لقد بدأ الإنسان يمشي منتصب القامة على هذه الأرض قبل حوالي 4 ملايين سنة(1), وهذا يعني انه قبل ذلك لم يكن منتصب القامة ولم يكُ فكه الأمامي متقدماً على حلقة بهذه الصورة والتي نراها اليوم كأنها أجمل ما تكون وهذا أن دل على شيء فإنما يدل على عدم معرفة الإنسان بالنطق في ذلك الوقت حين لم يكن منتصباً كما هو الحال هذا اليوم ولم يكن الإنسان يعرف النطق أي انه لا يستطيع مع تأخر فكه أن ينطق حروف معجم العين وغيره من المعاجم ذلك أن النطق بحاجة إلى تقدم الفك كما هو الإنسان اليوم إذ أن هناك حروف تعرف على إنها {حلقيه} خارجة من الحلق وحروف خارجه من الشفتين مثل {الباء, الميم,الواو}والحروف الحلقية مثل {العين ,الحاء…..} وبهذا لا نستطيع أن نعرف الإنسان في تلك الفترة على أنه{حيوان ناطق}أوانه متميز عن غيره بالنطق, وبهذا المعنى فأن الإنسان الشرقي والغربي والشمالي والجنوبي كانوا جميعاً يدبون على هذه الأرض وهم ينعمون بخيراتها ولم تك في تلك الفترة من- 4 ملايين إلى ما قبل مليوني سنه- اتجاهات فكريه أو طبقات اجتماعيه أو مذهبيه وهذا لا يتعارض مع الدين فهنالك احتماليه كبرى بأن تكون تلك الفترة هي الفترة المعروفة بالقرآن الكريم والعهد القديم وملحمة جلجامش باسم(الفردوس) الذي كان يأكل منه أدم وحواء من غير تعب أو خوف من أحد.
أما قبل مليوني سنه فقد بدأت تظهر بعض الآثار الدالة على الإنسان الأول المستخدم للأدوات بأشكال بسيطة كما يفعل أو تفعل بعض المخلوقات في العصر الحاضر مثل بعض أنواع{ثعالب البحر}(2) ولكن قبل (3500) خمسة وثلاثون ألف عام قبل الميلاد مع بداية العصر الحجري القديم بدأ الإنسان يستخدم الأدوات بشكل مكنه من دخول {عصر الفن} وصنع الأواني الفخارية من{ أجل الخصوبة}وليس من {أجل الفن} وهي الشعائر الدينية البدائية .وان الإنسان الذي عاش من 3500عام إلى 7000عام قبل الميلاد هو الإنسان المعروف بالإنسان الحجري من هذا المنطق فإن الإنسان يعرف علمياً حسب استخدامه للأدوات فبداية استخدام الحجارة هو إنسان العصر الحجري وبداية استخدام البرونز هو إنسان عصر البرونزي وكذلك استخدام الحديد….إلى العصر الحاضر.
ولقد عاش الإنسان على وجه الكرة ألا رضيه أكثر من{990ألف سنه}(3) وهو جامعٌ للثمار وصياد ,وأكثر من{990ألف سنة} عاشها الإنسان وهو لا يعرف الزراعة ولا تدجين الحيوانات وبالتالي فإن هذا مؤشر طبيعي على الإنسان الذي عاش ما يقرب {990ألف عام} دون منة”من أحد يأكل من البراري ويصطاد منها أيضا”وبالتالي فان الفروقات الاجتماعية معدومة الشكل والطبقات الاجتماعية معدومة نهائياً وهو ذلك العصر المذكور في الديانات السماوية الشرقية بـ {الفردوس المفقود}أو الفردوس الضائع وهذا مؤشر آخر على عدم التميز بين الإنسان الذكر,والإنسان الأنثى ولكن الاستقرار الاجتماعي كان معدوما” لدرجة عدم معرفة مفهوم العائلة والقبيلة والعشيرة…..الخ.
وان أول مفهوم {للعائلة}عرف بسبب الالتقاء المنفعي بين الذكر والأنثى وذلك لتقاسم ما حصلت عليه الأنثى من {ثمار}(4) على اعتبار أنها هي جامعة الثمار ,واقتسام ما حصل عليه الإنسان الذكر من{ صيد} وهذا هو أول تقسيم وظيفي بين المرأة الأنثى والرجل الذكر ,وهذا كله بسبب اختلاف بيولوجي كبير بين المرأة الأنثى والرجل الذكر ,فلأن طبيعة الحوض عند الرجل أضيق منه عند المرأة الأنثى فأنه تفوق عليها بسرعة العدو(5) والهرب بسرعة من الحيوانات المفترسة واعتقد إن هذا هو السبب الذي أدى بالتالي إلى نعومة الأنثى وخشونة الذكر ويرى مؤلف كتـاب { بنو الإنسان } {انه ليس من الحكمة تعرض الإناث للخطر مع صيد الوحوش لأنهن ينجبن الذكور}(6) وبالتالي بقيت المرأة جامعه للثمار لان طبيعة الحوض عندها أوسع من الذكر.
ولتدعيم هذا الكلام النظري , فقد جاء في الموسوعة الطبية(7) , أن الإنسان تطور من مشيه انحناء الركبتين إلى مشية الإنسان الحديث الراشقة , وهذا هو الذي أدى إلى تغير شكل الحوض وحلت بالقدم وإبهام الرجل بعض التعديلات , وكذلك تغيرت اليد بحيث أصبح الإنسان قادرا” على الالتقاط بالإبهام والأصابع كما يظهر حاليا” في الشكل رقم(1
وجاء في الموسوعة , أن الشرق الأدنى هو المكان الذي خطا فيه الإنسان خطوته الثانية , حيث سيطر الشرقيون الأوائل على بداية تدجين الحيوانات ,حيث نشأت الزراعة خلال العصر الحجري الحديث ويعود عهد المدن أليها ومنذ ذلك الوقت أخذ سكان العالم بالتزايد(8) .
لذلك نستطيع أن نجزم جزماً قاطعاً أن الإنسان لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب , فقد نشأ الإنسان البيولوجي وبعد ذلك تطور عبر مراحل عدة وما يسمى بالانتحاب الطبيعي , وهذا أدى بدوره إلى انتخاب ثقافي وحضاري آخر كما يقول {أر نلد توينبي} في نظريته عن{ التحدي والاستجابة} وبعد ذلك تطور {الإنسان الإيديولوجي} وظهرت الفرو قات الاجتماعية بسبب تطور وتقدم وسائل الإنتاج البدائية فلقد استخدم الإنسان{النحاس الأحمر }(9) أولاً ثم طور بعد ذلك مزجه {بالقصدير} لينتج{البرونز} والصناعة البدائية من المعادن هي التي أدت إلى ظهور طبقات اجتماعية مثل { السماك,القناص ,والمحارب ,وجابل الصوان ,والطيان….الخ}(10) فصار الناس ينظرون إلى هذا على أنه سماك , وهذا على أنه محارب , وهذا صياد…….الخ ولكن الفروقات بين الذكر والأنثى لم تك معروفة بعد , وكلما تقدم الإنسان علمياً كلما أصبح بينة وبين من لا يتقدمون عليه فوارق اجتماعيه وطبقية وعندما اندثرت حضارة أو عصر {إنسان النيندرتال} نحو {35000}منذ ذلك الوقت تقريباً إلى {10000-7000ق.م} بدأت تظهر بدايات الحضارة العالمية عبر بزوغ نورها من الشرق الأوسط أو قل من الشرق الأدنى وحوض البحر الأبيض المتوسط مهبط الوحي ومهبط الديانات السماوية , حيث بدأ هنا الإنسان يتعاط بالزراعة ويدجن المواشي ,بدأت الاستقرار , وبسبب تدجين بعض الحبوب الزراعية وبعض الحيوانات، أصبح الإنسان يعامل نفسه كما يعاملها من حيث، الاستقرار، وتدجين الإنسان لنفسه .لأنه أصبح يلازم المواشي ويلازم المزروعات الزراعية وبذلك أصبح يعمم على نفسه وعلى الآخرين مفهوم الملكية الفردية, وبدأ أول ازدياد سكاني ملحوظ في العالم , فقد بلغ عدد سكان الشرق الأدنى عام{10000ق.م}(100)مائة ألف نسمة تقريباً وازداد بعد أربعة آلاف عام بزيادة ملحوظة حيث ارتفع عام{6000ق.م} ليصل إلى (3) ثلاثة ملايين نسمة وهذا أن دل على شيء فأنه يدل على الاستقرار السكاني في الشرق الأدنى(11) , بسبب ظهور الزراعة أو الثورة الزراعية البدائية التي لم تصل في ذلك العصر إلى مستوى فائض الإنتاج.
