الشرق الاوسط: شهر شهد ثالث
إن أي طريقة سيستعملها الغرب تحت قيادة أميركا في هجومه على سوريا، فإن نتيجة هذا الهجوم ستكون إعادة التشدد إلى الجو السياسي في إيران وإضعاف قوة حكومة روحاني حديثة التشكيل.
في حين أن أغلب وكالات الأنباء كانت تنقل أخبارا عن مهاجمة أميركا وحلفائها لسوريا قريبا، إلا أنه في يوم الأربعاء المصادف الثامن والعشرين من شهر أغسطس (آب) حدث تغيير جديد. أعلن وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ، الذي هو من أقوى الداعمين للهجوم السريع على سوريا، أن المفاوضات حول شن هجوم على سوريا ستستمر في الأمم المتحدة لعدة أيام. يبدو أن الحكومة البريطانية قررت بعد اجتماع مجلس الأمن الوطني البريطاني أن تؤجل موضوع شن الهجوم على سوريا حتى نشر تقرير مفتشي الأمم المتحدة عن جزئيات الهجوم الكيماوي الحديث.
بالنظر إلى الحرب على العراق التي أظهرت أن ادعاءات بريطانيا حول أسلحة صدام حسين الكيماوية والجرثومية لم تكن صحيحة والتي أدت إلى توجيه ضربة إلى مكانة هذا البلد، يبدو أن القرار البريطاني الجديد قرار منطقي. في حال اختلاف تقرير مفتشي الأمم المتحدة مع الادعاءات البريطانية حول دور حكومة بشار الأسد في الهجمات الكيماوية الأخيرة، لن يكون هنالك أي سبب أو حجة للهجوم على سوريا.
أميركا تسعى إلى الهجوم على سوريا لسببين، الأول هو أن بعض التقارير تشير إلى أن جيفري فيلتمان، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، المعاون السابق لوزير الخارجية الأميركي والسفير الأميركي السابق لدى لبنان، وكان المسؤول عن التصدي للسياسات الإيرانية في لبنان وفي زيارته الأخيرة حمل رسالة إلى القادة الإيرانيين.
يقال إن فيلتمان وفي جلسة مع المسؤولين الإيرانيين، «حذر من أن نجاح مؤتمر (جنيف 2) يقوم على توازن القوى في سوريا، وإن إيران يجب أن تفهم هذا من أجل الوصول إلى هدف أكبر، أي إقامة السلام»، وفقا للتقرير آنف الذكر، فإن فيلتمان ألقى كلماته بلغة دبلوماسية و«جعل الإيرانيين يفهمون أن فيلتمان (في الحقيقة) يقول لهم إنه في حال الهجوم على سوريا، (من الأفضل) ألا تتحرك إيران».
إن تأجيل مؤتمر «جنيف 2» الذي كان من المقرر أن يقام في الثامن والعشرين من أغسطس بجنيف، يؤكد الخبر السابق بصورة ضمنية. بعبارة أخرى، إن أميركا تسعى قبل المفاوضات إلى تغيير موازين القوى الحالية في سوريا التي تصب في صالح الأسد بصورة واضحة.
من ناحية أخرى، أعلن الرئيس أوباما في العام الماضي أن استعمال حكومة دمشق الأسلحة الكيماوية «خط أحمر» بالنسبة لأميركا. إن القوى العظمى، وبصورة خاصة أميركا، تستعمل سلاح التهديد والخطوط الحمراء من أجل منع الحروب الطاحنة. والآن مع وقوع الهجمات الكيماوية، إذا لم يقم أوباما بصفته رئيس الجمهورية الأميركي بتصرف حيال ذلك، فإنه سيقلل من أهمية تهديداته، إلا بوجود دليل قاطع لا شك فيه (مثلا تقرير واضح من قبل مفتشي الأمم المتحدة) يثبت أن الهجوم المذكور لم يكن على يد حكومة بشار الأسد.
يجب ألا ننسى أن أوباما حدد لإيران حتى الآن خطين أحمرين، الأول هو إغلاق مضيق هرمز والثاني هو السعي إلى الحصول على أسلحة نووية، إذا لم تقم أميركا باعتبارها قوة عظمى، باتخاذ قرار لمواجهات الأحداث الأخيرة في سوريا وأظهرت عدم اهتمامها بذلك، فإن إيران ستتصور أن الخطوط الحمراء التي أعلنها أوباما ليست إلا هراء. إن عواقب هذا الأمر لن تنحصر على إيران فحسب، بل إن التهديدات الأميركية سيكون مشكوكا فيها وستضعف مكانة أميركا باعتبارها قوة عظمى.
إن رد فعل إيران على الهجوم على سوريا يعتمد على قوة هجوم أميركا وحلفائها. إن المسؤولين في الجيش الإيراني، وحتى قائد الحرس الثوري الإيراني، حذروا بشدة من قيام أميركا بمثل هذا الهجوم. إن عدم تصرفهم أبدا سيجعلهم عرضة للموقف الذي وقع فيه الرئيس أوباما حاليا. بعبارة أخرى، في حالة عدم القيام بأي رد فعل، ستنتشر الفكرة القائلة إن إيران رغم كل تهديداتها الكثيرة، فإنها من الناحية العملية خافت من مواجهة أميركا. لذلك، فإن إيران حتى لو لم تشارك بصورة علنية في المواجهة مع أميركا، من المحتمل أن تعمل في الخفاء مع ترك آثار تدل عليها، إن رد الفعل هذا يتعلق بالهجمات الصاروخية.
إذا كانت هجمات أميركا وحلفائها محدودة، لا يوجد ما يدفع إيران إلى الارتقاء لسطح المعركة. ولكن، إذا عرضت قوة الهجمات نظام بشار الأسد للخطر، أو أنزلت خسائر كبيرة بالبنى التحتية للجيش السوري مما يغير توازن القوى لمصلحة معارضي بشار الأسد، في هذه الحالة ووفقا لقول القائد في الحرس الثوري محمد علي جعفري، فإن رقعة الحرب سوف تتسع وستصل إلى إسرائيل أيضا.
إن الخطر الآخر هو حتى لو لم تضرب إيران وسوريا إسرائيل كحل أخير، فإن المجاميع المتشددة قد تنظم هجمات صاروخية على إسرائيل وتلقي المسؤولية على الجيش السوري، مما يدفع إسرائيل إلى الحرب مع سوريا، وبالتالي مع إيران.
على كل حال، إن أي طريقة سيستعملها الغرب تحت قيادة أميركا في هجومه على سوريا، فإن نتيجة هذا الهجوم ستكون إعادة التشدد إلى الجو السياسي في إيران وإضعاف قوة حكومة روحاني حديثة التشكيل. في حال هجوم أميركا على سوريا، فإن المفاوضات المباشرة بين إيران وأميركا ستلغى على مدى المستقبل القريب. سوف ترتفع الشعارات النارية من الجهتين، ستتوسع فجوة الخلاف بين أميركا وإيران حول الموضوع النووي. بتشديد الحصار أكثر، فإن المبادرة سوف تسلب من روحاني والمجموعة الدبلوماسية الإيرانية، التي عقدت الأمل على حضور محمد جواد ظريف.
في مثل هذه الأوضاع، رغم وجود حكومة ذات ظاهر معتدل في إيران، ولكن مع زيادة حدة التوتر بين إيران وأميركا، فإن المتشددين هم من سيقود دفة السياسة الخارجية الإيرانية.
* محلل سياسي وصحافي حر متخصص في الشؤون الإيرانية