جايكوفسكي‎

د. ميسون البياتي

ولد بيتر جايكوفسكي في مدينة ” فوتكنسك ” الروسيه عام 1840 . بدأ إهتمامه بالموسيقى منذ كان في 4 من العمر , ذات يوم إشترى والده جهاز ” أوركستريون ” وهو آله موسيقيه ضخمة جداً ولها عدة أجزاء إضافيه تنتج مختلف أنواع الموسيقى حتى لتبدو وكأنها فرقة أوركسترا قائمه بذاتها . أحد أجزاء هذا الأوركستريون كان يعزف سمفونيه للمؤلف النمساوي موزارت الذي عاش في القرن الثامن عشر أي قبل حوالي 100 عام على ولادة جايكوفسكي الطفل الذي أحب سمفونية موزارت وبدأ يحاول تعلم عزفها على بيانو البيت

أثناء ما بدأ بيتر يكبر كان حساساً للغايه , الأمور التي ما كانت تزعج بقية الأطفال كانت بالنسبة له من أسوأ الأشياء , كل كلمه أو إشاره أو لفته أو لمحه يأخذ تفسيرها على نفسه ويتصور أنه هو المقصود بها , ولهذا كان كثير الإبتعاد عن الناس , يتأمل في الطبيعة والأصوات وهذا ما ساعده على كتابة موسيقى جميله

عندما أصبح شابا ً لم يفكر بأن يصبح مؤلفاً محترفاً لأن الموسيقى كانت بالنسبة له هواية ولم يكن في باله أن يجعلها حرفته على الإطلاق , كما أن والداه كانا يخططان له أن يصبح محاميا ً , ولهذا فمنذ كان في 10 من عمره أرسلاه الى مدارس مختلفه في سان بطرسبرغ , والآن هو في 21 من العمر ويحمل شهادة في القانون ويعمل بوظيفة حكوميه

الناس في روسيا في ذلك الحين حين يتحدثون عن الموسيقى الكلاسيكيه فهم يفضلون سماع مؤلفات إيطاليه وفرنسيه ونمساويه وألمانيه ولم يكونوا يعيرون إهتماماً للمؤلفات الروسيه , لكنهم منذ منتصف القرن التاسع عشر إعتقدوا أن روسيا عليها إنتاج موسيقاها الكلاسيكيه هي أيضا ً ولذلك تم إفتتاح مدرسة للموسيقى في سان بطرسبرغ . بعد إفتتاحها مباشرة ترك بيترالمحاماة وغادر وظيفته الحكومية المريحه وسجّـل نفسه في هذه المدرسة طالبا ً للموسيقى

الموسيقي الشهير أنطوان روبنشتاين كان واحداً من مدرسي بيتر الذي أدرك بفطنته أن هذا الطالب سيصبح ذات يوم موسيقيا ً له شأنه ولذلك إعتنى بتدريسه عناية كبيره , وبعد تخرج بيتر من الدراسه قام نيكولاي روبنشتاين شقيق أنطوان بتعيين بيتر كمدرس في مدرسة جديده للموسيقى تم إفتتاحها في موسكو , وهكذا بدأ بيتر يكسب المال من الموسيقى مع إستمراره بالتلمذة على يد نيكولاي روبنشتاين هذه المره

كل من أنطوان ونيكولاي كانا شديدين على بيتر , كانا ينتقدان عمله دوماً بأسلوب قاسي , ومع طبيعته الشديدة الحساسيه وإنفعاله من أشياء يتخيل أنه مقصود بها إضافة الى النقد القاسي كانت الأوقات تمر بينهم صعبه للغايه , رغم أن الثلاثه فيما بعد أصبحوا من أخلص الأصدقاء

ذات يوم طلبا من بيتر أن يقود الأوركسترا لتقديم أحد مؤلفاته الى الناس في عرض عام . بسبب حساسيته الشديده , كان متوترا ً جداً , وشعر كما لو أنه سيغمى عليه , وبدأ يشد شعر لحيته من حدة إحساسه بالحرج . حين إنتهى العزف … لم يتمكن بيتر من الإحساس بالثقة بالنفس لكي يقود الاوركسترا إلا بعد مرور 10 سنوات على تلك الحفله

كان مخلصا ً لعمله الموسيقي الى الحد الذي كان يمرضه في بعض الأحيان . عند تأليفه سمفونيته الأولى كان يعمل الليل مع النهار ليضعها بالشكل الذي في خياله . تلك السمفونيه كانت بعنوان : أحلام الشتاء

حين تستمع إليها يأتيك إحساس كأنك تمتطي حصاناً وتسافر به عبر حقل روسي مغطى بثلوج الشتاء

