الطفولة في العالم العربي
تعقيبا على مقالة الدكتور نجم عبد الكريم والذي أكن له منتهى التقدير .. وأعلم بان ما يدفعه لطرح كل التساؤلات عن الطفولة العربية هو إنسانيته أولا .. وحسه القومي تجاه المنطقة العربية والإنسان العربي ..
ما حثني على كتابة مقاله اليوم رغم أنني لا أدّعي معرفة الكثير في علم النفس .. تيقّني بأن تجربتي .. وأن حياتي بين الشرق والغرب أثرت وأحيت ضميري .. بحيث أصحبت انظر للعالم من منطلق إنساني فقط , بدون قيود وبدون حدود .. وصلت إلى قناعة تامه بأننا بشر لا نختلف عن الآخر .. سواء في آمالنا .. أو في حبنا لأطفالنا الذين هم الحياة بعينها .. وأن الهوية الإنسانية لا تتحدد بحدود جغرافية أو عرقية .. وأن هذه الهوية هي التي ستتغلب على كل الحواجز والحدود يوما ما .. لن أكون أنا فيه .. ولكني آمل أن يحصد أحفادي وأحفاد الآخرين نتاج ندائي للسلام وللحرية والأمن… لأنهم كلهم أبناؤنا وأحفادنا …
ما شجعني لكي أتقاسم شيئا من تجربتي تعليق إحدى القارئات القلائل التي طلبت مني الكتابة في هذا الموضوع من منطلق تجربتي .. وما أكنه للإنسان العربي من محبة وحرص على المستقبل العربي .. وإعترافي بأن الجيل الجديد هو الأمل والمستقبل .. وهو الذي سينجح فيما لم يستطيع آخرون تحقيقه ..
كلنا نعلم بأن الحاجة الأولية والضرورية لبناء الصحة النفسية لأي طفل هي الحب..وحب الأبوين لا يختلف من شخص إلى آخر .. الحب هو اول وأهم الغرائز الإيجابية في حياتنا والتي لها التأثير الأكبر على مدى إيجابية شخصيتنا .. فإن تعودنا على بثها في أطفالنا بدون حواجز من أي شكل فإنها تبقى قوة الدفع الإيجابية التي تتشكل من خلالها شخصية الطفل .. ولكن علينا الإعتراف أيضا بأنه وفيما بين سن الرابعة والعاشرة يتغلب الإحساس بالأمن .. وعدم الخوف في بناء نفسية مطمئنة وشخصية مستقبلية تقدّر وتحب وتتقبل ما حولها مع أي إختلافات ..
حقيقة أن الصحة النفسية للطفل تبتدىء من البيت ومنذ السنة الأولى .. خلال علاقة الأبوين ببعضهما .. طريقة كلامهما مع بعضهما البعض ..سيزرع في الطفل طريقة التحادث مع الآخرين .. وللأسف فإن معظم علاقاتنا ومحادثاتنا تعتمد على الجدال وبأن رأيي هو الأصوب وليس أن رأيي قد يكون خاطئا .. وتعتمد على الصوت العالي أكثر من الهدوء ومحاولة الإقناع.. بالحوار .. أما عن الإحساس بالمسئولية .. فحدث ولا حرج ..
أذكر في بداية حياتي في لندن . أنني رأيت إمرأه في السوبر ماركت تسأل إبنها ذا الثلاث أو الأربع سنوات ..هل نشتري حبتين بصل أم واحده تكفي .. هل لدينا بندوره في البيت ام لا .. آنذاك ظننت أنها معتوهه .. ولكني الآن أفهم لماذا كانت تسأله .. لأنها بهذه الأسئله تعوّد الطفل على التواصل بالمحادثه .. ثم تعطيه إحساسا بالأهمية .. ثم تعوده على المشاركه الفعليه في القرار .. والعد والقيمة الماديه للأشياء.. وكلها تؤسس لشخصية تعتمد العقل في كل قراراتها ..