لذلك من الخطأ أن نعتبر إن الثقافة العربية بدأت من قبل الإسلام بمائة عام أو مائتان عام ,ونعمم هذا المفهوم على الثقافة الشرقية متجاهلين دورنا الحضاري الكبير وأثره في العالم القديم .
ولربما أن مدن الأموات نشأت قبل مدن الأحياء أو قل أن مدن الأموات بدأت قبل قرى الأحياء فقد عثر في عام (1961م) على قرية في الأناضول أقدم من مدينة(أريحا)(12) بـ (ألف عام) وهي (نيولوثية- العصر الحجري الحديث) والمهم في الموضوع أن بيوتها ملاصقة لبعضها البعض وليس لها أبواب حيث كانوا يدخلونها من السقف ؟ وهذا يشبة في العصر الحاضر بناء القبور وبالتالي فإن الأحياء احترموا الأموات واستقروا إلى جانبهم كما يقول مؤلف كتاب{بنو الإنسان} , وان أول مظاهر الحياة لدينا في الشرق الأدنى تعود إلى سنة(9000ق.م) في جنوب الأردن ,حيث عثر في منطقة البيضاء هنالك على بقايا حبوب مدجنة وبقايا عظام ماعز تعود إلى الفترة نفسها وهي(9000) قبل الميلاد , وتبعتها بذلك أريحا في فلسطين , وجارموا في العراق كل تلك المدن تعود إلى نفس الحقبة التاريخية ,ولا بد أن كل هذا الذي ذكرناه يدل دلالة واضحة على نبض الحياة في الشرق الأدنى من حيث جمع القوت لفترة تمتد نحو (990ألف سنة) استمر الشرقيون يجمعون قوتهم ليس على ما {يشتهون } ولكن على مبدأ{هذا الموجود}وبطبيعة الحال فإن الفرو قات الاجتماعية في تلك الفترة معدومة بين الرجل والمرأة وبين الإنسان والإنسان الآخر , ذلك انه لا توجد فوارق اجتماعية في مجتمع جمع القوت ,لان الناس سواسية والعدالة موجودة بسبب ضعف أجهزة التحكم فمنذ (35000) آلف عام قبل الميلاد إلى(10000ق.م) والإنسان يعيش في كهوف ولا يعرف إلا جمع القوت وهذا مؤشر على وجود طبقة اجتماعية واحدة حتى أن مفهوم العائلة في تلك الفترات غير موجود على الإطلاق أوان {الأب الاجتماعي }كان موجوداً بدل الأب البيولوجي بسبب الاتصال المنفعي مع الأنثى جامعة الثمار ويمكن أن يكون هذا هو الشكل البدائي للعائلة وأن عدم معرفة الإنسان في بداية الأمر بـ { النحاس اللين} ومن ثم { البرونز}و{الحديد} أيضاً على عدم وجود طبقة اجتماعية من العمــال أو{اليد العاملة }أو {الصناع} وهذا كله أدى إلى تأخر ظهور النظام السياسي الطبقي ألا في عصور ليست بالبعيدة عنا , وبالتالي فإن الرجل والمرأة عاشا في مجتمعات جمع القوت جنباً دون ظهور أي فوارق اجتماعية , وهذا الكلام يدغدغ خيال الماركسيين حيث انهم يطالبون أحياناً بالعودة إلى النظام القديم , من حيث تعميم مفهوم المشاعات القروية البدائية وتجاوز مفهوم الملكية الفردية , وأعتقد أن هذا الكلام مستحيل جداً جداً على اعتبار ,أن نمط الحياة القديم كان يخلوا من الصناعة والتجارة , وبطبيعة الحال فإن غياب هذه الأدوات هو الذي عمم مفهوم المسواة بين أفراد المجتمع وذلك عبر غياب طبقة الصناعيين والبنائين والمزارعين والتجارة وانه من البديهي جداً مع غياب هذه الطبقات , أن تكون المساواة بين الرجل والمرأة لازبة الوجود أو واجبة الوجود , لذلك فإن غياب التقدم الزراعي والصناعي والتجاري وغياب نظام الاقتصاد النقدي هو الذي كان يساهم بتأخر ظهور نظام الطبقات الاجتماعية .
ولقد اشتركت كافة شعوب الأرض البدائية بأساليب الحياة من حيث التشابه الصناعي الذي عكس مفهوم الطبقة الاجتماعية الناتجة عن نوعية الصناعة وعن الأدوار التي يؤديها أفراد المجتمع ذلك أن صناعة الفخار في بدايتة الصناعية كشف عن{ طبقة الفخاريين}(13) وصناعة الحديد كشفت عن { طبقة الحدادين } وأدوات الصيد هي أيضاً عن { طبقة الصيادين} وهؤلاء الصيادون هم أول من أسس { طبقة المحاربين } أو{ الجيش النظامي } وتحولت بعد ذلك أدوات صيدهم إلى { أدوات حرب} وقتل وتدمير لأغراض السيطرة وتطبيق مفهوم الغالب والمغلوب كما سنرى لاحقاً في ملحمة { ألا ينوما – ايليش- عندما في الأعالي } ويجُب على دارس أي شعب من الشعوب أن يعي بأن الظواهر الاجتماعية تتكرر مثلها مثل الظواهر الجيولوجية والبيولوجية, وان الإنسان الشرقي من حيث وظيفة كل من المرأة والرجل لا يختلف عن الإنسان الغربي شريطة توفر أسلوب حياة ومعيشة مشترك فمثلا الإنسان الشرقي البدائي لا يختلف عن الانسان البدائي الغربي بمعنى أن صانع الفخار والحداد والصياد لا يختلفون في اسلوب حياتهم عن بعضهم البعض , كما هو معروف اليوم فأن الطبيب أو مهندس الكمبيوتر لا يختلف عن أي مهندس أخر في أي بلد أخر ولكن من الملفت للنظر أن طرائق الحياة وتعددها المتشابه مع أي شعب أخر قد لا يولد نفس الطبقات الاجتماعية وبمعنى أخر أن طبيعة البناء الاجتماعي والفكري لإنسان عاش في الألفية الثالثة قبل الميلاد قد لا يتشابه مع إنسان أخر عاش أو يعيش في بقعة أخرى من الأرض وقد تجد أن الاختلاف الفكري أو البناء الاجتماعي للاثنين غير متوازن أو متفق , وهذا ما يسميه علماء الاجتماع بظاهرة {التخلف}(14) كما سنرى لاحقاً في مجتمعاتنا الحديثة . غير أن هذا التعميم لا نجده ألا في المجتمعات سريعة التطور كما هو الحال اليوم أما في مجتمعات ما قبل الميلاد فان الصناعات البدائية واحدة والطبقات الاجتماعية واحدة تمتاز ببطء النمو الديموغرافي وتجد الذكر والأنثى في كافة المجتمعات القديمة ما قبل الميلاد, ذات خصوصية واحدة من حيث المجتمعات الشرقية قبل الميلاد بآلاف السنين كانت جميعها من المحيط إلى الخليج تتغذى على { الجذور,والدرنات} ليس في ذلك المجتمع فضلُ لأحد على أحد , وهذا بالطبع لا يعود إلى تنظيم اجتماعي محكم بقوانين إدارية وعسكرية ولكن لان الحياة هكذا يعيش الإنسان ويأكل من غير تعب أو خوف أو منة من أحد.
