جلست ولاسلي على أحد المقاعد في الفناء الخارجي لمشفى الأسد الجامعي في دمشق ننتظر السائق كي ينقلنا إلى الفندق بعد عمل يوم مضن.
تناثرت أشعة الشمس في ذلك اليوم الربيعي الجميل لتبعث فينا الدفء الذي افتقدناه بعد مغادرتنا لجنوب كاليفورنيا.
كان الناس يتناثرون في الفناء، بعضهم مرضى وأغلبهم زوار.
كان معظم الوافدين إلى المشفى من الفلاحين الذين يميّزهم زيّهم البدوي عن سكان دمشق الأصليين.
أشارت لاسيلي إلى إحدى النساء البدويات وهي تلتحف بشملتها وسألتني: لماذا ترتدي تلك المرأة زيّا يختلف تماما عن الزي العادي الذي ترتديه معظم النساء السوريّات؟
ـ إنها قادمة من منطقة نائية، تتميّز بزي خاص وهو الزي البدوي الذي يختلف عموما عن لباس السوريين الذين يسكنون المدن والقرى القريبة من تلك المدن.
تقطب لاسيلي حاجبيها وتمعن النظر في بدويّة تتربع على الأرض بجانب زوجها وتنفث دخان سيجارتها، ثم تسألني: هناك ظاهرة لفتت نظري في سوريّا ألا وهي ظاهرة تدخين النساء في الأماكن العامة. ألا تشعر تلك المرأة بأنّ هناك تناقضا بين الزي المحتشم الذي ترتديه وبين قيامها بالتدخين في فناء المشفى؟!!
ـ حتى تاريخ رحيلي من سوريّا لم يكن تدخين المراة في الأماكن العامة، سواء خرجت سافرة أم متحجبة، لم يكن مقبولا من الناحية الإجتماعية. يبدو أن هناك عواملا لعبت دورا في استفحال تلك الظاهرة!
***********
في أمريكا يمنع القانون الناس من التدخين في المرافق العامة. وعندما يصدر قانون، أي قانون، يتحول وبسرعة البرق ليصبح جزءا من التركيبة الأخلاقية للمواطن الأمريكي.
يلتزم الأمريكي بالقانون إلى الحدّ الذي لايميّز عنده بين الأخلاق والقانون. عندما يتجاوز أي مواطن القانون يُنظر اليه من قبل الآخرين على أنّه أخلّ، ليس فقط بالقانون، بل وبالأخلاق أيضا. قد يكون هذا هو السبب وراء سؤال لاسيلي!
لاسيلي تعتقد بأن الزي المحتشم لتلك البدوية هو التزام منها بعرفها الأخلاقي الذي يفرض عليها الحشمة. وتتوقع لاسيلي من تلك المرأة أن تلتزم بالقانون كما تلتزم بعرفها الأخلاقي. لذلك رأت تناقضا بين زيّها وبين تدخينها في مكان أقدس من أن يُسمح فيه بالتدخين!
شعرت لاسيلي بأنّ تلك البدوية تحاول أن تلتزم بأخلاقها من ناحية، ومن ناحية أخرى تضرب تلك الأخلاق بعرض الحائط!
***********
أحد أصدقائي وهو طبيب أكّد لي بأن نسبة التدخين في سوريا للناس فوق سن الستة عشر تكاد تبلغ ال100%. لايوجد احصائيات موثوقة تؤكّد هذه النسبة ولكن من خلال مراقبتي للأمر، وإذا اعتبرت “النرجيلة” شكلا من أشكال التدخين، أستطيع أن أقول بأن هذه النسبة قريبة جدا من الواقع الذي لمسته في سوريّة.
التدخين في سوريّة لم يعد مجرد ظاهرة اجتماعية تستحق الوقوف عندها ودراستها، بل غدا وباء يهدّد الصحّة العامة ويحتاج إلى وضع طرق للوقاية والمكافحة والعلاج.
إنّه عملية انتحار جماعي تتمّ بطريقة بطيئة ومثيرة للشفقة!
كيف ينتشر هذا الوباء؟!
أذكر يوم كنّا طلابا في المرحلة الجامعيّة وكان ذلك في أواخر السبيعينيات. كانت تجاورني غرفتي في المدينة الجامعية طالبة تدرس العلوم السياسية والإقتصادية، وكان اسمها على ما أذكر رباح الشيخ أحمد .
