صدر حديثا تقرير عن الأمم المتحدة يقدّر ثروة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح بـستين مليار دولارا، ويشير التقرير إلى أن ذلك المبلغ يساوي خزينة اليمن لمدة عام!
إذا أخذنا بعين الإعتبار أن الرئيس صالح قد حكم اليمن لمدة ثلاثين عاما، وبناءا على المتعارف عليه اسلاميا، نصل إلى قناعة بأن ذلك المبلغ مقبول، بل ومعتدل!
كيف؟
…..
في علم السلوك لكي تشخص حالة سلوكية يجب أن تبحث في سلوك الشخص المعني عما يدعى بالإنكليزي
pattern،
أي “نمط” يتكرر بطريقة متتالية وبنفس المظهر!
مثلا: لا تستطيع أن تصف شخصا بالبخل، إلا إذا درست سلوكه على مدى فترة زمنية طويلة، ووجدت أن له من التصرفات المتكررة مايدعم تلك الصفة، أما حادثة معينة فلا تعطيك الحق أن توصمه بالبخل!
هكذا هو الأمر، عندما يدرس المختص ـ على سبيل المثال ـ سلوك شخص لكي يقدر مدى جاهزيته لممارسة العنف وارتكاب الجريمة، أو ما شابه ذلك!
……
بالنظر إلى التاريخ الإسلامي، وخصوصا الحديث منه، نجد أن ظاهرة الرئيس اليمني تكرر نفسها تقريبا في كل بلد اسلامي، عبر ذلك التاريخ!
من منا لا يذكر ـ على سبيل الفكاهة ـ العبارة التي تقول: قهقه الخليفة وأمر له بألف دينار؟!!!
إذن، الفساد نمط سلوكي، وليس مجرد حالة فردية!
عند محاولة دراسة أسباب ذلك النمط السلوكي نجد أن للفساد في بلادنا جذوره الضاربة في عمق الثقافة الإسلامية، ولم يأتي من فراغ!
الأمر نفسه الذي يدفعنا للإيمان بأن الطاغية ـ كظاهرة متكررة ـ إرث اسلامي بامتياز!
……
في أمريكا، عندما تتعرف على شخص، أول سؤال يخطر بباله وببالك هو:
What are you doing for living،
أي: ماذا تفعل لكي تعيش؟
وهو سؤال تفرزه ثقافة تقدس العمل الدؤوب من أجل الحصول على لقمة نظيفة وشريفة؟
لكن، الأمر يختلف كليّا في المجتمعات التي تتبنى الثقافة الإسلامية، فكلمة “مهنة” في اللغة العربية تأتي من فعل أهان ـ مهانة أي ذل ـ إذن المهنة تعكس في اللاوعي الجمعي نوعا من العبودية التي تربط العامل بسيده!
ثم تأتيك فلسفة “الغنائم”، لتكرس في ذلك اللاوعي مفهوم السطو والسرقة كشطارة وقدرة على قهر الآخر، انطلاقا من تفسير كلمة “غنائم” التي جاءت في كل كتب التفسير على شكل: “مااؤخذ من الكفار قهرا”!!
وبناءا على تفسير فعل “غنم” الذي ورد في كل القواميس العربية على شكل “أخذ ماليس له”!
….
عندما تتبنى مفهوما ما عن طريق تجربة ما، مع الزمن تعمم ذلك المفهوم ليطغى على كل جوانب حياتك!
عندما تؤمن بشرعية “الغنائم” المأخوذة قسرا من الكفار، تعمم مع الزمن ذلك المفهوم ليشمل كل فرصة تسمح لك بسرقة ماليس لك!
لذلك، عندما يتعلق الأمر بفهوم المسلم للعمل وللوظيفة وللمنصب، لا يستطيع أن يرى فيه إلا فرصة للغنيمة!
ليس هذا وحسب، ولكن الآية التي تقول: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ
تأتي لتكرس ذلك المفهوم وتكسبه شرعيته “الألوهية”!
