تشرشل وقرار النجاة التاريخي

محمّد النغيمش: كاتب كويتي

(نزكي لكم: أخلاق السادة واخلاق العبيد عائلة الأسد مثالاً )

تعرض دور السينما حالياً فيلماً يصور أحلك الساعات في حياة البريطانيين حينما كانت جيوش الديكتاتور النازي هتلر على مقربة من الحدود البريطانية عام 1940 بعد اجتياح جيشه الجرار مساحات شاسعة من أوروبا إبان الحرب العالمية الثانية.
وكان أمام رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل قرار تاريخي صوره فيلم «أحلك الساعات» وهي إما أن يصغي لرأي وزير الحرب وزميله بالاستسلام أو بالأحرى قبول الدخول في شروط سلام عبر الوسيط الإيطالي موسيليني (المنحاز لألمانيا)، أو المواجهة. وبعد ضغوطات هائلة صورها الفيلم ببراعة، وقرأناها في كتب التاريخ، قرر تشرشل ألا يصغي لوزرائه الذين احتدم النقاش الصاخب معهم، فقرر بعد تلك المواجهة الضارية النزول إلى الشارع لينصت إلى آراء الناس. ولم يكن آنذاك وسائل تواصل اجتماعي أو تلفزيونات يمكن عبرها جس نبض الناس. فتفاجأ بإجماع من التقاهم في محطة مترو الأنفاق، من جميع الأعمار، بأنهم آثروا وبصوت جماعي واحد مواجهة هتلر على الإذعان لأي شروط استسلام أو سلام. فانطلق إلى البرلمان ليقدم «خطبته العصماء» ذُهل بعدها بالتأييد الحاسم لرئيس الحكومة في قرار مواجهة النازيين. وهنا جاءت كلمته الشهيرة «سنقاتلهم في الجو وفي البر وفي البحر، من قرية لقرية ومن دار إلى دار». وبالفعل تحقق النصر وأسدل الستار على الحرب العالمية الثانية في القصة المعروفة.
لا تكاد تخلو المكتبات هنا في بريطانيا بين فينة وأخرى من صدور كتب تصور تلك الحادثة التي تجسد أخطر عدوان في العصر الحديث كان يمكن أن يبيد هذه الأمة. ولولا رباطة جأش ذلك القائد الذي رجح كفة شعبه، ولم يقبل الخضوع لرأي قلة، لربما أصبحت لندن مثلما صورتها الرواية الأديب لن ديتون الشهيرة «SS – GB» التي تخيلت كيف سيكون حال الإنجليز لو أن هتلر قد نجح بالفعل في هزيمتهم ورفرف علمه النازي على قصر باكنغهام.
هنا نتساءل، أيضاً، ماذا سيكون عليه حال الأمم لو أن قادتها أصغوا بتدبر وصدق وتواضع لشعوبهم قبل أن يقدموا على قرارات جوهرية تحدد مصيرهم.. ماذا سيكون حال البلاد التي نكل بها المغولي جانكيز خان لو أنه سأل العقلاء قبل غزواته الطاحنة، وستالين قبل حملات التطهير الجماعي؟ ماذا سيكون حال عراقنا اليوم لو أن صدام حسين قد أصغى إلى رأي شعبه قبل أن يسحق حلبجة الكردية بالسلاح الكيماوي، وقبل أن يقدم على غزو الكويت، حيث اعترف جنوده بأن باصات عدة كانت مظللة بلون قاتم لأن منهم لم يكن يعرف أنه يذهب لغزو وتدمير جارته الصغيرة، التي آزرت بلاده في أحلك الظروف.
القرارات المصيرية لا يستوعب فداحتها إلا من يتأملها في لحظات الصفاء بعيداً عن فورة العاطفة ونوبات الغضب. وهذا ما استوعبه الأميركي الذي ألقى القنبلة الذرية على هيروشيما اليابانية لينهي الحرب، حينما قال لقناة روسيا اليوم: طلب منا آنذاك النوم باكراً لأن موعد التحليق الساعة 2.45 فجراً. لكنه تساءل: «كيف يمكن أن ينام الإنسان قبل إسقاط أول قنبلة نووية؟» ولمح إلى أسفه على فعلته.
البشر مهما بلغوا من عبقرية، يحتاجون إلى مشورة راشدة. وبلغة الإحصاء حينما تستشير شخصاً واحداً يختلف الأمر عن استشارة آلاف أو مئات من الراشدين. من هناك جاء مبدأ إداري مهم في الرقابة نمارسه في مجالس الإدارة وهي لائحة الصلاحيات المالية والإدارية. فليس الساسة وحدهم من يخطئون بل حتى المدير العام الضليع في عمله يمكن أن يرتكب خطأ فادحاً يتكبد تداعياته المساهمون لأنه لم يأخذ قرار الجمعية العامة أو مجلس الإدارة. وينسحب المبدأ نفسه على كل المؤسسات التي تقيد القرارات المصيرية باشتراطات تكفل رجاحتها والتقليل من حجم مخاطرها.
الشرق الاوسط

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.