسوء والتقهقر والتخلف والانحطاط.
طريقة اخرى متبعة للتغيير , هي عن طريق اصدار قوانين جديدة متطورة تلغي القوانين القديمة التي اصبحت تشكل عائقا لتطور الشعوب وتقدمها , مثل وثيقة الفصل بين الدولة والكنيسة بأوروبا, وقانون الغاء الحكم الملكي الشمولي واستبداله بالملكية الدستورية حيث اصبح المك منصب رمزي فخري لا يتدخل بالحكم , اما الحكم فيكون للشعب عن طريق انتخابات دمقراطية حرة.

وبالرغم من ان البلدان الاسلامية والتي حكمت بالشريعة الاسلامية , والتي من المفترض انها شريعة الهية منزلة من عند الله وغير قابلة للنقاش او التغيير او التعديل وهي صالحة لكل زمان ومكان , فأن التاريخ يخبرنا بانه قد تم تجاوز هذه الشريعة وقدسيتها باستصدار قوانين جديدة تلائم عصرها, وكانت مناقضة تماما للشريعة الاسلامية. من هذه التغييرات التي حصلت ابان الحكم الاسلامي العثماني , اصدار الخليفة العثماني لفرمان البيت العالي بالغاء العبودية ,ومن المعروف بان العبودية محللة بالاسلام ولها شرائعها وسننها. وللاطلاع على موضوع العبودية بالاسلام احيلكم لسلسلة مقالات الباحث سردار احمد “العبودية بالاسلام”. تم الغاء الرق بالدول العربية بفرمان السلطان العثماني , الذي اضطر لاستصداره تحت وطأة المجتمع الدولي (اي مكرها اخاك لا بطل ), وقد قامت المظاهرات انذاك في كل انحاء الوطن العربي ضد هذا الفرمان لانه يناقض القراّن والسنة..ومنذ ذلك الحين بدأ علماء الاسلام يبحثون عن تفسيرات وتأويلات جديدة ,لتظهر ان الاسلام ضد الرق ومع الفرمان السلطاني ..وهذا يظهر ان الاسلام دائما كان يؤول حسب المصالح السياسة , وانه عند المصالح السياسية يتم التنازل عن قدسية الوحي ونزوله. وكذلك الامر تم الغاء مفهوم الرعايا واستبداله بمبدأ المواطنة وايضا تحت ضغط المجتمع الدولي على السلطان العثماني. ومن التغييرات التي جرت بواسطة الفتوى, اصدار رئيس هيئة الامر بالمعروف بالسعودية لفتوى تجيز الاختلاط بجامعة الملك عبدالله, أي ان الدين قد حرم الاختلاط لمدة 1430 سنة وفجأة أصبح الاختلاط حلالا. لقد ذكر برنارد لويس بكتابه “ما الذي جرى خطأ”
What Went Wrong? by Bernard Lewis
بان جميع مفتي الدولة العثمانية كانوا يفتون بحرمة السفر الى الغرب او التعلم بالغرب, وان العلاقة الوحيدة بين المسلمين مع الغرب يجب ان تكون دعوتهم لاعتناق دين الحق الاسلام فقط لا غير! ولكن عندما احتاج الخليفة العثماني ان يرسل ضباطه الى الغرب لكي يتعلموا العلوم العسكرية الحديثة تم تغيير جميع هذه الفتاوي وعلى مدى مئات السنين, وأفتوا ,وبلمح البصر, باجازة السفر الى الغرب والتعلم بالغرب. وهذا القرضاوي كل يوم يغير من فتاويه ومنها فتواه حول تحريم الاحتفال بالكريسماس. ولكن السؤال المهم هل سيكون لدى رموز الدين الاسلامي الكرامة الكافية لكي يغيروا الفتاوي التي تضهد الاقليات من سكان البلاد الاصليين من مسيحيي سوريا ومصر والاردن والعراق ولبنان؟أو تغيير الفتاوي التي تهين المرأة وتضطهدها؟ أنا أعتقد بأن ردهم سيكون ” أعوذ بالله هذا مستحيل لانه شريعة منزلة من الله” والسبب بسيط هو انهم غير مضطرين لذلك حتى الآن.

ومن طرق التغيير الناجحة والمتحضرة هو التغيير بالاقتداء. وفيها يقوم قادة الشعوب وقدوتهم ومثلهم الاعلى, من رجال دين وملوك وقادة موثوقين واصحاب انجازات هامة لشعوبهم, بتغيير المألوف والمعتاد من اعراف وتقاليد, وذلك بواسطة تطبيق التغيير مباشرة على انفسهم , وبعد ذلك يصبح هذا التغيير هو العرف والتقليد الجديد حيث يسير غالبية الناس على نهجهم. ولشرح طريقة التغيير بالاقتداء ساقوم بدراسة وتحليل الرسائل الملكية -الكنسية التي تم ايصالها الى الشعب البريطاني بشكل خاص والعالم بشكل عام عن طريق حفل زفاف الامير وليام وخطيبته كيت.
من المعروف بان المنارخية الملكية البريطانية هي منصب فخري لا تتدخل بالحكم, ولكن هذا لا يمنع من ارسال المنارخية لرسائل تساهم بالتغيير الايجابي لشعوبهم كما تراها هذه الشعوب, وبذلك تبقى الاسرة الحاكمة لها شعبيتها ومحبوبة من قبل عامة الشعب. وكذلك الامر بالنسبة للكنيسة فهي تسعى ايضا لكي تكون قريبة من الشعب وتسعى لاظهار بان الكنيسة هي مع مصلحة الشعب ومع ما يتبناه الشعب من عادات واعراف حتى ولو كانت الاعراف الجديدة تناقض المفاهيم اللاهوتية المقدسة اوالعادات والتقاليد الملكية المعهودة.