أحب جايكوفسكي إقتباس نماذج من الموسيقى الشعبيه الروسيه في أعماله ولهذا كان يستمع الى الأصوات في بيئته بكل عنايه ويقتبس منها في سمفونياته وأوبراته وعروض الباليه

https://www.youtube.com/watch?v=4y7l-9i3Quc

العديد من المؤلفين في الفتره الرومانتيكيه التي عاشها جايكوفسكي كانوا يستمدون أفكارهم من الألحان الشعبيه في بلدانهم من أمثال : لسزت , شوبان , غريغ , كورساكوف . جميعهم أضافوا الى مؤلفاتهم شيئا ً من موسيقى بلادهم للتعبير عن الإعتزاز بالبلاد ولوصف تاريخها

تسمية ” الفتره الرومانتيكيه ” لا تعني أن ألحان تلك الفتره تتحدث بالضروره عن العشق وحالة الوقوع في الحب , لكنها تعني أن المؤلفين ألفوا فيها متحدثين عن عالم أحلامهم ومشاعرهم العميقه . وكانوا يؤلفون ألحانهم لتتماشى مع قصة أو قصيدة معروفه . جايكوفسكي مثلاً ألف ثلاثة من أشهر أعماله في الباليه معتمداً على قصص معروفه هي : بحيرة البجع

الجمال النائم


وكسارة البندق


حين بلغ جايكوفسكي 37 من العمر كان قد ألّف 3 أوبرات و3 سمفونيات و باليه واحد , والكثير من المقطوعات الموسيقيه . بعض أعماله كانت تنجح نجاحاً كبيرا ً وأخرى لا يلتفت إليها أحد , ولهذا فهو لم يكسب الكثير من المال

حين بدأ يقلق على مستقبله بسبب قلة المال حدث شيء لا يصدق : أرملة ثريه تدعى ” مدام نادزدا ” كانت معجبه بموسيقاه قررت مساعدته فكتبت له تقول بأنها ستخصص مبلغاً سنويا ً من ثروتها يتسلمه طيلة حياته , عندها أصبحا يتراسلان وأصبحا صديقين بالمراسله رغم أنهما لم يلتقيا أبداً لكن جايكوفسكي أهدى لها سمفونيته الشهيره رقم 4


أحب جايكوفسكي السفر دائماً , حين أصبح بيده المال ذهب في رحلة طاف بها أرجاء اوربا , وأحيانا كان يعزف في بعض المدن التي يزورها , كما أن السفر زوده بفكرة عما وصلت اليه الموسيقى في بلاد أخرى . في باريس عثر على آلة موسيقية جديده تدعى ” سيليستا ” تشبه البيانو الصغير وتصدر أصوات تشبه الأجراس فقام بشراءها ثم إستعملها في باليه كسارة البندق في هذا المقطع

https://www.youtube.com/watch?v=Wz_f9B4pPtg

ولم يكتف جايكوفسكي بإستعمال السيليستا في مؤلفاته لكنه إستخدم حتى أجراس الكنيسة نفسها وأصوات المدافع حين ألّف واحده من مقطوعاته الشهيره التي تتحدث عن الإجتياح الفرنسي لروسيا : إفتتاح 1812


على الرغم من أن بيتر جايكوفسكي أصبح مشهورا ً في جميع أنحاء العالم إلا أنه وبسبب حساسيته المفرطه لم يشعر بالسعادة أبداً , وبسبب تلك الحساسيه لم يتمكن من إقامة علاقة عاطفية دائمة مع إمرأه , ولهذا كان يشعر دائما ً بإفتقاد الحب وقد إستعرض إنفعالاته هذه في سمفونيته السادسه التي تطلق عليها تسمية : المثير للشفقه

في سعيه من أجل الحصول على الحب كان يؤلف موسيقى عن الحب كما حصل في باليه الجمال النائم أو أوركسترا روميو وجولييت


توفي جايكوفسكي عن عمر 53 سنه ولم يكن في عالمه شيء غير الموسيقى

ميسون البياتي – مفكر حر؟

About ميسون البياتي

الدكتورة ميسون البياتي إعلامية عراقية معروفة عملت في تلفزيون العراق من بغداد 1973 _ 1997 شاركت في إعداد وتقديم العشرات من البرامج الثقافية الأدبية والفنية عملت في إذاعة صوت الجماهير عملت في إذاعة بغداد نشرت بعض المواضيع المكتوبة في الصحافة العراقية ساهمت في الكتابة في مطبوعات الأطفال مجلتي والمزمار التي تصدر عن دار ثقافة الأطفال بعد الحصول على الدكتوراه عملت تدريسية في جامعة بغداد شاركت في بطولة الفلم السينمائي ( الملك غازي ) إخراج محمد شكري جميل بتمثيل دور الملكة عالية آخر ملكات العراق حضرت المئات من المؤتمرات والندوات والمهرجانات , بصفتها الشخصية , أو صفتها الوظيفية كإعلامية أو تدريسة في الجامعة غادرت العراق عام 1997 عملت في عدد من الجامعات العربية كتدريسية , كما حصلت على عدة عقود كأستاذ زائر ساهمت بإعداد العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الدول العربية التي أقامت فيها لها العديد من البحوث والدراسات المكتوبة والمطبوعة والمنشورة تعمل حالياً : نائب الرئيس - مدير عام المركز العربي للعلاقات الدوليه
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.