* * * * * *
كلما تقدمنا تاريخياً في عمر الإنسان على الأرض كلما ازدادت المسألة تعقيداً على تعقيد, وكلما تخلفنا في عمره إلى الوراء كلما ازدادت الحياة وضوحاً وبساطه على وضوح وذلك بسبب قلة وسائل الإنتاج وقلة المتطورات الصناعية وغير الصناعية وهذا مؤشر على أن الإنسان القديم(15) جداً كان يعيش بسلام وطمأنينة اكثر من الإنسان المتحضر فكلما ازداد الإنسان تحضراً كلما ازداد خوفه واضطرابه العاطفي والجسدي, بسبب تعقد الصناعات التي خلفت أنظمة اجتماعية معقدة، فلقد عرفنا بالفصل السابق أن الإنسان الذكر والإنسان الأنثى عاشا جنباً إلى جنب حتى أواخر العصر الحجري الحديث دون أي خرقٍِِ اجتماعي بينهما , ولربما يستغرب القارئ إذا عرف أيضا أن نظام الرق كان من صنع الإنسان المتحضر والمثقف , وليس من صنع الإنسان الحجري القديم كما يقول مؤلف كتاب{ {الرق ماضيه وحاضرة } في مقدمته لطبعته الأولى , فكلما أوغلنا في القدم ازدادت معرفتنا بالإنسان وطرائق تعامله مع أبناء جنسه. وكلما اتجهنا نحو التقدم كلما ازددنا جهلاً وتعقيداً بالإنسان , وأنها ظاهره لاحظتها منذ بدايات معرفتي بالثقافة الشرقية , ولا ادري لماذا يختار الإنسان التعقيدات وبنفس الوقت يحن إلى الوراء تحسراً على أيام البساطة كما هو الحال اليوم , ولعل هذا المفهوم هو السائد منذ بدايات التكون الثقافي الشرقي وأول تحسر للإنسان الشرقي كان على { الفردوس المفقود } الذي غدا حتى اليوم من أكبر الأحجية الرمزية أو تحسراً على أيام { الفردوس الدائم} , وهي الأيام التي كان بها الإنسان يعيش في مستوى الاكتفاء الذاتي في الشرق الأدنى أيام كان عدد سكان الشرق الأدنى لا يزيد عن مائة الف نسمة يطارد خلالها الطرائد ويعيش على والجذور والدرنات في بقعة تمتد من رأس البحر الأحمر في العقبة إلى مرتفعات تركيا على الحدود العراقية التركية ومن ثم من حوض البحر الأبيض المتوسط من لبنان وفلسطين إلى الحجاز العربي أو الخليج العربي على أبلغ تقدير , وفي تلك الفترة لم يواجه الإنسان بيئة معاديه في الشرق الأدنى بل بيئة حليفة له منذ نزوله من الكهوف إلى البيوتات الصغيرة وهذا على أقل تقدير منذ(000؛35) قبل الميلاد إلى(000؛10ق.م) لم يتعلم بها الإنسان الحاذق أي طريقة لمواجهة ظروف الحياة ,لذلك نجد الذكر والأنثى في نعيم دائم ليس لأحد فضلا” على أحد , وانه أو قل ربما عاش على وجه الأرض منذ بداياته أكثرمن مائة بليون نسمة يعتقد علماء الاجتماع أن ما نسبته 6% مزارعين و4% عاشوا في مجتمعات صناعية(16) , ويبقى 90% منهم عاشوا على {جمع القوت}أي جمع الثمار وليس إنتاجها, أي أنهم عاشوا في بيئة استهلاكية وغير معادية توفر للإنسان حاجياته من غير تعب , وأن هذه النسب المتفاوتة جدا” تدل على الفترة الطويلة التي عاشها الإنسان مستهلكا للطبيعة في الشرق الأدنى , وان ما نسبته6% كانوا زراعيين هو دليلُ قوي جدا” على تأخر بدايات الثورة الزراعية , إذ أنه ليس بالبعيد جدا” أكتشف الإنسان الزراعة, وهذا يعني أن الحاجة أليها لم تك ذات أهمية نظرا” لتوفر فرص الحياة بكثافة لم يتعرض خلالها الإنسان الشرقي إلى ما يعرف اليوم بـ( تناقص المردود) أو نفاذ المخزون أو ( المحل) , وانه منذ عشرة آلاف سنه قبل الميلاد بدأ الإنسان في الشرق الأدنى يفكر بالاستقرار , ومواجهة الظروف القاسية , ذلك وانه من (12.000-10.000ق.م) بدأت البيئة في الشرق الأدنى تعامل الإنسان الشرقي معامله عدائية وبدأ هو أيضا”الإحساس با لجوع ونقص المردود بسبب التغيرات المناخية والانقلابات المفاجئة وتزايد عدد السكان بسبب مفهوم التدجين والاستقرار على مصادر المياه في كل من ارض الرافدين ( دجله- الفرات) (والنيل) في أفريقيا ولا بد أن الحريات الجنسية والعيش مع أباء اجتماعيين في تلك الفترة ساهم هذا الموضوع إلى حد كبير بزيادة عدد السكان إذ أن مفهوم { التابو} أو المحرمات لم يكن منتشرا” نظرا” لضعف مفهوم الملكية الفردية وضعف تعميمها وبالتالي نستطيع القول:-
– أنه بسبب تغير البيئة بدأ الإنسان يفكر بالزراعة.
– وبسبب الثورة الزراعية البسيطة جداً بدأ الإنسان في محاولة الاستقرار حول الأرض الزراعية.
– وبسبب الاستقرار الزراعي بدأ الإنسان يُدجن الحبوب , زمن ثم يُدجن الحيوانات ألاليفه.
– وبهذا أصبح بمقدور الإنسان أن يبدأ ولأول مره في الشرق الأدنى بمحاولة المحافظة على البيئة وتعميم ملكيتها له والذي يدل على ذلك أيضا هو الازدياد الملحوظ لعدد السكان في الشرق الادنى حيث ارتفع ما نسبته مائة ألف في عام ( 10000 ق.م) إلى ثلاثة ملايين نسمة عام (6000 ق.م) وهذا كله بسبب مفهوم الاستقرار الزراعي وبدايات التدجين, ومن الملفت للنظر أيضا” أن عدد السكان لم يك متزايدا” أيام { الفردوس} أي أيام { جمع الثمار} أو{ جمع القوت} وذلك بسبب الهجرات المتكررة بحثا” عن الطرائد لأنها هي أيضا” تهاجر سنويا” , وبسبب هجرة الحيوانات كان الإنسان يهاجر وراءها بحثا” عنها , ولكنه بعد الألفية العاشرة قبل الميلاد بدأ بتربيتها وتدجينها بدل الهجرة وراءها ومطاردتها , حوالي {7000-3000ق.م}
وهناك قصة مرسومة على نقش سومري يعود إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد وقبل عصر الكتابة بألف عام تصور رجل وامرأة وبينهما شجرة نخل وخلف المرأة أفعى تهمس للأنثى وهي مادة يدها والرجل ماد يدهُ إلى الشجرة ومن هنا بدأت الحياة تصعب على الرجل الشرقي والمرأة الشرقية , وبدأ الإنسان الشرقي فصلاً مؤلماً جداً من حياته أعطاه فرصةً جديدة ليبدأ أسلوباً جديداً في حياته ؟ يعتمد على التعب والجهد وأيام عمل طويلة , وللتغير الجيولوجي اكبر أثر على الإنسان الشرقي , إذ أنه (12000ق.م-8000 ق.م) انسحب النهر الجليدي(17) وتشكلت ظاهرة الحزام الناقل وهذا أدى إلى تغير مفاجئ في المناخ الشرقي ,أدى إلى تطور أنظمة جديدة تعتمد على التدجين وعلى الإنتاج الزراعي بشقيه , الحيواني والنباتي وللتغيرات هذه خاصية وهي:- انها أولاً :- بطيئة الحركة من حيث تحولاتها الديموغرافيه , وثانياً أنها :- بطيئة الموت والتلاشي من حيث إحلال أنظمة اجتماعية بديلة عنها .
وهذه حقيقة ما يميز العصور القديمة عن العصور الحديثة بتناسب عكسي جداً فمثلاً :- تظهر اليوم التغيرات الاجتماعية سريعاً وتظهر في كل يوم أنظمة وابتكارات جديدة سريعة الحركة وسريعة الموت والتلاشي , وهذا يظهر من خلال الحركة السريعة للصناعات والأحداث وهذا ما يشبه فعلاً الدولاب الذي يسير , أسرع… ثم أسرع … ثم أسرع أسرع لذلك فأن حركة التطور من {12000- ق.م} إلى بداية عصر النهضة والإصلاح الديني في أوروبا بعد الميلاد كانت تمشي ببطء جدا” وهذا يفسر لنا سبب تأخر اكتشاف{ الخبز} في أريحا ومن ثم { الشعير }(18) فقد بدأ في هذا المناخ الذي أصبح جافا” تدجين حبوب القمح والشعير في كل من { أريحا} في فلسطين و{ البيضاء} في جنوب المملكة الأردنية قبل حوالي(5000ق.م) وقد سبق اكتشاف الخبز عصور عديدة مثل الحجري القديم والحجري الحديث , وهذا كله بسبب المناخ الجاف الذي أعطى الإنسان درسا” قاسيا” بعد تعلقه به آلاف السنين يأكل من غير تعب .
