د. ميسون البياتي
ولد خورخي فرانسيسكو إيسيدورو لويس بورخيس عام 1890 وتوفي عام 1986 وهو كاتب قصه قصيره أرجنتيني وكاتب مقال , وشاعر ومترجم يعتبر واحداً من أبرز الشخصيات الأدبيه في الأدب الإسباني . من أشهر أعماله المجموعتين القصصيتين ( روايات ) و ( أليف ) اللتين نشرتا في أربعينات القرن الماضي وتمثلان كليهما ( شخصيات غير واقعيه في كل الأدب ) تتحرك خلال واقع من الأحلام والمتاهات والمكتبات والمرايا والكتب الخياليه والفلسفه والدين , أهلت نقّاد الأدب وصف بورخيس على أنه كاتب ضخم من امريكا اللاتينيه
ساهمت أعمال بورخيس في تأسيس الأدب الفلسفي وأدب الخيال . يقول الناقد أنخيل فلوريس بأن بورخيس كان أول من إستخدم أسلوب ( الواقعيه السحريه ) كرد فعل ضد الواقعية السائده وأدب المذهب الطبيعي في القرن التاسع عشر , معتبراً فلوريس أن بداية هذه المرحله تبدأ عندما أصدر بورخيس عمله ( التاريخ العالمي للعار ) لكن بعض النقّاد الآخرين يعدون كتابات بورخيس ( سلفاً ) للواقعيه السحريه التي إستلهمها وأبدع بها كتّاب أنتجوا إبداعاتهم بعد بورخيس ويستشهدون على ذلك بقصائد بورخيس المتأخره التي كانت محاورات مع فلاسفه مثل سبينوزا , كامويس و فيرجيل
عام 1914 وكان بورخيس في 24 من العمر رحلت عائلته من الأرجنتين الى سويسرا ولهذا تمكن من الدراسه في كلية جنيف . ثم تنقلت عائلته في أرجاء أوربا وإستقرت فترة في إسبانيا ولم يعودوا الى الأرجنتين إلا عام 1921 , عندها بدأ بورخيس بنشر قصائده في المجله السورياليه التي تصدرها فكتوريا اوكامبو وعنوانها ( سور ) . كما قام في نفس الوقت بالعمل في إحدى المكتبات وداوم على إلقاء المحاضرات
عام 1955 صدر قرار بتعيينه مديراً للمكتبة العامه الوطنيه في الأرجنتين وأستاذاً للأدب الإنكليزي في جامعة بوينس آيرس . خلال هذه الفتره أصبح أعمى تماماً وكان عمره 65 عام ولم يكن متزوجاً لذلك إعتنت به أمه حيث عملت معه ك ( سكرتير شخصي ) كانت تقرأ له وتكتب إضافة الى عنايتها بإقامته ومتطلباته الأخرى , حين بلغت الأم 90 عاما ً من عمرها وأحست أنها على وشك الموت أقنعت إبنها بورخيس بالزواج من إحدى صديقاتها التي كانت قد ترملت حديثاً , غير أن هذا الزواج لم يستمر لأكثر من 3 سنوات وبعدها وقع الطلاق وبقي بورخيس الى نهاية حياته تحت عناية وإشراف مدبرة منزله التي عملت لديهم منذ عقود طويلة من الزمن
يزعم بورخيس أنه لم يمارس الجنس مطلقاً طيلة حياته , قصته ( طائفة الفينيكس ) تتحدث عن كل أشكال العلاقات الجنسية بين البشر . راوي القصه هو من يحدثنا عن ذلك وهو بالطبع يشير لنا الى بورخيس نفسه حيث تكاد تكون المرأه غائبة حتى عن خيالاته في قصصه رغم أنه كتب فيما بعد عن ( الحب الرومانسي ) حيث تظهر النساء في قصصه القصيره مثل كائنات تمنح المحبة دون توقع شعور متبادل مقابل ( حب يشبه حب الأمهات أو الأخوات ) بينما الرجال تربطهم الى بعضهم ( علاقات أخويه ) تستبعد أية شبهة بعلاقات مثليه
في عام 1961 حصل بورخيس على الاهتمام الدولي بعدما فاز بأول جائزة فورمينتور ( جائزة دوليه ) مناصفة مع صمويل بيكيت , وفي العام 1971 حصل على ( جائزة القدس ) وأعماله تمت ترجمتها ونشرها في العديد من لغات العالم , وكان هو نفسه يتكلم عدة لغات ولهذا تمت اغلب الترجمات تحت إشرافه
مصطلح فلسفي يدعى ( لغز بورخيس ) تم تعريفه على أنه سؤال أنتولوجي ( هل الكاتب هو الذي يكتب القصه أم أن القصه هي التي تكتبه ) وكان بورخيس قد وضع هذا التساؤل بعد قراءته أعمال كافكا وبعض الكتّاب الآخرين حيث كتب : اذا لم أكن مخطئاً فنصوص كافكا تشبهه لكنها لا تشبه بعضها , الحقيقه الثانيه وهي الأكثر أهميه : لو أن كافكا لم يكتب سطراً فهل كنا سنعرف قيمة تفكيره ؟ بعبارة اخرى فإن كافكا لو لم يكتب فكأن لم يكن له وجود , والحقيقه أن كل كاتب له إيحاءات تعدّل مفهومنا للماضي مثلما تعدّل مفهومنا للمستقبل
لم يحصل بورخيس على جائزة نوبل في الأدب مع أنه يستحق هذه الجائزه , قيل لأنه مدح الرئيس التشيلي ( بينوشيه ) الذي أسقط حكم سلفادور ألنيدي . طيب وما هي علاقة ملك السويد وجائزته الأدبيه بكل ذلك ؟
