بالنسبة للمسلمين وللأسف الشديد مشاهدة الأفلام العاطفية والتي يُمارس فيها الحب والتقبيل والمداعبات الجنسية تُُعتبر فسقا وفجورا وإثما و(حوبا كبيرا) بينا مشاهدة أفلام القتل وتقطيع الأوصال وأكل الكبود وقطع الرؤوس تعتبر عملا مقدسا وثقافة أصيلة يجب أن يتربى عليها الشباب المسلم, وبنفس الوقت كانت وما زالت المناهج التربوية تُخفي فضائع الحروب وجوانبها السلبية والكوارث التي تسببها, واليوم يشبه الأمس فكم تسببت الحروب بقتل الرجال وسبي النساء واغتصابهن أمام أعين أولادهن, وكم تسببت جيوش خالد بن الوليد بتشريد العائلات وحرمان الأطفال من حنان الأمهات والآباء, ولا ننسى مشاهد الاغتصاب الجماعية التي مورست بحق البنات القاصرات وغير القاصرات وخصوصا فظاعة تلك المشاهد حين كانوا وما زالوا يغتصبوهن أمام أزوجهن وكافة أفراد العائلة, وهذا حدث عند كل شعوب الأرض من الشرق إلى الغرب, ولكن اليوم نحن أكثر وعيا نحن نريد صناعة الحب والرومانسة, وأنا شخصيا أُفضل أن يشاهد ولدي فيلما عاطفيا فيه مشاهد حب ورومانسية وحتى جنسية ولا أفضل أن يشاهد أفلام العنف, أنا شخصيا أحرّم العنف وممارسته تحريما قطعيا.. وكم سمعت محاضرات الدكتور (طارق سويدان) وهو يتحدث عن معارك خالد بن الوليد وضرار بن الأزور وهو يردد هذه الجُملة-;-اسمعوا وتعلموا يا شبابنا المسلم) وليتني سمعته مرة وهو يتحدث عن مغامرات الصحابة العاطفية وحياة (تماضر) ليقول للشباب: (تعلموا يا شبابنا المُسلم على الحب…شوفوا كيف عشقوا بعض وجنوا في الغرام ومن الغرام) طبعا نحن أو أنا شخصيا لا أعادي الإسلام ولا أدعو إلى تغييره ولكن هنالك جوانب عاطفية مارس فيها المسلمون مجونهم في الحب والغرام وتعلقت قلوبهم بالنساء أكثر من تعلقها بالمساجد والصلاة, ومن المؤكد جدا جدا وهذا متوقع أن هنالك مشاهد عاطفية وجنسية كانت تحدث, فلو تم تصويرها في لدراما سينمائية أو تلفزيونية لتغيرت ثقافتنا المجتمعية.
للأسف الشديد وأنا في المدرسة لم أقرأ عن الصحابي الجليل (خالد بن الوليد) وعن مغامراته العاطفية مع ليلى وفاطمة, كل ما كنت أعرفه هو الجانب الآخر من حياة الصحابي خالد بن الوليد, وهو جانب القتل والعنف وتقطيع الرؤوس وإبادة البشر في معركة الحديقة مع (مُسيلمة) أو معركة (نهر الدم) أو (ذات السلاسل) وهاتين الأخيرتين مع الفُرس, وكنتُ وأنا خارج من المدرسة أتمنى أن أقطع رأسا أو أن أشاهد رجلا يقتل رجلا آخر بالسيف, وكان كل الطلبة في المدرسة يمارسون هذا النوع من (التخيّل) فكان وما زال عندما يختلف طالب مع طالب,كان, يمازحه بهذه العبارة المشهورة: (خُذها مني يا عدو الله)وكان يمد يده إلى خصره وهو يمثل دور سحب السيف من غٍمده ليوجهه إلى بطن صديقه, وكان الآخر يرتمي على الأرض بأسلوب التخيل ليقول له: (قتلتني) فيرد عليه الصديق بقوله: (إلى جهنم وبأس المصير, عليك لعنة الله).
وعندما بدأنا نتعارف في السينما على الإسلام وفي الشاشة الصغيرة الأبيض والأسود والملون, كنا نشاهد فيلم الرسالة عن الغزوات والمعارك والقتال, تماما كما كنا نتعلم في المدرسة على دروس الحرب وليس دروس الحب, ونشأنا جميعنا وترعرعنا في وسط هذه الحياة ونحن نقدس ثقافة العنف وتسري في دمائنا حتى أصبحت طباعنا عنيفة, ولست أدريا حاليا مثلا ما المانع من أن نشاهد قصص غرام الصحابة, صحابة محمد(ص)!!! ما المانع من أن نشاهد قصص تعدد زوجات الخلفاء والصحابة, فالذين كانوا يتزوجون ويطلقون كثيرا من المؤكد أن وراء هذه الأحداث حركات آكشن عاطفية وقصص غرام وقصائد غرام ومعاناة ومشاكل عاطفية, هذا الجانب من حياة الصحابة لو قامت الدراما السينمائية والتلفزيونية بإعداده وتصويره وإخراجه لتغيرت طبيعة تفكير المواطن العربي المسلم ولتغيرت نظرة الشعوب الأخرى للعرب المسلمين, العالم كله حين تم ترجمة فيلم الرسالة إلى عدة لغات أجنبية لم يعرف العالم المتحضر من حياة المسلمين إلا هند الهنود آكلة الكبود, ولكن لم يعرفوا قصص مغامراتها العاطفية قبل الإسلام وكيف طلقها زوجها بعد أن اكتشف أن لها علاقة غرامية بشاب جميل من شباب مكة لتلتحق ببيت أهلها على السُكيت ولتتزوج بعد ذلك من أبي سفيان صخر بن حرب والذي أنجبت له بعد ذلك معاوية بن أبي سفيان, هذا الجانب الأبيض من حياة العرب المسلمين لم تتعارف عليه مناهجنا التربوية بل تعاملت تلك المناهج فقط مع قصص العنف والقتل والذبح والسلخ.