ومنذ ذلك الوقت ولأول مرة في التاريخ بدا الإنسان يشعر بالعبودية للآخر ولكن هذا الآخر لا يتعدى على أن يكون هو (الطبيعة) فقد بدأ الإنسان يشعر بانتمائه لها وبدأت النواحي السيكولوجية تنمو في إطرافه وأحاسيسه , وبدأ يشعر بغلبة الطبيعة عليه , وهكذا بدأ أحساسة يتخلى عن مشاعر التحالف مع الطبيعة والصداقة معها وأصبح ينظر إلي نفسة على انه منتمي إلى الطبيعة وليس متميزا” عنها بل أقل منها ,ولأول مرة في التاريخ الشرقي ولآخر مرة أصبحت { المرأة} هي العضو الأكثر فعالية من الرجل , كان هذا في الشرق الأدنى لاول مرة ولأخر مرة منذ بدايات عصر الزراعة قبل الميلاد {9000إلى 4000 ق.م} .
وان السبب في ذلك يعود إلى {قلة الإخصاب} وندرة المحاصيل الزراعية والثمار وانحسار مياه الأمطار والتعرض لنقص المردود , وكل هذه العوارض جعلت من الطبيعة تجاه الإنسان معادي يخشى الحذر منه , ولهذا بدأت في الشرق الأدنى أولى {ديانات الخصب} والنماء وقُدست الطبيعة على أنها هي خالق الإنسان بنظر الإنسان القديم , وكان هذا على اعتبار أن الطبيعة هي { واهبة الحياة} وليس أحداُ غيرها من حيث أنها توفر للإنسان كل ما يحتاجه وما يشتهيه, وكل شيء يتعلق بالإنسان من حيث النمو والتكاثر فهي التي تعطي{ القمح- الشعير – الثمر .. الخ} وهي التي تمنعه أيضا عن الإنسان في أعوام القحط والسنين العجاف ، ولقد اشتركت مع شعوب الشرق الأدنى كثيرُ أو قل كل شعوب العالم في هذه الظاهرة , ذلك- وكما أسلفنا- أن الظواهر الاجتماعية تتكرر مع تشابه ظروف الحياة , ولكن لا مجال هنا إلا للإنسان الشرقي.
ومن أجل الإسراف في العبادة فقد ظهرت {المرأة الشرقية}(19) بصورة تشبة الطبيعة وبدأت المرأة الشرقية تتميز عن الرجل لأنها تشارك الطبيعة في اخطر وظائفها من حيث :-
– أولا”- قدرة المرأة على الإنجاب والإخصاب .
– ثانيا”- تشابه جميع وظائف المرأة البيولوجية مع وظائف الطبيعة.
وأصبحت {المرأة الأم} أول معبود شرقي في تاريخ الديانات الشرقية وتحول مفهوم{ الجنس}(20) من حاجه {بيولوجية} إلى { عباده سحريه ضرورية} وخصصت لذلك أماكن رسميه تسمى بـ { الهيكل} أي { المعبد} حيث مارس رجل الدين الشرقي الجنس مع المرأة الشرقية بدواعي طقوس عباديه وهو ما يسمى بـ{ السحر التشاكلي} وبعبارة أبسط , أصبح الإنسان الشرقي في أولى الديانات الزراعية يمارس { السحر التشاكي} مع المرأة الام من اجل تجديد ظاهرة الخصب والنماء, على اعتبار أن المرأة الأم هي الطبيعة نفسها وعند ممارسة طقوس الجنس فكأنما تقول – المرأة – للطبيعة :- { هيا أغدقي على الإنسان من خيراتك من مطر وزرع طالما انا المرأة شبيهتك أغدق عليه} والشاهد على ذلك تمثال { ربة الينبوع} الذي يعد أجمل تحفة فنيه تظهر فيه {عشتار} حاملة جره فخارية.
وهذه الظاهرة جرت على كل شعوب العالم الذين مروا بمرحلة الديانات الزراعية البدائية , ومع تغير وتلاشي هذه الديانات ألا أنه حتى وقت قريب ما زال الكهان وهم { زعماء القبائل} يمارسون الجنس مع فتيات القبيلة وهذا ما يسمى عند المتقدمين منهم بـ { حق الليلة الأولى} وتقدمت هذه الظاهرة في الأدب الشرقي بقصص رمزية كان يعتقد حتى اليوم أنها قصص{خرافية}وفي الواقع أنها غير ذلك, فلقد روت الناس حتى وقت قريب قصص عن :{ وحوش} يقدم لهم في كل عام {قمري} فتاة من احمل فتيات القبيلة ليأكلها الوحش , تكون فداءا” عن أهل المدينة , كما يظهر ذلك في قصص وروايات { حسن الشاطر} الذي دائما” ما تنتهي قصصه ورواياته بتخليص الأنثى وقتل الوحش , ولا يتحقق موضوع الخلاص ألا بتدخل زعيم ذكري له رجولة غير عادية , تتغلب على كل الصعاب حتى الظروف غير الطبيعية.
والأكل هنا تعبير رمزي عن { فتك البكارة}ولسوف تبقى هذه الظاهرة ملحه جدا” إلى عصر ولادة المسيح عليه السلام , وهي التي سوف نراها فيما بعد تؤسس مفهوم { الإلوهية البشرية } في نهاية كل الديانات الزراعية ,و وفي أوروبا استمرت حتى في وقت قريب من عصر النهضة والإصلاح الديني , حيث كان يأخذ شيخ القبيلة العروس من عاريسها في الليلة الأولى من زواجهما وغير ذلك من العادات .
* * * *
كل هذا الذي ذكرناه ليس ألا خيطا” رفيعا” بين عدة خيوط امتدت من بلاد الرافدين وربطت باقي الأقاليم المجاورة لها ولا نستطيع أن نحدد تواريخ دقيقة جدا” ذلك أن التغيرات كانت تقاس بمات آو آلاف السنين وهذا يعود كما أسلفت إلى بطء الحركة العمرانية والثقافية والفكرية والسياسية وأن التحولات الديموغرافية بطيئة بعكس سرعتها في العصر الحاضر , وان التجار بعد ذلك أبدو مهارة وخبرة عاليه بنقل الأدوات الصناعية أكثر من نقل الفنون الفكرية(21) لذا كان التأخر طويل المدى ولقد انبثق فجر الحضارة في {سومر} بنفس الوقت الذي انبثقت به حضارة {النيل} القديمة حوالي{3200ق.م} في كل من مصر وبلاد ما بين النهرين , ولقد ساعدت ظروف مناخية على نشوء هاتين الحضارتين , وأقدم ديانة كما قلنا سابقا”هـي { ديانة الخصب} وهي موغلة في القدم منذ بداية العصر الحجري القديم أي عندما بدأ الإنسان يواجه بيئة معادية ومهددة لحياته. واتخذت صفة الآلهة المؤنثة أولى الإلهات عند كل الشعوب الزراعية البدائية في العالم أجمع.
وأقوى إلهه أو أقوى الإلهات هي {عشتار} وهي كوكب الزهرة وسن الإله- القمر وشمس- الشمس(22) , وهذه الديانات هيل كلها سبب تأليه القوى الطبيعية والخوف منها، حتى قال أشور –بانيبال: أنى أرهب إلوهيتك،فامنحني حياة مليئة بالأيام الطوال، فرحة القلب ولاني أعبدك في هيكلك دع قدمي تشيخان(23) :
ومن اللازب جداً معرفته هو أن هذه الآلهة ارتبطت عبادتها مع نشأة (المدينة) الأولى في التاريخ أو التجمعات القروية الزراعية البدائية, وكان يعتقد حتى وقت قريب أن أول تجمع سكاني في التاريخ كان في مدينة {أريحا} على تله تطل على البحر الميت في فلسطين والأردن , ونشأة هذه المدن بسبب.
