العلوية السياسية: حقيقة أم وهم؟

latakiashoreمأمون جعبري: موقع حزب الجمهورية

مصطلح تم إطلاقه من قبل المفكر صادق جلال العظم، مقرنا به نهاية النظام السوري والانتهاء من الاستعصاء في القضية السورية بسقوط ما أسماه صادق جلال العظم سقوط العلوية السياسية، مما يدفعنا إلى البحث في ماهية هذا التكوين وهل هو حقيقة أم وهماً.

إضاءات على بعض أساسيات العقيدة العلوية (النقاط التي تخدم بحثنا)
النقطة الأولى
العلوية كبنية عقائدية تجد في نفسها أنها العقيدة الوحيدة التي تملك معرفة الإله وحقيقته، وهي الفرقة الوحيدة التي تملك العفو الإلهي (مبشرة بالجنة) مع قناعتها أن الحساب على العلاقة بين الخالق والمخلوق تتحدد من قبل الخالق وبالتالي هي غير مسؤولة عن تصحيح خطأ بقية المعتقدات، كما لا تملك حق حسابهم، فهذا الحق هو حق إلهي.
النقطة الثانية
العلوية معتقد مغلق ولا يملك بعداً تبشيرياً فهو لايسعى إلى ضم أعداداً له من بقية الطوائف، كما أنها عقيدة تؤمن بانغلاق سلسلة الأئمة عند الإمام الغائب (المهدي المنتظر) ولا يوجد للمهدي المنتظر وريث أو موجه ينوب عنه في الأرض، أي لاتؤمن إطلاقاً بمفهوم ولاية الفقيه.
(بتقييم النقطتين السابقتين، نجد أنها بنية عقائدية بعيدة كل البعد عن إمكانية الاستثمار السياسي إن لم يجر تغيير على تلك البنية، وهذا مالم يحدث، وبذات الوقت نجد أنها بنية مسالمة تجاه الآخر وإن اعتقدت بخطأه في معرفة الإله)

العلاقة بين أشخاص سياسية فاعلة في التاريخ السوري منتيمين إلى المذهب العلوي وبين الطائفة العلوية:
لابد من تقسيم زمني لهذا الموضوع، مرحلة ما قبل استلام حافظ الأسد، ومرحلة ما بعد استلامه.
في مرحلة مابعد الاستعمار الفرنسي وخلال نهاياته، عرف المجتمع السوري شخصيتين أساسيتين فاعلتين سياسياً (علويين)، هما زكي الأرسوزي، وهيب الغانم.
من خلال قراءة المراجع التاريخية يظهر بوضوح أن كلا الشخصيتين كانا يفصلان بين انتمائهما المذهبي وبين قناعاتهما السياسية، وكلاهما انتمى فكرياً إلى أيديولوجيات سياسية، ترى الدين معيق بشكل من الأشكال لتطور المجتمع البشري، ولم يستندوا في علاقتهم مع أبناء طائفتهم إلى مفهوم وحدة المذهب.
بل أن “وهيب الغانم” اعتكف عن ممارسة أي عمل سياسي في ظل حكومة الأسد الأب.

مرحلة استلام حافظالأسد:
ماقبل استلام حافظ الأسد كانت هناك شخصيات فاعلة سياسياً في الحياة السورية تمثلت بمحمد عمران، ابراهيم ماخوس، صلاح جديد
الوقائع أشارت إلى أن حافظ الأسد فور استلامه، قام بإقصاء هذه الشخصيات من الحياة السورية وليس من الحياة السياسية فقط، فقد اتهم بقتل أحدهم في لبنان، ونفي الثاني، وسجن الثالث حتى الموت.
وهذا يضحد الإشاعات التي تم تسويقها عن وجود شكل يشبه اللوبي، يسير أمور الطائفة ويرسم رؤيتها السياسية، لأنه في حال وجوده، لن يسمح لحافظ الأسد باتخاذ مثل هذا الإجراء، وخاصة أنهم من عائلة تعتبر الأقل عدداً ولا يوجد لها مركز ديني مقارنة بهذه الأسماء.
ومن جهة ثانية، الوقائع تثبت أن حافظ الأسد استند في أهم مرحلتين وأخطرهما من مراحل حياته، إلىشخصيتين غير علوية، ووضع بهما كامل ثقته، هما (مصطفى طلاس، عبد الحليم خدام) اللذان كانا من أهم الداعمين له أثناء انقلابه على صلاح جديد، أيضاً خلال مرضه وفي فترة خلافه مع شقيقه رفعت، لقد وضع مستقبل سورية ووصيته في يد هذين الشخصين!
فأين العلوية السياسية إن كانت موجودة، من هذا؟
(حاولت السلطة السياسية اختراق البنية المذهبية للطائفة العلوية خلال حكم حافظ الأسد وفشلت، تمثلت المحاولة بضم العلويين إلى الشيعة وتعميم المذهب الشيعي. المحاولة الثانية قام بها جميل الأسد حيث حاول الحصول على اعتراف من مراجع علوية بأنه المهدي المنتظر، وتم رفض الموضوع برمته، فقام جميل الأسد بالاعتداء على أحد هذه المرجعيات بالضرب)
(كل مايشاع على أن العلويين يؤمنون بأن حافظ الأسد أو ورثته لهم قدسية دينية عند العلويين، هو مجرد إشاعات مخابراتية تماماً، ولم يتم تسجيل أي وثيقة سرية معترف بها بهذا الخصوص)