قبل عدة سنوات .. دخلت في حوار عن مدى عدالة القضية الفلسطينية عبر الإنترنت مع شخص يهودي يعيش في السويد وبعد 3-4 رسائل .. أخبرني بأنه يبحث محتوى رسائلي مع اولادة الذين لا تتجاوز أعمار أكبرهم العاشرة … فهمت حينها كيف تنمو الديمقراطية .. والحوار وقبول الرأي ألاخر ..
بعد فترة قصيرة أنقطع عن هذا الحوار حين وجد أنني أضع النقاط على الحروف .. ولكن بطريقة أخرى إعترفت فيها بحقه كإنسان في الحياة .. ولكن بدون أن يكون هذا الحق على حساب بؤس الإنسان الفلسطيني المستمر والمتكرر …
ثم نأتي لحث الأطفال على المشاركة في فرحة العيد .. وللأسف فأول ما نبدأ بالإحتفال به هو مشاهدة عملية ذبح خروف العيد .. غير واعين أو مدركين لخطورة هذه الفرجه .. التي تقتل الإحساس الغريزي بالتعاطف مع الحيوان .. وبالتدريج يفقد الطفل إحساس الرحمه والرفق بالحيوانات كلها .. ولكن والأهم انها تزرع الخوف فيه .. برغم تأكيدنا بتحليلة من الله ومن هنا تبدأ رحلة العذاب والخوف من الله ..
أعترف أنني وفي حرصي على تعليم حفيدتي العربية . أردت أن أقرأ لها بعض قصص الأطفال التي أحضرتها خصيصا لهذا الغرض .. فقرأت اول ما قرأت سلسة قصص دينية للأطفال .. كان من ضمنها قصص الأنبياء .. ’صعقت لمدى الخوف بل الرعب الذي تبثه هذه القصص في نفسية الطفل .. تصوير الله بأسلوب يفتقر إلى أي صفة من صفات الله .. المحبة والرحمة والمغفرة والإحسان والعدل .. بينما الصفات التي تبقى في ذهن الطفل كلها صفات سلبية مرعبة ..
قبل 3-4 سنوات .. قرأت خبرا بان الداعية الشاب عمرو خالد . قدّم جوائز لأطفال لا تتجاور أعمارهم 12 سنة .. لحفظهم القرآن غيبا .. ’صعقت من الخبر .. لأن تحميل هذا الطفل في هذه السن الغضة كل هذا ما هو إلا عملية غسل دماغ .. تضعه على اول سلم الإنتحار ..
عزيزتي هدى .. هناك الكثير مما اود مشاركة الجميع فيه .. لنتحاور سويا بما هو أفضل لأطفالنا .. لأنهم فرحة الحياة ولأنهم المستقبل .. والأمل في حياة أفضل ..
اما بالنسبة لتعلم اللغات .. لقد أثبت العلم أن دماغ الطفل لدية قدرة فائقة على الإستيعاب تفوق أي قدرة أخرى ..وأن لديه القدرة على ربط كل لغة بالشخص الذي يستمر معه فيها والذي يربطة بشخصيته بالحب والحنان .. وأعتقد جازمة بأن ليس هناك أكثر حبا من حب الجد والجدة لأحفادهما .. فهم طاقة الأمل .. وباب لحياة جديدة كنا على وشك إغلاقه .. وبالفعل اعتقد أنني نجحت في مهمتي تلك .
تأتي بعد ذلك المناهج التعليمية .. وهنا تأتي المصيبة الكبرى التي أؤمن بأن الجزء الأكبر من مسؤولية تغييرها تقع على كل الآباء إن هم فعلا أرادوا الحياة لأبنائهم .. وأرادوا لهم عدم الغرق في قوارب الموت هربا من المنطقة العربية كلها .. المسؤولية مشتركه ما بين الحكومات العربية .. والأهالي لتغييرها وتطويرها بما يتماشى مع العلم الحديث .. ومع حقوق الإنسان العالمية .. الرجل والمرأة بعيدا عن كل حواجز الديانات .. وإلا فإن أي مظاهر للتطور تبقى شكلية وزائفة ولا ترقى إلى المستوى الإنساني في عالم أصبح بلا حدود !!!
منظمة بصيرة للحقوق الإنسانية
المصدر إيلاف