* التحول الجذري من البحث عن الغذاء إلى الإنتاج الزراعي البدائي {9000-6000ق.م}(24) وقد رافق هذا في ألآونة ألا خيره تصاعد العدد السكاني من 100 ألف إلى 3 ملايين نسمه بسبب الاستقرار والتدجين الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي وهذا يشكل ثلث أجمالي عدد السكان من ما نسبته 10 ملايين نسمة حسب إحصائية {هكسلي}(25) وكلمة {أريحا} تعني { القمر} أي مدينة القمر التي أصبح فيما بعد عدد سكانها في عام {8000 ق.م} ما يزيد على {2000 نسمه} وهذا العدد التقريبي استنتجه علماء الآثار من خلال الأدوات الزراعية التي وجدت داخل المدينة مثل {المدقات والهاونات} التي استعملها الإنسان في ذلك الوقت لدق الحبوب وأعالة الناس.
واسم المدينة يدل دلاله واضحة على عمق الثقافة النسوية في الشرق الأدنى , حيث أن الديانة الزراعية تتجه نحو اعتبار {القمر} رمزا” للأنثى وذلك لسبب خطير جدا” جدا” هو:-
– أن المرأة تشترك مع الطبيعة في خصائصها , ومع القمر بالذات في دورته الشهرية التي تكتمل مع دورة المرأة البيولوجية من 28-يوم إلى 29-30- يوم . واحيانا” كان وما زال { القمر} بالنسبة للأنثى {وصفا” جماليا”} عبر تشبيه المراه الجميلة بصورة البدر أما التشابه البيولوجي بين وظيفة المرأة البيولوجية وخط سير القمر فقد تطور فيما بعد هذا التشابه إلى أفراد القمر محل وظائف المرأة البيولوجية واستوعب كافة صفات المرأة وأولها أخطرها وهي {الولادة- الخلق} .
فلأن دورة القمر الشهرية تكتمل مع دورة المرأة الشهرية لتكون المرأة بعدها بوضع جاهز بعد مضي 5أيام على جاهزية تامة لاستقبال الحيوان المنوي, فأن سكان المدن الزراعية اعتبروا أن القمر بعد اكتماله (بدرا) يكون جاهزا مثله في ذلك مثل المرأة الأم , التي تصبح بعد الدورة الشهرية جاهزة للخصب والتكاثر.
وقد لاحظت الشعوب القديمة أن المرأة تتعرض في أثناء دورتها الشهرية لكثير من المشاكل (الميكانيزميه) والعصبية ,حتى أن بعض النساء يتوترون لدرجة تثير (الخوف) وهن في تلك الفترة عرضه للاصا به بالأمراض النفسية مثل (الاكتئاب الداخلي المنشأ ) أكثر من الرجال .
لهذا أرحن النساء أنفسهن من الأعمال المنزلية(26), في أثناء الدورة الشهرية , ونظرا لهذه الأعراض فقد نظرت الشعوب الشرقية الى المرأة على اعتبار أنها (واهبة الحياة) ويجب عليها أن ترتاح من كافة الأعمال المنزلية وعلى رأس هذه الأعمال (الطبخ ) وإشعال النار , وجمع القوت.
وحين كان الإنسان ينظر إلى الأعلى بحثا عن الحلقة المفقودة التي أوجدت الإنسان , فقد اتجه ببصره إلى القمر واعتبره واهب الحياة, وهذا هو أول معبود في تاريخ الشرق الأدنى وبما أن المرأة تحيض وتخلق أو ( تلد الإنسان –تنجب الإنسان ) فان القمر مع تشابهه مع وظائف المرأة البيولوجية فأنه لا بد أن يكون خالقا كما هي المرأة ويرتاح من أعمال الخلق في آخر أيام دورته وهذه الظاهرة لم تنتشر في تلك الحقبة , أي حقبة مدينة (أريحا ) مدينة القمر في تلك الفترة التاريخية من (9000-8000 ق . م) ولكن يكفي أن معنى الكلمة هو مدينة القمر .
واستمرت هذه الثقافة بالتصاعد لأكثر من خمسة آلاف عام حتى أن الشعب البابلي أقر يوما تعطل به كافة الفعاليات الاجتماعية ودعوا هذه اليوم باسم (اسباثو) أي الراحة وكانوا يريحون أنفسهم كما ترتاح المرأة نفسها مرة واحدة في آخر كل شهر قمري ثم أنهم – أي البابليون – طوروا هذه العادة فأعلنوا عن تعطيل كافة . فآت المجتمع في كل ربع من أرباع الشهر(27) وكان هذا بدايه تأسيس تاريخي لنظام ( العد القمري ) وأول تأسيس تاريخي للسنة القمرية وللعطلة ( الأسبوعية) وكان هذا اليوم يدعى باسم( اسباثو) وقد انتقل هذا اليوم من الأدب البابلي إلى الديانة اليهودية في أثناء فترة السبي الأولى والثانية ونقله اليهود وتعلموه عن البابلين وأسموه بيوم (اسباتو) واعتبروا أن الإله ( يهوى ) خلق الكون كله في ستة أيام ثم ارتاح في اليوم السابع , وما زالت هذه العادة منتشرة من قبل الميلاد إلى اليوم في الديانة اليهودية , وان الدليل على ذلك أن اليهود في هذا اليوم لا يعملون أي عمل , حتى إن اليهود يجهلون أن للمرأة الشرقية علاقة وصله بالموضوع ناتج عن الديانة القمرية وخصوصا المتزمتين والمتشددين منهم . ومن الجدير بالذكر أيضا أن كلمة (اسباتو) دخلت إلى اللغة العربية بلفظ جديد وهو (السبات) بمعنى النوم العميق إلى أن أصبحت كلمة (السبت) المشتقة من (السباتو) تعني عند كل العرب أول أيام الأسبوع(28) وهذا دليل أيضا على وحدة اللغة والثقافة بين العبرانيين والعرب كما سنلاحظ ذلك لاحقا عند الحديث عن الثقافتين .
كل هذه التطورات كانت الديانة الزراعية مصدرها من بداية تأسيس مدينة (أريحا )(29) التي تعني القمر باللغة الكنعانية واللفظ بالكنعانية (ياريح) أو ( ياريخ) غير أن كثيرا من المدن جاءت بعد مدينة (أريحا) ساهمت وعززت هذا المفهوم أكثر وأكثر و من الضروري ذكره أن علماء الآثار وجدوا قرية أردنية في جنوب المملكة الأردنية أقدم من مدينة أريحا بألف عام تقريبا وتدعى (البيضاء) , ووجدوا بها آثار عظم ماعز مطحون وحبوب قمح هجين أو مهجن , مما يدل على بداية الاستقرار الزراعي أولا في الأردن وليس في أريحا , أو أن الاستقرار بدأفي ثلاث مناطق في الشرق الأدنى , في أريحا والبيضاء _أشور, شمال العراق حيث الأمطار والخصب أكثر من أي مكان آخر.
واعتقد الأمريكي ( روبرت برايدوون)(30) أن الزراعة من المفترض أنها بدأت في شمال بلاد الرافدين في (أشور) والمعروفة اليوم باسم ( كردستان ) حيث كانت تسقط أمطار كافية وينبت القمح والشعير , البري وتعيش الأغنام والمعز والأبقار والخنازير بوفرة كافية .
فظهور مدينة ( البيضاء) في جنوب الأردن هو الذي عزز من فاعلية وجود مدينة ( أريحا) وأن أريحا لم تك في الآلف التاسع قبل الميلاد , فهناك آراء عده تؤكد أنها في الآلفية الثامنة وهناك أراء تقول أنها في منتصف الألفية الثامنة قبل الميلاد أي في عام (7500 ق .م) (31).
ومن الجدير بالذكر أن كلمة مدينة لا تعني مصطلح ( المدينة الحديثة) المتعارف عليها اليوم , ولا تعني مستوى ( دولة المدينة) في كل من ( أثينا ) و( روما) لكنها تعني بداية العيش بمشترك قروي , ذلك ان مقومات المدينة لم تك معروفة وأبسط أنواع الإدارة مفقودة . وأول اختراع عرفه الشرق أو الشرقيون هو ( الفخار) في العصر الحجري الوسيط( 5000 ق . م) وبعده بفترة بسيطة أخترع (الدولاب) اليدوي وذلك لتسهيل دوران الطين الفخاري .
وبما أن المرأة تتشابه مع (قوى الطبيعة) فأنه لا بد أن يكون لهذا الفخار دور في هذا التشابه وكان هذا ممكن فعلا لمعرفتنا أن ( الجره) الفخارية تشبه المرأة من الكتف إلى الردفين .