الرسالة الملكية-الكنسية الاولى هي ان العذرية للفتاة قبل الزواج ليست فضيلة كنسية او نبيلة ارستقراطية بعد الان: من المعروف بان نسبة الفتيات الغربيات اللواتي يحتفظن بعذريتهم قبل الزواج تقترب من الصفر. وتعتبرعذرية الفتاة قبل الزواج فضيلة مسيحية تؤكد عليها التعاليم المسيحية الكنسية, وحتى وقت قريب كانت تعتبر مطلب اساسي للطبقة الارستقراطية النبيلة. وكلنا يذكر الاميرة ديانا والدة الامير وليام التي تزوجت والد الامير وهي عذراء, ولقد رفضت حتى تقبيل الامير وهو زوج المستقبل قبل الزواج, وكانت اول قبلة قبلتها لرجل هي قبلتها لزوجها بعد الزفاف على شرفة قصر باكينغهام وامام كل الناس الحاضرين والمشاهدين. شعرت الاسرة الملكية بان اصرارهم على هذه الفضيلة ستبعدهم عن شعوبهم التي لم تعد تعني هذه الفضيلة اي شئ بالنسبة لهم. وكذلك الامر بالنسبة للكنيسة فهي تريد ايضا ان تكون قريبة من المواطنين, وانها اذا اصرت على هذه الفضيلة فلن يأتي اي شاب وفتاة لعقد قرانهم كنسيا او لممارسة الطقوس الكنسية المسيحية. لذلك تم التخطيط من قبل الاسرة المالكة لاظهار الامير وليام وصديقته كيت بنفس الفراش على كل وسائل الاعلام قبل الزواج هذا عدا عن صداقتهم قبل الزواج والتي امتدت على مدى اربع سنوات وهذه بالضبط هي العادات المتبعة بالغربمن قبل عامة المواطنين. وبهذه الطريقة قالت المنارخية والكنيسة لشعوبهم نحن معكم ومنكم وما يناسبكم يناسبنا وما تفعلونه نفعله ونباركه ملكيا وكنسيا.

الرسالة الثانية الملكية-الكنسية هي ان الزواج المثلي اصبح شرعيا وتمت مباركته الهيا وملكيا: من المعروف بان الزواج المثلي اصبح مألوفا بالغرب, حيث يؤمن اغلبية شعوبهم بحق المساواة بالحقوق للمثليين, وهناك الكثير من البلدان والولايات التي قننته واصدرت القوانين التي تساويه مع الزواج التقليدي بين الرجل والمرأة. ولكي تبارك المنارخية هذا الحق تمت دعوة ملك الغناء البريطاني السير التون جون الى حفلة الزفاف الملكي مع صديقه الذي تزوجه مثليا , وقبل ذلك منحت المنارخية لقب فارس لالتون جون واصبح يحمل لقب سير. طبعا وجود التون جون وزوجه المثلي بالكنيسة وصلاتهم مع الجميع وتريديد الترانيم الكنسية هو اعتراف كنسي وملكي بشرعيتهم عن طريق الاقتداء اي من دون اصدار الاوامر والمراسيم او تغيير العقيدة وتحريفها.