كانت رباح تدخن في كافيتريا بيت الطالبات خلافا للآداب الإجتماعيّة السائدة آنذاك. انتشرت إشاعة في الجامعة بأن هناك طالبة تدخن غير عابئة بالسلوك العام في الكافتيريا العامة. وتقاطب الطلاب من كافة الكليّات إلى المدينة الجامعيّة لإلقاء نظرة على رباح. حتى غدت تلك الشابة أشهر من صندوق الفرجة في زمنه.
لم أر في تصرف رباح اليوم سوى تمردا على عادات وتقاليد تظلم أكثر مما ترحم وتسيء أكثر مما تحسن. التدخين عادة سيئة، لم أمارسها يوما ولست من أنصارها ولكنني أصر على أنّ رباح جسّدت بتصرفها موقفا، ولم يكن بالإمكان أفضل ممّا كان!
************
رباح لم تتحدَ المجتمع في أواخر السبيعينات رغبة منها بالإستمتاع بالتدخين، الذي لم يكن يومها مقبولا، بل كان تصرفها محاولة منها لإثبات ذاتها وتحديد هويّتها وتفريغ طاقة شابة لم يسمح لها مجتمعها بأن تفرغها بطريقة أسلم وأكثر فائدة. لم يسمح لها أن تفرغ تلك الطاقة الهائلة لإكتساب مهارات مفيدة تساعدها في بناء ذاتها وتحديد معالم شخصيتها.
تحولت رباح في مجتمعها القمعي مع الأيام إلى ظاهرة. انتشرت تلك العادة كالنار في الهشيم، وصارت خلال ربع قرن من الزمن علامة من علامات البلوغ في مجتمع يقمع التطور النفسي السليم ولا يعترف بالبلوغ إلاّ وفق مقاييسه ومن خلال منظوره.
يبدأ التدخين عادة في سن مبكرة، كمحاولة من المراهق للتمرد على مجتمعه وإثبات بلوغه ووجوده وذاته. وكلّما ازداد قمع المراهق ازداد احتمال لجوئه للتدخين كوسيلة يتمرّد من خلالها محتجّا على قمعه. وإذا علمنا إن أساليب القمع التي تطبّق على النساء، هي الأسوأ والأكثر حدة، نستطيع وبسهولة فهم انتشار تلك الظاهرة بين صفوفهن.
إذا يبدأ التدخين، في أغلب الأحيان، في سنوات المراهقة كمحاولة تمرّد ليتحول، ونظرا لخصائص مادة النيكوتين الموجودة في أوراق التبغ، إلى حالة إدمان ليس من السهل التخلص منها.
**********
الإنسان، كعقل وجسد، طاقة هائلة.
تقتضي طبيعة الكون أن يسمح للطاقة، أيّة طاقة، بأن تصرف وفق قوانين وضعتها تلك الطبيعة. وعند القيام بتضييق الخناق على تلك الطاقة وحبسها وعدم السماح للوعاء الذي يحتويها بتفريغها رويدا رويدا، ستجد تلك الطاقة، مهما طال الزمن، طريقة ما لتفريغ ذاتها. عندما لاتفرغ الطاقة بطريقة طبيعية وسليمة ستُفرّغ بطرق غير طبيعيّة وغير سليمة.
**********
قسّم علماء النفس حياة الإنسان إلى عدّة مراحل، يتطور خلالها الإنسان جسديا ونفسيّا وفكريّا. لكلّ مرحلة سماتها وصفاتها وخصائصها. لايستطيع الإنسان أن ينتقل من مرحلة إلى مرحلة أعلى منها في سلّم تطوره بطريقة صحيّة سليمة، قبل أن يعيش المرحلة التي تسبقها بطريقة صحيّة سليمة.
رغم أهميّة كلّ مرحلة على حدة، أستطيع أن أقول: إنّ أهم مرحلة من مراحل التطور هي مرحلة المراهقة، خصوصا بالنسبة للإنسان العربي.
يقول العالم الفيزيائي البريطاني (استيفن هوكن): كلّما أضفت إلى كتاباتي معادلة جديدة أخسر نصف قرائي!
وبناء على تلك الحقيقة الطريفة، سأتجنّب الخوض أكاديميا في تفصيل تلك المراحل، لكني سأسرد، وبسرعة فائقة، بعض الحقائق عن تلك المرحلة ـ مرحلة المراهقةـ باعتبارها، وكما قلت، الأهم!