أما بالنسبة لمرحلة استلام بشارالأسد السلطة؛ فقد كان استلامه السلطة متفقاً عليه بين فعاليات اقتصادية وسياسية سورية، وتوافقات دولية، ولا علاقة فيه لمرجعية علوية دينية، إن بشار الأسد يدرك ذلك تماماً ولايحمل للعلويين أي معروف في هذا المعنى، وإن كان أبوه يحمل لبعض الضباط منهم هذا المعروف.
للإشارة، إن زواج بشار الأسد من أسماء الأخرس، غير جائز من وجهة نظر العلوية كعقيدة، لكنها تعتبره خطأ، والمسؤول عن الحساب فيه هو الله، وهذا يشير إلى أن بشار الأسد غير مهتم بمفهوم العقيدة العلوية ولا يتبع ماهو مشرع فيها.
من كل ماسبق نلاحظ أنه لا يوجد مؤشر حقيقي على وجود ما يسمى العلوية السياسية، وأصبح من اللزوم الدخول في أهم معيار يحدد علاقة أي مجموعة، أياً كان انتماؤها، بالسلطة السياسية الحاكمة، هذا المعيار الذي من خلاله يمكن استشفاف إن كان هناك ميزة خاصة حقيقية للعلويين، من وجهة نظر السلطة، وهذا المعيار هو المعيار الاقتصادي.

الساحل إقتصادياً:
منطقة الساحل السوري ذات الأغلبية العلوية تعتبر من المناطق الفقيرة في سورية كسوية دخل للقاطنين فيها، والاعتماد الأساسي هو على راتب الموظف الذي أصبح شعرة معاوية بالنسبة للإشارة إلى قيام السلطة بتمييز العلويين عن غيرهم من أطياف المجتمع السوري، والحقيقة تقول: أن الموظف في سورية عموماً هو “شحاذ” من حيث سوية دخله. ولكن براتب ثابت شهرياً، ولو كان هناك علوية سياسية تهتم بأبناء الطائفة العلوية لعملت بشكل مغاير تماماً لأبناء الطائفة.

من المنظور الاقتصادي:
الساحل يعتمد أساساًعلى موقعه (المرفأ) وعلى زراعات حصرية لاتنبت إلا في الساحل وعلى السياحة البحرية والجبلية، فهل قامت السلطة السياسية المنسوبة إلى العلويين باجراءات اقتصادية تضمن تنمية مستدامة لأبناء الساحل؟
ـ الجبال الساحلية تنتج محصولاً من أهم المحاصيل الاقتصادية في سورية وهو الدخان، ومزارعي الدخان هم من أفقر المزارعين على الإطلاق في سورية، حيث النظام الحاكم يحصر بيع الدخان إليه وبأبخس الأثمان، على الرغم من أن مؤسسة الريجي هي من أهم المؤسسات الرابحة اقتصادياً ولو قامت السلطة السياسية بدفع ثمناً عادلاً لهذا المنتج لكان العلويون هم المستفيد الأكبر مقارنة بشرائح الشعب السوري لأنهم المنتج الأساسي.
ـ الحمضيات لا أذكر ولا يوجد فقط دليل واحد على أن السلطة السورية قامت بخطوة جدية لدعم هذا المنتج بل على العكس كانت تسمح باستيراده للراغبين من التجار على الرغم من كساده كمنتج محلي (محصور في الساحل) مما جعل الألاف من مزارعيه يقومون باستئصاله والبحث عن بدائل
ـ بالنسبة للسياحة البحرية لم تقم السلطة السياسية بتطوير هذا القطاع أو دعمه، بل على العكس تم الاستيلاء على آلاف الدونمات واستملاكها من قبل السلطة السياسية، والمتضررين الأساسيين من العلويين، وحين أشار أحد الصحفيين إلى هذه الظاهرة في مقالة بعنوان لاذقية العرب للعرب تم اعتقاله وتهديده بالقتل!
النافذة البحرية يسيطر عليها مافيات من الأسرة الحاكمة وبعض تجار الساحل من بقية الطوائف.

فأين هي العلويةالسياسية ككتلة فاعلة في كل هذا.
بالنتيجة أعتقد أن العلوية السياسية هو مصطلح غير موجود إلا في أذهان البعض وتم سوقه كمحاولة خاطئة لتفسير فشل تمكن المعارضة من اسقاط النظام الدكتاتوري الحاكم في سورية، وهذاالمصطلح الخاطئ له آثاراً سلبية بالنسبة لعدالة وأحقية انتفاضة السوريين، إذ يتم من خلاله الهروب من البحث عن الإجابة الحقيقية لتأخر سقوط النظام، كما أنه يجعل النظام أكثر قوة ويفتح المجال أمام الباحثين عن تقسيم سورية

ملاحظة أولى:
(اعتذر للجميع عن الإطالة رغم أن ماكتبته هو تلخيص بسيط لبحث كامل يتجاوز تسعين صفحة، وموثق مرجعياً وفق الأصول، وفور نشر البحث سيتم الاشارة إليه في هذا الموقع)

ملاحظة ثانية:
أرجو أثناء النقاش عدم الخوض في صحة أو خطأ الاعتقاد المذهبي كون هذا الموضوع ليس من غاية هذا البحث، ومن جهة ثانية أعمل حالياً على بحث فيه الكثير من الإضاءات على بنية المذاهب الباطنية، اضاءات من وجهة نظر فلسفية وتاريخية، ليست غايتها تبيان صحة أو خطأمعتقد بل محاولة قراءة في العلاقة بين الباطنيات والأسطورة وفورأر الانتهاء منه سأشير إليه للراغبين بزيادة المعرفة بهذا الخصوص)

مودتي لكم جميعاً وأفخربالرابط السوري الإنساني الذي جمعنا على هذه الصفحة .

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.