الحقيقه خلال القرنين 18 و 19 شهدت السويد زيادة سكانية كبيرة وكانت بلداً زراعياً فقيراً , لهذا بدأت هجرة سكانها الى الولايات المتحدة الأمريكية بأعداد غفيرة زادت على نسبة 1% من مجموع السكان سنوياً خلال تسعينات القرن الثامن عشر , ورغم هذه الهجرة العالية النسبة إلا ان السويد بقيت مهددة بالمجاعة لأنها تعتمد على الزراعة فقط في حين بدأت جاراتها من الدول الإعتماد على التصنيع إضافة للزراعة . يقال أنه حتى العام 1910 كان أكثر من مليون سويدي قد هاجروا الى الولايات المتحدة الأمريكية , وعن طريق هذه الجالية السويدية .. تمكن الأمريكان إدخال نفوذهم الى السويد شيئأً فشيئاً
يتجلى النفوذ الأمريكي واضحاً في السويد خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية , ففي حين أعلنت السويد حيادها في الحرب , والحياد كلمة مطاطة قابلة لكل الإحتمالات , لذلك كانت السويد تتبع نفس سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في تغذية الحربين . الأمريكان أقرضوا الألمان والبريطانيين المال لبناء الغواصات الحربية لقتل بعضهما , وباعوا السلاح والذخيرة والغذاء للطرفين , وكان من مصلحة الأمريكان أن يطول أمد الحرب فتذبح دول أوربا بعضها بعضاً لتضعف جميعها ويصبح من السهل أن ترتهن بلدانها بيد الإدارة الأمريكية
بالمثل فالسويد وبإعتبارها ( محايدة ) قدمت الكثير من التنازلات لألمانيا وزودتها بالكثير من إحتياجاتها وأهم تلك الإحتياجات هو الحديد والصلب اللازم لصناعة السلاح الألماني .. لكنها من ناحية أخرى ساندت المقاومة النرويجية ضد الألمان , ومنحت يهود الدنمارك الملجأ فأنقذتهم من الترحيل على يد الألمان الى معسكرات الإعتقال
رغم إدعاء السويد حياديتها إلا أنها ومنذ بداية ستينات القرن الماضي كانت قد وقّعت إتفاقيات عسكرية سرية مع الولايات المتحدة الأمريكية , سمحت للأمريكان بموجبها ومنذ ذلك الوقت بنشر غواصاتهم النووية قبالة سواحل السويد في بحر الشمال وخليج كاتيغات المطل على بحر البلطيق فإمتلأ بحر البلطيق بالغواصات النووية الأمريكية .. علمأ بأن هذه الإتفاقية العسكرية مع الأمريكان بقيت سرية حتى العام 1994
من الطبيعي أن يرافق كل هذا التعاون العسكري , كم هائل من المساعدات المالية , التي يصاحبها نوع من ( التطبيع ) أو ( التبعية ) الثقافية , لذلك أصبحت جائزة نوبل جائزة أمريكية بإمتياز تمنح الى ( حبايب ) السياسة الأمريكية على أنها جائزة عالمية أوربية ممنوحه من السويد
أما بالنسبه الى قارة أمريكا اللاتينيه فبعد ثورة استقلال الولايات المتحده عن التاج البريطاني سعت الولايات المتحده الأمريكيه الى تثوير القاره اللاتينيه ضد مستعمريها البريطانيين والفرنسببن والإسبان والبرتغاليين من أجل طرد هؤلاء المحتلين ليحل نفوذ الولايات المتحده ( الإستعماري ) محلهم وقد نجحت في ذلك عن طريق عسكري عميل للولايات المتحده لاتيني الجنسيه يدعى ( سيمون بوليفار ) نجح هذا الشخص في تحويل أمريكا اللاتينيه الى مستعمره للولايات المتحده الأمريكيه ( تحت مسمى الإستقلال ) عن طريق تثوير شعوبها ضد الوجود البريطاني والفرنسي والإسباني والبرتغالي , وحتى اليوم نجد معظم قادة أمريكا اللاتينيه بضمنهم فيدل كاسترو من أمريكا الوسطى و هوغو تشافيز مبتدع الأمميه الخامسه ما زالوا يتغنون بكل غباء بأنهم سائرون على طريق سيمون بوليفار
شارك بوليفار في تأسيس أول اتحاد للدول المستقلة في أمريكا اللاتينية ( كولومبيا الكبرى ) والتي كان رئيساً لها من 1819 إلى 1830. ثم قام بالغزو العسكري للإكوادور، وبيرو، وبوليفيا ثم تولى بنفسه رئاسة كل من هذه الدول الجديدة
ما يهمنا في هذا كله أن الولايات المتحده بعد أن سيطرت على مقدرات امريكا اللاتينيه ولكي تمنع أي شكل من أشكال عودة مستعمريها القدماء الى المنطقه , في نفس الوقت لتمنع شعوبها من الراحه والتفكير بالمصير .. كانت قد ملأت أقطار القارة اللاتينيه بالأحزاب الشيوعيه والإشتراكيه و ( الديمقراطيه ) وعن طريق ضرب هذا بذاك تتحقق لها السيادة على القارة اللاتينيه
أبسط أنواع صراعات القاره اللاتينيه هو صراع مثقفيها على جائزة أدبيه .. هذا يحصل عليها بدون إستحقاق .. وذاك يحرم منها مع أنه يستحقها