يعتبر علماء النفس تلك المرحلة الجسر الذي ينتقل عليه الإنسان عابرا من عالم طفولته إلى عالم بلوغه ورشده. وخلال سيره على هذا الجسر يصبح هدفه وشغله الشاغل البحث عن ذاته وإيجاد هويته الشخصيّة التي تميزه عن سواه في المجتمع الذي ينتمي اليه. يحس أثناء سيره على هذا الجسر منتقلا عبر المرحلتين بأنّه الشخصيّة الأهم
((personal fable
على مسرح الحياة، وبأنّ جمهور البشر بأكمله
(Imaginary Audience)
ينظر إليه مقيّما إياه ومعجبا بشخصه الفريد.
إحساس المراهق بأنّه الشخصيّة الأمثل والأفضل يدفعه إلى الإعتقاد بأن الآخرين لايفهمونه ولا يقدّرون امتيازاته، بل ويشكّلون خطرا على ذاته وهويّته. لذلك يسعى جاهدا إلى اكتساب مهارات تمكّنه من مواجهة ذلك الخطر الذي يفرضه عليه المجتمع المحيط به.
يعتقد علماء النفس بأن لهذه الإحاسيس فوائد جمّة إذا استطاع الأهل والمربون تفهّمها وحسن توجيهها، فهي تساهم في خلق المعالم الأساسية لشخصيّة المراهق المستقبليّة.
*********
التعاليم الإسلاميّة، التي تفرض نفسها كمصدر وحيد للتربية في المجتمع العربي، لاتعترف اطلاقا بتلك المرحلة، بل تنسف ذلك الجسر من أساسه!
الإنسان العربي، وكضحيّة لتلك التعاليم، ينتقل من طفولته إلى بلوغه متى وحسبما تفرض عليه متطلبات الحاجة في عائلته ومجتمعه.
عندما يفتح المراهق فمه مطالبا بحقه: أخرس مازلت صغيرا!
وعندما يقصّر في واجباته: أيها الغبي! لقد أصبحت رجلا!
في ثانية واحدة ترغمه تعاليمه على القفز من ضفّة طفولته إلى ضفّة رجولته دون العبور فوق جسر مراهقته، ولذلك تراه دوما مجرّد حطام متناثر بين تلك الضفّتين!
والأمر أشد سوءا بالنسبة للانثى التي قد تنام طفلة لتستيقظ في الصباح زوجة على سنّة الله ووفقا لشريعته!
قد تنام وهي في السادسة وتستيقظ لترى نفسها أمّا للمؤمنين!
*********
الإنسان العربي لايتجاوز نفسيّا تلك المرحلة، ولا ينتقل عمليّا إلى المرحلة التي تليها (تدعى تلك الحالة المرضيّة:
Psychological Fixation
اي التوقف النفسي)، ويظلّ ضائعا، يبحث عن ذاته ويفتش عن هويته الشخصيّة التي لم يكتب له قدره أن يعيشها أويحسّ بها. يقضي حياته متسائلا في وعيه وحيّز اللاوعي عنده: من أنا؟ من أين أتيت؟ وماذا أريد من الحياة؟
التعاليم الإسلاميّة ركّزت على مسؤوليّة الأبناء أمام الآباء دون أن تركّز على العكس والأكثر أهميّة. جعلت العلاقة بين الأبناء والآباء أحاديّة الجانب. كلّ علاقة أحادية الجانب تصبح مع الأيام علاقة قمعية تتناول مصالح جانب واحد وليس مصلحة الجانبين.
العلاقة التي تقوم على السيطرة وفرض الطاعة علاقة مرضيّة تسيء في النهاية إلى كلا الطرفين.
السيناريو العائلي يحتوي في البداية على الوالدين كطرف بالغ وقادر على تحمّل المسؤوليّة، والولد كطرف قاصر يحتاج إلى بالغ مسؤول عنه. تنعكس الصورة مع تقدم العمر لتضم الولد كطرف قادر على تحمل المسؤولية والوالدين كطرف عاجز ويحتاج إلى أحد مسؤول عنه.
البداية في كلّ سيناريو تصل بنا إلى النهاية. لايمكن أن نحصد قمحا عندما نزرع شعيرا، والعكس صحيح!
لايمكن أن نتوقع بأن يعامل الأبناء آباءهم معاملة تقوم على الود والإحترام والمحبة ما لم يتلقوا في طفولتهم الود والإحترام والمحبة من آبائهم.
هناك مثل أمريكي يقول:
What goes around comes around
. بمعنى: كلّ ماتعطيه يأتي اليك عائدا.
