حين يشرعن داء السكري التعدد الزوجي

بقلم سناء العاجي/
إصابة الزوجة بداء السكري تعتبر مبررا موضوعيا استثنائيا يعطي للزوج الحق في التعدد!
هكذا… بكل بساطة.
هذه للأسف، ليست فتوى مجنونة من أحد شيوخ التلفزيون ولا هو اجتهاد بليد من داعية على موقع “فيسبوك”. هذا بكل بساطة خلاصة حكم قضائي أصدره قاض بمحكمة الناضور (شمال شرق المغرب) بتاريخ 16 أيار/مايو 2012. الحكم قديم نسبيا، لكن نسخة منه عادت للتداول على وسائل التواصل الاجتماعي، كتذكير لنا على أن احتمال تقدمنا إلى الخلف وارد دائما، وبأن العبث ليس بعيدا تماما.
يحدث هذا في بلد يعد فيه تعدد الزوجات ظاهرة محدودة جدا على المستوى الثقافي، وخصوصا في إطار مرجعية قانونية لا تمنع التعدد فعليا، لكنها تعقد إمكانياته المتاحة.
ليس هناك شيء يبرر التعدد الزوجي لدى الزوجة التي تعيشه
على سبيل المثال، حسب تقرير لوزارة العدل المغربية صدر سنة 2011، فإن تعدد الزوجات لم يشكل إلا نسبة 0.34 في المئة من بين عقود الزواج المبرمة بين سنتي 2004 و2011. ظاهرة محدودة ثقافيا؛ لكن هذا لم يمنع القاضي من أن يعتبر مجرد الإصابة بداء السكري، سببا مقنعا وموضوعيا لكي يشرعن لتعدد الزوجات. لعله لم يفهم جيدا معنى “الحلاوة” فاختلطت عليه بداء السكري؟
اقرأ للكاتبة أيضا: سناء العاجي: “اغتصبوا يرحمكم الله…”
دعنا الآن من عبثية الحيثيات وعبثية محاولة الربط بين داء السكري وبين مشروعية التعدد؛ ولنكن صريحين مع أنفسنا: ليس هناك شيء يبرر التعدد الزوجي لدى الزوجة التي تعيشه، وليست هناك أسباب موضوعية له. حين يحب الزوج (أو الزوجة) شخصا آخر، فالحل الموضوعي الوحيد هو الاختيار بين شريكه/ا الحالي/ة وبين العلاقة الجديدة. وهنا، مهما تكن طبيعة هذا الاختيار وحيثياته ونتائجه، فليس أمامنا إلا القبول به واحترامه.


كون تعدد الزوجات حلال شرعا لا يغير شيئا من مشاعر المرأة التي تعيشه. ثم أن هذه “الحلالية” ليست إلا تبريرا لرغبة بعض الرجال في التعدد. فمنذ متى كان تعدد الزوجات شرطا لكي يكتمل إسلام الرجل؟ وهل يتوقف الرجل عن كونه مسلما حين لا يعدد الزوجات؟
ليتخيل كل زوج بأنه يقتسم زوجته/ حبيبته مع رجل آخر. تقضي معه الليلة، وفي الصباح، تقبله، تحضنه وتغادره لتقضي ليلتها الجديدة بين أحضان زوجها الثاني. تحب الاثنين. تحاول أن تعدل بينهما. تطبخ لهما نفس الوجبات. تشتري لهما نفس الهدايا. ترافقهما إلى نفس المطاعم. تمارس معهما الجنس بنفس الوتيرة. تقضي الليالي والأعياد معهما بالتساوي.
كون تعدد الزوجات حلال شرعا لا يغير شيئا من مشاعر المرأة التي تعيشه
نعم، هي تحن لأحدهما أكثر من الآخر. تشتاق له أكثر من الآخر. لكنها تجاهد نفسها كي لا تجرح الثاني.
تسأله أحيانا عن حقيبة يدها أو عن لباس داخلي معين، قبل أن ينتبه الاثنان أنها تركته في البيت الثاني. في العيد، يتذكر الزوج بأن هذا دور الزوج الثاني لأنها قضت العيد السابق معه. يتأسف لكنه يقبل بالوضع إقرارا لـ “الحق” ولـ “العدل”.
اقرأ للكاتبة أيضا: السكن مقابل الجنس
قد يشتاق إليها أحيانا بينما تتواجد عند زوجها الثاني. حين يتخاصمان ثم يتصالحان، يتساءل: هل يا ترى تصالح الثاني بنفس الشكل؟ وحين يحضنها، يسأل نفسه: هل تحضن الآخر بنفس الشكل؟
يبدو كل هذا صعبا حتى في الخيال بالنسبة لعدد من الرجال، أليس كذلك؟ لكنه للأسف واقع آلاف النساء عبر جغرافيات بؤسنا الفكري والعاطفي. لذلك بالذات، علينا أن نتحلى بالموضوعية لكي نعترف بأن واقع المشاعر لا يختلف بين الرجل والمرأة، سواء كان التعدد حلالا أم لا. نفس الجرح والألم الذي يسكن الرجل لمجرد تخيل تفاصيل حياة ثانية (شرعية) لزوجته، هو الذي يسكن المرأة التي تعيش التعدد.
لذلك، أن يكون التعدد حلالا أم لا؛ أن تصاب الزوجة بالسكري أو أن يصاب الزوج بالبلهاريسيا؛ فهو في الواقع لا يعدو أن يكون خيانة زوجية مشرعنة دينيا، وفي اتجاه واحد.
شبكة الشرق الأوسط للإرسال

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.