بقلم سناء العاجي
مقاطعون؟ خونة؟ أو “مداويخ”، كما قال وزير المالية؟
منذ بضعة أيام، يعيش المغرب تجربة سياسية واجتماعية فريدة من نوعها: لم يخرج المواطنون للتظاهر. لم يرفعوا اللافتات ولم يكسروا التجهيزات. لكنهم نظموا أو لبوا الدعوة للمشاركة في حملة واسعة تدعو لمقاطعة منتوجات ثلاث شركات تنتمي للقطاع الخاص: الأولى هي شركة موزعة للغاز والبنزين، مالكها الرئيسي هو في نفس الوقت زعيم حزب “التجمع الوطني للأحرار” ووزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات عزيز أخنوش؛ الثانية شركة مصنعة وموزعة للمياه المعدنية والمياه الغازية، لصاحبتها رئيسة الكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب (نقابة أرباب الأعمال في المغرب) مريم بنصالح والثالثة هي الفرع المغربي لشركة عابرة للقارات، تنتج الحليب ومشتقاته.
حملة المقاطعة عبارة عن صرخة وجع ما لم ينتبه لها الفاعلون فقد تتحول إلى انفجار
لا تتوفر حاليا أرقام دقيقة توضح تأثير حملة المقاطعة على مبيعات وأرباح هذه الشركات. لكن الأكيد أن تأثيرها المعنوي تجاوز كل التوقعات. لذلك، وبغض النظر عن نتائجها المادية، وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معها، فهي تستدعي منا تفكيرا جديا ورصينا في التحول الذي تطرحه بخصوص تطور وعي المواطن. تفكير عقلاني بعيد عن الردود المستفزة لبعض مدراء الشركات المعنية ولبعض المسؤولين السياسيين، والتي وصلت حد اعتبار المشاركين في الحملة خونة للوطن. ردود عنيفة شجعت حتى بعض المترددين على الانخراط في الحملة.
هناك اليوم طبقة متوسطة تشتغل وتنتج وتدفع الضرائب، لكنها لا تستفيد من حقوق المواطنة التي يفترض أن توفر لها كفاعل اقتصادي واجتماعي: الطبقة المتوسطة تدرس أبناءها في القطاع الخاص، تتداوى في القطاع الخاص، وتستعمل في الغالب وسائل النقل الخاصة.
اقرأ للكاتبة أيضا: حين يشرعن داء السكري التعدد الزوجي
من جهتها، تعاني الطبقات الفقيرة، خصوصا في المدن الكبرى، من شرخ كبير بين مداخيلها وبين تكلفة العيش.
كل هذا يولد احتقانا قد يستمر خفيا لمدة طويلة ما لم يجد له متنفسا (لعل العنف الذي تتزايد أرقامه في المغرب هو من تجليات هذا الاحتقان).
لذلك، فالنجاح المعنوي لحملة المقاطعة يترجم هذا الاحتقان الصامت وهذا الوضع المتأزم، الذين تعاني من تبعاتهما الطبقات المتوسطة والفقيرة.
إلى غاية اليوم، تعامل الفاعل السياسي والاقتصادي المغربي مع المواطن ومع الشارع كعنصر سلبي ينتفض قليلا ضد القرارات ثم يستكين إليها. لكن هذا المواطن أصبح اليوم غير متوقع، وأصبح يبدع أزمنة وأشكال الاحتجاج. فهل سيكتفي الفاعلون المعنيون وغيرهم بلغات التخوين، أم أنهم سيعيدون جديا التفكير في طريقة تعاملهم مع المواطن ومع المستهلك ومع الشارع؟
التجاوب الكبير مع حملة المقاطعة ليس إلا ترجمة للإحباط والبؤس والظلم الذي يشعر به الكثير من المواطنين
بالفعل، يبقى التساؤل حول هوية الأشخاص أو المؤسسات التي أججت الحملة سؤالا مشروعا: باستثناء الحليب، فإن المنتوجات المقاطعة لا تشكل الهم اليومي للمواطن. فلماذا تم اختيار هذه المنتجات بالضبط؟ هل يتعلق الأمر بصراع سياسي بالدرجة الأولى؟ هل هي حملة موجهة ضد أشخاص بعينهم باعتبارهم خصوما سياسيين؟
كل هذا وارد وممكن. لكن الواقع اليوم أن سؤال مصدر الحملة، رغم أنه ليس ثانويا، إلا أنه يأتي في مرحلة ثانية بعد سؤال ما تترجمه المقاطعة: صار الفاعل السياسي والاقتصادي والنقابي اليوم في حاجة للتفاعل وللتواصل بشكل مختلف مع المواطن. الأخير يعيش أزمة في علاقته بالمواطنة، بحقوقه وبواجباته. أسئلة الصحة والتعليم والأمن والبنيات التحتية تطرح بشكل جدي.
اقرأ للكاتبة أيضا:السكن مقابل الجنس
المواطن قد يتقبل هذا الوضع على مضض ما دام البديل ليس متوفرا. لكن هذه الاستكانة، مع مرور الوقت، تخلق لديه نوعا من الإحباط ومن اليأس. التجاوب الكبير مع حملة المقاطعة، حتى لدى الأشخاص الذين لا يحملون أي ضغينة سياسية للأشخاص الموجهة ضدهم، ليس في الحقيقة إلا ترجمة للإحباط والبؤس والظلم الذي يشعر به الكثير من المواطنين.
مقاطعتهم لهذه المنتوجات قد تكون رمزية وقد تكون بالفعل موجهة ضد أشخاص بعينهم باعتبارهم رموزا لنظام سياسي واقتصادي مهيمن. لكنها في جميع الحالات انتفاضة. صرخة وجع. ما لم ينتبه لها الفاعلون، فقد تتحول إلى انفجار.
شبكة الشرق الأوسط للإرسال