لايوجد ولد عاق، بل يوجد أب عاق، توجد أم عاقة، توجد تربية عاقة!
لايمكن أن يسيء ابن إلى ابيه ـ إلاّ فيما ندرـ إن لم يسيء هذا الأب في البداية إلى ابنه!
علاقة الولد بوالديه تعكس الطريقة التي تربى عليها هذا الولد. إن أُشبِعَ حبّا في طفولته لن يكون في جعبته إلاّ الحب. وإن حرم منه، فاقد الشيء لايعطيه!
الطفل هو حقل استثمارنا كآباء، هو حسابنا المصرفي! مانودعه في هذا المصرف سنجده في شيخوختنا عدّا ونقدا!
الطاعة التي تفرضها التعاليم الإسلامية على الأولاد تجاه آبائهم تقوم على التخويف والترهيب والشعور بالذنب، وليس على رد الجميل.
“حملته أمّه وهنا على وهن”.
هل هذا كلّ مانتوقعه من أمهاتنا؟ أن تحملنا تسعة أشهر ثم تلقي بنا في خضم الحياة دون قارب للنجاة؟
كان قرارها أن تحمله، ويجب أن تكون مسؤوليتها أن تحسن تربيته بعد هذا القرار! ناهيك عن أنّ الحمل عملية فيزلوجية طبيعيّة يفترض أن تستمتع بها الأم لأنها تجسّد انوثتها والقدرة التي خصّتها بها الطبيعة.
لماذا لم يطالب الإسلام بمسؤولية الآباء أولا؟!
كيف تطلب من رجل في الخمسين من عمره أن يدفع لك شيئا لم تعطه إياه في الخامسة من عمره؟!
لايستطيع رجل أن ينشل شيئا من جعبة فارغة!
عندما يُحسنُ الوالدان عملهما في البداية سيحصدان ثمار عملهما في النهاية!
إذا مسؤولية التعاليم التربوية أن تركز على تلك البداية، فالنهاية تحصيل حاصل!
معظم الآيات القرآنية، إن لم يكن كلّها، عندما تطرقت إلى الحديث عن الأولاد جاء الحديث على شكل تحذير: أولادكم فتنة!
وجاءت كتب التفسير لتكحّلها فعمتها!
قالت لنا: المقصود بالفتنة قد يلهيكم أولادكم عن عبادة الله.
أليس الإعتناء بأولادنا أقدس عبادة؟
من هو هذا الإله الذي يخاف أن ’يقصّر الآباء في عبادتهم له من جرّاء اهتمامهم بأطفالهم؟!
يجب أن يكون أطفالنا هم طريقنا إلى الله، وليس الله هو الطريق إلى أطفالنا!
عندما تقدّم الأم لطفلها وجبته في وقتها إنما تخطو خطوة باتجاه الله، لكنها عندما ترفع لله صلواتها متجاهلة طفل يتضوّر جوعا تكون قد أخطأت قبلتها!
*********
تزرع التعاليم الإسلامية، باصرارها على أن الولد ليس سوى فتنة، تزرع الشك لدى الوالد بولده.
لايمكن أن تقوم علاقة سليمة مبنيّة على الشك. فالثقة أهم عامل من عوامل نجاح أيّة علاقة.
قد لايطفو الشكّ، الذي تخلّفه تلك الآية وتفسيراتها، على سطح الوعي عند الوالد. لكنّه حكما يستقر في اللاوعي عنده ويتحكم، خلسة وبطريقة غير مرئية أو ملحوظة، بطبيعة علاقته بولده.
فالفكرة، أيّة فكرة، تغيب مع الزمن من حيز وعينا، وقد ننساها، لتستقر في حيز اللاوعي عندنا. ومن هناك تتحكّم، وبدون وعينا، بسلوكنا وتصرفاتنا.
لذلك علينا أن نعيد تقييم تعالمنا خشية من الأفكار الخاطئة التي تحملها لنا تلك التعاليم والتي استقرت في لاوعينا ولعبت، وما زالت تلعب دورا، في تهميش سلوكنا وبالتالي الإساءة لوضعنا وحياتنا.
*********
” لاتقتلوا أولادكم خشية املاق نحن نرزقهم”
تلك هي الآية الوحيدة التي تبدوـ أقول تبدو ـ منصفة بحق الأولاد!
ولكن هل صحيح بأن الله يرزقهم؟!