لم نكن في المدرسة نأخذ القصص الغرامية وممارسة الحب عمليا ونظريا, كان الأساتذة في المدرسة يحثونا على مشاهدة فيلم (القادسية) ويقولون لنا: روحوا شوفوا كيف ذبحوهم وقتلوهم!!!!, حتى غدونا والعنف طبع فينا,ومزية من مزايانا, حتى أصبح الزوج يمارس مع زوجته العنف وليس الغرام, ومع أولاده وبناته العنف وليس الحنان, والمتخاصمين مارسوا مع بعضهم القتل والذبح والانتقام.
وعندما بدأت شركات الإنتاج في الخليج العربي بشراء الدراما السورية, كانت مسلسلات تُعرض لنا في رمضان كلها عن القتل والثأر, وكثير من الناس الذين تأثروا بسيرة (الزير سالم) وحصلت في الأردن عدة جرائم قتل وجلوات عشائرية وصلحات و(عطوات) وكلها بسبب مسلسل الزير سالم, ولا يلاحظ الخبراء الفنيون الاجتماعيون أن أعمال العنف العشائرية في الأردن زادت نسبتها بعد مشاهدة الأجزاء المتعددة من مسلسل (باب الحارة) و(الدبور) و(الزير سالم).
هنا في الصيف والشتاء هنالك تشجيع على الدراما السينمائية والتلفزيونية التي تُربي فينا كبارا وصغارا عقدة الثأر والانتقام, حتى أننا غدونا مجتمعا يُقدس ثقافة العنف, ومن ناحية سيكولوجية يميل الإنسان إلى مشاهدة المناظر التي كلها أكشن وقتل وحرب ومطاردات, حتى أن سينما هوليوود مارست هذه الثقافة في الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات عندما كنا نشاهد أفلام(آرنولد) و(رامبو) و(لأجل حفنة من الدولارات).
ولكن ما المانع من أن نشجع على مشاهدة الجانب الآخر من حياة وقيل قديما أيهما أكثر من ناحية الكم وليس الكيف!! شٍعر الحُب أم شعر الحرب؟, يعني أيهما أكثر أدب الحب أم أدب الحرب؟ أيهما أكثر الأفلام الرومنسية العاطفية مثلا أم أفلاك الآكشن والعنف والقتل والذبح والسلخ؟ طبعا الإجابة واضحة إذا قلنا أيهما أكثر أدب السياسة أم أدب الحب؟ وهنا نقول بكل ثقة أن أدب الحب وشٍعر الحب أكثر بكثير من أدب السياسة, والقصائد السياسية والروايات السياسية أقل بكثير من روايات وقصائد الحب والعطف والرومنسية, والأغاني العاطفية أكثر بكثير من الأغاني السياسية أو الوطنية عند كافة شعوب الأرض وفي كافة الدول وفي الساحات العامة والمطارات والموانئ والأسواق الشعبية والمولات ومواقع التنزه.
غير أننا شعب عربي نحب كثيرا أفلام العنف والقتل والسلخ والجلد وأكل لحوم البشر, وبالمناسبة كل الذين من جيلي وسني يذكرون في الثمانينيات من القرن المنصرم عدما ظهر فيلم(زومبي آكل لحوم البشر) كنا نذهب ونحن صبية إلى محلات تأجير أفلام الفيديو لنحجز نسخة من فيلم زومبي آكل لحوم البشر, وكنا ندفع العربون وزيادة عليه لكي يأتي دورنا بسرعة في غضون أسبوع أو أسبوعين, وكانت الناس في محافظة إربد وعمان يقفون بالطوابير على أبواب السينمات من أجل مشاهدة فيلم زومبي آكل لحوم البشر ومن أجل مشاهدة أفلام (ميثون شاكر- ميثون شيكرابوت) وأفلام (أميت باتشان) مثل فيلم( العتال) و(الشعلة) و(المدمر) كانت الناس كلها تموت على مشاهدة مناظر القتل والذبح والجلد والسلخ والثأر وإراقة الدماء, كانت الناس وما زالت إلى اليوم تموت على حب مشاهدة أفلام المطاردات البوليسية, يعني أنا شخصيا كنت أستمع إلى أقوال الرجال الأكبر مني سنا وهم يقولون: إمبارح شفنا فيلم كله طخ, وكله دراجات, وكله شرطه.
لكن مثلا وللأسف لم أكن وأنا شاب يافع أقف عند محلات تأجير أفلام الفيديو لأشاهد أناسا يبحثون عن أفلام عبد الحليم حافظ العاطفية أو محمد عبد الوهاب, وحتى اليوم لم يشاهد 90% من العرب فيلم الوردة البيضاء أو فيلم (باب الحديد) للمخرج الراحل (يوسف شاهين).
في هذه العُجالة أختم مقالتي بما قاله الفيلسوف الفيزيائي آينشتاين حينما قال: لدينا القدرة على الاختيار إما أن نحرم الأسلحة الذرية أو نواجه الإبادة الشاملة، والقومية هي من أمراض الطفولة وهي حصبة الجنس البشرى، وكتبنا المدرسية تمجد الحروب وتخفي فظائعها وتغرس الكراهية في شرايين الأطفال .. وأنا أفضل تدريس السلام على تدريس الحرب وتدريس الحب على تدريس الكراهية..