وأول ما استعملت الجرة كان ( لدفن الموتى) على اعتبار أن المرأة هي التي أنجبت الانسان وحين موته لا بد له أن يعود إلى أمه التي أنجبته ولقد عثر في فلسطين والأردن على جرار فخارية كانت تستعمل لدفن الموتى في ( العصر النطوفي) حيث ظهرت عظام الميت بها بشكل مكور يشبه وضع الجنين في رحم أمه(32) وتشترك المرأة مع الأرض على اعتبار:-
* الأرض تحرث وتزرع وتسقى بالماء وتحافظ على بقاء الإنسان من حيث توفير الغذاء , وتوفير الماء, وخروج النبات من باطن الأرض وكذلك المرأة فأنها , تحرث* ( نسائكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) وكذلك المرأة تسقى بماء الرجل وتزرع بها النطفة وتنجب الذكر والأنثى وتحافظ على النوع (32), وأقدم أسم للأرض هو (مامي) و( ننخرساج) وهذا للدلالة الرمزية على تقارب المرأة الأنثى مع كل قوى الطبيعة , وأنه ما زال حتى اليوم تسمى الإناث بأسماء طبيعية مثل ( قمر , خضراء, شمسية ) ومن شدة غيرة الرجل الذكور فأنهم أيدو تنافسا شديدا مع المرأة من حيث هذه المسميات فسموا ذكورهم بأسماء مشابهة مثل ( خضر, شمس, شمسي, ربيع) غير أن الغلبة في هذا للنساء كون اكثر أسماء المدن والدول والعواصم مؤنثة في أكثر صيغها , وأن نقل الصيغة من المؤنث إلى المذكر هو نقل قابل للتبديل في كل عصر مثل ( قمر , قمرية ,قمران) . وذلك راجع إلى طبيعة التفوق والتمايز بين الذكر والأنثى .كل هذا الذي ذكرناه لم يأت على الإنسان في يوم وليلة بل احتاج لما يقارب من 5000 آلاف عام تشكلت من خلاله الثقافة النسوية أو الأنثوية أو الطبيعية من ما يقارب من ( 9000إلى 4000أو 3300 ق.م) أي من الفترة الأولى لبدايات الثورة الزراعية إلى بداية تأسيس النواة الحقيقية للثقافة الشرقية وظهور نظام الملكية الخاصة للدولة. مع ما رافقه من أول انتشار للكتابة الصورية واستعمال الأختام الأسطوانية الشكل في (لوركاء). وان الذي شجع أكثر على احترام وتبجيل المرأة ووضعها في مصاف ألا لهه, هو الطبيعة من حيث كونها في اغلب الاحيان قاسية ومرعبه ومدمره ومهددة لوجود الإنسان , لذلك فهي تأخذ بنفس الوقت الذي به تعطي, لذلك ظهر نوع جديد في آخر قرون هذه الثقافة الزراعية , وهو موضوع بالغ الخطورة أثر وبقيت آثاره في ذاكرة الديانات الشرقية, وهو موضوع (البعث) الذي سوف نأتي على شرحه وكشف أثاره في الديانة المسيحية والربط بين هذا الموضوع وموضوع بعث المخلص وقيامة المسيح.
من هنا نستطيع القول أن عدة مواقع وعدة أماكن ساهمت في تعزيز مفهوم الثقافة الطبيعية مثل مدينة البيضاء في جنوب الأردن , ( وعين الغزال ) في عمان حوالي الألفية الثامنة (8000ق. م) واستمرت بالظهور ما يقرب من ثلاثة آلاف عام بسبب توفر المياه, وبلغت مساحتها أربعة أضعاف مساحة أريحا أي ما يعادل (150)دونم وبلغ عدد سكان عين الغزال أكثر من (2000)نسمة ولربما هم الذين ساهموا عبر هجرتهم إلى وسط عمان في ازدهار الحضارات المتتالية .
وكل تلك المدن حوالي (9000 ق.م) وأريحا حوالي (8000 ق.م) وحضارة ( حسونه) نسبة إلى تل حسونه في جنوب الموصل, وهؤلاء زرعوا ( قمح, شعير, ذره) ودجنوا ( أغنام وخنازير) وانقرضت هذه الحضارة في أواخر الألف الثامن قبل الميلاد, وظهرت حضارة أخرى ( المريبط) حوالي (7700 ق.م) وهي زراعية وبعدها مباشرة ظهرت مدينة (سامراء) حوالي (6000) وانتهت في آخر هذه الألفية ومما يميز هذه الحضارة هو استعمالهم (للطوب) لبناء البيوت, وهناك من يقول أنها قادمة من (إيران ) حيث أنها امتدت من الموصل جنوب بغداد ومن سفوح زاغروس شرقا حتى الفرات غربا, وانتهت حوالي نهاية الألفية السادسة قبل الميلاد .
وبعد أكثر من 1500عام ق .م ظهرت حضارة جديدة في سوريا وهي حضارة (تلل حلف) شمال شرق سوريا, ومن المفلفت للنظر أن الزراعة بدأت تتطور فيها , وتنشط الفلاح , وازدادت أنواع الحبوب وبدءوا يستخدمون ( الرصاص) غير أنها لم تدم لاكثر من خمسمائة عام ( 5000,5500 ق .م) وجاءت بعدها حضارة (العبيد) (4000 ق.م) زرعوا الحبوب وصنعوا الفخار وأنهم أول من نطق بكلمة (فلاح) و(محراث) و( راع) واستعارها منهم السومريون لما ظهروا على خشبة المسرح التاريخية في عام (3500 ق.م) وكل هذه المعطيات أدت في النهاية إلى ظهور مدينة ( لوركاء) إذ أن هؤلاء أول من مارس الكتابة التصويرية الأولى وكانت تتألف من (2000) إشارة , وذلك بهدف تعزيز ( الملكية الفردية ) أو الخاصة لذلك فأننا نستطيع الفصل الآن بين هذه العصور وعصور ما بعد الكتابة(33).
غير أن التغير والتبدل كان لربما بسبب الأمراض المعدية وهجرة الناس المتكررة بسبب الآفات المرضية التي تسلطت الطبيعة بها على الإنسان والحيوان , فظهور حضارة تل حسونه والبيضاء وتلاشيهما وظهور حضارة ( المريبط) وتلاشيها أيضا وظهور حضارة سامراء ومن بعدها (تل حلف) إلى (العبيد) ومن ثم (السومريون) ومن بعدهم (لوركاء) كل هذا يدل على ظاهرة صحية في موضوع نشأة المدن والحضارات ذلك أن هذا التنقل يدل أولا على محاولة الإنسان الشرقي فهم الطبيعة وملاحقة الأرض الخصبة ومقاومة الجفاف , وكل ذلك يظهر من خلال المواقع الأثرية التي سكنها الإنسان الشرقي القديم , وللأسف فأنه لا توجد أي علاقة تدل على استعمالهم للكتابة التصويرية لذا فقد اختفت معهم آدابهم إن كان لهم (آداب ) وأصبحت معرفتنا بهم قليلة أما أسماء تلك المدن المشار أليها فأنها أسماء حديثة أطلقت عليها كلا حسب موقعها الذي أكتشفت به.
ولطبيعة المناخ المعادي , الذي تحول من 10000 آلاف قبل الميلاد من مناخ حليف إلى مناخ معادي وذلك في نهاية العصر الجليدي الرابع_ لهذا السبب صار الإنسان من هنا وهناك باحث “مستقصيا” عن المناخان المناسبة لتربية وتدجين الحيوانات والحبوب الزراعية وايضا”لملاحقة الطرائد”.
وان التنقل من منطقة لمنطقة ليس دليلا على عدة ( حضارات) فمن الممكن أن سكان البيضاء في جنوب الأردن _ وأريحا هم نفسهم الذين سكنوا باقي المواقع في الحوض المتوسطي وتنقلوا من هنا وهناك بحثا” عن مواقع الخصب كما كان يحدث بعد الميلاد بوقت ليس بالبعيد عنا من حيث ملاحظتنا للسكان وهجرات القبائل من الجنوب إلى الشمال بحثا” عن (الطرائد) ومواقع الخصب , أو تكون الهجرة بسبب الكوارث الطبيعية .