العلاقة بين مفهوم “الغنائم” في اللاوعي الجمعي وبين النمط السلوكي في البلدان الإسلامية علاقة متينة رغم أنها تبدو خفية، وقد يكون من الصعب للإنسان العادي أن يتبين رابطها.
من المثبت علميّا أن معظم الأفكار تتسلل إلى اللاوعي عند الإنسان خلسة، ومن ثم تتحكم لاحقا بسلوكه خارج نطاق سيطرة وعيه، الأمر الذي يؤكد لنا:
عندما يقرأ المسلم في مستهل شبابه، وهي من أهم المراحل في حياته لاكتساب مفاهيمه، أن نبيه قد جاء “اسوة حسنة” له، وفي الوقت نفسه شرّع الله لتلك “الاسوة الحسنة” أن تسطو على خمس ما كان يؤخذ من الكفار قهرا، لابد أن يشرّع لنفسه هذا الحق، باعتباره معني بتبني سلوك تلك الأسوة “الحسنة”!
…..
لذلك، قياسا على القاعدة الشرعية “خمس الغنائم”، لا نستطيع أن نرى في ثروة الرئيس اليمني ـ باعتباره من أولياء الأمر واسوة برسوله ـ إلا مبلغا أقل بكثير!!!
لقد غنم ميزانية اليمن في سنة واحدة، رغم أنه حكمها ثلاثين عاما، أي سطا على ١٪٣٠، وهي نسبة أقل بكثير مما يحق له شرعا أن يغنم!
…..
يتهمونني بالحقد على الإسلام، إذ أنني لا أرى في مناهضة الحقد حقدا، وخصوصا عندما تكون تلك المناهضة مبينة على علوم وحقائق!
يقول عنترة العبسي، الشاعر الجاهلي من باب الفخر بخلقه: وأعفُّ عن المغنم!
الأمر الذي يؤكد أن العفة عن سرقة الغنائم كانت قيمة أخلاقية قبل الإسلام، وجاء الإسلام ليكرّسها شرعا!
عندما نرفض فكرة ما، ونشرح بكل هدوء أسباب رفضنا لتلك الفكرة، لا نتوقع بأن يخرج علينا شخص ليتهمنا بالـ “حقد” على تلك الفكرة…
بل تقتضي الأخلاق أن يدحض الأسباب التي جئنا بها بمنطق، كي يعيد لتلك الفكرة شرعيتها، أما مجرد اتهامنا بالحقد عليها فلا يحل ولا يربط!
…..
نحن أمام كارثة أخلاقية في ذلك العالم المسمى “اسلاميا”!
تلك الكارثة تكمن في تشويه المفاهيم وقلبها رأسا على عقب….
المفكرون اليوم أمام مهمة مقدسة، وهي إعادة تسمية المفاهيم بأسمائها، كي يتسنى لهم بناء قاموس لغوي وفكري جديد يعرّف الرذيلة ويخلع عنها قدسيتها وشرعيتها!
في ذلك القاموس سيكون الغزو اعتداءا، والسبي انتهاكا، والغنائم سطوا وسرقة!
عندها، وعندها فقط سيصبح العمل قيمة أخلاقية مقدسة، وسيصبح المنصب قيادة ومسؤولية!
….
لدى معظم أبناء الشعب الأمريكي قناعة بأن دولتهم قد بنيت على أساس القيم المسيحية…
عندما أبحث عن جذر مفهومهم للعمل ـ كقيمة مقدسة ـ أصطدم بآية في كتابهم المقدس: وبعرق جبينك تأكل لقمتك!
….
فمتى يأكل الطغاة في بلداننا لقمتهم بعرق جبينهم؟؟؟
عندما، نعيد النظر في الثقافة التي أنجبتهم، وانجبت الشعب الذي أنجبهم!
مواضيع ذات صلة: خبراء: ثروة “بشار الأسد” نحو 1.5 مليار دولار