بغض النظر عن عدم تقبلنا وامتعاضنا من هاتين الرسالتين الملكيتين الا اننا نرفع القبعة للمنارخية والكنيسة لاحترامهم لشعوبهم ولهذا الاسلوب الحضاري باجراء التغيير عن طريق الاقتداء اي بدون قوننة وفرض الاشياء بقوة القانون او بقوة السلاح. ولكي لا نذهب بعيدا فهنا نريد ان نشير الى زعيم اسلامي كبير استخدم اسلوب التغيير عن طريق الاقتداء, حيث هذا بالضبط ما فعله اتاتورك (أبو الاتراك) مؤسس الدولة التركية المعاصرة عندما دعى زوجته للرقص بين جميع ضباطه واركان جيشه بعد ان فرض خلع الطربوش العثماني والحجاب الاسلامي.
وللمقارنة , اريد ان اعرج على حادثة حصلت في الزمن القريب مع مفتي مصر الراحل محمد سيد طنطاوي وطريقته الفجة مع طالبة المدرسة الصغيرة والتي ارادت ان تتحجب عند دخوله للصف وامرها عندها بخلع الحجاب, وكسر بخاطر الطفلة عندما استهزأ بجمالها..! الم يكن من الافضل لهذا المفتي بدلا من ان يزعق بفتاويه وعنعنته لكي يثبت وجهة نظره بان الحجاب ليس من الاسلام ان يستخدم اسلوب التغيير عن طريق الاقتداء؟؟ فلو ان هذا المفتي ذهب الى المدرسة مع زوجته وابنته الغير محجبتين لكان اعطى مثالا عمليا لعامة الشعب واحدث تغييرا الى الافضل عن طريق الاقتداء.
لو كانت االاسرة الحاكمة السعودية الملكية والوهابية التنحة تحترم شعبها لكانت استخدمت اسلوب التغيير عن طريق الاقتداء لكي تحقق آمال شعبها وتطلعاتها , كأن ان تقوم اميرة سعودية بقيادة السيارة, لاعطاء الضوء الاخضر للمرأة السعودية بقيادة السيارة! نتمنى من الامراء العرب الذين كانوا متواجدين بحفلة الزواج الملكي أن يكونوا قد تعلموا درس التغيير الحضاري عن طريق الاقتداء ويكونوا القدوة الحسنة لشعوبهم للانتقال بهم نحو الافضل . ولو كان الازهر الغارق بآبار البترودولار, يحترم الشعب المصري, لكان هو القدوة برفض المادة الثانية من الدستور والتي تقنن اضطهاد الاقباط!
يمكننا ان نستخدتك التغيير بالاقتداء لتنصيب رئيس من الاقليات الغير مسلمة لبلد عربي مثل سوريا, فمن المعروف بان سبب تمسك الرئيس السوري بشار الاسد بالحكم الشامل هو ان الاقلية العلوية تخاف من وصول السنة الى الحكم وتعرضها للابادة على يد المتعصبين من السنة والتي يتوقع ان يتم تشجيعهم وتمويلهم بالبترودولار. فهذه فرصتنا بسورية لكي ننصب رئيس مسيحي يكون مقبولا من الجميع ويكفل السلام والآمان للجميع ويتم مباركة تنصيبه من جموع السنة ومن الازهر ومن مكة ومن النجف ومن قم الايرانية! كأن ان يتم تنصيب كاتب هذه السطور وهو مهندس واقتصادي وعلماني يؤمن بحقوق الانسان وان اقتصاد السوق الحر التنافسي هو اعدل اقتصاد لتوزيع الثروة على جميع الناس بعدل, وأن السوق التنافسي هو الكفيل بتطوير البلاد والعلم والصناعة عن طريق خلق التنافس.
نريد تغيير بالاقتداء لرفع الاضهاد عن المرآة , كأن يأتي الزعماء الدينيين الكبار مع زوجاتهم وبناتهم والزعماء الوطنيين وزوجاتهم وبناتهم من دون حجاب ويشاركوا بالاعياد والمناسبات العامة من دون حجاب وليجعلوا الناس يرون اهتمامهم بزوجاتهم وبناتهم واحتارمهم لهم لكي تقتدي بهم بقية افراد الشعب.

من هنا نرى بان التغيير بالاقتداء هي طريقة حضارية للتغيير استخدمتها البلدان المتحضرة والديمقراطية لاجراء التغيير اللازم من دون حتى اصدار اي فرمان رئاسي او اي تعديل بالشرائع , وهي طريقة سلمية لا تحتاج الى التقنين والاكراه , اي بهذه الطريقة الراقية يقول ولي الامر وولي الله باني شخصيا قد قبلت هذا التغيير الى الافضل ومن يريد ان يتبعني ويقتدي بي فهو امر شخصي ويعود لكل انسان ان يقرر لنفسه بذاته. طبعا الجميع يريد ان يقتدي بملك ورجل الدين الذين يأخذون خطوات تقدمية لمصلحة الناس والوطن؟؟
فكما رأيتم نحن لا نطالب بتغيير الشرائع السماوية وتعديلها نحن نطالب بالتغيير بالاقتداء وهي طريقة سلمية حضارية وغير مكلفة وهي متبعة في كل الحضارات واثبتت نجاحها كآحد وسائل التغيير الى الافضل. نريد من المؤسسات الدينية العربية ان تتعلم من درس الكنيسة البريطانية والمانرخية الملكية البريطانية لكي يصبح الدين بخدمة الشعب والوطن وليس تسخير الدين لخدمة الحاكم المستبد والديكتاتور.

http://www.facebook.com/pages/طلال-عبدالله-الخوري/145519358858664?sk=wall

About طلال عبدالله الخوري

كاتب سوري مهتم بالحقوق المدنية للاقليات جعل من العلمانية, وحقوق الانسان, وتبني الاقتصاد التنافسي الحر هدف له يريد تحقيقه بوطنه سوريا. مهتم أيضابالاقتصاد والسياسة والتاريخ. دكتوراة :الرياضيات والالغوريثمات للتعرف على المعلومات بالصور الطبية ماستر : بالبرمجيات وقواعد المعطيات باكلريوس : هندسة الكترونية
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.