وأنه من الملاحظ أن فترة جمع القوت استمرت 990ألف سنة دون 4% من مجموع سكان الأرض حتى العصر الحديث كانوا صناعيين وان ما نسبته 6% عاشوا في مجتمعات زراعية و90% جامعي ثمار(34) وصيادين بالرغم من وجود ما نسبته 6% فقط زراعيين فان هؤلاء رغم قلة نسبتهم فان ثقافتهم استمرت في السيطرة أكثر من طبقة الصناعيين , وما زالت آثار هذه الطبقة مسيطرة حتى اليوم على ما نسبته أكثر من نصف عدد سكان العالم من حيث أعياد الخصب وقيامة الإله زد على ذلك أن الأعياد المسيحية هي من آثار الديانة الزراعية التي ولدت في الشرق وعاشت وترعرعت وعانت في الغرب ….. الخ .
وان ما نسبته 90% من جامعي الثمار والصيادين على ولدوا وأنتجوا ( الإنسان المحارب) وهو الذي طور مفهوم السيطرة على الطبيعة الأم وهو الذي عمل توسيع المدن إلى دول وإمبراطوريات .وان الثلاثة أنواع هذه هي التي ساهمت في تحديد مكانه كل من المرأة والرجل في الشرق الأوسط كافة والعالم بأسره.
ولان غالبية سكان العالم هم من الصيادين فأنهم سيطروا سيطرة حربية على مراكز قوى الطبيعة , كونهم فرقة معدومة الثقافة إلا ثقافة الصيد ومعدومة الاستقرار , وبعبارة أوضح نريد أن نقول أن عصر ما بعد الكتابة سيطر به على الإنسان ( مجتمع الذكور) دون مجتمع الإناث ذلك أن طبقة الصيادين هم من الرجال, ومن الملاحظ أن أول ملك في التاريخ الشرقي هو ( نرام سين) حفيد القائد العسكري ( سرجون الا كدي) حوالي (2340-2180 ق.م) إذ أنهم بدءوا أول تحول من الهيكل إلى الملوك , وكان شعار نرام سين في إحدى الرسومات قرنين من قرون الثور يظهران فوق رأسه وهو ما عرف بعد بأسم ( تاج الملك) الذي تحول من القرن إلى طوق مصنوع من الذهب ما زالت “سائدة” آثاره الى اليوم.
ويظهر الملك ( نرام سين) بقرني الثور كتعبير عن القوة والخصوبة وتظهر ( نجمة عشتار) فوق رأسه تعبيرا عن حسن الطالع كما يقول مؤلف كتاب ( بنو الإنسان) بينما نحن نراه غير ذلك وهو : محاولة اشتراكه مع عشتار في إدارة شؤون الحياة , ويراها الجدل التاريخي على أنها عشتار كما نراها (نحن) , وفي هذه الفترة من ما يقارب من (3300 ق.م ) إلى بداية العهد الملكي منذ بداية استخدام الذهب وهو المسئول عن تحديد سعر صرف الأوقية الواحدة من الذهب, وبالتالي فان الشرقيين أول من فتح المصارف ونظام القروض الربوية , وبدأ الإنسان منذ ذلك العصر في الشرق الأدنى يبيع (قوة عمله) للحصول على (قوة غذاءه), وبدأ عهدا جديدا من حياته قائما ” على الكسب المشروع وكان رجال ( الهيكل) هم المشرفون على نظام القروض حيث انهم حددوا سعر الفائدة بـ(33% سنويا) وهي فائدة كبيرة إذا ما قيست بسعر الفائدة في العصر الحديث, وهذا السعر للفائدة إذا كانت القروض غلات زراعية مثل ( القمح, الشعير) وهذا يفسر لنا سر استعمال (المكيال بمكيالين) الذي ما زال مثلا ” يضرب به في حالة عدم وجود عدالة منصفه, حيث أن الأمر راجع في الأصل إلى نظام قروض الغلاة الزراعية , حيث كان الدائن يكيل بمكيال وفي حالة اشتداد الدين يكيل بمكيال أوسع وأكبر.
وأما إذا كانت القروض (مالا) فأن الفائدة محددة(35) بـ 2% وكانت سعر الفائدة يهبط وينزل حسب سعر الذهب حيث بلغ سعر الأوقية الواحدة من الذهب , تسع اوقيات من ( الفضة )وكان الهيكل هو (المصرف ) ورجل الدين في الهيكل هو ( الصيرفي العصري) وأن سيد الهيكل هو صاحب المصرف, وكان في بعض الاحيان يشرف صيرفي على سعر الفائدة , وذلك بهدف حماية ( المدين) من قسوة المرابي, ومن اللافت للنظر أن هذه التقسيمات في الهيكل والقروض الربوية تفسر لنا سبب اهتمام اليهود بالذهب والصيرفه وسعر الفائدة في الهياكل الدينية أيام المسيح , وكونهم شرقيون قدموا من بلاد الرافدين عبر هجرات متتالية من أرض (أرو) فانهم نقلوا هذه المبادلات التجارية ,وازداد نشاطهم بها أيام استعمار (الهكسوس) لأرض النيل المصرية , ومن ثم نقلوا هذه العلوم إلى كافة أصقاع الأرض , وهذا يفسر لنا أيضا سبب تعامل اليهود مع الربى والمصارف الربوية , حتى أن اليهود هم أول من اخترع نظام ( تحرير راس المال من عبء القيود الداخلية) وذلك أنهم في كل سبع سنوات كان اليهود يسامح بعضهم بعضا من سعر الفائدة ويحرون ( عبيدهم) إذا كانوا من اليهود ,وذلك بهدف إطلاق الحرية من جديد للحركة التجارية والمالية , إذ أن اليهود تنبهوا إلى عواقب وخطورة إغراق كافة فآت المجتمع من الطبقات العاملة بالمشاريع الربوية إذا استمرت هذه المشاريع وأدت إلى (شل ) ( حركة الإنتاج ) .
لهذا فان الذل والعبودية بدأ نتيجة كل هذه الأسباب وكان المدين يأخذ إلى الهيكل بموجب قرار ديني إذا عجز عن تسديد ديونه ليعمل في الأراضي الإقطاعية , التابعة للهيكل ومن أجل الذهب والمال شنت الحملات العسكرية وبدأ تأسيس أول جيش نظامي في التاريخ من طبقة (الصيادين) على اعتبار أنهم الأكثر والأشد مهارة في الصيد, إذ تحول الصياد من صياد الحيوان إلى صياد أخيه الإنسان وابتلاع أرضه بالقوة وضمها إلى أراض الهياكل الدينية وبعدها مع بداية تدجين الحصان وإنتشار اسلوب الحياة الرعوية , بدأ تأسيس الجيوش من طبقة الرعاة والبدو وذلك لخشونتهم وعدوانيتهم ومنذ تلك اللحظة بدأ النظام الأموي أيام الإحساس بالتبعية للطبيعة بالانحدار تدريجيا” إلى يومنا هذا, وان المراحل التي تلت ذلك باتت حنينا” وحلما مستحيلا بالعودة إليه, فمنذ أن انسحب النهر الجليدي وانتهى العصر الجليدي الرابع والإنسان ما زال يشعر بخسارة مشروعه الدائم وهو ( الفردوس) الذي كان يأكل ويشرب منه دونما تعب, ومنذ أن بدأ الإنسان بالزراعة أصبح يشعر بالتبعية الزائدة للأرض الأم , وللطبيعة معا من حيث إشراك الأم الأنثى مع وظائف الطبيعة , وبقيت وما زالت لهذه الفترة آثار موغلة في القدم وحتى أن أول مؤرخ شرقي كان قد أخبرنا عنه (فيلو الجبلي) (حوالي 100 ب.م) هو المؤرخ( سكن يتن)(36) أو (سانخونياتن) ولفظ اسمه هنا متعدد الأصوات حسب تقارب مخارج الحروف , وعاش هذا الكاتب المؤرخ حوالي (300 ق. م) إذ قال وتنبه إلى ظاهرة الطبيعة وأثرها في الإنسان الشرقي إذ قال :- (أن الإنسان الشرقي ولا ينظر إلى الطبيعة على أنها متميزة عنه, بل على أنها تشاركه خصائصه )(37) (38) ويبدو أن استنتاج (سانكن يتن) ناتج من خلال دراسته وقراءته للأساطير الرافدية والكنعانية وخصوصا قراءة أكبر ملحمتين أدبيتين وهما (ملحمة جلجا مش )و(عندما في الأعالي) أو اسمها الحقيقي (اينوما ايليش), غير أن (سانخونياتن ) لم ينتبه إلى أن الإنسان الشرقي قد تعدى هذه المرحلة بعد محاولاته الطويله في السيطرة على مصادر الطبيعة ودخول عصر الاقتصاد النقدي , الذي فرض على المرأة والرجل معا قيما جديدة, وهذا بدأ تاريخيا ” منذ نشأة مدينة بابل , وحول هذه الظاهرة حب السيطرة على الطبيعة يقول مؤلف كتاب , ( كيف يحيى الإنسان)(39) معلقا بذلك على قصة ( الفردوس المفقود) يقول: ( أحيانا يتمثل الإنسان حب الانسجام مع الطبيعة واحيانا حب السيطرة عليها والاستفادة منها….) وتعليق الكاتب ما هو الا مراحل حقيقية واقتصادية مر بها الإنسان عبر سنين تطوره الفكري والمادي من مرحلة جمع القوت والصيد وهي (الفردوس) إلى مرحلة إنتاج القوت وهي المرحلة الأكثر انسجاما مع الطبيعة المتمثلة ببداية الزراعة واستئناس الحيوان ,إلى مرحلة بداية السيطرة على الطبيعة التي أصبحت مزعجة جدا من حيث سنين القحط ومواسم الجفاف والفيضان غير المنظم , وهذا العامل الأخير أدى إلى ظهور (دولة بابل ) التي عملت على استحداث أنظمة زراعية من أنظمة زراعية تعتمد على الصدفة , إلى أنظمة الري الصناعي التي امتدت من بغداد إلى سواحل الخليج في الجنوب , حيث تسقط بها الأمطار في نهاية الخريف وفي الشتاء , بسبب انتهاء العصر الجليدي الرابع, الذي أحدث هو الأخر كل هذه التغيرات.