إذا كان مرفوضا أن نقتل أولادنا خشية املاق، يبقى السؤال: لماذا ننجبهم ونحن ندرك بأننا لانملك شروى نقير كي نطعمهم؟!
لماذا لايرزق الله الأطفال الذين يموتون جوعا على امتداد العالم الإسلامي من أقصاه إلى أدناه؟!
يعيش معظم أطفال بنغلاديش الدولة المسلمة حالة جوع وفقر مدقع. لم نسمع يوما بأن الله قد أرسل لهم المنّ والسلوى.
ينمو في اراضي بنغلاديش نوع من الأعشاب البريّة على شكل فطور سامة.
يقوم الناس هناك بجمع تلك الاعشاب وطهيها ثم تقديمها كطعام. التأثير السام لتك الأعشاب لايظهر في حينه ولكن مع الأيام ـ أكدت الدراسات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية ـ يؤدي إلى اضطرابات عصبية ونفسية غير قابلة للعلاج.
تحذيرات منظمة الصحة العالمية لم تلق أيّة اذن صاغية لدى المسؤولين في بنغلاديش. إنّها غريزة البقاء التي تدفع هؤلاء الناس إلى أكل هذه الفطور السامة!
اذا كان الله يرزق ـ حسب مفهوم المسلمين للرزق ـ لماذا لايحوّل الله سبحانه تلك الفطور إلى قمح وعنّاب؟!!
هناك مثل أمريكيّ يقول: إنّ الله معك بقدر ماتكون مع نفسك!
ألم يكن الله مع الأمريكان عندما استنبط علماؤهم في مخابر كاليفورنيا عشرة آلاف نوع ـ حتّى الآن ـ من الأقماح؟!!
تشير الإحصائيات بأن أكثر من 85% من الشعب البنغلاديشي غارقون يوميا في طقوسهم الدينية حتّى الثمالة، وتقول تلك الإحصائيات بأن المواطن البنغلاديشي يقضي على الأقل 5 ساعات يوميّا في ممارسة تلك الطقوس!
هناك مثل فارسي يقول: أن تفكّر نصف ساعة خير لك من أن تصلي نصف قرن.
وأنا أقول: أن تقضي نصف ساعة مع ولدك خير لك من أن تصلي الدهر كلّه!
**********
يصرّ الطبيب الأمريكي المختص والباحث في علم النفس والسلوك سكود بيك في كتابه
Road Less Traveled
على أن أفضل مايمكن أن يقدمه الأب إلى ابنه، في محاولة لإخراج انسان صالح منه، هو أن يغرقه بحبّه.
ويتابع بأن أفضل وسيلة لإظهار هذا الحبّ هو أن يخصص وقتا كي يقضيه معه. لايستطيع الوالدان أن يتعرفا على مشاعر أولادهما وحاجاتهم إلاّ بمراقبتهم عن كثب خلال الوقت الذي يقضيانه معهم دون أيّ عمل آخر!
منذ اللحظة الأولى للحياة وحتى عمر ستة أشهر، يشعر الطفل بأنّه جزء من أمّه. لا يستطيع أن يميّز بين نفسه ككيان وبينها ككيان منفصل.
بعد الستة أشهر يصبح الطفل تدريجيّا قادرا على أن يميّز بينه وبين أمّه ككيانين منفصلين. قدرة الطفل على التمييز بينه وبين أمّه تتدفعه إلى الإحساس بعدم الأمان وينتابه شعور بالقلق كلّما ابتعدت عنه. يطلقون على هذا الشعور في الإصطلاح الطبّي
Anxiety Separation
أي قلق الإنفصال.
يدرك الطفل منذ تلك اللحظة وحتى آخر سنوات مراهقته، مدفوعا بغرائز البقاء، بأنه مخلوق قاصر، وبأنّ استمرار حياته يتوقف على والديه كبالغين وقادرين!
ولذلك يشعر بالقلق كلّما ابتعد عنهما، أو كلّما انتابه احساس باحتمال رفض أو عجز الوالدين عن القيام بهذا الدور.
عند تلك النقطة من عمر الطفل وحتى آخر سنوات مراهقته، تقع على عاتق الوالدين مسؤوليّة جديدة ستترك كيفيّة القيام بها أثرا ـ سلبا أو ايجابا ـ علىكلّ حياته.
تتطلّب تلك المسؤوليّة من الوالدين أن يطمئنا الولد على أنه بأيد أمينة تحيط به وتحميه دائما وأبدا. لاشيء يقوم به الوالدان يستطيع أن يزرع الطمأنينة في قلب الطفل أكثر من أن يخصّاه بالكثير من وقتهما.
عندما يحظى الولد بوقت والده يشعر بقيمته ويحسّ بالأمان، وعندما يدرك بأنّ والده يقدّر تلك القيمة يتعاظم شعوره بالأمان.
الحرمان العاطفي أسوأ وأكبر ضررا من الحرمان المادي بكثير! وتلافي ذلك الحرمان أسهل بكثير، لو أدرك الوالدان تلك الحقيقة، من تلافي الحرمان المادي.
ليس شرطا كي تُشعِر ابنك بالأمان أن تكون قادرا على تأمين كلّ متطلباته المادية. لو أنّك تعيش في كوخ وكنت أفقر من على سطح الأرض، لن يمنعك وضعك من أن تمسك ابنك بيده وتتمشى معه بعض الوقت كي تتحدّثا عن العصافير وكيف تبني أعشاشها، على سبيل المثال لا الحصر!
سيقول الولد القاصر محدّثا نفسه: أبي يضحّي بوقته من أجلي لأنني ذو قيمة، وطالما أنا مخلوق ذو قيمة سيستمر أبي في دعمي. دعم أبي لي سيحميني وسيضمن لي سلامتي واستمرار حياتي.
الإنسان الذي يعيش طفولته وهو يشعر بالأمان سيخرج إلى الحياة انسانا واثقا من نفسه ولديه القدرة على أن يثق بالآخرين. أما الإنسان الذي يفقد ثقته بوالديه ويعيش طفولته خائفا على سلامته واستمراريته سيخرج إلى الحياة انسانا جبانا لايثق بنفسه، ناهيك عن الآخرين!
*********
كان السيّد تشارلز آدم، سفير الولايات المتّحدة الأمريكيّة لدى بريطانيا أثناء ولاية ابراهام لينكولن، يواظب على كتابة مذكّراته بانتظام، ويشّجع طفله برووكس على أن يفعل ذلك.
عندما كان برووكس في الثامنة من عمره كتب في إحدى يوميّاته العبارة التالية: ذهبت اليوم مع أبي إلى الصيد، كان يوما من أجمل أيام حياتي!
على مدى أربعين عاما، ظلّ برووكس يشير في كتاباته إلى الأثر الإيجابي الذي تركه ذلك اليوم على حياته. لكنّ المفارقة المضحكة المبكية، كما يرويها برووكس، كانت عندما عاد إلى مذكّرات والده فوجده قد كتب عن ذلك اليوم يقول: ذهبت اليوم إلى الصيد مع ابني، كان يوما مملاّ للغاية، لقد أضعته ولم أعد منه بسمكة واحدة!
لو استطاع السيّد آدم يومها أن يرى السمكات في سلّة طفله لما ندم على يومه!
**********
يا أيها الآباء المسلمون: القوا بصلواتكم في سلال أطفالكم، إذ ليس عند الله أيّة سلة!
حان لكم بعد أربعة عشر قرنا من الضياع أن تتساءلوا: من الفتنة؟!!
الولد؟.. الوالد؟.. أم “الله” هو أصل كل فتنة؟!!!!!!!
لاتدعوا ذلك “الله” يلهيكم عن أولادكم، واعتنوا بهم كي تعرفوا من خلالهم حقيقة الله!
*********
ولما كانت بداية حديثي عن التدخين، ثم جرتني الفكرة لفكرة حتى طال بي الحديث، سأختم هذا الموضوع بقصة ذي صلة.
دُعيتُ مرّة إلى ندوة كان موضوعها التدخين وعلاقته بسرطان الرئة. أدار الندوة الكثير من الأطباء المختصين والباحثين في هذا الموضوع.
ختم الندوة رجل مصاب بسرطان الرئة ويصارع الموت في مرحلة متقدمة منه، قال في حشد كبير محذرا: بدأت رحلتي مع التدخين عندما كنت في الثالثة عشر من عمري. كانت رحلة طويلة ومضنية! لاأذكر، مايستحقّ الذكر، سوى أن أول سيجارة دخّنتها كنت قد سرقتها من حقيبة أمي!
*********
أيتها الآمهات السوريّات: نظّفن حقائبكن رحمة بأطفالكن! لقد نضب كلّ شيء في وطننا، والقحط الذي نعيشه هو كل ما وجدناه في حقائب أمهاتنا!