والمهم في كل هذه التغيرات هو أنها تحكمت بشكل العائلة وشكل الإنتاج الذي عن طريقة تحددت علاقة الذكر بالأنثى وعلاقة الأنثى بالذكر وهذه المرحلة الأخيرة ما زالت قائمة حتى اليوم وهي المرحلة التي سيطر بها الذكر الصياد على قوى الطبيعة وتحول من منتمى للطبيعة الأم إلى مثقف ومسيطر ومتميز عن الطبيعة وذلك بسبب خبرته التي وظفها للسيطرة على مصادر الطبيعة . وهذا يظهر من خلال الحركات الأخيرة التي أحدثت انقلاباَ نوعياَ في حياة الإنسان الشرقي حيث دخل ولأول مرة في التاريخ , الثقافة من أوسع أبوابها , وبدأ تدوين أولى انتصاراته على الطبيعة.
من هنا نستطيع القول أن المرحلة الأولى من حياة الشرقي هي جمع القوت المعروفة باسم الفردوس الدائم ومن ثم إنتاج القوت والمعروفة باسم الثورة الزراعية الأولى حيث كان يشعر الإنسان بها إلى منتمى إلى الطبيعة وليس متميزاَ عنها والمرحلة الأخيرة وهي مرحلة دخول عصر اقتصاد يشبة اقتصاد السوق يعتمد على حجم المبادلات والمقايضة , واعتماد الفضة والذهب لتغطية باقي السلع , وتأسيس أول جيش في التاريخ شبه نظامي في كل من بلاد الرافدين ونهر النيل في مصر أبان عهد ( رعمسيس الثاني 1314 ق. م ) وهذا الجيش هو الذي استطاع تسخير ما يقرب من مائة ألف عامل واكثر لبناء هرم واحد يبلغ طوله 150 م ووزن كل حجر من أحجاره 2,5 طن وعدد أحجار هرم (خوفو) مليون وثلاثمائة ألف حجر وأستمر بنائه ما يقرب من عشرين عام .
وقام بمقابل ذلك سرجون الاكدي الأول مؤسس الدولة الأكدية( 2039-2181ق. م ) ببناء السدود والسيطرة الفعلية على الفيضان غير المنظم وحملت دولته لوائح جديدة ثقافية منظمة تهدف إلى السيطرة وفي عام (1800ق . م) ظهر المشرع الأول في التاريخ وهو حمورابي ووحد دولة كل من ( ايسن ولارسن)(40) وجعل ( بابل_ الحله) عاصمة لها وأعترف بأخطر قرار ديني وسياسي وهو الاعتراف بالإله (مردوك) ألهاَ رسمياَ للمدينة. وحكم بابل ما يقارب من 43 سنة عمم خلالها قوانين نظامية تهدف إلى ترويض الإنسان عليها بعد أن كان يعيش آلاف السنين دون ضوابط تحكمه, ولأن الذكر هو الغالب والمنتصر فقد اجبر المرأة الأنثى التي عاشت آلاف السنين على قبول وصاياه وانتصاره كما انتصر إلهه مرودك الأب على الآلهة ( تعامه الأم ) وهذا هو نتيجة أول انتصار تاريخي على الطبيعة ولا يمكن العودة عن هذا الانتصار , لذلك ولهذا السبب تقول إحدى خبيرات علم الأناسه ( أن النساء معرفات بالطبيعة أو مرتبطات بها بشكل رمزي , إذا ما قورن بالرجال المعرفين بالثقافة على أساس تفوق الثقافة على الطبيعة وليس تميزها عنها , أما هذا الشعور بالتميز والتفوق فيعود بشكل رئيسي إلى قدرة الثقافة على تغيير الطبيعة وذلك بتهيئتها اجتماعيا ثم تثقيفها )(41).
وهذا التعريف لا يكون خاصا بالمرأة الشرقية لوحدها أو الغربية أو انه ميزه تميز امرأة عن امرأة ولكنة يعمم على كل منتمى إلى الطبيعة وكل متميز عنها , لذلك صدقوا الشعراء حين قالوا (إن من لم يعشق امرأة لا يمكن أن يعشق أرض ) وهذا هو سر المرأة والطبيعة , الأولى تعشق والثانية تعشق .ورافق حكم حمورابي (1792-1750ق .م) تدوين وانتشار آداب جديدة تعم مفهوم محاولة سيطرته على المناطق المجاورة( للحلة –بابل) حيث قضى مدة حكمه وهو يحاربها ويحاول إخضاعها لأكثر من ثلاثين عام من أصل أربعين عاماَ من مدة حكمه . وأكثر هذه الآداب انتشاراَ هي (ألا ينوما ايليش- عندما في الأعالي)(42) صورة حمورابي
ولا بد أن انتصار الإله (مردوك ) على الآلهة ( تعامه) لا بد أن هذا تجسيد لانتصار حمورابي (1792ق .م –1750ق.م) على آله المدن المجاورة لها(43) وإخضاعها للثقافة الجديدة ثقافة الطبقات الاجتماعية وثقافة ( الأدنون والأعلون) .
ولسبب أن الإنتاج الزراعي أستمر بنفس الطريقة التي بدأ بها منذ الثورة الزراعية الأولى في التاريخ حتى قبل مائة عام أو مائتين عام من كتابة هذا البحث , ولان هذا السبب ما زال ساري المفعول , فأن اخطر ملحمتين تارخيتين وهما (ألاينوما ايليش) و(جلجامش) ما زالتا حتى قبل مائة عام يرويان عند الفلاحين مع تغير بسيط في الأسماء و(جلجامش) هو نفسه ( حسن الشاطر) و(علي الزئبق) و( عشتار )الآلهة هي نفسها (ليلى) في قصة ليلى والذئب التي سنرويهن بعد قليل و(الذئب ) هو كناية عن خيانة الذكر للطبيعة الأم والمرأة الأنثى , ألا تلاحظون أن الطريقة الأولى التي حرث بها الفلاح الأول أرضه ما زالت حتى اليوم سارية المفعول عند أغلب فآت المجتمع , وأن وصل الإنسان مستوى (الشبع). وهذا نادر جداَ فإنه لم يصل إلى مستوى فائض الإنتاج ، الا قبل مائة عام من كتابة هذا البحث , وهذا الفائض ليس من الجائز أن تعتبره متوفر لكل الشعوب لذلك ما زال الإنسان ينتج غذائه بطرق بدائية , وأكثر الدول لم تصل لأكثر من مستوى الكفاف(44) وهذا كله ساعد على بقاء الآداب الزراعية وعلى ثبات العادات الاجتماعية بسبب عدم تغير طريقة الإنتاج وأن التخلف الفكري والاجتماعي سببه بقاء بعض الناس على نمط إنتاج تقليدي دون الالتحاق بأنماط الإنتاج الحديثة.